Professional Documents
Culture Documents
البــــــاحث :
د .صيدلى /جمال محمد المتولى الزكى
مصر – دمياط – الزرقا – سيف الدين
002057690169
002057690145
محمول :
0020124644180
020104161601
-1-
الهـــــــداء
إلى السراج المنير
الذى حمل مشعل الوسطية
لتكون أمته
أمة وسطا ً ل تتسلط تسلط
الطغاة
ول تستكين استكانة
المستضعفين
إلى الذي عل فوق الخلق
العظيم
إلى نبيا محمد ( )
-2-
المقــدمــة
إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستهديه وندين إليه بالخير كله ،ونشهد أن ل اله إل ال وحده ل
شريك له ،ونشهد أن محمدا رسول ال ( ) خير من شهد ل وشهد على عباد ال ،فصلوات ال وسلمه
عليه ،وعلى آله وصحبه وعلى من جاء بعده يحمل رسالته ويؤدى أمانته ويقف بين الناس موقفه إلى يوم
الدين .....وبعد
فهذا بحث يتحدث عن جوانب من دلئل نبوة رسول ال ( ) ،ومكانته وأثره ،وكشف الشبهات
ودحض الفتراءات التى أثيرت حوله ( ) مع توضيح شهادات المنصفين من غير المسلمين عن نبوته
ومكانته وأثره ( ) .
وبداية نقول :لقد سبقت بعثة رسول ال ( ) فترة غابت فيها الشرائع السماوية بضوابطها
وثوابتها الشرعية ،وساد منطق القوة المفرطة غير المنضبطة فتكالب القوى ليعيش على قوت الضعيف ،
والغنى على قوت الفقير فسادت لغة الهمجية وغاب عن الرض النور الذى يرشد إلى سواء السبيل ،
وتفرقت بالناس كل السبل ...فكانت بعثته ( ) فتحا للرض وإنقاذا للبشرية ،ورحمة مهداة من ال تعالى
للعالمين ،فانتصر للمبادئ والخلق وأخرج الناس من دياجير التخبط والسفه والضلل إلى سواطع اليقين
والجلل والحكمة .
وفى هذه السطور ل يكفى حديث خاطف ،ول عرض سريع لبيان ما يزخر به محمدا ( ) من
عبقرية وروحانية ،وعلو قدر ورعة وسمو ،ومنعة وعظمة وعصمة و.......
ولعل دلئل نبوته ( ) تتمثل فى أسمى معانيها فى رسالته ( ) فرسالته خاتمة الرسالت ،
ورسول ال ( ) خاتم المرسلين ،وهذا دليل محسوس وملموس على صدق رسالته ويقين نبوته نسوقه إلى
أولئك المشككين الضالين المضلين الذين عطلوا العقل وألغوا التفكير – عن قصد وغير قصد – فأنكروا
هذه الرسالة وشككوا فى كل ما جاء به محمدا وله ،فضلوا وأضلوا وانحرفوا وتجاهلوا وجهلوا وجحدوا
م لَ ك الّذِي يَقُولُو َ
ن فَإِنّهُ ْ ه لَي َ ْ
حُزن ُ َ قَد ْ نَعْل َ ُ
م إِن ّ ُ ولذلك يقول ال فيهم عبر كل زمان ومكان
ن ) (1وهكذا يكشف الوحى عن المكر السىء ، حدُو َ ت اللّهِ ي َ ْ
ج َ ن بِآيَا ِ ن الظّال ِ ِ
مي َ ك وَلَـك ِ ّ
يُكَذ ّبُون َ َ
وعمق المؤامرة التى يراد بها – حقدا من عند أنفسهم – إطفاء هذا النور ووقف مده الزاحف يضاهئون
قَ ْ
د أقوال بعضهم بعضا لنهم خلفوا خلفا يحمل راية الخداع والتضليل ....فما أحوجنا فى هذه اليام
م أَكْبَُر – ) (2أن نتداعى إلى وحدة حقيقية
صدُوُرهُ ْ
خفِي ُما ت ُ ْ
م َو َ
بدت الْبغْضآءُ م َ
ن أفْوَاهِهِ ْ
ِ ْ َ َ ِ َ َ
قائمة نتماسك من خللها ونتآلف بهذا الدين ،ونهتدى بهذه الخلق السامية التى علت على كل خلق عظيم
حتى ل نصبح ( قصعة ) تتداعى عليه أيدى العداء ،وما ذالك إل لننا نسينا لقاء ال وكرهنا الموت ،
وتعلقت قلوبنا بالدنيا فكان الوهن وكان الضعف .
-3-
وما أحرانا فى هذه المرحلة الحاسمة أن نستلهم دائما سيرته ( ) الحافلة بكل جليل وجميل ما
ندعم به مكانتنا ونثبت به عقيدتنا حتى نكون حقا من أتباع محمد ( ) .
وهذا ما دفعنى إلى اختيار موضوع هذا البحث ،وقد هدفت من كتابته عدة أهداف منها :
-1بيان جانب من دلئل نبوته ( ) من إرهاصات النبوة تلك الخوارق التى صاحبت مولده ( ) – سواء
قبل مولده ،أو عند ولدته أو فى طفولته – ثم توضيح جانبا من بعض ما أخبر من غيوب عن ربه تعالى
،ثم إلقاء الضوء على جانب من جوانب عظمته المتمثلة فى صدقه ،وأمانته وعزمه الصادق ،وتمتعه (
) بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة ،ثم نجاحه المنقطع النظير فى أداء ما جاء به
وله ،ثم دليل نبوته فى معجزته الحقيقية الباقية الخالدة أبد الدهر ( القرآن الكريم ) .
-2بيان بعضا من الشبهات والمفتريات حول شخصية الرسول ( ) – وهى كثيرة – واكتفيت منها بكشف
شبهاتهم حول غزواته وحروبه وحمله للسيف لقهر الناس لعتناق السلم ،ثم الرد على هذه الفرية .ثم
شبهاتهم حول عصمته ( ) ،وأن القرآن ما هو إل من تأليفه وليس وحيا يوحى والرد عليها .
-3بيان بعض أقوال المنصفين من غير المسلمين حول شخصيته ( ) ومكانته وأثره وهى أقوال نستأنس
بها لنقيم الحجة عليهم وعلى منكرى الرسالة .
-4-
الفصل الثانى :شبهات المشككين وشهادات المنصفين غير المسلمين .
ويشتمل على تمهيد ومبحثين :
المبحث الول :شبهات المشككين حول رسول ال ( ) والرد عليها .
ويشتمل على :
ل :شبهاتهم حول غزوات الرسول ( ) والرد عليها .
أو ً
ثانيا :شبهاتهم حول أن الرسول ( ) هو مؤلف القرآن والرد عليها .
المبحث الثانى :شهادات المنصفين غير المسلمين على شخصية الرسول ( ) .
أما الخاتمة :فتتضمن أهم نتائج البحث ،وقائمة المراجع والمصادر ثم قائمة الفهرست .
-وكان منهجى فى البحث ما يلى .
-1العتماد – بعد على عون ال تعالى – على الكثير من المراجع بمصادرها الصلية للتأكد من صحة
الروايات والحاديث وعزوتها إلى مصادرها الصلية من كتب السنة المعتمدة .
-2لم أهمل المصادر الحديثة ففيها من الرؤى والتحليلت ما أتاح لى الستفادة الكبيرة منها والتزمت عند
النقل من أى مصدر إلى الشارة إليه والى صفحته وطبعات المرجع إن أمكن .
-3بينت مواضع اليات التى وردت بذكر السورة ورقم الية .
-4ما عرضته من شبهات وطعون أعداء السلم فإنى قرنت ذلك بالرد الذى يبين تلك الشبهات
والمطاعن معتمدا على القرآن والسنة المطهرة وكلم أهل العلم والدلة العقلية وقد استأنست أيضا بأقوال
بعض المنصفين غير المسلمين لنقيم الحجة الكاملة عليهم .
البــــــاحث :
د .صيدلى /جمال محمد المتولى الزكى
مصر – دمياط – الزرقا – سيف الدين
002057690169
002057690145
محمول 0020124644180 :
0020104161601
-5-
التمهيد :
ويشتمل على ثلثة مباحث :
المبحث الول :دلئل النبوة ..آيات النبياء عن نبوتهم .
المبحث الثانى :دعوة الرسول ( ) حلقة من حلقات
الدعوة إلى الله .
المبحث الثالث :الله تعالى يؤيد الصادق ويُمكن له .
-6-
المبحث الول
دلئل النبوة ...آيات النبياء عن نبوتهم
أول ً :تعريف الدلئل :
. ()2
،وما يتوصل به إلى معرفة الشيء ()1
-لغة :الدليل ما يستدل به
،فالشيء الول هو الدال ،والثانى ()3
-وفى الصطلح :هو الذى يلزم من العلم به العلم بشيء آخر
هو المدلول والدليل هو الية والبرهان التى يلزم وجودها وجود المدلول عليه فإذا وجدت آية وعلمة تدل
على النبوة لزم وجود نبى ،ولزم اليمان به .
ع ِرفَ أن محمدا رسول ال بنصوصه المتواترة ،كفاه ذلك ،
يقول ابن تيمية .. " :ثم إن كان ُ
وإن كان لم يقر بنبوته احتاج إلى مقدمة ثانية ،وهو اليمان بأنه رسول ال ،ل يقول على ال إل الحق ،
ويذكر له من دلئل النبوة وأعلمها ما يعرف به ذلك ،فيهتدى إن كان طالب علم ،وتقوم عليه الحجة إن
()4
لم يكن كذلك .
وآيات النبياء هى أدلة صدقهم ،وبراهين من ال ،تتضمن إعلم ال لعباده وإخباره ،فالدليل
وهو الية ،والعلمة ل تدل إل إذا كان مختصا بالمدلول عليه مستلزما له ،وهى أقوى من القول ،فل
يتصور أن تكون آيات الرسل إل دالة على صدقهم ،ومدلولها أنهم صادقون .
ودلئل نبوة الرسول ( ) لها آثار مستلزمة لها ،وبدون إخبار النبى بأنه نبى ،بل متى اختصت
به ،وهى من خصائصه ،كانت آية له سواء وجدت قبل ولدته ،أو بعد موته ،أو على يد أحد من
()5
الشاهدين له بالنبوة .فكل هذه من آيات النبوة .
وليات النبياء عن نبوتهم طرقا متعددة ،دللتها إما تعلم بالضرورة ،أو بالنظر والستدلل ،
:كل القولين صحيح ،فإنه يحصل بها علم ضرورى ،والدلة النظرية تواق ذلك ()6
يقول ابن تيمية
وكذلك كثير من الدلة والعلمات واليات من الناس من يعرف استلزامها للوازمها بالضرورة ويكون
اللزوم عنده بينا ل يحتاج فيه إلى وسط ودليل ،ومنهم من يفتقر إلى دليل ووسط يبين له أن هذا الدليل
مستلزم لهذا الحكم اللزم له ...فقد يجيء المخبر إليهم بخبر يصرف كثير منهم صدقه أو كذبه
بالضرورة لمور تقترن بخبره ،وآخرون يشكون فى هذا ثم قد يتبين لبعضهم بأدلة ،وقد ل يتبين ،
وكثير من الناس يعلم صدق المخبر بل آية البتة ،بل إذا أخبره وهو خبير بحاله أو بحال ذلك المخبر به
أو بهما ،علم بالضرورة :إما صدفة ،وإما كذبه .
فالنبى ( ) كما ذكر حاله لخديجة (رضى ال عنها ) ،وذهبت إلى ورقة بن نوفل وكان عالما
بالكتاب الول وذكر له النبى ( ) ما يأتيه يحكم بأنه صادق .ويقول :هذا الناموس الذى كان يأتى
( )2المفردات فى غريب القرآن للراغب الصفهانى ص 177 ( )1مختار الصحاح ص . 123
( )3التعريفات للجرجانى ص . 107
( )4النبوات لبن تيمية ،ص ، 255مكتبى فياض بالمنصورة – مصر ،ط 2005م .
( )6المرجع السابق ص 312 ، 311بتصرف . ( )5المرجع السابق ص 298بتصرف .
-7-
موسى فالرسول ( ) معلوم عنه أنه أصدق الناس ،وهذه وحدها آية على نبوته ،ثم جاءت آية آخرى
وهو جبريل أو " الناموس " علمة ودليل آخر على نبوته أيضا ،فإذا كان العلم بصدقه ( ) بل آية قد
يكون علما ضروريا ،فكيف بالعلم بكون الية علمة على صدقه ،وجميع الدلة لبد أن تعرف دللتها
بالضرورة .
ولهذا ل يوجد أحد قدح فى نبوته ( ) إل أحد رجلين :إما جاهل ل يعرف صدقه وأمانته وإما
معاند متبع لهواه وهو عامة من كذبوه فى حياته .
فمن يعرفون النبى ( ) وكذبوه ،وكان تكذيبهم من باب أل تذول رئاستهم أو مكانتهم ،ولذلك لم
يكن التكذيب لقيام حجة منهم تدل على كذبه ( ) ولكن المكذب مفتر بل علم ول حجة ول برهان ولذلك
ن
حدُو َ ت اللّهِ ي َ ْ
ج َ ن بِآيَا ِ ن الظّال ِ ِ
مي َ ك َولَـك ِ ّ قال عنهم القرآن فَإِنّهُ ْ
م ل َ يُكَذ ّبُون َ َ
) (1
()2
ودلئل النبوة قسمان :
الول :الحالت التى سميت بالرهاصات ،وهى الحوادث الخارقة التى وقعت قبل النبوة ،ووقت
الولدة
الثانى :دلئل أخرى تنقسم إلى قسمين :
أحدهما :الخوارق التى ظهرت بعده ( ) تصديقا لنبوته .
ثانيهما :الخوارق التى ظهرت فى فترة حياته المباركة ،وهذا أيضا قسمان .
الول :ما ظهر من دلئل النبوة فى شخصه وسيرته وصورته وأخلقه وكمال عقله .
الثانى :ما ظهر منها ى أمور خارجة عن ذاته الشريفة ،أى فى الفاق والكون وهذا أيضا قسمان :
قسم معنوى وقرآنى ،وقسم مادى وكونى .
والقسم المادى والكونى قسمان :
القسم الول :المعجزات التى ظهرت خلل فترة الدعوة النبوية ،وهى إما لكسر عناد الكفار ،أو لتقوية
إيمان المؤمنين كانشقاق القمر ،ونبعان الماء من بين أصابعه الشريفة ،وإشباع الكثير بطعام القليل ،
وتكلم الحيوان ،والشجر ،والحجر ........
القسم الثانى :الحوادث التى أخبر عنها ( ) قبل وقوعها – بما علمه ال سبحانه – وظهرت تلك الحوادث
وتكررت كثيرا .أ .هـ .
إل أن المعجزات الحية الباقية حتى يومنا هذا هى إنجازات الرسول ( ) ،وما أتى من تشريعات
صالحة لكل زمان ومكان ،وكما قال المستشرق النجليزى يورسورث اسمث ( : ) 1892 – 1815
أن المعجزة الخالدة التى أداها محمد ( ) هى القرآن والحقيقة إنها كذلك ...وإن أعظم ما هو معجزة فى
محمد نبى السلم أنه لم يّدع القدرة على التيان بالمعجزات وما قال شيئا إل فعله وشاهد منه فى الحال
أتباعه ،ولم ينسب إليه الصحابة معجزات لم يأتها أو أنكروا مبدأ صدورها منه ،فأى برهان
. ()3
أقطع من ذلك ؟
-8-
( )3الدب فى أسيا :ليورسورث أسمث ( عن محمد فى الدراسات الستشراقية لمحمد الشيبانى ص . ) 130
-9-
المبحث الثانى
دعوة الرسول ( ) حلقة من حلقات الدعوة إلى الله
إن المة السلمية لها رسالة تدعو إلى ال على بصيرة ،ومنهج دعوتها لها مبادئ وأصول
وقواعد تحدد المنهج الذى جاء به محمد ( ) والذى لم يخرج عن دعوات النبياء السابقين بل سائرة قى
َ طريقهم ،متعقبة آثارهم ولذلك يقول سبحانه :
ما
مآ أد ْ ِري َ
ل َو َ
س ِ
ن الّر ُم َت بِدْعا ً ّ ما كُن ُ ل َ قُ ْ
) . َ ل بي ول َ بك ُم إ َ
(1
ن مآ أنَا ْ إِل ّ نَذِيٌر ّ
مبِي ٌ ي وَ َى إِل َ ّ
ح َ ن أتّبِعُ إِل ّ َ
ما يُو َ َ ِ ْ ِ ْ يُفْعَ ُ ِ
ل كما أخبر بذلك الرسول ( ) من حديث أبى ذر قال :قلت يا رسول ال أى
فكان آدم نبيا مرس ً
النبياء كان أول ؟ قال " :آدم .قلت :يا رسول الله ونبى كان قال " :نبى مكلم
. ()2
"
ثم كانت ذريته من بعده دعوتهم جميعا – بما فيها دعوة محمد ( ) – هى السلم بمفهومه العام ،
والستسلم ل ،وإخلص العبادة له سبحانه بشقيها الطاعة والنسك ،أو الشرائع والشعائر لم يخالف
محمد ( ) الرسل والنبياء فى أصل الدعوة إلى ال .
ففى القرآن الكريم جاء التعبير عن الرسالت جميعا بأنها كتاب واحد :
) (3
ختَلَفُوا ْ فِيهِما ا ْ س فِي َ ن النّا ِ م بَي ْ َحك ُ َ حقّ لِي َ ْ ب بِال ْ َم الْكِتَا َ معَهُ ُل َ قال سبحانه :وَأَنَز َ
ف الّذي ُ وقال سبحانه :
د
من بَعْ ِ ب إِل ّ ِن أوتُوا ْ الْكِتَا َ ِ َ ختَل َ َ ما ا ْ م َو َ سل َ ُ ه ال ِ ْ عند َ الل ّ ِن ِ ن الدّي َ إِ ّ
) (4
ب سا ِ ح َ ع ال ْ ِ
سرِي ُ ن اللّهِ َ ه فَإ ِ ّ ت الل ّ ِ من يَكْفُْر بِآيَا ِ م وَ َ م بَغْيا ً بَيْنَهُ ْم الْعِل ْ ُ
جآ َءهُ ُ ما َ
َ
َ وقال سبحانه :
طس ِ س بِال ْ ِق ْ م النّا ُ ن لِيَقُو َ ميَزا َ ب وَال ْ ِ م الْكِتَا َ معَهُ ُ وَأنَزلْنَا َ
) (5
فليس هناك تعدد أديان ولكن تعدد رسالت ،ولذلك لما كذب قوم نوح نبيهم قال ال تعالى فى شأنهم :
ن ) (6فقوم نوح لم يكذبوا إل نبيهم نوح – عليه السلم – ولكن سلِي َ مْر َم نُوٍح ال ْ ُ ت قَوْ ُ كَذ ّب َ ْ
()7
القرآن اعتبر تكذيبهم لنوح تكذيبا للرسل جميعا .
ل َربّنَا عي ُ ما ِ س َ ت وَإ ِ ْ ن الْبَي ْ ِ م َ عد َ َِوا ِم الْق َ وهو دين إبراهيم – عليه السلم : -وَإِذ ْ يَْرفَعُ إِبَْراهِي ُ
ُ ن لَ َ ل منآ إن َ َ
ة
م ً
سل ِ َ م ْ ة ّ م ً من ذُّريّتِنَآ أ ّ ك َو ِ مي ْ )ِ
سل ِ َم ْ جعَلْنَا ُ َربّنَا َوا ْ ميعُ الْعَلِي ُ
م س ِ ت ال ّ ك أن َ تَقَب ّ ْ ِ ّ ِ ّ
َ َ لّ َ َ
(8
م
حي ُ ب الّر ِ ت التّوّا ُ ك أن َ ب عَليْنَآ إِن ّ َ سكَنَا وَت ُ ْ منَا ِ ك وَأرِنَا َ
ى
صطفَ َ
ها ْ َ ن الل ّ َ
ي إِ ّ ب يَابَن ِ ّ م بَنِيهِ وَيَعْقُو ُ ى بِهَآ إِبَْراهِي ُ ص َ ودين يعقوب وبنيه من بعده :وَوَ ّ
َ َ
تموْ ُ ب ال ْ َ ضَر يَعْقُو َ ح َ شهَدَآ َء إِذ ْ َ م ُ م كُنت ُ ْ أ ْ ن
مو َ سل ِ ُ م ْ ن إَل ّ وَأنْتُم ّ موت ُ ّن فَل َ ت َ ُ م الدّي َ لَك ُ ُ
عي َ
ل ما ِ س َ م وَإ ِ ْ ك إِبَْراهِي َ ك وَإِلَـ َ
ه آبَائ ِ َ من بَعْدِي قَالُوا ْ نَعْبُد ُ إِلَـهَ َ ن ِ ما تَعْبُدُو َ إِذ ْ قَا َ
ل لِبَنِيهِ َ
ن
مو َ سل ِ ُ م ْ ه ُ ن لَ ُح ُ حدا ً وَن َ ْحاقَ إِلَـها ً وَا ِ وَإ ِ ْ
س َ
) (9
( )4آل عمران )5( 19الحديد ( 25 ( )3البقرة 213 ( )2أخرجه أحمد فى " المسند " ح 20566 ( )1الحقاف 9
( )7راجع :مفاهيم أساسية لدراسة السيرة النبوية لمحمد جلل القصاص ص ،15موقع صيد الفؤاد اللكترونى . )6الشعراء 105
( )9البقرة 133 ، 132 ( )8البقرة 128 ، 127
ن
مي َ
سل ِ ِ م بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكّلُوَا ْ إِن كُنتُم ّ
م ْ منت ُ ْ ى يَقَوْم ِ إِن كُنت ُ ْ
مآ َ س َ
مو َ وَقَا َ
ل ُ ودين موسى :
) (1
- 10 -
ي إِلَى اللّهِ قَا َ لم َ َ ودين عيسى :
ل صارِ َ ن أن َم الْكُفَْر قَا َ َ ْ منْهُ ُ
ى ِس َ عي َ س ِ ح ّ مآ أ َفَل َ ّ
َ منّا بِاللّهِ وَا ْ َ
ن
مو َ سل ِ ُ
م ْ
شهَد ْ بِأنّا ُ صاُر اللّهِ آ َ
ن أن ْ َ ح ُ
ن نَ ْ ال ْ َ
حوَارِيّو َ
) (2
ولذلك يقول الرسول ( ) من منطلق أن الدين واحد والدعوة واحدة وإن تعددت الرسالت :
. ()4
،ليس بينى وبينه نبى " ()3
" أنا أولى الناس بابن مريم ،والنبياء أولد علت
وفى رواية لمسلم " :أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فى الولى والخرة .قالوا :
كيف يا رسول الله ؟ قال :النبياء إخوة من علت ،وأمهاتهم شتى ،ودينهم
واحد ،ليس بيننا نبى " فكانت رسالة النبياء جميعا السلم الذى يخاطب الفطرة السليمة بالحجة
ض كُلّهُ ْ
م من فِي الْر ِ
ن َ ك لَ َ
م َ شآءَ َرب ّ َ وَل َ ْ
و َ والبرهان ،دون سلطان يجبر الناس على اليمان
ن ) (5فمن اتبع الهدى كان من المفلحين ،ومن َ َ
منِي َ ى يَكُونُوا ْ ُ
مؤْ ِ حت ّ َ
س َ ميعا ً أفَأن َ
ت تُكْرِهُ النّا َ ج ِ
َ
أعرض كان عليه تبعة إعراضه .
ومحمد ( ) لم يكن فى حاجة إلى السنان بل إلى البيان بكلمات هادئة وطيبة ولكنها قذائف حق
ف بَ ْ
ل نَقْذِ ُ أشد أثرا وتأثيرا من ضربات السيف تسقط معها حجج المكذبين ،وشبهات المفترين
ثم بعد ذلك ) (6
ن
صفُو َ
ما ت َ ِ
م ّ م الْوَي ْ ُ
ل ِ و َزاهِقٌ َولَك ُ ُ
ه فَإِذ َا هُ َ ل فَيَد ْ َ
مغُ ُ ق عَلَى الْبَاط ِ ِ ح ّبِال ْ َ
وَلَوْ َ
شآءَ شآ َء فَلْيَكْفُْر ) (7وهذه إرادة ال الخالق فى خلقه من َ من وَ َ شآءَ فَلْيُؤْ ِمن َ فَ َ
َ
ن
معِي َ ج َ
مأ ْ لَهَدَاك ُ ْ
) (8
( )3أولد علت :الخوة للب غير الضرائر ( )2آل عمران 52 ( )1يونس . 84
( )4أخرجه البخارى ح ، 3443ومسلم ح )5( 2368يونس . 99
( )8النعام . 149 ( )7الكهف 29 ( )6النبياء 18
المبحث الثالث
الله يؤيد الصادق ويمكن له
إن من سنن ال تعالى أنه يملى للظالم فإذا أخذه لم يفلته ،فال تعالى ل يحب الظالمين ،ول يحب
) (1
ن
سدِي َ ل ال ْ ُ
مفْ ِ م َ
ح عَ َ ه ل َيُ ْ
صل ِ ُ الكاذبين ،ول يصلح عمل المفسدين :إ ِ ّ
ن الل ّ َ
- 11 -
والقرآن الكريم دل على أنه – سبحانه وتعالى – ل يؤيد الكذاب ،بل لبد أن يظهر كذبه وخاصة إذا كان
يكذب على ال ،وينتقم منه ونذكر من ذلك :
م لَقَطَعْنَا
ثُ ّ ن ه بِالْي َ ِ
مي ِ من ْ ُ
خذ ْنَا ِ
ل َ ض القَاوِي ِ
ل ل عَلَيْنَا بَعْ َل :قوله سبحانه :وَلَوْ تَقَوّ َ
أو ً
. ن منه الْوتِين فَما منك ُم م َ
جزِي َ
حا ِ
ه َحدٍ عَن ْ ُنأ َ
)
َ ِ ْ ّ ْ ِ ْ ُ َ َ
(2
فال تعالى يذكرهم بأن هذا النبى ( ) لو كان كاذبا لم يمكن له فى الرض ،ول ينصر على
العداء ،وهذه أدلة عقلية تخاطب العقول إن كانت تعى ! فكيف يمكن ال لمن كذب عليه ؟ وكيف ينصر
ال من زعم أن ال أرسله ؟ أى :لو كان كاذبا على ال لقصمه ولم يمكن له ولم ينصره .
()3
َ
ى قَلْب ِ َ
ك خت ِ ْ َ
م عَل َ شإ ِ الل ّ ُ
ه يَ ْ رى عَلَى اللّهِ كَذِبا ً فَإِن ي َ َ ن افْت َ َ َ م يَقُولُو َثانيا :قوله سبحانه :أ ْ
صدُورِ . ) (4 ت ال ّ م بِذ َا ِه عَلِي ٌ حقّ بِكَل ِ َ
ماتِهِ إِن ّ ُ حقّ ال ْ َ ه الْبَاط ِ َ
ل وَي ُ ِ ح الل ّ ُ
م ُ
وَي َ ْ
يقول المام ابن تيمية فى " النبوات " :قد بين – ال تعالى – أنه لبد أن يمحو الباطل ن ويحق
الحق بكلماته ،فإنه إذ أنزل كلماته دل بها على أنه نبى صادق إذا كانت آية له ،وبين بها الحق من
الباطل ،وهو أيضا يحق الحق ويبطل الباطل بكلماته التى تكون بها الشياء ،فيحق الحق بما يظهره من
اليات ،وما ينصر به أهل الحق كما تقدمت كلمته بذلك .
()5
ح
م يُو َ ي وَل َ ْي إِل َ ّ
ح َل أُوْ ِ رى عَلَى اللّهِ كَذِبا ً أ َ ْو قَا َ
ن افْت َ َ َ
م ِ
م ّ
م ِ
وم َ
ن أظْل َ ُ
َ َ ْ ثالثا :قوله تعالى :
هل الل ّ ُ مآ أَنَز َ ل َ مث ْ َ
ل ِ سأُنزِ ُ َ من قَا َ
ل يءٌ َو َ إِلَيْهِ َ
ش ْ
)(6
فهذا يقتضى أن كل ما أنزله ال على أوليائه فهو معجز ،ل يقدر عليه إل ال ،كالتوراة ،
والنجيل ...وهذا حق ،فإن فى ذلك من أنباء الغيب ما ل يعلمه إل ال ،وفيه أيضا :من تأييد الرسل
بذلك فل يقدر على أن يرسل بتلك الرسالة إل ال ،فل يقدر أحد أن يُنزل مثل ما انزل ال على نبيه ،
()7
فيكون به مثل الرسول ول أن يرسل به غيره .
وهذا دليل قاطع على صدق دعوته ( ) وبرهان واضح على دليل نبوته لنه إلى الن لم يوجد
أحد أوحى إليه إل محمد ( ) بعد عيسى عليه السلم ،ولم يوجد أحد أنزل مثل ما أنزل ال .وإذا جاء
من يقول ذلك كان من أظلم الناس وأكذبهم .
( )2الحاقة 47 – 44 ( )1يونس 81
( )3راجع :محمد ( ) فى القرآن والسنة لعبد الرحمن السحيم ص 8نقلً من القواعد الحسان للسعدنى .
( ) 7النبوات لبن تيمية ص . 320 ( )6النعام 93 ( )5النبوات لبن تيمية ص 318 ( )4الشورى 24
- 12 -
الفصـل الول
من دلئل نبوة رسول الله ( )
تمهيد :
إن رسالة الرسول ( ) ليست فى حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها بحيث إن لم يوجد الدليل
الخارجى بطلت هذه الرسالة – وحاشى ل أن تكون كذلك – لن هذه الرسالة العظيمة الخالدة دليلها فيها ،
- 13 -
فهى حقيقة قائمة بذاتها غنية عما سواها ،خالدة وصالحة ومصلحة لكل زمان ومكان ،وباقية أبد الدهر
وهذا دليل صدقها .فكل النبياء مضوا ولم يبق من أدلة صدقهم إل ما جاء فى " القرآن الكريم " حيث
شهد لهم بالرسالة والصدق والوفاء وأنهم أنبياء ال المكرمون .
فل يظن ظان أننا حين نتحدث عن دلئل النبوة لمحمد ( ) ،أننا نبحث عن أدلة نحن فى حاجة
إليها لثبات صدقه ( ) وصدق رسالته ولكننا نقيم الحجة على من ينكر رسالته ونضع بين يديه أدلة مما
ألفها وعرفها وقرأ عنها بل ويعيش واقعها .
ومن هذه الدلة :الرهاصات ،وإخباره ( ) بغيوب كثيرة وقعت كما أخبر بها عن ال تعالى ،
ثم عظمته ( ) المتمثلة فى أنه كان ذو عزم صادق عند معاصريه مما دعا أهل العقول الراجحة لليمان
به ،وتمتعه ( ) بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة ،ونجاحه فى تحقيق ما جاء به من
رسالة ،وإتيانه بمنهج وشريعة تصلح لكل زمان ومكان دائمة إلى أن يرث ال الرض ومن عليها وهذا
المنهج هو " القرآن الكريم " .
المبحث الول
الرهــــاصــــــــات
والرهاصات هى الحوادث الخارقة للرسول ( ) سواء قبل مولده " عهد الفترة " ،أو عند مولده
أو فى طفولته ( ) أو ما أخبرت به الكتب القديمة عن مجيئه وأوصافه .
أول ً :إرهاصات " عهد الفترة " :
وتتمثل هذه الفترة بإخبار الكهان عن مجيئه ( ) فقد أعلنوا عنه أمام المل ،وتركوا أخبارهم لنا
()1
فى أشعارهم وسيرهم .ومن هذه الخبار :
-1ما رآه الملك تبع – من ملوك اليمن – من أوصاف الرسول ( ) فى الكتب القديمة ،وأعلن به شعرا
يقول فيه :شهدت على أحمد أنه رسول ال بارى النسم
فلو ُمدّ عمرى إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم
-2ما رآه سيف بن ذى يزن – أحد ملوك اليمن – فى الكتب السابقة من أوصاف الرسول ( ) وآمن به
واشتاق إليه ،وعندما ذهب جد النبى ( ) – عبد المطلب – إلى اليمن مع قافلة قريش دعاهم الملك وقال
لهم :إذا ولد بتهامة – أى الحجاز – ولد بين كتفيه شامة كانت له المامة وإنك عبد المطلب جده .
. ( )1راجع مكتوب سعيد النورسى – المكتوب التاسع عشر – عن موقع www.saidnur.com
-3الرؤيا التى رأها كسرى – ملك الفرس – من انشقاق شرفات إيوانه الربعة عشر وسقوطها فبعث
عن حكمة هذه الرؤيا ،فأرسل إلى كسرى كلما معناه : ()1
عالما اسمه " مويزان " ليسأل الكاهن سطيحا
سيحكم فيكم أربعة عشر ملكا ثم ستمحى سلطتكم وتزال دولتكم وسيأتى من يظهر دينا جديدا ،فيكون سببا
فى زوال دينكم ودولتكم .
- 14 -
ثانيا ً :اليات والحوادث التى ظهرت عند مولده وفى طفولته ( ) :
والتى يعد كل منها معجزة من معجزاته ( ) وهى كثيرة نورد منها :
-1ما رأته أمه من النور الذى خرج معه عند ولدته :
عن العرباص بن سارية صاحب رسول ال ( ) أنه قال :سمعت رسول ال ( ) يقول :
" إنى عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل فى طينتة وسأخبركم بتأويل
ذلك .أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ،ورؤيا أمى التى رأت حين وضعت
()2
نورا ً أضاءت له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين "
يقول المام البيهقى :وقوله إنى عبد ال وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل فى طينتة يريد به أنه كان
كذلك فى قضاء ال وتقديره قبل أن يكون أبو البشر وأول النبياء ( ) .
وقوله :دعوة إبراهيم .يريد به أن إبراهيم لما أخذ فى بناء البيت دعا ال تعالى أن يجعل ذلك
ث
َربّنَا وَابْعَ ْ البلد آمنا ويجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ويرزقهم من الثمرات والطيبات ثم قال :
ة ويزكّيهم إن َ َ ب وَال ْ ِ
تك أن َ م َ َ َُ ِ ْ ِّحك ْ َ م الْكِتَا َ ك وَيُعَل ّ ُ
مهُ ُ م يَتْلُوا ْ عَلَيْهِ ْ
م آيَات ِ َ سول ً ّ
منْهُ ْ م َر ُ
فِيهِ ْ
م ) (3فاستجاب له ال دعاءه فى نبينا وجعله الرسول الذى سأله إبراهيم ودعاه أن حكِي ُ
العَزِيُز ال َ
يبعثه فى أهل مكة ولذلك قال الرسول ( ) أنا دعوة إبراهيم .
وأما قوله " :بشارة عيسى عليه السلم " فهو أن ال تعالى أمر عيسى فبشر به قومه بنو إسرائيل
صدّقاً
م َل اللّهِ إِلَيْكُم ّسو ُل إِنّي َر ُسَرائِي َ
م يَبَنِي إ ِ ْ
مْري َ َ
ن َ
سى اب ْ ُ عي َ ل ِقبل أن يخلق وَإِذ ْ قَا َ
شرا ً برسول يأْتِي من بعدي اسم َ
جاءَهُم
ما َمد ُ فَل َ ّ
ح َ
هأ ْْ ُ ُ ِ َْ ِ َِ ُ ٍ َ مب َ ّ
ن التّوَْراةِ وَ ُم َ ن يَدَيّ ِ لّ َ
ما بَي ْ َ
ن
مبِي ٌ
حٌر ّ
س ْ .
ت قَالُوا ْ هَـذ َا ِ
) (4
بِالْبَيّنَا ِ
وأما قوله " :ورؤيا أمى التى رأت " :كانت آمنة بنت وهب أم رسول ال ( ) تحدث أنها أُتيت
حين حملت بمحمد فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه المة فإذا وقع إلى الرض فقولى :أعيذه بالواحد
الحد من شر كل حاسد من كل بر عاهد وكل عبد رائد يرود غير رائد فإنه عبد الحميد الماجد حتى أراه
قد أتى المشاهد .قال آية ذلك أن يخرج معه نور يمل قصور بصرى من أرض الشام فإذا وقع فسميه
محمدا فإن اسمه فى التوراة أحمد يحمده أهل السماء وأهل الرض واسمه فى النجيل أحمد يحمده أهل
()5
السماء وأهل الرض واسمه فى الفرقان محمد فسميه بذلك .
( )1سطيح :كان كاهنا بالشام ،وقيل أنه كان أعجوبة من العجائب حيث كان جسدا ل جوارح له ،ول عظم فيه إل الرأس ،ووجهه
فى صدره ،وقد عاش كثيرا واشتهرت أخباره -غالبا – بالصدق .
( )2أبو داود ،أحمد ،البزار والطبرانى .
( )3البقرة -الية129 :
( )4سورة :الصف -الية6 :
( )5راجع :دلئل النبوة ،للبيهقى .
-2غيض بحيرة ساوة التى كانت تُقدس ،وخمود نار فارس وكان لها ألف عام لم تخمد حيث كانت توقد
فى اصطخرأباد ويعبدها المجوس .
- 15 -
-3اضطراب اليهود لولدته :ففى رواية عائشة ( رضى ال عنها ) أنها قالت :كان يهودى قد سكن
بمكة فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول ال ( ) قال :يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ قالوا
:ل نعلم .قال :انظروا فإنه ولد فى هذه الليلة نبى هذه المة بين كتفيه علمة .فانصرفوا فسألوا فقيل
لهم قد ولد لعبد المطلب غلما فذهب اليهودى معهم إلى أمه فأخرجته لهم فلما رأى اليهودى العلمة خر
مغشيا عليه وقال :ذهبت النبوة من بنى إسرائيل .يا معشر قريش أما وال ليسطون بكم سطوة يخرج
()1
خبرها من المشرق والمغرب .
-4حادثة الفيل التى حكى عنها القرآن الكريم .وهى لم تكن من حوادث ليلة مولده ( ) ولكنها كانت فى
العام الذى ولد فيه محمد ( ) .
-وهناك من اليات والمعجزات التى صاحبته فى طولته منها :
-1إظلل ال له بالغمام فى سفره مع ميسرة فى تجارة خديجة (رضى ال عنها ) إلى الشام .
-2أنه كان إذا أكل مع عمه أبو طالب وآله شبعوا ورووا ،وإذا غاب فأكلوا فى غيبته لم يشبعوا .وقالت
أم أيمن ( رضى ال عنها ) حاضنته ومولته :ما رأيته شكى جوعا ول عطشا صغيرا ول كبيرا.
-3البركة التى حصلت لل بيت " حليمة السعدية " مرضعة الرسول ( ) .وهى حادثة مشهورة .
- 16 -
بشارات العهد القديم :
والعهد القديم الذى يؤمن به اليهود والنصارى على أنه كلم ال ،أما العهد الجديد فهو الذى يؤمن
به النصارى وحدهم على أنه كلم ال .
والعهد القديم أو ما يسمى بـ " الكتاب المقدس " عبارة عن موسوعة تضم أسفارا أصغر تبلغ ستا
وستين منها :سفر التكوين ،والخروج ،والعدد ،والتثنية ،وأشعياء ....وغيرها .
ففى سفر أشعياء وردت رواية بدء الوحى على محمد ( ) الذى يقول " :فى الكتاب المنزل إليه ،
المى ،قل :اقرأ يقول :ما أنا بقارئ " أو يدفع الكتاب لمن ل يعرف الكتابة ويقال له اقرأ هذا فيقول ل
()2
أعرف الكتابة .
وفى كتاب التثنية ( ) 18 : 18الذى يقول " :أقيم لهم نبيا من وسط أخوتهم مثلك واجعل كلمى
فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيهم به " وهذا يؤكد قوله تعالى :قُ ْ َ َ
عندِ الل ّ ِ
ه ن ِ
م ْ
ن ِم إِن كَا َ
ل أَرأيْت ُ ْ
مثْلِهِ . ) (3) (4
ى ِ سَرائِي َ َ
ل عَل َ ي إِ ْ
من بَن ِ َ شهِد َ َ
شاهِد ٌ ّ وَكَفَْرت ُ ْ
م بِهِ وَ َ
وورد فى سفر التثنية أيضا :الصحاح ( )133الفقرات ( " : ) 2 -1وهذه هى البركة التى
بارك بها موسى رجل ال بنى إسرائيل قبل موته " فقال " :جاء الرب من سيناء ،وأشرق لهم من ساعير
،وتلل من جبل فاران " .
وفى هذا النص إشارة إلى ثلث نبوات :
الولى :نبوة موسى عليه السلم التى تلقاها على جبل سيناء .
الثانية :نبوة عيسى عليه السلم وساعير هى قرية مجاورة لبيت المقدس ،حيث تلقى عيسى أمر رسالته.
الثالثة :نبوة محمد ( ) وجبل فاران هو المكان الذى تلقى فيه محمد ( ) أول ما نزل عليه من الوحى ،
وفاران هى مكة المكرمة مولد ونشأة الرسول ( ) ،وجبل فاران هو جبل " النور " الذى به غار حراء
الذى تلقى فيه الرسول ( ) بدء الوحى .
وترتيب الحداث الثلثة فى العبارة المذكورة :جاء من سيناء ،وأشرق من ساعير ،وتلل من فاران
. )
هذا الترتيب الزمنى دليل على أن " تلل من فاران " تبشير قطعى برسول ال () (5
( )1راجع :حقائق السلم فى مواجهة شبهات المشككين ،الشبهة الثانية والربعون ص ، 312المجلس العلى للشئون السلمية .مصر .
( )2أشعياء فصل ، 29النص 12ترجمة دار الكتاب المقدس فى الشرق الوسط 1987م .
( )3سورة :الحقاف -الية.10 :
( )4محمد ( ) المثال السمى ،لحمد ديدات ص 80ترجمة محمد مختار .
( )5حقائق السلم فى مواجهة شبهات المشككين ص . 322 – 321
وفى الفصل الحادى عشر من سفر التثنية أن موسى عليه السلم قال لبنى إسرائيل " :إن الرب
إلهكم يقيم نبيا مثلى من بينكم ،ومن إخوتكم فاسمعوا له " وقد ورد فى هذا الصحاح ما يؤكد هذا القول
ويوضحه وهو قول ال لموسى – حسب ما تروى التوراة ": -أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك ،
- 17 -
وأجعل كلمى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ،ويكون أن النسان الذى ل يسمع لكلمى الذى يتكلم به
()1
باسمى أنا أطالبه – أو أنا أنتقم منه "
-وهذه البشارة تنطبق على محمد ( ) من وجوه نذكر منها :
-1اليهود مجمعون على أن جميع النبياء الذين كانوا فى بنى إسرائيل من بعد موسى لم يكن فيهم مثله .
والمراد بالمثلية هنا أن يأتى بشرع خاص تتبعه عليه المم من بعده ،وهذه صفة محمد ( ) لنه من
إخوتهم – أى من العرب – وقد جاء بشريعة ناسخة لجميع الشرائع السابقة ،وتبعته المم عليها ،فهو
كموسى ،هذا فضلً عن أن لفظه ( من بينهم ) الواردة فى البشارة قد أكدت وحددت الشخص المراد :
فموسى قد جاء بشريعة وكل من جاء من بعده من بنى إسرائيل لم يكن واحد منهم صاحب شريعة وإنما
كانوا على شريعة موسى عليه السلم حتى عيسى عليه السلم جاء متمما ومعدلً ومجددا الدعوة على
هدى شريعة موسى ولذلك فل مثلية بين هؤلء النبياء وإنما المثلية تتحقق لصاحب شريعة لها سلطانها
)
الخاص بها مثلما كانت لموسى وهى بل شك شريعة السلم وصاحبها محمد () . (2
-2أن النص يدل على أن النبى الذى يقيمه ال لبنى إسرائيل ليس من نسلهم ولكنه من إخوتهم فكل نبى
بعث من بعد موسى كان من بنى إسرائيل وآخرهم عيسى عليه السلم ولم يبق من إخوتهم – أى العرب –
غير محمد ( ) .
- 18 -
-1إنه يعلم الناس كل شىء .وهذا معناه شمول رسالته لكل مقومات الصلح فى الدنيا والدين .وذلك
هو السلم .
-2إنه يبكت العالم على خطية ،والشاهد هنا كلمة " العالم " وهذا معناه أيضا شمول السلم لكل أجناس
البشر ،عربا وعجما ،فى كل زمان ومكان ،ولم توصف شريعة بهذا إل السلم .
)
-3إنه يخبر بأمور آتية ،ويذكر بما مضى ،وقد تحقق هذا فى رسالته () . (3
المبحث الثانى
إخباره ( ) بغيوب كثيرة وقعت كما أخبر بها عن الله تعالى
إن هناك كثيرا من الخبار الغيبية الصادقة أخبر بها الرسول ( ) لتكون دليلً وبرهانا ومعجزة
على صدق رسالته ،وأنه ل ينطق عن الهوى .وهذه الغيوب ولجل الوصول إلى إدراك حقيقتها – كما
يقول بديع الزمان – إدراكا كاملً يجب أن نضع بين يديها أسسا مقدمة لها :
ل :أن ال تعالى أرسل محمدا بشرا رسولً ليكون بأعماله وحركاته كلها إماما ومرشدا للبشر كافة ،
أو ً
وفى أحوالهم كافة ليحقق لهم بها سعادة الدنيا والخرة ،وليبين لهم خوارق الصنعة الربانية وتصرف
القدرة اللهية فى المور المعتادة .ولو كان محمدا ( ) فى جميع أحواله وأفعاله خارقا للعادة ،خارجا
عن طور البشر ،لما تسنى له أن يكون أسوة يقتدى بها ،وما وسعه أن يكون بأفعاله وأحواله وأطواره
إماما للخرين ؛ لذا ما كان يلجأ إلى إظهار المعجزات إل بين حين وآخر عند الحاجة ،إقرارا لنبوته أمام
كفر المعاندين ،وكذلك لتثبيت إيمان المؤمنين .
ثانيا :أن سر المتحان والتكليف يقتضيان فتح مجال الختيار أمام العقل دون سلب الرادة منه ليسلم من
أسلم عن بينة .
ثالثا :أن الرسول ( ) بشر ولم يخرج عن بشريته وهو مبلغ لرسالة ربه ،وناطق أمين باسم ال تعالى ،
ورسالته تستند إلى حقيقة الوحى – سواء الوحى الصريح كالقرآن وبعض الحاديث القدسية من دون أن
يكون له ( ) تصرف أو تدخل منه ،أو وحى ضمنى يستند إلى الوحى واللهام وتصويره يعود إلى
الرسول ( ) – ولذلك فهو ل يعلم الغيب ما لم يُعلّمه ال تعالى وما أخبر عنه ( ) من حوادث مستقبلية
إنما بوحى وإلهام من ال سبحانه وتعالى .
- 19 -
والغيوب التى أخبر عنها الرسول ( ) كثيرة منها ما تحقق فى حياته ( ) ،ومنها ما تحقق بعد
مماته بفترة قصيرة ،ومنها ما يتحقق فى أيامنا ونحن عليها من الشاهدين .
( )1راجع :مكتوبات سعيد النورسى ،المكتوب التاسع عشر عن موقع . saidnur.com
( )2أخرجه البخارى ح ، 3612وأبو داود ح ، 2649والنسائى ح ، 5335وأحمد فى " مسنده " ( . ) 110 – 109 / 5
( )3أخرجه البخارى فى كتاب المغازى ح . 4262
( )4أخرجه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة ح . 2900
-2إخباره ( ) عن استشهاد الحسين بكربلء .
عن عبد ال بن نجى عن أبيه :أنه سار مع على ( ) – وكان صاحب مطهرته – فلما حازى "
نينوى " وهو منطلق إلى حطين فنادى على :اصبر عبد ال بشط الفرات ،قلت :وماذا ؟ قال :دخلت
- 20 -
على النبى ( ) ذات يوم وعيناه تفيضان ،قلت ،يا نبى ال :أغضبك أحد ،ما شأن عينيك تفيضان ؟
قال " :بل قام من عندى جبريل قبل فحدثنى أن الحسين يقتل بشط الفرات ،
قال ،فقال :هل لك أن أشمك من تربته ؟ قال قلت :نعم ،فمد يده – أى
()1
جبريل – فقبض من تراب فأعاينها فلم أملك عينى أن فاضتا "
ومن حديث أم سلمة ( رض ال عنها ) قول جبريل للنبى ( ) إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها
كربلء ،فلما أحيط بحسين حين قتل ،قال ما اسم هذه الرض ؟ قالوا :كربلء ،قال :صدق ال
()2
ورسوله أرض كرب وبلء .
-3أنه قال لعلى ( ) ستقاتل الناكثين ،والقاسطين ،والمارقين .وبذلك أخبر عن موقعة الجمل ،
وصفين وعن الخوارج .
وقال للزبير ( ) " :لتقاتلنه وأنت له ظالم " عندما رآه وعليا يتحابان .
وقال لزواجه الطاهرات " :كيف باحداكن تنبح عليها كلب الحوأب ،يقتل عن يمينها
وعن يسارها قتلى كثيرة " ....وبعد ثلثين سنة تحققت هذه الحاديث ،وذلك فى موقعة الجمل
بين على ( ) وعائشة ومعها طلحة والزبير ( ) .كما تحققت وقعة الصفين بين على ومعاوية .وكذلك
وقعة حروراء ونهروان بين على والخوارج .
ثالثا ً :إخباره بغيوب تتحقق فى أيامنا ونحن عليها من الشاهدين :
ونذكر من هذه الغيوب :
-1تداعى المم على أمة السلم :
عن ثوبان ( ) قال :قال رسول ال ( ) " :يوشك أن تداعى عليكم المم كما
تداعى الكلة إلى قصعتها " فقال قائل :ومن قلة يؤمئذ :قال " بل أنتم كثير ولكنكم
غثاء كغثاء السيل ،ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة وليقذفن فى
()3
قلوبكم الوهن " فقال قائل :وما الوهن ؟ قال " :حب الدنيا وكراهة الموت "
: ()4
-2حديثه ( ) عن وقوع الحكم الجبرى
عن حذيفة ( ) قال :قال رسول ال ( ) " :تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن
تكون ثم يرفعها الله ثم تكون الخلفة على منهاج النبوة ثم يرفعها الله ثم
تكون ملكا ً عاضا َ ( )5فتكون ما شاء الله أن تكون فيرفعها الله ثم تكون خلفة
()6
على منهاج النبوة " ثم سكت .
( )2أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير . ( )1أخرجه أحمد فى " المسند " ( ، ) 2/265الطبرانى فى المعجم الكبير ( ) 3/112
( )3أخرجه أبو داود ح ،4297وأبو نعيم فى الحلية ،واللبانى فى الصحيحة برقم 958وقال :إسناده ل بأس به ،وأحمد فى مسنده (. )5/278
( )4الحكم الجبرى كما هو مشاهد فى النقلبات العسكرية والحدود السياسية وحكم الشعوب بالحديد والنار.
( )5الملك العاض :أن يأخذ البن الحكم من أبيه والخ من أخيه .
( )6أخرجه أحمد فى مسنده ،وقال الهيثمى فى المجمع : 5/192رواه أحمد والطبرانى ببعضه فى الوسط ورجاله ثقات وذكره اللبانى فى
الصحيحة رقم . 5
وقد وقع الحكم الجبرى كما أخبر عنه ( ) فى بدايات القرن العشرين وكذلك الملك العاض .
-3ظهور السيارات والمركبات والنساء الكاسيات العاريات :
- 21 -
عن عبد ال بن عمرو قال :قال رسول ال ( ) " :يكون فى آخر أمتى رجال يركبون
على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد ،نساؤهم كاسيات
عاريات على رؤسهن كأسنمة البخت العجاف ،العنوهن فإنهن ملعونات ،لو
()1
كان وراءكم أمة من المم خدمهن نساؤكم كما خدمكم نساء المم قبلكم "
وعند الحاكم " ...يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب المساجد " وهذه المراكب الحديثة التى أخبر عنها
النبى ( ) مثل السيارات وغيرها ،ووقوف الناس بها على أبواب المساجد فى الصلوات ،وركوب النساء
الكاسيات العاريات للسيارات .
المبحث الثالث
عظـمــــــة محمـــــــــد ( )
إن جوانب العظمة فى شخصية الرسول ( ) ل تكمن فى درجة تأثيره كعظيم فقط ،ولكن فى
مقوماتها الذاتية ،وعناصرها التى تتكون منها .فكل عظيم ذكره التاريخ لنا إنما يشتهر غالبا فى ميدان
واحد أو اثنين من ميادين العظمة ،كاشتهار الفاتح بفتوحه ،والشجاع بشجاعته ،والمخترع بفرط ذكائه ،
...ولكن أن تجتمع كل دعائم العظمة الشاملة وصفاتها لتكون نموذجا يحتذى للكمال البشرى والحياة
الصالحة فهذا ل يكون إل لشخص كرسول ال ( ) فهو العظيم فى الشجاعة ،والحرب ،والسلم ،والعدل
،والصدق ،والعقل ،والحزم ،والحكمة ،والتدبير ،والخلق ،والعلم ،والجود ،والزهد ،والخلص
،واليثار ،وحب الغير ،والبلغة ،وجوامع الكلم ،والتشريع ،والقضاء ،و ........وبحيث يكون هو
الشاب المثالى منذ شبابه ،والمين المثالى ،والصادق المثالى ،والتاجر المثالى ،والصديق المثالى ،
والزوج المثالى ،والب المثالى ،والقائد المثالى ،والمحارب المثالى ،والمربى المثالى ،و ..........
)
فإن هذه العظمة الشاملة هى فوق مراتب العظماء !! إنها عظمة محمد () . (2
قال أحد المؤرخين :يجب أن يحكم بعظمة الرجل من خلل ثلثة اختيارات :
-1هل كان عند معاصريه ذو عزم صادق ؟
-2هل كان من العظمة بحيث يرتفع فوق مستوى من هم فى سنه ؟
-3هل ترك شيئا كتراث دائم للعالم كافة ؟
وإذا نظرنا إلى حالة محمد ( ) العظيم فيمكن أن تمتد هذه القائمة إلى أبعد مدى ،فهذه الخيارات
تتحقق بوضوح ولعلى درجة فى شخصية الرسول محمد ( ) .
( )1أخرجه ابن حبان فى صحيحه ( ، )1454والحاكم فى المستدرك ( ، ) 4/436وأحمد فى مسنده ، 2/223والطبرانى فى الصغير
، 127 / 2وأورده الهيثمى فى المجمع . 140 / 5
( )2راجع :عظمة محمد ( ) خاتم رسل ال لمصطفى الزرقا ص – 40 – 38مرجع سابق .
وهذا ما جعل مايكل هارث أن يضع الرسول ( ) على رأس قائمة أعظم مائة شخصية ممن
ظهروا وأثروا فى التاريخ – فى كتابه العظماء مائة – واعتبره أعظم العظماء فى تاريخ البشرية ولقد
- 22 -
وضع – د .مصطفى الزرقا – مقاييس صحيحة للشخصية العظيمة ،وأنها تقوم على مقومات ودعائم ،
أهمها أربع :
الولى :الصفات النفسية والخلق الشخصية فى الشخص العظيم .
الثانية :مدى البداع والسمو فى المبادئ والعمال التى أتى بها .
الثالثة :مدى كفايته ونجاحه فى تحقيق منهاجه الصلحى ،أى مدى قدرته التنفيذية .
الرابعة :مدى نجاح العظيم فى تكوين جيل قيادى صالح ،مؤهل لحمل مسئولية المحافظة على المبادئ
ومتابعة تنفيذها .
هذه المقومات بالضافة إلى الختيارات السابقة تتحقق بجلء ووضوح وسطوع ل ينكره إل معاند
أو مكابر فى شخصية الرسول ( ) .وإذا جاز لنا أن نعدد بعضا من هذه الصفات فإننا نذكر منها :
ل :أن النبى ( ) عند معاصريه ذو عزم صادق .
أو ً
ثانيا :تمتعه ( ) بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة .
ثالثا :نجاحه فى تحقيق ما جاء به وله .
رابعا :أنه ( ) أوتى بمنهج دائم للبشر كافة وهو " القرآن الكريم " .
أول ً :أن النبى ( ) عند معاصريه ذو عزم صادق :
إن معاصرى محمد ( ) – الصدقاء والعداء – اعترفوا بالشمائل النقية والستقامة الخالصة
والفضائل الكريمة والخلص المطلق والمانة المطلقة لرسول ال ( ) فى جميع مناحى الحياة وفى كل
مجال النشاط النسانى ،حتى أن اليهود وأولئك الذين لم يؤمنوا برسالته قبلوه حكما فى نزاعاتهم
الشخصية بسبب ما عرفوه عنه من تحريه عدم التحيز ( )2وقد سجل القرآن الكريم عليهم هذا الموقف ة
م اللّهِ ) (3وحتى الذين لم
حك ْ ُ
م التّوَْراةُ فِي َها ُ حك ّ ُ
مون َ َ
ك َو ِ
عنْدَهُ ُ قوله سبحانه :وَكَي ْ َ
ف يُ َ
يؤمنوا برسالته ويعلمون يقينا أنه أمين وصادق فيما جاء به أعلنوا أنهم ل يتهمونه بالكذب ولكنهم جحدوا
ن ن الظّال ِ ِ
مي َ ك وَلَـك ِ ّ
م ل َ يُكَذ ّبُون َ َ ك الّذِي يَقُولُو َ
ن فَإِنّهُ ْ ه لَي َ ْ
حُزن ُ َ قَد ْ نَعْل َ ُ
م إِن ّ ُ بآيات ال :
ن . ) (4 حدُو َ ت اللّهِ ي َ ْ
ج َ بِآيَا ِ
وإذا قرأنا سير الولين السابقين إلى السلم لوجدنا المقربين منه ( ) كخديجة ،وأبى بكر ،
وعلى ...رضى ال عنهم الذين عرفوه معرفة وثيقة وعرفوا أمانته وصدقه قد صدقوا رسالته وأيقنوا
بأصالة ما أوحى إليه .
- 23 -
يرجو لو أن محمدا ( ) كان مكانه وهو – أى خباب – آمن ى بيته وبين أهله ،كان يعلنها صريحة بأنه
يفتدى محمدا بنفسه وأهله ومن فى الرض لينجى رسول ال ( ) من وخز شوكة حتى ل يشاكها .
يقول – ديدات – معلقا على هذه الحداث :ما السبب فى أن أبناء وبنات السلم هؤلء لم يسلموا
لنبيهم طاعة وتسليما فحسب ،وإنما جعلوا أجسامهم وقلوبهم وأنفسهم فداه ؟ ألم يكن إيمان أتباع محمد ( )
()1
المباشرين واقتناعهم الشديد أرفع شهادة على صدقه واستغراقه التام فى المهمة التى كان بها ؟!
تقول دائرة المعارف البريطانية " :إن محمدا هو الكثر نجاحا وتوفيقا من كل النبياء
والشخصيات الدينية " وأن هذا النجاح لم يكن نتيجة مصادفة مجردة .لم يكن ثمرة أسقطتها الرياح .لقد
كان اعترافا بحقيقة أن معاصريه وجدوه ذو عزم صادق .وكان نتيجة لشخصيته التى تدعو إلى العجاب
()2
وتدفع بشدة إلى النتباه .
إن أول الناس مسارعة إلى تصديقه ( ) واليمان به هم أصحاب العقول الراجحة وأولوا اللباب
السليمة كخديجة ( رضى ال عنها ) ،وأبى بكر الصديق ( ) و ..........وهم الذين عايشوه عن قرب
.وهناك من لم يعرف الرسول ( ) قبل بعثته ولكنهم أهل عقل وحجة لما عملوا من دلئل نبوته ( )
أمثال أبو زر الغفارى ،وضماد ( ) .ومنهم من آمن به لنهم وجدوه مكتوبا عندهم فى الكتب القديمة
كعبد ال بن سلم الذى كان على ملة اليهود ،وجرير الرومى الذى كان على ملة النصارى .
- 24 -
-ومن دلئل نبوته ( ) فى هذا الموقف ما يلى :
-1أن النبى المرسل ( ) له علمات عرفها ورقة من خلل قراءاته فى النجيل والتوراة وأن ما أتى
الرسول – وهو جبريل – ل ينزل على البشر العاديين بل على نبى مرسل .
-2أن النبى ( ) علم من ورقة أنه سيؤذى ويعادى من أهله وسيخرجونه من بينهم .ولو لم يكن النبى (
) على حق وصدق ويقين لتراجع عن موقفه وعما قال مؤثرا السلمة والعيش السعيد الهانئ مع زوجته
وأولده وبين قومه وفى موطنه .
والمتأمل للتاريخ يدرك جيدا مدى أهمية الموطن والمنشأ للعربى القديم ومدى عزة نفسه فى أن
يطرد ويخرج عنوة من موطنه الذى نشأ فيه " ..إنه طبيعة هذا الطريق المستقيم ،فهو ليس سهلً
ميسرا ،ولكنه شاق طويل كله محن وابتلءات وعقبات ،ومجاهدة للنفس ،ومدافعة للباطل وأهله بكل ما
()2
يملكون من قوة وبطش وسلطان ،وصراع دائم بين الحق والباطل "
-3لقد تحقق ما قاله " ورقة " وأوذى وعودى ( ) ولكنه كان دائما يجد الصدر الحنون والملذ المن –
بعد ملذ ال تعالى – فى زوجته السيدة خديجة ( رضى ال عنها ) التى عرفت أخلقه ومدى صدقه فلم
تسمعه إل ما يعينه على دعوته وهى تعلم ما يترتب على هذه الدعوة من تبعات ومشقة .
إسلم أبو بكر الصديق ( ) :
وهو من أوائل الناس إسلما وتصديقا برسالته ( ) عن يقين ودليل وبرهان تحقق بفضل صحبته
الطويلة قبل البعثة للنبى ( ) ولمعرفته اليقينية بالرسول ( ) وقد كان ثبات الصديق على هذا الدين
وضربه المثل الكامل للمؤمن الصادق ،وتطبيقه الفريد لحقائق الدين لهو دليل على صدق محمد ( ) .قد
علم أبو بكر صدقه علما ضروريا لما أخبر بما جاء به ،وقرأ عليه ما أنزل عليه ( ) وبقى القرآن الذى
قرأه آية أخرى على صدقة ( ) ،فاجتمع الصدق والمانة مع القرآن ومع القرائن الخرى فوجب علما
بالضرورة أنه صادق .وكما قال ابن تيمية :وخبر الواحد المجهول من أحاد الناس قد تقترن به قرائن
يعرف بها صدقه بالضرورة ،فكيف بمن عرف صدقه وأمانته وأخبر بمثل هذا المر الذى ل يقوله إل
()3
من أصدق الناس من أكذبهم ،وهو يعلم أنه من الصف الول دون الثانى .
): -إسلم ضماد (
وهو من أزد شنوءة ،كان خبيرا بالرقى وعليما بكلم العرب .
- 25 -
نحمده ونستعينه ،من يهد الله فل مضل له ومن يضلل فل هادى له ،وأن ل
اله إل الله وحده ل شريك له .ثلث مرات – " فقال ضماد :وال لقد سمعت قول الكهنة
وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل هؤلء الكلمات فهلم يدك أبايعك على السلم فبايعه رسول
()1
ال ( ) فقال له " :وعلى قومك " فقال :وعلى قومى .
ثانيا ً :تمتعه ( ) بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة :
لقد عرف رسول ال ( ) باستقامته وصدقه ،وكان يلقب بين قومه – قبل البعثة وبعدها – بالصادق
المين ،رفيع الخلق ،سامى الخصال ،عصمه ربه من النزلق فى مهادى رذيلة قومه وأوثانهم .
يقول المستشرق " جرسان دتاس " " :إن محمدا ولد فى حضن الوثنية ،ولكنه منذ نعومة أظافره
أظهر عبقرية فذة ،وانزعاجا عظيما من الرذيلة وحبا جادا للفضيلة ،وإخلصا ونية حسنة غير عاديين
()2
إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه فى ذلك العهد اسم المين " .
وبديهى أن يعتبر المؤرخون المسلمون تلك الصفات وهذه السجايا من دلئل النبوة ،وتتمثل أشد
ما تتمثل فى عصمة ال لرسوله المرتقب من أجواء الرذيلة الشائعة فى الجاهلية ،وأنه ( ) كان يشعر
انطلقا من حدسه بأن عليه البتعاد عن المعاصى والموبقات .
يتحدث الباحث الرجنتينى دون بايرون ( ) 1900 – 1839فى مؤلفه " أتح لنفسك فرصة "
فيقول " :ل يبعد أن يكون محمد يحس بنفسه أنه فى طينته أرق من معاصريه ،وأنه يفوقهم جميعا ذكاءً
وعبقرية ،وأن ال اختاره لمر عظيم ،وقد اتفق المؤرخون على أن محمد بن عبد ال كان ممتازا بين
قومه بأخلق حميدة ،ومن صدق الحديث والمانة والكرم وحسن الشمائل والتواضع حتى سماه أهل بلده
المين ،وكان من شدة ثقتهم به وبأمانته يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم ،وكان ل يشرب الشربة
()3
المسكرة ول يقيم للوثان احتفالً ،وكان يعيش مما يدره عليه عمله من الخير " ...
ومن عظمته ( ) التى اشتهر بها وتفوق بها على أقرانه ومن هم فى مثل سنه " حكمته ( ) " .
وتجلت يوم وضع الحجر السود عندما تنازعت قبائل قريش فيما بينهم – عند بناء الكعبة – من الذى
يضع الحجر مكانه ؟ فقالوا :نحكم أول من يدخل من باب بنى شيبة ،فكان أول من دخل منه محمدا ( )
.فأخبروه فأمر بثوب فوضع الحجر وسطه ،وأمر كل فخذ من قبائل قريش بأن يأخذ بطائفة من الثوب
()4
فرفعوه ثم أخذه بيديه الشريفتين فوضعه مكانه "
لقد ربط أرثر جيلمان فى كتابه – الشرق – بين هذه الحادثة التى منعت اقتتال القبائل التى هى
حدَت أرادتهم فى بناء الكعبة وبين المرحلة اللحقة لبدء البعثة ،والتى تشكل مقدمة
بطون قريش وَ َو َ
للنبوة وعلمة من علماتها بقوله " :لبد أن يكون محمد قد تأثر بإعجاب قومه وتقديرهم العظيم ،هذه
الفكرة التى بسطت السلم بين مختلف القبائل ،وقد اتفق المؤرخون على أن محمد كان ممتازا بين قومه
- 26 -
بأخلق جميلة :من صدق الحديث ،والمانة ،والكرم ،وحسن الشمائل والتواضع ،حتى سماه أهل بلده
" المين " وكان من شدة ثقتهم به يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم ،وكان ل يشرب الشربة المسكرة ول
()1
يحضر للوثان عيدا ول احتفالً "
وهذه عصمة لمحمد ( ) عن كل أسباب التلوث العقائدى ،والتلوث الفكرى ،والعملى ،وتمهيدا
لما هو مقبل عليه من حمل الرسالة وإصلح البشرية كلها .
وكان محبا للفقراء ،عطوفا على الضعفاء ،ناصرا للمظلوم ،حتى إنه دخل فى حلف الفضول
الذى تعاهد فيه فريق من ذوى الكرم والنجدة من قريش فى الجاهلية على إغاثة الضعفاء ،والمظلومين
وتخليص حقوقهم التى يهضمها القوياء المستعِبدون من زعماء العشيرة .
أى كما جاء فى ()2
ولذلك وصفته السيدة عائشة ( رضى ال عنها ) بأنه " كان خلقه القرآن "
القرآن من تعاليم .ولما سألته ( رضى ال عنها ) :هل أتى عليك يوما كان أشد من يوم أحد ؟ -حيث
وقع رسول ال ( ) فى حفرة حفرها المشركون ليقع فيها المسلمون وشج وجهه ،وكسرت رباعيته
ودخلت حلقتان من المغفر الذى يستر به وجهه فى وجنته وجرحت شفتاه وسال دمه الشريف الطاهر على
وجهه ولحيته ،فأخذ يمسح الدم عن وجهه وهو يقول " :كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم
بالدماء ؟! " ومع ذلك رفع يديه إلى السماء وقال " :اللهم اغفر لقومى فإنهم ل يعلمون " -عند ذلك
أجاب رسول ال ( ) " :لقد لقيت من قومك ما لقيت ،وكان أشد ما لقيت منهم
يوم العقبة إذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل " وذكر لقاء الطائف وما لقاه من ثقيف
من صد وظلم وتكذيب وعدوان وطغيان ،من أجل هذا الخلق العظيم والصبر الجميل يرسل له رب
العالمين ملك الجبال يستأمره أن يطبق عليهم الخشبين فقال النبى ( ) " :بل أرجو أن يخرج الله
من أصلبهم من يعبد الله وحده ل يشرك به شيئا ً "
فهذه أخلق الرسول ( ) والذى ما عرفت البشرية بأسرها كمحمد ( ) بهر الدنيا بسيرته ،ومل
َ
ة
م ًح َ سلْنَا َ
ك إِل ّ َر ْ التاريخ بعظمته ،وشمل الخلئق كلها برحمته حتى أثنى عليه ربه بقوله :وَ َ
مآ أْر َ
ن ، ) (3يقول إدوارد مونتيه أستاذ اللغات الشرقية فى جامعة جينيف ( " : ) 1927 – 1856 لّلْعَال َ ِ
مي َ
أما محمد فكان كريم الخلق حسن العشرة ،عذب الحديث ،صحيح الحكم ،صادق اللفظ ،وقد كانت
الصفة الغالبة عليه هى صحة الحكم ،وصراحة اللفظ والقناع التام بما يقبله ويقوله .إن طبيعة محمد
()4
الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه القصد ،بما يتجلى فيها من شدة الخلص " ...
- 27 -
لكل ضعيف ،ولكل محتاج إلى المساعدة ،كان محمد رحمة حقيقية لليتامى والفقراء وابن السبيل
والمنكوبين والضعفاء والعمال وأصحاب الكد والعناء ،وإنى بلهفة وشوق لن أصلى عليه وعلى أتباعه "
()1
والى جانب رحمته ( ) وبساطته وزهده وترفعه عن الشهوات كان ( ) رقيق فى معاملته مع
الخرين يعامل كل الناس باحترام وتقدير ولين وسهولة جانب ،ودمائة خلق دون تصنع ول تكلف .وهى
صفات اعترف بها العداء قبل الصدقاء .
يقول المستشرق البريطانى لين بول ( ) 1917 – 1852فى كتابه " رسالة فى تاريخ العرب "
متحدثا عن أخلق محمد ( ) " :إن محمدا كان يتصف بكثير من الصفات كاللطف والشجاعة وكرم
الخلق ،حتى إن النسان ل يستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تطبعه هذه الصفات فى نفسه ،
ودون أن يكون هذا الحكم صادرا من غير ميل أو هوى ،كيف ل وقد احتمل محمد عداء أهله ،
وعشيرته سنوات بصبر وجلد عظيمين ،ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من يد مصافحه
حتى ولو كان يصافح طفلً ،وأنه لم يمر بجماعة يوما من اليام – رجالً كانوا أم أطفالً – دون أن يسلم
عليهم ،وعلى شفتيه ابتسامة حلوة ،وبنغمة جميلة كانت تكفى وحدها لتسحر سامعيها ،وتجذب القلوب
إلى صاحبها جذبا ،وقد كان محمد غيورا ومتحمسا ،وما كانت حماسته إل لغرض نبيل ،ومعنى سام ،
فهو لم يكن يتحمس إل عندما كان ذلك واجبا مفروضا ل مفر منه ،فقد كان رسول من ال ،وكان يريد
أن يؤدى رسالته على أكمل وجه ،كما أنه لم ينس يوما من اليام كيانه أو الغرض الذى بعث من أجله ،
()2
دائما كان يعمل له ويتحمل فى سبيله جميع أنواع البليا ،حتى انتهى إلى إتمام ما يريد "
وكان ()3
وقد وصفه أبا سعيد الخدرى ( ) قال " :كان رسول ال ( ) أشد حياءً من العذراء فى خدرها "
ل يستأثر بطعام ول شراب ول يمل بطنه ،فقد روت عائشة ( رضى ال عنها ) أنها قالت " :ما شبع
()4
آل محمدا ً من خبز الشعير ثلث ليال متوالية "
وكان يجيب دعوة الداعى فيقول " :لو دعيت إلى ذراع أو كراع لجبت ،ولو أهدى إلى
ذرا أو كراع لقبلت " (. )5
وكان إذا جلس بين أصحابه ل يعرفه الغريب .فعن أبى ذر وأبى هريرة – رضى ال عنهما –
قال " :كان رسول ال ( ) يجلس بين ظهرى أصحابه يجىء الغريب فل يدرى أيهم هو حتى يسأل ،
فطلبنا إلى رسول ال ( ) أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه .قال :فبنينا له دكانا – أى دكة –
()6
من طين فجلس عليها وكنا نجلس بجانبة "
- 28 -
وكان ل يأنف أن يمشى معه الرملة والمسكين ليقضى لهم حاجتهم .فعن عبد ال بن أبى أوفى
قال " :كان رسول ال ( ) يكثر الذكر ،ويقل اللغو ،ويطيل الصلة ويقصر الخطبة ،ول يأنف أن
()1
يمشى مع الرملة والمسكين فيقضى له حاجته "
وارتعد منه رجل فقال له ( ) " :هون عليك ! فإنى لست بملك إنما أنا ابن
وكان يرقع ثوبه ،ويخصف نعله ،ويكون فى مهنة أهله – أى خدمتهم – ()2
امرأة تأكل القديد "
وقيل لعائشة ( رضى ال عنها ) :ما كان النبى ( ) يصنع فى بيته ؟ قالت " :كما يصنع أحدكم :
()3
يخصف نعله ،ويرقع ثوبه "
وكان ينام على الحصير حتى أثر فى جنبه وعندما رآه عمر ( ) يبكى فيقول له ( ) " :ما
يبكيك ؟ " فقال عمر :يا رسول ال إن كسرى وقيصر فيما هما فيه ،وأنت رسول ال ! فقال " :
()4
أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الخرة "
ومن مظاهر رحمته وحسن أخلقه أيضا ،ما ورد أن الصحابى الجليل أبا ذر ( ) كان يكسو
خادمه ثوبا من نفس ثوبه ،وحلة من نفس حلته ،فلما سئل عن ذلك قال :سمعت رسول ال ( ) يقول :
(
" إخوانكم خولكم – خدمكم – أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون "
)5
ولم يقتصر حسن خلقه على أتباعه بل شملت أعداءه أيضا .عندما طلب منه الدعاء على
()6
المشركين قال ( ) " :إنى لم أبعث لعانا ً ،وإنما بعثت رحمة "
وعن عائشة ( رضى ال عنها ) قالت :كان اليهود يسلمون على النبى ( ) يقولون :السام عليك
ففطنت عائشة إلى قولهم فقالت عليكم السام واللعنة قال النبى ( ) " :مهل ً يا عائشة إن الله
()7
يحب الرفق فى المر كله "
وهكذا كان ( ) يدعو إلى حسن الخلق الذى يوجب التحاب والتآلف والتوافق بين جميع البشر
بعيدا عن التحاسد والتدابر والتباغض ولذلك قال ( ) فى وصية جامعة شاملة لمعاذ ( ) .قال معاذ :
أوصانى رسول ال ( ) فقال " :يا معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء
بالعهد وأداء المانة وترك الخيانة وحفظ الجار ورحمة اليتيم ولين الكلم وبذل
السلم وحسن العمل وقصر المل ولزوم اليمان والتفقه فى القرآن وحب
الخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح ،وأنهيك أن تسب حكيما ً أو تكذب
صادقا ً أو تطيع آثما ً أو تعصى إماما ً عادل ً أو تفسد أرضا ً ،وأوصيك باتقاء الله
عند كل حجر وشجر ومدر وأن تحدث لكل ذنب توبة .السر بالسر
()8
والعلنية بالعلنية "
( )1أخرجه النسائى ح ، 1413والدارمى ح ، 74والبيهقى فى الشعب ، 8114والحاكم فى " المستدرك " ( . ) 614 / 2
( )2رواه ابن ماجة فى سننه ح ، 3313والطبرانى فى الوسط ح . 1260
( )3أخرجه أحمد فى مسنده .
( )4أخرجه البخارى ى كتاب التفسير ح ، 4913ومسلم فى كتاب الطلق ( . ) 33 ، 32 ، 31 / 179
( )5أخرجه البخارى ح ، 30ومسلم ( . ) 38 / 1661
( )6أخرجه مسلم ح ، 2596والبخارى فى الدب ، 321والطبرانى فى الكبير ( ، ) 189 / 9والبغوى فى شرح السنة .
( )7متفق عليه :أخرجه البخارى ، 6024ومسلم ، 1706والدارمى ح . 2794
- 29 -
( )8إتحاف السادة :المتقين بشرح إحياء علوم الدين – 95 / 7نقلً عن مجلة الزهر ص 367ربيع الول 1427هـ .
ثالثا ً :نجاحه ( ) فيما جاء به وله :
والمقصود بها القدرة على نشر الدعوة الصلحية وتطبيقها فى كل الميادين وإدخالها فى القلوب
المتحجرة والدمغة الصماء حتى تلين وتقبلها ،مع تحمل ما فى سبيل ذلك من أعباء ومصاعب وأهوال
فطهر العقول والنفوس من عبادة الصنام وأقام مكانها عقيدة التوحيد القائمة على اليمان بال ()1
ومتاعب
تعالى وحده ل شريك له ،وكتبه ،ورسله السابقين ،واليوم الخر يوم الحساب والثواب والعقاب على
أعمال الدنيا من خير وشر .
وأقام مجتمعا جديدا مبنى على مفاهيم وأسس اجتماعية جديدة تنعدم فيه العصبية القبلية ،والتفاخر
بالنساب ،وإضاعة حقوق المرأة ...ولذلك انتصر السلم على الجاهلية ،ودخل الناس فى دين ال
أفواجا بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم ومشاعرهم ،ل يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ،ول
يجدون فى أنفسهم حرجا مما قضى ،ول تكون لهم الخيرة من أمرهم ويسلموا تسليما .
ويصفهم أبو الحسن الندوى بقوله " :هذا والرسول ( ) يغذى أرواحهم بالقرآن ،ويربى نفوسهم
باليمان ويخضعهم أمام رب العالمين خمس مرات فى اليوم ،عن طهارة بدن ،وخشوع قلب ،وخضوع
جسم ،وحضور عقل ،فيزدادون كل يوم سمو روح ،ونقاء قلب ،ونظافة خلق ،وتحررا من سلطان
الماديات ومقاومة للشهوات ،ونزوعا إلى رب الرض والسموات ،ويأخذهم بالصفح الجميل والصبر
على الذى وقهر النفس .ولم يزل ( ) يربيهم تربية دقيقة عميقة ،ولم يزل القرآن يسمو بنفوسهم ويزكى
جمرة قلوبهم ومجالس الرسول تزيدهم رسوخا فى الدين ،وعزوفا عن الشهوات ،وتفانيا فى سبيل
المرضاة ،وحنينا إلى إلى الجنة ،وحرصا على العلم وفقها فى الدين ومحاسبة للنفس ويطيعون الرسول
ى المنشط والمكره وينفرون فى سبيل ال خفافا وثقالً ،قد خرجوا مع الرسول للقتال سبعا وعشرين مرة
فى عشر سنين ،وخرجوا بأمره للقاء العداء أكثر من مائة مرة فهان عليهم التخلى عن الدنيا وهانت
ولذلك يصفه ()2
عليهم رزيئة أولدهم ونسائهم فى نفوسهم ونزلت اليات بكثير مما لم يألفوه ولم يتعودوه
الباحث الفرنسى المستشرق ديزرية بلنشيه بقوله :إن النبى محمدا يعد من أبرز وأشهر رجال التاريخ ،
()3
فقد قام بثلثة أعمال عظيمة دفعة واحدة وهى :أنه أحيا شعبا ،وأنشأ إمبراطورية ،وأسس دينا .
أما الفرنسى قولتير برغم علمانيته إل أنه لم يكتم إعجابه بعظمة شخصية الرسول الفذة فيقول :
" إن فى نفس محمد لشيئا عجيبا طريفا رائعا يحمل النسان على العجاب والتقدير ،ولعمرى إن الرجل
وقف يدعو إلى ال ،ويتحمل الذى فى سبيل هذه الدعوات سنوات عديدة ،وأمامه الجموع المشركة تعمل
()4
جهدها لمعاكسته وقتل فكرته ،إنه اذا يستحق كل تقدير وتمجيد " .
- 30 -
ويقول لمارتين ( ) 1869 – 1790فى كتابه " تاريخ تركيا " :لو أن عظم الغاية ،وصغر
الوسائل ،وقلة الموارد ،والنتائج المدهشة هى ثلثة معايير لعبقرية النسان ،فمن يجرؤ على مقارنة أى
رجل عظيم فى التاريخ الحديث بمحمد ؟ إن أشهر الرجال صنعوا السلحة وشرعوا القوانين ووضعوا
النظريات وأسسوا المبراطوريات فقط ،فهم لم يؤسسوا – لو اعتبرنا أنهم أسسوا شيئا يذكر – أكثر من
قوى مادية أو سلطات مادية كثيرا ما انهارت وزالت أمام أعينهم أما هذا الرجل – محمد – فإنه لم يحرك
ويؤثر فى الجيوش والتشريعات والمبراطوريات والشعوب والسر فقط ولكنه حرك وأثر فى مليين
الرجال ،بل الكثر من ذلك أنه أزاح النصاب ،والمذابح واللهة الزائفة وأثر فى الديان وغير الفكار
()1
والعتقادات والنفس .
" فمن يجرؤ على مقارنة أى رجل عظيم فى التاريخ الحديث بمحمد ؟ ...إنه سؤال استفهام
غرضه النفى فكأنما يقول ضمنا :ل يوجد إنسان أعظم من محمد ( ) ....ومحمد أعظم من عاش أبدا .
فأما عن عظمة الغاية :
فالتاريخ يثبت أن الفترة التى بعث فيها الرسول ( ) كانت أكثر فترة مظلمة فى التاريخ البشرى ،
َ
ن ة لّلْعَال َ ِ
مي َ م ً
ح َ سلْنَا َ
ك إِل ّ َر ْ فكانت هناك حاجة لبعث رسول ليكون إصلحا للبشرية كلها وَ َ
مآ أْر َ
. ) (2
يقول -ديدات – فى الرسول الخاتم ... :ماذا يستطيعون أن يقولوا – أى أعداء الدين – عن الحقيقة
التاريخية أنه قبل موته أرسل خمس رسائل واحدة إلى كل من البلد الخمسة المحيطة ،يدعهم إلى دين
السلم :إمبراطور فارس ،ملك مصر ،نجاشى الحبشة ،إمبراطور الروم هرقل بالقسطنطينية ،وملك
اليمن .وهو بذلك يضرب لنا مثلً فى تنفيذ رسالته السماوية و " عظمة الغاية ،وإصلح البشرية كلها
بهدايتها لليمان بال .فهل يمكن أن يضارع أى دين آخر عالمية السلم ؟ .ولم يبعث محمد ( ) لكى
()3
يسجل أو يحطم أى أرقام قياسية وإنما بعث لكى يقوم بالمسؤولية التى أسندها إليه رب العالمين .
وأما قلة الوسائل :
فإن محمدا ( ) ولد يتيما وعاش كذلك بعيدا عن الملذات الحسية ومتاع الدنيا ،والشيء والوحيد
الذى كان بوسعه أن يقدمه لتباعه هو الوعد برضوان ال تعالى إن هم أطاعوه وساروا على نهجه ( ) .
ولذلك كانت حياته ( ) كتابا مفتوحا أمام من يدعهم :عرفوا نبل أخلقه وكمال غايته وصدقه
وأمانته وحماسته من أجل الحق الذى يدعو إليه ويستمسك به ولذلك يقول ستانلى لن بوول :لقد كان
مفعما بالحماسة لهذا المفهوم النبيل ،وعندما تصبح الحماسة ملح الرض تكون الشيء الوحيد الذى يحفظ
الناس من الفساد ما داموا أحياء ...لقد كان – محمدا – مفعما بالحماسة عندما كانت الحماسة الدينية
()4
الشيء الوحيد المطلوب ليحول الدنيا إلى شعلة متوهجة وحماسته هذه كانت نبيلة ولهدف نبيل .
( )1لمارتين :تاريخ تركيا المجلد الثانى ص . 277 ، 276طبعة باريس 1854م .نقلً عن محمد المثال السمى لحمد ديدات ص
. 52 ، 51
( )2النبياء . 107
( )3الرسول الخاتم ،لحمد ديدات ص ، 61ترجمة محمد مختار .
- 31 -
( )4ستانلى لن بوول .عن المرجع السابق ص . 63
إن ضعفه ( ) كان قوته ..وإن حقيقة أنه لم يكن يملك أى إمكانيات مادية لمساندته جعلته يضع
ثقته التامة فى ال .وال الرحيم لم يتخلى عنه ونجاحه كان مذهلً ..أليس من حق المسلمين أن يقولوا
()1
بالعدل والنصاف أن النجاز كله من صنع ال ؟ وكان محمدا ( ) أداته ؟
أما عن النتائج الرائعة :
فمن تابع واحد بدأ به دعوته ( ) إلى أكثر من مليار تابع الن .أو كما يقول توماس كارليل
()2
من رجل واحد فى مقابل جميع الرجال إلى 24ألف تابع فى حجة الوداع وحدها .
ولذلك كانت مقاييس – لمارتين – الثلثة :عظمة الغاية ،وقلة الوسائل ،والنتائج المذهلة هى جزء من
عظمة محمد ( ) وعندها نقول بكل تواضع ..ل يوجد إنسان أعظم من محمد ( ) .وإن من أهم دلئل
نبوته ( ) هى " :معجزاته فى منجزاته الحقيقية " .
رابعا ً :أن محمدا ً ( ) جاء بمنهج دائم للعالم كافة " القرآن الكريم " .
إن الرسالة التى حملها الرسول ( ) لم تكن مطلقا لشعب بذاته دون غيره ،أو لجنس دون سواة .
س . ) (3 سلْنَا َ
ك إِل ّ كَآفّ ً ّ َ بل كانت رسالة عالمية
ة للنّا ِ وَ َ
مآ أْر َ
يقول ميخائيل إيمارى " :لقد جاء محمد نبى السلم بدين إلى جزيرة العرب يصلح أن يكون دينا
لكل المم لنه دين كمال ورقى ،دين دعة وثقافة ،دين رعاية وعناية ،ول يسعنا أن ننقصه ،وحسب
()4
محمد ثناء عليه أنه لم يساوم ولم يقبل المساومة لحظة واحدة فى موضوع رسالته " .
فقد حمل كل نبى رسالة النور والهداية إلى أمة مخصوصة وكان هدفها تطهير النفس البشرية ،
ولكن هذه الرسالة – رسالة محمد ( ) – فكانت كونية ،ونوره كان عالميا ،ونطاق مشاركته الوجدانية
()5
كان يستغرق البشرية كلها .
ولقد اتفق العلماء – المسلمين والمنصفين من غير المسلمين – على أن القرآن هو المنهاج
والمعجزة الحقة الباقية أبد الدهر .
يقول المستشرق النجليزى بووشورت اسمث ( ) 1892 – 1815فى مقدمة كتابه " الدب فى
أسيا " " :إن المعجزة الخالدة التى أداها محمد هى القرآن ،والحقيقة إنها لكذلك ،وإذا قدرنا ظروف
العمر الذى عاش فيه ،واحترام أتباعه إياه احتراما ل حد له ،ووازناه بآباء الكنيسة أو بقديس القرون
الوسطى ،تبين لنا أن أعظم ما هو معجز فى محمد نبى المسلمين أنه لم َيدّع القدرة على التيان
بالمعجزات وما قال شيئا إل فعله وشاهد منه فى الحال أتباعه ،ولم ينسب إليه الصحابة معجزات لم يأت
()6
بها أو أنكروا مبدأ صدورها منه ،فأى برهان أقطع من ذلك "
( )1الرسول الخاتم ،لحمد ديدات ص . 65
توماس كارليل .عن المرجع سابق ص . 65 ()2
سورة :سبأ -الية.28 : ()3
ل عن محمد ( ) فى الدراسات الستشراقية المنصفة ص . 108
ميخائيل إيمارى :تاريخ المسلمين نق ً ()4
مولنا محمد على :حياة محمد ورسالته ص . 280 ()5
بوسورث سميث :الدب فى أسيا . ()6
- 32 -
والمعجزة – فى اصطلح علم الكلم – أمر خارق للعادة ،مقرون بالتحدى ،سالم عن
المعارضة ( )1والمعجزة دليل النبوة ،فل تصح نبوة بدون معجزة .وهذا مبدأ مقرر ومتواتر بالجماع عند
جدَ ن فَلَن ت َ ِآلولِي َ
ّ ة
سن ّ َ النبيين والمرسلين .فقد سماها القرآن :سنة الولين :فَهَ ْ
ل يَنظُُرو َ
ن إِل ّ ُ
َ
،وسماها السلطان المبين :وَلَقَد ْ أْر َ
سلْنَا ً (2
سنّةِ اللّهِ ت َ ْ
حوِيل جد َ ل ِ ُسنّةِ اللّهِ تَبْدِيل ً وَلَن ت َ ِ
لِ ُ
)
ملَئِهِ . ) (3
ن وَ َى فِْرعَوْ َ َ
ن إِل َ مبِي ٍ ن ّ سلْطَا ٍى بِآيَاتِنَا وَ ُس َ مو َُ
فالمعجزة على أنواعها ،هى سلطان ال المبين لصحة النبوة ،وسننه المتواترة فى رسله ودعما
لدعوتهم .يقول المام السيوطى – رحمه ال – المعجزة نوعان " :إما حسية وإما عقلية .وأكثر
معجزات بنى إسرائيل كانت حسية لبلدتهم وقلة بصيرتهم .وأكثر معجزات هذه المة عقلية لفرط ذكائهم
وكمال إفهامهم ،ولن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة
()4
العقلية الباقية ليراها ذوو البصائر " .
ولذلك يقول المام البيهقى " :فأما العلم الذى اقترن بدعوته ولم يزل يتزايد أيام حياته ودام فى
أمته بعد وفاته فهو القرآن العظيم المعجز المبين وحبل ال المتين الذى هو كما وصفه به من
ب عَزِيٌز ل ّ يَأْتِيهِ الْبَاط ِ ُ
ل ه لَكِتَا ٌ
م وَإِن ّ ُجآ َءهُ ْ ن كَفَُروا ْ بِالذ ّكْرِ ل َ ّ
ما َ ن الّذِي َ أنزل تعالى :إ ِ ّ
ن كَرِي ٌ
م ه لَقُْرآ ٌ وقال تعالى :إِن ّ ُ ميدٍ
ح ِ
حكِيم ٍ َن َ م ْل ّ خلْفِهِ تَنزِي ٌن َ م ْن يَدَيْهِ وَل َ ِ
من بَي ْ ِ
) (5
ِ
مكْنُو ٍ
ن ب ّ
فِي كِتَا ٍ
) (6
) (7
ل هُ َو قُرْآنٌ ّمجِيدٌ فِي َلوْحٍ ّمحْفُوظٍبَ ْ وقال تعالى :
ه لَهُوَ الْعَزِيُز
ن الل ّ َ ن إِلَـهٍ إِل ّ الل ّ ُ
ه وَإ ِ ّ م ْ حقّ وَ َ
ما ِ ص ال ْ َ
ص ُن هَـذ َا لَهُوَ الْقَ َ
إِ ّ وقال تعالى :
) (8
م ال ْ َ
حكِي ُ
ْ ْ وقال تعالى :قُل لّئ ِن اجتمعت النس وال ْجن عَل َ َ
ن ل هَـذ َا الْقُْرآ ِ
ن ل َ يَأتُو َ ى أن يَأتُوا ْ ب ِ ِ
مث ْ ِ َ ِْ ُ َ ِ ّ ِ ْ َ َ َ ِ
ً (9
)
ض ظَهِيرام لِبَعْ ٍ
ضهُ ْ مثْلِهِ وَلَوْ كَا َ
ن بَعْ ُ بِ ِ
فأبان جل جلله أنه أنزله على وصف مباين لوصاف كلم البشر لنه منظوم وليس بمنثور ونظمه ليس
()10
نظم الرسل ول نظم الخطب ول نظم الشعر ول هو كأسجاع الكهان .
والرسول ( ) قد تحدى به قومه أن يأتوا بمثله إن كانوا يقدرون مدللً على صدق نبوته وصدق
ما أوحى إليه وأنه ليس بكلم البشر بل هو كلم رب العلمين .ثم يتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله
ت ) (11فلم يستطيعوه أيضا ثم كان التحدى مثْلِهِ ُ
مفْتََريَا ٍ سوَ ٍر ّ ل فَأْتُوا ْ بِعَ ْ
شرِ ُ مفتريات :قُ ْ
ْ
مثْلِهِ
من ّ سوَرةٍ ّ العظم أن يأتوا بسورة واحدة :فَأتُوا ْ ب ِ ُ
) (12
([ )2سورة :فاطر -الية]43 : ( )1التقان فى علوم القرآن للسيوطى .
( )4التقان فى علوم القرآن . 116 : 2 ( )3سورة هود . 97 :96
- 33 -
( )6سورة :الواقعة . 78 : 76 ( )5سورة :فصلت . 42 : 41
( )8سورة :آل عمران -الية. 62 : ( )7سورة :البروج . 22 : 21
( )9سورة :السراء -الية88 :
( )10راجع :دلئل النبوة للمام البيهقى ص ، 20 ، 19دار الكتب العلمية بيروت ط 1405هـ .
( )12سورة :البقرة -الية. 23 : ( )11سورة :هود -الية. 13 :
-2أنهم لما تحداهم الرسول ( ) وهم أهل لسان وفصاحة وشعر وخطابة ومع ما وقع معهم من حروب
وقتل لصناديدهم لم يستطع أحد منهم أن يدعى بأنه قادر على أن يأتى بسورة من مثله بل بان عجزهم ،
وفى بيان عجزهم بيان أيضا أنه ( ) فى العجز مثلهم إذ كان بشرا مثلهم لسانه لسانهم وعاداته عاداتهم
وطباعه طباعهم وزمانه زمانهم ،وإذا كان كذلك وقد جاء القرآن وجب القطع بأنه من عند ال تعالى
)
ومعجزة ودليل على نبوة محمد () . (1
-والقرآن الكريم يقدم لنا دليلين على صدق نبوة سيدنا محمد ( ) وأنها رسالة ال إلى العالمين :
ن
م ْن بِهِ وَ ِ م الْكِتَا َ
ب يُؤْ ِ
منُو َ ن آتَيْنَاهُ ُب فَالّذِي َ
ك الْكِتَا َك أَنَزلْنَآ إِلَي ْ َ
ل :يقول سبحانه :وَكَذَل ِ َ أو ً
ب
من كِتَا ٍ من قَبْلِهِ ِ ت تَتْلُو ِما كُن َ ن وَ َ حد ُ بِآيَاتِنَآ إِل ّ الْكَافِرو َج َما ي َ ْ
ن بِهِ وَ َ من يُؤْ ِ
م ُ هَـؤُلءِ َ
مبْطِلُو َ
ن ب ال ْ ُ
)
ك إِذا ً لّْرتَا َ
(2 مين ِ َ خط ّ ُ
ه بِي َ ِ وَل َ ت َ ُ
فال تعالى يقرر أنه هو الذى أنزل الكتاب على محمد المى الذى لم يقرأ ولم يكتب ولم يتعلم ،مع
كل ما فيه من اليات والعلوم والتاريخ والحكمة والمعرفة وأخبار السابقين واللحقين ..أليست هذه آية
وإعجاز .
يقول توماس كارليل عن شهادات محمد العلمية " :هناك اعتبار يجب أل نغفله أو ننساه ،وهو
.والكثر من ذلك أن ال ()3
أنه لم يكن لديه أى تعليم مدرسى مما نسميه التعليم المنهجى على الطلق "
تعالى منزل هذا الوحى يشهد أن محمدا لم يكن ليستطيع أن يضيف أو يجمع ما فى هذا الكتاب من
محتويات ول يمكن أن يؤلفه .
ثانيا :أما الدليل الخر فهو القرآن نفسه :الذى يحمل دليله الذى يبرهن على أنه وحى إلهى من عند ال
يرا . ) (4
ختِلَفا ً كَث ِ ً
جدُوا ْ فِيهِ ا ْ َ
عندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَ َ
ن ِ
م ْ ن وَلَوْ كَا َ
ن ِ ن الْقُْرآ َ
أفَل َ يَتَدَبُّرو َ
وفى الدلئل :حكى الشيخ أبو سليمان الخطابى عن بعض أهل العلم أن الذى أورده المصطفى (
) على العرب من الكلم الذى أعجزهم عن التيان بمثله أعجب فى الية وأوضح فى الدللة من إحياء
الموتى أو إبراء الكمة والبرص لنه أتى أهل بلغة وأرباب الفصاحة ورؤساء البيان والمتقدمين فى
اللسن بكلم مفهوم المعنى عندهم كان عجزهم أعجب من عجز من شاهد المسيح عن إحياء الموتى لنهم
لم يكونوا يطيقون فيه ول فى إبراء الكمه والبرص ول يتعاطون علمه .وقريش كانت تتعاطى الكلم
الفصيح والبلغة والخطابة فدل أن العجز عنه إنما كان لن يصير علما على رسالته وصحة نبوته وهذا
()5
حجة قاطعة وبرهان واضح .
ولهذا وصفه الرسول ( ) بقوله .. " :ول يخلق عل كثرة الرد ،ول تنقضى عبره
،ول تفنى عجائبه ،هو الفصل ليس بالهزل ،ل يشبع منه العلماء ،ول تزيغ به
- 34 -
الهواء ،ول تلتبس به اللسنة ،هو الذى لم تنته الجن حين سماعه أن قالوا :
)
" (6) (7
يَهْدِيَ إِلَى الّر ْ
شدِ فَآ َ
منّا بِهِ جبا ً
معْنَا قُْرآنا ً عَ َ
س ِ
إِنّا َ
-3أن ال تعالى قرر نبوته بما حازه الرسول ( ) من أخلق حميدة ،وأوصاف الكمال .فوصفه تعالى
ق عَظِيم ٍ . ) (7 ك لَعَل َى ُ ُ
خل ٍ َ بأنه يعلو الخلق العظيم :وَإِن ّ َ
لم َ
ص
حرِي ٌ م َ م عَزِيٌز عَلَيْهِ َ
ما عَنِت ّ ْ سك ُ ْ ن أن ُف ِ سو ٌ ّ ْ م َر ُ ووصفه بالرؤوف الرحيم :لَقَد ْ َ
جآءَك ُ ْ
م . ) (8 حي ٌ ف ّر ِ ن َرءُو ٌ
منِي َ م بِال ْ ُ
مؤْ ِ عَلَيْك ُ ْ
) (9
ن
متّقُو َم ال ْ ُ
ك هُ ُ ه أ ُ ْولَـئ ِ َ
صدّقَ ب ِ ِ
ق وَ َ صد ْ ِجآ َء بِال ّ ووصفه بالصدق :وَالّذِي َ
-4أن ال قرر نبوته بأنه ( ) موصوف فى الكتب السابقة إما باسمه أو بأوصاف أمته .
- 35 -
صدّقاً
م َل اللّهِ إِلَيْكُم ّ سو ُ سَرائِي َ
ل إِنّي َر ُ م يَبَنِي إ ِ ْمْري َ َن َسى اب ْ ُ عي َ ل ِ يقول سبحانه :وَإِذ ْ قَا َ
َ ْ
جاءَهُم
ما َ مد ُ فَل َ ّ
ح َهأ ْ م ُ
س ُ
من بَعْدِي ا ْ ل يَأتِي ِ سو ٍ شرا ً بَِر ُمب َ ّ
ن التّوَْراةِ وَ ُ م َ
ن يَدَيّ ِ لّ َ
ما بَي ْ َ
مبِين . ) (10 حٌر ّس ْت قَالُوا ْ هَـذ َا ِ
بِالْبَيّنَا ِ
فهذه اليات كان التعبير فيها " بصاحبكم " تذكيرا لهل مكة – وهم أعرف الناس بمحمد ( ) –
أنه لم يفارقهم ،ولم يفارقوه ؛ بل صحبهم وصحبوه ،ولزمهم ولزموه ،ولذلك كان اتهامهم له ( )
بالضلل والجنون من باب الكبر والعناد ،والدليل حالته قبل البعثة واعترافهم له بالمانة ،والصدق
()10
ورجاحة العقل والخلق القويم .
- 36 -
ت
ن بِآيَا ِمي َ ن الظّال ِ ِ ك وَلَـك ِ ّ
م ل َ يُكَذ ّبُون َ َولذلك يبين القرآن الكريم حالتهم فى قوله :فَإِنّهُ ْ
ن ) (11ولرسول ال ( ) خصوصية عصمته فى بدنه – أى من القتل – فيقول سبحانه : حدُو َج َاللّهِ ي َ ْ
مآ أُنزِ َ َ
ه َوالل ّ ُ
ه سالَت َ ُ
ت رِ َما بَلّغْ َل فَ َم تَفْعَ ْ ك وَإِن ل ّ ْمن ّرب ّ َ ل إِلَي ْ َ
ك ِ ل بَلّغْ َ
سو ُ
يَـأيّهَا الّر ُ
) (12
س
ن النّا ِ م َ
ك ِ م َص ُ يَعْ ِ
( )4يونس 15 ( )3يونس 16 ( )1سورة :البقرة -الية )2( 89 :المائدة . 67
( )5جزء من حديث طويل أخرجه البخارى فى كتاب بدء الوحى ( ، ) 44 – 42 /1ومسلم فى كتاب الجهاد والسير ح . 1773
( )9سبأ . 46 ( )8التكوير 22 ( )7النجم 2 ( )6العراف 184
( )10راجع :رد شبهات حول عصمة النبى ( ) د .عماد الشربينى ص . 36 ، 35ناقلً عن محمد رسول ال لمحمد صادق عرجون
( )12المائدة 67 ( )11النعام 33
ن
ستَهْزِئِي َ
م ْ . وقوله تعالى :إِنّا كَفَيْنَا َ
ك ال ْ ُ
) (1
فى هذه اليات عصمة له ( ) من القتل وقد تحدى بهما الرسول ( ) قتله النبياء المرسلين من
بنى إسرائيل – يهود المدينة – بأنهم وإن كان وقع منهم قتل النبياء من قبل ،فهم مع محمد ( ) لم ولن
من قَبْلِي س ٌ
ل ّ جآءَك ُ ْ
م ُر ُ ل قَد ْ َيفلحوا .ولذلك يذكرهم ال بمواقفهم من النبياء فى قوله :قُ ْ
ن . ) (2 صادِقِي َ م إِن كُنت ُ ْ
م َ م قَتَلْت ُ ُ
موهُ ْ ت وَبِالّذِي قُلْت ُ ْ
م فَل ِ َ بِالْبَيّنَا ِ
وكذلك يقرر ال تعالى عصمته فى تبليغ الوحى ،وشهادته سبحانه لمحمد ( ) بأداء واجب البلغ
على أكمل وجه .
ى
ح َ
ي يُو َ ن هُوَ إِل ّ َو ْ
ح ٌ إِ ْ وىَ ن الْهَ َما يَنطِقُ عَ ِ يقول سبحانه :وَ َ
) (3
سول ُ ُ
ه ه وََر ُ صدَقَ الل ّ ُ ويقول سبحانه :وَ َ
) (4
م لَقَطَعْنَا
ثُ ّ مين ه بِالْي َ ِ
من ْ ُ
خذ ْنَا ِ
ل َ لض القَاوِي ِ ل عَلَيْنَا بَعْ َ و تَقَوّ َوقوله سبحانه :وَل َ ْ
فَما منك ُم م َ
نجزِي َ حا ِه َ حدٍ عَن ْ ُ نأ َ نه الْوَتِي َ
من ْ ُ
)
َ ِ ْ ّ ْ ِ
(5
ُ
ل كَرِ ٍ
يم سو ٍ ه لَقَوْ ُ
ل َر ُ إِن ّ ُ ن
صُرو َ ما ل َ تُب ْ ِ وَ َ نصُرو َ ما تُب ْ ِم بِ َ س ُوقوله سبحانه :فَل َ أقْ ِ
) (6
وَكَفَ َ
ى فهذه شهادات من الحق تبارك وتعالى لرسوله ( ) بعصمته فى تبليغ الوحى على أكمل وجه
. شهيدا ً ّ
بِاللهِ َ ِ
-6كذلك يقرر القرآن نبوته ( ) بما أخبر به من الغيوب المستقبلية التى وقعت ى زمانه والتى ل تزال
تقع فى كل وقت .
فمن ذلك إخبار القرآن الكريم بنبأ غلبة الروم وهم أهل كتاب – نصارى – بعد أن غلبوا :
ن . ) (7وقد وقع هذا خلل َ
سيَغْلِبُو َ من بَعْدِ غَلَبِهِ ْ
م َ ض وَهُم ّ
ي أدْنَى الْر ِ
فِ َ م غُلِب َ ِ
ت الّرو ُ
زمن النبوة ،والذى حدد بـ " بضع سنين " من الثلث إلى التسع سنوات .ودارت السنون ودالت الروم
على الفرس وانتصروا من بعد غلبهم .
( )4الحزاب . 22 ( )3النجم 4 ، 3 ( )2آل عمران 183 ( )1الحجر . 95
( )7سورة :الروم . 2 ( )6الحاقة 40 – 38 ( )5الحاقة 47 - 44
- 37 -
الفصل الثانى
شبهات المشككين وشهادات المنصفين غير
المسلمين
تمهيد :
لقد اهتمت طائفة من الباحثين غير المسلمين بدراسة اللغة العربية والعلوم السلمية متخذين
السمت العلمى ،الموضوعى المنهجى وقد سموا بـ " المستشرقين " .حيث قاموا برصد كل نشاط
إسلمى -فكرى أو حركى -بما هو ميسر لهم من أدوات ،سواء بقراءة ما يكتبه المسلمون بلغاتهم ،
أو التحدث المباشر إليهم بألسنتهم لمعرفة أفكارهم وأحوالهم بقصد فتنة المسلمين عن دينهم ،وتشتيت
جهودهم وأفكارهم عن إقامة حركة بانية هادفة لتحقيق السلم فى الرض ،وذلك بإثارة القضايا
والشبهات والدعاوى للشوشرة على أذهان المسلمين وأرواحهم ،واستثارتهم للرد عليهم ،وإنفاق طاقتهم
فى هذه المحاولة بدلً من التفرغ للبناء .
- 38 -
ويضم المستشرقين عددا من المسيحيين واليهود واللدينين الذين أظهروا الولء للبحث العلمى ،
وجعل الكثير منهم العلم أداة مسخرة لمخططهم وأغراضهم الخبيثة ،لهدم الدين والتشكيك فى نبوة رسول
ال ( ) .
وهذا ل يمنع أن هناك طائفة أخرى من المستشرقين أخلصت للعلم ،فأقبلت على السلم تدرس
وتستنتج فى أمانة ودقة ثم خرجت على المل بآرائها الصادقة المنصفة .
وفى هذا الفصل نورد آراء الفريقين :المشككين وأفكارهم والرد عليهم وتفنيدها .ثم فى المبحث
الخر نورد آراء المنصفين منهم .
المبحث الول
شبهات المشككين حول رسول الله ( ) والرد عليها
لقد بلور المشككين اهتمامهم فى صورة بحوث ودراسات يتناولون فيها السلم من جوانب كثيرة
م إِن ى يَُردّوك ُ ْ
م عَن دِينِك ُ ْ حت ّ َ
َ وكذلك المسلمين :ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم وهدفهم :
ستَطَاعُوا ْ ) (1ووسيلتهم خلط المور لتبدوا فى ظاهرها تجردا علميا يوهمون به المسلمين بأنهم دعاةا ْ
قَد ْ بَد َ ِ
ت حق وأنهم يؤمنون بهذا الحق الناتج عن تجاربهم العلمية ولكنهم فى حقيقة المر :
) (2
م أَكْبَُر
صدُوُرهُ ْ
في ُ
خ ِ م َو َ
ما ت ُ ْ الْبغْضآ ُء م َ
ن أفْوَاهِهِ ْ
ِ ْ َ َ
ومن الشبه التى يثيرونها :
أول ً :شبهاتهم حول غزوات الرسول ( ) والرد عليها .
ومن الشبه التى أثارها المستشرقون :أن غزوات الرسول ( ) وحروبه ما كانت إل من أجل
السيطرة والتسلط والقهر وانتزاع خيرات البلد ،واكتساب أرضا جديدة ذات خيرات كثيرة خاصة أنهم
-لجأ إلى السيف – على حد قولهم – لنشر رسالته عاشوا فى بيئة صحراوية قفراء !! وكذلك أنه -
وإجبار معتنقيها على ذلك !!!
- 39 -
) (1كما أن ال سبحانه وتعالى يحذر المسلمين من أن يحملهم بغضهم لقوم أن يعتدوا عليهم .فيقول
) ْ (2
حَرام ِ أَن تَعْتَدُوا جدِ ال ْ َ
س ِ ن ال ْ َ
م ْ صدّوك ُ ْ
م عَ ِ
َ
ن قَوْم ٍ أن َ شنَآ ُم َ منّك ُ ْ سبحانه :وَل َ ي َ ْ
جرِ َ
َفمَنِ وإن وقع على المسلمين اعتداء فى حالة رده يشترط المثلية دون تجاوز .فيقول سبحانه :
م فَعَاقِبُواْ ع َت َدىَ عََل ْي ُكمْ ، ) (3ويقول سبحانه :وَإ ِ ْ
ن عَاقَبْت ُ ْ ع َتدُواْ عََليْ ِه ِب ِمثْلِ مَا ا ْ
ع َت َدىَ عََل ْي ُكمْ فَا ْ
اْ
ن . خيٌْر لّل ّ
صابِري َ
) (4
م لَهُوَ َ م بِهِ وَلَئِن َ
صبَْرت ُ ْ ما عُوقِبْت ُ ْ مث ْ ِ
ل َ بِ ِ
ولذلك كان القتال فى السلم حالة مرتبطة بأوضاع وظروف ليست هلى أصل الحياة .
ويمكن إيضاح ذلك فى التى :
أولً :أن رسولنا محمد ( ) جعل ساحة القتال مجالً للتحضر النسانى فلم يجعل التحريض على القتال
لمجرد القتال دون أن يكون هناك مسوغا شرعيا واجتماعيَا وإنسانيا لهذه الدعوة .ولم يكن القتال أيضا
لشهوة نفس أو لسلطان فى الرض ول عقابا لكفر كافر أو لشرك مشرك .بل يمكن القول أن القتال فى
السلم ليس من معدن البغى والعدوان وجر الغنائم ؛ بل شرع لتمكين الحريات فى التفكير والعقائد
والعبادات – حتى ولو كانت لغير ال – وعدم تقييدها وسلبها ،ودفع الظلم عن المظلومين والمستضعفين
فى الرض ومنع فتنتهم فى دينهم حتى تنكسر النزعات النسانية الذميمة والرغبات الدنيئة من حب
استعباد الناس وقهرهم بقوة السلطان .
وَقَاتِلُوهُ ْ
م ولقد جاء محمدا ( ) ليجعل أهداف الجهاد – القتال – مجملة فى أصل واحد وهو
ه لله . ) (5
ن كُل ّ ُ ة وَيَكُو َ
ن الدّي ُ ى ل َ تَكُو َ
ن فِتْن َ ٌ حت ّ َ
َ
فالقتال إنما مقصوده العلى أن يكون فى سبيل ال ،ولتكون كلمة ال هى العليا وليس بطرا
ورئاء الناس ،حتى تكون بواعثه شريفة وغاياته النسانية عالية حتى لقد قال كتاب أوروبا " :إن العالم
()6
لم يعلم فاتحا أرحم من العرب " .
( )5النفال 39 ( )4النحل 126 ( )3البقرة 194 ( )2المائدة 2 ( )1البقرة 190
( )6الفيلسوف الفرنسى جوستاف لوبن
إن المتأمل للتاريخ يدرك أن المسلمين ما انتصروا من كثرة عدد ول عدة ،ولم يقاتلوا فى معركة
وهو أكثر عددا وعدة من الذين يقاتلونهم -اللهم إل يوم حنين ،حينما غر المسلمين كثرة عددهم وقالوا
لن نهزم اليوم من قلة فكانت الدائر عليهم قبل أن ينتصروا – ولذلك فإن العقل البشرى ل يمكن أن يقبل
أن ينتصر دائما السلح الضعف والقوة القل اللهم إل أن يكون هناك عوامل أخرى كامنة فى النفوس
المسلمة هى التى تحملهم دائما وتبشرهم بالنصر :من حسن التوكل على ال ،والصلة بال ،واليمان
به ،والخلص لدينه ..وما هُزموا إل بمعصية أو مخالفة ولم ينتصروا إل بطاعة والقرآن الكريم يؤكد
ل فِي ن الْتَقَتَا فِئ َ ٌ
ة تُقَات ِ ُ ة فِي فِئَتَي ْ ِ م آي َ ٌ ن لَك ُ ْ ذلك فى مواضع كثيرة منها قوله تعالى :قَد ْ كَا َ
ْ ل اللّهِ وَأ ُ ْ
ن
شآ ُء إ ِ ّ من ي َ َ صرِهِ َ ه يُؤَيّد ُ بِن َ ْ ن وَالل ّ ُ ْ
م َرأيَ العَي ْ ِ مثْلَيْهِ ْ
م ّخَرىَ كَافَِرةٌ يََروْنَهُ ْ سبِي ِ
َ
ن الل ّ َ
ه عندِ اللّهِ إ ِ ّ ن ِ م ْصُر إِل ّ ِ ما الن ّ ْ وقوله سبحانه وَ َ صارِك لَعِبَْرةً ل ُ ْولِي الب ْ َ فِي ذَل ِ َ
) (1
- 40 -
ثانيا :أن المسلمين فى بداية الدعوة وقع عليهم العتداء ،ولم يترك المشركين سبيلً لذى المسلمين إل
سلكوه ،والرسول ( ) يغذى أرواحهم بالقرآن ،ويربى نفوسهم على اليمان والصبر على الذى والصفح
الجميل وقهر النفوس مع أنهم أمة كما يقول أبو الحسن الندوى " رضعوا حب الحروب وكأنهم ولدوا مع
كُفّوَاْ السيف " ولكن الرسول ( ) يقهر طبيعتهم الحربية ويكبح نخوتهم العربية ويقول لهم :
صلَةَ ) (3فكفوا أيديهم وتحملوا من قريش ما تسيل منه النفوس ألما فى غير جبن َ َ
موا ْ ال ّ أيْدِيَك ُ ْ
م وَأقِي ُ
ومن غير عجز .
ن كَفَُروا ْ لِيُثْبِتُو َ
ك ك الّذِي َ
مكُُر ب ِ َ والرسول ( ) لم يسلم من أذاهم حتى هموا بقتله :وَإِذ ْ ي َ ْ
ن ) (4حتى بعد الهجرة ماكِرِي َ خيُْر ال ْ َ ه َه وَالل ّ ُ
مكُُر الل ّ ُ مكُُرو َ
ن وَي َ ْ جو َ
ك وَي َ ْ ك أَوْ ي ُ ْ
خرِ ُ أَوْ يَقْتُلُو َ
منّا قُوّةً شد ّ ِ ن أَ َم ْ
َ إلى المدينة أخذوا يؤلبون عليه القبائل ،غرورا بقوتهم وإمكاناتهم حتى قالوا :
)(5فكان لبد من قوة ترهبهم ،وتكف أذاهم ،وترد اعتداءاتهم حتى ل يتحول المر إلى استسلم ومذلة
وخضوع ..فكان القتال فى صورة سلم فى كنفه حرية العتقاد والفكر ،ومنع الظلم ،وفرض المساواة
والعدل لكل الناس – مسلمهم وغير مسلمهم – ولذلك يقول سبحانه بعد أن أمر بالقتال وعدم العتداء :
ن
معْتَدِي َ ب ال ْ ُ ح ّ ه ل َ يُ ِ ن الل ّ َ م وَل َ تَعْتَدُوَا ْ إ ِ ّ ن يُقَاتِلُونَك ُ ْ ل اللّهِ الّذِي َ سبِي ِ وَقَاتِلُوا ْ فِي َ
َ َ َ
ل وَلَ ن الْقَت ْ ِ م َ شد ّ ِ ةأ َ م َوالْفِتْن َ ُ جوك ُ ْ خَر ُ ثأ ْ حي ْ ُن َ م ْم ّ جوهُ ْ خرِ ُ موهُم وَأ ْ ث ثَقِفْت ُ ُ حي ْ ُ م َ وَاقْتُلُوهُ ْ
جَزآءُ ك َ م كَذَل ِ َ م فَاقْتُلُوهُ ْ م فِيهِ فَإِن قَاتَلُوك ُ ْ ى يُقَاتِلُوك ُ ْ حت ّ َحَرام ِ َ جدِ ال ْ َ س ِ م ْ عنْد َ ال ْ َ م ِ تُقَاتِلُوهُ ْ
ة وَيَكُو َ
ن ن فِتْن َ ٌ ى ل َ تَكُو َ حت ّ َ
م َ م وَقَاتِلُوهُ ْ ه غَفُوٌر ّر ِ
حي ٌ ن الل ّ َ ن انتَهَوْا ْ فَإ ِ ّ ن فَإ ِ ِ الْكَافِرِي َ
رام
ح َ ِ ر ال ْ َ شهْ ِ م بِال ّ حَرا ُ شهُْر ال ْ َ ن ال ّ مي َ ن إِل ّ عَلَى الظّال ِ ِ ن انْتَهَوا ْ فَل َ عُدْوَا َ ن للّهِ فَإ ِ ِ الدّي ُ
م وَاتّقُواْ َ
ما اعْتَدَىَ عَليْك ُ ْ ل َمث ْ ِ َ ْ
م فَاعْتَدُوا عَليْهِ ب ِ ِ َ
ن اعْتَدَىَ عَليْك ُ ْ ص فَ َ َوال ْ ُ
م ِ صا ٌ ت قِ َ ما ُ حُر َ
ن ) (6فكانت هذه اليات َ
متّقِي َ معَ ال ْ ُ ه َ ن الل ّ َ موا ْ أ ّ ه وَاعْل َ ُ الل ّ َ
( )3النساء 77 ( )2النفال 10 ( )1آل عمران 13
( )6البقرة 194 – 190 ( )5فصلت 15 ( )4النفال 30
هى قانون القتال فى السلم :إنها تُحد البتداء والنتهاء ،وتحد الغاية والداعى ،فسبب القتال هو
العتداء ،والفتنة فى الدين ،ابتدأ القتال بوجودهما ،وينتهى بانتهائهما ن فهما اللذان سوغا القتال ،وهما
ن ) (1ولذلك سوغ ال لرسوله مي َن إِل ّ عَلَى الظّال ِ ِ اللذان ينهيانه ،فَإ ِ ِ
ن انْتَهَوا ْ فَل َ عُدْوَا َ
والمسلمين من بعده كل طرق الغلب من غير أن يخرج المسلمون عن نطاق الحق ،عدم تجاوز العدوان
حدوده .ثم التقوى فى القتال – أى مجانية الخروج عن الحدود التى رسمها السلم لرد العتداء -
والتقوى هنا شعور إسلمى خالص يزع المسلم أن يتجاوز حدود إنسانيته وإسلميه حتى فى ميدان القتال ،
حتى ولو أفرط الخصم فى عدوانه ..كل ذلك لئل يتخلى الخير عن خواصه ول المسلم عن نهجه ول أن
تنزلق الفضيلة لتنازع الرذيلة فى خواصها ،لن أخلقيات المسلم الذى رباه " محمد " ( ) لبد أن تظهر
()2
فى كل أعماله حتى ولو كان ذلك فى مشتجر السيوف وساحات القتال .
- 41 -
ثالثا :أن الرسول ( ) حينما أذن له بالقتال وفتح البلدان لم يكره أحدا على الدخول فى السلم وإنما
أفسح المجال أمام الشعوب – التى كانت مستعبدة – لتتعرف على السلم وأخلقياته ومبادئه وتوازن بين
ما هم فيه من نظم أو ديانات فتختار عن حرية واعتقاد دون إكراه ما يتفق وحريتها .
والسلم لم يجعل الكراه وسيلة من وسائل الدخول فيه ،بل جعل وسيلة ذلك إعمال العقل والفكر فى
ن ) (3وإنما مهمة الرسول ( ) هى البلغ حرية ودون أى قيود فقال سبحانه :ل َ إِكَْراهَ فِي الدّي ِ
ك إِل ّ الْبَلَغُ . ) (4 بالدعوة ابتداء ،والتبيان بالحجة انتهاء :إ ِ ْ
ن عَلَي ْ َ
فلم يكن السيف لقهر الناس وإجبارهم على اعتناق السلم ،وإنما لضمان حرية الرأى والتخلية بين الناس
شآءَ فَلْيَكْفُْر . ) (5
من َ شآ َء فَلْيُؤْ ِ
من وَ َ والدعوة إلى ال ،ثم بعد ذلك :فَ َ
من َ
ولو أن السلم قهر الشعوب بالسيف – كما يزعمون – فكيف نفسر وجود أبناء ديانات أخرى فى البلد
المسيحية ،وما بقى فى البلد المفتوحة من يعتنق غير السلم سواء عن قناعة أو قهر وما بقيت معابد
النار تمل بلد فارس وكرمان وخراسان بعد فتح المسلمين لهذه البلد ..ولكن شاءت إرادة ال أن يُحمل
السيف ل ليقهر الناس ولكن ليؤدب به الذين يحولون دون وصول العقيدة الصحيحة للناس ثم بعد ذلك من
شاء آمن ومن شاء بقى على عقيدته .ولذلك كان الرسول ( ) يقول لرجاله " :تألفوا الناس
وتأنوا بهم ،ول تغيروا عليهم حتى تدعوهم ،فما على الرض من أهل مدر ول
وبر ،أن تأتونى بهم مسلمين أحب إلى من تأتونى بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا
رجالهم " () 6
إن نبينا محمدا ( ) قد جعل ميدان القتال – كما ذكرنا سابقا – ميدانا للتحضر النسانى الراقى .
فأعلن القانون السلمى العظيم الذى يجمع فيه أصول الرحمة – وهى العتبارات النسانية -مع
الملحمة – وهى المتطلبات الضرورية .فقال ( ) ( :أنا نبى المرحمة ،وأنا نبى الملحمة )
وهما متناقضين لم
( )5الكهف 29 ( )4الشورى 48 ( )3البقرة 456 ( )2راجع :فى ظلل القرآن لسيد قطب . ( )1البقرة 193
( )6راجع :خاتم النبيين للمام محمد أبو زهرة ص ، 2دار الفكر العربى مصر .
يستطع أى قانون بشرى أن يوفق بينهما .وذلك حتى يستقر فى قلب المسلم المجاهد بأن يضرب بيد
العدالة ل بيد البطش والتنكيل ،وعندما تضرب فى الملحمة يكون لدرء الفتن وتحقيق المان وليس لعلء
جاه ول سلطان .فجعل ( ) التقاء المرحمة والملحمة التقاء تكامل وليس التقاء نقيضين ...التقاء لتحرير
المستضعفين من الرجال والولدان والنساء ...التقاء حتى يكون الدين كله ل ...التقاء حتى يكون القتال
فى سبيل ال بكل آدابه وأخلقياته وهذا ما يميز حروب المسلمين عن غيرها من الحروب .
يقول المؤرخ النجليزى جيبون ( : ) 1794 – 1737إن شريعة خبيثة قد ألصقت " بأمة محمد " وهى
واجب استئصال جميع الديان بالسيف ...يقول :أن هذه التهمة الجاهلة والمتطرفة يدحضها القرآن كما
يدحضها تاريخ الفتوحات السلمية ،وما اشتهر الفاتحون به من تسامح تجاه العبادة المسيحية معروف
()1
ومشروع "
- 42 -
ولقد فطن لبطلن ادعاء انتشار السلم بالسيف " توماس كارليل " حيث قال فى كتابه " البطال وعبادة
البطولة " " :إن اتهامه – أى السلم ورسوله ( ) – بالتعويل على السيف فى حمل الناس على
الستجابة لدعوته سخف غير مفهوم ،إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس
،أو يستجيبوا له ،فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم ،فقد أمنوا به طائعين مصدقين ،
()2
وتعرضوا للحروب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها "
ويذكر الفيلد مرشال مونتجمرى فى كتابه – الحرب عبر التاريخ – إنسانية حروب المسلمين حين ذكر أن
المسلمين " :كانوا يستقبلون فى كل مكان يصلون إليه كمحررين للشعوب من العبودية ،وذلك لما اتسموا
به من تسامح وإنسانية وحضارة ،فزاد إيمان الشعوب بهم ،علوة على تميزهم فى نفس الوقت بالصلبة
والشجاعة فى القتال ،وقد أدى كل هذا إلى اعتناق معظم الشعوب التى انتصر عليها العرب للدين
()3
السلمى "
رابعا :أن الرسول ( ) لم يعلن قانون " المعاملة بالمثل " والمعروف الن كعرف دولى فى حالة الحروب
.فحروب المسلمين مقيدة بالفضيلة والخلق السامية فإذا انتهك الخر حرمات الفضيلة فل ينتهكها
المسلمون ،فالنطلق من قيود الفضيلة عند الخر ل يبيح للفاضل أن ينطلق هو أيضا من قيودها .
ولذلك وضع الرسول ( ) آداب وأخلقيات يجب أن تراعى فى ساحة التحضر النسانى – ساحة القتال –
نذكر منها :
-1عدم قتل النساء والطفال والشيوخ :
.وقوله ( ) : ()4
فعن ابن عمر ( ) " :أن النبى ( ) نهى عن قتل النساء والصبيان "
. ()5
( ل تقتلوا شيخا ً فانيا ً ول طفل ول امرأة )
( )1محمد ( )المثال السمى ،لحمد ديدات ص . 25 ، 24
( )2حقائق السلم وأباطيل خصومه ص 166طباعة الهيئة المصرية العامة للكتاب .
( )3الحرب عبر التاريخ ،تعريب فتحى عبد ال النمر .
( )4أخرجه البخارى ح ، 3015 ، 2528ومسلم ح . 1744
( )5أخرجه أبو داود ح . 2614
وروى ابن عباس ( ) فى قوله تعالى " :ول تعتدوا " .يقول :ول تقتلوا النساء والصبيان
وعن عمر بن الخطاب ( ) أنه أوصى سلمة بن قيس فقال " :ل تقتلوا امرأة ،ول () 1
والشيخ الكبير .
صبيا ،ول شيخا هرما " .وقد أومأ النبى ( ) هذه العلة فى المرأة التى قتلت فى الحرب فقال :
()2
( ما بال هذه قتلت وهى ل تقاتل )
ولقد كان ( ) يغضب إذا بلغه أن بعض قواده قتلوا أحدا من هؤلء الضعفاء ،كما رُوى أن أحد
قواده قتل بعض الطفال – عن خطأ – فوقف ( ) يقول لجنده ( :ما بال أقوام تجاوز بهم
القتال حتى قتلوا الذرية ،أل ل تقتلوا الذرية ،أل ل تقتلوا الذرية )
وإذا قورنت هذه الخلقيات بأخلقيات الحروب الحديثة ،ففى الحرب العالمية الثانية أصدر هتلر
التعليمات التية لقادة جيوشه :يجب محو موسكو ولننجراد من على الرض للتخلص تماما من سكان
المدينة حتى ل نضطر لطعامهم فى فترة الشتاء وتقوم الطائرات بالبادة وليست هناك ضرورة لستخدام
- 43 -
الدبابات ،وبالنسبة للمدن الخرى فينبغى أن تكون القاعدة هى " :قبل غزوها ينبغى أن تتحول إلى
أنقاض بنيرات المدافع والغارات الجوية " .
ويروى المؤرخ الرومانى " بلوتارك " أن القائد الرومانى " ماريوس " عندما سار لغزو بلد
اليونان قال لصحابه " :ل تدعوا على ظهرها إنسانا حيا إل قتلتموه ،ول زرعا إل أحرقتموه ليعرف
()3
الناس أنكم الرومان "
-2ل يقتل العمى ول الزمنى ول الراهب ول الفلحين ول الصناع ول تقطع شجرة مثمرة :
وهذه الوصية نقلها الخليفة الصديق أبو بكر ( ) ووصى بها أسامة بن زيد ( ) وجيشه فقال " :يا أيها
ل صغيرا
الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى " :ول تخونوا ،ل تغلوّا ،ول تمثلوا ،ول تقتلوا طف ً
،ول شيخا كبيرا ،ول امرأة ،ول تعقروا نخلً ول تحرقوه ،ول تقطعوا شجرة مثمرة ،ول تذبحوا شاة
ول بقرة ول بعيرا إل لمأكله ،وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم فى الصوامع – أى العبادة –
فدعوهم وما فرغوا أنسهم له ،وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام ،فإذا أكلتم مكنها
()4
شيئا بعد شيء فاذكروا اسم ال عليها "
-3عدم نقض العهد :
روى أحمد فى مسنده أن معاوية بن أبى سفيان ( ) كان يسير بالجيش فى أرض الروم ،وكان
،فأرادوا أن يدنوا منهم فإذا انقضى المد غزاهم .فإذا شيخ فى الجيش ينادى :وفاء ل ()5
بينه وبينهم أمد
غدر يا معاوية .إن رسول ال ( ) قال ( :من كان بينه وبين قوم عهد فل يحلن عقده
ول يشدها حتى ينقضى أجلها ،أو ينبذ إليهم على سواء ) فلما سمع معاوية ذلك رجع
()6
بالجيش .
وقال ( ) ( :من قتل معاهدا ً لم يرح رائحة الجنة ،وإن ريحها توجد من مسيرة
َ
،وقوله مأربعين عاما ً ) 2وهذا امتثالً لمر ال تعالى :وَأوْفُوا ْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذ َا عَاهَدت ّ ْ
) (3 ( )
َ
من خافَ ّ
ن ِ وقوله سبحانه :وَإ ِ ّ
ما ت َ َ م ، ) (4مدّتِهِ ْى ُ م عَهْدَهُ ْ َ
م إِل َ سبحانه :فَأت ِ ّ
موَا ْ إِلَيْهِ ْ
سوَآءٍ
ى َ ة فَانْبِذ ْ إِلَيْه ْ َ قَوْم ٍ ِ
م عَل َ خيَان َ ً
) (5
ِ
-4عدم هدم المنازل وحرق الزرع وقتل الدواب وفتح السدود لغراق العدو :
يقول ابن قدامة فى ()7
،ونهى أن يقتل شيئا من الدواب صبرا ()6
نهى رسول ال ( ) عن قتل النحل
المغنى :كذلك الحكم فى فتح البثوق – السدود – عليهم لغراقهم ،وإن قدر عليهم بغير لم يجز إذا
()8
تضمن ذلك إتلف النساء والذرية الذين يحرم إتلفهم قصدا ..
- 44 -
-5منع التمثيل بجثث العداء :
نهى رسولنا محمد ( ) عن المثلة وعن تشويه الجسام ،كما أوجب على المسلمين دفن القتلى – أى قتلى
العدو – حتى ل يتركوا نهبا للوحوش والطيور وهذا تكريما للنفس النسانية ولجسد النسان وما حدث فى
قتلى بدر خير دليل على ذلك قد أمر ( ) المسلمون بأن يضعوا قتلى المشركين فى القليب – بئر جاف –
حتى ل تنهش أجسادهم الوحوش .
يقول ابن قدامة :ويكره نقل رؤؤس المشركين من بلد إلى بلد ،والمثلة بقتلهم وتعذيبهم لما روى سمره
()9
بن جندب ( ) قال :كان النبى ( ) يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة .
-6عدم قتل السرى :
ففى غزوة بدر عنى رسول ال ( ) بالسرى ،فلم يقتلهم ولم يعذبهم حتى إن بعض المسلمين رأى
أن الثخان فى القتل أحب من استبقاء السرى ،ولكن الرسول ( ) قال لهم ( :استوصوا بهم خيراً
).
كما أنه نهى أن يفرق بين الم وولدها فى السر .فقد روى أبو أيوب ( ) قال :سمعت رسول
ال ( ) يقول ( :من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم
وفى زمن معاوية ( ) نقض الروم عهدهم مع المسلمين ،وفى يدهم رهائن للروم ، ()10
القيامة )
فامتنع المسلمون جميعا عن قتلهم وخلوا سبيلهم وقالوا :وفاء بغدر خير من غدر بغدر لقول الرسول ( )
()11
من خانك ) ( :أد المانة إلى من ائتمنك ول تخن
هذه هى أخلقيات رسول ال ( ) المتحضرة فى ميدان القتال .وإذا قارنا بينها وبين ما يحدث الن
لوجدنا المقارنة مستحيلة .وإذا قارنا عدد القتلى لوجدنا البون شاسعا :
- 45 -
فى حروب المسلمين سواء كانت غزوات أو سرايا أو مناوشات والتى ابتدأت فى السنة الثانية للهجرة
ودامت حتى السنة التاسعة أى ما يقرب من ثمان سنوات فلم يزد عدد المقتولين من الفريقين – المسلم
وغير المسلم – على ألف وثمانية عشر نفسا ( . ) 1018المسلمون منهم 259شهيدا ،وغير المسلم
()2
759قتيلً
أما فى الحرب العالمية 1918 – 1914م فبلغ عدد قتلهم سبعة مليين ،والمصابون واحد
وعشرين مليون نفس .أما الحرب العالمية الثانية 1939م .فعدد المصابين ل يقل عددهم عن خمسين
()3
مليون نفسا .
وبعد هذه العجالة الن نتساءل هل كان رسول ال ( ) حقا يريد أرضا جديدة ،وخيرات بلد
جديدة وسيادة جديدة ؟ وأى سيف استخدمه رسول ال ( ) حتى يدخل الناس فى دين ال ؟ فل نقول أكثر
مما قاله المستشرق " كارليل " إنه سيف العقل ! .
ولذلك وصف ال تعالى هذا الدين بأنه سيسود فى العالم ويتغلب ويخلف وراءه كل دين آخر
هُو الّذ َ
ى بِاللّهِ ّ
ن كُلهِ وَك َ َف َ
َ ْ ن ال ْ َ
حقّ لِيُظهَِرهُ عَلى الدّي ِ ه بِالْهُد َ َ
ى وَدِي ِ سول َ ُ س َ
ل َر ُ ي أْر َ
َ ِ َ
شهِيداً ) (4سيسود لنه وعد ال ووعده حق ولكن ليس بقوة السيف ولكن بقوة الحجة والبرهان والبيان َ
والبلغ – أى بسيف العقل !!
ثانيا ً :شبهاتهم حول أن الرسول ( ) هو مؤلف القرآن !!! والرد عليها :
يقول المستشرق اللمانى " بروكلمان " فى كتابه تاريخ الشعوب السلمية :كان محمدا يأخذ
بأسباب التحنث والتنسك ويسترسل فى تأملته حول خلصه الروحى ،ليالى بطولها فى غار حراء ،
قرب مكة .لقد تحقق عنده أن عقيدة مواطنيه الوثنية فاسدة فارغة ،فكان يفتح فى نفسه هذا السؤال :إلى
متى يمدهم ال فى ضللهم ،ما دام هو عز وجل قد تجلى آخر المر للشعوب الخرى بواسطة أنبيائه ؟
وهكذا نضجت فى نفسه الفكرة أنه مدعو إلى أداء هذه الرسالة ،رسالة النبوة ،ولكن حياءه الفطرى حال
( )2هذه الحصائية من كتاب رحمة العالمين لمؤلفة محمد سليمان المنصور فورى ( )1الميزان ( )1649بإسناد فيه ضعف .
( )3هذا التقرير كتبه المستر ماكستن عضو البرلمان النجليزى واعتمدت فى النقل على كتاب مشروعية القتال فى السلم للدكتور /
( )4الفتح 28 محمود محمد بابللى .
بينه وبين إعلن نبوته فترة غير قصيرة ،ولم تتبدد شكوكه إل بعد أن خضع لحدى الخبرات الخارقة فى
غار حراء ،ذلك بأن طائفا تجلى له هناك يوما -هو الملك جبريل -فأوحى إليه أن ال اختاره
() 1
لهداية المة !!! .
فهذه المزاعم تطعن فى الوحى المنزل على رسول ال ( ) كما أنها تطعن فى عصمته فيما بلغه
ن
م ْج ِخُر ُ
ة تَ ْ
م ً من الوحى عن ال تعالى ...وبالتالى تطعن فى رسالته ونبوته ( !! ) كَبَُر ْ
ت كَل ِ َ
ً (2 َ
)
م إِن يَقُولُو َ
ن إِل ّ كَذِبا أفْوَاهِهِ ْ
رد الفرية :
نستطيع أن نرد على الفرية – بعون ال – فى نقاط :
- 46 -
أولً :أن ما جاء به محمد ( ) وما بلغه وحى ال تعالى من عقائد وتشريعات فى العبادات والمعاملت ،
والحدود ،والجنايات ،والقتصاد ،والسياسة ،والخلق ،والداب ،وأحوال الحروب ،وأحوال السلم ،
....كل ذلك ل يمكن أن يكون وحيا نفسيا مبنيا على معلومات وأفكار مدخرة فى باطن الرسول ( ) لنها
تشريعات لم تكن موجودة وما عرفت فى الشرائع السابقة – سماوية أو غير سماوية – فكيف يوحى إليه
خياله أن يأتى بأشياء ل وجود لها وتخالف كل ما كان سائدا فى العقائد الموجودة كالوثنية ،والمجوسية ،
والتألية ،والتثليث وإنكار البعث .
فإذا جاء بشرا برسالة – من نفسه كما يدعون – تخالف معتقدات قومه فإنه سوف يفتح على نفسه
أبواب التكذيب ،والمواجهة ،والصد ،واليذاء ..وهو فى غنى عن هذه الشياء لنه يريد أن يكون
مسموعا فى قومه ،مطاعا فمن باب أولى أن يأتيهم بما يقبلون ول يقول لهم إل ما يحبون .فكيف إذ هم
آذوه وآذوا أتباعه وناصبوه العدوان وقاطعوه وهموا أن يقتلوه وأخرجوه من بينهم ...أليس ذلك دليلً
على أن رسالته سامية إلهية ؟
ثانيا :اشتمل الوحى اللهى الذى بلغه رسول ال ( ) – قرآنا وسنة – على أسرار وغيوب أخبر عنها
ووقعت بعضها فى عهده ( ) وبعضها بعد وفاته ،وبعضها نراه بعيوننا فى وقتنا الحاضر ،واشتمال
الوحى أيضا على أسرار فى الكون والنفس والفات ،ما كانت لتخطر على بال بشر قط ،ولم يظهر
تأويلها إل بعد تقدم العلوم والمعارف فى العصر الحديث .وهى علوم ما كان لقوم محمد ( ) علقة بها
ول يمكن لعقولهم أن تدركها فكيف أدركها خيال محمد ( ) وتكلم عنها ؟!!
ثالثا :أن محمدا ( ) لم يكن يتلوا من كتاب ول خطة بيمينه ول اطلع على كتب السابقين ولم يكن من
كم َ الراسخين فى العلم ولذلك قال ال له :
ت تَعْل َ ُ
مهَآ ما كُن َ حيهَآ إِلَي ْ َ
ك َ ب نُو ِن أنْبَآءِ الْغَي ْ ِ تِل ْ َ ِ ْ
َ
ن
متّقِي َة لِل ْ ُ
ن الْعَاقِب َ َ ل هَـذ َا فَا ْ
صبِْر إ ِ ّ من قَب ْ ِ
ك ِ ت وَل َ قَوْ ُ
م َ أن َ
) (3
( )1تاريخ الشعوب السلمية لبروكلمان ص ، 36وينظر رد شبهات حول عصمة النبى ( ) لعماد الشربينى ص . 318 ، 317
( )3هود 49 ( )2الكهف . 5
ك إِذا ً لّْرتَا َ
ب مين ِ َ خط ّ ُ
ه بِي َ ِ ب وَل َ ت َ ُ وقوله سبحانه :
ت تَتْلُو ِ
من قَبْلِهِ ِ
من كِتَا ٍ ما كُن َ
وَ َ
) (1
مبْطِلُو َ
ن ال ْ ُ
()2
ويقول المصطفى ( ) ( :نحن أمة أمية ل نكتب ول نحسب )
ولقد كانت من حكمة أمية النبى ( ) – وال أعلم بحكمته – أمرين :
المر الول :قطع أسباب الريب عن قصار النظر من هواة الباطل وضعاف الدراك حتى ل يقال أن
القرآن من صنعة محمد ( ) ومن تأليفه ,وسدا لهذه الذريعة أرادت إرادة ال تعالى وحكمته أن يكون
ه . ) (3 صاحب الدعوة أميا الل ّ َ
سالَت َ ُ جعَ ُ
ل رِ َ ث يَ ْ
حي ْ ُ ه أعْل َ ُ
م َ ُ
المر الثانى :أن ال تعالى لم يرض أن يكون من البشر أستاذا ومعلما لصاحب الدعوة يجلس محمد ( )
بين يديه يتلقى عنه العلم .ولكن قضت مشيئته سبحانه أن يكون معلمه " ال الواحد الحد " بواسطة
ة ب وَال ْ ِ
حك ْ َ
م َ ك الْكِتَا َ
ه عَلَي ْ َ روحه المين جبريل عليه السلم ولذلك يقول سبحانه :وَأَنَز َ
ل الل ّ ُ
- 47 -
أما حكمة أمية قومه ( ) فتتجلى ) (4 ك عَظِيما ً
ل اللّهِ عَلَي ْ َ ن فَ ْ
ض ُ ن تَعْل َ ُ
م وَكَا َ ما ل َ ْ
م تَك ُ ْ ك َ َوعَل ّ َ
م َ
فى التى :
-1إعدام لوساوس شياطين النس والجن التى تزعم أن لمحمد معلم من البشر ،إذ كيف يكون لهذا المعلم
وجود فى بيئة أمية .ولو كان محمدا .وهو يعرفونه جيدا – ويتردد على واحد منهم لعرفوا ذلك وما
خفى عليهم هذا المر .
-2لما احتاج قومه أن يدعوا هذه الدعوة لم يجدوا عربيا واحدا من قومه أن يكون معلما لمحمد ( )
وَلَقَدْ فنسبوا تعليمه – زورا – لرجل أعجمى ل يعرف العربية .ولذلك فضحهم القرآن بقوله تعالى :
نعل َ َ
ن
حدُو َ ن الّذِي يُل ْ ِ سا ُ ثم يبطلون دعواهم بألسنتهم ل ّ َ شٌره بَ َ ما يُعَل ّ ُ
م ُ ن إِن ّ َ م يَقُولُو َ م أنّهُ ْ َْ ُ
) (5
( )4النساء 113 ( )3النعام . 124 ( )2أخرجه البخارى ( )1العنكبوت ()48
( )7راجع :افتراءات المستشرقين على السلم للدكتور عبد ( )6النحل 103 ( )5النحل 103
( )9عبس 2 ، 1 ( )8الشورة 53 ، 52 العظيم المطعنى ص . 198 ، 191
إحدى بناته وما كان يعجزه ذلك ولكن حاشاه أن يفعل ذلك ,فلم يكن له خيار ولم يكن لديه الحق فى
) (1) (2
ى
ح َ
ي يُو َ
ح ٌ التعبير عن هواه ولكن إ ِ ْ
ن هُوَ إِل ّ َو ْ
سادسا :أن النبى ( ) لم يكن يستشرق النبوة ،وما كان يرجوها ن ولم يطمع فى حصولها له ولم يدون
المحدثون عنه ذلك كما دونوا لفرد فى الجاهلية يسمى أمية بن أبى الصلت كان يتوقع فى نفسه أن يكون
َ
منة ّم ً
ح َ ك الْكِتَا ُ
ب إِل ّ َر ْ ى إِلَي ْ َ ْ
جوَ أن يُلقَ َ
ت تَْر ُ نبيا .ولقد أيد القرآن ذلك فى قوله :وَ َ
ما كُن َ
َ (3
)
ّرب ّك
سابعا :أن اختلء الرسول ( ) فى غار حراء كان بقدر ال تعالى ومقويا قويا لذلك الستعداد ،وعصمة
ربه له بالعزلة وعدم مشاركة المشركين فى شيء من عباداتهم وعاداتهم ولم يكن استعدادا للنبوة لنه لو
ول يدرى من هو إل ()4
كان لجل ذلك ما أرهبه رؤية الملك ول خاف على نفسه حين رآه أول مرة
عندما أعلمه بذلك ورقة بن نوفل .
- 48 -
ثامنا :أن ال تعالى بين أن الوحى ليس نابعا من داخل محمد ( ) بل حمله جبريل عليه السلم من عند
ى قَلْب ِ َ
ك َ
ن عَل َ
مي ُ
ح ال ِ ن نََز َ
ل بِهِ الّرو ُ ب الْعَال َ ِ
مي َ ل َر ّ ال فقال سبحانه :وَإِن ّ ُ
ه لَتَنزِي ُ
ن
مبِي ٍي ّ ن عََرب ِ ّ ن بِل ِ َ
سا ٍ ن ال ْ ُ
منْذِرِي َ م َ لِتَكُو َ
ن ِ
) (5
فحامل الوحى ملك منفصل عن ذات محمد ( ) ليس خيالً فيه ،وله من الصفات التى بينها
ن
مكِي ٍش َ ْ
عند َ ذِي العَْر ِ يم ذِي قُوّةٍ ِ ل كَرِ ٍ سو ٍ ل َر ُ ه لَقَوْ ُ سبحانه وتعالى فى قوله :إِن ّ ُ
مطَاع ث َ َ
ما هُوَ عَلَى الْغَي ْ ِ
ب ن وَ َ مبِي ِق ال ْ ُ َ
ن وَلقَد ْ َرآهُ بِالُفُ ِ جنُو ٍ م ْم بِ َ حبُك ُ ْ
صا ِ
ما َ مينٍوَ َ مأ ٍِ ّ ّ
جيمٍن ّر ِ شيْطَا ٍ ل َ ما هُوَ بِقَوْ ِ ن وَ َ ضنِي ٍ
بِ َ
) (6
وقد جاءت أيضا إجابات القرآن الكريم عن أسئلة هواة الجدل الذين أرادوا الحرج لمحمد ( )
من يُحيِي ل َ ه قَا َ خلْقَ ُ ي َ س َ مثَل ً وَن َ ِب لَنَا َضَر َ إجابات مفحمة ملجمة .ففى قوله تعالى :وَ َ
) (7
مق عَلِي ٌ ل َ ْ
خل ٍ و بِك ُ ّ مّرةٍ وَهُ َ ل َ شأَهَآ أَوّ َ حيِي َها الّذِيَ أَن َ ل يُ ْ م قُ ْ مي ٌي َر ِ م َوهِ َ الْعِظَا َ
) (8
مّرةٍ ل َ م أَوّ َ ل الّذِي فَطََرك ُ ْ من يُعِيدُنَا قُ ِ ن َ سيَقُولُو َ فَ َ وقوله سبحانه :
وغير ذلك من اليات المحكمات التى تضيء مع غيرها فى القرآن الكريم – معجزة محمد الولى
– العقد النورانى فى السيرة المحمدية الكونية لخراج الكون من الظلمات إلى النور بإذن البارئ عز وجل
فالتصديق بال الواحد الحد هو فى نفس الوقت تصديق برسالة محمد ( ) التى تبلورت فيها رسالت
() 9
النبياء والمرسلين السابقين جميعا .
يقول المام الماوردى – رحمه ال – قال بعضهم :صاروا أنبياء باللهام ل بالوحى وهذا فاسد
من وجهين :
أحدهما :أن ما بطل به إلهام المعارف فى التوحيد كان إبطال المعارف به فى النبوة أحق .
والثانى :أن اللهام خفى غامض يدعيه المحق والمبطل فإن ميزوا طلب أمارة وإن عدلوا عن
()10
اللهام فذلك دليل يبطل اللهام .
( )3القصص . 86 ( )2محمد المثال السمى لحمد ديدات ص . 10 – 9 ( )1النجم 4
( )5الشعراء . 195 ، 192 ( )4رد شبهات حول عصمة النبى ( ) لعماد الشربينى ص . 321 ، 319
( )8السراء 51 ( )7يس 79 ، 78 ( )6التكوير 25 – 19
( )9حاجة المة إليه ( ) ،للستاذ /محمد مصطفى البسيونى – مقال بمجلة الزهر عدد ربيع الول 1427هـ .
( )10أعلم النبوة ،للماوردى ص . 14
ويقول :فإذا ثبت أن النبوة ل تصلح إل ممن أرسله ال تعالى بوحيه إليه فصحتها إليه معتبرة
بثلثة شروط تدل على صدقه ووجوب طاعته :
أحدهما :أن يكون مدعى النبوة على صفات يجوز أن يكون مؤهلً لها لصدق لهجته وظهور
فضله وكمال حاله فإن اعتوره نقص أو ظهر منه كذب لم يجز أن يؤهل للنبوة من عدم آلتها وفقد
أمانتها.
- 49 -
بعث رسول ال ( ) خالد بن الوليد إلى بعض أحياء العرب يدعوهم إلى السلم فقالوا يا خالد :
صف لنا محمدا قال :بإيجاز أم بأطناب قالوا :بإيجاز قال :هو رسول ال والرسول على قدر المرسل .
والشرط الثانى :إظهار معجز يدل على صدقه ويعجز البشر عن مثله لتكون مضاهية للفعال
اللهية ليعلم أنها منه فيصبح بها دعوى رسالته لنه ل يظهرها من كاذب عليه ويكون المعجز دليلً على
صدقه وصدقه دليلً على صحة نبوته .
والشرط الثالث :أن يقرن بالمعجزة دعوى النبوة فإن لم يقترن بالمعجزة دعوى لم يصر بظهور
المعجزة نبيا لن المعجز يدل على صدق الدعوى فكان صفة لها فلم يجز أن تثبت الصفة قبل وجود
الموصوف (.)1
المبحث الثانى
شهادات المنصفين غير المسلمين حول شخصية الرسول ( )
ومكانته
إذا كان دأب المستشرقين وأعداء السلم إثارة القضايا والشبهات حول كل ما هو إسلمى ابتداءا
برسول ال ( ) مرورا بسيرته وما أوحى إليه ؛ إل أن ذلك لم يمنع أن منهم طائفة أخلصت للعلم وأقبلت
على السلم تستنتج الراء الصادقة المنصفة فى أمانة وحيدة وخرجت منصفة حول الرسول ( )
والرسالة نذكر منها :
-ويقول د .وغسطون كريستا اليطالى " :كان محمد ( ) يعلن أنه رسول ال تعالى ،لصلح
دين إبراهيم المطهر الذى أفسده أبناؤه وأقام العبادة القويمة التى أنشأها ذلك النبى ،وفسدت على مر
الزمن ،وليؤيد وهو – خاتمة الرسل – ما كان ال أنزله على من سلفه من النبياء :موسى ،وداود ،
وأشعياء ،وعيسى ....إذ هذه الجدران العالية ،لدليل على قوة عظمة محمد ،مثال القيادة ،ورمز
()1
السياسة "
- 50 -
أخلق محمد رسول الله ( ) :
-يقول المستشرق النجليزى السير وليم موير " :امتاز محمد ( ) بوضوح كلمه ،ويسر
دينه ،وأنه أتم من العمال ما أدهش اللباب ،لم يشهد التاريخ مصلحا أيقظ النفوس وأحيا الخلق
()2
الحسنة ،ورفع من شأن الفضيلة فى زمن قصير كما فعل محمد "
-يقول المستشرق الفرنسى إدوار مونتيه ( ) 1927 – 1856أستاذ اللغات الشرقية فى جامعة
جينيف " :أما محمد فكان كريم الخلق ،حسن العشرة ،عذب الحديث ،صحيح الحكم ،صادق اللفظ ،
وقد كانت الصفة الغالبة عليه هى صحة الحكم ،وصراحة اللفظ ،والقناع التام بما يقبله وبقوله ،إن
طبيعة محمد الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه القصد ،بما يتجلى فيها من شدة الخلص ،فقد كان
محمدا مصلحا دينيا ،ذا عقيدة راسخة ولم ينهض إل بعد أن تأمل كثيرا ،وبلغ سن الكمال بهاتيك الدعوة
()3
العظيمة ،التى جعلته من أسطع أنوار النسانية " ..
رحمته ( ) :
-يقول المفكر النجليزى توماس كارليل فى كتابه " البطال وعبادة البطولة " " :وكانت آخر
كلماته تسبيحا وصلة ،صوت فؤاد يهيم بين الرجاء والخوف أن يصعد إلى ربه .ول تحسب أن شدة
تدينه أزرت بفضله ،كل بل زادته فضلً ،وقد يروى عنه مكرمات عالية ،منها قوله حين مات غلمه
– يقصد ابنه إبراهيم – " العين تدفع ،والقول يوجع ،ول نقول ما يسخط الرب " ،ولما استشهد موله
زيد – ابن حارثة – فى غزوة مؤتة قال محمد :لقد جاهد زيد فى ال حق جهاده ،ولقد لقى ربه اليوم فل
بأس عليه ولكن ابنة زيد وجدته بعد ذلك يبكى على جثة أبيها ،وجدت الرجل الكهل يذوب قلبه دمعا !
قالت :ماذا أرى ؟ قال :صديق يبكى صديقه .فمثل هذه الفعال ترينا فى محمد ( ) أخا النسانية
()4
الرحيم أخانا جميعا الرؤوف الشفيق ،وابن أمنا الولى – يقصد حواء – وأبينا الول – آدم "
عظمته ( ) :
-يقول المستشرق الفرنسى ساديو لوى ( " : ) 1875 – 1807لم يكن محمد نبى العرب بالرجل
الفاتح للعرب فحسب بل للعالم لو أنصفه الناس ،لنه لم يأت بدين خاص بالعرب ،وأن تعاليمه الجديرة
بالتقدير والعجاب تدل على أنه عظيم فى دينه ،عظيم فى صفاته ،وما أحوجنا إلى رجال للعالم أمثال
()5
محمد نبى السلم "
( )1الكياسة الجتماعية :غسطون كريستا ( نقلً عن كتاب محمد عند علماء الغرب ص ) 114
( )3البطال وعبادة البطولة ،لتوماس كارليل ترجمة محمد السباعى . ( )2حياء محمد :السير وليم موير ،ص . 31
( )4تاريخ العرب ،لساديو لوى ،ص . 37
-يقول المستشرق اللمانى تيودر نولدكه ( " : ) 1920 – 1836نزل القرآن على محمد نبى
المسلمين بل نبى العالم .جاء بدين إلى العالم عظيم ،وبشريعة كلها آداب وتعاليم ،وحرى بنا أن ننصف
()1
محمدا فى الحديث عنه لننا لم نقرأ عنه إل كل صفات الكمال فكان جديرا بالحترام "
-يقول الكاتب الروسى ليون تولستوى " :إن محمدا نبى السلم الذى آمن به الن أكثر من
مئتى مليون نفس ،قد قام بعمل جليل ،فإنه هدى الوثنيين الذين قضوا حياتهم بالحروب الهلية وسفك
- 51 -
الدماء ،وتقديم الضحايا البشرية إلى معرفة الله الواحد ،وأنار أبصارهم بنور اليمان ،وأعلن أن جميع
الناس متساوون أمام ال سبحانه ،والحق الذى ل مراء فيه أن محمدا قام بعمل عظيم وانقلب كبير فى
()2
العالم "
-يقول المستشرق النجليزى السيروليم موير " :وباختصار – فإنه مهما ندرس حياة النبى محمد
( ) نجدها على الدوام عبارة عن كتلة فضائل مجسمة مع نقاء سريرة وخلق عظيم ،وستبقى تلك
()3
الفضائل عديمة النظير على الطلق فى جميع الزمات :فى الماضى ،وفى الحاضر ،والمستقبل "
- 52 -
-يقول المستشرق الفرنسى أتيين دينيه ( " : ) 1929 – 1861والحق أنا نرى من بين جميع
النبياء الذين أسسوا ديانات أن محمدا هو الوحيد الذى استطاع أن يستغنى عن مدد الخوارق والمعجزات
المادية ،معتمدا فقط على بداهة رسالته ووضوحها ،وعلى بلغة القرآن الكريم اللهية ،وإن فى استغناء
()2
محمد عن مدد الخوارق والمعجزات لكبر معجزة على الطلق " .
-يقول الشاعر الفرنسى دى لمارتين ( ) 1869 – 1790فى كتابه السفر إلى الشرق " :إن
حياة محمد وقوة تأمله وتفكيره وجهاده ووثبته على خرافات أمته ،وجاهلية شعبه ،وشهامته وجرأته
وبأسه فى لقاء مالقيه من عبدة الوثان ،وثباته وتقبله سخرية الساخرين ،وحميته فى نشر رسالته
وحروبه التى كان جيشه فيها أقل نفرا وعددا من عدوه ،ووثوقه بالنجاح وإيمانه بالظفر ،وتطلعه إلى
إعلء الكلمة وتأسيس العقيدة ،ونجواه التى كانت ل تنقطع مع ال ،كل هذا أعظم دليل على أنه لم يكن
يضمر خداعا ،أو يعيش على باطل ،بل كان وراءها عقيدة صادقة ويقين مضيء فى قلبه ،وهذا اليقين
الذى مل روحه هو الذى وهبه القوة ،على أن يرد الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة ومبدأ مزدوج ،وهو
()3
وحدانية ال سبحانه "
-ويقول هـ .أ .ر .جب " :إذ لو كان القرآن من تأليف محمد لكان من الممكن أن ينافسه
ويضارعه رجال آخرين .وليأتوا بعشر آيات من مثله مفتريات .وإذ لم يستطيعوا ( ومن الواضح أنهم
()4
لم يستطيعوا ) فليقبلوا القرآن كمعجزة وبرهان ظاهر "
ويقول أتيين دينيه " :لم يدر بخلد محمد يوما ما أنه سيحمل هذا العبء الهائل ،ولئن كان بعض
الرهبان قد تنبئوا بشيء منه ،فإنه لم يعر تنبؤا تهم أى اهتمام ،بل لقد نسيها .وأن اضطرابه ،وخوفه
()5
حينما فوجئ بالوحى من أن يكون فريسة لتخيلت شيطانية ليؤكد لنا صحة ما نقول "
فهذه استئناسات كثيرة لقوال المنصفين من غير المسلمين لتكون حجة عليهم وعلى كل من لم
يتبع رسالة محمد ( ) ويشكك فى صدقها وربوبيتها ،وصدق رسولنا الكريم إذ يقول ( :والذى
نفسى بيده ل يسمع بى أحد من هذه المة يهودى أو نصرانى ثم يموت ول
()6
يؤمن بالذى أرسلت به إل كان من أصحاب النار )
- 53 -
- 54 -
الخاتمـة
وتشتمل على :
-1نتائج البحث - :
-2الفهرست .
الخاتمة
نتائج البحث :
يطيب لى فى النهاية المطاف بدلئل نبوة محمد ( ) وإبراز بعض جوانبها ،والرد على شبهات
المشككين حول نبوته ورسالته ( ) وإبراز بعض أقوال المنصفين من غير المسلمين حول مكانة الرسول
( ) وأثره .أن أوضح أهم ما توصلت إليه من نتائج وأذكرها فى نقاط :
-1أن آيات النبياء هى أدلة صدقهم ،وبراهين من ال تعالى تتضمن إعلم ال تعالى وإخباره سبحانه .
فل يتصور أن تكون آيات الرسل إل دالة على صدقهم .
وأن دلئل نبوة رسول ال ( ) لها آثارها المستلزمة لها ،بدون إخبار النبى ( ) بأنه نبى بل متى
اختصت به وهى من خصائصه كانت آية بعد موته ،أو على يد أحد من الشاهدين له بالنبوة ،وكلها من
دلئل النبوة .
-2أن الرسول ( ) لم يكن بدعا من الرسل ،وإنما كانت دعوته ( ) حلقة من حلقات النبياء فى الدعوة
إلى ال تعالى .
-3أن دليل نبوته ( ) يكمن فى صدق رسالته وصدق ما بلغ عن ربه وما جاء به من قرآن وسنة وتتمثل
أيضا فى عظمة محمد ( ) النابعة من :
أ -صفاته النفسية وأخلقه الشخصية مما دعا أصحاب العقول الراجحة من كل أمة وملة إلى تصديقه
واليمان به ( ) .فقد كان عند معاصريه ذو عزم صادق ونموذجا لكل كمال بشرى وحياة صالحة .
ب -قدرته ومثابرته وتحمله فى سبيل نجاح دعوته وتوصيلها وتطبيق منهجه الصلحى فى الرض .
ج – من أعظم دلئل نبوته " القرآن الكريم " ذلك المنهج الصالح والمصلح لكل أركان المعمورة ؛ لن
رسالته ( ) رسالة عالمية شمولية لكل الناس كافة ،ونوره عالميا ،ونطاق مشاركته الوجدانية يستغرق
البشرية كلها .
- 55 -
-4إن طائفة الباحثين – غير المسلمين – الذين اتخذوا السمت العلمى والموضوعى والمنهجى وسموا
أنفسهم " بالمستشرقين " ،قاموا برصد كل نشاط إسلمى وذلك لفتنة المسلمين عن دينهم وتشتيت جهودهم
وأفكارهم ومعتقداتهم وذلك بإثارة الشبهات والدعاوى للشوشرة على أذهان المسلمين والطعن فى شخصية
رسول ال ( ) .
ومن الشياء التى أثاروها – حقدا من عند أنفسهم – أن غزوات الرسول ( ) وفتوحاته ما هى إل
لنزع خيرات البلد ،وانتشار السلم بالسيف !! .وقد بينت هذه الشبهات وكان الرد عليها بالدلة
القرآنية ،واستعراض السيرة النبوية المطهرة ،وكذلك استخدام الدلة العقلية ثم الستئناس بما كتبه
المنصفين منهم حتى نقيم الحجة عليهم .
وقد تم توضيح النقاط التية :
أ -أن الرسول ( ) جعل من ساحة المعركة ساحة للتحضر النسانى الراقى ،حيث ل يجوز القتال إل
لتمكين الحريات فى الفكار والعقائد والعبادات حتى ولو كانت لغير ال فـ – ل إكراه فى الدين – ورفع
الظلم عن المظلومين والمستضعفين فى الرض ومنع فتنتهم فى دينهم .
ب -أن الصل فى الجهاد فى السلم أن يكون فى سبيل ال وليس لمطمعا أو مغنما .والواقع يؤيد أن
المسلمين لم ينتصروا من كثرة عدد ول عتاد وإنما لنهم يقررون مبادئ سامية وفى سبيل غاية عالية أل
وهى " فى سبيل ال " .
جـ -أن المسلمين تحملوا فى بداية الدعوة ما وقع عليهم من أذى واعتداء ،ولم يترك المشركين سبيلً
لليذاء إل سلكوه .ولكن الرسول ( ) غذى أرواحهم بالقرآن ،وربى نفوسهم على الصبر ،وعلى تحمل
الذى مع أنهم قوم قد رضعوا حب الحروب والبأس ولم يتحملوا ما لقوه عن ضعف وإنما لن السلم ما
كان لينتشر بالمواجهة والقتال والصدام .
د – أن الرسول ( ) استخدم " سيف العقل " بالحجة والبرهان والبلغ فى نشر الدعوة ،ولم يلجأ إلى
السيف إل للسباب التى ذكرناها سابقا .
هـ -أن الرسول ( ) وضع آداب وأخلقيات لساحة التحضر النسانى – ساحة القتال – منها :عدم قتل
النساء ،والطفال ،والشيوخ ،والعمى ،والزمنى ،والراهب ،والفلح ،والصانع ،والسرى ،وعدم
قطع الشجار المثمرة ،وعدم نقض العهود مع العدو ،وعدم هدم المنازل وقتل الدواب وحرق الزرع ،
وعدم انتهاك حرمات ال تعالى .
ثم كانت شبهاتهم حول أن الرسول ( ) هو مؤلف الوحى وكان الرد عليهم يتمثل فى :
أ – أن ما جاء به رسول ال من عقائد وتشريعات لم تكن موجودة وما عرفت فى الشرائع السابقة ،فكيف
،يأتى له خياله بأشياء لم يعهدها البشر ؟!!
ب -أن القرآن الكريم اشتمل على غيوب وأسرار وقع بعضها فى عهده ( ) وبعضها بعد وفاته ،
وبعضها لم يظهر إل مع ظهور تقدم العلوم والمعارف الحديثة .
- 56 -
جـ -أن رسول ال ( ) لم يكن يتلو الكتاب من قبل ولم تخطه يمينه ولم يطلع على كتب السابقين ،ول
أحوال المم السالفة .فكيف يستطيع أن يؤلف القرآن بخياله ؟!!
د -أن القرآن اشتمل على آيات عتاب للنبى ( ) ،فكيف يسمح محمد ( ) أن يعاتب نفسه ويقرأ عتابه
على الناس فالعتاب يثقل الوطأة على النفس الحساسة والشعور المرهف !!
هـ -أن القرآن عندما تحدث عن النساء المصطفيات ،تكلم عن سيدة من بنى إسرائيل وهى السيدة مريم
عليها السلم ،وإن كان القرآن من وحى وخيال رسول ال ( ) لختار خديجة أو عائشة أو إحدى بناته
أو أمه ليفضلها على نساء العالمين !!!
و – أن النبى ( ) لم يسجل عليه استشرافه للنبوة من قبل وما كان يرجوها مثل أناس آخرين ذكرهم
التاريخ بأن كان يستشرفون النبوة أمثال أمية بن أبى الصلت وغيره .
ز -أن ال تعالى قد بين فى كتابه الكريم أن الوحى ليس نابعا من خيال الرسول ( ) فى آيات كثيرة وإنما
ى
ح َي يُو َ ن هُوَ إِل ّ َو ْ
ح ٌ إِ ْ .
-5هذا لم يمنع أن هناك طائفة أخرى من المستشرقين أخلصت للعلم فأقبلت على السلم تدرسه وتستنتج
فى أمانة ودقة ثم خرجت بآراء منصفة حول الرسول ( ) ومكانته وأثره ذكرنا بعضا منها .
وهذا وقد بذلت فى هذا البحث جهدا أحتسبه عند ال تعالى ،فما كان من توفيق وإصابة فمن ال
تعالى وتوفيقه ،وما كان من خطأ فمنى ومن الشيطان وأسأل ال العافية .
ن
م َن ِ ما كُنْت ُ ْ
م تُ ْ
خفُو َ م ّ م كَثِيرا ً ّ ن لَك ُ ْ
سولُنَا يُبَي ّ ُ م َر ُجآءَك ُ ْ
ب قَد ْ َ ل الْكِتَا ِيَا أَهْ َ
ن اللّهِ نُوٌر وَكِتَا ٌ
ب م َم ّ جآءَك ُ ْ قَد ْ َ ب وَيَعْفُوا ْ ع َن كَثِيرٍ الْكِتَا ِ
تما ِ ن الظّل ُ َ م ِ
م ّ جهُ ْ خرِ ُ سلَم ِ وَي ُ ْل ال ّ سب ُ َه ُ ضوَان َ ُ ن اتّبَعَ رِ ْم ِ ه َ يَهْدِي بِهِ الل ّ ُ ن
مبِي ٌ
ّ
َ َ
[ المائدة ] 16 ، 15 : ستَقِيم ٍ م ْ
ط ّ صَرا ٍ ى ِ م إِل َ إِلى النّورِ بِإِذ ْنِهِ وَيَهْدِيهِ ْ
صدق الله العظيم
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
البــــــاحث :
د .صيدلى /جمال محمد المتولى الزكى
مصر – دمياط – الزرقا – سيف الدين
002057690169
002057690145
محمول 0020104161601 0020124644180 :
- 57 -
(أ)
-1البطال :توماس كارليل ،ترجمة محمد السباعى .
-2أتح لنفسك فرصة :دون إيرون ،تعريب عبد النعم محمد الزيادى .
-3التقان فى علوم القرآن :جلل الدين السيوطى ،المكتبة التوفيقية مصر .
-4أعلم النبوة :أبو الحسن على بن محمد حبيب الماوردى ،موقع صيد الفؤاد اللكترونى .
-5افتراءات المستشرقين على السلم :د .عبد العظيم المطعنى ،مكتبة وهبة القاهرة .
(ب)
-6التعريفات :لسيد الشريف الجرجانى ،مكتبة القرآن للطبع والنشر ،مصر .
-7تفسير السعدى :عبد الرحمن السعدى ،مكتبة اليمان بالمنصورة ،مصر .
( جـ )
-8الجامع لحكام القرآن " تفسير القرطبى " :المام القرطبى ،المكتبة التوفيقية ،مصر .
(ح)
-9حجة ال على العالمين فى معجزات سيد المرسلين :يوسف بن إسماعيل النبهانى ،المكتبة التوفيقية
مصر .
-10الحرب عبر التاريخ لمونتجمرى ،تعريب العميد فتحى عبد ال النمر .
-11حياة محمد ورسالته :مولنا عمر على .
-12حقائق السلم وأباطيل خصومه ،طباعة الهيئة المصرية العامة للكتاب .
-13حقائق السلم فى مواجهة شبهات المشككين :مجموعة علماء المجلس العلى للشئون السلمية ،
مصر .
(خ)
-14خاتم النبيين :المام محمد أبو زهرة ،دار الفكر العربى ،مصر .
(د،ز،ر)
-15دلئل النبوة :المام البيهقى ،دار الكتب العلمية ،بيروت .
-16دلئل النبوة :إسماعيل الصبهانى .
-17دلئل النبوة فى القرن العشرين :مبارك البراك ،مكتبة جزيرة الورد المنصورة ،مصر ط ، 3
1999م .
-18زاد المعاد فى هدى خير العباد :ابن قيم الجوزيه ،دار الفجر للتراث مصر 1420هـ .
-19رد شبهات حول عصمة النبى ( ) :عماد الشربينى ،دار اليقين بالمنصورة مصر 1425هـ -
2004م .
(س)
-20سنن أبى داود ،أبو داود السجستانى الزدى ،دار الحديث القاهرة ط 1420هـ 1999 -م .
- 58 -
-21سنن ابن ماجة :الحافظ أبو عبد ال يزيد القزوينى ،دار الحديث ،القاهرة 1419هـ 1998 -م .
-22سنن الدارمى :الحافظ عبد ال بن عبد الرحمن الدارمى ،دار الحديث ،القاهرة 2000 - 1420م.
-23سنن الترمذى :عمر بن عيسى الترمذى ،دار الكتب العلمية ودار الحديث القاهرة 1408هـ .
-24السيرة النبوية :ابن هشام ،دار ابن رجب ،فارسكور مصر ط 1423هـ 2003 -م .
(ش)
-25الشفا :القاضى عياض ،المكتبة التوفيقية ،القاهرة .
-26الشمائل المحمدية :المام الترمذى ،المكتبة التوفيقية ،القاهرة .
(ص)
-27صحيح البخارى :المام الحافظ أبو عبد ال بن إسماعيل البخارى ،مكتبة فياض ،المنصورة مصر
1422هـ .
-28صحيح مسلم :المام أبو الحسن مسلم النيسابورى ،مكتبة اليمان بالمنصورة مصر .
-29صفاء البتداء :عبد الفتاح شاهين ،دار الكنوز المصرية .
(ع)
-30عظمة محمد خاتم النبيين ( ) :د .مصطفى الزرقا ،دار القلم دمشق ط 1417هـ 1987 -م .
(ف)
-31فى ظلل القرآن :سيد قطب ،مكتبة الشروق ،مصر .
(ق)
-32القرآن معجزة المعجزات :أحمد ديدات ،ترجمة محمد مختار .
-33القواعد الحسان المتعقلة بتفسير القرآن :عبد الرحمن السعدى ،مكتبة ابن رجب فارسكور –
مصر.
(م،ن)
-34محمد رسول ال :أتيين دينيه ،ترجمة عبد الحليم محمود ،محمد عبد الحليم ط 1958 2نهضة
مصر .
-35محمد ( ) فى الدراسات الستشراقية المنصفة :محمد الشيبانى ،موقع صيد الفؤاد اللكترونى .
-36محمد ( ) المثال السمى :أحمد ديدات ،ترجمة محمد مختار .
-37محمد ( ) :فى القرآن الكريم :عبد الرحيم السحيم ،موقع صيد الفؤاد اللكترونى .
-38محمد ( ) فى العهد القديم والجديد :عبد الرحيم السحيم ،موقع صيد الفؤاد اللكترونى .
-39مختار الصحاح :الرازى ،دار الحديث ،مصر .
-40المدخل إلى العقيدة والستراتيجية العسكرية السلمية :للواء أ .ح /محمد جمال الدين محفوظ .
-41المفردات فى غريب القرآن :الراغب الصفهانى ،المكتبة التوفيقية ،مصر .
- 59 -
-42مفاهيم أساسية فى دراسة السيرة النبوية :محمد جلل الدين القصاص ،موقع صيد الفؤاد
اللكترونى .
-43المغنى مع الشرح الكبير :ابن قدامة ،دار الحديث ،القاهرة 1416هـ 1996 -م .
-44النبوات :تقى الدين بن تيمية ،مكتبة فياض ،المنصورة مصر ط 2005م .
-المجلت والحوليات :مجلة الزهر الشريف .
-المواقع اللكترونية :
- saaid.net .
- salafi.net .
- saidnur.net .
- alwihdah .com .
- alukah.net .
- almeshkat .com .
- balagh.com .
فهرس الموضوعات
رقم
الموضــــــــــــوع م
الصفحة
3 المقدمة ........................................................................ 1
7 التمهيد ...................................................................... : 2
7 المبحث الول :دلئل النبوة ..آيات النبياء عن نبوتهم ........................
9 المبحث الثانى :دعوة الرسول ( ) حلقة من حلقات الدعوة إلى ال ............
11 المبحث الثالث :ال تعالى يؤيد الصادق ويمكن له .............................
12 الفصل الول :من دلئل نبوة رسول ال ( ) ................................. 3
- 60 -
13 المبحث الول :الرهاصات ..................................................
18 المبحث الثانى :إخباره ( ) بغيوب مقعت كما أخبر عنها عن ال تعالى .......
21 المبحث الثالث :عظمة محمد ( ) ............................................
22 ل :أن الرسول ( ) عند معاصريه ذو عزم صادق .........................
أو ً
25 ثانيا :تمتعه بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة ...............
29 ثالثا :نجاحه فيما جاء به وله ..................................................
31 رابعا :أن محمدا ( ) جاء بمنهج دائم للعالم كافة " القرآن الكريم " ............
37 الفصل الثانى :شبهات المشككين وشهادات المنصفين غير المسلمين ............ 4
38 المبحث الول :شبهات المشككين حول رسول ال ( ) والرد عليها ............
38 ل :شبهاتهم حول غزوات الرسول ( ) والرد عليها .........................
أو ً
45 ثانيا :شبهاتهم حول أن الرسول ( ) هو مؤلف القرآن والرد عليها ............
49 المبحث الثانى :شهادات المنصفين غير المسلمين حول شخصية الرسول ( ) ..
54 الخاتمة ...................................................................... : 5
54 نتائج البحث ...................................................................
57 فهرس المراجع ................................................................
60 فهرس الموضوعات ...........................................................
- 61 -