You are on page 1of 39

‫العقيدة الواسطية‬

‫لشيخ السلم ابن تيمية‬


‫وهو شيخ السلم تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلم بن تيمية‬
‫الحراني المتوفى سنة ‪ 728‬هـ بدمشق رحمه ال تعالى‬
‫راجعها وقدمها خادم العلم عبد ال بن إبراهيم النصاري‪ ،‬وحققها الشيخ محمد بن عبد العزيز‬
‫بن مانع‬

‫‪1‬‬
‫وراجع الملف لمشروع "المحدث"‪ :‬الدكتور محمد حبش‪ ،‬مدير مركز الدراسات السلمية في‬
‫مجمع أبي النور‪ ،‬وعرفان الرباط من دار الحديث النبوي الشريف بدمشق‪ ،‬وتمت الشارة إلى‬
‫تعليقاتهما بعبارة‪ :‬مشروع المحدث‬
‫الكتاب موافق لطبعة إدارة إحياء التراث السلمي بدولة قطر‪ ،‬أما تسمية الفصول فإنها من‬
‫عندنا لعدم وجودها في الكتاب‪.‬‬

‫مقدمة المراجع‬

‫الحمد ل الذي ليس كمثله شيء‪ ،‬الذي شهد كل شيء بربوبيته‪ ،‬وأذعنت له بالعبودية جميع‬
‫مخلوقاته ومصنوعاته‪ ،‬فذرات الكائنات بأسرها تؤدي الشهادة بأنه ال الذي ل إله إل هو‬
‫الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر‪ ،‬سبحان ال عما يشركون‬
‫وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا‪ ،‬وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد الحد الفرد‬
‫الصمد‪ ،‬والصلة والسلم على النبي المي سيدنا محمد خيرته من خلقه‪ ،‬وأمينه على وحيه‬

‫‪2‬‬
‫الذي أوضح السبيل وأنار الطريق‪ ،‬وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها‬
‫إل هالك ورضي ال عن آله وأصحابه ووراثه العلماء العاملين الذين تحملوا أمانة الشريعة‬
‫واحتضنوا تلك الرسالة فبلغوها غير مغيرين ول مبدلين‪ ،‬فكانوا نواب الرسل عليهم السلم‬
‫ومن أولئك العلماء الفذاذ‪ :‬شيخ السلم تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد‬
‫السلم بن تيمية الحراني في كتابه‪ :‬العقيدة الواسطية والذي أخذ على نفسه الرجوع في‬
‫العقيدة والتشريع إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح حين رأى تشعب الهواء‬
‫والتمزق الفكري في أمر العقيدة لذا شرع رحمه ال في الرد على أهل البدع والضللة‪ ،‬يقمع‬
‫أباطيلهم ويفند مزاعمهم بالحجج الظاهرة والبراهين الساطعة من صحيح المنقول وصريح‬
‫المعقول‪ ،‬بحيث قضى على زيفهم فجعله أثرا بعد عين‪ ،‬وعلى أباطيلهم فأصبحت سرابا يحسبه‬
‫الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا‪ ،‬وعقيدته التي ضمنها الرسالة وهي العقيدة‬
‫الواسطية المشهورة التي اهتدى بهديها كثير من الئمة وهي خير شاهد على ما نقول فهذه‬
‫الرسالة شجرة إيمان أصلها ثابت وفرعها في السماء‪ ،‬مشعة يهتدي بسناها الحائرون‪،‬‬
‫ويؤمها الموفقون‪ ،‬ويذعن لها من شرح ال صدره بالسلم فهو على نور من ربه‪ ،‬ويعرض‬
‫عنها من أضله ال‪ ،‬وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة‪ ،‬فدونكها هدية ل‬
‫يوازيها هدية‪ ،‬لبابها رحيق التوحيد‪ ،‬وجله كلم ال ورسوله من ل ينطق عن الهوى إن هو‬
‫إل وحي يوحى‪ ،‬أعلم الناس بذات ال وصفاته وأسمائه وأفعاله‪ ،‬فدع عنك أوهام المطموسين‪،‬‬
‫وخذ حقائق الوحي‪ ،‬وتمتع بسنا نوره فماذا بعد الحق إل الضلل وال يهدي إلى سواء‬
‫السبيل‪.‬‬
‫نسأل ال تعالى أن يجزل الجر والثواب والمغفرة للمؤلف والمصنف ولمن ساهم في‬
‫مراجعتها وإخراجها إنه سميع مجيب وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن‬
‫تبع هديه إلى يوم الدين‪ ،‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين والحمد ل‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫غرة ربيع الثاني‪ 1406 :‬هـ‬
‫الموافق‪ 1985 / 12 / 13 :‬م‬
‫كتبه خادم العلم عبد ال بن إبراهيم النصاري مدير إدارة إحياء التراث السلمي دولة قطر‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫العقيدة الواسطية‬

‫تصنيف‪:‬‬
‫شيخ السلم تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلم بن تيمية الحراني‬
‫المتوفى سنة ‪ 728‬هـ بدمشق رحمه ال تعالى‬
‫كتبها سنة ‪ 698‬هـ إجابة لطلب أحد قضاة واسط‬
‫تقريظ الديب على زين العابدين خريج الكلية الحربية بمصر‪:‬‬
‫قبس يشع على القلوب هداها‬ ‫تلك)العقيدة(ما أجل سناها‬
‫تهدي الضليل إلى الهدي‬ ‫فيها من القرآن كل فضيلة‬
‫بضياها‬
‫في الدين والدنيا إذا يغشاها‬ ‫فيها الفلح لمن أراد سعادة‬
‫وروت)صفات ال(في معناها‬ ‫زفت لنا)اليمان(أجلى صورة‬

‫‪4‬‬
‫والتشبية والتمثيل ما أسماها‬ ‫جلت عن التعطيل والتكييف‬
‫وثقت وصيغ من الهدى مبناها‬ ‫فتمسكن بعرى العقيدة إنها‬
‫زاد العقيدة قوة وجلها‬ ‫وزهت بتصحيح)ابن مانع(الذي‬
‫في كل قلب ضمها ووعاها‬ ‫فإذا بها شمس يشع ضياؤها‬
‫علق حواشيها وأشرف على تصحيحها فضيلة العلمة الشيخ‪ :‬محمد بن عبد العزيز بن مانع‬
‫مدير المعارف العام ‪ -‬أجزل ال له الثواب وأدامه ذخرا للعلم وطلبه‪.‬‬

‫مقدمة المؤلف‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم (‪(1‬‬


‫الحمد ل الذي (‪(2‬أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بال شهيدا‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له إقرارا به وتوحيدا‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‬
‫صلى ال عليه (‪(3‬وعلى آله وسلم تسليما مزيدا‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة‪ ،‬أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو‬
‫اليمان بال وملئكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت واليمان بالقدر خيره وشره‪.‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬قوله بسم ال‪ ،‬الجار والمجرور متعلقان بمحذوف والمختار كونه فعلً خاصا متأخرا‬
‫والتقدير أؤلف حال كوني مستعينا بذكر ال متبركا به ولفظ الجللة دال على الصفة القائمة به‬
‫تعالى وهي اللهية قال ابن عباس‪ :‬ال ذو اللهية والعبودية على خلقه أجمعين‪ ،‬قوله الرحمن‬
‫الرحيم صفتان ل فالرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه‪ ،‬والرحيم دال على تعلقها‬
‫بالمرحوم يظهر ذلك بتأمل قوله تعالى) وكان بالمؤمنين رحيما(‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(‪ )2‬قوله الحمد ل نقيض الذم وهو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللزمة والمتعدية‪،‬‬
‫والشكر ل يكون إل على المتعدية ويكون باللسان والجنان والركان كما قال الشاعر‪:‬‬
‫يدي ولساني والضمير المحجّبا‬ ‫أفادتكم النعماء مني ثلثة‬
‫(‪ )3‬قوله‪ :‬صلى ال عليه وسلم أصح ما قيل في صلة ال على عبده هو ما ذكره البخاري‬
‫في صحيحه عن أبي العالية قال‪ :‬صلة ال على رسوله ثناؤه عليه عند الملئكة‬

‫‪.‬‬

‫اليمان بما وصف ال به نفسه في كتابه‪:‬‬

‫ومن اليمان بال اليمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم من غير تحريف ول تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف ول تمثيل(‪(1‬بل يؤمنون بأن ال‬
‫سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‪ .‬فل ينفون عنه ما وصف به نفسه ول‬
‫يحرفون الكلم عن مواضعه‪ ،‬ول يلحدون في أسماء ال وآياته (‪(2‬ول يكيفون ول يمثلون‬
‫صفاته بصفات خلقه (‪(3‬لنه سبحانه ل سميّ (‪(4‬له‪ ،‬ول كُ ُفوَ له‪ ،‬ول نِدّ له (‪(5‬ول يقاس‬
‫بخلقه سبحانه وتعالى فإنه أعلم بنفسه وبغيره‪ ،‬وأصدق قيل وأحسن حديثا من خلقه‪ .‬ثم‬
‫رسله صادقون مصدوقون‪ ،‬بخلف الذين يقولون عليه ما ل يعلمون‪ ،‬ولهذا قال)سبحان ربك‬
‫رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسلم على المرسلين‪ ،‬والحمد ل رب العالمين(فسبح نفسه عما‬
‫وصفه به المخالفون للرسل‪ ،‬وسلم على المرسلين لسلمة ما قالوه من النقص والعيب‪ .‬وهو‬
‫سبحانه قد جمع فيما وصف وسمىّ به نفسه بين النفي والثبات‪ ،‬فل عدول لهل السنة‬
‫والجماعة عما جاء به المرسلون‪ .‬فإنه الصراط المستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم ال عليهم من‬
‫النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪.‬‬
‫وقد دخل في هذه الجملة ما وصف به نفسه في سورة الخلص التي تعدل ثلث القرآن حيث‬
‫يقول)‪ :‬قل هو الله أحد الله الصمد‪ ،‬لم يلد‪ ،‬ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له‬
‫كفوا ً أحد(وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه حيث يقول)‪ :‬الله ل إله إل‬
‫هو الحي القيوم‪ ،‬ل تأخذه سنة ول نوم‪ ،‬له ما في السماوات‬
‫وما في الرض‪ ،‬من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه‪ ،‬يعلم ما بين‬

‫‪6‬‬
‫أيديهم وما خلفهم ول يحيطون بشيء من علمه إل بما شاء‬
‫سيه السماوات والرض ول يؤوده حفظهما ‪ -‬أي ل يَ ْكرِثه‬
‫وسع كر ِ‬
‫ول ُيثْقِلُه (‪( 6‬وهو العلي العظيم(ولهذا كان من قرأ هذه الية في ليلة لم يزل عليه‬
‫من ال حافظ ول يقربه شيطان حتى يصبح‪ .‬وقوله سبحانه)‪ :‬هو الول وال ِ‬
‫خر‬
‫والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم(وقوله سبحانه)‪ :‬وتوكل على‬
‫الحي الذي ل يموت(وقوله)وهو العليم الحكيم(‪)،‬وهو الحكيم‬
‫الخبير(‪)،‬يعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها وما ينزل من‬
‫السماء وما يعرج فيها) ‪( -‬وعنده مفاتح الغيب ل يعلمها إل هو‬
‫ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إل يعلمها ول‬
‫حبة في ظلمات الرض ول رطب ول يابس إل في كتاب مبين(‬
‫ن‬‫وقوله)‪ :‬وما تحمل من أنثى ول تضع إل بعلمه( وقوله)‪ :‬لتعلموا أ َّ‬
‫ن الله قد أحاط بكل شيء علماً (‬
‫الله على كل شيء قدير وأ َّ‬
‫وقوله)‪ :‬إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين(وقوله)‪ :‬ليس كمثله‬
‫شيء وهو السميع البصير(‪ ،‬وقوله)‪ :‬إن الله ن ِ ِ‬
‫ع َّ‬
‫ما يعظكم به إن الله‬
‫كان سميعا ً بصيراً (وقوله)‪ :‬ولول إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله ل‬
‫قوة إل بالله) ‪( -‬ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما‬
‫يريد(وقوله)‪ :‬أحلت لكم بهيمة النعام إل ما يُتلى عليكم غير‬
‫حُرم‪ .‬إن الله يحكم ما يريد(‪ ،‬وقوله)‪ :‬فمن يرد‬
‫د وأنتم ُ‬
‫ى الصي ِ‬
‫محل ِ ّ‬
‫الله أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل‬
‫صدره ضيقا ً حرجا ً كأنما يصعد في السماء(وقوله)‪ :‬وأحسنوا إن‬
‫الله يحب المحسنين)( وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) ‪-‬‬
‫(فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين) ‪(-‬إن‬
‫الله يحب التوابين ويحب المتطهرين(وقول)‪ :‬قل إن كنتم تحبون‬
‫الله فاتبعوني يحببكم الله(وقوله)‪ :‬فسوف يأتي الله بقوم يحبهم‬
‫ويحبونه(وقوله)‪ :‬إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً‬
‫كأنهم بنيان مرصوص(وقوله)‪:‬وهو الغفور الودود( وقوله‪ :‬بسم ال الرحمن‬
‫الرحيم)‪ :‬ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما) ‪( -‬وكان بالمؤمنين‬
‫رحيما) ‪( -‬ورحمتي وسعت كل شيء) ‪( -‬كتب ربكم على نفسه‬

‫‪7‬‬
‫الرحمة)(وهو الغفور الرحيم))‪ -‬فالله خير حافظا ً وهو أرحم‬
‫الراحمين(وقوله)‪:‬رضي الله عنةهم ورضوا عنه(وقوله)‪ :‬ومن يقتل‬
‫مؤمنا ً متعمدا ً فجزاؤه جهنم خالدا ً فيها وغضب الله عليه ولعنه(‬
‫وقوله)‪ :‬ذلك بأنهم اتَّبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه(‪ ،‬وقوله)‪:‬‬
‫فلما آسفونا انتقمنا منهم(وقوله)‪ :‬ولكن كرهَ الله انبعاثهم‬
‫فثبطهم(وقوله‪( :‬كبر مقتا ً عند الله أن تقولوا ما ل تفعلون(وقوله‪:‬‬
‫(هل ينظرون إل أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملئكة‬
‫وقضي المر(‪ ،‬وقوله)‪ :‬هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة أو يأتي‬
‫ربك أو يأتي بعض آيات ربك) ‪( -‬كل إذا دُكَّت الرض دكا ً دكا وجاء‬
‫ق السماء بالغمام ونزل‬ ‫ش َّ‬
‫ربك والملك صفا ً صفا) ‪( -‬ويوم ت َ َ‬
‫ق ُ‬
‫الملئكة تنزيل(وقوله)‪ :‬ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام) ‪( -‬كل‬
‫شيء هالك إل وجهه(وقوله)‪ :‬ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) ‪-‬‬
‫(وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا‪ ،‬بل‬
‫يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء(وقوله)‪ :‬واصبر لحكم ربك فإنك‬
‫بأعيننا) ‪( -‬وحملناه على ذات ألواح ودسر‪ ،‬تجري بأعيننا جزاء‬
‫لمن كان كفر) ‪( -‬وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على‬
‫عيني(وقوله)‪ :‬قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي‬
‫إلى الله‪ ،‬والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير(وقوله)‪ :‬لقد‬
‫سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) ‪( -‬أم‬
‫يحسبون أنا ل نسمع سرهم ونجواهم‪ ،‬بلى ورسلنا لديهم‬
‫يكتبون( وقوله)‪:‬إنني معكما أسمع (‪(7‬وأرى( وقوله)‪ :‬ألم يعلم بأن‬
‫الله يرى) –(الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو‬
‫السميع العليم) ‪( -‬وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله‬
‫والمؤمنون( وقوله)‪ :‬وهو شديد المحال) (‪( 8‬وقوله)‪ :‬ومكروا ومكر‬
‫الله (‪( 9‬والله خير الماكرين(‪ ،‬وقوله)‪ :‬ومكروا مكرا ً ومكرنا مكراً‬
‫وهم ل يشعرون( ‪ ،‬وقوله)‪ :‬إنهم يكيدون كيدا ً وأكيد كيداً (وقوله)‪ :‬إن‬
‫تبدوا خيرا ً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً‬

‫‪8‬‬
‫قديرا) ‪( -‬وليعفوا وليصفحوا أل تحبون أن يغفر الله لكم والله‬
‫غفور رحيم(‪ ،‬وقوله)‪ :‬ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين(‪ ،‬وقوله عن‬
‫إبليس)‪ :‬فبعزتك لغوينهم أجمعين(‪ ،‬وقوله)‪ :‬تبارك اسم ربك ذي‬
‫الجلل والكرام( ‪ ،‬وقوله)‪ :‬فاعبده واصطبر لعبادته‪ ،‬هل تعلم له‬
‫سميا)(‪(-)10‬ولم يكن له كفوا ً أحد( ‪) ،‬فل تجعلوا لله أندادا ً وأنتم‬
‫تعلمون) ‪( -‬ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ً يحبونهم‬
‫كحب الله) ‪( -‬وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له‬
‫شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا) ‪-‬‬
‫(يسبح لله ما في السماوات وما في الرض له الملك وله الحمد‬
‫وهو على كل شيء قدير) ‪( -‬تبارك الذي نزل الفرقان على‬
‫عبده ليكون للعالمين نذيرا ً الذي له ملك السماوات والرض ولم‬
‫يتخذ ولدا ً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره‬
‫تقديراً ) ‪( -‬ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب‬
‫كل إله بما خلق ولعل بعضهم على بعض سبحان الله عما‬
‫يصفون‪ ،‬عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون) ‪( -‬فل‬
‫تضربوا لله المثال إن الله يعلم وأنتم ل تعلمون( )‪-‬قل إنما‬
‫حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير‬
‫تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ً وأن تقولوا‬ ‫الحق وأن‬
‫على الله ما ل تعلمون(وقوله)‪ :‬الرحمن (‪( 11‬على العرش استوى) (‬
‫‪ ) 12‬في سبعة مواضع‪ :‬في سورة العراف قوله)‪ :‬إن ربكم الله الذي خلق‬
‫السماوات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش( ‪ ،‬وقال‬
‫في سورة يونس عليه السلم)‪ :‬إن ربكم الله الذي خلق السماوات‬
‫والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش( ‪ ،‬وقال في سورة‬
‫الرعد)الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على‬
‫العرش( وقال في سورة طه)‪:‬الرحمن على العرش استوى( وقال في سورة‬
‫الفرقان)‪ :‬ثم استوى على العرش الرحمن(وقال في سورة ألم السجدة)‪ :‬ال‬
‫الذي خلق السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام ثم‬
‫استوى على العرش(وقال في سورة الحديد‪( :‬هو الذي خلق السماوات‬
‫والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش(وقوله)‪ :‬يا عيسى‬
‫‪9‬‬
‫إني متوفيك ورافعك إلي) ‪( -‬بل رفعه الله إليه( )‪-‬إليه يصعد‬
‫الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ‪( -‬يا هامان ابن لي صرحاً‬
‫لعلي أبلغ السباب‪ ،‬أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى‬
‫وإني لظنه كاذباً) (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم‬
‫الرض فإذا هي تمور‪ ،‬أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم‬
‫حاصبا ً فستعلمون كيف نذير(وقوله)‪ :‬هو الذي خلق السماوات‬
‫والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في‬
‫الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو‬
‫معكم إينما كنتم والله بما تعملون بصير) ‪( -‬ما يكون من نجوى‬
‫ثلثة إل هو رابعهم ول خمسة إل هو سادسهم ول أدنى من ذلك‬
‫ول أكثر إل هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم‬
‫القيامة إن الله بكل شيء عليم(وقوله)‪ :‬ل تحزن إن الله معنا) ‪-‬‬
‫(إنني معكما أسمع وأرى) ‪( -‬إن الله مع الذين اتقوا والذين هم‬
‫محسنون( )‪-‬واصبروا إن الله مع الصابرين) ‪( -‬كم من فئة قليلة‬
‫ن أصدق‬
‫م ْ‬ ‫غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين( وقوله)‪َ :‬‬
‫و َ‬
‫من الله حديثا) )ومن أصدق من الله قيل) ‪( -‬وإذ قال الله يا‬
‫عيسى ابن مريم) ‪( -‬وتمت كلمت ربك صدقا ً وعدل) ‪( -‬وكلم الله‬
‫موسى تكليما) ‪( -‬منهم من كلم الله) ‪( -‬ولما جاء موسى‬
‫َ‬
‫لميقاتنا وكل ّمه ربه) ‪( -‬وناديناه من جانب الطور اليمن وقربناه‬
‫نجيا )(وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين) ‪( -‬وناداهما‬
‫ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة) ‪( -‬وإن أحد من المشركين‬
‫استجارك فأجره حتى يسمع كلم الله)( ويوم يناديهم فيقول‪:‬‬
‫ماذا أجبتم المرسلين –( )وقد كان فريق منهم يسمعون كلم‬
‫الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون( )يريدون أن‬
‫يبدلوا كلم الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) ‪( -‬واتل‬
‫ما أوحي إليك من كتاب ربك ل مبدل لكلماته) ‪( -‬إن هذا القرآن‬
‫يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) – (وهذا‬
‫كتاب أنزلناه مبارك) ‪( -‬لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته‬
‫خاشعا ً متصدعا ً من خشية الله) ‪( -‬وإذا بدلنا آية مكان آية والله‬

‫‪10‬‬
‫أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم ل يعلمون) ‪( -‬قل‬
‫نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى‬
‫وبشرى للمسلمين‪ ،‬ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر‪،‬‬
‫لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين(وقوله)‪:‬‬
‫وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ‪( -‬على الرائك ينظرون) ‪-‬‬
‫(للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) (‪( - )13‬لهم ما يشاءون فيها‬
‫ولدينا مزيد(وهذا الباب في كتاب ال كثير‪ ،‬من تدبر القرآن طالبا للهدى منه تبين له‬
‫طريق الحق‪.‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬قوله‪ :‬من غير تحريف ول تعطيل‪ ،‬قال الراغب تحريف الشيء إمالته كتحريف القلم‪.‬‬
‫وتحريف الكلم‪ :‬أن نجعله على حرف من الحتمال يمكن حمله على الوجهين‪ .‬قال ال عز‬
‫وجل (يحرفون الكلم عن مواضعه) وصفات ال دالة على معان قائمة بذات الرب جل جلله ل‬
‫تحتمل غير ذلك فيجب اليمان والتصديق بها وإثباتها ل إثباتا بل تمثيل لنه ليس كمثله‬
‫شيء وتنزيها له تعالى عن مشابهة خلقه بل تعطيل‪ ،‬والتعطيل جحد الصفات اللهية وإنكار‬
‫قيامها بذاته تعالى كما هو قول المعتزلة والجهمية‪ ،‬وكذلك ل تكيف صفاته كما ل تكيف ذاته‬
‫ول تمثل ول تشبه بصفات المخلوقين لنه ليس له كفء ول مثيل‪ ،‬ول نظير‪ ،‬ويرحم ال ابن‬
‫القيم حيث قال‪:‬‬
‫إن المشبّه عابدُ الوثان‬ ‫لسنا نشبه وصفَه بصفاتنا‬
‫إن المعطّل عابدُ البهتان‬ ‫كلّ ول نُخليه من أوصافنا‬
‫)كلمه "أوصافنا" خطأ هنا‪ ،‬بل الصحيح أن يقال‪" :‬ولسنا نخليه من أوصافه"‪ ،‬وقد قال بعده‬
‫ببيتين‪" :‬أو عطل الرحمن من اوصافه"‪ ،‬وهو صحيح‪ .‬محمد حبش وعرفان رباط‪ ،‬من مشروع‬
‫المحدث)‬
‫فهو الشبيه لمشْركٍ نصراني‬ ‫من شبّه ال العظيم بخلقه‬
‫فهو الكفور وليس ذا اليمان‬ ‫أو عطّل الرحمن من أوصافه‬
‫(‪ )2‬اللحاد إما يكون بجحدها وإنكارها‪ ،‬وإما بجحد معانيها وتعطيلها‪ ،‬وإما بتحريفها عن‬
‫الصواب وإخراجها عن الحق بالتأويلت‪ ،‬وإما بجعلها اسما لهذه المخلوقات كإلحاد أهل‬
‫اللحاد‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫(‪ )3‬لن الصفة تابعة للموصوف فكما أن الموصوف سبحانه ل تعلم كيفية ذاته فكذلك ل تعلم‬
‫كيفية صفاته مع أنها ثابتة في نفس المر‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي مثيلً ونظيرا يستحق اسمه وموصوفا يستحق صفته على التحقيق‪ ،‬وليس المعنى ما‬
‫نجد من يتسمى باسمه إذ أن كثيرا من أسمائه قد يطلق على غيره لكن ليس معناه إذا استعمل‬
‫فيه كان معناه كما إذا استعمل في غيره‪.‬‬
‫(‪ )5‬النداد‪ :‬المثال والنظراء‪ ،‬فكل من صرف شيئا من أنواع العبادة لغير ال رغبة فيه أو‬
‫رهبة منه فقد اتخذه ندا ل لنه أشرك مع ال فيما ل يستحقه غيره وذلك كحال عباد الموات‬
‫الذين يستعينون بهم وينذرون لهم ويحلفون بأسمائهم‪.‬‬
‫(‪ )6‬قال في القاموس وشرحه‪ :‬كرثة المر والغم يكرثه بالكسر ويكرثه بالضم اشتد عليه‬
‫وبلغ منه المشقة‪ ،‬قال وكل ما أثقلك فقد كرثك‪ ،‬قال الصمعي ل يقال كرثة وإنما يقال أكرثه‪.‬‬
‫(‪ )7‬قوله إنني معكما أسمع وأرى‪ ،‬قال شيخ السلم بعد كلم سبق‪ ،‬وهذا شأن جميع ما‬
‫وصف ال به نفسه لو قال في قوله إنني معكما أسمع وأرى كيف يسمع وكيف يرى‪ ،‬لقلنا‬
‫السمع والرؤية معلوم والكيف مجهول‪ ،‬ولو قال كيف كلم موسى تكليما لقلنا التكليم معلوم‬
‫والكيف غير معلوم اهـ‬
‫(‪ )8‬وهو شديد المحال أي الخذ بالعقوبة‪.‬‬
‫وقال ابن عباس شديد الحول‪ ،‬وقال مجاهد شديد القوة‪.‬‬
‫(‪ )9‬قوله‪ ،‬وال خير الماكرين‪ :‬قال بعض السلف في تفسير المكر يستدرجهم بالنعم إذا‬
‫عصوه ويملي لهم‪ ،‬ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر‪ .‬قال الحسن من وسّع ال عليه فلم َيرَ أنه‬
‫يمكر به فل رأي له‪ ،‬وقد جاء في الحديث إذا رأيت ال يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما‬
‫يحب‪ ،‬فإنما هو استدراج وال جل وعل وصف نفسه بالمكر والكيد‪ ،‬كما وصف عبده بهما‬
‫لكن ليس المكر كالمكر ول الكيد كالكيد‪ ،‬ول المثل العلى ليس كمثله شيء وهو السميع‬
‫البصير‪.‬‬
‫(‪ )10‬قال شيخ السلم قال أهل اللغة هل تعلم له سميا أي نظيرا استحق مثل اسمه ويقال‬
‫مساميا يساميه وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس هل تعلم له سميا مثيلً أو شبيها اهـ‪.‬‬
‫وقد سبق ذكر حاشيته بهذا المعنى مفيدة فلتراجع‪.‬‬
‫(‪ )11‬قوله الرحمن على العرش استوى‪ :‬الستواء هو العلو والرتفاع‬

‫‪12‬‬
‫قول المام ابن تيمية رحمه ال‪" :‬الستواء هو العلو والرتفاع"‪ ،‬هو أحد وجوه تأويل‬
‫الستواء‪ ،‬وذهبت إليه طائفة من السلف‪ ،‬فيما ذهبت طائفة ثانية إلى أن الستواء هو الملك‬
‫والستيلء‪ ،‬وفوضت طائفة ثالثة فقالت نؤمن بظاهر النص دون تأويل‪.‬‬
‫والمذاهب الثلثة مروية عن أئمة أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫أما دليل الطائفة الثانية فهو من وجهين‪:‬‬
‫أولهما أن للستواء أكثر من معنى في القرآن الكريم‪ ،‬فمنه الستواء الحسي بمختلف معانيه‬
‫ما بَل َ َ‬
‫غ‬ ‫ومنها العلو والرتفاع‪ ،‬ومنه الستواء المعنوي في قوله سبحانه وتعالى}‪َ :‬‬
‫ول َ َّ‬
‫وى‪{ .‬فاخذوا بهذا المعنى من كتاب ال عز وجل وبذلك تقيدوا كذلك بالية‬ ‫ست َ َ‬ ‫أَ ُ‬
‫شدَّهُ َ‬
‫وا ْ‬
‫المحكمة)‪ :‬ليس كمثله شيء‪(.‬‬
‫وثانيهما أنه ل يقال مثل للملك المقهور‪ ،‬إذا أسره العدو وجلبوا عرشه إلى سجنه فأجلسوه‬
‫عليه‪ ،‬أنه استوى على العرش‪ ،‬بل ينبغي للستواء بشأن العظام والملوك أن يحمل معاني‬
‫الملك والقدرة‪ ،‬كل بحسبه) أي أن استواء الشاب هو كمال نموه‪ ،‬واستواء الملك هو استيلؤه‬
‫على ملكه الحسي‪ ،‬واستواء ال عز وجل إذا فسر بالقدرة والستيلء فهو كما يليق بصفاته‪،‬‬
‫فل يشاركه خلقه في معاني الستواء‪ ،‬كما إنهم ل يشاركوه في معاني القدرة والرحمة والسمع‬
‫والبصر‪ ،‬إل بمجرد توافق بين الكلمات‪(.‬‬
‫وبسبب إنكار بعض أفراد هذه المذاهب على غيرها‪ ،‬نذكر قول العديد من العلماء‪ ،‬منهم المام‬
‫النووي في شرح صحيح مسلم‪ ،‬ومنهم المام ابن تيمية بعده‪ ،‬أن النكار هو في ما أجمع‬
‫عليه‪ ،‬وأما ما ل إجماع عليه‪ ،‬فل إنكار فيه‪ .‬ول مندوحة من اتباع كلمهم‪ ،‬وإل فيكون‬
‫صاحب كل مذهب قد تحكّم)جعل نفسه الحَ َكمَ الفاصل(في موضوع الخلف‪ ،‬وهذا مما يشتت‬
‫المة ويفرقها‪ ،‬قال ال تعالى)‪ ... :‬أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه‪( .‬‬
‫وليس معنى التفريق المنهي عنه هو اختلف الجتهاد‪ ،‬حيث قد اختلف الصحابة في الجتهاد‬
‫)مثل في قوله صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل يصلين أحدكم العصر إل في بني قريظة‪ ،‬وأقرهم النبي‬
‫على ذلك بسكوته(‪ ،‬وإنما التفريق المنهي عنه هو التكفير والتهام بالضللة‪ ،‬بدليل معنى‬
‫الكلمة في قوله تعالى ‪ :)...‬ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله‬
‫ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض‪(.‬مشروع المحدث)‬
‫فهو سبحانه كما أخبر عن نفسه فوق مخلوقاته مستو على عرشه وقد عبر أهل السنة عن‬
‫ذلك بأربع عبارات ومعناها واحد وقد ذكرها ابن القيم في النونية حيث قال‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫قد حصلت للفارس الطعان‬ ‫فلهم عبارات عليها أربع‬
‫تفع الذي ما فيه من نكران‬ ‫وهي استقر وقد عل وكذلك ار‬
‫وأبو عبيدة صاحب الشيباني‬ ‫وكذاك قد صعد الذي هو رابع‬
‫أدرى من الجهمي بالقرآن‬ ‫يختار هذا القول في تفسيره‬
‫بحقيقة استولى من البهتان‬ ‫والشعري يقول تفسير استوى‬
‫ليس من البهتان بل هو تنزيه ل سبحانه)‪ :‬ليس كمثله شيء(‬
‫فإن مذهب الشعرية ل يشتمل على إنكار الستواء‪ ،‬بل على تأويله تأويل سائغا في مناهج‬
‫المفسرين‪.‬‬
‫ومع أن من الشاعرة من فسر الستواء بالستيلء‪ ،‬غير أن أبا الحسن الشعري نفسه قال‬
‫في "البانة"‪:‬‬
‫وأن ال تعالى استوى على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها‬
‫عن الممارسة والستقرار والتمكن والحلول والنتقال‪.‬‬
‫وقال‪ :‬نقول إن ال عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به من غير طول استقرار كما‬
‫قال)‪ :‬الرحمن على العرش استوى‪(.‬‬
‫وقال‪ :‬لم يجز أن يكون الستواء على العرش الستيلء الذي هو عام في الشياء كلها ووجب‬
‫أن يكون معنى الستواء يختص بالعرش دون الشياء كلها‪.‬‬
‫(مشروع المحدث)‬
‫تنبيه) وقع في بعض الكتب التي زعم مؤلفوها أنها على مذهب السلف عبارة باطلة وهي كما‬
‫في رسالة نجاة الخلف في اعتقاد السلف قال‪ :‬فال تعالى كان ول مكان ثم خلق المكان وهو‬
‫على ما عليه كان قبل خلق المكان اهـ‬
‫)انظر كلم حجة السلم المام الغزالي (ضمن كتب مشروع "المحدث")‪" :‬ثم خلق الزمان‬
‫والمكان"‪ ،‬وهو موافق للمكتشفات العلمية عن حقيقة الكون‪ ،‬وأن الزمان هو مقياس للحركة‬
‫ومن صفات الجسام‪ .‬وقد انتقلت "نظرية" النسبية( وأهم مبادئها هو أن "مرور الزمان" هو‬
‫نسبي له علقة بسرعة الحركة وقربها من سرعة الضوء‪ ،‬وليس بمطلق) من طور النظرية‬
‫إلى طور الواقع بعد ثبوتها واقعيا في المخابر العلمية (بمراقبة تصرف اللكترونات تحت‬
‫سرعاتها الهائلة‪ ،‬وتحليل انعكاسات الشعة اللزرية على القمر‪ ،‬وغيرها من التجارب) فثبت‬
‫بذلك أن مرور الزمان نسبي وليس بمطلق‪ ،‬بل يتأثر بسرعة حركة الجسم وقرب تلك السرعة‬

‫‪14‬‬
‫من سرعة الضوء‪ .‬فثبت بذلك أن الزمان من خصائص الجسام وصفاتها وأن قولهم "خلق‬
‫الزمان والمكان" صحيح موافق للواقع‪.‬‬
‫(مشروع المحدث)‬
‫وهذا إنما يقوله من لم يؤمن باستواء الرب على عرشه من المعطلة‪ ،‬والحق أن يقال‪ :‬إن ال‬
‫تعالى كان وليس معه غيره ثم خلق السماوات والرض في ستة أيام‪ ،‬وكان عرشه على الماء‬
‫ثم استوى على العرش‪ ،‬وثم هنا للترتيب ل لمجرد العطف‪ .‬قال ابن القيم في النونية‪:‬‬
‫ويرى البرية وهي ذو حدثان‬ ‫وال كان وليس شيء غيره‬
‫وقال غيره‪:‬‬
‫ومن علمه لم يخل في الرض موضع‬ ‫قضى خلقه ثم استوى فوق عرشه‬
‫(‪ )12‬قوله‪ :‬في سبعة مواضع‪ :‬وقد بينها ابن عدوان في نظمه لهذه العقيدة فقال‪:‬‬
‫على العرش في سبع مواضع فاعدد‬ ‫وذكر استواء ال في كلماته‬
‫وفي الرعد مع طـه فللعد أكد‬ ‫ففي سورة العراف ثمت يونس‬
‫كذا في الحديد افهمه فهم مؤيد‬ ‫وفي سورة الفرقان ثمت سجدة‬
‫(‪ )13‬قال ابن رجب في شرح حديث جبريل وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه ال تعالى في الجنة قال‪ :‬وهذا مناسب لجعله جزاء‬
‫لهل الحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة كأنه يراه‬
‫بقلبه‪ ،‬وينظر إليه في حال عبادته فكان جزاؤه ذلك النظر إلى وجه ال عيانا في الخرة اهـ‪.‬‬

‫اليمان بما وصف الرسول صلى ال عليه وسلم به ربه‬


‫ثم في سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬

‫فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه (‪(1‬وما وصف الرسول به ربه عز وجل‬
‫من الحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب اليمان بها (‪( .2‬‬
‫فمن ذلك مثل قوله صلى ال عليه وسلم)‪ :‬ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث‬
‫الليل الخر فيقول‪ :‬من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟(‬

‫‪15‬‬
‫متفق عليه‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم‬
‫براحلته(الحديث متفق عليه‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم)‪ :‬يضحك ال إلى رجلين يقتل أحدهما‬
‫الخر كلهما يدخلن الجنة(متفق عليه‪ .‬وقوله (‪( : )3‬عجب ربنا من قنوط عباده وقرب خيره‬
‫(‪ ،(4‬ينظر إليكم أزلين (‪( 5‬قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرَجكم قريب( حديث حسن‪ .‬وقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول‪ :‬هل من مزيد؟ حتى يضع رب‬
‫العزة فيها رجله ‪ -‬وفي رواية عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتقول قط قط(متفق‬
‫عليه‪ .‬وقوله)‪ :‬يقول تعالى‪ :‬يا آدم‪ .‬فيقول‪ :‬لبيك وسعديك‪ .‬فينادي بصوت‪ :‬إن ال يأمرك أن‬
‫تخرج من ذريتك بعثا إلى النار(متفق عليه‪ .‬وقوله)‪ :‬ما منكم من أحد إل سيكلمه ربه وليس‬
‫بينه وبينه ترجمان‪ (.‬وقوله في رقية المريض)‪ :‬ربنا ال الذي في السماء تقدس اسمك‪ ،‬أمرك‬
‫في السماء والرض كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا‬
‫أنت رب الطيبين‪ ،‬أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ( حديث‬
‫حسن رواه أبو داود وغيره‪ .‬وقوله)‪ :‬أل تأمنوني وأنا أمين من في السماء(حديث صحيح‪.‬‬
‫وقوله)‪ :‬والعرش فوق الماء وال فوق العرش‪ ،‬وهو يعلم ما أنتم عليه(حديث حسن رواة أبو‬
‫داود وغيره‪ .‬وقوله للجارية)‪ :‬أين ال؟(‪()6‬قالت)‪ :‬في السماء(قال)‪ :‬من أنا؟( قالت)‪ :‬أنت‬
‫رسول ال(قال‪) :‬أعتقها فإنها مؤمنة(رواه مسلم)‪ .‬أفضل اليمان أن تعلم أن ال معك حيث ما‬
‫كنت(حديث حسن‪ .‬وقوله)‪ :‬إذا قام أحدكم إلى الصلة فل يبصقن قبل وجهه ول عن يمينه فإن‬
‫ال قبل وجهه‪.‬ولكن عن يساره أو تحت قدمه) (‪ )7‬متفق عليه‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم)‪:‬‬
‫اللهم رب السماوات السبع والرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء خالق الحب‬
‫والنوى منزل التوراة والنجيل والقرآن أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ‬
‫بناصيتها أنت الول فليس قبلك شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك‬
‫شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر (رواه مسلم‪ .‬وقوله‬
‫لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر‪( :‬أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم ل تدعون أصم ول‬
‫غائبا إنما تدعون سميعا بصيرا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته(متفق‬
‫عليه‪ .‬وقوله)‪ :‬إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ل تضامون في رؤيته فإن‬
‫استطعتم أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وصلة قبل غروبها فافعلوا(متفق عليه‪.‬‬
‫إلى أمثال هذه الحاديث التي يخبر فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ربه بما يخبر به‬
‫فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك (‪(8‬كما يؤمنون بما أخبر ال به في‬

‫‪16‬‬
‫كتابه‪ ،‬من غير تحريف ول تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف ول تمثيل‪ ،‬بل هم الوسط في فرقة المة‬
‫كما أن المة هي الوسط في المم فهم وسط في باب صفات ال سبحانه وتعالى‪ :‬بين أهل‬
‫التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة (‪( : 9‬وهم وسط (‪( 10‬في باب أفعال ال بين‬
‫الجبرية والقدرية وغيرهم‪ ،‬وفي باب (‪(11‬وعيد ال بين المرجئة والوعيدية من القدرية‬
‫وغيرهم وفي باب (‪(12‬أسماء اليمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة‬
‫والجهمية وفي أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بين الرافضة والخوارج (‪(.13‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬قال ابن عدوان‪:‬‬
‫تفسر آيات الكتاب الممجد‬ ‫وسنة خير المرسلين محمد‬
‫تدل عليه بالدليل المؤكد‬ ‫تبينه للطالبي سبل الهدى‬
‫(‪ )2‬وما أحسن قول ابن عدوان ناظم هذه العقيدة‪:‬‬
‫بحلتها التعطيل يا صاح ترشد‬ ‫ودع عنك تزويقات قوم فإنها‬
‫(‪ )3‬قال ابن عدوان‪:‬‬
‫فألق لما بينت سمعك واهتد‬ ‫ويعجب ربي من قنوط عباده‬
‫أل ارق به رضاك يا ذا التسدد‬ ‫وفي رقية المرضى مقال نبينا‬
‫أل احفظ هداك ال سنة أحمد‬ ‫رواه أبو داود يا ذا وغيره‬
‫(‪ )4‬اسم من قولك غيرت الشيء فتغير قال أبو السعادات وفي حديث الستسقاء من يكفر‬
‫بال يلق الغير‪ :‬أي تغير الحال وانتقالها من الصلح إلى الفساد‪.‬‬
‫(‪ )5‬الزل الشدة والضيق‪ :‬وقد أزل الرجل يأزل أزل‪ ،‬أي صار في ضيق وحدب كأنه أراد من‬
‫يأسكم وقنوطكم‪.‬‬
‫(‪ )6‬قوله‪ :‬أين ال‪ .‬هذا فيه رد على أهل البدع المنكرين‪...‬‬
‫)هو في معرض التحقق من إسلم الجارية‪ ،‬فكلمها صلى ال عليه وسلم على طريقته‬
‫الشريفة‪ ،‬مقربا السؤال إلى مستوى قدرتها العقلية‪.‬‬
‫وليس في هذه الحادثة أكثر من القرار بربها العلى دون آلهة الرض وأوثانها‪ ،‬حيث لو‬
‫كانت مشركة لشارت إلى الرض وأصنامها‪ ،‬أما إشارتها إلى السماء فهو بمقتضى مفهومها‬
‫عن علو شأن ال تعالى ومباينته للصنام والوثان‪ ،‬وهذا ما كان النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يتحقق منه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫(مشروع المحدث(‬
‫‪ ...‬لعلو ال على خلقه فنـزهوه بجهلهم عما رضي به رسوله فقالوا منـزه عن الين؟ وذلك‬
‫جهل وضلل والحق ما جاءت به السنة‪.‬‬
‫قال ابن عدوان‪:‬‬
‫رسول إله العالمين محمد‬ ‫وقد جاء لفظ الين من قول صادق‬
‫كذلك أبو داود والنسائي قد‬ ‫كما قد رواه مسلم في صحيحه‬
‫(‪ )7‬قال شيخ السلم في العقيدة الحموية‪ ،‬وكذلك قوله صلى ال عليه وسلم‪ :‬إذا قام أحدكم‬
‫إلى الصلة‪ ،‬فإن ال قبل وجهه فل يبصقن قبل وجهه‪ .‬الحديث حق على ظاهره وهو سبحانه‬
‫فوق العرش وهو قبل وجه المصلي‪ ،‬بل هذا الوصف يثبت للمخلوق‪ ،‬فإن النسان لو أنه‬
‫يناجي السماء أو يناجي الشمس والقمر‪ ،‬لكانت السماء والشمس والقمر فوقه‪ ،‬وكانت أيضا‬
‫قبل وجهه اهـ‪.‬‬
‫)حتى يثبت هذا الكلم على من يناجي السماء‪ ،‬يلزم أن ينظر إليها‪ ،‬أي إلى العلى‪ ،‬فيقال‬
‫عندها أنها "فوقه و ِق َبلَ وجهه"‪ .‬أما المصلي ‪ -‬على وجه السنة ‪ -‬فنظره إلى المام وليس إلى‬
‫العلى‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪ :‬لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلة‬
‫إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم )رواه مسلم والنسائي عن أبي هريرة)‪.‬‬
‫وقد وردت تلك الكلمات بدللتها المعنوية ‪ -‬غير الحسية ‪ -‬في القرآن الكريم كقوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫مة‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬
‫قيَا َ‬ ‫فُروا ْ إِلَى ي َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫وقَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ك َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن اتَّب َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ع‬
‫جا ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وقَ اثْنَتَيْن‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ساء‬‫ّ ِ َ‬‫ن‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫فإ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فعوا أ َ‬
‫ي‬
‫ِ ِّ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ص‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫وا‬
‫ْ َ‬‫ص‬ ‫لَ ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫وفي الحقيقة‪ ،‬فإن تأويل النصوص من ظواهرها هو أمر بديهي بل ضروري في سائر‬
‫النصوص واللغات‪ ،‬وإن تحرير مسألة "الجهة" يحمل هذه الدللة الواضحة‪ ،‬ويمكن توضيحها‬
‫من هذه النصوص القرآنية المتقابلة‪:‬‬
‫‪ -‬أأمنتم من في السماء‬
‫‪ -‬يخافون ربهم من فوقهم‬
‫‪ -‬إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه‬
‫فمن آمن بظاهر هذه النصوص فقد تأول بذلك نصوصا أخرى ولم يأخذها على ظاهرها‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله‬
‫‪ -‬ما يكون من نجوى ثلثة إل هو رابعهم ول خمسة إل هو‬
‫سادسهم ول أدنى من ذلك ول أكثر إل هو معهم أينما كانوا‬
‫‪ -‬ونحن أقرب إليه من حبل الوريد‬

‫‪18‬‬
‫‪ -‬ونحن أقرب إليه منكم ولكن ل تشعرون‬
‫‪ -‬وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين‬
‫فكذلك من آمن بظاهر هذه النصوص فقد تأول النصوص السابقة ولم يأخذها على ظاهرها‪.‬‬
‫وهكذا فإن تأويل النص بما يليق بجلل ال هو مذهب لجميع المسلمين‪ .‬وإنما يحصل الفرق‬
‫في الجتهاد بسبب ما خلقه ال سبحانه وتعالى من اختلف في الفهام والمزجة والعقول‪.‬‬
‫(مشروع المحدث(‬
‫(‪ )8‬قال ابن عدوان النجدي المتوفى سنة ‪:1179‬‬
‫ولكن عن التمثيل وفقت أبعد‬ ‫وسلم لخبار الصحيحين يا فتى‬
‫بحلتها التعطيل يا صاح ترشد‬ ‫ودع عنك تزويقات قوم فإنها‬
‫(‪ )9‬قوله‪ :‬بين أهل التعطيل الجهمية‪ ،‬وأهل التمثيل المشبهة‪ :‬التعطيل هو نفي الصفات‬
‫اللهية‪ ،‬عن القيام بالذات العلية وتأويلها بل دليل صحيح‪ ،‬ول عقل صريح كقولهم رحمة ال‬
‫إرادته الحسان والنعام‪ ،‬ويده قدرته‪ ،‬واستواؤه على العرش‪ ،‬استيلؤه عليه كل هذا وأمثاله‬
‫من التعطيل‪ ،‬وما حملهم على ذلك إل الظن الفاسد‪ ،‬والرأي الكاسد‪ ،‬ولقد أحسن القائل حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫ل أن ظنوا ظنونا‬ ‫وقصارى أمر من أو‬
‫حمن ما ل يعلمونا‬ ‫فيقولون على الر‬
‫والجهمية المعطلة‪ ،‬هم أتباع الجهم بن صفوان الترمذي‪ .‬رأس الفتنة والضلل‪ ،‬وهم في هذا‬
‫الباب طائفتان‪ ،‬نفاه ومثبتة‪ ،‬فالنفاه قالوا‪ :‬ل ندري أين ال‪ ،‬فل هو داخل العالم ول خارجه‪،‬‬
‫ول متصل ول منفصل‪ ،‬فلم يؤمنوا بقول ال‪ ،‬وهو القاهر فوق عباده وقول النبي للجارية‪ :‬أين‬
‫ال‪ ،‬وغير ذلك من أدلة الكتاب والسنة‪ ،‬وأما المثبتة من فرقتي الضلل‪ ،‬فهم الذين يقولون‪:‬‬
‫إن ال في كل مكان تعالى ال عن قولهم علوا كبيرا‪ ،‬فإنه سبحانه فوق مخلوقاته‪ ،‬مستو على‬
‫عرشه بائن من خلقه‪ ،‬وأما أهل التمثيل المشبهة‪ ،‬فهم الذين شبهوا ال بخلقه ومثلوه بعباده‪،‬‬
‫وقد رد ال على الطائفتين بقوله )ليس كمثله شيء( فهذا يرد على المشبهة وقوله)‪:‬‬
‫وهو السميع البصير( يرد على المعطلة‪ ،‬وأما أهل الحق‪ ،‬فهم الذين يثبتون الصفات‬
‫ل تعالى‪ ،‬إثباتا بل تمثيل‪ ،‬وينزهونه عن مشابهة المخلوقات تنزيها بل تعطيل‪.‬‬
‫(‪ )10‬قوله‪ :‬وهم وسط في باب أفعال ال بين الجبرية والقدرية‪ ،‬اعلم أن الناس اختلفوا في‬
‫أفعال العباد‪ ،‬هل هي مقدوره للرب أم ل‪ ،‬فقال جهم وأتباعه وهم الجبرية‪ :‬إن ذلك الفعل‬

‫‪19‬‬
‫مقدور للرب ل للعبد‪ ،‬وكذلك قال الشعري وأتباعه‪ :‬إن المؤثر في المقدور قدرة الرب ل قدرة‬
‫العبد‪ ،‬وقال جمهور المعتزلة‪ :‬وهم القدرية أي نفاه المقدر‪ :‬إن الرب ل يقدر على عين مقدور‬
‫العبد‪ ،‬واختلفوا هل يقدر على مثل مقدوره فأثبته البصريون كأبي علي وأبي هاشم‪ ،‬ونفاه‬
‫الكعبي وأتباعه البغداديون‪ ،‬وقال أهل الحق‪ :‬أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاه‪ ،‬وهي‬
‫مخلوقة ل تعالى والحق سبحانه منفرد بخلق المخلوقات‪ ،‬ل خالق لها سواه‪ ،‬فالجبرية غلوا‬
‫في إثبات القدر‪ ،‬فنفوا فعل العبد أصلً‪ ،‬والمعتزلة نفاه القدر‪ ،‬جعلوا العباد خالقين مع ال‪،‬‬
‫ولهذا كانوا مجوس هذه المة‪ .‬وهدى ال المؤمنين أهل السنة‪ ،‬لما اختلفوا فيه من الحق‬
‫بإذنه‪ .‬وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪ ،‬فقالوا‪ :‬العباد فاعلون‪ ،‬وال خالقهم وخالق‬
‫أفعالهم‪ ،‬كما قال تعالى )والله خلقكم وما تعملون( وهذه المسألة من أكبر المسائل‬
‫التي تضاربت فيها آراء النظار‪ ،‬وقد ألفت فيها كتب خاصة كشفاء العليل في القضاء والقدر‪،‬‬
‫والحكمة والتعليل لشمس الدين ابن القيم‪ ،‬ولم يهتد إلى الصواب فيها إل من اعتصم بالكتاب‬
‫والسنة‪:‬‬
‫ودون مداه بيد ل تبيد‬ ‫مرام شط مرمى العقل فيه‬
‫(‪ )11‬وقوله‪ :‬وفي باب وعيد ال بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم قال في‬
‫التعريفات المرجئة‪ :‬قوم يقولون ل يضر مع اليمان معصية كما ل ينفع مع الكفر طاعة‪ ،‬وقال‬
‫القسطلني في شرح البخاري‪ :‬المرجئة نسبة إلى الرجاء أي التأخير لنهم أخروا العمال‬
‫عن اليمان حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة غير فاسق‪ ،‬هم فرقتان كما ذكر ذلك شيخ السلم‬
‫في الفرقان الولى الذين قالوا إن العمال ليست من اليمان ومع كونهم مبتدعة في المقول‬
‫الباطل‪ ،‬فقد وافقوا أهل السنة‪ ،‬على أن ال يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار‪ ،‬ثم يخرجهم‬
‫بالشفاعة كما جاءت به الحاديث الصحيحة وعلى أنه لبد في اليمان أن يتكلم به بلسانه‪،‬‬
‫وعلى أن العمال المفروضة واجبة‪ ،‬وتاركها مستحق للذم والعقاب‪ ،‬وقد أُضيف هذا القول‬
‫إلى بعض الئمة من أهل الكوفة‪ ،‬وأما الفرقة الثانية فهم الذين قالوا إن اليمان مجرد‬
‫التصديق بالقلب‪ ،‬وإن لم يتكلم به‪ ،‬فل شك أنهم من أكفر عباد ال‪ ،‬فإن اليمان هو قول‬
‫باللسان واعتقاد بالجنان‪ ،‬وعمل بالركان‪ ،‬فإذا اختل واحد من هذه الركان لم يكن الرجل‬
‫مؤمنا‪.‬‬
‫وأما الوعيدية فهم القائلون بالوعيد‪ ،‬وهو أصل من أُصول المعتزلة‪ ،‬وهو أن ال ل يغفر‬
‫لمرتكب الكبائر إل بالتوبة‪ ،‬ومذهبهم باطل يرده الكتاب والسنة‪ ،‬قال تعالى‪) :‬إن الله ل‬

‫‪20‬‬
‫يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء(‪ ،‬وقال عليه الصلة‬
‫والسلم)‪ :‬من مات من أُمتي ل يشرك ال شيئا دخل الجنة(قال أبو ذر‪ :‬وإن زنى وإن سرق؟‬
‫قال)‪ :‬وإن زنى وإن سرق‪(.‬فمذهب أهل السنة حق بين باطلين‪ ،‬وهدى بين ضللتين كما‬
‫سمعت وال أعلم‪.‬‬
‫(‪ )12‬قوله‪ :‬وفي باب أسماء اليمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة‬
‫والجهمية‪ .‬الحرورية هم الخوارج واعلم أن الناس تنازعوا قديما في السماء والحكام‪ ،‬أي‬
‫أسماء الدين مثل‪ :‬مؤمن ومسلم وكافر وفاسق‪ ،‬وفي أحكام هؤلء في الدنيا والخرة فالمعتزلة‬
‫وافقوا الخوارج على حكمهم في الخرة دون الدنيا‪ ،‬فلم يستحلوا من دماء الفساق الموحدين‬
‫وأموالهم ما استحلته الخوارج من الفاسق المِلليّ مرتكب الكبائر لن الخوارج يرون ذلك‬
‫كفرا‪ ،‬وإنما وافقوهم على حكمهم في الخرة وهو الخلود في النار‪ ،‬وأما في الدنيا فخالفوهم‬
‫في السم‪ ،‬فقالوا‪ :‬مرتكب الكبيرة خرج من اليمان ولم يدخل الكفر‪ ،‬فهو بمنزلة بين المنزلتين‬
‫وهذا أصل من أُصول المعتزلة‪ .‬وهو خاصة مذهبهم الباطل‪ .‬وأما مذهب المرجئة فقد تقدم‬
‫أنهم قالوا‪ :‬ل يضر مع اليمان معصية ومذهب أهل الحق خلف هذين المذهبين‪ ،‬فل يقولون‬
‫بقول الخوارج والمعتزلة ويخلدون عصاه الموحدين بالنار‪ ،‬ول يقولون بقول المرجئة‪ :‬إن‬
‫المعصية ل تضرهم‪ ،‬بل العبد الموحد مأمور بالطاعات منهي عن المعاصي والمخالفات‪ ،‬فيثاب‬
‫على طاعته ويعاقب على معصيته إن لم يعف ال عنه‪ ،‬والبحث طويل ل تتسع له مثل هذه‬
‫الحواشي‪ ،‬وإنما قصدنا بذلك تنبيه الطالب إلى مآخذ هذه المسائل‪ .‬أما عطف الجهمية على‬
‫المرجئة كما في نسختنا فليس للمغايرة‪ ،‬فإن المرجئة جهمية أيضا‪ ،‬فالجهم هو الذي ابتدع‬
‫التعطيل والتجهم والرجاء والجبر‪ ،‬قال في النونية‪:‬‬
‫مقرونة مع أحرف بوزان‬ ‫جيم وجيم ثم جيم معهما‬
‫جيمات بالتثليث شر قران‬ ‫فإذا رأيت النور فيه يقارن ال‬
‫سم الذي قد فاز بالخذلن‬ ‫دلت على أن النحوس جميعها‬
‫فتأمل المجموع في الميزان‬ ‫جبر وإرجاء وجيم تجهم‬
‫بخلصة من ربقة اليمان‬ ‫فاحكم بطالعها لمن حصلت له‬
‫مقسومة في الناس بالميزان‬ ‫والجهم أصلها جميعا فاغتدت‬
‫أتباع الرسول وتابعوا القرآن‬ ‫لكن نجا أهل الحديث المحض‬
‫قال الرسول فهم أُولو العرفان‬ ‫عرفوا الذي قد قال مع علم بما‬

‫‪21‬‬
‫(‪ )13‬فالرافضة كفروهم والخوارج كفروا بعضهم‪ ،‬وأهل الحق عرفوا فضلهم كلهم‪ ،‬وأنهم‬
‫أفضل هذه المة إسلما وإيمانا وعلما وحكمة رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬

‫اليمان بأنه فوق عرشه‬

‫وقد دخل فيما ذكرناه من اليمان بال اليمان بما أخبر به في كتابه وتواتر عن رسوله وأجمع‬
‫عليه سلف المة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه على خلقه وهو سبحانه معهم‬
‫أينما كانوا يعلم ما هم عاملون‪ ،‬كما جمع بين ذلك في قوله}‪ :‬هو الذي خلق‬
‫السماوات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم‬
‫ما يلج في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج‬
‫فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير‪{ .‬وليس معنى قوله‬
‫وهو معكم أنه مختلط بالخلق‪ ،‬فإن هذا ل توجبه اللغة‪ ،‬وهو خلف ما أجمع عليه سلف المة‪،‬‬
‫وخلف ما فطر ال عليه الخلق بل القمر آية من آيات ال من أصغر مخلوقاته وهو موضوع‬
‫في السماء‪ ،‬وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان‪ ،‬وهو سبحانه فوق عرشه رقيب على‬
‫خلقه مهيمن عليهم مطلع عليهم‪ ،‬إلى غير ذلك من معاني ربوبيته‪ .‬وكل هذا الكلم الذي ذكره‬
‫ال ‪ -‬من أنه فوق العرش وأنه معنا ‪ -‬حق على حقيقته ل يحتاج إلى تحريف‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫يستحسن الرجوع إلى أقوال المعلق الخرى‪ ،‬فقال مثل في حاشيته على "اليمان بما وصف‬
‫ال به نفسه في كتابه"‪:‬‬
‫)وتحريف الكلم‪ :‬أن نجعله على حرف من الحتمال يمكن حمله على الوجهين(‬
‫فكلمة "فوق" هنا يمكن حملها لغةً على معناها الحسي)أي الجهة)‪ ،‬وذلك غير لئق بحق ال‬
‫تعالى ومخالف للية المحكمة)ليس كمثله شيء(وبذلك يصبح من المتشابه‪.‬‬
‫ويمكن حملها بأنها لبيان الفوقية المعنوية‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫فالمسلك الصواب هو المساك عن التكلف في تأويل المتشابه‪ ،‬بل يجب رده إلى المحكم بأن‬
‫ال)ليس كمثله شيء(فبالتالي ل يوصف بصفات الجسام من جهة أو غيرها‪.‬‬
‫(مشروع المحدث(‬
‫ولكن يصان عن الظنون الكاذبة مثل أن يظن أن ظاهر قوله) في السماء( أن السماء‬
‫تقله أو تظله وهذا باطل بإجماع أهل العلم واليمان فإن ال قد وسع كرسيه السماوات‬
‫والرض وهو الذي يمسك السماوات والرض أن تزول‪ ،‬ويمسك السماء أن تقع على الرض‬
‫إل بإذنه‪ .‬ومن آياته أن تقوم السماء والرض بأمره‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫اليمان بأنه قريب مجيب‬

‫وقد دخل في ذلك اليمان بأنه قريب مجيب كما جمع بين ذلك في قوله)‪ :‬وإذا سألك‬
‫عبادي عني فإني قريب( الية‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم)‪ :‬إن الذي تدعونه‬
‫أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته( وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته ل ينافي ما‬
‫ذكر من علوه وفوقيته فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته وهو عليّ في دنوه‬
‫قريبٌ في علوه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫اليمان بأن القرآن كلم ال منزل غير مخلوق‬

‫ومن اليمان بال وكتبه‪ :‬اليمان بأن القرآن كلم ال منزل غير مخلوق‪ ،‬منه بدأ وإليه يعود‪،‬‬
‫وأن ال تكلم به حقيقة‪ ،‬وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى ال عليه وسلم هو كلم‬
‫ال حقيقة ل كلم غيره‪ ،‬ول يجوز إطلق القول بأنه حكاية (‪( 1‬عن كلم ال أو عبارة (‪2‬‬
‫(بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلم ال تعالى حقيقة‬
‫(‪( 3‬فإن الكلم إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا ل إلى من قاله مبلغا مؤديا‪ ،‬وهو كلم‬
‫ال حروفه ومعانيه ليس كلم ال الحروف دون المعاني (‪(4‬ول المعاني دون الحروف (‪( .5‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬كما هو قول الكلبية‬
‫(‪ )2‬كما هو قول الشعرية‬
‫(‪ )3‬كما هو قول أهل السنة‬
‫(‪ )4‬هذا قول المعتزلة‬
‫(‪ )5‬هذا قول الشاعرة‬

‫‪25‬‬
‫اليمان برؤية المؤمنين لربهم‬

‫وقد دخل أيضا فيما ذكرناه من اليمان به وبكتبه وبملئكته وبرسله اليمان بأن المؤمنين‬
‫يرونه يوم القيامة عيانا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوا ليس بها سحاب وكما يرون‬
‫القمر ليلة البدر ل يضامون (‪(1‬في رؤيته يرونه سبحانه وهم في عرصات (‪(2‬القيامة ثم‬
‫يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء ال تعالى‪.‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬قوله‪ :‬ل يضامون في رؤيته‪ ،‬وفي الحديث ل تضامون في رؤيته‪ ،‬قال في النهاية يروى‬
‫بالتشديد والتخفيف‪ :‬فالتشديد معناه ل ينضم بعضكم إلى بعض‪ ،‬وتزدحمون وقت النظر إليه‪،‬‬
‫ويجوز ضم التاء وفتحها‪ ،‬ومعنى التخفيف ل ينالكم ضيم في رؤيته‪ ،‬فيراه بعضكم دون بعض‪،‬‬
‫والضيم الظلم‪ ،‬وقد اتفق أهل الحق على أن المؤمنين يرونه يوم القيامة من فوقهم كما قال‬
‫في الكافية الشافية‪:‬‬
‫نظر العيان كما يرى القمران‬ ‫ويرونه سبحانه من فوقهم‬
‫ينكره إل فاسد اليمان‬ ‫هذا تواتر عن رسول ال لم‬
‫(‪ )2‬العرصات‪ :‬جمع عَرصَه‪ ،‬وهي كل موضوع واسع ل بناء فيه‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫اليمان بما بعد الموت‬

‫ومن اليمان باليوم الخر اليمان بكل ما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم مما يكون بعد‬
‫الموت‪ .‬فيؤمن بفتنة القبر‪ ،‬وبعذاب القبر ونعيمه‪ .‬فأما الفتنة فإن الناس يمتحنون في قبورهم‬
‫فيقال للرجل‪ :‬ما ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيثبت ال الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة‬
‫الدنيا وفي الخرة‪ ،‬فيقول المؤمن‪ :‬ربي ال والسلم ديني ومحمد صلى ال عليه وسلم نبيي‪.‬‬
‫وأما المرتاب فيقول‪ :‬هاه هاه ل أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته‪ :‬فيضرب بمرزبة (‬
‫‪(1‬من حديد فيصيح صيحة سمعها كل شيء إل النسان ولو سمعها النسان لصعق ‪ -‬ثم بعد‬
‫هذه الفتنة ‪ -‬إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعاد الرواح إلى الجساد‪،‬‬
‫وتقوم القيامة التي أخبر ال بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون‪ ،‬فيقوم‬
‫الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرل(‪( 2‬وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق‪،‬‬
‫فتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد)فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون‪ ،‬ومن خفت‬
‫موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون(وتنشر الدواوين ‪ -‬وهي صحائف‬
‫العمال ‪ -‬فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره كما قال سبحانه وتعالى)‪:‬‬
‫وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه (‪(3‬ونخرج له يوم القيامة‬
‫كتابا ً يلقاه منشوراً‪ ،‬اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك‬
‫حسيبا(ويحاسب ال الخلئق ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وأما الكفار فل يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته فإنه ل حسنات لهم‬
‫ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها وُي َقرّون بها‪ .‬وفي عرصات القيامة الحوض‬
‫المورود للنبي صلى ال عليه وسلم ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل‪ ،‬آنيته عدد‬
‫نجوم السماء‪ ،‬وطوله شهر وعرضه شهر من يشرب منه شربة ل يضمأ بعدها أبدا‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس على قدر‬
‫أعمالهم‪ ،‬فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من‬
‫يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب البل ومنهم من يَعْدو عدْوا ومنهم من يمشي مشيا‬
‫ومنهم من يزحف زحفا ومنهم من يخطف خطفا ويلقى في جهنم‪ .‬فإن الجسر عليه كلليب‬
‫تخطف الناس بأعمالهم‪ ،‬فمن مر على الصراط دخل الجنة‪ ،‬فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة‬
‫بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض‪ ،‬فإذا هُذّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة‪.‬‬
‫وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأول من يدخل الجنة من المم أمته‬
‫وله صلى ال عليه وسلم في القيامة ثلث شفاعات‪ :‬أما الشفاعة الولى فيشفع في أهل‬
‫الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع النبياء‪ :‬آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن‬
‫مريم من الشفاعة حتى تنتهي إليه‪ .‬وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا‬
‫الجنة‪ ،‬وهاتان الشفاعتان خاصتان له‪ ،‬وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار‪ ،‬وهذه‬
‫الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم فيشفع فيمن استحق النار أن ل يدخلها‬
‫ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها‪ ،‬ويخرج ال من النار أقواما بغير شفاعة بل بفضله‬
‫ورحمته ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا فينشيء ال لها أقواما فيدخلهم‬
‫الجنة‪ .‬وأصناف ما تضمنته الدار الخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار‬
‫وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء والثار من العلم المأثور عن النبياء‪.‬‬
‫وفي العلم الموروث عن محمد صلى ال عليه وسلم من ذاك ما يشفي ويكفي فمن ابتغاه‬
‫وجده‪.‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬المرزبة بالتخفيف‪ :‬المطرقة الكبيرة‪ ،‬ويقال لها إرزبة بالهمزة والتشديد‪.‬‬
‫(‪ )2‬الغرل جمع أغرل‪ ،‬وهو القلف‪ ،‬والغرلة‪ :‬القلفة‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال الراغب‪ :‬أي عمله الذي طار عنه من خير وشر‪.‬‬
‫اليمان بالقدر خيره وشره‬

‫وتؤمن الفرقة الناجية ‪ -‬أهل السنة والجماعة ‪ -‬بالقدر خيره وشره واليمان بالقدر على‬
‫درجتين كل درجة تتضمن شيئين‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫)فالدرجة الولى(اليمان بأنّ ال تعالى عليم بما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو‬
‫موصوف به أزل وأبدا‪ ،‬وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والرزاق والجال ثم‬
‫كتب ال في اللوح المحفوظ مقادير الخلق فأول ما خلق ال القلم (‪(1‬قال له‪ :‬اكتب‪ .‬قال‪ :‬ما‬
‫أكتب؟ قال‪ :‬اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة‪ .‬فما أصاب النسان لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه‬
‫لم يكن ليصيبه جفت القلم وطويت الصحف كما قال تعالى)‪ :‬ألم تعلم أن الله يعلم‬
‫ما في السماء والرض إن ذلك في كتاب‪ ،‬إن ذلك على الله‬
‫يسير(‪ ،‬وقال)‪ :‬ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل‬
‫في كتاب من قبل أن نبرأها‪ ،‬إن ذلك على الله يسير(وهذا التقدير ‪-‬‬
‫التابع لعلمه سبحانه ‪ -‬يكون في مواضع جملة وتفصيل فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء‪،‬‬
‫وإذا خلق جسد الجنين قبل خلق الروح فيه بعث إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات فيقال له‪ :‬اكتب‬
‫رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ونحو ذلك‪ .‬فهذا التقدير قد كان ينكره غلة القدرية قديما‬
‫ومنكروه اليوم قليل)‪ .‬وأما الدرجة الثانية(فهي مشيئة ال النافذة وقدرته الشاملة وهو اليمان‬
‫بأن ما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأنه ما في السماوات وما في الرض من حركة ول‬
‫سكون إل بمشيئة ال سبحانه‪ .‬ل يكون في ملكه ما ل يريد (‪(2‬وأنه سبحانه على كل شيء‬
‫قدير من الموجودات والمعدومات‪ ،‬فما من مخلوق في الرض ول في السماء إل ال خالقه‬
‫سبحانه ل خالق غيره ول رب سواه‪ .‬ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم‬
‫عن معصيته‪ ،‬وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات‪ ،‬ل يحب الكافرين‪ ،‬ول يرضى عن القوم الفاسقين‪ ،‬ول يأمر بالفحشاء ول‬
‫يرضى لعباده الكفر‪ ،‬ول يحب الفساد (‪( .3‬‬
‫والعباد فاعلون حقيقة وال خالق أفعالهم‪ ،‬والعبد هو المؤمن والكافر‪ ،‬والبر والفاجر‪،‬‬
‫والمصلي والصائم‪ .‬وللعباد القدرة على أعمالهم ولهم إرادة (‪(4‬وال خالقهم وخالق قدرتهم‬
‫وإرادتهم كما قال ال تعالى)‪ :‬لمن شاء منكم أن يستقيم‪ ،‬وما تشاءون إل‬
‫أن يشاء الله رب العالمين‪( .‬‬
‫وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫مجوس هذه المة ويغلو فيها قوم من أهل الثبات (‪(5‬حتى سلبوا العبد قدرته واختياره‬
‫ويخرجون عن أفعال ال وأحكامه حكمها ومصالحها‪.‬‬
‫_____________________________________‬

‫‪29‬‬
‫(‪ )1‬اعلم أن العلماء رحمهم ال اختلفوا في العرش والقلم أيهم خلق أولً‪ ،‬وحكى ابن القيم‬
‫في ذلك قولين‪ :‬اختار أن العرش مخلوق قبل القلم‪ ،‬ولهذا قال في النونية‪:‬‬
‫كتب القضاء به من الديان‬ ‫والناس مختلفون في القلم الذي‬
‫قولن عند أبي العل الهمذاني‬ ‫هل كان قبل العرش أو هو بعده‬
‫وقت الكتابة كان ذا أركان‬ ‫والحق أن العرش قبل لنه‬
‫إيجاده من غير فصل زمان‬ ‫وكتابة القلم الشريف تعقبت‬
‫(‪ )2‬الرادة نوعان‪ :‬إحداهما الرادة الكونية المستلزمة لوقوع المراد التي يقال فيها ما شاء‬
‫ال كان وما لم يشأ لم يكن والثانية الرادة الدينية الشرعية وهذه ل تستلزم وقوع المراد إل‬
‫أن يتعلق بها النوع الول من الرادة‪ ،‬وفي أوائل فتح المجيد بحث مفيد في الفرق بين‬
‫الرادتين فليراجعه طالب التحقيق‪.‬‬
‫(‪ )3‬اعلم أن الذي عليه الئمة المحققون ودل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬أن المشيئة والمحبة‬
‫ليستا واحدا ول هما متلزمان‪ ،‬بل قد يشاء ما ل يحبه ويحب ما ل يشاء كونه فالول‪:‬‬
‫كمشيئته وجود إبليس وجنوده‪ ،‬ومشيئته العامة لجميع ما في الكون مع بغضه لبعضه‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬كمحبته إيمان الكفار وطاعات الفجار وعدل الظالمين وتوبة الفاسقين‪ .‬ولو شاء ذلك‬
‫لوجد كله‪ ،‬فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن اهـ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي فليس بمجبر على أعماله لنه يعملها بإرادته واختياره فيثاب على الطاعة ويستحق‬
‫العقاب على المعصية وما أحسن قول ابن عدوان ناظم هذه العقيدة حيث قال‪:‬‬
‫على العمل افهم فهم غير مبلد‬ ‫وللعبد يا ذا قدرة وإرادة‬
‫وليس بمجبور ول بمضهد‬ ‫فيفعل يا ذا باختيار وقدرة‬
‫(‪ )5‬أي لنهم أثبتوا خالقا لما اعتقدوه شرا غير ال‪ .‬قال في التدمرية إن من الناس من جعل‬
‫بعض الموجودات خلقا لغير ال كالقدرية وغيرهم‪ ،‬لكن هؤلء يقرون بأن ال خالق العباد‬
‫وخالق قدرتهم‪ ،‬وإن قالوا إنهم خلقوا أفعالهم‪ ،‬وقال في النونية‪:‬‬
‫هو وحده الخلق ليس اثنان‬ ‫فالناس كلهم أقروا أنه‬
‫الشر خالقه إله ثان‬ ‫إل المجوس فإنهم قالوا بأن‬

‫‪30‬‬
‫اليمان قول وعمل يزيد وينقص‬

‫ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين واليمان قول وعمل‪ :‬قول القلب واللسان وعمل‬
‫القلب واللسان والجوارح‪.‬‬
‫وأن اليمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‪ ،‬وهم مع ذلك ل يكفرون أهل القبلة بمطلق‬
‫المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج بل الخوة اليمانية ثابتة مع المعاصي كما قال سبحانه‬
‫في آية القصاص)‪ :‬فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع‬
‫بالمعروف(وقال)‪ :‬وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا‬
‫بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التي تبغي حتى‬
‫تفيء إلى أمر الله‪ ،‬فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل‬

‫‪31‬‬
‫وأقسطوا إن الله يحب المقسطين‪ ،‬إنما المؤمنون اخوة‬
‫فأصلحوا بين أخويكم‪( .‬‬
‫ول يسلبون الفاسق المللي (‪(1‬السلم بالكلية‪ ،‬ول يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة بل‬
‫الفاسق يدخل في اسم اليمان المطلق كما في قوله)‪ :‬فتحرير رقبة مؤمنه(وقد ل‬
‫يدخل في اسم اليمان المطلق كما في قوله تعالى)‪ :‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر‬
‫الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا‪(.‬وقوله صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‪ ،‬ول يسرق السارق حين يسرق وهو‬
‫مؤمن‪ ،‬ول يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن‪ ،‬ول ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس‬
‫إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن(ونقول‪ :‬هو مؤمن ناقص اليمان أو مؤمن بإيمانه‬
‫فاسق بكبيرته فل يعطى السم المطلق ول يسلب مطلق السم‪.‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬أي الذي على ملة السلم‪ ،‬ولم يرتكب من الذنوب ما يوجب كفره كعبادة غير ال‪،‬‬
‫وإنكار ما علم مجيئه من الدين بالضرورة وغير ذلك‪ ،‬مما هو معلوم في نواقض السلم‪،‬‬
‫وموجبات الردة اعاذنا ال منها‪.‬‬

‫وجوب حب الصحابة وأهل البيت‬

‫ومن أصول أهل السنة والجماعة سلمة قلوبهم وألسنتهم لصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم كما وصفهم ال به في قوله تعالى)‪ :‬والذين جاءوا من بعدهم يقولون‬
‫ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان ول تجعل في‬
‫قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) وطاعة النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم في قوله)‪:‬ل تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبا ما‬
‫بلغ مُدّ أحدهم ول نصيفه)‪(.‬ويقولون ما جاء به الكتاب والسنة والجماع من فضائلهم‬
‫ومراتبهم‪ ،‬ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وهو صلح الحديبية وقاتل على من أنفق من بعد‬
‫وقاتل‪ ،‬ويقدمون المهاجرين على النصار‪ ،‬ويؤمنون بأن ال قال لهل بدر وكانوا ثلثمائة‬
‫وبضعة عشر)‪:‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم(وبأنه ل يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما‬

‫‪32‬‬
‫أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم بل لقد رضي ال عنهم ورضوا عنه وكانوا أكثر من ألف‬
‫وأربعمائة‪ ،‬ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول ال صلى ال عليه وسلم كالعشرة وثابت بن‬
‫قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين على بن‬
‫أبي طالب رضي ال عنه وغيره من أن خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر‪ ،‬ويثلثون‬
‫بعثمان ويربعون بعلي رضي ال عنهم كما دلت عليه الثار وكما أجمع الصحابة على تقديم‬
‫عثمان في البيعة مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي ال عنهما‬
‫‪ -‬بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر ‪ -‬أيهما أفضل فقدم قوم عثمان وسكتوا وربّعوا‬
‫بعلي‪ ،‬وقدم قوم عليا‪ ،‬وقوم توقفوا لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي وإن‬
‫كانت هذه المسألة ‪ -‬مسألة عثمان وعلي ‪ -‬ليست من الصول التي يضلل المخالف فيها عند‬
‫جمهور أهل السنة‪ ،‬لكن التي يضلل فيها مسألة الخلفة وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي‪ ،‬ومن طعن في خلفة أحد‬
‫من هؤلء فهو أضل من حمار أهله‪.‬‬
‫ويحبون أهل بيت رسول ال ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حيث قال يوم (‪(1‬غدير خم)‪ :‬أذكركم ال في أهل بيتي)‪ ،‬وقال أيضا للعباس عمه وقد‬
‫اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال)‪ :‬والذي نفسي بيده ل يؤمنون حتى يحبوكم‬
‫ل ولقرابتي(وقال)‪ :‬إن ال اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى‬
‫من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم(ويتولون أزواج‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الخرة خصوصا‬
‫خديجة رضي ال عنها أم أكثر أولده أول من آمن به وعاضده على أمره وكان لها منه‬
‫المنزلة العالية والصّدّيقة بنت الصّدّيق رضي ال عنها التي قال النبي صلى ال عليه وسلم)‪:‬‬
‫فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام(‪ ،‬ويتبرءون من طريقة الروافض‬
‫الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل (‬
‫‪(2‬ويمسكون عما شجر من الصحابة ويقولون‪ :‬إن هذه الثار المروية في مساويهم منها ما‬
‫غيّر عن وجهه‪ .‬والصحيح منه هم فيه معذورون إما‬
‫هو كاذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص‪ ،‬و ُ‬
‫مجتهدون مصيبون‪ ،‬وإما مجتهدون مخطئون‪ .‬وهم مع ذلك ل يعتقدون أن كل واحد من‬
‫الصحابة معصوم عن كبائر الثم وصغائره بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من‬
‫السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر‪ ،‬حتى إنهم يغفر لهم من السيئات‬

‫‪33‬‬
‫ما ل يغفر لمن بعدهم‪ ،‬لن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم‪ .‬وقد‬
‫ثبت بقول رسول ال صلى ال عليه وسلم إنهم خير القرون وأن المُ ّد مِن أحدهم إذا تصدق به‬
‫كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم‪ ،‬ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب‬
‫منه‪ ،‬أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته‪ ،‬أو بشفاعة محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫الذي هم أحق الناس بشفاعته‪ ،‬أو ابتلى ببلء في الدنيا كُ ّفرَ به عنه‪ .‬فإذا كان هذا في الذنوب‬
‫المحققة فكيف المور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران‪ ،‬وإن أخطأوا فلهم أجر‬
‫واحد والخطأ مغفور‪.‬‬
‫ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من‬
‫اليمان بال ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح‪.‬‬
‫ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من ال عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير‬
‫الخلق بعد النبياء ل كان ول يكون مثلهم وأنهم الصفوة من قرون هذه المة التي هي خير‬
‫المم وأكرمها على ال‪.‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬قال الزمخشري‪ :‬خم بضم الخاء اسم رجل صباغ أُضيف إليه الغدير الذي بين مكة‬
‫والمدينة بالجحفة وقيل هو على ثلثة أميال من الجحفة وذكر صاحب المشارق أن خما اسم‬
‫غيضة هناك وبها غدير نسب إليها اهـ‪.‬‬
‫والغيضة‪ :‬الشجر الملتف‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذا هو الحق الذي يجب المصير إليه ولقد ضل كثير من المؤرخين المتنطعين فجعلوا‬
‫أنفسهم كأنهم حكام بين أصحاب رسول ال فصوبوا وخطأوا بل دليل بل باتباع الهوى وضعف‬
‫الدين‪ ،‬ولقد أحسن ابن عدوان النجدي بقوله حيث قال‪:‬‬
‫وما صح معذورون فيه فقل قد‬ ‫ونمسك عماّ كان بين صحابه‬
‫فل تبغ قولً غير ذلك تهتد‬ ‫فإما لهم أجران أو أجر يا فتى‬
‫ولكن لهم ما يوجب العفو فاهتد‬ ‫وليسوا بمعصومين فاسمع مقالنا‬
‫لخير القرون افهم بغير تردد‬ ‫فقد صح عن خير الخلئق أنهم‬

‫‪34‬‬
‫وجوب التصديق بكرامات الولياء‬

‫ومن أصول أهل السنة‪ :‬التصديق بكرامات الولياء (‪(1‬وما يجري ال على أيديهم من خوارق‬
‫العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات والمأثور عن سالف المم في‬
‫سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه المة من الصحابة والتابعين وسائر فرق المة وهي‬
‫موجودة فيها إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬كرامات أولياء ال المتقين من عباده الصالحين من الولين والخرين ثابتة بالكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وقد أخبر ال بها في كتابه‪ ،‬وعرف عباده بما أكرم به أصحاب الكهف ومريم بنت‬
‫عمران وآصف بن برخيا‪ ،‬وكذلك ثبت في كتب أهل السنة ما أكرم به عمر بن الخطاب وأُسيد‬
‫بن حضير والعلء بن الحضرمي وغيرهم مما هو مفصل في لوائح النوار وغيره‪ .‬ومن أراد‬
‫تفصيل ما أشرنا إليه فليراجع اللوائح والفرقان لشيخ السلم ابن تيمية وشرح الخمسين لبن‬
‫رجب وغيرها‪ ،‬حيث إن هذه الحاشية ل تتسع لبسط ذلك‪ ،‬وقد عد أهل السنة من أنكر كرامات‬
‫الولياء وخوارق العادات من أهل البدع لمخالفته الدليل‪.‬‬
‫تنبيه ‪:‬ل تظن أيها القاريء أن أصحاب الطرق المبتدعة الذين يسالمون الحيات ويمسكونها‬
‫ل ويضربون أنفسهم بالسلح كذبا وتدجيل من أولياء ال‪ ،‬بل هم من‬
‫ويدخلون النار تخيي ً‬
‫أولياء الشيطان‪ ،‬نعوذ بال من أفعالهم ونبرأ إلى ال منهم ومن أحوالهم‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك يكون بالرجوع إلى كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫فمن كان متمسكا بهما فقد نال الكرامة العظمى‪ ،‬وما أظهره ال له من الخوارق فيرجى أنها‬
‫دليل وليته‪.‬‬
‫ومن شذ عنهما فقد خسر‪ ،‬وما ظهر عليه من الخوارق فمن باب الستدراج‪ ،‬نعوذ بال من‬
‫الضلل‪ ،‬آمين‪.‬‬
‫مشروع المحدث‬

‫من علمات أهل السنة التباع وليس البتداع‬

‫‪35‬‬
‫ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول ال صلى ال عليه وسلم باطنا وظاهرا‬
‫واتباع سبيل السابقين الولين من المهاجرين والنصار واتباع وصية رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم حيث قال‪( :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها‬
‫وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل بدعة ضللة(ويعلمون أن أصدق‬
‫الكلم كلم ال وخير الهدي هدي محمد صلى ال عليه وسلم ويؤثرون كلم ال على غيره‬
‫من كلم أصناف الناس‪ ،‬ويقدمون هدي محمد صلى ال عليه وسلم على هدى كل أحد ولهذا‬
‫سموا أهل الكتاب والسنة وسموا أهل الجماعة لن الجماعة هي الجتماع وضدها الفرقة وإن‬
‫كان لفظ) الجماعة (قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين والجماع هو الصل الثالث (‪(1‬الذي‬
‫يعتمد عليه في العلم والدين وهم يزنون بهذه الصول الثلثة جميع ما عليه الناس من أقوال‬
‫وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين‪.‬‬
‫والجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح‪ .‬إذ بعدهم كثر الختلف وانتشرت‬
‫المة‪.‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬وأما الصل الول فهو القرآن‪ ،‬وأما الثاني فهو سنة النبي عليه السلم‪.‬‬

‫متفرقات والخاتمة‬

‫‪36‬‬
‫ثم هم مع هذه الصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة ويرون‬
‫إقامة الحج والجهاد والجمع والعياد مع المراء أبرارا كانوا أو فجارا‪ ،‬ويحافظون على‬
‫الجماعات ويدينون بالنصيحة للمة ويعتقدون معنى قوله صلى ال عليه وسلم)‪ :‬المؤمن‬
‫للمؤمن كالبنيان يش ّد بعضه بعضا(وشبك بين أصابعه‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم)‪ :‬مثل‬
‫المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر‬
‫الجسد بالحمى والسهر(ويأمرون بالصبر عند البلء‪ ،‬والشكر عند الرخاء‪ ،‬والرضا ِب ُمرّ‬
‫القضاء‪ ،‬ويدعون إلى مكارم الخلق ومحاسن العمال ويعتقدون معنى قوله صلى ال عليه‬
‫وسلم)‪ :‬أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا(ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك‬
‫وتعفو عمن ظلمك ويأمرون ببر الوالدين‪ ،‬وصله الرحام‪ ،‬وحسن الجوار‪ ،‬والحسان إلى‬
‫اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك وينهون عن الفخر والخيلء والبغي‬
‫والستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ويأمرون بمعالي الخلق‪ ،‬وينهون عن سفسافها (‬
‫‪(1‬وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة وطريقتهم‬
‫هي دين السلم الذي بعث ال به محمدا صلى ال عليه وسلم‪ .‬لكن لما أخبر النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلث وسبعين فرقة كلها في النار إل واحدة وهي الجماعة‪،‬‬
‫وفي حديث عنه أنه قال‪( :‬هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) صار المتمسكون‬
‫بالسلم المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة وفيهم الصديقون والشهداء‬
‫والصالحون ومنهم أعلم الهدى ومصابيح الدجى أولوا المناقب المأثورة‪ ،‬والفضائل المذكورة‪،‬‬
‫وفيهم البدال (‪(2‬وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم وهم الطائفة‬
‫المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تزال طائفة من أمتي على الحق‬
‫منصورة ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم حتى تقوم الساعة) فنسأل ال أن يجعلنا منهم‬
‫وأل يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه الوهاب وال أعلم‪.‬‬
‫وصلى ال على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬
‫_____________________________________‬
‫(‪ )1‬قوله سفسافها‪ ،‬السفساف‪ ،‬المر الحقير والرديء من كل شيء وهو ضد المعالي‬
‫والمكارم‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪ :‬البدال‪ :‬قال ابن الثير في حديث عن البدال بالشام‪ :‬هم الولياء والعباد الواحد‬
‫بدل كحمل وأحمال وبدل كجمل سموا بذلك لنهم كلما مات واحد منهم أبدل بآخر اهـ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ولو قيل‪ :‬إن البدال هم الذين يجددون الدين كما في الحديث لما كان بعيدا وليس مراده‬
‫بالبدال ما اشتهر على لسان عباد القبور حيث يقولون‪ :‬القطاب والوتاد والنجباء والبدال‬
‫والغوث‪ ،‬فيضلون بهذه السماء الجهال زاعمين أن لها حقيقة‪ ،‬وما هي وال إل خرافات ل‬
‫حقيقة لها سوى العقائد الفاسدة الزائغة الشركية‪.‬‬
‫نسأل ال الشفاعة والعافية من كل بدعة وضللة‪ ،‬وأن يثبتنا على الصراط المستقيم بمنه‬
‫وكرمه‪.‬‬

‫خاتمة الطبع‬

‫الحمد ل الذي خلق الخلق لعبادته ووفق من أراد سعادته لطاعته وصلى ال وسلم على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحابته‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن العقيدة الواسطية تأليف‪ :‬شيخ السلم ابن تيمية التي ألفها إجابة لطلب القاضي‬
‫رضي الدين الواسطي من أحسن ما ألفه الئمة في بيان معتقد أهل السنة فليس في يد الطلبة‬

‫‪38‬‬
‫اليوم أحسن منها ول مثلها فإنه رحمه ال بين فيها القول الحق في مسألة القرآن وأنه كلم‬
‫منزل غير مخلوق وأن ألفاظه وحروفه ومعانيه عين كلم ال وأن ال يتكلم بمشيئته وإرادته‪.‬‬
‫كما أنه رحمه ال بين القول الصحيح في وجوب إثبات الصفات اللهية كاستواء ال على‬
‫عرشه وعلوه على خلقه ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة ومجيئه يوم القيامة ونظر‬
‫المؤمنين إليه سبحانه في عرصات القيامة وبعد دخولهم الجنة‪ ،‬ووضح معنى قرب ال من‬
‫عباده ومعنى كونه معهم أينما كانوا وبين أن ذلك كله حق ثابت‪ ،‬فاستواؤه معلوم وثابت وهو‬
‫غير حسي‪ ،‬وكذلك نزوله ومجيئه وقربه ومعيته‪ :‬جميعها ثابتة وحقيقة وهي غير حسية‪ .‬وقد‬
‫وردت تلك الكلمات بدللتها المعنوية ‪ -‬غير الحسية ‪ -‬في القرآن الكريم كقوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫مة‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬
‫قيَا َ‬ ‫فُروا ْ إِلَى ي َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫وقَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ك َ‬
‫ف ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن اتَّب َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ع‬
‫جا ِ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫وقَ اثْنَتَيْن‬ ‫ف ْ‬‫ساء َ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫فإِن ك ُ َّ‬ ‫َ‬
‫جات‬ ‫ض دََر َ‬‫ع ٍ‬ ‫وقَ ب َ ْ‬ ‫ف ْ‬‫م َ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ع بَ ْ‬ ‫ف َ‬‫وَر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الن ّب ِ ِ ّ‬
‫ي‬ ‫و ِ‬ ‫ص ْ‬
‫وقَ َ‬ ‫مف ْ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫واتَك ْ‬ ‫ص َ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫َل تَْرف ُ‬
‫َ‬
‫(مشروع المحدث)‬
‫على ما يليق بعظمة ال تعالى وذكر قول أهل الحق في اليمان بالقدر ورد قول المعتزلة‬
‫والجبرية وبين أُصول أهل السنة التي بنوا عليها عقائدهم وأعمالهم إلى غير ذلك من قواعد‬
‫العقائد المؤيدة بنصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف المة فهي جديرة بالعتناء بها حفظا‬
‫ودرسا ومطالعة‪ .‬فلهذا علقت عليها حواش تفصل مجملها وتوضح مشكلها وتسهل فهمها‬
‫لقرائها وقد امتازت هذه الطبعة الخيرة بزيادات لم توجد في الطبعات التي قبلها لسيما ما‬
‫ذكرناه من نظم عبد العزيز بن عدوان النجدي أحد علماء الوشم رحمه ال تعالى فإنه نظم‬
‫هذه العقيدة من الطويل جزاه ال خيرا وأثابه الجنة بمنه تعالى وكرمه‪.‬‬
‫وسمت همة الفاضل النجيب الشيخ عمر عبد الجبار لطبعها فجزاه ال خيرا ووفقه لنشر‬
‫أمثالها من مؤلفات أهل السنة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية الذين ل يضرهم من خذلهم‬
‫ول من خالفهم إلى يوم القيامة كما أخبر به النبي الصادق المصدوق صلى ال عليه وسلم‬
‫تسليما كثيرا‪ ،‬قاله بلسانه وكتبه ببيانه‪.‬‬
‫محمد بن عبد العزيز بن مانع‬

‫نهاية الكتاب‬

‫انتهى الكتاب والحمد ل تعالى‬


‫‪39‬‬

You might also like