You are on page 1of 61

‫بحث للتعريف بالنبى ( ) ‪:‬‬

‫دلئل نبوته ‪.‬‬


‫رد شبهات أثيرت حوله ( ) ‪.‬‬
‫شهادات المنصفين من غير المسلمين عن نبوته ‪.‬‬

‫البــــــاحث ‪:‬‬
‫د‪ .‬صيدلى ‪ /‬جمال محمد المتولى الزكى‬
‫مصر – دمياط – الزرقا – سيف الدين‬
‫‪002057690169‬‬
‫‪002057690145‬‬
‫محمول ‪:‬‬
‫‪0020124644180‬‬
‫‪020104161601‬‬

‫‪-1-‬‬
‫الهـــــــداء‬
‫إلى السراج المنير‬
‫الذى حمل مشعل الوسطية‬
‫لتكون أمته‬
‫أمة وسطا ً ل تتسلط تسلط‬
‫الطغاة‬
‫ول تستكين استكانة‬
‫المستضعفين‬
‫إلى الذي عل فوق الخلق‬
‫العظيم‬
‫إلى نبيا محمد ( )‬

‫‪-2-‬‬
‫المقــدمــة‬
‫إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستهديه وندين إليه بالخير كله ‪ ،‬ونشهد أن ل اله إل ال وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬ونشهد أن محمدا رسول ال ( ) خير من شهد ل وشهد على عباد ال ‪ ،‬فصلوات ال وسلمه‬
‫عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه وعلى من جاء بعده يحمل رسالته ويؤدى أمانته ويقف بين الناس موقفه إلى يوم‬
‫الدين ‪ .....‬وبعد‬
‫فهذا بحث يتحدث عن جوانب من دلئل نبوة رسول ال ( ) ‪ ،‬ومكانته وأثره ‪ ،‬وكشف الشبهات‬
‫ودحض الفتراءات التى أثيرت حوله ( ) مع توضيح شهادات المنصفين من غير المسلمين عن نبوته‬
‫ومكانته وأثره ( ) ‪.‬‬
‫وبداية نقول ‪ :‬لقد سبقت بعثة رسول ال ( ) فترة غابت فيها الشرائع السماوية بضوابطها‬
‫وثوابتها الشرعية ‪ ،‬وساد منطق القوة المفرطة غير المنضبطة فتكالب القوى ليعيش على قوت الضعيف ‪،‬‬
‫والغنى على قوت الفقير فسادت لغة الهمجية وغاب عن الرض النور الذى يرشد إلى سواء السبيل ‪،‬‬
‫وتفرقت بالناس كل السبل ‪ ...‬فكانت بعثته ( ) فتحا للرض وإنقاذا للبشرية ‪ ،‬ورحمة مهداة من ال تعالى‬
‫للعالمين ‪ ،‬فانتصر للمبادئ والخلق وأخرج الناس من دياجير التخبط والسفه والضلل إلى سواطع اليقين‬
‫والجلل والحكمة ‪.‬‬
‫وفى هذه السطور ل يكفى حديث خاطف ‪ ،‬ول عرض سريع لبيان ما يزخر به محمدا ( ) من‬
‫عبقرية وروحانية ‪ ،‬وعلو قدر ورعة وسمو ‪ ،‬ومنعة وعظمة وعصمة و‪.......‬‬
‫ولعل دلئل نبوته ( ) تتمثل فى أسمى معانيها فى رسالته ( ) فرسالته خاتمة الرسالت ‪،‬‬
‫ورسول ال ( ) خاتم المرسلين ‪ ،‬وهذا دليل محسوس وملموس على صدق رسالته ويقين نبوته نسوقه إلى‬
‫أولئك المشككين الضالين المضلين الذين عطلوا العقل وألغوا التفكير – عن قصد وغير قصد – فأنكروا‬
‫هذه الرسالة وشككوا فى كل ما جاء به محمدا وله ‪ ،‬فضلوا وأضلوا وانحرفوا وتجاهلوا وجهلوا وجحدوا‬
‫م لَ‬ ‫ك الّذِي يَقُولُو َ‬
‫ن فَإِنّهُ ْ‬ ‫ه لَي َ ْ‬
‫حُزن ُ َ‬ ‫قَد ْ نَعْل َ ُ‬
‫م إِن ّ ُ‬ ‫ولذلك يقول ال فيهم عبر كل زمان ومكان‬
‫ن ‪ ) (1‬وهكذا يكشف الوحى عن المكر السىء ‪،‬‬ ‫حدُو َ‬ ‫ت اللّهِ ي َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ن بِآيَا ِ‬ ‫ن الظّال ِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ك وَلَـك ِ ّ‬
‫يُكَذ ّبُون َ َ‬
‫وعمق المؤامرة التى يراد بها – حقدا من عند أنفسهم – إطفاء هذا النور ووقف مده الزاحف يضاهئون‬
‫قَ ْ‬
‫د‬ ‫أقوال بعضهم بعضا لنهم خلفوا خلفا يحمل راية الخداع والتضليل ‪ ....‬فما أحوجنا فى هذه اليام‬
‫م أَكْبَُر ‪ – ) (2‬أن نتداعى إلى وحدة حقيقية‬
‫صدُوُرهُ ْ‬
‫خفِي ُ‬‫ما ت ُ ْ‬
‫م َو َ‬
‫بدت الْبغْضآءُ م َ‬
‫ن أفْوَاهِهِ ْ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ َ ِ َ َ‬
‫قائمة نتماسك من خللها ونتآلف بهذا الدين ‪ ،‬ونهتدى بهذه الخلق السامية التى علت على كل خلق عظيم‬
‫حتى ل نصبح ( قصعة ) تتداعى عليه أيدى العداء ‪ ،‬وما ذالك إل لننا نسينا لقاء ال وكرهنا الموت ‪،‬‬
‫وتعلقت قلوبنا بالدنيا فكان الوهن وكان الضعف ‪.‬‬

‫(‪ )2‬آل عمران ‪. 118‬‬ ‫(‪ )1‬النعام ‪33‬‬

‫‪-3-‬‬
‫وما أحرانا فى هذه المرحلة الحاسمة أن نستلهم دائما سيرته ( ) الحافلة بكل جليل وجميل ما‬
‫ندعم به مكانتنا ونثبت به عقيدتنا حتى نكون حقا من أتباع محمد ( ) ‪.‬‬
‫وهذا ما دفعنى إلى اختيار موضوع هذا البحث ‪ ،‬وقد هدفت من كتابته عدة أهداف منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان جانب من دلئل نبوته ( ) من إرهاصات النبوة تلك الخوارق التى صاحبت مولده ( ) – سواء‬
‫قبل مولده ‪ ،‬أو عند ولدته أو فى طفولته – ثم توضيح جانبا من بعض ما أخبر من غيوب عن ربه تعالى‬
‫‪ ،‬ثم إلقاء الضوء على جانب من جوانب عظمته المتمثلة فى صدقه ‪ ،‬وأمانته وعزمه الصادق ‪ ،‬وتمتعه (‬
‫) بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة ‪ ،‬ثم نجاحه المنقطع النظير فى أداء ما جاء به‬
‫وله ‪ ،‬ثم دليل نبوته فى معجزته الحقيقية الباقية الخالدة أبد الدهر ( القرآن الكريم ) ‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان بعضا من الشبهات والمفتريات حول شخصية الرسول ( ) – وهى كثيرة – واكتفيت منها بكشف‬
‫شبهاتهم حول غزواته وحروبه وحمله للسيف لقهر الناس لعتناق السلم ‪ ،‬ثم الرد على هذه الفرية ‪ .‬ثم‬
‫شبهاتهم حول عصمته ( ) ‪ ،‬وأن القرآن ما هو إل من تأليفه وليس وحيا يوحى والرد عليها ‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان بعض أقوال المنصفين من غير المسلمين حول شخصيته ( ) ومكانته وأثره وهى أقوال نستأنس‬
‫بها لنقيم الحجة عليهم وعلى منكرى الرسالة ‪.‬‬

‫‪ -‬خطة البحث ‪:‬‬


‫تتكون خطة البحث فى الموضوع إلى مقدمة ‪ ،‬وتمهيد ‪ ،‬وفصلين ‪ ،‬وخاتمة ‪.‬‬
‫أما المقدمة قد ضمنتها ‪ :‬سبب اختيار الموضوع ‪ ،‬وأهميته ‪ ،‬وخطة البحث ‪ ،‬ومنهج البحث فيه ‪.‬‬
‫أما التمهيد فيشتمل على ثلثة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬دلئل النبوة ‪ ..‬آيات النبياء عن نبوتهم ‪.‬‬
‫المبحث الثانى ‪ :‬دعوة الرسول ( ) حلقة من حلقات الدعوة إلى ال تعالى ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬ال تعالى يؤيد الصادق ويمكن له ‪.‬‬
‫أما الفصول فهى ‪:‬‬
‫الفصل الول ‪ :‬من دلئل نبوة الرسول ( ) ‪.‬‬
‫ويشتمل على تمهيد وثلثة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬الرهاصات ‪.‬‬
‫المبحث الثانى ‪ :‬إخباره ( ) بغيوب كثيرة وقعت كما أخبر عنها عن ال تعالى ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬عظمة محمد ( ) ‪ :‬والتى تتمثل فى ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬أن الرسول ( ) عند معاصريه ذو عزم صادق ‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ثانيا ‪ :‬تمتعه ( ) بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬نجاحه ( ) فيما جاء به وله ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أن محمدا ( ) جاء بمنهج دائم للعالم كافة ( القرآن الكريم ) ‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫الفصل الثانى ‪ :‬شبهات المشككين وشهادات المنصفين غير المسلمين ‪.‬‬
‫ويشتمل على تمهيد ومبحثين ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬شبهات المشككين حول رسول ال ( ) والرد عليها ‪.‬‬
‫ويشتمل على ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬شبهاتهم حول غزوات الرسول ( ) والرد عليها ‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ثانيا ‪ :‬شبهاتهم حول أن الرسول ( ) هو مؤلف القرآن والرد عليها ‪.‬‬
‫المبحث الثانى ‪ :‬شهادات المنصفين غير المسلمين على شخصية الرسول ( ) ‪.‬‬
‫أما الخاتمة ‪ :‬فتتضمن أهم نتائج البحث ‪ ،‬وقائمة المراجع والمصادر ثم قائمة الفهرست ‪.‬‬
‫‪ -‬وكان منهجى فى البحث ما يلى ‪.‬‬
‫‪ -1‬العتماد – بعد على عون ال تعالى – على الكثير من المراجع بمصادرها الصلية للتأكد من صحة‬
‫الروايات والحاديث وعزوتها إلى مصادرها الصلية من كتب السنة المعتمدة ‪.‬‬
‫‪ -2‬لم أهمل المصادر الحديثة ففيها من الرؤى والتحليلت ما أتاح لى الستفادة الكبيرة منها والتزمت عند‬
‫النقل من أى مصدر إلى الشارة إليه والى صفحته وطبعات المرجع إن أمكن ‪.‬‬
‫‪ -3‬بينت مواضع اليات التى وردت بذكر السورة ورقم الية ‪.‬‬
‫‪ -4‬ما عرضته من شبهات وطعون أعداء السلم فإنى قرنت ذلك بالرد الذى يبين تلك الشبهات‬
‫والمطاعن معتمدا على القرآن والسنة المطهرة وكلم أهل العلم والدلة العقلية وقد استأنست أيضا بأقوال‬
‫بعض المنصفين غير المسلمين لنقيم الحجة الكاملة عليهم ‪.‬‬

‫والله تعالى أسأل أن يكون عمل ً متقبل ً خالصا ً لوجهه الكريم‬

‫البــــــاحث ‪:‬‬
‫د‪ .‬صيدلى ‪ /‬جمال محمد المتولى الزكى‬
‫مصر – دمياط – الزرقا – سيف الدين‬
‫‪002057690169‬‬
‫‪002057690145‬‬
‫محمول ‪0020124644180 :‬‬
‫‪0020104161601‬‬

‫‪-5-‬‬
‫التمهيد ‪:‬‬
‫ويشتمل على ثلثة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬دلئل النبوة ‪ ..‬آيات النبياء عن نبوتهم ‪.‬‬
‫المبحث الثانى ‪ :‬دعوة الرسول ( ) حلقة من حلقات‬
‫الدعوة إلى الله ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬الله تعالى يؤيد الصادق ويُمكن له ‪.‬‬

‫‪-6-‬‬
‫المبحث الول‬
‫دلئل النبوة ‪ ...‬آيات النبياء عن نبوتهم‬
‫أول ً ‪ :‬تعريف الدلئل ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬وما يتوصل به إلى معرفة الشيء‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ -‬لغة ‪ :‬الدليل ما يستدل به‬
‫‪ ،‬فالشيء الول هو الدال ‪ ،‬والثانى‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪ -‬وفى الصطلح ‪ :‬هو الذى يلزم من العلم به العلم بشيء آخر‬
‫هو المدلول والدليل هو الية والبرهان التى يلزم وجودها وجود المدلول عليه فإذا وجدت آية وعلمة تدل‬
‫على النبوة لزم وجود نبى ‪ ،‬ولزم اليمان به ‪.‬‬
‫ع ِرفَ أن محمدا رسول ال بنصوصه المتواترة ‪ ،‬كفاه ذلك ‪،‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪ .. " :‬ثم إن كان ُ‬
‫وإن كان لم يقر بنبوته احتاج إلى مقدمة ثانية ‪ ،‬وهو اليمان بأنه رسول ال ‪ ،‬ل يقول على ال إل الحق ‪،‬‬
‫ويذكر له من دلئل النبوة وأعلمها ما يعرف به ذلك ‪ ،‬فيهتدى إن كان طالب علم ‪ ،‬وتقوم عليه الحجة إن‬
‫(‪)4‬‬
‫لم يكن كذلك ‪.‬‬
‫وآيات النبياء هى أدلة صدقهم ‪ ،‬وبراهين من ال ‪ ،‬تتضمن إعلم ال لعباده وإخباره ‪ ،‬فالدليل‬
‫وهو الية ‪ ،‬والعلمة ل تدل إل إذا كان مختصا بالمدلول عليه مستلزما له ‪ ،‬وهى أقوى من القول ‪ ،‬فل‬
‫يتصور أن تكون آيات الرسل إل دالة على صدقهم ‪ ،‬ومدلولها أنهم صادقون ‪.‬‬
‫ودلئل نبوة الرسول ( ) لها آثار مستلزمة لها ‪ ،‬وبدون إخبار النبى بأنه نبى ‪ ،‬بل متى اختصت‬
‫به ‪ ،‬وهى من خصائصه ‪ ،‬كانت آية له سواء وجدت قبل ولدته ‪ ،‬أو بعد موته ‪ ،‬أو على يد أحد من‬
‫(‪)5‬‬
‫الشاهدين له بالنبوة ‪ .‬فكل هذه من آيات النبوة ‪.‬‬
‫وليات النبياء عن نبوتهم طرقا متعددة ‪ ،‬دللتها إما تعلم بالضرورة ‪ ،‬أو بالنظر والستدلل ‪،‬‬
‫‪ :‬كل القولين صحيح ‪ ،‬فإنه يحصل بها علم ضرورى ‪ ،‬والدلة النظرية تواق ذلك‬ ‫(‪)6‬‬
‫يقول ابن تيمية‬
‫وكذلك كثير من الدلة والعلمات واليات من الناس من يعرف استلزامها للوازمها بالضرورة ويكون‬
‫اللزوم عنده بينا ل يحتاج فيه إلى وسط ودليل ‪ ،‬ومنهم من يفتقر إلى دليل ووسط يبين له أن هذا الدليل‬
‫مستلزم لهذا الحكم اللزم له ‪ ...‬فقد يجيء المخبر إليهم بخبر يصرف كثير منهم صدقه أو كذبه‬
‫بالضرورة لمور تقترن بخبره ‪ ،‬وآخرون يشكون فى هذا ثم قد يتبين لبعضهم بأدلة ‪ ،‬وقد ل يتبين ‪،‬‬
‫وكثير من الناس يعلم صدق المخبر بل آية البتة ‪ ،‬بل إذا أخبره وهو خبير بحاله أو بحال ذلك المخبر به‬
‫أو بهما ‪ ،‬علم بالضرورة ‪ :‬إما صدفة ‪ ،‬وإما كذبه ‪.‬‬
‫فالنبى ( ) كما ذكر حاله لخديجة (رضى ال عنها ) ‪ ،‬وذهبت إلى ورقة بن نوفل وكان عالما‬
‫بالكتاب الول وذكر له النبى ( ) ما يأتيه يحكم بأنه صادق ‪ .‬ويقول ‪ :‬هذا الناموس الذى كان يأتى‬

‫(‪ )2‬المفردات فى غريب القرآن للراغب الصفهانى ص ‪177‬‬ ‫(‪ )1‬مختار الصحاح ص ‪. 123‬‬
‫(‪ )3‬التعريفات للجرجانى ص ‪. 107‬‬
‫(‪ )4‬النبوات لبن تيمية ‪ ،‬ص ‪ ، 255‬مكتبى فياض بالمنصورة – مصر ‪ ،‬ط ‪2005‬م ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المرجع السابق ص ‪ 312 ، 311‬بتصرف ‪.‬‬ ‫(‪ )5‬المرجع السابق ص ‪ 298‬بتصرف ‪.‬‬

‫‪-7-‬‬
‫موسى فالرسول ( ) معلوم عنه أنه أصدق الناس ‪ ،‬وهذه وحدها آية على نبوته ‪ ،‬ثم جاءت آية آخرى‬
‫وهو جبريل أو " الناموس " علمة ودليل آخر على نبوته أيضا ‪ ،‬فإذا كان العلم بصدقه ( ) بل آية قد‬
‫يكون علما ضروريا ‪ ،‬فكيف بالعلم بكون الية علمة على صدقه ‪ ،‬وجميع الدلة لبد أن تعرف دللتها‬
‫بالضرورة ‪.‬‬
‫ولهذا ل يوجد أحد قدح فى نبوته ( ) إل أحد رجلين ‪ :‬إما جاهل ل يعرف صدقه وأمانته وإما‬
‫معاند متبع لهواه وهو عامة من كذبوه فى حياته ‪.‬‬
‫فمن يعرفون النبى ( ) وكذبوه ‪ ،‬وكان تكذيبهم من باب أل تذول رئاستهم أو مكانتهم ‪ ،‬ولذلك لم‬
‫يكن التكذيب لقيام حجة منهم تدل على كذبه ( ) ولكن المكذب مفتر بل علم ول حجة ول برهان ولذلك‬
‫ن‬
‫حدُو َ‬ ‫ت اللّهِ ي َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ن بِآيَا ِ‬ ‫ن الظّال ِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ك َولَـك ِ ّ‬ ‫قال عنهم القرآن فَإِنّهُ ْ‬
‫م ل َ يُكَذ ّبُون َ َ‬
‫)‬ ‫‪(1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫ودلئل النبوة قسمان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬الحالت التى سميت بالرهاصات ‪ ،‬وهى الحوادث الخارقة التى وقعت قبل النبوة ‪ ،‬ووقت‬
‫الولدة‬
‫الثانى ‪ :‬دلئل أخرى تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬الخوارق التى ظهرت بعده ( ) تصديقا لنبوته ‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬الخوارق التى ظهرت فى فترة حياته المباركة ‪ ،‬وهذا أيضا قسمان ‪.‬‬
‫الول ‪ :‬ما ظهر من دلئل النبوة فى شخصه وسيرته وصورته وأخلقه وكمال عقله ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬ما ظهر منها ى أمور خارجة عن ذاته الشريفة ‪ ،‬أى فى الفاق والكون وهذا أيضا قسمان ‪:‬‬
‫قسم معنوى وقرآنى ‪ ،‬وقسم مادى وكونى ‪.‬‬
‫والقسم المادى والكونى قسمان ‪:‬‬
‫القسم الول ‪ :‬المعجزات التى ظهرت خلل فترة الدعوة النبوية ‪ ،‬وهى إما لكسر عناد الكفار ‪ ،‬أو لتقوية‬
‫إيمان المؤمنين كانشقاق القمر ‪ ،‬ونبعان الماء من بين أصابعه الشريفة ‪ ،‬وإشباع الكثير بطعام القليل ‪،‬‬
‫وتكلم الحيوان ‪ ،‬والشجر ‪ ،‬والحجر ‪........‬‬
‫القسم الثانى ‪ :‬الحوادث التى أخبر عنها ( ) قبل وقوعها – بما علمه ال سبحانه – وظهرت تلك الحوادث‬
‫وتكررت كثيرا ‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫إل أن المعجزات الحية الباقية حتى يومنا هذا هى إنجازات الرسول ( ) ‪ ،‬وما أتى من تشريعات‬
‫صالحة لكل زمان ومكان ‪ ،‬وكما قال المستشرق النجليزى يورسورث اسمث ( ‪: ) 1892 – 1815‬‬
‫أن المعجزة الخالدة التى أداها محمد ( ) هى القرآن والحقيقة إنها كذلك ‪ ...‬وإن أعظم ما هو معجزة فى‬
‫محمد نبى السلم أنه لم يّدع القدرة على التيان بالمعجزات وما قال شيئا إل فعله وشاهد منه فى الحال‬
‫أتباعه ‪ ،‬ولم ينسب إليه الصحابة معجزات لم يأتها أو أنكروا مبدأ صدورها منه ‪ ،‬فأى برهان‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أقطع من ذلك ؟‬

‫(‪ )1‬النعام ‪. 33‬‬


‫(‪ )2‬راجع ‪ :‬مكتوبات سعيد النورسى ‪ ،‬المكتوب التاسع عشر عن موقع ‪. saidnur.com‬‬

‫‪-8-‬‬
‫(‪ )3‬الدب فى أسيا ‪ :‬ليورسورث أسمث ( عن محمد فى الدراسات الستشراقية لمحمد الشيبانى ص ‪. ) 130‬‬

‫‪-9-‬‬
‫المبحث الثانى‬
‫دعوة الرسول ( ) حلقة من حلقات الدعوة إلى الله‬
‫إن المة السلمية لها رسالة تدعو إلى ال على بصيرة ‪ ،‬ومنهج دعوتها لها مبادئ وأصول‬
‫وقواعد تحدد المنهج الذى جاء به محمد ( ) والذى لم يخرج عن دعوات النبياء السابقين بل سائرة قى‬
‫َ‬ ‫طريقهم ‪ ،‬متعقبة آثارهم ولذلك يقول سبحانه ‪:‬‬
‫ما‬
‫مآ أد ْ ِري َ‬
‫ل َو َ‬
‫س ِ‬
‫ن الّر ُ‬‫م َ‬‫ت بِدْعا ً ّ‬ ‫ما كُن ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قُ ْ‬
‫) ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ل بي ول َ بك ُم إ َ‬
‫‪(1‬‬
‫ن‬ ‫مآ أنَا ْ إِل ّ نَذِيٌر ّ‬
‫مبِي ٌ‬ ‫ي وَ َ‬‫ى إِل َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫ن أتّبِعُ إِل ّ َ‬
‫ما يُو َ‬ ‫َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫يُفْعَ ُ ِ‬
‫ل كما أخبر بذلك الرسول ( ) من حديث أبى ذر قال ‪ :‬قلت يا رسول ال أى‬
‫فكان آدم نبيا مرس ً‬
‫النبياء كان أول ؟ قال ‪ " :‬آدم ‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ونبى كان قال ‪ " :‬نبى مكلم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫"‬
‫ثم كانت ذريته من بعده دعوتهم جميعا – بما فيها دعوة محمد ( ) – هى السلم بمفهومه العام ‪،‬‬
‫والستسلم ل ‪ ،‬وإخلص العبادة له سبحانه بشقيها الطاعة والنسك ‪ ،‬أو الشرائع والشعائر لم يخالف‬
‫محمد ( ) الرسل والنبياء فى أصل الدعوة إلى ال ‪.‬‬
‫ففى القرآن الكريم جاء التعبير عن الرسالت جميعا بأنها كتاب واحد ‪:‬‬
‫)‬ ‫‪(3‬‬
‫ختَلَفُوا ْ فِيهِ‬‫ما ا ْ‬ ‫س فِي َ‬ ‫ن النّا ِ‬ ‫م بَي ْ َ‬‫حك ُ َ‬ ‫حقّ لِي َ ْ‬ ‫ب بِال ْ َ‬‫م الْكِتَا َ‬ ‫معَهُ ُ‬‫ل َ‬ ‫قال سبحانه ‪ :‬وَأَنَز َ‬
‫ف الّذي ُ‬ ‫وقال سبحانه ‪:‬‬
‫د‬
‫من بَعْ ِ‬ ‫ب إِل ّ ِ‬‫ن أوتُوا ْ الْكِتَا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ختَل َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م َو َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ه ال ِ ْ‬ ‫عند َ الل ّ ِ‬‫ن ِ‬ ‫ن الدّي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫)‬ ‫‪(4‬‬
‫ب‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ع ال ْ ِ‬
‫سرِي ُ‬ ‫ن اللّهِ َ‬ ‫ه فَإ ِ ّ‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫من يَكْفُْر بِآيَا ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م بَغْيا ً بَيْنَهُ ْ‬‫م الْعِل ْ ُ‬
‫جآ َءهُ ُ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫وقال سبحانه ‪:‬‬
‫ط‬‫س ِ‬ ‫س بِال ْ ِق ْ‬ ‫م النّا ُ‬ ‫ن لِيَقُو َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫وَأنَزلْنَا َ‬
‫)‬ ‫‪(5‬‬

‫فليس هناك تعدد أديان ولكن تعدد رسالت ‪ ،‬ولذلك لما كذب قوم نوح نبيهم قال ال تعالى فى شأنهم ‪:‬‬
‫ن ‪ ) (6‬فقوم نوح لم يكذبوا إل نبيهم نوح – عليه السلم – ولكن‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬‫م نُوٍح ال ْ ُ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫كَذ ّب َ ْ‬
‫(‪)7‬‬
‫القرآن اعتبر تكذيبهم لنوح تكذيبا للرسل جميعا ‪.‬‬
‫ل َربّنَا‬ ‫عي ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت وَإ ِ ْ‬ ‫ن الْبَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عد َ ِ‬‫َوا ِ‬‫م الْق َ‬ ‫وهو دين إبراهيم – عليه السلم ‪ : -‬وَإِذ ْ يَْرفَعُ إِبَْراهِي ُ‬
‫ُ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ل منآ إن َ َ‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ً‬ ‫من ذُّريّتِنَآ أ ّ‬ ‫ك َو ِ‬ ‫مي ْ )ِ‬
‫سل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫جعَلْنَا ُ‬ ‫َربّنَا َوا ْ‬ ‫ميعُ الْعَلِي ُ‬
‫م‬ ‫س ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ك أن َ‬ ‫تَقَب ّ ْ ِ ّ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫لّ َ َ‬
‫‪(8‬‬
‫م‬
‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫ت التّوّا ُ‬ ‫ك أن َ‬ ‫ب عَليْنَآ إِن ّ َ‬ ‫سكَنَا وَت ُ ْ‬ ‫منَا ِ‬ ‫ك وَأرِنَا َ‬
‫ى‬
‫صطفَ َ‬
‫ها ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ي إِ ّ‬ ‫ب يَابَن ِ ّ‬ ‫م بَنِيهِ وَيَعْقُو ُ‬ ‫ى بِهَآ إِبَْراهِي ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ودين يعقوب وبنيه من بعده ‪ :‬وَوَ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫موْ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ضَر يَعْقُو َ‬ ‫ح َ‬ ‫شهَدَآ َء إِذ ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م كُنت ُ ْ‬ ‫أ ْ‬ ‫ن‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن إَل ّ وَأنْتُم ّ‬ ‫موت ُ ّ‬‫ن فَل َ ت َ ُ‬ ‫م الدّي َ‬ ‫لَك ُ ُ‬
‫عي َ‬
‫ل‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ك إِبَْراهِي َ‬ ‫ك وَإِلَـ َ‬
‫ه آبَائ ِ َ‬ ‫من بَعْدِي قَالُوا ْ نَعْبُد ُ إِلَـهَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما تَعْبُدُو َ‬ ‫إِذ ْ قَا َ‬
‫ل لِبَنِيهِ َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬‫ح ُ‬ ‫حدا ً وَن َ ْ‬‫حاقَ إِلَـها ً وَا ِ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫س َ‬
‫)‬ ‫‪(9‬‬

‫(‪ )4‬آل عمران ‪ )5( 19‬الحديد ‪( 25‬‬ ‫(‪ )3‬البقرة ‪213‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أحمد فى " المسند " ح ‪20566‬‬ ‫(‪ )1‬الحقاف ‪9‬‬
‫(‪ )7‬راجع ‪ :‬مفاهيم أساسية لدراسة السيرة النبوية لمحمد جلل القصاص ص ‪ ،15‬موقع صيد الفؤاد اللكترونى ‪.‬‬ ‫‪ )6‬الشعراء ‪105‬‬
‫(‪ )9‬البقرة ‪133 ، 132‬‬ ‫(‪ )8‬البقرة ‪128 ، 127‬‬
‫ن‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬ ‫م بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكّلُوَا ْ إِن كُنتُم ّ‬
‫م ْ‬ ‫منت ُ ْ‬ ‫ى يَقَوْم ِ إِن كُنت ُ ْ‬
‫مآ َ‬ ‫س َ‬
‫مو َ‬ ‫وَقَا َ‬
‫ل ُ‬ ‫ودين موسى ‪:‬‬
‫)‬ ‫‪(1‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫ي إِلَى اللّهِ قَا َ‬ ‫لم َ‬ ‫َ‬ ‫ودين عيسى ‪:‬‬
‫ل‬ ‫صارِ َ‬ ‫ن أن َ‬‫م الْكُفَْر قَا َ َ ْ‬ ‫منْهُ ُ‬
‫ى ِ‬‫س َ‬ ‫عي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫مآ أ َ‬‫فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫منّا بِاللّهِ وَا ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫شهَد ْ بِأنّا ُ‬ ‫صاُر اللّهِ آ َ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ح ُ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حوَارِيّو َ‬
‫)‬ ‫‪(2‬‬

‫ولذلك يقول الرسول ( ) من منطلق أن الدين واحد والدعوة واحدة وإن تعددت الرسالت ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬ليس بينى وبينه نبى "‬ ‫(‪)3‬‬
‫" أنا أولى الناس بابن مريم ‪ ،‬والنبياء أولد علت‬
‫وفى رواية لمسلم ‪ " :‬أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فى الولى والخرة ‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫كيف يا رسول الله ؟ قال ‪ :‬النبياء إخوة من علت ‪ ،‬وأمهاتهم شتى ‪ ،‬ودينهم‬
‫واحد ‪ ،‬ليس بيننا نبى " فكانت رسالة النبياء جميعا السلم الذى يخاطب الفطرة السليمة بالحجة‬
‫ض كُلّهُ ْ‬
‫م‬ ‫من فِي الْر ِ‬
‫ن َ‬ ‫ك لَ َ‬
‫م َ‬ ‫شآءَ َرب ّ َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫و َ‬ ‫والبرهان ‪ ،‬دون سلطان يجبر الناس على اليمان‬
‫ن ‪ ) (5‬فمن اتبع الهدى كان من المفلحين ‪ ،‬ومن‬ ‫َ َ‬
‫منِي َ‬ ‫ى يَكُونُوا ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫حت ّ َ‬
‫س َ‬ ‫ميعا ً أفَأن َ‬
‫ت تُكْرِهُ النّا َ‬ ‫ج ِ‬
‫َ‬
‫أعرض كان عليه تبعة إعراضه ‪.‬‬
‫ومحمد ( ) لم يكن فى حاجة إلى السنان بل إلى البيان بكلمات هادئة وطيبة ولكنها قذائف حق‬
‫ف‬ ‫بَ ْ‬
‫ل نَقْذِ ُ‬ ‫أشد أثرا وتأثيرا من ضربات السيف تسقط معها حجج المكذبين ‪ ،‬وشبهات المفترين‬
‫ثم بعد ذلك‬ ‫)‬ ‫‪(6‬‬
‫ن‬
‫صفُو َ‬
‫ما ت َ ِ‬
‫م ّ‬ ‫م الْوَي ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫و َزاهِقٌ َولَك ُ ُ‬
‫ه فَإِذ َا هُ َ‬ ‫ل فَيَد ْ َ‬
‫مغُ ُ‬ ‫ق عَلَى الْبَاط ِ ِ‬ ‫ح ّ‬‫بِال ْ َ‬
‫وَلَوْ َ‬
‫شآءَ‬ ‫شآ َء فَلْيَكْفُْر ‪ ) (7‬وهذه إرادة ال الخالق فى خلقه‬ ‫من َ‬ ‫من وَ َ‬ ‫شآءَ فَلْيُؤْ ِ‬‫من َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫معِي َ‬ ‫ج َ‬
‫مأ ْ‬ ‫لَهَدَاك ُ ْ‬
‫)‬ ‫‪(8‬‬

‫(‪ )3‬أولد علت ‪ :‬الخوة للب غير الضرائر‬ ‫(‪ )2‬آل عمران ‪52‬‬ ‫(‪ )1‬يونس ‪. 84‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخارى ح ‪ ، 3443‬ومسلم ح ‪ )5( 2368‬يونس ‪. 99‬‬
‫(‪ )8‬النعام ‪. 149‬‬ ‫(‪ )7‬الكهف ‪29‬‬ ‫(‪ )6‬النبياء ‪18‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫الله يؤيد الصادق ويمكن له‬
‫إن من سنن ال تعالى أنه يملى للظالم فإذا أخذه لم يفلته ‪ ،‬فال تعالى ل يحب الظالمين ‪ ،‬ول يحب‬
‫)‬ ‫‪(1‬‬
‫ن‬
‫سدِي َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مفْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ح عَ َ‬ ‫ه ل َيُ ْ‬
‫صل ِ ُ‬ ‫الكاذبين ‪ ،‬ول يصلح عمل المفسدين ‪ :‬إ ِ ّ‬
‫ن الل ّ َ‬

‫‪- 11 -‬‬
‫والقرآن الكريم دل على أنه – سبحانه وتعالى – ل يؤيد الكذاب ‪ ،‬بل لبد أن يظهر كذبه وخاصة إذا كان‬
‫يكذب على ال ‪ ،‬وينتقم منه ونذكر من ذلك ‪:‬‬
‫م لَقَطَعْنَا‬
‫ثُ ّ‬ ‫ن‬ ‫ه بِالْي َ ِ‬
‫مي ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫خذ ْنَا ِ‬
‫ل َ‬ ‫ض القَاوِي ِ‬
‫ل‬ ‫ل عَلَيْنَا بَعْ َ‬‫ل ‪ :‬قوله سبحانه ‪ :‬وَلَوْ تَقَوّ َ‬
‫أو ً‬
‫‪.‬‬ ‫ن‬ ‫منه الْوتِين فَما منك ُم م َ‬
‫جزِي َ‬
‫حا ِ‬
‫ه َ‬‫حدٍ عَن ْ ُ‬‫نأ َ‬
‫)‬
‫َ ِ ْ ّ ْ‬ ‫ِ ْ ُ َ َ‬
‫‪(2‬‬

‫فال تعالى يذكرهم بأن هذا النبى ( ) لو كان كاذبا لم يمكن له فى الرض ‪ ،‬ول ينصر على‬
‫العداء ‪ ،‬وهذه أدلة عقلية تخاطب العقول إن كانت تعى ! فكيف يمكن ال لمن كذب عليه ؟ وكيف ينصر‬
‫ال من زعم أن ال أرسله ؟ أى ‪ :‬لو كان كاذبا على ال لقصمه ولم يمكن له ولم ينصره ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫َ‬
‫ى قَلْب ِ َ‬
‫ك‬ ‫خت ِ ْ َ‬
‫م عَل َ‬ ‫شإ ِ الل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫رى عَلَى اللّهِ كَذِبا ً فَإِن ي َ َ‬ ‫ن افْت َ َ َ‬ ‫م يَقُولُو َ‬‫ثانيا ‪ :‬قوله سبحانه ‪ :‬أ ْ‬
‫صدُورِ ‪. ) (4‬‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م بِذ َا ِ‬‫ه عَلِي ٌ‬ ‫حقّ بِكَل ِ َ‬
‫ماتِهِ إِن ّ ُ‬ ‫حقّ ال ْ َ‬ ‫ه الْبَاط ِ َ‬
‫ل وَي ُ ِ‬ ‫ح الل ّ ُ‬
‫م ُ‬
‫وَي َ ْ‬
‫يقول المام ابن تيمية فى " النبوات " ‪ :‬قد بين – ال تعالى – أنه لبد أن يمحو الباطل ن ويحق‬
‫الحق بكلماته ‪ ،‬فإنه إذ أنزل كلماته دل بها على أنه نبى صادق إذا كانت آية له ‪ ،‬وبين بها الحق من‬
‫الباطل ‪ ،‬وهو أيضا يحق الحق ويبطل الباطل بكلماته التى تكون بها الشياء ‪ ،‬فيحق الحق بما يظهره من‬
‫اليات ‪ ،‬وما ينصر به أهل الحق كما تقدمت كلمته بذلك ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫ح‬
‫م يُو َ‬ ‫ي وَل َ ْ‬‫ي إِل َ ّ‬
‫ح َ‬‫ل أُوْ ِ‬ ‫رى عَلَى اللّهِ كَذِبا ً أ َ ْو قَا َ‬
‫ن افْت َ َ َ‬
‫م ِ‬
‫م ّ‬
‫م ِ‬
‫وم َ‬
‫ن أظْل َ ُ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ثالثا ‪ :‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫ه‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫مآ أَنَز َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل ِ‬ ‫سأُنزِ ُ‬ ‫َ‬ ‫من قَا َ‬
‫ل‬ ‫يءٌ َو َ‬ ‫إِلَيْهِ َ‬
‫ش ْ‬
‫‪)(6‬‬

‫فهذا يقتضى أن كل ما أنزله ال على أوليائه فهو معجز ‪ ،‬ل يقدر عليه إل ال ‪ ،‬كالتوراة ‪،‬‬
‫والنجيل ‪ ...‬وهذا حق ‪ ،‬فإن فى ذلك من أنباء الغيب ما ل يعلمه إل ال ‪ ،‬وفيه أيضا ‪ :‬من تأييد الرسل‬
‫بذلك فل يقدر على أن يرسل بتلك الرسالة إل ال ‪ ،‬فل يقدر أحد أن يُنزل مثل ما انزل ال على نبيه ‪،‬‬
‫(‪)7‬‬
‫فيكون به مثل الرسول ول أن يرسل به غيره ‪.‬‬
‫وهذا دليل قاطع على صدق دعوته ( ) وبرهان واضح على دليل نبوته لنه إلى الن لم يوجد‬
‫أحد أوحى إليه إل محمد ( ) بعد عيسى عليه السلم ‪ ،‬ولم يوجد أحد أنزل مثل ما أنزل ال ‪ .‬وإذا جاء‬
‫من يقول ذلك كان من أظلم الناس وأكذبهم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحاقة ‪47 – 44‬‬ ‫(‪ )1‬يونس ‪81‬‬
‫(‪ )3‬راجع ‪ :‬محمد ( ) فى القرآن والسنة لعبد الرحمن السحيم ص ‪ 8‬نقلً من القواعد الحسان للسعدنى ‪.‬‬
‫(‪ ) 7‬النبوات لبن تيمية ص ‪. 320‬‬ ‫(‪ )6‬النعام ‪93‬‬ ‫(‪ )5‬النبوات لبن تيمية ص ‪318‬‬ ‫(‪ )4‬الشورى ‪24‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫الفصـل الول‬
‫من دلئل نبوة رسول الله ( )‬

‫ويشتمل على تمهيد وثلثة مباحث ‪:‬‬


‫المبحث الول ‪ :‬الرهاصات ‪.‬‬
‫المبحث الثانى ‪ :‬إخباره ( ) بغيوب كثيرة وقعت كما أخبر عنها‬
‫عن الله تعالى ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬عظمة محمد ( ) ‪.‬‬
‫والتى تتمثل فى ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن الرسول ( ) عند معاصريه ذو عزم صادق ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تمتعه بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة‬
‫‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬نجاحه ( ) فيما جاء به وله ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬أن محمدا ً ( ) جاء بمنهج دائم للعالم كافة " القرآن‬
‫الكريم " ‪.‬‬

‫تمهيد ‪:‬‬
‫إن رسالة الرسول ( ) ليست فى حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها بحيث إن لم يوجد الدليل‬
‫الخارجى بطلت هذه الرسالة – وحاشى ل أن تكون كذلك – لن هذه الرسالة العظيمة الخالدة دليلها فيها ‪،‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫فهى حقيقة قائمة بذاتها غنية عما سواها ‪ ،‬خالدة وصالحة ومصلحة لكل زمان ومكان ‪ ،‬وباقية أبد الدهر‬
‫وهذا دليل صدقها ‪ .‬فكل النبياء مضوا ولم يبق من أدلة صدقهم إل ما جاء فى " القرآن الكريم " حيث‬
‫شهد لهم بالرسالة والصدق والوفاء وأنهم أنبياء ال المكرمون ‪.‬‬
‫فل يظن ظان أننا حين نتحدث عن دلئل النبوة لمحمد ( ) ‪ ،‬أننا نبحث عن أدلة نحن فى حاجة‬
‫إليها لثبات صدقه ( ) وصدق رسالته ولكننا نقيم الحجة على من ينكر رسالته ونضع بين يديه أدلة مما‬
‫ألفها وعرفها وقرأ عنها بل ويعيش واقعها ‪.‬‬
‫ومن هذه الدلة ‪ :‬الرهاصات ‪ ،‬وإخباره ( ) بغيوب كثيرة وقعت كما أخبر بها عن ال تعالى ‪،‬‬
‫ثم عظمته ( ) المتمثلة فى أنه كان ذو عزم صادق عند معاصريه مما دعا أهل العقول الراجحة لليمان‬
‫به ‪ ،‬وتمتعه ( ) بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة ‪ ،‬ونجاحه فى تحقيق ما جاء به من‬
‫رسالة ‪ ،‬وإتيانه بمنهج وشريعة تصلح لكل زمان ومكان دائمة إلى أن يرث ال الرض ومن عليها وهذا‬
‫المنهج هو " القرآن الكريم " ‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫الرهــــاصــــــــات‬
‫والرهاصات هى الحوادث الخارقة للرسول ( ) سواء قبل مولده " عهد الفترة " ‪ ،‬أو عند مولده‬
‫أو فى طفولته ( ) أو ما أخبرت به الكتب القديمة عن مجيئه وأوصافه ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬إرهاصات " عهد الفترة " ‪:‬‬
‫وتتمثل هذه الفترة بإخبار الكهان عن مجيئه ( ) فقد أعلنوا عنه أمام المل ‪ ،‬وتركوا أخبارهم لنا‬
‫(‪)1‬‬
‫فى أشعارهم وسيرهم ‪ .‬ومن هذه الخبار ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما رآه الملك تبع – من ملوك اليمن – من أوصاف الرسول ( ) فى الكتب القديمة ‪ ،‬وأعلن به شعرا‬
‫يقول فيه ‪ :‬شهدت على أحمد أنه رسول ال بارى النسم‬
‫فلو ُمدّ عمرى إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم‬
‫‪ -2‬ما رآه سيف بن ذى يزن – أحد ملوك اليمن – فى الكتب السابقة من أوصاف الرسول ( ) وآمن به‬
‫واشتاق إليه ‪ ،‬وعندما ذهب جد النبى ( ) – عبد المطلب – إلى اليمن مع قافلة قريش دعاهم الملك وقال‬
‫لهم ‪ :‬إذا ولد بتهامة – أى الحجاز – ولد بين كتفيه شامة كانت له المامة وإنك عبد المطلب جده ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫(‪ )1‬راجع مكتوب سعيد النورسى – المكتوب التاسع عشر – عن موقع ‪www.saidnur.com‬‬

‫‪ -3‬الرؤيا التى رأها كسرى – ملك الفرس – من انشقاق شرفات إيوانه الربعة عشر وسقوطها فبعث‬
‫عن حكمة هذه الرؤيا ‪ ،‬فأرسل إلى كسرى كلما معناه ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫عالما اسمه " مويزان " ليسأل الكاهن سطيحا‬
‫سيحكم فيكم أربعة عشر ملكا ثم ستمحى سلطتكم وتزال دولتكم وسيأتى من يظهر دينا جديدا ‪ ،‬فيكون سببا‬
‫فى زوال دينكم ودولتكم ‪.‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬اليات والحوادث التى ظهرت عند مولده وفى طفولته ( ) ‪:‬‬
‫والتى يعد كل منها معجزة من معجزاته ( ) وهى كثيرة نورد منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما رأته أمه من النور الذى خرج معه عند ولدته ‪:‬‬
‫عن العرباص بن سارية صاحب رسول ال ( ) أنه قال ‪ :‬سمعت رسول ال ( ) يقول ‪:‬‬
‫" إنى عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل فى طينتة وسأخبركم بتأويل‬
‫ذلك ‪ .‬أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ‪ ،‬ورؤيا أمى التى رأت حين وضعت‬
‫(‪)2‬‬
‫نورا ً أضاءت له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين "‬
‫يقول المام البيهقى ‪ :‬وقوله إنى عبد ال وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل فى طينتة يريد به أنه كان‬
‫كذلك فى قضاء ال وتقديره قبل أن يكون أبو البشر وأول النبياء ( ) ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬دعوة إبراهيم ‪ .‬يريد به أن إبراهيم لما أخذ فى بناء البيت دعا ال تعالى أن يجعل ذلك‬
‫ث‬
‫َربّنَا وَابْعَ ْ‬ ‫البلد آمنا ويجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ويرزقهم من الثمرات والطيبات ثم قال ‪:‬‬
‫ة ويزكّيهم إن َ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬
‫ت‬‫ك أن َ‬ ‫م َ َ َُ ِ ْ ِّ‬‫حك ْ َ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫ك وَيُعَل ّ ُ‬
‫مهُ ُ‬ ‫م يَتْلُوا ْ عَلَيْهِ ْ‬
‫م آيَات ِ َ‬ ‫سول ً ّ‬
‫منْهُ ْ‬ ‫م َر ُ‬
‫فِيهِ ْ‬
‫م ‪ ) (3‬فاستجاب له ال دعاءه فى نبينا وجعله الرسول الذى سأله إبراهيم ودعاه أن‬ ‫حكِي ُ‬
‫العَزِيُز ال َ‬
‫يبعثه فى أهل مكة ولذلك قال الرسول ( ) أنا دعوة إبراهيم ‪.‬‬
‫وأما قوله ‪ " :‬بشارة عيسى عليه السلم " فهو أن ال تعالى أمر عيسى فبشر به قومه بنو إسرائيل‬
‫صدّقاً‬
‫م َ‬‫ل اللّهِ إِلَيْكُم ّ‬‫سو ُ‬‫ل إِنّي َر ُ‬‫سَرائِي َ‬
‫م يَبَنِي إ ِ ْ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬‫قبل أن يخلق وَإِذ ْ قَا َ‬
‫شرا ً برسول يأْتِي من بعدي اسم َ‬
‫جاءَهُم‬
‫ما َ‬‫مد ُ فَل َ ّ‬
‫ح َ‬
‫هأ ْ‬‫ْ ُ ُ‬ ‫ِ َْ ِ‬ ‫َِ ُ ٍ َ‬ ‫مب َ ّ‬
‫ن التّوَْراةِ وَ ُ‬‫م َ‬ ‫ن يَدَيّ ِ‬ ‫لّ َ‬
‫ما بَي ْ َ‬
‫ن‬
‫مبِي ٌ‬
‫حٌر ّ‬
‫س ْ‬ ‫‪.‬‬
‫ت قَالُوا ْ هَـذ َا ِ‬
‫)‬ ‫‪(4‬‬
‫بِالْبَيّنَا ِ‬
‫وأما قوله ‪ " :‬ورؤيا أمى التى رأت " ‪ :‬كانت آمنة بنت وهب أم رسول ال ( ) تحدث أنها أُتيت‬
‫حين حملت بمحمد فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه المة فإذا وقع إلى الرض فقولى ‪ :‬أعيذه بالواحد‬
‫الحد من شر كل حاسد من كل بر عاهد وكل عبد رائد يرود غير رائد فإنه عبد الحميد الماجد حتى أراه‬
‫قد أتى المشاهد ‪ .‬قال آية ذلك أن يخرج معه نور يمل قصور بصرى من أرض الشام فإذا وقع فسميه‬
‫محمدا فإن اسمه فى التوراة أحمد يحمده أهل السماء وأهل الرض واسمه فى النجيل أحمد يحمده أهل‬
‫(‪)5‬‬
‫السماء وأهل الرض واسمه فى الفرقان محمد فسميه بذلك ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سطيح ‪ :‬كان كاهنا بالشام ‪ ،‬وقيل أنه كان أعجوبة من العجائب حيث كان جسدا ل جوارح له ‪ ،‬ول عظم فيه إل الرأس ‪ ،‬ووجهه‬
‫فى صدره ‪ ،‬وقد عاش كثيرا واشتهرت أخباره ‪ -‬غالبا – بالصدق ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬البزار والطبرانى ‪.‬‬
‫(‪ )3‬البقرة ‪ -‬الية‪129 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة‪ :‬الصف ‪ -‬الية‪6 :‬‬
‫(‪ )5‬راجع ‪ :‬دلئل النبوة ‪ ،‬للبيهقى ‪.‬‬
‫‪ -2‬غيض بحيرة ساوة التى كانت تُقدس ‪ ،‬وخمود نار فارس وكان لها ألف عام لم تخمد حيث كانت توقد‬
‫فى اصطخرأباد ويعبدها المجوس ‪.‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫‪ -3‬اضطراب اليهود لولدته ‪ :‬ففى رواية عائشة ( رضى ال عنها ) أنها قالت ‪ :‬كان يهودى قد سكن‬
‫بمكة فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول ال ( ) قال ‪ :‬يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ قالوا‬
‫‪ :‬ل نعلم ‪ .‬قال ‪ :‬انظروا فإنه ولد فى هذه الليلة نبى هذه المة بين كتفيه علمة ‪ .‬فانصرفوا فسألوا فقيل‬
‫لهم قد ولد لعبد المطلب غلما فذهب اليهودى معهم إلى أمه فأخرجته لهم فلما رأى اليهودى العلمة خر‬
‫مغشيا عليه وقال ‪ :‬ذهبت النبوة من بنى إسرائيل ‪ .‬يا معشر قريش أما وال ليسطون بكم سطوة يخرج‬
‫(‪)1‬‬
‫خبرها من المشرق والمغرب ‪.‬‬
‫‪ -4‬حادثة الفيل التى حكى عنها القرآن الكريم ‪ .‬وهى لم تكن من حوادث ليلة مولده ( ) ولكنها كانت فى‬
‫العام الذى ولد فيه محمد ( ) ‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك من اليات والمعجزات التى صاحبته فى طولته منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬إظلل ال له بالغمام فى سفره مع ميسرة فى تجارة خديجة (رضى ال عنها ) إلى الشام ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه كان إذا أكل مع عمه أبو طالب وآله شبعوا ورووا ‪ ،‬وإذا غاب فأكلوا فى غيبته لم يشبعوا ‪ .‬وقالت‬
‫أم أيمن ( رضى ال عنها ) حاضنته ومولته ‪ :‬ما رأيته شكى جوعا ول عطشا صغيرا ول كبيرا‪.‬‬
‫‪ -3‬البركة التى حصلت لل بيت " حليمة السعدية " مرضعة الرسول ( ) ‪ .‬وهى حادثة مشهورة ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬ما أخبرت به الكتب القديمة عن مجيئه وأوصافه ( ) ‪:‬‬


‫‪ -1‬اعتراف بحيرا الراهب بأوصافه ( ) عندما ذهب محمد ( ) مع عمه أبى طالب إلى الشام وهو ابن‬
‫اثنى عشر عام ‪ ،‬فصنع بحيرا طعاما لقريش ‪ ،‬ثم نظر وإذا بالغمامة التى تظل القافلة باقية فى مكانها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فالذى أريده إذا مازال باقيا هناك فأرسل إليه من يأتى به ( ) ‪ .‬وقال لعمه أبى طالب ‪ :‬عد به إلى‬
‫مكة ‪ ،‬فاليهود حساد يكيدون له ‪ ،‬فإنا نجد أوصافه فى التوراة ‪.‬‬
‫‪ -2‬ما رواه البخارى من طريق عطاء بن يسار قال ‪ :‬لقيت عبد ال بن عمرو بن العاص قلت ‪ :‬أخبرنى‬
‫عن صفة رسول ال ( ) فى التوراة ‪ .‬قال ‪ ":‬أجل وال إنه لموصوف فى التوراة ببعض صفته فى‬
‫القرآن ‪ :‬يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للميين ‪ ،‬أنت عبدى ورسولى ‪ ،‬سميتك‬
‫المتوكل ‪ ،‬ليس بفظ ول غليظ ول سخاب فى السواق ‪ ،‬ول يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ‪ ،‬ولن‬
‫يقبضه ال حتى يقيم به الملة العوجاء ‪ ،‬بأن يقولوا ل اله إل ال ‪ ،‬ويفتح بها أعينا عميا ‪ ،‬وآذانا صُما ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقولوبا غلفا "‬
‫وإذا كانت رسالة الرسول ( ) دليل صدقها فيها ‪ -‬لنها مستمدة من رب العالمين سبحانه وتعالى – فإن‬
‫وجود البشارات فى الكتب السابقة لدليل يقيم الحجة على من أنكر هذه الرسالة ‪ ،‬فقد تعددت البشارات‬
‫بمحمد ( ) رسول السلم فى التوراة والنجيل ‪ ،‬ولكن أصحابها أزالوا عنها كل معنى صريح ‪ ،‬وصيروا‬
‫نصوصا‬
‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم فى المستدرك عن عائشة ( رضى ال عنها ) وحسنه ابن حجر ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخارى ى كتاب البيوع ح ‪. 2125‬‬
‫احتمالية تسمح لهم بصرفها عنه ( ) ومع هذا فقد بقيت بعد تعديلها وتحريفها قوية الدلة على معناها‬
‫(‪)1‬‬
‫الصلى من حملها على رسول ال ( ) لن حملها على غيره متعذر أو متعسر أو محال ‪.‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫بشارات العهد القديم ‪:‬‬
‫والعهد القديم الذى يؤمن به اليهود والنصارى على أنه كلم ال ‪ ،‬أما العهد الجديد فهو الذى يؤمن‬
‫به النصارى وحدهم على أنه كلم ال ‪.‬‬
‫والعهد القديم أو ما يسمى بـ " الكتاب المقدس " عبارة عن موسوعة تضم أسفارا أصغر تبلغ ستا‬
‫وستين منها ‪ :‬سفر التكوين ‪ ،‬والخروج ‪ ،‬والعدد ‪ ،‬والتثنية ‪ ،‬وأشعياء ‪ ....‬وغيرها ‪.‬‬
‫ففى سفر أشعياء وردت رواية بدء الوحى على محمد ( ) الذى يقول ‪ " :‬فى الكتاب المنزل إليه ‪،‬‬
‫المى ‪ ،‬قل ‪ :‬اقرأ يقول ‪ :‬ما أنا بقارئ " أو يدفع الكتاب لمن ل يعرف الكتابة ويقال له اقرأ هذا فيقول ل‬
‫(‪)2‬‬
‫أعرف الكتابة ‪.‬‬
‫وفى كتاب التثنية ( ‪ ) 18 : 18‬الذى يقول ‪ " :‬أقيم لهم نبيا من وسط أخوتهم مثلك واجعل كلمى‬
‫فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيهم به " وهذا يؤكد قوله تعالى ‪ :‬قُ ْ َ َ‬
‫عندِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫م إِن كَا َ‬
‫ل أَرأيْت ُ ْ‬
‫مثْلِهِ ‪. ) (3) (4‬‬
‫ى ِ‬ ‫سَرائِي َ َ‬
‫ل عَل َ‬ ‫ي إِ ْ‬
‫من بَن ِ َ‬ ‫شهِد َ َ‬
‫شاهِد ٌ ّ‬ ‫وَكَفَْرت ُ ْ‬
‫م بِهِ وَ َ‬
‫وورد فى سفر التثنية أيضا ‪ :‬الصحاح (‪ )133‬الفقرات ( ‪ " : ) 2 -1‬وهذه هى البركة التى‬
‫بارك بها موسى رجل ال بنى إسرائيل قبل موته " فقال ‪ " :‬جاء الرب من سيناء ‪ ،‬وأشرق لهم من ساعير‬
‫‪ ،‬وتلل من جبل فاران " ‪.‬‬
‫وفى هذا النص إشارة إلى ثلث نبوات ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬نبوة موسى عليه السلم التى تلقاها على جبل سيناء ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬نبوة عيسى عليه السلم وساعير هى قرية مجاورة لبيت المقدس ‪ ،‬حيث تلقى عيسى أمر رسالته‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬نبوة محمد ( ) وجبل فاران هو المكان الذى تلقى فيه محمد ( ) أول ما نزل عليه من الوحى ‪،‬‬
‫وفاران هى مكة المكرمة مولد ونشأة الرسول ( ) ‪ ،‬وجبل فاران هو جبل " النور " الذى به غار حراء‬
‫الذى تلقى فيه الرسول ( ) بدء الوحى ‪.‬‬
‫وترتيب الحداث الثلثة فى العبارة المذكورة ‪ :‬جاء من سيناء ‪ ،‬وأشرق من ساعير ‪ ،‬وتلل من فاران‬
‫‪.‬‬ ‫)‬
‫هذا الترتيب الزمنى دليل على أن " تلل من فاران " تبشير قطعى برسول ال (‪) (5‬‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬حقائق السلم فى مواجهة شبهات المشككين ‪ ،‬الشبهة الثانية والربعون ص ‪ ، 312‬المجلس العلى للشئون السلمية ‪ .‬مصر ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أشعياء فصل ‪ ، 29‬النص ‪ 12‬ترجمة دار الكتاب المقدس فى الشرق الوسط ‪1987‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة‪ :‬الحقاف ‪ -‬الية‪.10 :‬‬
‫(‪ )4‬محمد ( ) المثال السمى ‪ ،‬لحمد ديدات ص ‪ 80‬ترجمة محمد مختار ‪.‬‬
‫(‪ )5‬حقائق السلم فى مواجهة شبهات المشككين ص ‪. 322 – 321‬‬
‫وفى الفصل الحادى عشر من سفر التثنية أن موسى عليه السلم قال لبنى إسرائيل ‪ " :‬إن الرب‬
‫إلهكم يقيم نبيا مثلى من بينكم ‪ ،‬ومن إخوتكم فاسمعوا له " وقد ورد فى هذا الصحاح ما يؤكد هذا القول‬
‫ويوضحه وهو قول ال لموسى – حسب ما تروى التوراة ‪ ": -‬أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك ‪،‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫وأجعل كلمى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ‪ ،‬ويكون أن النسان الذى ل يسمع لكلمى الذى يتكلم به‬
‫(‪)1‬‬
‫باسمى أنا أطالبه – أو أنا أنتقم منه "‬
‫‪ -‬وهذه البشارة تنطبق على محمد ( ) من وجوه نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬اليهود مجمعون على أن جميع النبياء الذين كانوا فى بنى إسرائيل من بعد موسى لم يكن فيهم مثله ‪.‬‬
‫والمراد بالمثلية هنا أن يأتى بشرع خاص تتبعه عليه المم من بعده ‪ ،‬وهذه صفة محمد ( ) لنه من‬
‫إخوتهم – أى من العرب – وقد جاء بشريعة ناسخة لجميع الشرائع السابقة ‪ ،‬وتبعته المم عليها ‪ ،‬فهو‬
‫كموسى ‪ ،‬هذا فضلً عن أن لفظه ( من بينهم ) الواردة فى البشارة قد أكدت وحددت الشخص المراد ‪:‬‬
‫فموسى قد جاء بشريعة وكل من جاء من بعده من بنى إسرائيل لم يكن واحد منهم صاحب شريعة وإنما‬
‫كانوا على شريعة موسى عليه السلم حتى عيسى عليه السلم جاء متمما ومعدلً ومجددا الدعوة على‬
‫هدى شريعة موسى ولذلك فل مثلية بين هؤلء النبياء وإنما المثلية تتحقق لصاحب شريعة لها سلطانها‬
‫)‬
‫الخاص بها مثلما كانت لموسى وهى بل شك شريعة السلم وصاحبها محمد (‪) . (2‬‬
‫‪ -2‬أن النص يدل على أن النبى الذى يقيمه ال لبنى إسرائيل ليس من نسلهم ولكنه من إخوتهم فكل نبى‬
‫بعث من بعد موسى كان من بنى إسرائيل وآخرهم عيسى عليه السلم ولم يبق من إخوتهم – أى العرب –‬
‫غير محمد ( ) ‪.‬‬

‫‪ -‬بشارات العهد الجديد ‪:‬‬


‫وبشارات الناجيل والرسائل – العهد الجديد – تعلن أحيانا فى صورة الوعد بملكوت ال وملكوت‬
‫أو الفارقليط أو الباركليت وهى كلمة‬ ‫(‪)3‬‬
‫السماوات ‪ ،‬وأحيانا أخرى بالروح القدس ‪ ،‬ومرات باسم المعزّى‬
‫يونانية تعنى بالعربية أحمد أو محمدا أو محمود فمعناها يدور حول الحمد ومشتقاته المشار إليها ‪.‬‬
‫وكذلك لها من المعانى الخرى فى القواميس كالناصر ‪ ،‬والمنذر ‪ ،‬والداعى ‪ ...‬يذكر يوحنا –‬
‫صاحب رابع الناجيل – بشارات الرسول ( ) فى مواضع متعددة من إنجيله ‪ .‬ومن ذلك ما يرويه عن‬
‫المسيح عليه السلم ‪ " :‬الذى ل يحبنى ل يحفظ كلمى ‪ ،‬والكلم الذى تسمعونه ليس لى بل للب الذى‬
‫أرسلنى ‪ .‬بهذا كلمتكم وأنا عندكم ‪ .‬وأما المعزّى الروح القدس ؛ الذى سيرسله الب باسمى فهو يعلمكم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كل شيء ويذكركم بما قلته لكم‬
‫كما يروى يوحنا قول المسيح مع تلميذه ‪ " :‬إنه خير لكم أن أنطلق ‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم المعزى‬

‫(‪ )1‬سفر التثنية ‪ :‬الصحاح (‪ )18‬الفقرات ( ‪. ) 19 – 18‬‬


‫(‪ )2‬راجع فى ذلك ‪ :‬حقائق السلم فى مواجهة شبهات المشككين ص ‪ ، 327 – 324‬ومحمد ( ) فى العهد القديم لعبد الرحمن السحيم ص ‪9 ، 8‬‬
‫(‪ )4‬الصحاح (‪ )14‬الفقرات ( ‪. ) 26 – 24‬‬ ‫(‪ )3‬المعزى ‪ :‬اسم فاعل من الفعل المضعف العين عزى ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ‪ ،‬ومتى جاء ذلك يبكت العالم على خطية ‪ ،‬وعلى بر وعلى دينونة "‬
‫ويروى كذلك قول المسيح لتلميذه ‪ " :‬وأما إذا جاء روح الحق ‪ ،‬فهو يرشدكم إلى جميع الحق ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫لنه ل يتكلم من نفسه ‪ ،‬بل كل ما يسمع يتكلم به ‪ ،‬ويخبركم بأمور آتية ‪" ...‬‬
‫‪ -‬ومن هذه الروايات يصف المسيح عليه السلم المعزى وهو – محمد ( ) بأوصاف منها ‪:‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫‪ -1‬إنه يعلم الناس كل شىء ‪ .‬وهذا معناه شمول رسالته لكل مقومات الصلح فى الدنيا والدين ‪ .‬وذلك‬
‫هو السلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬إنه يبكت العالم على خطية ‪ ،‬والشاهد هنا كلمة " العالم " وهذا معناه أيضا شمول السلم لكل أجناس‬
‫البشر ‪ ،‬عربا وعجما ‪ ،‬فى كل زمان ومكان ‪ ،‬ولم توصف شريعة بهذا إل السلم ‪.‬‬
‫)‬
‫‪ -3‬إنه يخبر بأمور آتية ‪ ،‬ويذكر بما مضى ‪ ،‬وقد تحقق هذا فى رسالته (‪) . (3‬‬

‫المبحث الثانى‬
‫إخباره ( ) بغيوب كثيرة وقعت كما أخبر بها عن الله تعالى‬
‫إن هناك كثيرا من الخبار الغيبية الصادقة أخبر بها الرسول ( ) لتكون دليلً وبرهانا ومعجزة‬
‫على صدق رسالته ‪ ،‬وأنه ل ينطق عن الهوى ‪ .‬وهذه الغيوب ولجل الوصول إلى إدراك حقيقتها – كما‬
‫يقول بديع الزمان – إدراكا كاملً يجب أن نضع بين يديها أسسا مقدمة لها ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬أن ال تعالى أرسل محمدا بشرا رسولً ليكون بأعماله وحركاته كلها إماما ومرشدا للبشر كافة ‪،‬‬
‫أو ً‬
‫وفى أحوالهم كافة ليحقق لهم بها سعادة الدنيا والخرة ‪ ،‬وليبين لهم خوارق الصنعة الربانية وتصرف‬
‫القدرة اللهية فى المور المعتادة ‪ .‬ولو كان محمدا ( ) فى جميع أحواله وأفعاله خارقا للعادة ‪ ،‬خارجا‬
‫عن طور البشر ‪ ،‬لما تسنى له أن يكون أسوة يقتدى بها ‪ ،‬وما وسعه أن يكون بأفعاله وأحواله وأطواره‬
‫إماما للخرين ؛ لذا ما كان يلجأ إلى إظهار المعجزات إل بين حين وآخر عند الحاجة ‪ ،‬إقرارا لنبوته أمام‬
‫كفر المعاندين ‪ ،‬وكذلك لتثبيت إيمان المؤمنين ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن سر المتحان والتكليف يقتضيان فتح مجال الختيار أمام العقل دون سلب الرادة منه ليسلم من‬
‫أسلم عن بينة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أن الرسول ( ) بشر ولم يخرج عن بشريته وهو مبلغ لرسالة ربه ‪ ،‬وناطق أمين باسم ال تعالى ‪،‬‬
‫ورسالته تستند إلى حقيقة الوحى – سواء الوحى الصريح كالقرآن وبعض الحاديث القدسية من دون أن‬
‫يكون له ( ) تصرف أو تدخل منه ‪ ،‬أو وحى ضمنى يستند إلى الوحى واللهام وتصويره يعود إلى‬
‫الرسول ( ) – ولذلك فهو ل يعلم الغيب ما لم يُعلّمه ال تعالى وما أخبر عنه ( ) من حوادث مستقبلية‬
‫إنما بوحى وإلهام من ال سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الصحاح (‪ )16‬الفقرات ( ‪. ) 8 – 7‬‬


‫(‪ )2‬الصحاح (‪ )16‬الفقرات (‪. )13‬‬
‫(‪ )3‬راجع ‪ :‬حقائق السلم فى مواجهة شبهات المشككين ص ‪ – 337 – 334‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أن قسما من حوادث المستقبل التى أخبر عنها الرسول ( ) هو حوادث كلية ‪ ،‬تتكرر فى أوقات‬
‫مختلفة ‪ ،‬وليس بحادثة جزئية مفردة ‪ .‬فالرسول ( ) قد يخبر عن تلك الحادثة الكلية بصورة جزئية مبينا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بعض حالتها ‪ .‬حيث أن لمثل هذه الحادثة الكلية وجوها كثيرة‬

‫‪- 19 -‬‬
‫والغيوب التى أخبر عنها الرسول ( ) كثيرة منها ما تحقق فى حياته ( ) ‪ ،‬ومنها ما تحقق بعد‬
‫مماته بفترة قصيرة ‪ ،‬ومنها ما يتحقق فى أيامنا ونحن عليها من الشاهدين ‪.‬‬

‫أول ً ‪ :‬ما أخبر عنه الرسول ( ) وتحقق فى حياته ( ) ‪:‬‬


‫‪ -1‬أنه أخبر الفئة المستضعفة بمكة أن دينه سيعم جزيرة العرب ‪.‬‬
‫عن خباب بن الرت ( ) قال ‪ :‬شكونا إلى رسول ال ( ) وهو يومئذ متوسد بردة فى ظل الكعبة‬
‫فقلنا ‪ :‬أل تستنصر لنا ال تبارك وتعالى – أو أل تستنصر لنا ؟ قال ‪ " :‬قد كان الرجل فيمن‬
‫كان قبلكم يؤخذ فيحضر له فى الرض ‪ ،‬فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل‬
‫بنصفه فما يصده ذلك ‪ ،‬والله ليتمن الله عز و جل هذا المر حتى يسير‬
‫الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل الله تعالى ‪ ،‬والذئب على غنمه‬
‫ولكنكم تستعجلون " (‪. )2‬‬
‫وقد وقع ذلك فى حياته ( ) بأن دانت الجزيرة كلها بالسلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬إخباره ( ) بما حدث فى غزوة مؤتة وهى على بعد مسيرة شهر من حدود الشام ‪.‬‬
‫حيث أخبر ( ) عن أحداث المعركة أمام الصحابة قال ‪ " :‬أخذ الراية زيد فأصيب ‪ ،‬ثم‬
‫أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها ابن رواحة فأصيب – وعيناه تزرفان – حتى أخذ‬
‫الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم " (‪ )3‬وبعد مرور بضعة أيام عاد بعلى‬
‫بن منبه من ساحة المعركة وقبل أن يخبر عما جرى هناك بين الرسول ( ) ما دار فى المعركة مفصلً ‪،‬‬
‫فأقسم يعلى وقال ‪ " :‬والذى بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا "‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ما أخبر به ( ) وتحقق بعد وفاته بقليل ‪:‬‬
‫‪ -1‬إخباره بفتح جزيرة العرب ثم فارس ثم الروم ‪.‬‬
‫روى مسلم عن نافع بن عقبة قال ‪ :‬كنا مع رسول ال ( ) فى غزوة قال ‪ :‬فأتى النبى ( ) قوم‬
‫من قبل المغرب عليهم ثياب الصرف فوافقوه عنه أكمة فإنهم لقيام ورسول ال ( ) قاعد ‪ .‬قال ‪ :‬فقالت لى‬
‫نفسى ائتهم فقم بينهم وبينه ل يقتلونه ‪ .‬قال ثم قلت لعله نَجىٌ معهم فآتيهم فقمت بينهم وبينه حفظت منه‬
‫أربع كلمات أعدهن فى يدى قال ‪ " :‬تغزون جزيرة العرب يفتحها الله ‪ ،‬ثم فارس‬
‫(‪)4‬‬
‫فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ‪ ،‬ثم تغزون الدجال فيفتحه الله "‬
‫وكلها بحمد ال وقعت ما عدا الدجال فهو من علمات الساعة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬مكتوبات سعيد النورسى ‪ ،‬المكتوب التاسع عشر عن موقع ‪. saidnur.com‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخارى ح ‪ ، 3612‬وأبو داود ح ‪ ، 2649‬والنسائى ح ‪ ، 5335‬وأحمد فى " مسنده " ( ‪. ) 110 – 109 / 5‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخارى فى كتاب المغازى ح ‪. 4262‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة ح ‪. 2900‬‬
‫‪ -2‬إخباره ( ) عن استشهاد الحسين بكربلء ‪.‬‬
‫عن عبد ال بن نجى عن أبيه ‪ :‬أنه سار مع على ( ) – وكان صاحب مطهرته – فلما حازى "‬
‫نينوى " وهو منطلق إلى حطين فنادى على ‪ :‬اصبر عبد ال بشط الفرات ‪ ،‬قلت ‪ :‬وماذا ؟ قال ‪ :‬دخلت‬

‫‪- 20 -‬‬
‫على النبى ( ) ذات يوم وعيناه تفيضان ‪ ،‬قلت ‪ ،‬يا نبى ال ‪ :‬أغضبك أحد ‪ ،‬ما شأن عينيك تفيضان ؟‬
‫قال ‪ " :‬بل قام من عندى جبريل قبل فحدثنى أن الحسين يقتل بشط الفرات ‪،‬‬
‫قال ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل لك أن أشمك من تربته ؟ قال قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فمد يده – أى‬
‫(‪)1‬‬
‫جبريل – فقبض من تراب فأعاينها فلم أملك عينى أن فاضتا "‬
‫ومن حديث أم سلمة ( رض ال عنها ) قول جبريل للنبى ( ) إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها‬
‫كربلء ‪ ،‬فلما أحيط بحسين حين قتل ‪ ،‬قال ما اسم هذه الرض ؟ قالوا ‪ :‬كربلء ‪ ،‬قال ‪ :‬صدق ال‬
‫(‪)2‬‬
‫ورسوله أرض كرب وبلء ‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه قال لعلى ( ) ستقاتل الناكثين ‪ ،‬والقاسطين ‪ ،‬والمارقين ‪ .‬وبذلك أخبر عن موقعة الجمل ‪،‬‬
‫وصفين وعن الخوارج ‪.‬‬
‫وقال للزبير ( ) ‪ " :‬لتقاتلنه وأنت له ظالم " عندما رآه وعليا يتحابان ‪.‬‬
‫وقال لزواجه الطاهرات ‪ " :‬كيف باحداكن تنبح عليها كلب الحوأب ‪ ،‬يقتل عن يمينها‬
‫وعن يسارها قتلى كثيرة ‪ " ....‬وبعد ثلثين سنة تحققت هذه الحاديث ‪ ،‬وذلك فى موقعة الجمل‬
‫بين على ( ) وعائشة ومعها طلحة والزبير ( ) ‪ .‬كما تحققت وقعة الصفين بين على ومعاوية ‪ .‬وكذلك‬
‫وقعة حروراء ونهروان بين على والخوارج ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إخباره بغيوب تتحقق فى أيامنا ونحن عليها من الشاهدين ‪:‬‬
‫ونذكر من هذه الغيوب ‪:‬‬
‫‪ -1‬تداعى المم على أمة السلم ‪:‬‬
‫عن ثوبان ( ) قال ‪ :‬قال رسول ال ( ) ‪ " :‬يوشك أن تداعى عليكم المم كما‬
‫تداعى الكلة إلى قصعتها " فقال قائل ‪ :‬ومن قلة يؤمئذ ‪ :‬قال " بل أنتم كثير ولكنكم‬
‫غثاء كغثاء السيل ‪ ،‬ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة وليقذفن فى‬
‫(‪)3‬‬
‫قلوبكم الوهن " فقال قائل ‪ :‬وما الوهن ؟ قال ‪ " :‬حب الدنيا وكراهة الموت "‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ -2‬حديثه ( ) عن وقوع الحكم الجبرى‬
‫عن حذيفة ( ) قال ‪ :‬قال رسول ال ( ) ‪ " :‬تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن‬
‫تكون ثم يرفعها الله ثم تكون الخلفة على منهاج النبوة ثم يرفعها الله ثم‬
‫تكون ملكا ً عاضا َ (‪ )5‬فتكون ما شاء الله أن تكون فيرفعها الله ثم تكون خلفة‬
‫(‪)6‬‬
‫على منهاج النبوة " ثم سكت ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أحمد فى " المسند " ( ‪ ، ) 2/265‬الطبرانى فى المعجم الكبير ( ‪) 3/112‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود ح ‪ ،4297‬وأبو نعيم فى الحلية ‪ ،‬واللبانى فى الصحيحة برقم ‪ 958‬وقال ‪ :‬إسناده ل بأس به ‪ ،‬وأحمد فى مسنده (‪. )5/278‬‬
‫(‪ )4‬الحكم الجبرى كما هو مشاهد فى النقلبات العسكرية والحدود السياسية وحكم الشعوب بالحديد والنار‪.‬‬
‫(‪ )5‬الملك العاض ‪ :‬أن يأخذ البن الحكم من أبيه والخ من أخيه ‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أحمد فى مسنده ‪ ،‬وقال الهيثمى فى المجمع ‪ : 5/192‬رواه أحمد والطبرانى ببعضه فى الوسط ورجاله ثقات وذكره اللبانى فى‬
‫الصحيحة رقم ‪. 5‬‬
‫وقد وقع الحكم الجبرى كما أخبر عنه ( ) فى بدايات القرن العشرين وكذلك الملك العاض ‪.‬‬
‫‪ -3‬ظهور السيارات والمركبات والنساء الكاسيات العاريات ‪:‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال ( ) ‪ " :‬يكون فى آخر أمتى رجال يركبون‬
‫على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد ‪ ،‬نساؤهم كاسيات‬
‫عاريات على رؤسهن كأسنمة البخت العجاف ‪ ،‬العنوهن فإنهن ملعونات ‪ ،‬لو‬
‫(‪)1‬‬
‫كان وراءكم أمة من المم خدمهن نساؤكم كما خدمكم نساء المم قبلكم "‬
‫وعند الحاكم " ‪ ...‬يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب المساجد " وهذه المراكب الحديثة التى أخبر عنها‬
‫النبى ( ) مثل السيارات وغيرها ‪ ،‬ووقوف الناس بها على أبواب المساجد فى الصلوات ‪ ،‬وركوب النساء‬
‫الكاسيات العاريات للسيارات ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫عظـمــــــة محمـــــــــد ( )‬
‫إن جوانب العظمة فى شخصية الرسول ( ) ل تكمن فى درجة تأثيره كعظيم فقط ‪ ،‬ولكن فى‬
‫مقوماتها الذاتية ‪ ،‬وعناصرها التى تتكون منها ‪ .‬فكل عظيم ذكره التاريخ لنا إنما يشتهر غالبا فى ميدان‬
‫واحد أو اثنين من ميادين العظمة ‪ ،‬كاشتهار الفاتح بفتوحه ‪ ،‬والشجاع بشجاعته ‪ ،‬والمخترع بفرط ذكائه ‪،‬‬
‫‪ ...‬ولكن أن تجتمع كل دعائم العظمة الشاملة وصفاتها لتكون نموذجا يحتذى للكمال البشرى والحياة‬
‫الصالحة فهذا ل يكون إل لشخص كرسول ال ( ) فهو العظيم فى الشجاعة ‪ ،‬والحرب ‪ ،‬والسلم ‪ ،‬والعدل‬
‫‪ ،‬والصدق ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والحزم ‪ ،‬والحكمة ‪ ،‬والتدبير ‪ ،‬والخلق ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والجود ‪ ،‬والزهد ‪ ،‬والخلص‬
‫‪ ،‬واليثار ‪ ،‬وحب الغير ‪ ،‬والبلغة ‪ ،‬وجوامع الكلم ‪ ،‬والتشريع ‪ ،‬والقضاء ‪ ،‬و ‪ ........‬وبحيث يكون هو‬
‫الشاب المثالى منذ شبابه ‪ ،‬والمين المثالى ‪ ،‬والصادق المثالى ‪ ،‬والتاجر المثالى ‪ ،‬والصديق المثالى ‪،‬‬
‫والزوج المثالى ‪ ،‬والب المثالى ‪ ،‬والقائد المثالى ‪ ،‬والمحارب المثالى ‪ ،‬والمربى المثالى ‪ ،‬و ‪..........‬‬
‫)‬
‫فإن هذه العظمة الشاملة هى فوق مراتب العظماء !! إنها عظمة محمد (‪) . (2‬‬
‫قال أحد المؤرخين‪ :‬يجب أن يحكم بعظمة الرجل من خلل ثلثة اختيارات ‪:‬‬
‫‪-1‬هل كان عند معاصريه ذو عزم صادق ؟‬
‫‪-2‬هل كان من العظمة بحيث يرتفع فوق مستوى من هم فى سنه ؟‬
‫‪-3‬هل ترك شيئا كتراث دائم للعالم كافة ؟‬
‫وإذا نظرنا إلى حالة محمد ( ) العظيم فيمكن أن تمتد هذه القائمة إلى أبعد مدى ‪ ،‬فهذه الخيارات‬
‫تتحقق بوضوح ولعلى درجة فى شخصية الرسول محمد ( ) ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن حبان فى صحيحه ( ‪ ، )1454‬والحاكم فى المستدرك ( ‪ ، ) 4/436‬وأحمد فى مسنده ‪ ، 2/223‬والطبرانى فى الصغير‬
‫‪ ، 127 / 2‬وأورده الهيثمى فى المجمع ‪. 140 / 5‬‬
‫(‪ )2‬راجع ‪ :‬عظمة محمد ( ) خاتم رسل ال لمصطفى الزرقا ص ‪ – 40 – 38‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫وهذا ما جعل مايكل هارث أن يضع الرسول ( ) على رأس قائمة أعظم مائة شخصية ممن‬
‫ظهروا وأثروا فى التاريخ – فى كتابه العظماء مائة – واعتبره أعظم العظماء فى تاريخ البشرية ولقد‬

‫‪- 22 -‬‬
‫وضع – د‪ .‬مصطفى الزرقا – مقاييس صحيحة للشخصية العظيمة ‪ ،‬وأنها تقوم على مقومات ودعائم ‪،‬‬
‫أهمها أربع ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬الصفات النفسية والخلق الشخصية فى الشخص العظيم ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬مدى البداع والسمو فى المبادئ والعمال التى أتى بها ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬مدى كفايته ونجاحه فى تحقيق منهاجه الصلحى ‪ ،‬أى مدى قدرته التنفيذية ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬مدى نجاح العظيم فى تكوين جيل قيادى صالح ‪ ،‬مؤهل لحمل مسئولية المحافظة على المبادئ‬
‫ومتابعة تنفيذها ‪.‬‬
‫هذه المقومات بالضافة إلى الختيارات السابقة تتحقق بجلء ووضوح وسطوع ل ينكره إل معاند‬
‫أو مكابر فى شخصية الرسول ( ) ‪ .‬وإذا جاز لنا أن نعدد بعضا من هذه الصفات فإننا نذكر منها ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬أن النبى ( ) عند معاصريه ذو عزم صادق ‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ثانيا ‪ :‬تمتعه ( ) بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬نجاحه فى تحقيق ما جاء به وله ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أنه ( ) أوتى بمنهج دائم للبشر كافة وهو " القرآن الكريم " ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن النبى ( ) عند معاصريه ذو عزم صادق ‪:‬‬
‫إن معاصرى محمد ( ) – الصدقاء والعداء – اعترفوا بالشمائل النقية والستقامة الخالصة‬
‫والفضائل الكريمة والخلص المطلق والمانة المطلقة لرسول ال ( ) فى جميع مناحى الحياة وفى كل‬
‫مجال النشاط النسانى ‪ ،‬حتى أن اليهود وأولئك الذين لم يؤمنوا برسالته قبلوه حكما فى نزاعاتهم‬
‫الشخصية بسبب ما عرفوه عنه من تحريه عدم التحيز (‪ )2‬وقد سجل القرآن الكريم عليهم هذا الموقف ة‬
‫م اللّهِ ‪ ) (3‬وحتى الذين لم‬
‫حك ْ ُ‬
‫م التّوَْراةُ فِي َها ُ‬ ‫حك ّ ُ‬
‫مون َ َ‬
‫ك َو ِ‬
‫عنْدَهُ ُ‬ ‫قوله سبحانه ‪ :‬وَكَي ْ َ‬
‫ف يُ َ‬
‫يؤمنوا برسالته ويعلمون يقينا أنه أمين وصادق فيما جاء به أعلنوا أنهم ل يتهمونه بالكذب ولكنهم جحدوا‬
‫ن‬ ‫ن الظّال ِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ك وَلَـك ِ ّ‬
‫م ل َ يُكَذ ّبُون َ َ‬ ‫ك الّذِي يَقُولُو َ‬
‫ن فَإِنّهُ ْ‬ ‫ه لَي َ ْ‬
‫حُزن ُ َ‬ ‫قَد ْ نَعْل َ ُ‬
‫م إِن ّ ُ‬ ‫بآيات ال ‪:‬‬
‫ن ‪. ) (4‬‬ ‫حدُو َ‬ ‫ت اللّهِ ي َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫بِآيَا ِ‬
‫وإذا قرأنا سير الولين السابقين إلى السلم لوجدنا المقربين منه ( ) كخديجة ‪ ،‬وأبى بكر ‪،‬‬
‫وعلى ‪ ...‬رضى ال عنهم الذين عرفوه معرفة وثيقة وعرفوا أمانته وصدقه قد صدقوا رسالته وأيقنوا‬
‫بأصالة ما أوحى إليه ‪.‬‬

‫(‪ )1‬عظمة محمد ( ) خاتم رسل ال ص ‪. 10 – 9‬‬


‫(‪ )2‬محمد ( ) المثال السمى ‪ ،‬لحمد ديدات ‪ ،‬ترجمة محمد مختار ص ‪. 38 ، 37‬‬
‫(‪ )3‬المائدة ‪. 43‬‬
‫(‪ )4‬النعام ‪. 33‬‬
‫وها هو الخباب بن الرت جعلوه يرقد على جمر محترق مما جعل جلده ينصهر ‪ ،‬وهذا ياسر يُمزق‬
‫وزوجته سمية تطعن بالحربة ‪ ،‬وخباب بن عدى يُقتل ويمثل بجسده ‪ ،‬وحينما كان يسأل وهو يعذب إذ كان‬

‫‪- 23 -‬‬
‫يرجو لو أن محمدا ( ) كان مكانه وهو – أى خباب – آمن ى بيته وبين أهله ‪ ،‬كان يعلنها صريحة بأنه‬
‫يفتدى محمدا بنفسه وأهله ومن فى الرض لينجى رسول ال ( ) من وخز شوكة حتى ل يشاكها ‪.‬‬
‫يقول – ديدات – معلقا على هذه الحداث ‪ :‬ما السبب فى أن أبناء وبنات السلم هؤلء لم يسلموا‬
‫لنبيهم طاعة وتسليما فحسب ‪ ،‬وإنما جعلوا أجسامهم وقلوبهم وأنفسهم فداه ؟ ألم يكن إيمان أتباع محمد ( )‬
‫(‪)1‬‬
‫المباشرين واقتناعهم الشديد أرفع شهادة على صدقه واستغراقه التام فى المهمة التى كان بها ؟!‬
‫تقول دائرة المعارف البريطانية ‪ " :‬إن محمدا هو الكثر نجاحا وتوفيقا من كل النبياء‬
‫والشخصيات الدينية " وأن هذا النجاح لم يكن نتيجة مصادفة مجردة ‪ .‬لم يكن ثمرة أسقطتها الرياح ‪ .‬لقد‬
‫كان اعترافا بحقيقة أن معاصريه وجدوه ذو عزم صادق ‪ .‬وكان نتيجة لشخصيته التى تدعو إلى العجاب‬
‫(‪)2‬‬
‫وتدفع بشدة إلى النتباه ‪.‬‬
‫إن أول الناس مسارعة إلى تصديقه ( ) واليمان به هم أصحاب العقول الراجحة وأولوا اللباب‬
‫السليمة كخديجة ( رضى ال عنها ) ‪ ،‬وأبى بكر الصديق ( ) و‪ ..........‬وهم الذين عايشوه عن قرب‬
‫‪ .‬وهناك من لم يعرف الرسول ( ) قبل بعثته ولكنهم أهل عقل وحجة لما عملوا من دلئل نبوته ( )‬
‫أمثال أبو زر الغفارى ‪ ،‬وضماد ( ) ‪ .‬ومنهم من آمن به لنهم وجدوه مكتوبا عندهم فى الكتب القديمة‬
‫كعبد ال بن سلم الذى كان على ملة اليهود ‪ ،‬وجرير الرومى الذى كان على ملة النصارى ‪.‬‬

‫‪ -‬إسلم خديجة ‪:‬‬


‫أول من آمن بمحمد ( ) وكان إيمانا عن دليل وبرهان ‪ ،‬لم يكن مجرد تقليد وإتباع لزوج ‪ .‬فقد‬
‫عرفت فيه الصدق والمانة وصلة الرحم وحسن الخلق والرحمة بالخلق ومثله ل يخزيه ال أبدا ‪ .‬ولقد‬
‫برهنت على ذلك أن رسول ال ( ) كان يتمتع بأخلق كثيرة ذكرت منها الخلق الساسية التى لمستها‬
‫عن قرب خلل خمسة عشر عاما قضتها فى كنفه الشريف ( ) ‪ .‬وهذه الخلق لو توفرت فى إنسان‬
‫كمحمد ( ) لن يخزيه ال أبدا لقد قالت له ‪:‬‬
‫‪ -3‬وتكسب المعدوم ‪.‬‬ ‫‪ -2‬وتحمل الكل ‪.‬‬ ‫‪ -1‬إنك لتصل الرحم ‪.‬‬
‫‪ -5‬وتعين على نوائب الدهر ‪.‬‬ ‫‪ -4‬وتقرى الضيف ‪.‬‬
‫إنها الخلق الساسية لكل داعية إلى ال تعالى ‪ ،‬وعلمة صدق لرجل حمل المانة ‪ :‬أمانة‬
‫الدعوة وبلغها إلى العالمين ‪.‬‬
‫وعندما انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ‪ ،‬وكان أمرءا تنصر فى الجاهلية ‪ ،‬وكان يكتب الكتاب‬
‫العبرانى يكتب من النجيل بالعبرانية ما شاء ال أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى ‪ ،‬فقالت له خديجة‬
‫( رضى ال عنها ) يا بن عم اسمع من ابن أخيك ‪ .‬فقال له ورقة ‪ " :‬يا ابن أخى ماذا ترى ؟ فأخبره‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬محمد المثال السمى لحمد ديدات ص ‪. 41‬‬


‫(‪ )2‬المرجع السابق ص ‪. 42 – 41‬‬
‫الرسول ( ) خبر ما رأى قال له ورقه هذا الناموس الذى أنزله على موسى يا ليتنى فيها جذعا ‪ .‬ليتنى‬
‫أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال ( ) أو مخرجى هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إل عودى‬
‫(‪)1‬‬
‫وأن يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا ‪ .‬ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى "‬

‫‪- 24 -‬‬
‫‪ -‬ومن دلئل نبوته ( ) فى هذا الموقف ما يلى ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن النبى المرسل ( ) له علمات عرفها ورقة من خلل قراءاته فى النجيل والتوراة وأن ما أتى‬
‫الرسول – وهو جبريل – ل ينزل على البشر العاديين بل على نبى مرسل ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن النبى ( ) علم من ورقة أنه سيؤذى ويعادى من أهله وسيخرجونه من بينهم ‪ .‬ولو لم يكن النبى (‬
‫) على حق وصدق ويقين لتراجع عن موقفه وعما قال مؤثرا السلمة والعيش السعيد الهانئ مع زوجته‬
‫وأولده وبين قومه وفى موطنه ‪.‬‬
‫والمتأمل للتاريخ يدرك جيدا مدى أهمية الموطن والمنشأ للعربى القديم ومدى عزة نفسه فى أن‬
‫يطرد ويخرج عنوة من موطنه الذى نشأ فيه ‪ " ..‬إنه طبيعة هذا الطريق المستقيم ‪ ،‬فهو ليس سهلً‬
‫ميسرا ‪ ،‬ولكنه شاق طويل كله محن وابتلءات وعقبات ‪ ،‬ومجاهدة للنفس ‪ ،‬ومدافعة للباطل وأهله بكل ما‬
‫(‪)2‬‬
‫يملكون من قوة وبطش وسلطان ‪ ،‬وصراع دائم بين الحق والباطل "‬
‫‪ -3‬لقد تحقق ما قاله " ورقة " وأوذى وعودى ( ) ولكنه كان دائما يجد الصدر الحنون والملذ المن –‬
‫بعد ملذ ال تعالى – فى زوجته السيدة خديجة ( رضى ال عنها ) التى عرفت أخلقه ومدى صدقه فلم‬
‫تسمعه إل ما يعينه على دعوته وهى تعلم ما يترتب على هذه الدعوة من تبعات ومشقة ‪.‬‬
‫إسلم أبو بكر الصديق ( ) ‪:‬‬
‫وهو من أوائل الناس إسلما وتصديقا برسالته ( ) عن يقين ودليل وبرهان تحقق بفضل صحبته‬
‫الطويلة قبل البعثة للنبى ( ) ولمعرفته اليقينية بالرسول ( ) وقد كان ثبات الصديق على هذا الدين‬
‫وضربه المثل الكامل للمؤمن الصادق ‪ ،‬وتطبيقه الفريد لحقائق الدين لهو دليل على صدق محمد ( ) ‪ .‬قد‬
‫علم أبو بكر صدقه علما ضروريا لما أخبر بما جاء به ‪ ،‬وقرأ عليه ما أنزل عليه ( ) وبقى القرآن الذى‬
‫قرأه آية أخرى على صدقة ( ) ‪ ،‬فاجتمع الصدق والمانة مع القرآن ومع القرائن الخرى فوجب علما‬
‫بالضرورة أنه صادق ‪ .‬وكما قال ابن تيمية ‪ :‬وخبر الواحد المجهول من أحاد الناس قد تقترن به قرائن‬
‫يعرف بها صدقه بالضرورة ‪ ،‬فكيف بمن عرف صدقه وأمانته وأخبر بمثل هذا المر الذى ل يقوله إل‬
‫(‪)3‬‬
‫من أصدق الناس من أكذبهم ‪ ،‬وهو يعلم أنه من الصف الول دون الثانى ‪.‬‬
‫)‪:‬‬ ‫‪ -‬إسلم ضماد (‬
‫وهو من أزد شنوءة ‪ ،‬كان خبيرا بالرقى وعليما بكلم العرب ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخارى فى كتاب التعبير ح ‪. 6982‬‬


‫(‪ )2‬راجع ‪ :‬صفة البتداء لعبد الفتاح شاهين ص ‪ ، 19‬دار الكنوز مصر ‪.‬‬
‫(‪ )3‬النبوات لبن تيمية ص ‪ – 312‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫روى مسلم والبيهقى من حديث داود بن أبى هند عمرو بن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( ) قال‬
‫‪ :‬قدم ضماد مكة وهو رجل من أزدشنوءة وكان يرقى من هذه الرياح فسمع سفهاء من سفهاء مكة يقولون‬
‫‪:‬‬
‫إن محمدا مجنون ! فقال ‪ :‬أين هذا الرجل لعل ال أن يشفيه على يدى ؟ قال ‪ :‬فلقيت محمدا فقلت ‪ :‬إنى‬
‫أرقى من هذه الرياح ‪ ،‬وأن ال يشفى على يدى من شاء فهلم !! فقال محمد ( ) ‪ " :‬إن الحمد لله‬

‫‪- 25 -‬‬
‫نحمده ونستعينه ‪ ،‬من يهد الله فل مضل له ومن يضلل فل هادى له ‪ ،‬وأن ل‬
‫اله إل الله وحده ل شريك له ‪ .‬ثلث مرات – " فقال ضماد ‪ :‬وال لقد سمعت قول الكهنة‬
‫وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل هؤلء الكلمات فهلم يدك أبايعك على السلم فبايعه رسول‬
‫(‪)1‬‬
‫ال ( ) فقال له ‪ " :‬وعلى قومك " فقال ‪ :‬وعلى قومى ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬تمتعه ( ) بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة ‪:‬‬
‫لقد عرف رسول ال ( ) باستقامته وصدقه ‪ ،‬وكان يلقب بين قومه – قبل البعثة وبعدها – بالصادق‬
‫المين ‪ ،‬رفيع الخلق ‪ ،‬سامى الخصال ‪ ،‬عصمه ربه من النزلق فى مهادى رذيلة قومه وأوثانهم ‪.‬‬
‫يقول المستشرق " جرسان دتاس " ‪ " :‬إن محمدا ولد فى حضن الوثنية ‪ ،‬ولكنه منذ نعومة أظافره‬
‫أظهر عبقرية فذة ‪ ،‬وانزعاجا عظيما من الرذيلة وحبا جادا للفضيلة ‪ ،‬وإخلصا ونية حسنة غير عاديين‬
‫(‪)2‬‬
‫إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه فى ذلك العهد اسم المين ‪" .‬‬
‫وبديهى أن يعتبر المؤرخون المسلمون تلك الصفات وهذه السجايا من دلئل النبوة ‪ ،‬وتتمثل أشد‬
‫ما تتمثل فى عصمة ال لرسوله المرتقب من أجواء الرذيلة الشائعة فى الجاهلية ‪ ،‬وأنه ( ) كان يشعر‬
‫انطلقا من حدسه بأن عليه البتعاد عن المعاصى والموبقات ‪.‬‬
‫يتحدث الباحث الرجنتينى دون بايرون ( ‪ ) 1900 – 1839‬فى مؤلفه " أتح لنفسك فرصة "‬
‫فيقول ‪ " :‬ل يبعد أن يكون محمد يحس بنفسه أنه فى طينته أرق من معاصريه ‪ ،‬وأنه يفوقهم جميعا ذكاءً‬
‫وعبقرية ‪ ،‬وأن ال اختاره لمر عظيم ‪ ،‬وقد اتفق المؤرخون على أن محمد بن عبد ال كان ممتازا بين‬
‫قومه بأخلق حميدة ‪ ،‬ومن صدق الحديث والمانة والكرم وحسن الشمائل والتواضع حتى سماه أهل بلده‬
‫المين ‪ ،‬وكان من شدة ثقتهم به وبأمانته يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم ‪ ،‬وكان ل يشرب الشربة‬
‫(‪)3‬‬
‫المسكرة ول يقيم للوثان احتفالً ‪ ،‬وكان يعيش مما يدره عليه عمله من الخير ‪" ...‬‬
‫ومن عظمته ( ) التى اشتهر بها وتفوق بها على أقرانه ومن هم فى مثل سنه " حكمته ( ) " ‪.‬‬
‫وتجلت يوم وضع الحجر السود عندما تنازعت قبائل قريش فيما بينهم – عند بناء الكعبة – من الذى‬
‫يضع الحجر مكانه ؟ فقالوا ‪ :‬نحكم أول من يدخل من باب بنى شيبة ‪ ،‬فكان أول من دخل منه محمدا ( )‬
‫‪ .‬فأخبروه فأمر بثوب فوضع الحجر وسطه ‪ ،‬وأمر كل فخذ من قبائل قريش بأن يأخذ بطائفة من الثوب‬
‫(‪)4‬‬
‫فرفعوه ثم أخذه بيديه الشريفتين فوضعه مكانه "‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم ح ‪. 868‬‬


‫(‪ )2‬جرسان دتاسى ‪ ،‬نقلً عن كتاب الرسول فى الدراسات الستشراقية المنصفة لمحمد الشيبانى ص ‪.20‬‬
‫(‪ )3‬دون بايرون ‪ :‬أتح لنفسك فرصة تعريب عبد المنعم محمد الزيادى ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد فى " المسند " وأبو داود الطياليسى ‪ ،‬والبيهقى ‪ ،‬وأبو نعيم ‪ ..‬وحسنه الهيثمى ‪.‬‬

‫لقد ربط أرثر جيلمان فى كتابه – الشرق – بين هذه الحادثة التى منعت اقتتال القبائل التى هى‬
‫حدَت أرادتهم فى بناء الكعبة وبين المرحلة اللحقة لبدء البعثة ‪ ،‬والتى تشكل مقدمة‬
‫بطون قريش وَ َو َ‬
‫للنبوة وعلمة من علماتها بقوله ‪ " :‬لبد أن يكون محمد قد تأثر بإعجاب قومه وتقديرهم العظيم ‪ ،‬هذه‬
‫الفكرة التى بسطت السلم بين مختلف القبائل ‪ ،‬وقد اتفق المؤرخون على أن محمد كان ممتازا بين قومه‬

‫‪- 26 -‬‬
‫بأخلق جميلة ‪ :‬من صدق الحديث ‪ ،‬والمانة ‪ ،‬والكرم ‪ ،‬وحسن الشمائل والتواضع ‪ ،‬حتى سماه أهل بلده‬
‫" المين " وكان من شدة ثقتهم به يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم ‪ ،‬وكان ل يشرب الشربة المسكرة ول‬
‫(‪)1‬‬
‫يحضر للوثان عيدا ول احتفالً "‬
‫وهذه عصمة لمحمد ( ) عن كل أسباب التلوث العقائدى ‪ ،‬والتلوث الفكرى ‪ ،‬والعملى ‪ ،‬وتمهيدا‬
‫لما هو مقبل عليه من حمل الرسالة وإصلح البشرية كلها ‪.‬‬
‫وكان محبا للفقراء ‪ ،‬عطوفا على الضعفاء ‪ ،‬ناصرا للمظلوم ‪ ،‬حتى إنه دخل فى حلف الفضول‬
‫الذى تعاهد فيه فريق من ذوى الكرم والنجدة من قريش فى الجاهلية على إغاثة الضعفاء ‪ ،‬والمظلومين‬
‫وتخليص حقوقهم التى يهضمها القوياء المستعِبدون من زعماء العشيرة ‪.‬‬
‫أى كما جاء فى‬ ‫(‪)2‬‬
‫ولذلك وصفته السيدة عائشة ( رضى ال عنها ) بأنه " كان خلقه القرآن "‬
‫القرآن من تعاليم ‪ .‬ولما سألته ( رضى ال عنها ) ‪ :‬هل أتى عليك يوما كان أشد من يوم أحد ؟ ‪ -‬حيث‬
‫وقع رسول ال ( ) فى حفرة حفرها المشركون ليقع فيها المسلمون وشج وجهه ‪ ،‬وكسرت رباعيته‬
‫ودخلت حلقتان من المغفر الذى يستر به وجهه فى وجنته وجرحت شفتاه وسال دمه الشريف الطاهر على‬
‫وجهه ولحيته ‪ ،‬فأخذ يمسح الدم عن وجهه وهو يقول ‪ " :‬كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم‬
‫بالدماء ؟! " ومع ذلك رفع يديه إلى السماء وقال ‪ " :‬اللهم اغفر لقومى فإنهم ل يعلمون " ‪ -‬عند ذلك‬
‫أجاب رسول ال ( ) ‪ " :‬لقد لقيت من قومك ما لقيت ‪ ،‬وكان أشد ما لقيت منهم‬
‫يوم العقبة إذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل " وذكر لقاء الطائف وما لقاه من ثقيف‬
‫من صد وظلم وتكذيب وعدوان وطغيان ‪ ،‬من أجل هذا الخلق العظيم والصبر الجميل يرسل له رب‬
‫العالمين ملك الجبال يستأمره أن يطبق عليهم الخشبين فقال النبى ( ) ‪ " :‬بل أرجو أن يخرج الله‬
‫من أصلبهم من يعبد الله وحده ل يشرك به شيئا ً "‬
‫فهذه أخلق الرسول ( ) والذى ما عرفت البشرية بأسرها كمحمد ( ) بهر الدنيا بسيرته ‪ ،‬ومل‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬‫ح َ‬ ‫سلْنَا َ‬
‫ك إِل ّ َر ْ‬ ‫التاريخ بعظمته ‪ ،‬وشمل الخلئق كلها برحمته حتى أثنى عليه ربه بقوله ‪ :‬وَ َ‬
‫مآ أْر َ‬
‫ن ‪ ، ) (3‬يقول إدوارد مونتيه أستاذ اللغات الشرقية فى جامعة جينيف ( ‪" : ) 1927 – 1856‬‬ ‫لّلْعَال َ ِ‬
‫مي َ‬
‫أما محمد فكان كريم الخلق حسن العشرة ‪ ،‬عذب الحديث ‪ ،‬صحيح الحكم ‪ ،‬صادق اللفظ ‪ ،‬وقد كانت‬
‫الصفة الغالبة عليه هى صحة الحكم ‪ ،‬وصراحة اللفظ والقناع التام بما يقبله ويقوله ‪ .‬إن طبيعة محمد‬
‫(‪)4‬‬
‫الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه القصد ‪ ،‬بما يتجلى فيها من شدة الخلص ‪" ...‬‬

‫(‪ )1‬أرثر جيلمان ‪ ،‬الشرق ص ‪. 117‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم ح ‪ ، 513 ، 512‬وأحمد فى " مسنده " ( ‪ ، ) 163 ، 91 / 6‬والبيهقى فى سننه (‪ ، )2/499‬والبخارى فى الدب (‬
‫‪)308‬‬
‫(‪ )3‬النبياء ‪. 107‬‬
‫(‪ )4‬إدوارد مونتيه عن حاضر السلم ومستقبله ‪ ،‬راجع ‪ :‬محمد فى الدراسات الستشراقية المنصفة ص ‪. 137‬‬
‫ويذكر هذا المعنى المستشرق السبانى جان ليك ( ‪ ) 1897 – 1822‬فى كتابه " العرب " بقوله ‪:‬‬
‫" وحياة محمد التاريخية ل يمكن أن توصف بأحسن مما وصفها ال نفسه بألفاظ قليلة ‪ ،‬بين فيها سبب بعثة‬
‫ن وقد برهن بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات‬ ‫َ‬
‫ة لّلْعَال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫سلْنَا َ‬
‫ك إِل ّ َر ْ‬ ‫النبى محمد ‪ :‬وَ َ‬
‫مآ أْر َ‬

‫‪- 27 -‬‬
‫لكل ضعيف ‪ ،‬ولكل محتاج إلى المساعدة ‪ ،‬كان محمد رحمة حقيقية لليتامى والفقراء وابن السبيل‬
‫والمنكوبين والضعفاء والعمال وأصحاب الكد والعناء ‪ ،‬وإنى بلهفة وشوق لن أصلى عليه وعلى أتباعه "‬
‫(‪)1‬‬

‫والى جانب رحمته ( ) وبساطته وزهده وترفعه عن الشهوات كان ( ) رقيق فى معاملته مع‬
‫الخرين يعامل كل الناس باحترام وتقدير ولين وسهولة جانب ‪ ،‬ودمائة خلق دون تصنع ول تكلف ‪ .‬وهى‬
‫صفات اعترف بها العداء قبل الصدقاء ‪.‬‬
‫يقول المستشرق البريطانى لين بول ( ‪ ) 1917 – 1852‬فى كتابه " رسالة فى تاريخ العرب "‬
‫متحدثا عن أخلق محمد ( ) ‪ " :‬إن محمدا كان يتصف بكثير من الصفات كاللطف والشجاعة وكرم‬
‫الخلق ‪ ،‬حتى إن النسان ل يستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تطبعه هذه الصفات فى نفسه ‪،‬‬
‫ودون أن يكون هذا الحكم صادرا من غير ميل أو هوى ‪ ،‬كيف ل وقد احتمل محمد عداء أهله ‪،‬‬
‫وعشيرته سنوات بصبر وجلد عظيمين ‪ ،‬ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من يد مصافحه‬
‫حتى ولو كان يصافح طفلً ‪ ،‬وأنه لم يمر بجماعة يوما من اليام – رجالً كانوا أم أطفالً – دون أن يسلم‬
‫عليهم ‪ ،‬وعلى شفتيه ابتسامة حلوة ‪ ،‬وبنغمة جميلة كانت تكفى وحدها لتسحر سامعيها ‪ ،‬وتجذب القلوب‬
‫إلى صاحبها جذبا ‪ ،‬وقد كان محمد غيورا ومتحمسا ‪ ،‬وما كانت حماسته إل لغرض نبيل ‪ ،‬ومعنى سام ‪،‬‬
‫فهو لم يكن يتحمس إل عندما كان ذلك واجبا مفروضا ل مفر منه ‪ ،‬فقد كان رسول من ال ‪ ،‬وكان يريد‬
‫أن يؤدى رسالته على أكمل وجه ‪ ،‬كما أنه لم ينس يوما من اليام كيانه أو الغرض الذى بعث من أجله ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫دائما كان يعمل له ويتحمل فى سبيله جميع أنواع البليا ‪ ،‬حتى انتهى إلى إتمام ما يريد "‬
‫وكان‬ ‫(‪)3‬‬
‫وقد وصفه أبا سعيد الخدرى ( ) قال ‪ " :‬كان رسول ال ( ) أشد حياءً من العذراء فى خدرها "‬
‫ل يستأثر بطعام ول شراب ول يمل بطنه ‪ ،‬فقد روت عائشة ( رضى ال عنها ) أنها قالت ‪ " :‬ما شبع‬
‫(‪)4‬‬
‫آل محمدا ً من خبز الشعير ثلث ليال متوالية "‬
‫وكان يجيب دعوة الداعى فيقول ‪ " :‬لو دعيت إلى ذراع أو كراع لجبت ‪ ،‬ولو أهدى إلى‬
‫ذرا أو كراع لقبلت " (‪. )5‬‬
‫وكان إذا جلس بين أصحابه ل يعرفه الغريب ‪ .‬فعن أبى ذر وأبى هريرة – رضى ال عنهما –‬
‫قال ‪ " :‬كان رسول ال ( ) يجلس بين ظهرى أصحابه يجىء الغريب فل يدرى أيهم هو حتى يسأل ‪،‬‬
‫فطلبنا إلى رسول ال ( ) أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه ‪ .‬قال ‪ :‬فبنينا له دكانا – أى دكة –‬
‫(‪)6‬‬
‫من طين فجلس عليها وكنا نجلس بجانبة "‬

‫(‪ )1‬جان ليك ‪ :‬العرب ص ‪. 43‬‬


‫(‪ )2‬لين بول ‪ :‬رسالة فى تاريخ العرب من كتاب محمد فى الدراسات الستشراقية ص ‪. 144‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخارى ح ‪ ، 6102 ، 3562‬ومسلم ح ‪. 2320‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخارى ح ‪ ، 5416‬ومسلم ح ‪. 2970‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخارى فى كتاب الهبة وضلها ح ‪. 2568‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود ح ‪ ، 4698‬والنسائى ح ‪. 5006‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫وكان ل يأنف أن يمشى معه الرملة والمسكين ليقضى لهم حاجتهم ‪ .‬فعن عبد ال بن أبى أوفى‬
‫قال ‪ " :‬كان رسول ال ( ) يكثر الذكر ‪ ،‬ويقل اللغو ‪ ،‬ويطيل الصلة ويقصر الخطبة ‪ ،‬ول يأنف أن‬
‫(‪)1‬‬
‫يمشى مع الرملة والمسكين فيقضى له حاجته "‬
‫وارتعد منه رجل فقال له ( ) ‪ " :‬هون عليك ! فإنى لست بملك إنما أنا ابن‬
‫وكان يرقع ثوبه ‪ ،‬ويخصف نعله ‪ ،‬ويكون فى مهنة أهله – أى خدمتهم –‬ ‫(‪)2‬‬
‫امرأة تأكل القديد "‬
‫وقيل لعائشة ( رضى ال عنها ) ‪ :‬ما كان النبى ( ) يصنع فى بيته ؟ قالت ‪ " :‬كما يصنع أحدكم ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫يخصف نعله ‪ ،‬ويرقع ثوبه "‬
‫وكان ينام على الحصير حتى أثر فى جنبه وعندما رآه عمر ( ) يبكى فيقول له ( ) ‪ " :‬ما‬
‫يبكيك ؟ " فقال عمر ‪ :‬يا رسول ال إن كسرى وقيصر فيما هما فيه ‪ ،‬وأنت رسول ال ! فقال ‪" :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الخرة "‬
‫ومن مظاهر رحمته وحسن أخلقه أيضا ‪ ،‬ما ورد أن الصحابى الجليل أبا ذر ( ) كان يكسو‬
‫خادمه ثوبا من نفس ثوبه ‪ ،‬وحلة من نفس حلته ‪ ،‬فلما سئل عن ذلك قال ‪ :‬سمعت رسول ال ( ) يقول ‪:‬‬
‫(‬
‫" إخوانكم خولكم – خدمكم – أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون "‬
‫‪)5‬‬

‫ولم يقتصر حسن خلقه على أتباعه بل شملت أعداءه أيضا ‪ .‬عندما طلب منه الدعاء على‬
‫(‪)6‬‬
‫المشركين قال ( ) ‪ " :‬إنى لم أبعث لعانا ً ‪ ،‬وإنما بعثت رحمة "‬
‫وعن عائشة ( رضى ال عنها ) قالت ‪ :‬كان اليهود يسلمون على النبى ( ) يقولون ‪ :‬السام عليك‬
‫ففطنت عائشة إلى قولهم فقالت عليكم السام واللعنة قال النبى ( ) ‪ " :‬مهل ً يا عائشة إن الله‬
‫(‪)7‬‬
‫يحب الرفق فى المر كله "‬
‫وهكذا كان ( ) يدعو إلى حسن الخلق الذى يوجب التحاب والتآلف والتوافق بين جميع البشر‬
‫بعيدا عن التحاسد والتدابر والتباغض ولذلك قال ( ) فى وصية جامعة شاملة لمعاذ ( ) ‪ .‬قال معاذ ‪:‬‬
‫أوصانى رسول ال ( ) فقال ‪ " :‬يا معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء‬
‫بالعهد وأداء المانة وترك الخيانة وحفظ الجار ورحمة اليتيم ولين الكلم وبذل‬
‫السلم وحسن العمل وقصر المل ولزوم اليمان والتفقه فى القرآن وحب‬
‫الخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح ‪ ،‬وأنهيك أن تسب حكيما ً أو تكذب‬
‫صادقا ً أو تطيع آثما ً أو تعصى إماما ً عادل ً أو تفسد أرضا ً ‪ ،‬وأوصيك باتقاء الله‬
‫عند كل حجر وشجر ومدر وأن تحدث لكل ذنب توبة ‪ .‬السر بالسر‬
‫(‪)8‬‬
‫والعلنية بالعلنية "‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائى ح ‪ ، 1413‬والدارمى ح ‪ ، 74‬والبيهقى فى الشعب ‪ ، 8114‬والحاكم فى " المستدرك " ( ‪. ) 614 / 2‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجة فى سننه ح ‪ ، 3313‬والطبرانى فى الوسط ح ‪. 1260‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد فى مسنده ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخارى ى كتاب التفسير ح ‪ ، 4913‬ومسلم فى كتاب الطلق ( ‪. ) 33 ، 32 ، 31 / 179‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخارى ح ‪ ، 30‬ومسلم ( ‪. ) 38 / 1661‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم ح ‪ ، 2596‬والبخارى فى الدب ‪ ، 321‬والطبرانى فى الكبير ( ‪ ، ) 189 / 9‬والبغوى فى شرح السنة ‪.‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه ‪ :‬أخرجه البخارى ‪ ، 6024‬ومسلم ‪ ، 1706‬والدارمى ح ‪. 2794‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫(‪ )8‬إتحاف السادة ‪ :‬المتقين بشرح إحياء علوم الدين ‪ – 95 / 7‬نقلً عن مجلة الزهر ص ‪ 367‬ربيع الول ‪ 1427‬هـ ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬نجاحه ( ) فيما جاء به وله ‪:‬‬
‫والمقصود بها القدرة على نشر الدعوة الصلحية وتطبيقها فى كل الميادين وإدخالها فى القلوب‬
‫المتحجرة والدمغة الصماء حتى تلين وتقبلها ‪ ،‬مع تحمل ما فى سبيل ذلك من أعباء ومصاعب وأهوال‬
‫فطهر العقول والنفوس من عبادة الصنام وأقام مكانها عقيدة التوحيد القائمة على اليمان بال‬ ‫(‪)1‬‬
‫ومتاعب‬
‫تعالى وحده ل شريك له ‪ ،‬وكتبه ‪ ،‬ورسله السابقين ‪ ،‬واليوم الخر يوم الحساب والثواب والعقاب على‬
‫أعمال الدنيا من خير وشر ‪.‬‬
‫وأقام مجتمعا جديدا مبنى على مفاهيم وأسس اجتماعية جديدة تنعدم فيه العصبية القبلية ‪ ،‬والتفاخر‬
‫بالنساب ‪ ،‬وإضاعة حقوق المرأة ‪ ...‬ولذلك انتصر السلم على الجاهلية ‪ ،‬ودخل الناس فى دين ال‬
‫أفواجا بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم ومشاعرهم ‪ ،‬ل يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ‪ ،‬ول‬
‫يجدون فى أنفسهم حرجا مما قضى ‪ ،‬ول تكون لهم الخيرة من أمرهم ويسلموا تسليما ‪.‬‬
‫ويصفهم أبو الحسن الندوى بقوله ‪ " :‬هذا والرسول ( ) يغذى أرواحهم بالقرآن ‪ ،‬ويربى نفوسهم‬
‫باليمان ويخضعهم أمام رب العالمين خمس مرات فى اليوم ‪ ،‬عن طهارة بدن ‪ ،‬وخشوع قلب ‪ ،‬وخضوع‬
‫جسم ‪ ،‬وحضور عقل ‪ ،‬فيزدادون كل يوم سمو روح ‪ ،‬ونقاء قلب ‪ ،‬ونظافة خلق ‪ ،‬وتحررا من سلطان‬
‫الماديات ومقاومة للشهوات ‪ ،‬ونزوعا إلى رب الرض والسموات ‪ ،‬ويأخذهم بالصفح الجميل والصبر‬
‫على الذى وقهر النفس ‪ .‬ولم يزل ( ) يربيهم تربية دقيقة عميقة ‪ ،‬ولم يزل القرآن يسمو بنفوسهم ويزكى‬
‫جمرة قلوبهم ومجالس الرسول تزيدهم رسوخا فى الدين ‪ ،‬وعزوفا عن الشهوات ‪ ،‬وتفانيا فى سبيل‬
‫المرضاة ‪ ،‬وحنينا إلى إلى الجنة ‪ ،‬وحرصا على العلم وفقها فى الدين ومحاسبة للنفس ويطيعون الرسول‬
‫ى المنشط والمكره وينفرون فى سبيل ال خفافا وثقالً ‪ ،‬قد خرجوا مع الرسول للقتال سبعا وعشرين مرة‬
‫فى عشر سنين ‪ ،‬وخرجوا بأمره للقاء العداء أكثر من مائة مرة فهان عليهم التخلى عن الدنيا وهانت‬
‫ولذلك يصفه‬ ‫(‪)2‬‬
‫عليهم رزيئة أولدهم ونسائهم فى نفوسهم ونزلت اليات بكثير مما لم يألفوه ولم يتعودوه‬
‫الباحث الفرنسى المستشرق ديزرية بلنشيه بقوله ‪ :‬إن النبى محمدا يعد من أبرز وأشهر رجال التاريخ ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فقد قام بثلثة أعمال عظيمة دفعة واحدة وهى ‪ :‬أنه أحيا شعبا ‪ ،‬وأنشأ إمبراطورية ‪ ،‬وأسس دينا ‪.‬‬
‫أما الفرنسى قولتير برغم علمانيته إل أنه لم يكتم إعجابه بعظمة شخصية الرسول الفذة فيقول ‪:‬‬
‫" إن فى نفس محمد لشيئا عجيبا طريفا رائعا يحمل النسان على العجاب والتقدير ‪ ،‬ولعمرى إن الرجل‬
‫وقف يدعو إلى ال ‪ ،‬ويتحمل الذى فى سبيل هذه الدعوات سنوات عديدة ‪ ،‬وأمامه الجموع المشركة تعمل‬
‫(‪)4‬‬
‫جهدها لمعاكسته وقتل فكرته ‪ ،‬إنه اذا يستحق كل تقدير وتمجيد ‪" .‬‬

‫(‪ )1‬عظمة محمد ( ) خاتم رسل ال لمصطفى الزرقا ص ‪ ، 25‬بتصرف ‪.‬‬


‫(‪ )2‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ‪ ،‬لبى الحسن الندوى ص ‪. 126‬‬
‫(‪ )3‬ديزريه بلنشيه ‪ :‬دراسات فى التاريخ الدينى ‪.‬‬
‫(‪ )4‬فرانسوافولتير ‪ " :‬محمد " عن محمد فى الدراسات الستشراقية المنصفة ص ‪. 101‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫ويقول لمارتين ( ‪ ) 1869 – 1790‬فى كتابه " تاريخ تركيا " ‪ :‬لو أن عظم الغاية ‪ ،‬وصغر‬
‫الوسائل ‪ ،‬وقلة الموارد ‪ ،‬والنتائج المدهشة هى ثلثة معايير لعبقرية النسان ‪ ،‬فمن يجرؤ على مقارنة أى‬
‫رجل عظيم فى التاريخ الحديث بمحمد ؟ إن أشهر الرجال صنعوا السلحة وشرعوا القوانين ووضعوا‬
‫النظريات وأسسوا المبراطوريات فقط ‪ ،‬فهم لم يؤسسوا – لو اعتبرنا أنهم أسسوا شيئا يذكر – أكثر من‬
‫قوى مادية أو سلطات مادية كثيرا ما انهارت وزالت أمام أعينهم أما هذا الرجل – محمد – فإنه لم يحرك‬
‫ويؤثر فى الجيوش والتشريعات والمبراطوريات والشعوب والسر فقط ولكنه حرك وأثر فى مليين‬
‫الرجال ‪ ،‬بل الكثر من ذلك أنه أزاح النصاب ‪ ،‬والمذابح واللهة الزائفة وأثر فى الديان وغير الفكار‬
‫(‪)1‬‬
‫والعتقادات والنفس ‪.‬‬
‫" فمن يجرؤ على مقارنة أى رجل عظيم فى التاريخ الحديث بمحمد ؟ ‪ ...‬إنه سؤال استفهام‬
‫غرضه النفى فكأنما يقول ضمنا ‪ :‬ل يوجد إنسان أعظم من محمد ( ) ‪ ....‬ومحمد أعظم من عاش أبدا ‪.‬‬
‫فأما عن عظمة الغاية ‪:‬‬
‫فالتاريخ يثبت أن الفترة التى بعث فيها الرسول ( ) كانت أكثر فترة مظلمة فى التاريخ البشرى ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ة لّلْعَال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫سلْنَا َ‬
‫ك إِل ّ َر ْ‬ ‫فكانت هناك حاجة لبعث رسول ليكون إصلحا للبشرية كلها وَ َ‬
‫مآ أْر َ‬
‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫‪(2‬‬

‫يقول ‪ -‬ديدات – فى الرسول الخاتم ‪ ... :‬ماذا يستطيعون أن يقولوا – أى أعداء الدين – عن الحقيقة‬
‫التاريخية أنه قبل موته أرسل خمس رسائل واحدة إلى كل من البلد الخمسة المحيطة ‪ ،‬يدعهم إلى دين‬
‫السلم ‪ :‬إمبراطور فارس ‪ ،‬ملك مصر ‪ ،‬نجاشى الحبشة ‪ ،‬إمبراطور الروم هرقل بالقسطنطينية ‪ ،‬وملك‬
‫اليمن ‪ .‬وهو بذلك يضرب لنا مثلً فى تنفيذ رسالته السماوية و " عظمة الغاية ‪ ،‬وإصلح البشرية كلها‬
‫بهدايتها لليمان بال ‪ .‬فهل يمكن أن يضارع أى دين آخر عالمية السلم ؟ ‪ .‬ولم يبعث محمد ( ) لكى‬
‫(‪)3‬‬
‫يسجل أو يحطم أى أرقام قياسية وإنما بعث لكى يقوم بالمسؤولية التى أسندها إليه رب العالمين ‪.‬‬
‫وأما قلة الوسائل ‪:‬‬
‫فإن محمدا ( ) ولد يتيما وعاش كذلك بعيدا عن الملذات الحسية ومتاع الدنيا ‪ ،‬والشيء والوحيد‬
‫الذى كان بوسعه أن يقدمه لتباعه هو الوعد برضوان ال تعالى إن هم أطاعوه وساروا على نهجه ( ) ‪.‬‬
‫ولذلك كانت حياته ( ) كتابا مفتوحا أمام من يدعهم ‪ :‬عرفوا نبل أخلقه وكمال غايته وصدقه‬
‫وأمانته وحماسته من أجل الحق الذى يدعو إليه ويستمسك به ولذلك يقول ستانلى لن بوول ‪ :‬لقد كان‬
‫مفعما بالحماسة لهذا المفهوم النبيل ‪ ،‬وعندما تصبح الحماسة ملح الرض تكون الشيء الوحيد الذى يحفظ‬
‫الناس من الفساد ما داموا أحياء ‪ ...‬لقد كان – محمدا – مفعما بالحماسة عندما كانت الحماسة الدينية‬
‫(‪)4‬‬
‫الشيء الوحيد المطلوب ليحول الدنيا إلى شعلة متوهجة وحماسته هذه كانت نبيلة ولهدف نبيل ‪.‬‬
‫(‪ )1‬لمارتين ‪ :‬تاريخ تركيا المجلد الثانى ص ‪ . 277 ، 276‬طبعة باريس ‪1854‬م ‪ .‬نقلً عن محمد المثال السمى لحمد ديدات ص‬
‫‪. 52 ، 51‬‬
‫(‪ )2‬النبياء ‪. 107‬‬
‫(‪ )3‬الرسول الخاتم ‪ ،‬لحمد ديدات ص ‪ ، 61‬ترجمة محمد مختار ‪.‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫(‪ )4‬ستانلى لن بوول ‪ .‬عن المرجع السابق ص ‪. 63‬‬
‫إن ضعفه ( ) كان قوته ‪ ..‬وإن حقيقة أنه لم يكن يملك أى إمكانيات مادية لمساندته جعلته يضع‬
‫ثقته التامة فى ال ‪ .‬وال الرحيم لم يتخلى عنه ونجاحه كان مذهلً ‪ ..‬أليس من حق المسلمين أن يقولوا‬
‫(‪)1‬‬
‫بالعدل والنصاف أن النجاز كله من صنع ال ؟ وكان محمدا ( ) أداته ؟‬
‫أما عن النتائج الرائعة ‪:‬‬
‫فمن تابع واحد بدأ به دعوته ( ) إلى أكثر من مليار تابع الن ‪ .‬أو كما يقول توماس كارليل‬
‫(‪)2‬‬
‫من رجل واحد فى مقابل جميع الرجال إلى ‪ 24‬ألف تابع فى حجة الوداع وحدها ‪.‬‬
‫ولذلك كانت مقاييس – لمارتين – الثلثة ‪ :‬عظمة الغاية ‪ ،‬وقلة الوسائل ‪ ،‬والنتائج المذهلة هى جزء من‬
‫عظمة محمد ( ) وعندها نقول بكل تواضع ‪ ..‬ل يوجد إنسان أعظم من محمد ( ) ‪ .‬وإن من أهم دلئل‬
‫نبوته ( ) هى ‪ " :‬معجزاته فى منجزاته الحقيقية " ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬أن محمدا ً ( ) جاء بمنهج دائم للعالم كافة " القرآن الكريم " ‪.‬‬
‫إن الرسالة التى حملها الرسول ( ) لم تكن مطلقا لشعب بذاته دون غيره ‪ ،‬أو لجنس دون سواة ‪.‬‬
‫س ‪. ) (3‬‬ ‫سلْنَا َ‬
‫ك إِل ّ كَآفّ ً ّ‬ ‫َ‬ ‫بل كانت رسالة عالمية‬
‫ة للنّا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫مآ أْر َ‬
‫يقول ميخائيل إيمارى ‪ " :‬لقد جاء محمد نبى السلم بدين إلى جزيرة العرب يصلح أن يكون دينا‬
‫لكل المم لنه دين كمال ورقى ‪ ،‬دين دعة وثقافة ‪ ،‬دين رعاية وعناية ‪ ،‬ول يسعنا أن ننقصه ‪ ،‬وحسب‬
‫(‪)4‬‬
‫محمد ثناء عليه أنه لم يساوم ولم يقبل المساومة لحظة واحدة فى موضوع رسالته ‪" .‬‬
‫فقد حمل كل نبى رسالة النور والهداية إلى أمة مخصوصة وكان هدفها تطهير النفس البشرية ‪،‬‬
‫ولكن هذه الرسالة – رسالة محمد ( ) – فكانت كونية ‪ ،‬ونوره كان عالميا ‪ ،‬ونطاق مشاركته الوجدانية‬
‫(‪)5‬‬
‫كان يستغرق البشرية كلها ‪.‬‬
‫ولقد اتفق العلماء – المسلمين والمنصفين من غير المسلمين – على أن القرآن هو المنهاج‬
‫والمعجزة الحقة الباقية أبد الدهر ‪.‬‬
‫يقول المستشرق النجليزى بووشورت اسمث ( ‪ ) 1892 – 1815‬فى مقدمة كتابه " الدب فى‬
‫أسيا " ‪ " :‬إن المعجزة الخالدة التى أداها محمد هى القرآن ‪ ،‬والحقيقة إنها لكذلك ‪ ،‬وإذا قدرنا ظروف‬
‫العمر الذى عاش فيه ‪ ،‬واحترام أتباعه إياه احتراما ل حد له ‪ ،‬ووازناه بآباء الكنيسة أو بقديس القرون‬
‫الوسطى ‪ ،‬تبين لنا أن أعظم ما هو معجز فى محمد نبى المسلمين أنه لم َيدّع القدرة على التيان‬
‫بالمعجزات وما قال شيئا إل فعله وشاهد منه فى الحال أتباعه ‪ ،‬ولم ينسب إليه الصحابة معجزات لم يأت‬
‫(‪)6‬‬
‫بها أو أنكروا مبدأ صدورها منه ‪ ،‬فأى برهان أقطع من ذلك "‬
‫(‪ )1‬الرسول الخاتم ‪ ،‬لحمد ديدات ص ‪. 65‬‬
‫توماس كارليل ‪ .‬عن المرجع سابق ص ‪. 65‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سورة‪ :‬سبأ ‪ -‬الية‪.28 :‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ل عن محمد ( ) فى الدراسات الستشراقية المنصفة ص ‪. 108‬‬
‫ميخائيل إيمارى ‪ :‬تاريخ المسلمين نق ً‬ ‫(‪)4‬‬
‫مولنا محمد على ‪ :‬حياة محمد ورسالته ص ‪. 280‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫بوسورث سميث ‪ :‬الدب فى أسيا ‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫والمعجزة – فى اصطلح علم الكلم – أمر خارق للعادة ‪ ،‬مقرون بالتحدى ‪ ،‬سالم عن‬
‫المعارضة (‪ )1‬والمعجزة دليل النبوة ‪ ،‬فل تصح نبوة بدون معجزة ‪ .‬وهذا مبدأ مقرر ومتواتر بالجماع عند‬
‫جدَ‬ ‫ن فَلَن ت َ ِ‬‫آلولِي َ‬
‫ّ‬ ‫ة‬
‫سن ّ َ‬ ‫النبيين والمرسلين ‪ .‬فقد سماها القرآن ‪ :‬سنة الولين ‪ :‬فَهَ ْ‬
‫ل يَنظُُرو َ‬
‫ن إِل ّ ُ‬
‫َ‬
‫‪ ،‬وسماها السلطان المبين ‪ :‬وَلَقَد ْ أْر َ‬
‫سلْنَا‬ ‫ً ‪(2‬‬
‫سنّةِ اللّهِ ت َ ْ‬
‫حوِيل‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬‫سنّةِ اللّهِ تَبْدِيل ً وَلَن ت َ ِ‬
‫لِ ُ‬
‫)‬

‫ملَئِهِ ‪. ) (3‬‬
‫ن وَ َ‬‫ى فِْرعَوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن إِل َ‬ ‫مبِي ٍ‬ ‫ن ّ‬ ‫سلْطَا ٍ‬‫ى بِآيَاتِنَا وَ ُ‬‫س َ‬ ‫مو َ‬‫ُ‬
‫فالمعجزة على أنواعها ‪ ،‬هى سلطان ال المبين لصحة النبوة ‪ ،‬وسننه المتواترة فى رسله ودعما‬
‫لدعوتهم ‪ .‬يقول المام السيوطى – رحمه ال – المعجزة نوعان ‪ " :‬إما حسية وإما عقلية ‪ .‬وأكثر‬
‫معجزات بنى إسرائيل كانت حسية لبلدتهم وقلة بصيرتهم ‪ .‬وأكثر معجزات هذه المة عقلية لفرط ذكائهم‬
‫وكمال إفهامهم ‪ ،‬ولن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة‬
‫(‪)4‬‬
‫العقلية الباقية ليراها ذوو البصائر " ‪.‬‬
‫ولذلك يقول المام البيهقى ‪ " :‬فأما العلم الذى اقترن بدعوته ولم يزل يتزايد أيام حياته ودام فى‬
‫أمته بعد وفاته فهو القرآن العظيم المعجز المبين وحبل ال المتين الذى هو كما وصفه به من‬
‫ب عَزِيٌز ل ّ يَأْتِيهِ الْبَاط ِ ُ‬
‫ل‬ ‫ه لَكِتَا ٌ‬
‫م وَإِن ّ ُ‬‫جآ َءهُ ْ‬ ‫ن كَفَُروا ْ بِالذ ّكْرِ ل َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ن الّذِي َ‬ ‫أنزل تعالى ‪ :‬إ ِ ّ‬
‫ن كَرِي ٌ‬
‫م‬ ‫ه لَقُْرآ ٌ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬إِن ّ ُ‬ ‫ميدٍ‬
‫ح ِ‬
‫حكِيم ٍ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل ّ‬ ‫خلْفِهِ تَنزِي ٌ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن يَدَيْهِ وَل َ ِ‬
‫من بَي ْ ِ‬
‫)‬ ‫‪(5‬‬
‫ِ‬
‫مكْنُو ٍ‬
‫ن‬ ‫ب ّ‬
‫فِي كِتَا ٍ‬
‫)‬ ‫‪(6‬‬

‫)‬ ‫‪(7‬‬
‫ل هُ َو قُرْآنٌ ّمجِيدٌ فِي َلوْحٍ ّمحْفُوظٍ‬‫بَ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫ه لَهُوَ الْعَزِيُز‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إِلَـهٍ إِل ّ الل ّ ُ‬
‫ه وَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ وَ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ص ال ْ َ‬
‫ص ُ‬‫ن هَـذ َا لَهُوَ الْقَ َ‬
‫إِ ّ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫)‬ ‫‪(8‬‬
‫م‬ ‫ال ْ َ‬
‫حكِي ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬قُل لّئ ِن اجتمعت النس وال ْجن عَل َ َ‬
‫ن‬ ‫ل هَـذ َا الْقُْرآ ِ‬
‫ن ل َ يَأتُو َ‬ ‫ى أن يَأتُوا ْ ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِْ ُ َ ِ ّ‬ ‫ِ ْ َ َ َ ِ‬
‫ً ‪(9‬‬
‫)‬
‫ض ظَهِيرا‬‫م لِبَعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ‬ ‫مثْلِهِ وَلَوْ كَا َ‬
‫ن بَعْ ُ‬ ‫بِ ِ‬
‫فأبان جل جلله أنه أنزله على وصف مباين لوصاف كلم البشر لنه منظوم وليس بمنثور ونظمه ليس‬
‫(‪)10‬‬
‫نظم الرسل ول نظم الخطب ول نظم الشعر ول هو كأسجاع الكهان ‪.‬‬
‫والرسول ( ) قد تحدى به قومه أن يأتوا بمثله إن كانوا يقدرون مدللً على صدق نبوته وصدق‬
‫ما أوحى إليه وأنه ليس بكلم البشر بل هو كلم رب العلمين ‪ .‬ثم يتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله‬
‫ت ‪ ) (11‬فلم يستطيعوه أيضا ثم كان التحدى‬ ‫مثْلِهِ ُ‬
‫مفْتََريَا ٍ‬ ‫سوَ ٍر ّ‬ ‫ل فَأْتُوا ْ بِعَ ْ‬
‫شرِ ُ‬ ‫مفتريات ‪ :‬قُ ْ‬
‫ْ‬
‫مثْلِهِ‬
‫من ّ‬ ‫سوَرةٍ ّ‬ ‫العظم أن يأتوا بسورة واحدة ‪ :‬فَأتُوا ْ ب ِ ُ‬
‫)‬ ‫‪(12‬‬

‫‪ -‬فكان من دلئل نبوته فى ذلك ما يأتى ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن الرسول ( ) ل يمكن أن يقول ما قال إل وهو واثق متحقق أنهم ل يستطيعونه ول يكون هذا‬
‫اليقين وقع له إل من قبل ربه الذى أوحى إليه به فوثق بخبره ‪.‬‬

‫(‪[ )2‬سورة‪ :‬فاطر ‪ -‬الية‪]43 :‬‬ ‫(‪ )1‬التقان فى علوم القرآن للسيوطى ‪.‬‬
‫(‪ )4‬التقان فى علوم القرآن ‪. 116 : 2‬‬ ‫(‪ )3‬سورة هود ‪. 97 :96‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫(‪ )6‬سورة‪ :‬الواقعة ‪. 78 : 76‬‬ ‫(‪ )5‬سورة‪ :‬فصلت ‪. 42 : 41‬‬
‫(‪ )8‬سورة‪ :‬آل عمران ‪ -‬الية‪. 62 :‬‬ ‫(‪ )7‬سورة‪ :‬البروج ‪. 22 : 21‬‬
‫(‪ )9‬سورة‪ :‬السراء ‪ -‬الية‪88 :‬‬
‫(‪ )10‬راجع ‪ :‬دلئل النبوة للمام البيهقى ص ‪ ، 20 ، 19‬دار الكتب العلمية بيروت ط ‪ 1405‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )12‬سورة‪ :‬البقرة ‪ -‬الية‪. 23 :‬‬ ‫(‪ )11‬سورة‪ :‬هود ‪ -‬الية‪. 13 :‬‬
‫‪ -2‬أنهم لما تحداهم الرسول ( ) وهم أهل لسان وفصاحة وشعر وخطابة ومع ما وقع معهم من حروب‬
‫وقتل لصناديدهم لم يستطع أحد منهم أن يدعى بأنه قادر على أن يأتى بسورة من مثله بل بان عجزهم ‪،‬‬
‫وفى بيان عجزهم بيان أيضا أنه ( ) فى العجز مثلهم إذ كان بشرا مثلهم لسانه لسانهم وعاداته عاداتهم‬
‫وطباعه طباعهم وزمانه زمانهم ‪ ،‬وإذا كان كذلك وقد جاء القرآن وجب القطع بأنه من عند ال تعالى‬
‫)‬
‫ومعجزة ودليل على نبوة محمد (‪) . (1‬‬
‫‪ -‬والقرآن الكريم يقدم لنا دليلين على صدق نبوة سيدنا محمد ( ) وأنها رسالة ال إلى العالمين ‪:‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن بِهِ وَ ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬
‫ب يُؤْ ِ‬
‫منُو َ‬ ‫ن آتَيْنَاهُ ُ‬‫ب فَالّذِي َ‬
‫ك الْكِتَا َ‬‫ك أَنَزلْنَآ إِلَي ْ َ‬
‫ل ‪ :‬يقول سبحانه ‪ :‬وَكَذَل ِ َ‬ ‫أو ً‬
‫ب‬
‫من كِتَا ٍ‬ ‫من قَبْلِهِ ِ‬ ‫ت تَتْلُو ِ‬‫ما كُن َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حد ُ بِآيَاتِنَآ إِل ّ الْكَافِرو َ‬‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬
‫ن بِهِ وَ َ‬ ‫من يُؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫هَـؤُلءِ َ‬
‫مبْطِلُو َ‬
‫ن‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫)‬
‫ك إِذا ً لّْرتَا َ‬
‫‪(2‬‬ ‫مين ِ َ‬ ‫خط ّ ُ‬
‫ه بِي َ ِ‬ ‫وَل َ ت َ ُ‬
‫فال تعالى يقرر أنه هو الذى أنزل الكتاب على محمد المى الذى لم يقرأ ولم يكتب ولم يتعلم ‪ ،‬مع‬
‫كل ما فيه من اليات والعلوم والتاريخ والحكمة والمعرفة وأخبار السابقين واللحقين ‪ ..‬أليست هذه آية‬
‫وإعجاز ‪.‬‬
‫يقول توماس كارليل عن شهادات محمد العلمية ‪ " :‬هناك اعتبار يجب أل نغفله أو ننساه ‪ ،‬وهو‬
‫‪ .‬والكثر من ذلك أن ال‬ ‫(‪)3‬‬
‫أنه لم يكن لديه أى تعليم مدرسى مما نسميه التعليم المنهجى على الطلق "‬
‫تعالى منزل هذا الوحى يشهد أن محمدا لم يكن ليستطيع أن يضيف أو يجمع ما فى هذا الكتاب من‬
‫محتويات ول يمكن أن يؤلفه ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أما الدليل الخر فهو القرآن نفسه ‪ :‬الذى يحمل دليله الذى يبرهن على أنه وحى إلهى من عند ال‬
‫يرا ‪. ) (4‬‬
‫ختِلَفا ً كَث ِ ً‬
‫جدُوا ْ فِيهِ ا ْ‬ ‫َ‬
‫عندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَ َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن وَلَوْ كَا َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن الْقُْرآ َ‬
‫أفَل َ يَتَدَبُّرو َ‬
‫وفى الدلئل ‪ :‬حكى الشيخ أبو سليمان الخطابى عن بعض أهل العلم أن الذى أورده المصطفى (‬
‫) على العرب من الكلم الذى أعجزهم عن التيان بمثله أعجب فى الية وأوضح فى الدللة من إحياء‬
‫الموتى أو إبراء الكمة والبرص لنه أتى أهل بلغة وأرباب الفصاحة ورؤساء البيان والمتقدمين فى‬
‫اللسن بكلم مفهوم المعنى عندهم كان عجزهم أعجب من عجز من شاهد المسيح عن إحياء الموتى لنهم‬
‫لم يكونوا يطيقون فيه ول فى إبراء الكمه والبرص ول يتعاطون علمه ‪ .‬وقريش كانت تتعاطى الكلم‬
‫الفصيح والبلغة والخطابة فدل أن العجز عنه إنما كان لن يصير علما على رسالته وصحة نبوته وهذا‬
‫(‪)5‬‬
‫حجة قاطعة وبرهان واضح ‪.‬‬
‫ولهذا وصفه الرسول ( ) بقوله ‪ .. " :‬ول يخلق عل كثرة الرد ‪ ،‬ول تنقضى عبره‬
‫‪ ،‬ول تفنى عجائبه ‪ ،‬هو الفصل ليس بالهزل ‪ ،‬ل يشبع منه العلماء ‪ ،‬ول تزيغ به‬

‫‪- 34 -‬‬
‫الهواء ‪ ،‬ول تلتبس به اللسنة ‪ ،‬هو الذى لم تنته الجن حين سماعه أن قالوا ‪:‬‬
‫)‬
‫"‬ ‫‪(6) (7‬‬
‫يَهْدِيَ إِلَى الّر ْ‬
‫شدِ فَآ َ‬
‫منّا بِهِ‬ ‫جبا ً‬
‫معْنَا قُْرآنا ً عَ َ‬
‫س ِ‬
‫إِنّا َ‬

‫(‪ )1‬راجع دلئل النبوة للبيهقى ص ‪ )2( 15‬العنكبوت ‪. 48 ، 47‬‬


‫(‪ )3‬راجع ‪ :‬القرآن معجزة المعجزات لحمد ديدات ص ‪ ، 20‬ترجمة محمد مختار ‪.‬‬
‫(‪ )5‬دلئل النبوة للبيهقى ص ‪. 17 ، 16‬‬ ‫(‪ )4‬النساء ‪. 82‬‬
‫(‪ )7‬رواه الترمذى فى فضائل القرآن ح ‪ 2906‬باب ما جاء فى فضل القرآن ( ‪. ) 172 /5‬‬ ‫(‪ )6‬الجن ‪. 2 ، 1‬‬
‫وقوله ( ) ‪ " :‬فيه نبؤكم ‪ ،‬وخبر ما كان قبلكم ‪ ،‬ونبأ ما بعدكم ‪ ،‬وحكم ما‬
‫بينكم ‪ ،‬ول يخقله طول الرد ول تنقضى عجائبه ‪ ،‬هو الحق ليس بالهزل ‪ ،‬من‬
‫سم به أقسط‬ ‫قال به صدق ‪ ،‬ومن حكم به عدل ‪ ،‬ومن خاصم به أفلح ‪ ،‬ومن ق َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬ومن عمل به أجر ‪ ،‬ومن تمسك به هدى إلى صراط مستقيم ‪" .‬‬
‫‪ -‬ولقد قرر القرآن الكريم نبوة محمد ( ) فى آيات كثيرة نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن محمدا ( ) لم يكن بدعا من الرسل وإنما مصدقا لما بين يديه من الكتب القديمة ‪ .‬فقال سبحانه ‪:‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫سولِهِ وَالْكِتَا ِ‬ ‫ى َر ُ‬ ‫ب الّذِي نَّز َ َ‬
‫ل عَل َ‬ ‫سولِهِ وَالْكِتَا ِ‬ ‫منُوا ْ بِاللّهِ وََر ُ‬
‫منُوا ْ آ ِ‬‫نآ َ‬‫يَا أيّهَا الّذِي َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫خر فَقَد ْ َ‬‫سلِهِ وَالْيَوْم ِ ال َ ِ ِ‬ ‫من يَكْفُْر بِاللّهِ وَ َ‬
‫ملَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ َوُر ُ‬ ‫ل وَ َ‬‫من قَب ْ ُ‬‫ل ِ‬ ‫ي أَنَز َ‬ ‫الّذِ َ‬
‫ضلَل ً بَعِيدا ً ‪. ) (2‬‬ ‫َ‬
‫منُوا ْ ‪ :‬أن الية نزلت فى جميع المؤمنين‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬‫يقول المام القرطبى ‪ :‬قوله ‪ :‬يَا أيّهَا الّذِي َ‬
‫ى‬ ‫ب الّذِي نَّز َ َ‬
‫ل عَل َ‬ ‫وَالْكِتَا ِ‬ ‫والمعنى ‪ :‬يا أيها الذين صدقوا أقيموا على تصديقكم وأثبتوا عليه‬
‫(‪)3‬‬
‫أى كل كتاب أنزل على النبيين ‪.‬‬ ‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ل ِ‬‫ي أَنَز َ‬
‫ب الّذِ َ‬
‫َوالْكِتَا ِ‬ ‫سولِهِ أى القرآن‬‫َر ُ‬
‫ولذلك يقول الرسول ( ) ‪ " :‬والذى نفسى بيده ل يسمع بى أحد من هذه المة‬
‫يهودى أو نصرانى ثم يموت ول يؤمن بالذى أرسلت به إل كان من أصحاب‬
‫(‪)4‬‬
‫النار "‬
‫ما عَلَي ْ َ‬ ‫فَإ َ‬ ‫فرسالته ( ) إلى الناس جميعا ‪:‬‬
‫ك‬ ‫موا ْ فَقَدِ اهْتَدَوا ْ وّإِن تَوَلّوْا ْ فَإِن ّ َ‬
‫سل َ ُ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ْ‬
‫)‬ ‫‪(5‬‬ ‫الْبَلَغُ‬
‫‪ -2‬أن ال قرر نبوته بأنه أمى ل يقرأ كتابا ول يخطه بيمينه ‪ ،‬ول جالس أحد من أهل العلم بالكتب‬
‫مبْطِلُو َ‬
‫ن‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ك إِذا ً لّْرتَا َ‬
‫مين ِ َ‬ ‫خط ّ ُ‬
‫ه بِي َ ِ‬ ‫ب وَل َ ت َ ُ‬ ‫ت تَتْلُو ِ‬
‫من قَبْلِهِ ِ‬
‫من كِتَا ٍ‬ ‫السابقة ‪ :‬وَ َ‬
‫ما كُن َ‬
‫‪.‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪ -3‬أن ال تعالى قرر نبوته بما حازه الرسول ( ) من أخلق حميدة ‪ ،‬وأوصاف الكمال ‪ .‬فوصفه تعالى‬
‫ق عَظِيم ٍ ‪. ) (7‬‬ ‫ك لَعَل َى ُ ُ‬
‫خل ٍ‬ ‫َ‬ ‫بأنه يعلو الخلق العظيم ‪ :‬وَإِن ّ َ‬
‫لم َ‬
‫ص‬
‫حرِي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م عَزِيٌز عَلَيْهِ َ‬
‫ما عَنِت ّ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ن أن ُف ِ‬ ‫سو ٌ ّ ْ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ووصفه بالرؤوف الرحيم ‪ :‬لَقَد ْ َ‬
‫جآءَك ُ ْ‬
‫م ‪. ) (8‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ن َرءُو ٌ‬
‫منِي َ‬ ‫م بِال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫عَلَيْك ُ ْ‬
‫)‬ ‫‪(9‬‬
‫ن‬
‫متّقُو َ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ه أ ُ ْولَـئ ِ َ‬
‫صدّقَ ب ِ ِ‬
‫ق وَ َ‬ ‫صد ْ ِ‬‫جآ َء بِال ّ‬ ‫ووصفه بالصدق ‪ :‬وَالّذِي َ‬
‫‪ -4‬أن ال قرر نبوته بأنه ( ) موصوف فى الكتب السابقة إما باسمه أو بأوصاف أمته ‪.‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫صدّقاً‬
‫م َ‬‫ل اللّهِ إِلَيْكُم ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫سَرائِي َ‬
‫ل إِنّي َر ُ‬ ‫م يَبَنِي إ ِ ْ‬‫مْري َ َ‬‫ن َ‬‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫يقول سبحانه ‪ :‬وَإِذ ْ قَا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫جاءَهُم‬
‫ما َ‬ ‫مد ُ فَل َ ّ‬
‫ح َ‬‫هأ ْ‬ ‫م ُ‬
‫س ُ‬
‫من بَعْدِي ا ْ‬ ‫ل يَأتِي ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫شرا ً بَِر ُ‬‫مب َ ّ‬
‫ن التّوَْراةِ وَ ُ‬ ‫م َ‬
‫ن يَدَيّ ِ‬ ‫لّ َ‬
‫ما بَي ْ َ‬
‫مبِين ‪. ) (10‬‬ ‫حٌر ّ‬‫س ْ‬‫ت قَالُوا ْ هَـذ َا ِ‬
‫بِالْبَيّنَا ِ‬

‫(‪ )2‬النساء ‪. 136‬‬ ‫(‪ )1‬رواه الترمذى فى فضائل القرآن ح ‪. 2905‬‬


‫(‪ )4‬رواه أحمد فى " مسنده " ‪ ،‬ومسلم فى كتاب اليمان ح ‪. 240‬‬ ‫(‪ )3‬الجامع لحكام القرآن فى تفسير الية ‪.‬‬
‫(‪ )6‬العنكبوت ‪. 48‬‬ ‫(‪ )5‬آل عمران ‪20‬‬
‫(‪ )8‬التوبة ‪128‬‬ ‫(‪ )7‬القلم ‪. 4‬‬
‫(‪ )10‬الصف ‪6‬‬ ‫(‪ )9‬الزمر ‪. 33‬‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫م وَكَانُوا ْ ِ‬ ‫معَهُ ْ‬‫ما َ‬ ‫صدّقٌ ل ّ َ‬‫م َ‬‫عندِ اللّهِ ُ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ّ‬‫م كِتَا ٌ‬ ‫جآءَهُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ويقول سبحانه ‪ :‬وَل َ ّ‬
‫ة اللّهِ عَلَى‬‫ما عََرفُوا ْ كَفَُروا ْ بِهِ فَلَعْن َ ُ‬‫م ّ‬ ‫جآءَهُ ْ‬ ‫ن كَفَُروا ْ فَل َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ن عَلَى الّذِي َ‬‫حو َ‬‫ستَفْت ِ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫‪(1‬‬
‫الْكَافِرِي َ‬
‫ن‬
‫‪ -5‬أن ال تعالى قرر نبوته بحفظه وعصمته له ‪ ،‬ومنعته ونصره ‪ ،‬وما ذاك إل لنه رسول ال حقا‬
‫وصدقا ‪.‬‬
‫والعصمة التى أوجبها ال تعالى لرسله تتعلق بالعتقادات ‪ ،‬والتبليغ ‪ ،‬والقوال ‪ ،‬والفعال ‪..‬‬
‫)‬ ‫‪(2‬‬
‫س‬
‫ن النّا ِ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه يَعْ ِ‬ ‫وخص رسولنا محمد ( ) بعصمة بدنه الشريف من القتل ‪:‬‬
‫‪ -‬عصمته ( ) دليل نبوته وسبيل حجية القرآن والسنة ‪:‬‬
‫قدم الوحى حياة الرسول ( ) وسيرته الطاهرة قبل البعثة دليلً على نبوته ( ) فقال سبحانه ‪:‬‬
‫من قَبْلِهِ أَفَلَ‬ ‫مرا ً ّ‬ ‫م عُ ُ‬ ‫م بِهِ فَقَد ْ لَبِث ْ ُ‬
‫ت فِيك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ه عَلَيْك ُ ْ‬
‫م َول َ أدَْراك ُ ْ‬ ‫ما تَلَوْت ُ ُ‬ ‫شآ َء الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫قُل لّوْ َ‬
‫)‬ ‫‪(3‬‬
‫تَعْقِلُو َ‬
‫ن‬
‫فهذه اليات كانت جوابا من النبى ( ) على ما طلبه المشركون منه بأن يأتيهم بقرآن غير هذا ل‬
‫يعيب آلهتهم أو يبدله من تلقاء نفسه حتى يقبلوا دعوته ولذلك كان الجواب ‪ :‬إ َ‬
‫ى‬‫ح َ‬‫ما يُو َ‬ ‫ع إِل ّ َ‬
‫ن أتّب ِ ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫ي ‪ ) (4‬والرسول ( ) يدل على صدقه وأمانته بأنه نشأ بينهم وكبر حتى بعث فلم ينتقدونه على شيء‬ ‫إِل َ ّ‬
‫يعيرونه به ‪ .‬لهذا لما سأل هرقل – ملك الروم – أبا سفيان ومن معه – وهو يومئذ ما زال على شركه –‬
‫(‬
‫فيما يسأله من صفة النبى ( ) قال ‪ :‬فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال أبو سفيان ‪ :‬ل‬
‫َ‬
‫من‬ ‫م ّ‬ ‫حبِهِ ْ‬‫صا ِ‬ ‫م يَتَفَكُّروا ْ َ‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫‪ 5‬ثم ينفى ال تعالى عنه الضلل والجنون فيقول جل جلله ‪ :‬أوَل َ ْ‬
‫)‬

‫ى ‪ ، ) (7‬وقال‬ ‫ما غَوَ َ‬‫م وَ َ‬‫حبُك ُ ْ‬


‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫ما َ‬
‫َ‬ ‫ن ‪ ) (6‬ويقول سبحانه ‪:‬‬ ‫مبِي ٌ‬‫ن هُوَ إِل ّ نَذِيٌر ّ‬ ‫جنّةٍ إ ِ ْ‬
‫ِ‬
‫ن هُوَ إِلّ‬ ‫جنّةٍ إ ِ ْ‬‫من ِ‬ ‫م ّ‬‫حبِك ُ ْ‬
‫صا ِ‬‫ما ب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ‪ ) (8‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫جنُو ٍ‬
‫م ْ‬‫م بِ َ‬‫حبُك ُ ْ‬
‫صا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫تعالى وَ َ‬
‫شدِيدٍ‬‫ب َ‬ ‫ي عَذ َا ٍ‬ ‫ن يَد َ ْ‬
‫م بَي ْ َ‬‫نَذِيٌر لّك ُ ْ‬
‫)‬ ‫‪(9‬‬

‫فهذه اليات كان التعبير فيها " بصاحبكم " تذكيرا لهل مكة – وهم أعرف الناس بمحمد ( ) –‬
‫أنه لم يفارقهم ‪ ،‬ولم يفارقوه ؛ بل صحبهم وصحبوه ‪ ،‬ولزمهم ولزموه ‪ ،‬ولذلك كان اتهامهم له ( )‬
‫بالضلل والجنون من باب الكبر والعناد ‪ ،‬والدليل حالته قبل البعثة واعترافهم له بالمانة ‪ ،‬والصدق‬
‫(‪)10‬‬
‫ورجاحة العقل والخلق القويم ‪.‬‬

‫‪- 36 -‬‬
‫ت‬
‫ن بِآيَا ِ‬‫مي َ‬ ‫ن الظّال ِ ِ‬ ‫ك وَلَـك ِ ّ‬
‫م ل َ يُكَذ ّبُون َ َ‬‫ولذلك يبين القرآن الكريم حالتهم فى قوله ‪ :‬فَإِنّهُ ْ‬
‫ن ‪ ) (11‬ولرسول ال ( ) خصوصية عصمته فى بدنه – أى من القتل – فيقول سبحانه ‪:‬‬ ‫حدُو َ‬‫ج َ‬‫اللّهِ ي َ ْ‬
‫مآ أُنزِ َ‬ ‫َ‬
‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫سالَت َ ُ‬
‫ت رِ َ‬‫ما بَلّغْ َ‬‫ل فَ َ‬‫م تَفْعَ ْ‬ ‫ك وَإِن ل ّ ْ‬‫من ّرب ّ َ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ل بَلّغْ َ‬
‫سو ُ‬
‫يَـأيّهَا الّر ُ‬
‫)‬ ‫‪(12‬‬
‫س‬
‫ن النّا ِ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ص ُ‬ ‫يَعْ ِ‬

‫(‪ )4‬يونس ‪15‬‬ ‫(‪ )3‬يونس ‪16‬‬ ‫(‪ )1‬سورة‪ :‬البقرة ‪ -‬الية‪ )2( 89 :‬المائدة ‪. 67‬‬
‫(‪ )5‬جزء من حديث طويل أخرجه البخارى فى كتاب بدء الوحى ( ‪ ، ) 44 – 42 /1‬ومسلم فى كتاب الجهاد والسير ح ‪. 1773‬‬
‫(‪ )9‬سبأ ‪. 46‬‬ ‫(‪ )8‬التكوير ‪22‬‬ ‫(‪ )7‬النجم ‪2‬‬ ‫(‪ )6‬العراف ‪184‬‬
‫(‪ )10‬راجع ‪ :‬رد شبهات حول عصمة النبى ( ) د‪ .‬عماد الشربينى ص ‪ . 36 ، 35‬ناقلً عن محمد رسول ال لمحمد صادق عرجون‬
‫(‪ )12‬المائدة ‪67‬‬ ‫(‪ )11‬النعام ‪33‬‬
‫ن‬
‫ستَهْزِئِي َ‬
‫م ْ‬ ‫‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪ :‬إِنّا كَفَيْنَا َ‬
‫ك ال ْ ُ‬
‫)‬ ‫‪(1‬‬

‫فى هذه اليات عصمة له ( ) من القتل وقد تحدى بهما الرسول ( ) قتله النبياء المرسلين من‬
‫بنى إسرائيل – يهود المدينة – بأنهم وإن كان وقع منهم قتل النبياء من قبل ‪ ،‬فهم مع محمد ( ) لم ولن‬
‫من قَبْلِي‬ ‫س ٌ‬
‫ل ّ‬ ‫جآءَك ُ ْ‬
‫م ُر ُ‬ ‫ل قَد ْ َ‬‫يفلحوا ‪ .‬ولذلك يذكرهم ال بمواقفهم من النبياء فى قوله ‪ :‬قُ ْ‬
‫ن ‪. ) (2‬‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫م إِن كُنت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م قَتَلْت ُ ُ‬
‫موهُ ْ‬ ‫ت وَبِالّذِي قُلْت ُ ْ‬
‫م فَل ِ َ‬ ‫بِالْبَيّنَا ِ‬
‫وكذلك يقرر ال تعالى عصمته فى تبليغ الوحى ‪ ،‬وشهادته سبحانه لمحمد ( ) بأداء واجب البلغ‬
‫على أكمل وجه ‪.‬‬
‫ى‬
‫ح َ‬
‫ي يُو َ‬ ‫ن هُوَ إِل ّ َو ْ‬
‫ح ٌ‬ ‫إِ ْ‬ ‫وىَ‬ ‫ن الْهَ َ‬‫ما يَنطِقُ عَ ِ‬ ‫يقول سبحانه ‪ :‬وَ َ‬
‫)‬ ‫‪(3‬‬

‫سول ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫صدَقَ الل ّ ُ‬ ‫ويقول سبحانه ‪ :‬وَ َ‬
‫)‬ ‫‪(4‬‬

‫م لَقَطَعْنَا‬
‫ثُ ّ‬ ‫مين‬ ‫ه بِالْي َ ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫خذ ْنَا ِ‬
‫ل َ‬ ‫ل‬‫ض القَاوِي ِ‬ ‫ل عَلَيْنَا بَعْ َ‬ ‫و تَقَوّ َ‬‫وقوله سبحانه ‪ :‬وَل َ ْ‬
‫فَما منك ُم م َ‬
‫ن‬‫جزِي َ‬ ‫حا ِ‬‫ه َ‬ ‫حدٍ عَن ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ن‬‫ه الْوَتِي َ‬
‫من ْ ُ‬
‫)‬
‫َ ِ ْ ّ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪(5‬‬

‫ُ‬
‫ل كَرِ ٍ‬
‫يم‬ ‫سو ٍ‬ ‫ه لَقَوْ ُ‬
‫ل َر ُ‬ ‫إِن ّ ُ‬ ‫ن‬
‫صُرو َ‬ ‫ما ل َ تُب ْ ِ‬ ‫وَ َ‬ ‫ن‬‫صُرو َ‬ ‫ما تُب ْ ِ‬‫م بِ َ‬ ‫س ُ‬‫وقوله سبحانه ‪ :‬فَل َ أقْ ِ‬
‫)‬ ‫‪(6‬‬

‫وَكَفَ َ‬
‫ى‬ ‫فهذه شهادات من الحق تبارك وتعالى لرسوله ( ) بعصمته فى تبليغ الوحى على أكمل وجه‬
‫‪.‬‬ ‫شهيدا ً‬ ‫ّ‬
‫بِاللهِ َ ِ‬
‫‪ -6‬كذلك يقرر القرآن نبوته ( ) بما أخبر به من الغيوب المستقبلية التى وقعت ى زمانه والتى ل تزال‬
‫تقع فى كل وقت ‪.‬‬
‫فمن ذلك إخبار القرآن الكريم بنبأ غلبة الروم وهم أهل كتاب – نصارى – بعد أن غلبوا ‪:‬‬
‫ن ‪ . ) (7‬وقد وقع هذا خلل‬ ‫َ‬
‫سيَغْلِبُو َ‬ ‫من بَعْدِ غَلَبِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ض وَهُم ّ‬
‫ي أدْنَى الْر ِ‬
‫فِ َ‬ ‫م‬ ‫غُلِب َ ِ‬
‫ت الّرو ُ‬
‫زمن النبوة ‪ ،‬والذى حدد بـ " بضع سنين " من الثلث إلى التسع سنوات ‪ .‬ودارت السنون ودالت الروم‬
‫على الفرس وانتصروا من بعد غلبهم ‪.‬‬

‫(‪ )4‬الحزاب ‪. 22‬‬ ‫(‪ )3‬النجم ‪4 ، 3‬‬ ‫(‪ )2‬آل عمران ‪183‬‬ ‫(‪ )1‬الحجر ‪. 95‬‬
‫(‪ )7‬سورة‪ :‬الروم ‪. 2‬‬ ‫(‪ )6‬الحاقة ‪40 – 38‬‬ ‫(‪ )5‬الحاقة ‪47 - 44‬‬

‫‪- 37 -‬‬
‫الفصل الثانى‬
‫شبهات المشككين وشهادات المنصفين غير‬
‫المسلمين‬

‫ويشتمل على تمهيد ومبحثين ‪:‬‬


‫المبحث الول ‪ :‬شبهات المشككين حول رسول الله ( )‬
‫والرد عليها ‪.‬‬
‫ويشتمل على ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬شبهاتهم حول غزوات الرسول ( ) والرد عليها ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬شبهاتهم حول أن الرسول ( ) هو مؤلف القرآن‬
‫الكريم والرد عليها ‪.‬‬
‫المبحث الثانى ‪ :‬شهادات المنصفين غير المسلمين حول‬
‫شخصية الرسول ( ) ونبوته ‪.‬‬

‫تمهيد ‪:‬‬
‫لقد اهتمت طائفة من الباحثين غير المسلمين بدراسة اللغة العربية والعلوم السلمية متخذين‬
‫السمت العلمى ‪ ،‬الموضوعى المنهجى وقد سموا بـ " المستشرقين " ‪ .‬حيث قاموا برصد كل نشاط‬
‫إسلمى ‪ -‬فكرى أو حركى ‪ -‬بما هو ميسر لهم من أدوات ‪ ،‬سواء بقراءة ما يكتبه المسلمون بلغاتهم ‪،‬‬
‫أو التحدث المباشر إليهم بألسنتهم لمعرفة أفكارهم وأحوالهم بقصد فتنة المسلمين عن دينهم ‪ ،‬وتشتيت‬
‫جهودهم وأفكارهم عن إقامة حركة بانية هادفة لتحقيق السلم فى الرض ‪ ،‬وذلك بإثارة القضايا‬
‫والشبهات والدعاوى للشوشرة على أذهان المسلمين وأرواحهم ‪ ،‬واستثارتهم للرد عليهم ‪ ،‬وإنفاق طاقتهم‬
‫فى هذه المحاولة بدلً من التفرغ للبناء ‪.‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫ويضم المستشرقين عددا من المسيحيين واليهود واللدينين الذين أظهروا الولء للبحث العلمى ‪،‬‬
‫وجعل الكثير منهم العلم أداة مسخرة لمخططهم وأغراضهم الخبيثة ‪ ،‬لهدم الدين والتشكيك فى نبوة رسول‬
‫ال ( ) ‪.‬‬
‫وهذا ل يمنع أن هناك طائفة أخرى من المستشرقين أخلصت للعلم ‪ ،‬فأقبلت على السلم تدرس‬
‫وتستنتج فى أمانة ودقة ثم خرجت على المل بآرائها الصادقة المنصفة ‪.‬‬
‫وفى هذا الفصل نورد آراء الفريقين ‪ :‬المشككين وأفكارهم والرد عليهم وتفنيدها ‪ .‬ثم فى المبحث‬
‫الخر نورد آراء المنصفين منهم ‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫شبهات المشككين حول رسول الله ( ) والرد عليها‬
‫لقد بلور المشككين اهتمامهم فى صورة بحوث ودراسات يتناولون فيها السلم من جوانب كثيرة‬
‫م إِن‬ ‫ى يَُردّوك ُ ْ‬
‫م عَن دِينِك ُ ْ‬ ‫حت ّ َ‬
‫َ‬ ‫وكذلك المسلمين ‪ :‬ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم وهدفهم ‪:‬‬
‫ستَطَاعُوا ْ ‪ ) (1‬ووسيلتهم خلط المور لتبدوا فى ظاهرها تجردا علميا يوهمون به المسلمين بأنهم دعاة‬‫ا ْ‬
‫قَد ْ بَد َ ِ‬
‫ت‬ ‫حق وأنهم يؤمنون بهذا الحق الناتج عن تجاربهم العلمية ولكنهم فى حقيقة المر ‪:‬‬
‫)‬ ‫‪(2‬‬
‫م أَكْبَُر‬
‫صدُوُرهُ ْ‬
‫في ُ‬
‫خ ِ‬ ‫م َو َ‬
‫ما ت ُ ْ‬ ‫الْبغْضآ ُء م َ‬
‫ن أفْوَاهِهِ ْ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ومن الشبه التى يثيرونها ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬شبهاتهم حول غزوات الرسول ( ) والرد عليها ‪.‬‬
‫ومن الشبه التى أثارها المستشرقون ‪ :‬أن غزوات الرسول ( ) وحروبه ما كانت إل من أجل‬
‫السيطرة والتسلط والقهر وانتزاع خيرات البلد ‪ ،‬واكتساب أرضا جديدة ذات خيرات كثيرة خاصة أنهم‬
‫‪ -‬لجأ إلى السيف – على حد قولهم – لنشر رسالته‬ ‫عاشوا فى بيئة صحراوية قفراء !! وكذلك أنه ‪-‬‬
‫وإجبار معتنقيها على ذلك !!!‬

‫(‪ )2‬آل عمران ‪118‬‬ ‫(‪ )1‬البقرة ‪217‬‬

‫‪‬رد الفرية ‪:‬‬


‫نقول ‪ :‬إن فى واقع البشر أن العدوان على الخرين يكون نتيجة طبيعية للحساس بالقهر والظلم‬
‫واليأس من العدل ‪ ..‬وهنا تفقد النفس ضوابطها ولم تعد لديها القدرة على احتمال مزيد من الظلم فيقع‬
‫العتداء ‪ ..‬اعتداء فى صورة قتال أو عنف ‪ ،‬أو إرهاب ‪ .‬وهذا ما يحدث فى كل المجتمعات فى واقعنا‬
‫المعاصر ‪ .‬ولكن محاولة الربط بين ذلك كله والسلم لمر قد جانبه كل الصواب والتبست فيه كل‬
‫المفاهيم الخاطئة ‪.‬‬
‫فالسلم قد نهى فى آيات كثيرة عن العدوان حتى فى أشد المواقف وأصعبها – فى ساحة القتال – فقال‬
‫ن‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫معْتَدِي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل َ يُ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫م وَل َ تَعْتَدُوَا ْ إ ِ ّ‬
‫ن يُقَاتِلُونَك ُ ْ‬
‫ل اللّهِ الّذِي َ‬ ‫سبحانه ‪ :‬وَقَاتِلُوا ْ فِي َ‬
‫سبِي ِ‬

‫‪- 39 -‬‬
‫‪ ) (1‬كما أن ال سبحانه وتعالى يحذر المسلمين من أن يحملهم بغضهم لقوم أن يعتدوا عليهم ‪ .‬فيقول‬
‫)‬ ‫ْ ‪(2‬‬
‫حَرام ِ أَن تَعْتَدُوا‬ ‫جدِ ال ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫صدّوك ُ ْ‬
‫م عَ ِ‬
‫َ‬
‫ن قَوْم ٍ أن َ‬ ‫شنَآ ُ‬‫م َ‬ ‫منّك ُ ْ‬ ‫سبحانه ‪ :‬وَل َ ي َ ْ‬
‫جرِ َ‬
‫َفمَنِ‬ ‫وإن وقع على المسلمين اعتداء فى حالة رده يشترط المثلية دون تجاوز ‪ .‬فيقول سبحانه ‪:‬‬
‫م فَعَاقِبُواْ‬ ‫ع َت َدىَ عََل ْي ُكمْ ‪ ، ) (3‬ويقول سبحانه ‪ :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن عَاقَبْت ُ ْ‬ ‫ع َتدُواْ عََليْ ِه ِب ِمثْلِ مَا ا ْ‬
‫ع َت َدىَ عََل ْي ُكمْ فَا ْ‬
‫اْ‬
‫ن‬ ‫‪.‬‬ ‫خيٌْر لّل ّ‬
‫صابِري َ‬
‫)‬ ‫‪(4‬‬
‫م لَهُوَ َ‬ ‫م بِهِ وَلَئِن َ‬
‫صبَْرت ُ ْ‬ ‫ما عُوقِبْت ُ ْ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫بِ ِ‬
‫ولذلك كان القتال فى السلم حالة مرتبطة بأوضاع وظروف ليست هلى أصل الحياة ‪.‬‬
‫ويمكن إيضاح ذلك فى التى ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬أن رسولنا محمد ( ) جعل ساحة القتال مجالً للتحضر النسانى فلم يجعل التحريض على القتال‬
‫لمجرد القتال دون أن يكون هناك مسوغا شرعيا واجتماعيَا وإنسانيا لهذه الدعوة ‪ .‬ولم يكن القتال أيضا‬
‫لشهوة نفس أو لسلطان فى الرض ول عقابا لكفر كافر أو لشرك مشرك ‪ .‬بل يمكن القول أن القتال فى‬
‫السلم ليس من معدن البغى والعدوان وجر الغنائم ؛ بل شرع لتمكين الحريات فى التفكير والعقائد‬
‫والعبادات – حتى ولو كانت لغير ال – وعدم تقييدها وسلبها ‪ ،‬ودفع الظلم عن المظلومين والمستضعفين‬
‫فى الرض ومنع فتنتهم فى دينهم حتى تنكسر النزعات النسانية الذميمة والرغبات الدنيئة من حب‬
‫استعباد الناس وقهرهم بقوة السلطان ‪.‬‬
‫وَقَاتِلُوهُ ْ‬
‫م‬ ‫ولقد جاء محمدا ( ) ليجعل أهداف الجهاد – القتال – مجملة فى أصل واحد وهو‬
‫ه لله ‪. ) (5‬‬
‫ن كُل ّ ُ‬ ‫ة وَيَكُو َ‬
‫ن الدّي ُ‬ ‫ى ل َ تَكُو َ‬
‫ن فِتْن َ ٌ‬ ‫حت ّ َ‬
‫َ‬
‫فالقتال إنما مقصوده العلى أن يكون فى سبيل ال ‪ ،‬ولتكون كلمة ال هى العليا وليس بطرا‬
‫ورئاء الناس ‪ ،‬حتى تكون بواعثه شريفة وغاياته النسانية عالية حتى لقد قال كتاب أوروبا ‪ " :‬إن العالم‬
‫(‪)6‬‬
‫لم يعلم فاتحا أرحم من العرب " ‪.‬‬

‫(‪ )5‬النفال ‪39‬‬ ‫(‪ )4‬النحل ‪126‬‬ ‫(‪ )3‬البقرة ‪194‬‬ ‫(‪ )2‬المائدة ‪2‬‬ ‫(‪ )1‬البقرة ‪190‬‬
‫(‪ )6‬الفيلسوف الفرنسى جوستاف لوبن‬
‫إن المتأمل للتاريخ يدرك أن المسلمين ما انتصروا من كثرة عدد ول عدة ‪ ،‬ولم يقاتلوا فى معركة‬
‫وهو أكثر عددا وعدة من الذين يقاتلونهم ‪ -‬اللهم إل يوم حنين ‪ ،‬حينما غر المسلمين كثرة عددهم وقالوا‬
‫لن نهزم اليوم من قلة فكانت الدائر عليهم قبل أن ينتصروا – ولذلك فإن العقل البشرى ل يمكن أن يقبل‬
‫أن ينتصر دائما السلح الضعف والقوة القل اللهم إل أن يكون هناك عوامل أخرى كامنة فى النفوس‬
‫المسلمة هى التى تحملهم دائما وتبشرهم بالنصر ‪ :‬من حسن التوكل على ال ‪ ،‬والصلة بال ‪ ،‬واليمان‬
‫به ‪ ،‬والخلص لدينه ‪ ..‬وما هُزموا إل بمعصية أو مخالفة ولم ينتصروا إل بطاعة والقرآن الكريم يؤكد‬
‫ل فِي‬ ‫ن الْتَقَتَا فِئ َ ٌ‬
‫ة تُقَات ِ ُ‬ ‫ة فِي فِئَتَي ْ ِ‬ ‫م آي َ ٌ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫ذلك فى مواضع كثيرة منها قوله تعالى ‪ :‬قَد ْ كَا َ‬
‫ْ‬ ‫ل اللّهِ وَأ ُ ْ‬
‫ن‬
‫شآ ُء إ ِ ّ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫صرِهِ َ‬ ‫ه يُؤَيّد ُ بِن َ ْ‬ ‫ن وَالل ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫م َرأيَ العَي ْ ِ‬ ‫مثْلَيْهِ ْ‬
‫م ّ‬‫خَرىَ كَافَِرةٌ يََروْنَهُ ْ‬ ‫سبِي ِ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫عندِ اللّهِ إ ِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫صُر إِل ّ ِ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫وقوله سبحانه وَ َ‬ ‫صارِ‬‫ك لَعِبَْرةً ل ُ ْولِي الب ْ َ‬ ‫فِي ذَل ِ َ‬
‫)‬ ‫‪(1‬‬

‫م ‪. ) (2‬‬ ‫حكِي ٌ‬‫عَزِيٌز َ‬

‫‪- 40 -‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن المسلمين فى بداية الدعوة وقع عليهم العتداء ‪ ،‬ولم يترك المشركين سبيلً لذى المسلمين إل‬
‫سلكوه ‪ ،‬والرسول ( ) يغذى أرواحهم بالقرآن ‪ ،‬ويربى نفوسهم على اليمان والصبر على الذى والصفح‬
‫الجميل وقهر النفوس مع أنهم أمة كما يقول أبو الحسن الندوى " رضعوا حب الحروب وكأنهم ولدوا مع‬
‫كُفّوَاْ‬ ‫السيف " ولكن الرسول ( ) يقهر طبيعتهم الحربية ويكبح نخوتهم العربية ويقول لهم ‪:‬‬
‫صلَةَ ‪ ) (3‬فكفوا أيديهم وتحملوا من قريش ما تسيل منه النفوس ألما فى غير جبن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا ْ ال ّ‬ ‫أيْدِيَك ُ ْ‬
‫م وَأقِي ُ‬
‫ومن غير عجز ‪.‬‬
‫ن كَفَُروا ْ لِيُثْبِتُو َ‬
‫ك‬ ‫ك الّذِي َ‬
‫مكُُر ب ِ َ‬ ‫والرسول ( ) لم يسلم من أذاهم حتى هموا بقتله ‪ :‬وَإِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن ‪ ) (4‬حتى بعد الهجرة‬ ‫ماكِرِي َ‬ ‫خيُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬‫ه وَالل ّ ُ‬
‫مكُُر الل ّ ُ‬ ‫مكُُرو َ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬
‫ك وَي َ ْ‬ ‫ك أَوْ ي ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫أَوْ يَقْتُلُو َ‬
‫منّا قُوّةً‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫ن أَ َ‬‫م ْ‬
‫َ‬ ‫إلى المدينة أخذوا يؤلبون عليه القبائل ‪ ،‬غرورا بقوتهم وإمكاناتهم حتى قالوا ‪:‬‬
‫‪ )(5‬فكان لبد من قوة ترهبهم ‪ ،‬وتكف أذاهم ‪ ،‬وترد اعتداءاتهم حتى ل يتحول المر إلى استسلم ومذلة‬
‫وخضوع ‪ ..‬فكان القتال فى صورة سلم فى كنفه حرية العتقاد والفكر ‪ ،‬ومنع الظلم ‪ ،‬وفرض المساواة‬
‫والعدل لكل الناس – مسلمهم وغير مسلمهم – ولذلك يقول سبحانه بعد أن أمر بالقتال وعدم العتداء ‪:‬‬
‫ن‬
‫معْتَدِي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َ تَعْتَدُوَا ْ إ ِ ّ‬ ‫ن يُقَاتِلُونَك ُ ْ‬ ‫ل اللّهِ الّذِي َ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫وَقَاتِلُوا ْ فِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل وَلَ‬ ‫ن الْقَت ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫ةأ َ‬ ‫م َوالْفِتْن َ ُ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫جوهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫موهُم وَأ ْ‬ ‫ث ثَقِفْت ُ ُ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وَاقْتُلُوهُ ْ‬
‫جَزآءُ‬ ‫ك َ‬ ‫م كَذَل ِ َ‬ ‫م فَاقْتُلُوهُ ْ‬ ‫م فِيهِ فَإِن قَاتَلُوك ُ ْ‬ ‫ى يُقَاتِلُوك ُ ْ‬ ‫حت ّ َ‬‫حَرام ِ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عنْد َ ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫تُقَاتِلُوهُ ْ‬
‫ة وَيَكُو َ‬
‫ن‬ ‫ن فِتْن َ ٌ‬ ‫ى ل َ تَكُو َ‬ ‫حت ّ َ‬
‫م َ‬ ‫م وَقَاتِلُوهُ ْ‬ ‫ه غَفُوٌر ّر ِ‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن انتَهَوْا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫ن فَإ ِ ِ‬ ‫الْكَافِرِي َ‬
‫رام‬
‫ح َ ِ‬ ‫ر ال ْ َ‬ ‫شهْ ِ‬ ‫م بِال ّ‬ ‫حَرا ُ‬ ‫شهُْر ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ن إِل ّ عَلَى الظّال ِ ِ‬ ‫ن انْتَهَوا ْ فَل َ عُدْوَا َ‬ ‫ن للّهِ فَإ ِ ِ‬ ‫الدّي ُ‬
‫م وَاتّقُواْ‬ ‫َ‬
‫ما اعْتَدَىَ عَليْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬‫مث ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م فَاعْتَدُوا عَليْهِ ب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن اعْتَدَىَ عَليْك ُ ْ‬ ‫ص فَ َ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫م ِ‬ ‫صا ٌ‬ ‫ت قِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫حُر َ‬
‫ن ‪ ) (6‬فكانت هذه اليات‬ ‫َ‬
‫متّقِي َ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫ه وَاعْل َ ُ‬ ‫الل ّ َ‬

‫(‪ )3‬النساء ‪77‬‬ ‫(‪ )2‬النفال ‪10‬‬ ‫(‪ )1‬آل عمران ‪13‬‬
‫(‪ )6‬البقرة ‪194 – 190‬‬ ‫(‪ )5‬فصلت ‪15‬‬ ‫(‪ )4‬النفال ‪30‬‬
‫هى قانون القتال فى السلم ‪ :‬إنها تُحد البتداء والنتهاء ‪ ،‬وتحد الغاية والداعى ‪ ،‬فسبب القتال هو‬
‫العتداء ‪ ،‬والفتنة فى الدين ‪ ،‬ابتدأ القتال بوجودهما ‪ ،‬وينتهى بانتهائهما ن فهما اللذان سوغا القتال ‪ ،‬وهما‬
‫ن ‪ ) (1‬ولذلك سوغ ال لرسوله‬ ‫مي َ‬‫ن إِل ّ عَلَى الظّال ِ ِ‬ ‫اللذان ينهيانه ‪ ،‬فَإ ِ ِ‬
‫ن انْتَهَوا ْ فَل َ عُدْوَا َ‬
‫والمسلمين من بعده كل طرق الغلب من غير أن يخرج المسلمون عن نطاق الحق ‪ ،‬عدم تجاوز العدوان‬
‫حدوده ‪ .‬ثم التقوى فى القتال – أى مجانية الخروج عن الحدود التى رسمها السلم لرد العتداء ‪-‬‬
‫والتقوى هنا شعور إسلمى خالص يزع المسلم أن يتجاوز حدود إنسانيته وإسلميه حتى فى ميدان القتال ‪،‬‬
‫حتى ولو أفرط الخصم فى عدوانه ‪ ..‬كل ذلك لئل يتخلى الخير عن خواصه ول المسلم عن نهجه ول أن‬
‫تنزلق الفضيلة لتنازع الرذيلة فى خواصها ‪ ،‬لن أخلقيات المسلم الذى رباه " محمد " ( ) لبد أن تظهر‬
‫(‪)2‬‬
‫فى كل أعماله حتى ولو كان ذلك فى مشتجر السيوف وساحات القتال ‪.‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أن الرسول ( ) حينما أذن له بالقتال وفتح البلدان لم يكره أحدا على الدخول فى السلم وإنما‬
‫أفسح المجال أمام الشعوب – التى كانت مستعبدة – لتتعرف على السلم وأخلقياته ومبادئه وتوازن بين‬
‫ما هم فيه من نظم أو ديانات فتختار عن حرية واعتقاد دون إكراه ما يتفق وحريتها ‪.‬‬
‫والسلم لم يجعل الكراه وسيلة من وسائل الدخول فيه ‪ ،‬بل جعل وسيلة ذلك إعمال العقل والفكر فى‬
‫ن ‪ ) (3‬وإنما مهمة الرسول ( ) هى البلغ‬ ‫حرية ودون أى قيود فقال سبحانه ‪ :‬ل َ إِكَْراهَ فِي الدّي ِ‬
‫ك إِل ّ الْبَلَغُ ‪. ) (4‬‬ ‫بالدعوة ابتداء ‪ ،‬والتبيان بالحجة انتهاء ‪ :‬إ ِ ْ‬
‫ن عَلَي ْ َ‬
‫فلم يكن السيف لقهر الناس وإجبارهم على اعتناق السلم ‪ ،‬وإنما لضمان حرية الرأى والتخلية بين الناس‬
‫شآءَ فَلْيَكْفُْر ‪. ) (5‬‬
‫من َ‬ ‫شآ َء فَلْيُؤْ ِ‬
‫من وَ َ‬ ‫والدعوة إلى ال ‪ ،‬ثم بعد ذلك ‪ :‬فَ َ‬
‫من َ‬
‫ولو أن السلم قهر الشعوب بالسيف – كما يزعمون – فكيف نفسر وجود أبناء ديانات أخرى فى البلد‬
‫المسيحية ‪ ،‬وما بقى فى البلد المفتوحة من يعتنق غير السلم سواء عن قناعة أو قهر وما بقيت معابد‬
‫النار تمل بلد فارس وكرمان وخراسان بعد فتح المسلمين لهذه البلد ‪ ..‬ولكن شاءت إرادة ال أن يُحمل‬
‫السيف ل ليقهر الناس ولكن ليؤدب به الذين يحولون دون وصول العقيدة الصحيحة للناس ثم بعد ذلك من‬
‫شاء آمن ومن شاء بقى على عقيدته ‪ .‬ولذلك كان الرسول ( ) يقول لرجاله ‪ " :‬تألفوا الناس‬
‫وتأنوا بهم ‪ ،‬ول تغيروا عليهم حتى تدعوهم ‪ ،‬فما على الرض من أهل مدر ول‬
‫وبر ‪ ،‬أن تأتونى بهم مسلمين أحب إلى من تأتونى بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا‬
‫رجالهم "‬ ‫(‪) 6‬‬

‫إن نبينا محمدا ( ) قد جعل ميدان القتال – كما ذكرنا سابقا – ميدانا للتحضر النسانى الراقى ‪.‬‬
‫فأعلن القانون السلمى العظيم الذى يجمع فيه أصول الرحمة – وهى العتبارات النسانية ‪ -‬مع‬
‫الملحمة – وهى المتطلبات الضرورية ‪ .‬فقال ( ) ‪ ( :‬أنا نبى المرحمة ‪ ،‬وأنا نبى الملحمة )‬
‫وهما متناقضين لم‬

‫(‪ )5‬الكهف ‪29‬‬ ‫(‪ )4‬الشورى ‪48‬‬ ‫(‪ )3‬البقرة ‪456‬‬ ‫(‪ )2‬راجع ‪ :‬فى ظلل القرآن لسيد قطب ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬البقرة ‪193‬‬
‫(‪ )6‬راجع ‪ :‬خاتم النبيين للمام محمد أبو زهرة ص ‪ ، 2‬دار الفكر العربى مصر ‪.‬‬
‫يستطع أى قانون بشرى أن يوفق بينهما ‪ .‬وذلك حتى يستقر فى قلب المسلم المجاهد بأن يضرب بيد‬
‫العدالة ل بيد البطش والتنكيل ‪ ،‬وعندما تضرب فى الملحمة يكون لدرء الفتن وتحقيق المان وليس لعلء‬
‫جاه ول سلطان ‪ .‬فجعل ( ) التقاء المرحمة والملحمة التقاء تكامل وليس التقاء نقيضين ‪ ...‬التقاء لتحرير‬
‫المستضعفين من الرجال والولدان والنساء ‪ ...‬التقاء حتى يكون الدين كله ل ‪ ...‬التقاء حتى يكون القتال‬
‫فى سبيل ال بكل آدابه وأخلقياته وهذا ما يميز حروب المسلمين عن غيرها من الحروب ‪.‬‬
‫يقول المؤرخ النجليزى جيبون ( ‪ : ) 1794 – 1737‬إن شريعة خبيثة قد ألصقت " بأمة محمد " وهى‬
‫واجب استئصال جميع الديان بالسيف ‪ ...‬يقول ‪ :‬أن هذه التهمة الجاهلة والمتطرفة يدحضها القرآن كما‬
‫يدحضها تاريخ الفتوحات السلمية ‪ ،‬وما اشتهر الفاتحون به من تسامح تجاه العبادة المسيحية معروف‬
‫(‪)1‬‬
‫ومشروع "‬

‫‪- 42 -‬‬
‫ولقد فطن لبطلن ادعاء انتشار السلم بالسيف " توماس كارليل " حيث قال فى كتابه " البطال وعبادة‬
‫البطولة " ‪ " :‬إن اتهامه – أى السلم ورسوله ( ) – بالتعويل على السيف فى حمل الناس على‬
‫الستجابة لدعوته سخف غير مفهوم ‪ ،‬إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس‬
‫‪ ،‬أو يستجيبوا له ‪ ،‬فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم ‪ ،‬فقد أمنوا به طائعين مصدقين ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وتعرضوا للحروب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها "‬
‫ويذكر الفيلد مرشال مونتجمرى فى كتابه – الحرب عبر التاريخ – إنسانية حروب المسلمين حين ذكر أن‬
‫المسلمين ‪ " :‬كانوا يستقبلون فى كل مكان يصلون إليه كمحررين للشعوب من العبودية ‪ ،‬وذلك لما اتسموا‬
‫به من تسامح وإنسانية وحضارة ‪ ،‬فزاد إيمان الشعوب بهم ‪ ،‬علوة على تميزهم فى نفس الوقت بالصلبة‬
‫والشجاعة فى القتال ‪ ،‬وقد أدى كل هذا إلى اعتناق معظم الشعوب التى انتصر عليها العرب للدين‬
‫(‪)3‬‬
‫السلمى "‬
‫رابعا ‪ :‬أن الرسول ( ) لم يعلن قانون " المعاملة بالمثل " والمعروف الن كعرف دولى فى حالة الحروب‬
‫‪ .‬فحروب المسلمين مقيدة بالفضيلة والخلق السامية فإذا انتهك الخر حرمات الفضيلة فل ينتهكها‬
‫المسلمون ‪ ،‬فالنطلق من قيود الفضيلة عند الخر ل يبيح للفاضل أن ينطلق هو أيضا من قيودها ‪.‬‬
‫ولذلك وضع الرسول ( ) آداب وأخلقيات يجب أن تراعى فى ساحة التحضر النسانى – ساحة القتال –‬
‫نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم قتل النساء والطفال والشيوخ ‪:‬‬
‫‪ .‬وقوله ( ) ‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫فعن ابن عمر ( ) ‪ " :‬أن النبى ( ) نهى عن قتل النساء والصبيان "‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫( ل تقتلوا شيخا ً فانيا ً ول طفل ول امرأة )‬
‫(‪ )1‬محمد ( )المثال السمى ‪ ،‬لحمد ديدات ص ‪. 25 ، 24‬‬
‫(‪ )2‬حقائق السلم وأباطيل خصومه ص ‪ 166‬طباعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحرب عبر التاريخ ‪ ،‬تعريب فتحى عبد ال النمر ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخارى ح ‪ ، 3015 ، 2528‬ومسلم ح ‪. 1744‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود ح ‪. 2614‬‬
‫وروى ابن عباس ( ) فى قوله تعالى ‪ " :‬ول تعتدوا " ‪ .‬يقول ‪ :‬ول تقتلوا النساء والصبيان‬
‫وعن عمر بن الخطاب ( ) أنه أوصى سلمة بن قيس فقال ‪ " :‬ل تقتلوا امرأة ‪ ،‬ول‬ ‫(‪) 1‬‬
‫والشيخ الكبير ‪.‬‬
‫صبيا ‪ ،‬ول شيخا هرما " ‪ .‬وقد أومأ النبى ( ) هذه العلة فى المرأة التى قتلت فى الحرب فقال ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫( ما بال هذه قتلت وهى ل تقاتل )‬
‫ولقد كان ( ) يغضب إذا بلغه أن بعض قواده قتلوا أحدا من هؤلء الضعفاء ‪ ،‬كما رُوى أن أحد‬
‫قواده قتل بعض الطفال – عن خطأ – فوقف ( ) يقول لجنده ‪ ( :‬ما بال أقوام تجاوز بهم‬
‫القتال حتى قتلوا الذرية ‪ ،‬أل ل تقتلوا الذرية ‪ ،‬أل ل تقتلوا الذرية )‬
‫وإذا قورنت هذه الخلقيات بأخلقيات الحروب الحديثة ‪ ،‬ففى الحرب العالمية الثانية أصدر هتلر‬
‫التعليمات التية لقادة جيوشه ‪ :‬يجب محو موسكو ولننجراد من على الرض للتخلص تماما من سكان‬
‫المدينة حتى ل نضطر لطعامهم فى فترة الشتاء وتقوم الطائرات بالبادة وليست هناك ضرورة لستخدام‬

‫‪- 43 -‬‬
‫الدبابات ‪ ،‬وبالنسبة للمدن الخرى فينبغى أن تكون القاعدة هى ‪ " :‬قبل غزوها ينبغى أن تتحول إلى‬
‫أنقاض بنيرات المدافع والغارات الجوية " ‪.‬‬
‫ويروى المؤرخ الرومانى " بلوتارك " أن القائد الرومانى " ماريوس " عندما سار لغزو بلد‬
‫اليونان قال لصحابه ‪ " :‬ل تدعوا على ظهرها إنسانا حيا إل قتلتموه ‪ ،‬ول زرعا إل أحرقتموه ليعرف‬
‫(‪)3‬‬
‫الناس أنكم الرومان "‬
‫‪ -2‬ل يقتل العمى ول الزمنى ول الراهب ول الفلحين ول الصناع ول تقطع شجرة مثمرة ‪:‬‬
‫وهذه الوصية نقلها الخليفة الصديق أبو بكر ( ) ووصى بها أسامة بن زيد ( ) وجيشه فقال ‪ " :‬يا أيها‬
‫ل صغيرا‬
‫الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى ‪ " :‬ول تخونوا ‪ ،‬ل تغلوّا ‪ ،‬ول تمثلوا ‪ ،‬ول تقتلوا طف ً‬
‫‪ ،‬ول شيخا كبيرا ‪ ،‬ول امرأة ‪ ،‬ول تعقروا نخلً ول تحرقوه ‪ ،‬ول تقطعوا شجرة مثمرة ‪ ،‬ول تذبحوا شاة‬
‫ول بقرة ول بعيرا إل لمأكله ‪ ،‬وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم فى الصوامع – أى العبادة –‬
‫فدعوهم وما فرغوا أنسهم له ‪ ،‬وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام ‪ ،‬فإذا أكلتم مكنها‬
‫(‪)4‬‬
‫شيئا بعد شيء فاذكروا اسم ال عليها "‬
‫‪ -3‬عدم نقض العهد ‪:‬‬
‫روى أحمد فى مسنده أن معاوية بن أبى سفيان ( ) كان يسير بالجيش فى أرض الروم ‪ ،‬وكان‬
‫‪ ،‬فأرادوا أن يدنوا منهم فإذا انقضى المد غزاهم ‪ .‬فإذا شيخ فى الجيش ينادى ‪ :‬وفاء ل‬ ‫(‪)5‬‬
‫بينه وبينهم أمد‬
‫غدر يا معاوية ‪ .‬إن رسول ال ( ) قال ‪ ( :‬من كان بينه وبين قوم عهد فل يحلن عقده‬
‫ول يشدها حتى ينقضى أجلها ‪ ،‬أو ينبذ إليهم على سواء ) فلما سمع معاوية ذلك رجع‬
‫(‪)6‬‬
‫بالجيش ‪.‬‬

‫ابن جرير الطبرى فى تفسيره ( ‪ ) 110 /2‬الية ‪ 190‬البقرة ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫أخرجه أبو داود فى الجهاد ‪ ،‬وأحمد فى مسنده ( ‪ )5959‬وقال أحمد شاكر ‪ :‬صحيح السناد ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المدخل إلى العقيدة والستراتيجية العسكرية السلمية ‪ ،‬للواء أ ‪ .‬ح ‪ /‬محمد جمال الدين محفوظ ص ‪. 19 ، 18‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ المم والملوك للطبرى ( ‪. ) 47 / 4‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪ )6‬رواه أحمد فى مسنده‬ ‫المد ‪ :‬العهد‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫ويقول ( ) ‪ ( :‬إنى ل أخيس بالعهد ‪ ،‬ول أحبس الرسل – أى رسل الحرب )‬
‫(‪)1‬‬

‫وقال ( ) ‪ ( :‬من قتل معاهدا ً لم يرح رائحة الجنة ‪ ،‬وإن ريحها توجد من مسيرة‬
‫َ‬
‫‪ ،‬وقوله‬ ‫م‬‫أربعين عاما ً ) ‪ 2‬وهذا امتثالً لمر ال تعالى ‪ :‬وَأوْفُوا ْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذ َا عَاهَدت ّ ْ‬
‫)‬ ‫‪(3‬‬ ‫( )‬

‫َ‬
‫من‬ ‫خافَ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫وقوله سبحانه ‪ :‬وَإ ِ ّ‬
‫ما ت َ َ‬ ‫م ‪، ) (4‬‬‫مدّتِهِ ْ‬‫ى ُ‬ ‫م عَهْدَهُ ْ َ‬
‫م إِل َ‬ ‫سبحانه ‪ :‬فَأت ِ ّ‬
‫موَا ْ إِلَيْهِ ْ‬
‫سوَآءٍ‬
‫ى َ‬ ‫ة فَانْبِذ ْ إِلَيْه ْ َ‬ ‫قَوْم ٍ ِ‬
‫م عَل َ‬ ‫خيَان َ ً‬
‫)‬ ‫‪(5‬‬
‫ِ‬
‫‪ -4‬عدم هدم المنازل وحرق الزرع وقتل الدواب وفتح السدود لغراق العدو ‪:‬‬
‫يقول ابن قدامة فى‬ ‫(‪)7‬‬
‫‪ ،‬ونهى أن يقتل شيئا من الدواب صبرا‬ ‫(‪)6‬‬
‫نهى رسول ال ( ) عن قتل النحل‬
‫المغنى ‪ :‬كذلك الحكم فى فتح البثوق – السدود – عليهم لغراقهم ‪ ،‬وإن قدر عليهم بغير لم يجز إذا‬
‫(‪)8‬‬
‫تضمن ذلك إتلف النساء والذرية الذين يحرم إتلفهم قصدا ‪..‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫‪ -5‬منع التمثيل بجثث العداء ‪:‬‬
‫نهى رسولنا محمد ( ) عن المثلة وعن تشويه الجسام ‪ ،‬كما أوجب على المسلمين دفن القتلى – أى قتلى‬
‫العدو – حتى ل يتركوا نهبا للوحوش والطيور وهذا تكريما للنفس النسانية ولجسد النسان وما حدث فى‬
‫قتلى بدر خير دليل على ذلك قد أمر ( ) المسلمون بأن يضعوا قتلى المشركين فى القليب – بئر جاف –‬
‫حتى ل تنهش أجسادهم الوحوش ‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة ‪ :‬ويكره نقل رؤؤس المشركين من بلد إلى بلد ‪ ،‬والمثلة بقتلهم وتعذيبهم لما روى سمره‬
‫(‪)9‬‬
‫بن جندب ( ) قال ‪ :‬كان النبى ( ) يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة ‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم قتل السرى ‪:‬‬
‫ففى غزوة بدر عنى رسول ال ( ) بالسرى‪ ،‬فلم يقتلهم ولم يعذبهم حتى إن بعض المسلمين رأى‬
‫أن الثخان فى القتل أحب من استبقاء السرى ‪ ،‬ولكن الرسول ( ) قال لهم ‪ ( :‬استوصوا بهم خيراً‬
‫)‪.‬‬
‫كما أنه نهى أن يفرق بين الم وولدها فى السر ‪ .‬فقد روى أبو أيوب ( ) قال ‪ :‬سمعت رسول‬
‫ال ( ) يقول ‪ ( :‬من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم‬
‫وفى زمن معاوية ( ) نقض الروم عهدهم مع المسلمين ‪ ،‬وفى يدهم رهائن للروم ‪،‬‬ ‫(‪)10‬‬
‫القيامة )‬
‫فامتنع المسلمون جميعا عن قتلهم وخلوا سبيلهم وقالوا ‪ :‬وفاء بغدر خير من غدر بغدر لقول الرسول ( )‬
‫(‪)11‬‬
‫من خانك )‬ ‫‪ ( :‬أد المانة إلى من ائتمنك ول تخن‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود ح ‪ ، 2758‬وصححه اللبانى ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخارى ح ‪3166 ، 2995‬‬
‫(‪ )5‬النفال ‪. 58‬‬ ‫(‪ )4‬التوبة ‪4‬‬ ‫(‪ )3‬النحل ‪91‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود ح ‪ ، 5267‬وابن ماجة ح ‪ ، 3224‬والدارمى ح ‪ 1999‬ومالك ح ‪ ، 447‬وأحمد فى المسند ‪. 3242 / 3067‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخارى ح ‪ ، 5514‬ومسلم ح ‪ 1550‬وأبو داود ح ‪ ، 2816‬وأحمد ‪. 94 / 2‬‬
‫(‪ )8‬المغنى مع الشرح حـ ‪ ، 12‬ص ‪. 672‬‬
‫(‪ )9‬المغنى مع الشرح حـ ‪ 12‬ص ‪. 675‬‬
‫(‪ )10‬أخرجه الترمذى ‪.‬‬
‫(‪ )11‬أخرجه أبو داود ح ‪ ، 3534‬وأحمد فى مسنده ( ‪ ، ) 414 / 3‬وأورده البيهقى ى مسنده ( ‪) 277 / 1‬‬
‫‪ -7‬عدم انتهاك حرمات العداء ‪:‬‬
‫حدّ – أى أقيم عليه الحد – لن الزنى فى ذاته فاحشة ‪ ،‬وانتهاك‬
‫فإذا وطئ مسلم امرأة من العداء ُ‬
‫أعراض الناس – كل الناس – جريمة وأخلق المسلمين ل تتجزأ ‪ .‬فقد روى حارث بن نبهان عن إبان بن‬
‫عثمان عن النبى ( ) أنه قال ‪ ( :‬انهوا جيوشكم عن الفساد ‪ ،‬فإنه ما فسد جيشا ً قط‬
‫إل قذف الله فى قلوبهم الرعب ‪ ،‬وانهوا جيوشكم عن الغلول ‪ ،‬فإنه ما غل‬
‫جلَة ‪ ،‬وانهوا جيوشكم عن الزنى فإنه ما‬‫جيش قط إل سلط الله عليهم الَر َ‬
‫زنى جيش قط إل سلط الله عليهم الموتان )‬
‫(‪)1‬‬

‫هذه هى أخلقيات رسول ال ( ) المتحضرة فى ميدان القتال ‪ .‬وإذا قارنا بينها وبين ما يحدث الن‬
‫لوجدنا المقارنة مستحيلة ‪ .‬وإذا قارنا عدد القتلى لوجدنا البون شاسعا ‪:‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫فى حروب المسلمين سواء كانت غزوات أو سرايا أو مناوشات والتى ابتدأت فى السنة الثانية للهجرة‬
‫ودامت حتى السنة التاسعة أى ما يقرب من ثمان سنوات فلم يزد عدد المقتولين من الفريقين – المسلم‬
‫وغير المسلم – على ألف وثمانية عشر نفسا ( ‪ . ) 1018‬المسلمون منهم ‪ 259‬شهيدا ‪ ،‬وغير المسلم‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ 759‬قتيلً‬
‫أما فى الحرب العالمية ‪ 1918 – 1914‬م فبلغ عدد قتلهم سبعة مليين ‪ ،‬والمصابون واحد‬
‫وعشرين مليون نفس ‪ .‬أما الحرب العالمية الثانية ‪1939‬م ‪ .‬فعدد المصابين ل يقل عددهم عن خمسين‬
‫(‪)3‬‬
‫مليون نفسا ‪.‬‬
‫وبعد هذه العجالة الن نتساءل هل كان رسول ال ( ) حقا يريد أرضا جديدة ‪ ،‬وخيرات بلد‬
‫جديدة وسيادة جديدة ؟ وأى سيف استخدمه رسول ال ( ) حتى يدخل الناس فى دين ال ؟ فل نقول أكثر‬
‫مما قاله المستشرق " كارليل " إنه سيف العقل ! ‪.‬‬
‫ولذلك وصف ال تعالى هذا الدين بأنه سيسود فى العالم ويتغلب ويخلف وراءه كل دين آخر‬
‫هُو الّذ َ‬
‫ى بِاللّهِ‬ ‫ّ‬
‫ن كُلهِ وَك َ َف َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫حقّ لِيُظهَِرهُ عَلى الدّي ِ‬ ‫ه بِالْهُد َ َ‬
‫ى وَدِي ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ي أْر َ‬
‫َ ِ َ‬
‫شهِيداً ‪ ) (4‬سيسود لنه وعد ال ووعده حق ولكن ليس بقوة السيف ولكن بقوة الحجة والبرهان والبيان‬ ‫َ‬
‫والبلغ – أى بسيف العقل !!‬

‫ثانيا ً ‪ :‬شبهاتهم حول أن الرسول ( ) هو مؤلف القرآن !!! والرد عليها ‪:‬‬
‫يقول المستشرق اللمانى " بروكلمان " فى كتابه تاريخ الشعوب السلمية ‪ :‬كان محمدا يأخذ‬
‫بأسباب التحنث والتنسك ويسترسل فى تأملته حول خلصه الروحى ‪ ،‬ليالى بطولها فى غار حراء ‪،‬‬
‫قرب مكة ‪ .‬لقد تحقق عنده أن عقيدة مواطنيه الوثنية فاسدة فارغة ‪ ،‬فكان يفتح فى نفسه هذا السؤال ‪ :‬إلى‬
‫متى يمدهم ال فى ضللهم ‪ ،‬ما دام هو عز وجل قد تجلى آخر المر للشعوب الخرى بواسطة أنبيائه ؟‬
‫وهكذا نضجت فى نفسه الفكرة أنه مدعو إلى أداء هذه الرسالة ‪ ،‬رسالة النبوة ‪ ،‬ولكن حياءه الفطرى حال‬

‫(‪ )2‬هذه الحصائية من كتاب رحمة العالمين لمؤلفة محمد سليمان المنصور فورى‬ ‫(‪ )1‬الميزان ( ‪ )1649‬بإسناد فيه ضعف ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذا التقرير كتبه المستر ماكستن عضو البرلمان النجليزى واعتمدت فى النقل على كتاب مشروعية القتال فى السلم للدكتور ‪/‬‬
‫(‪ )4‬الفتح ‪28‬‬ ‫محمود محمد بابللى ‪.‬‬
‫بينه وبين إعلن نبوته فترة غير قصيرة ‪ ،‬ولم تتبدد شكوكه إل بعد أن خضع لحدى الخبرات الخارقة فى‬
‫غار حراء ‪ ،‬ذلك بأن طائفا تجلى له هناك يوما ‪ -‬هو الملك جبريل ‪ -‬فأوحى إليه أن ال اختاره‬
‫(‪) 1‬‬
‫لهداية المة ‪!!! .‬‬
‫فهذه المزاعم تطعن فى الوحى المنزل على رسول ال ( ) كما أنها تطعن فى عصمته فيما بلغه‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ج ِ‬‫خُر ُ‬
‫ة تَ ْ‬
‫م ً‬ ‫من الوحى عن ال تعالى ‪ ...‬وبالتالى تطعن فى رسالته ونبوته ( !! ) كَبَُر ْ‬
‫ت كَل ِ َ‬
‫ً ‪(2‬‬ ‫َ‬
‫)‬
‫م إِن يَقُولُو َ‬
‫ن إِل ّ كَذِبا‬ ‫أفْوَاهِهِ ْ‬
‫‪‬رد الفرية ‪:‬‬
‫نستطيع أن نرد على الفرية – بعون ال – فى نقاط ‪:‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫أولً ‪ :‬أن ما جاء به محمد ( ) وما بلغه وحى ال تعالى من عقائد وتشريعات فى العبادات والمعاملت ‪،‬‬
‫والحدود ‪ ،‬والجنايات ‪ ،‬والقتصاد ‪ ،‬والسياسة ‪ ،‬والخلق ‪ ،‬والداب ‪ ،‬وأحوال الحروب ‪ ،‬وأحوال السلم ‪،‬‬
‫‪ ....‬كل ذلك ل يمكن أن يكون وحيا نفسيا مبنيا على معلومات وأفكار مدخرة فى باطن الرسول ( ) لنها‬
‫تشريعات لم تكن موجودة وما عرفت فى الشرائع السابقة – سماوية أو غير سماوية – فكيف يوحى إليه‬
‫خياله أن يأتى بأشياء ل وجود لها وتخالف كل ما كان سائدا فى العقائد الموجودة كالوثنية ‪ ،‬والمجوسية ‪،‬‬
‫والتألية ‪ ،‬والتثليث وإنكار البعث ‪.‬‬
‫فإذا جاء بشرا برسالة – من نفسه كما يدعون – تخالف معتقدات قومه فإنه سوف يفتح على نفسه‬
‫أبواب التكذيب ‪ ،‬والمواجهة ‪ ،‬والصد ‪ ،‬واليذاء ‪ ..‬وهو فى غنى عن هذه الشياء لنه يريد أن يكون‬
‫مسموعا فى قومه ‪ ،‬مطاعا فمن باب أولى أن يأتيهم بما يقبلون ول يقول لهم إل ما يحبون ‪ .‬فكيف إذ هم‬
‫آذوه وآذوا أتباعه وناصبوه العدوان وقاطعوه وهموا أن يقتلوه وأخرجوه من بينهم ‪ ...‬أليس ذلك دليلً‬
‫على أن رسالته سامية إلهية ؟‬
‫ثانيا ‪ :‬اشتمل الوحى اللهى الذى بلغه رسول ال ( ) – قرآنا وسنة – على أسرار وغيوب أخبر عنها‬
‫ووقعت بعضها فى عهده ( ) وبعضها بعد وفاته ‪ ،‬وبعضها نراه بعيوننا فى وقتنا الحاضر ‪ ،‬واشتمال‬
‫الوحى أيضا على أسرار فى الكون والنفس والفات ‪ ،‬ما كانت لتخطر على بال بشر قط ‪ ،‬ولم يظهر‬
‫تأويلها إل بعد تقدم العلوم والمعارف فى العصر الحديث ‪ .‬وهى علوم ما كان لقوم محمد ( ) علقة بها‬
‫ول يمكن لعقولهم أن تدركها فكيف أدركها خيال محمد ( ) وتكلم عنها ؟!!‬
‫ثالثا ‪ :‬أن محمدا ( ) لم يكن يتلوا من كتاب ول خطة بيمينه ول اطلع على كتب السابقين ولم يكن من‬
‫كم َ‬ ‫الراسخين فى العلم ولذلك قال ال له ‪:‬‬
‫ت تَعْل َ ُ‬
‫مهَآ‬ ‫ما كُن َ‬ ‫حيهَآ إِلَي ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫ب نُو ِ‬‫ن أنْبَآءِ الْغَي ْ ِ‬ ‫تِل ْ َ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫متّقِي َ‬‫ة لِل ْ ُ‬
‫ن الْعَاقِب َ َ‬ ‫ل هَـذ َا فَا ْ‬
‫صبِْر إ ِ ّ‬ ‫من قَب ْ ِ‬
‫ك ِ‬ ‫ت وَل َ قَوْ ُ‬
‫م َ‬ ‫أن َ‬
‫)‬ ‫‪(3‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ الشعوب السلمية لبروكلمان ص ‪ ، 36‬وينظر رد شبهات حول عصمة النبى ( ) لعماد الشربينى ص ‪. 318 ، 317‬‬
‫(‪ )3‬هود ‪49‬‬ ‫(‪ )2‬الكهف ‪. 5‬‬
‫ك إِذا ً لّْرتَا َ‬
‫ب‬ ‫مين ِ َ‬ ‫خط ّ ُ‬
‫ه بِي َ ِ‬ ‫ب وَل َ ت َ ُ‬ ‫وقوله سبحانه ‪:‬‬
‫ت تَتْلُو ِ‬
‫من قَبْلِهِ ِ‬
‫من كِتَا ٍ‬ ‫ما كُن َ‬
‫وَ َ‬
‫)‬ ‫‪(1‬‬
‫مبْطِلُو َ‬
‫ن‬ ‫ال ْ ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫ويقول المصطفى ( ) ‪ ( :‬نحن أمة أمية ل نكتب ول نحسب )‬
‫ولقد كانت من حكمة أمية النبى ( ) – وال أعلم بحكمته – أمرين ‪:‬‬
‫المر الول ‪ :‬قطع أسباب الريب عن قصار النظر من هواة الباطل وضعاف الدراك حتى ل يقال أن‬
‫القرآن من صنعة محمد ( ) ومن تأليفه ‪ ,‬وسدا لهذه الذريعة أرادت إرادة ال تعالى وحكمته أن يكون‬
‫ه ‪. ) (3‬‬ ‫صاحب الدعوة أميا الل ّ َ‬
‫سالَت َ ُ‬ ‫جعَ ُ‬
‫ل رِ َ‬ ‫ث يَ ْ‬
‫حي ْ ُ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫المر الثانى ‪ :‬أن ال تعالى لم يرض أن يكون من البشر أستاذا ومعلما لصاحب الدعوة يجلس محمد ( )‬
‫بين يديه يتلقى عنه العلم ‪ .‬ولكن قضت مشيئته سبحانه أن يكون معلمه " ال الواحد الحد " بواسطة‬
‫ة‬ ‫ب وَال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ك الْكِتَا َ‬
‫ه عَلَي ْ َ‬ ‫روحه المين جبريل عليه السلم ولذلك يقول سبحانه ‪ :‬وَأَنَز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬

‫‪- 47 -‬‬
‫أما حكمة أمية قومه ( ) فتتجلى‬ ‫)‬ ‫‪(4‬‬ ‫ك عَظِيما ً‬
‫ل اللّهِ عَلَي ْ َ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫ن تَعْل َ ُ‬
‫م وَكَا َ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تَك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫َوعَل ّ َ‬
‫م َ‬
‫فى التى ‪:‬‬
‫‪ -1‬إعدام لوساوس شياطين النس والجن التى تزعم أن لمحمد معلم من البشر ‪ ،‬إذ كيف يكون لهذا المعلم‬
‫وجود فى بيئة أمية ‪ .‬ولو كان محمدا ‪ .‬وهو يعرفونه جيدا – ويتردد على واحد منهم لعرفوا ذلك وما‬
‫خفى عليهم هذا المر ‪.‬‬
‫‪ -2‬لما احتاج قومه أن يدعوا هذه الدعوة لم يجدوا عربيا واحدا من قومه أن يكون معلما لمحمد ( )‬
‫وَلَقَدْ‬ ‫فنسبوا تعليمه – زورا – لرجل أعجمى ل يعرف العربية ‪ .‬ولذلك فضحهم القرآن بقوله تعالى ‪:‬‬
‫نعل َ َ‬
‫ن‬
‫حدُو َ‬ ‫ن الّذِي يُل ْ ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫ثم يبطلون دعواهم بألسنتهم ل ّ َ‬ ‫شٌر‬‫ه بَ َ‬ ‫ما يُعَل ّ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن إِن ّ َ‬ ‫م يَقُولُو َ‬ ‫م أنّهُ ْ‬ ‫َْ ُ‬
‫)‬ ‫‪(5‬‬

‫ن ‪ . ) (6‬فكيف يتعلم رجل ل‬ ‫َ‬


‫مبِي ٌ‬ ‫ي ّ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٌ‬
‫لِ َ‬ ‫ي وَهَـذ َا‬ ‫م ّ‬‫ج ِ‬ ‫إِلَيْهِ أعْ َ‬
‫ك ُروحاً‬ ‫حيْنَآ إِلَي ْ َ‬ ‫وكَذَل ِ َ َ‬ ‫يعرف لغة معلمه ول معلمه يعر لغته ؟!! (‪ )7‬ولذلك يقول سبحانه ‪:‬‬
‫ك أوْ َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫شآءُ‬‫من ن ّ َ‬ ‫جعَلْنَاهُ نُورا ً نّهْدِي بِهِ َ‬ ‫ن وَلَـكِن َ‬ ‫ما ُ‬‫ب وَل َ الِي َ‬ ‫ما الْكِتَا ُ‬ ‫ت تَد ْ ِري َ‬ ‫ما كُن َ‬ ‫مرِنَا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ ْ‬
‫ت‬‫ماوا ِ‬
‫ّ َ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ما‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫الل‬ ‫ط‬‫ِ‬ ‫را‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫يم‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ست‬‫ّ ْ‬ ‫م‬ ‫ط‬
‫ٍ‬ ‫را‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫د‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫عب‬‫ِ‬ ‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ َ‬ ‫َِ‬
‫موُر ‪. ) (8‬‬ ‫َ‬
‫صيُر ال ُ ُ‬ ‫ض أل َ إِلَى اللّهِ ت َ ِ‬ ‫ما فِي الْر ِ‬ ‫وَ َ‬
‫رابعا ‪ :‬لو كان القرآن من صنعة محمد – وحاشاه ذلك – لما ارتضى محمدا ( ) أن يسجل العتاب على‬
‫نفسه أو أن يوجهه إليه ‪ ،‬إذ العتاب يثقل الوطأة على النفس الحساسة وعلى الشعور المرهف ‪ .‬والقرآن‬
‫ى ‪. ) (9‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يسجل آيات العتاب فى قوله تعالى ‪:‬‬
‫جآءَهُ العْ َ‬
‫م َ‬ ‫ى أن َ‬ ‫س وَتَوَل َ‬
‫عَب َ َ‬
‫خامسا ‪ :‬أن القرآن الكريم عندما تحدث عن النساء المصطفيات ‪ ،‬تكلم عن مريم عليها السلم وهى من‬
‫بنى إسرائيل قوم موسى عليه السلم ‪ ،‬وجاء القرآن يحمل سورة باسمها ‪ ،‬ولو كان القرآن من عند محمد‬
‫( ) فلماذا يختار مريم أم عيسى عليه السلم ولم يختار أمه آمنة بنت وهب أو زوجته خديجة أوعائشة أو‬

‫(‪ )4‬النساء ‪113‬‬ ‫(‪ )3‬النعام ‪. 124‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخارى‬ ‫(‪ )1‬العنكبوت (‪)48‬‬
‫(‪ )7‬راجع ‪ :‬افتراءات المستشرقين على السلم للدكتور عبد‬ ‫(‪ )6‬النحل ‪103‬‬ ‫(‪ )5‬النحل ‪103‬‬
‫(‪ )9‬عبس ‪2 ، 1‬‬ ‫(‪ )8‬الشورة ‪53 ، 52‬‬ ‫العظيم المطعنى ص ‪. 198 ، 191‬‬

‫إحدى بناته وما كان يعجزه ذلك ولكن حاشاه أن يفعل ذلك ‪ ,‬فلم يكن له خيار ولم يكن لديه الحق فى‬
‫)‬ ‫‪(1) (2‬‬
‫ى‬
‫ح َ‬
‫ي يُو َ‬
‫ح ٌ‬ ‫التعبير عن هواه ولكن إ ِ ْ‬
‫ن هُوَ إِل ّ َو ْ‬
‫سادسا ‪ :‬أن النبى ( ) لم يكن يستشرق النبوة ‪ ،‬وما كان يرجوها ن ولم يطمع فى حصولها له ولم يدون‬
‫المحدثون عنه ذلك كما دونوا لفرد فى الجاهلية يسمى أمية بن أبى الصلت كان يتوقع فى نفسه أن يكون‬
‫َ‬
‫من‬‫ة ّ‬‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫ك الْكِتَا ُ‬
‫ب إِل ّ َر ْ‬ ‫ى إِلَي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫جوَ أن يُلقَ َ‬
‫ت تَْر ُ‬ ‫نبيا ‪ .‬ولقد أيد القرآن ذلك فى قوله ‪ :‬وَ َ‬
‫ما كُن َ‬
‫َ ‪(3‬‬
‫)‬
‫ّرب ّك‬
‫سابعا ‪ :‬أن اختلء الرسول ( ) فى غار حراء كان بقدر ال تعالى ومقويا قويا لذلك الستعداد ‪ ،‬وعصمة‬
‫ربه له بالعزلة وعدم مشاركة المشركين فى شيء من عباداتهم وعاداتهم ولم يكن استعدادا للنبوة لنه لو‬
‫ول يدرى من هو إل‬ ‫(‪)4‬‬
‫كان لجل ذلك ما أرهبه رؤية الملك ول خاف على نفسه حين رآه أول مرة‬
‫عندما أعلمه بذلك ورقة بن نوفل ‪.‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫ثامنا ‪ :‬أن ال تعالى بين أن الوحى ليس نابعا من داخل محمد ( ) بل حمله جبريل عليه السلم من عند‬
‫ى قَلْب ِ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ن عَل َ‬
‫مي ُ‬
‫ح ال ِ‬ ‫ن نََز َ‬
‫ل بِهِ الّرو ُ‬ ‫ب الْعَال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ال فقال سبحانه ‪ :‬وَإِن ّ ُ‬
‫ه لَتَنزِي ُ‬
‫ن‬
‫مبِي ٍ‬‫ي ّ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫ن بِل ِ َ‬
‫سا ٍ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫منْذِرِي َ‬ ‫م َ‬ ‫لِتَكُو َ‬
‫ن ِ‬
‫)‬ ‫‪(5‬‬

‫فحامل الوحى ملك منفصل عن ذات محمد ( ) ليس خيالً فيه ‪ ،‬وله من الصفات التى بينها‬
‫ن‬
‫مكِي ٍ‬‫ش َ‬ ‫ْ‬
‫عند َ ذِي العَْر ِ‬ ‫يم ذِي قُوّةٍ ِ‬ ‫ل كَرِ ٍ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ه لَقَوْ ُ‬ ‫سبحانه وتعالى فى قوله ‪ :‬إِن ّ ُ‬
‫مطَاع ث َ َ‬
‫ما هُوَ عَلَى الْغَي ْ ِ‬
‫ب‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مبِي ِ‬‫ق ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن وَلقَد ْ َرآهُ بِالُفُ ِ‬ ‫جنُو ٍ‬ ‫م ْ‬‫م بِ َ‬ ‫حبُك ُ ْ‬
‫صا ِ‬
‫ما َ‬ ‫مينٍوَ َ‬ ‫مأ ِ‬‫ٍ ّ‬ ‫ّ‬
‫جيمٍ‬‫ن ّر ِ‬ ‫شيْطَا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ما هُوَ بِقَوْ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ضنِي ٍ‬
‫بِ َ‬
‫)‬ ‫‪(6‬‬

‫وقد جاءت أيضا إجابات القرآن الكريم عن أسئلة هواة الجدل الذين أرادوا الحرج لمحمد ( )‬
‫من يُحيِي‬ ‫ل َ‬ ‫ه قَا َ‬ ‫خلْقَ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫س َ‬ ‫مثَل ً وَن َ ِ‬‫ب لَنَا َ‬‫ضَر َ‬ ‫إجابات مفحمة ملجمة ‪ .‬ففى قوله تعالى ‪ :‬وَ َ‬
‫)‬ ‫‪(7‬‬
‫م‬‫ق عَلِي ٌ‬ ‫ل َ ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫و بِك ُ ّ‬ ‫مّرةٍ وَهُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫شأَهَآ أَوّ َ‬ ‫حيِي َها الّذِيَ أَن َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫مي ٌ‬‫ي َر ِ‬ ‫م َوهِ َ‬ ‫الْعِظَا َ‬
‫)‬ ‫‪(8‬‬
‫مّرةٍ‬ ‫ل َ‬ ‫م أَوّ َ‬ ‫ل الّذِي فَطََرك ُ ْ‬ ‫من يُعِيدُنَا قُ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سيَقُولُو َ‬ ‫فَ َ‬ ‫وقوله سبحانه ‪:‬‬
‫وغير ذلك من اليات المحكمات التى تضيء مع غيرها فى القرآن الكريم – معجزة محمد الولى‬
‫– العقد النورانى فى السيرة المحمدية الكونية لخراج الكون من الظلمات إلى النور بإذن البارئ عز وجل‬
‫فالتصديق بال الواحد الحد هو فى نفس الوقت تصديق برسالة محمد ( ) التى تبلورت فيها رسالت‬
‫(‪) 9‬‬
‫النبياء والمرسلين السابقين جميعا ‪.‬‬
‫يقول المام الماوردى – رحمه ال – قال بعضهم ‪ :‬صاروا أنبياء باللهام ل بالوحى وهذا فاسد‬
‫من وجهين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن ما بطل به إلهام المعارف فى التوحيد كان إبطال المعارف به فى النبوة أحق ‪.‬‬
‫والثانى ‪ :‬أن اللهام خفى غامض يدعيه المحق والمبطل فإن ميزوا طلب أمارة وإن عدلوا عن‬
‫(‪)10‬‬
‫اللهام فذلك دليل يبطل اللهام ‪.‬‬

‫(‪ )3‬القصص ‪. 86‬‬ ‫(‪ )2‬محمد المثال السمى لحمد ديدات ص ‪. 10 – 9‬‬ ‫(‪ )1‬النجم ‪4‬‬
‫(‪ )5‬الشعراء ‪. 195 ، 192‬‬ ‫(‪ )4‬رد شبهات حول عصمة النبى ( ) لعماد الشربينى ص ‪. 321 ، 319‬‬
‫(‪ )8‬السراء ‪51‬‬ ‫(‪ )7‬يس ‪79 ، 78‬‬ ‫(‪ )6‬التكوير ‪25 – 19‬‬
‫(‪ )9‬حاجة المة إليه ( ) ‪ ،‬للستاذ ‪ /‬محمد مصطفى البسيونى – مقال بمجلة الزهر عدد ربيع الول ‪ 1427‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )10‬أعلم النبوة ‪ ،‬للماوردى ص ‪. 14‬‬

‫ويقول ‪ :‬فإذا ثبت أن النبوة ل تصلح إل ممن أرسله ال تعالى بوحيه إليه فصحتها إليه معتبرة‬
‫بثلثة شروط تدل على صدقه ووجوب طاعته ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يكون مدعى النبوة على صفات يجوز أن يكون مؤهلً لها لصدق لهجته وظهور‬
‫فضله وكمال حاله فإن اعتوره نقص أو ظهر منه كذب لم يجز أن يؤهل للنبوة من عدم آلتها وفقد‬
‫أمانتها‪.‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫بعث رسول ال ( ) خالد بن الوليد إلى بعض أحياء العرب يدعوهم إلى السلم فقالوا يا خالد ‪:‬‬
‫صف لنا محمدا قال ‪ :‬بإيجاز أم بأطناب قالوا ‪ :‬بإيجاز قال ‪ :‬هو رسول ال والرسول على قدر المرسل ‪.‬‬
‫والشرط الثانى ‪ :‬إظهار معجز يدل على صدقه ويعجز البشر عن مثله لتكون مضاهية للفعال‬
‫اللهية ليعلم أنها منه فيصبح بها دعوى رسالته لنه ل يظهرها من كاذب عليه ويكون المعجز دليلً على‬
‫صدقه وصدقه دليلً على صحة نبوته ‪.‬‬
‫والشرط الثالث ‪ :‬أن يقرن بالمعجزة دعوى النبوة فإن لم يقترن بالمعجزة دعوى لم يصر بظهور‬
‫المعجزة نبيا لن المعجز يدل على صدق الدعوى فكان صفة لها فلم يجز أن تثبت الصفة قبل وجود‬
‫الموصوف (‪.)1‬‬

‫المبحث الثانى‬
‫شهادات المنصفين غير المسلمين حول شخصية الرسول ( )‬
‫ومكانته‬
‫إذا كان دأب المستشرقين وأعداء السلم إثارة القضايا والشبهات حول كل ما هو إسلمى ابتداءا‬
‫برسول ال ( ) مرورا بسيرته وما أوحى إليه ؛ إل أن ذلك لم يمنع أن منهم طائفة أخلصت للعلم وأقبلت‬
‫على السلم تستنتج الراء الصادقة المنصفة فى أمانة وحيدة وخرجت منصفة حول الرسول ( )‬
‫والرسالة نذكر منها ‪:‬‬

‫‪‬عالمية رسالته ( ) ‪:‬‬


‫‪ -‬يقول العالم الفرنسى لوزون ( ‪ ) 1837 – 1786‬أستاذ علوم الكيمياء فى كتابه " ال فى السماء‬
‫" ‪ " :‬وليس محمد نبى العرب وحدهم ‪ ،‬بل هو أفضل نبى قال بوحدانية ال ‪ ،‬وإن دين موسى وإن كان من‬
‫الديان التى أساسها الوحدانية إل أنه كان قوميا محضا وخاصا ببنى إسرائيل ‪ ،‬وأما محمد ( ) قد نشر‬
‫دينه بقاعدتيه الساسيتين وهما ‪ :‬الوحدانية والبعث ‪ .‬وقد أعلنها لعموم البشر فى أنحاء المسكونة ‪ ،‬وإنه‬
‫ل عند من يدرك معنى رسالة محمد الذى اعتنق مبدأه ‪ ،‬وعمل‬
‫لعمل عظيم يتعلق بالنسانية جملة وتفضي ً‬
‫على رسالته أربعمئة مليون من الناس ‪ ,‬فرسول كهذا الرسول يجدر بإتباع رسالته ‪ ،‬والمبادرة إلى اعتناق‬
‫دعوته ‪ ،‬وإذ أنها دعوة شريفة ‪ ،‬قوامها معرفة الخالق ‪ ،‬والحث على الخير ‪ ،‬والردع عن المنكر ‪،‬‬
‫بل كان ما جاء به يرمى إلى الصلح والصلح ‪ ،‬والصلح أنشودة المؤمن ‪ .‬هذا هو الدين الذى أدعو‬
‫(‪)2‬‬
‫إليه جميع النصارى "‬

‫(‪ )2‬ال فى السماء ‪ :‬لوزون‬ ‫(‪ )1‬أعلم النبوة ‪ ،‬للماوردى ص ‪. 15‬‬

‫‪ -‬ويقول د‪ .‬وغسطون كريستا اليطالى ‪ " :‬كان محمد ( ) يعلن أنه رسول ال تعالى ‪ ،‬لصلح‬
‫دين إبراهيم المطهر الذى أفسده أبناؤه وأقام العبادة القويمة التى أنشأها ذلك النبى ‪ ،‬وفسدت على مر‬
‫الزمن ‪ ،‬وليؤيد وهو – خاتمة الرسل – ما كان ال أنزله على من سلفه من النبياء ‪ :‬موسى ‪ ،‬وداود ‪،‬‬
‫وأشعياء ‪ ،‬وعيسى ‪ ....‬إذ هذه الجدران العالية ‪ ،‬لدليل على قوة عظمة محمد ‪ ،‬مثال القيادة ‪ ،‬ورمز‬
‫(‪)1‬‬
‫السياسة "‬

‫‪- 50 -‬‬
‫أخلق محمد رسول الله ( ) ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬يقول المستشرق النجليزى السير وليم موير ‪ " :‬امتاز محمد ( ) بوضوح كلمه ‪ ،‬ويسر‬
‫دينه ‪ ،‬وأنه أتم من العمال ما أدهش اللباب ‪ ،‬لم يشهد التاريخ مصلحا أيقظ النفوس وأحيا الخلق‬
‫(‪)2‬‬
‫الحسنة ‪ ،‬ورفع من شأن الفضيلة فى زمن قصير كما فعل محمد "‬
‫‪ -‬يقول المستشرق الفرنسى إدوار مونتيه ( ‪ ) 1927 – 1856‬أستاذ اللغات الشرقية فى جامعة‬
‫جينيف ‪ " :‬أما محمد فكان كريم الخلق ‪ ،‬حسن العشرة ‪ ،‬عذب الحديث ‪ ،‬صحيح الحكم ‪ ،‬صادق اللفظ ‪،‬‬
‫وقد كانت الصفة الغالبة عليه هى صحة الحكم ‪ ،‬وصراحة اللفظ ‪ ،‬والقناع التام بما يقبله وبقوله ‪ ،‬إن‬
‫طبيعة محمد الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه القصد ‪ ،‬بما يتجلى فيها من شدة الخلص ‪ ،‬فقد كان‬
‫محمدا مصلحا دينيا ‪ ،‬ذا عقيدة راسخة ولم ينهض إل بعد أن تأمل كثيرا ‪ ،‬وبلغ سن الكمال بهاتيك الدعوة‬
‫(‪)3‬‬
‫العظيمة ‪ ،‬التى جعلته من أسطع أنوار النسانية ‪" ..‬‬
‫رحمته ( ) ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬يقول المفكر النجليزى توماس كارليل فى كتابه " البطال وعبادة البطولة " ‪ " :‬وكانت آخر‬
‫كلماته تسبيحا وصلة ‪ ،‬صوت فؤاد يهيم بين الرجاء والخوف أن يصعد إلى ربه ‪ .‬ول تحسب أن شدة‬
‫تدينه أزرت بفضله ‪ ،‬كل بل زادته فضلً ‪ ،‬وقد يروى عنه مكرمات عالية ‪ ،‬منها قوله حين مات غلمه‬
‫– يقصد ابنه إبراهيم – " العين تدفع ‪ ،‬والقول يوجع ‪ ،‬ول نقول ما يسخط الرب " ‪ ،‬ولما استشهد موله‬
‫زيد – ابن حارثة – فى غزوة مؤتة قال محمد ‪ :‬لقد جاهد زيد فى ال حق جهاده ‪ ،‬ولقد لقى ربه اليوم فل‬
‫بأس عليه ولكن ابنة زيد وجدته بعد ذلك يبكى على جثة أبيها ‪ ،‬وجدت الرجل الكهل يذوب قلبه دمعا !‬
‫قالت ‪ :‬ماذا أرى ؟ قال ‪ :‬صديق يبكى صديقه ‪ .‬فمثل هذه الفعال ترينا فى محمد ( ) أخا النسانية‬
‫(‪)4‬‬
‫الرحيم أخانا جميعا الرؤوف الشفيق ‪ ،‬وابن أمنا الولى – يقصد حواء – وأبينا الول – آدم "‬
‫عظمته ( ) ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬يقول المستشرق الفرنسى ساديو لوى ( ‪ " : ) 1875 – 1807‬لم يكن محمد نبى العرب بالرجل‬
‫الفاتح للعرب فحسب بل للعالم لو أنصفه الناس ‪ ،‬لنه لم يأت بدين خاص بالعرب ‪ ،‬وأن تعاليمه الجديرة‬
‫بالتقدير والعجاب تدل على أنه عظيم فى دينه ‪ ،‬عظيم فى صفاته ‪ ،‬وما أحوجنا إلى رجال للعالم أمثال‬
‫(‪)5‬‬
‫محمد نبى السلم "‬

‫(‪ )1‬الكياسة الجتماعية ‪ :‬غسطون كريستا ( نقلً عن كتاب محمد عند علماء الغرب ص ‪) 114‬‬
‫(‪ )3‬البطال وعبادة البطولة ‪ ،‬لتوماس كارليل ترجمة محمد السباعى ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬حياء محمد ‪ :‬السير وليم موير ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ العرب ‪ ،‬لساديو لوى ‪ ،‬ص ‪. 37‬‬
‫‪ -‬يقول المستشرق اللمانى تيودر نولدكه ( ‪ " : ) 1920 – 1836‬نزل القرآن على محمد نبى‬
‫المسلمين بل نبى العالم ‪ .‬جاء بدين إلى العالم عظيم ‪ ،‬وبشريعة كلها آداب وتعاليم ‪ ،‬وحرى بنا أن ننصف‬
‫(‪)1‬‬
‫محمدا فى الحديث عنه لننا لم نقرأ عنه إل كل صفات الكمال فكان جديرا بالحترام "‬
‫‪ -‬يقول الكاتب الروسى ليون تولستوى ‪ " :‬إن محمدا نبى السلم الذى آمن به الن أكثر من‬
‫مئتى مليون نفس ‪ ،‬قد قام بعمل جليل ‪ ،‬فإنه هدى الوثنيين الذين قضوا حياتهم بالحروب الهلية وسفك‬

‫‪- 51 -‬‬
‫الدماء ‪ ،‬وتقديم الضحايا البشرية إلى معرفة الله الواحد ‪ ،‬وأنار أبصارهم بنور اليمان ‪ ،‬وأعلن أن جميع‬
‫الناس متساوون أمام ال سبحانه ‪ ،‬والحق الذى ل مراء فيه أن محمدا قام بعمل عظيم وانقلب كبير فى‬
‫(‪)2‬‬
‫العالم "‬
‫‪ -‬يقول المستشرق النجليزى السيروليم موير ‪ " :‬وباختصار – فإنه مهما ندرس حياة النبى محمد‬
‫( ) نجدها على الدوام عبارة عن كتلة فضائل مجسمة مع نقاء سريرة وخلق عظيم ‪ ،‬وستبقى تلك‬
‫(‪)3‬‬
‫الفضائل عديمة النظير على الطلق فى جميع الزمات ‪ :‬فى الماضى ‪ ،‬وفى الحاضر ‪ ،‬والمستقبل "‬

‫‪‬عصمة الرسول ( ) ‪:‬‬


‫‪ -‬يقول المستشرق اللمانى كارل هينرش بيكر ( ‪ " : ) 1937 – 1876‬لقد أخطأ من قال إن نبى‬
‫العرب دجال أو ساحر لنه لم يفهم مبدأه السامى ‪ :‬إن محمدا جدير بالتقدير ‪ ،‬ومبدؤه حرى بالتباع ‪،‬‬
‫وليس لنا أن نحكم قبل أن نعلم ‪ ،‬وإن محمدا خير رجل جاء إلى العالم بدين الهدى والكمال ‪ ،‬كما أننا ل‬
‫(‪)4‬‬
‫نرى أن الديانة السلمية بعيدة عن الديانة المسيحية ‪" ..‬‬
‫‪ -‬أما المستشرق الروسى جان ميكائيليس ( ‪ ) 1791 – 1717‬يقول فى كتابه " العرب فى آسيا "‬
‫‪ " :‬لم يكن محمدا نبى العرب المشعوذ ول الساحر ‪ ،‬كما اتهمه السفهاء فى عهده ‪ ،‬وإنما كان رجلً ذا‬
‫حنكة وإدارة وبطولة وقيادة وأخلق وعقيدة ‪ ،‬فلقد دعا لدينه بكل صفات الكمال ‪ ،‬وأتى للعرب بما رفع‬
‫(‪)5‬‬
‫شأنهم ‪ ،‬ولم نعرف عن دينه إل ما يتلءم مع العصور مهما تطورت "‬
‫‪ -‬أما المستشرق اللمانى دى تريس فردروك ( ‪ ) 1903 – 1821‬قال ‪ " :‬إنا لو أنصفنا السلم‬
‫لتبعنا ما عنده من تعاليم وأحكام ‪ ،‬لن الكثير منها ليس فى غيره ‪ ،‬وقد زاده محمد نموا وعظمه بحسن‬
‫عنايته وعظيم إرادته ‪ ،‬ويظهر من محمد أن دعوته لهذا الدين لم تكن إل عن سبب سماوى ‪ .‬إنا نقول هذا‬
‫لو أنصفناه فيما دعا إليه ونادى به ‪ ،‬إن من اتهم محمدا بالكذب فليتهم نفسه بالوهن والبلدة وعدم الوقوف‬
‫(‪)6‬‬
‫على ما صدع به من حقائق "‬

‫(‪ )1‬تاريخ القرآن ‪ ،‬ليتورد نولدكة ص ‪. 83‬‬


‫ل عن كتاب محمد عند العلماء الغرب ص ‪. ) 123‬‬
‫(‪ )2‬ليون تولستوى ‪ :‬النسان والحياة ( نق ً‬
‫(‪ )3‬وليم موير ‪ :‬حياة محمد ( نقلً عن محمد ( ) فى الدراسات الستشراقية المنصفة لمحمد الشيبانى ص ‪) 156‬‬
‫(‪ )4‬كارل هينرش بيكر ‪ :‬الشرقيون ( نقلً عن المصدر السابق ) ‪.‬‬
‫(‪ )5‬جان ميكائيليس ‪ :‬العرب فى آسيا ‪.‬‬
‫(‪ )6‬دى تريس فردروك ‪ :‬مقولت أرسطاطاليس ص ‪. 56‬‬
‫‪ -‬ويقول الباحث النجليزى الكولونيل بودلى فى كتابه " حياة محمد " ‪ " :‬إن أعظم الكبائر فى‬
‫نظر السلم الشرك بال ‪ ،‬وإن محمدا لم يدع لنفسه صفة إلهية ‪ ،‬وكثيرا ما صرح بأنه بشر يوحى إليه ‪،‬‬
‫وأن السبب فى سرعة انتشار السلم عن غيره من الديان هو عدم إدعاء النبى محمد صفة إلهية ‪ ،‬وعدم‬
‫(‪)1‬‬
‫دعوته إلى عبادة شخصية ‪ ،‬وكذلك تسليم القرآن بصحة الديانات المنزلة من قبل "‬

‫‪ -‬صدق العقيدة ‪:‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫‪ -‬يقول المستشرق الفرنسى أتيين دينيه ( ‪ " : ) 1929 – 1861‬والحق أنا نرى من بين جميع‬
‫النبياء الذين أسسوا ديانات أن محمدا هو الوحيد الذى استطاع أن يستغنى عن مدد الخوارق والمعجزات‬
‫المادية ‪ ،‬معتمدا فقط على بداهة رسالته ووضوحها ‪ ،‬وعلى بلغة القرآن الكريم اللهية ‪ ،‬وإن فى استغناء‬
‫(‪)2‬‬
‫محمد عن مدد الخوارق والمعجزات لكبر معجزة على الطلق ‪" .‬‬
‫‪ -‬يقول الشاعر الفرنسى دى لمارتين ( ‪ ) 1869 – 1790‬فى كتابه السفر إلى الشرق ‪ " :‬إن‬
‫حياة محمد وقوة تأمله وتفكيره وجهاده ووثبته على خرافات أمته ‪ ،‬وجاهلية شعبه ‪ ،‬وشهامته وجرأته‬
‫وبأسه فى لقاء مالقيه من عبدة الوثان ‪ ،‬وثباته وتقبله سخرية الساخرين ‪ ،‬وحميته فى نشر رسالته‬
‫وحروبه التى كان جيشه فيها أقل نفرا وعددا من عدوه ‪ ،‬ووثوقه بالنجاح وإيمانه بالظفر ‪ ،‬وتطلعه إلى‬
‫إعلء الكلمة وتأسيس العقيدة ‪ ،‬ونجواه التى كانت ل تنقطع مع ال ‪ ،‬كل هذا أعظم دليل على أنه لم يكن‬
‫يضمر خداعا ‪ ،‬أو يعيش على باطل ‪ ،‬بل كان وراءها عقيدة صادقة ويقين مضيء فى قلبه ‪ ،‬وهذا اليقين‬
‫الذى مل روحه هو الذى وهبه القوة ‪ ،‬على أن يرد الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة ومبدأ مزدوج ‪ ،‬وهو‬
‫(‪)3‬‬
‫وحدانية ال سبحانه "‬
‫‪ -‬ويقول هـ ‪ .‬أ ‪ .‬ر ‪ .‬جب ‪ " :‬إذ لو كان القرآن من تأليف محمد لكان من الممكن أن ينافسه‬
‫ويضارعه رجال آخرين ‪ .‬وليأتوا بعشر آيات من مثله مفتريات ‪ .‬وإذ لم يستطيعوا ( ومن الواضح أنهم‬
‫(‪)4‬‬
‫لم يستطيعوا ) فليقبلوا القرآن كمعجزة وبرهان ظاهر "‬
‫ويقول أتيين دينيه ‪ " :‬لم يدر بخلد محمد يوما ما أنه سيحمل هذا العبء الهائل ‪ ،‬ولئن كان بعض‬
‫الرهبان قد تنبئوا بشيء منه ‪ ،‬فإنه لم يعر تنبؤا تهم أى اهتمام ‪ ،‬بل لقد نسيها ‪ .‬وأن اضطرابه ‪ ،‬وخوفه‬
‫(‪)5‬‬
‫حينما فوجئ بالوحى من أن يكون فريسة لتخيلت شيطانية ليؤكد لنا صحة ما نقول "‬
‫فهذه استئناسات كثيرة لقوال المنصفين من غير المسلمين لتكون حجة عليهم وعلى كل من لم‬
‫يتبع رسالة محمد ( ) ويشكك فى صدقها وربوبيتها ‪ ،‬وصدق رسولنا الكريم إذ يقول ‪ ( :‬والذى‬
‫نفسى بيده ل يسمع بى أحد من هذه المة يهودى أو نصرانى ثم يموت ول‬
‫(‪)6‬‬
‫يؤمن بالذى أرسلت به إل كان من أصحاب النار )‬

‫الكولونيل بودلى ‪ :‬حياة محمد ( نقلً عن مجلة الزهر ) ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫أتيين دينيه ‪ :‬محمد رسول ال ص ‪ – 49‬ترجمة عبد الحليم محمود ‪ ،‬ومحمود عبد الحليم ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫دى لمارتين ‪ :‬السفر إلى الشرق ص ‪. 84‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫هـ ‪ .‬أ ‪ .‬ر ‪ .‬جب ‪ :‬المحمدية ص ‪ ، 32‬طبعة لندن ( نقلً عن كتاب محمد ( ) المثال السمى ‪ ،‬لحمد ديدات ص ‪. ) 74‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخريجه فى الفصل الول ص‬ ‫أتيين دينيه ‪ :‬محمد رسول ال ص ‪. 110‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪- 53 -‬‬
- 54 -
‫الخاتمـة‬
‫وتشتمل على ‪:‬‬
‫‪ -1‬نتائج البحث ‪- :‬‬
‫‪ -2‬الفهرست ‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫نتائج البحث ‪:‬‬
‫يطيب لى فى النهاية المطاف بدلئل نبوة محمد ( ) وإبراز بعض جوانبها ‪ ،‬والرد على شبهات‬
‫المشككين حول نبوته ورسالته ( ) وإبراز بعض أقوال المنصفين من غير المسلمين حول مكانة الرسول‬
‫( ) وأثره ‪ .‬أن أوضح أهم ما توصلت إليه من نتائج وأذكرها فى نقاط ‪:‬‬

‫‪ -1‬أن آيات النبياء هى أدلة صدقهم ‪ ،‬وبراهين من ال تعالى تتضمن إعلم ال تعالى وإخباره سبحانه ‪.‬‬
‫فل يتصور أن تكون آيات الرسل إل دالة على صدقهم ‪.‬‬
‫وأن دلئل نبوة رسول ال ( ) لها آثارها المستلزمة لها ‪ ،‬بدون إخبار النبى ( ) بأنه نبى بل متى‬
‫اختصت به وهى من خصائصه كانت آية بعد موته ‪ ،‬أو على يد أحد من الشاهدين له بالنبوة ‪ ،‬وكلها من‬
‫دلئل النبوة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الرسول ( ) لم يكن بدعا من الرسل ‪ ،‬وإنما كانت دعوته ( ) حلقة من حلقات النبياء فى الدعوة‬
‫إلى ال تعالى ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن دليل نبوته ( ) يكمن فى صدق رسالته وصدق ما بلغ عن ربه وما جاء به من قرآن وسنة وتتمثل‬
‫أيضا فى عظمة محمد ( ) النابعة من ‪:‬‬
‫أ‪ -‬صفاته النفسية وأخلقه الشخصية مما دعا أصحاب العقول الراجحة من كل أمة وملة إلى تصديقه‬
‫واليمان به ( ) ‪ .‬فقد كان عند معاصريه ذو عزم صادق ونموذجا لكل كمال بشرى وحياة صالحة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬قدرته ومثابرته وتحمله فى سبيل نجاح دعوته وتوصيلها وتطبيق منهجه الصلحى فى الرض ‪.‬‬
‫ج – من أعظم دلئل نبوته " القرآن الكريم " ذلك المنهج الصالح والمصلح لكل أركان المعمورة ؛ لن‬
‫رسالته ( ) رسالة عالمية شمولية لكل الناس كافة ‪ ،‬ونوره عالميا ‪ ،‬ونطاق مشاركته الوجدانية يستغرق‬
‫البشرية كلها ‪.‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫‪ -4‬إن طائفة الباحثين – غير المسلمين – الذين اتخذوا السمت العلمى والموضوعى والمنهجى وسموا‬
‫أنفسهم " بالمستشرقين " ‪ ،‬قاموا برصد كل نشاط إسلمى وذلك لفتنة المسلمين عن دينهم وتشتيت جهودهم‬
‫وأفكارهم ومعتقداتهم وذلك بإثارة الشبهات والدعاوى للشوشرة على أذهان المسلمين والطعن فى شخصية‬
‫رسول ال ( ) ‪.‬‬
‫ومن الشياء التى أثاروها – حقدا من عند أنفسهم – أن غزوات الرسول ( ) وفتوحاته ما هى إل‬
‫لنزع خيرات البلد ‪ ،‬وانتشار السلم بالسيف !! ‪ .‬وقد بينت هذه الشبهات وكان الرد عليها بالدلة‬
‫القرآنية ‪ ،‬واستعراض السيرة النبوية المطهرة ‪ ،‬وكذلك استخدام الدلة العقلية ثم الستئناس بما كتبه‬
‫المنصفين منهم حتى نقيم الحجة عليهم ‪.‬‬
‫وقد تم توضيح النقاط التية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن الرسول ( ) جعل من ساحة المعركة ساحة للتحضر النسانى الراقى ‪ ،‬حيث ل يجوز القتال إل‬
‫لتمكين الحريات فى الفكار والعقائد والعبادات حتى ولو كانت لغير ال فـ – ل إكراه فى الدين – ورفع‬
‫الظلم عن المظلومين والمستضعفين فى الرض ومنع فتنتهم فى دينهم ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن الصل فى الجهاد فى السلم أن يكون فى سبيل ال وليس لمطمعا أو مغنما ‪ .‬والواقع يؤيد أن‬
‫المسلمين لم ينتصروا من كثرة عدد ول عتاد وإنما لنهم يقررون مبادئ سامية وفى سبيل غاية عالية أل‬
‫وهى " فى سبيل ال " ‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬أن المسلمين تحملوا فى بداية الدعوة ما وقع عليهم من أذى واعتداء ‪ ،‬ولم يترك المشركين سبيلً‬
‫لليذاء إل سلكوه ‪ .‬ولكن الرسول ( ) غذى أرواحهم بالقرآن ‪ ،‬وربى نفوسهم على الصبر ‪ ،‬وعلى تحمل‬
‫الذى مع أنهم قوم قد رضعوا حب الحروب والبأس ولم يتحملوا ما لقوه عن ضعف وإنما لن السلم ما‬
‫كان لينتشر بالمواجهة والقتال والصدام ‪.‬‬
‫د – أن الرسول ( ) استخدم " سيف العقل " بالحجة والبرهان والبلغ فى نشر الدعوة ‪ ،‬ولم يلجأ إلى‬
‫السيف إل للسباب التى ذكرناها سابقا ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أن الرسول ( ) وضع آداب وأخلقيات لساحة التحضر النسانى – ساحة القتال – منها ‪ :‬عدم قتل‬
‫النساء ‪ ،‬والطفال ‪ ،‬والشيوخ ‪ ،‬والعمى ‪ ،‬والزمنى ‪ ،‬والراهب ‪ ،‬والفلح ‪ ،‬والصانع ‪ ،‬والسرى ‪ ،‬وعدم‬
‫قطع الشجار المثمرة ‪ ،‬وعدم نقض العهود مع العدو ‪ ،‬وعدم هدم المنازل وقتل الدواب وحرق الزرع ‪،‬‬
‫وعدم انتهاك حرمات ال تعالى ‪.‬‬
‫ثم كانت شبهاتهم حول أن الرسول ( ) هو مؤلف الوحى وكان الرد عليهم يتمثل فى ‪:‬‬
‫أ – أن ما جاء به رسول ال من عقائد وتشريعات لم تكن موجودة وما عرفت فى الشرائع السابقة ‪ ،‬فكيف‬
‫‪ ،‬يأتى له خياله بأشياء لم يعهدها البشر ؟!!‬
‫ب‪ -‬أن القرآن الكريم اشتمل على غيوب وأسرار وقع بعضها فى عهده ( ) وبعضها بعد وفاته ‪،‬‬
‫وبعضها لم يظهر إل مع ظهور تقدم العلوم والمعارف الحديثة ‪.‬‬

‫‪- 56 -‬‬
‫جـ ‪ -‬أن رسول ال ( ) لم يكن يتلو الكتاب من قبل ولم تخطه يمينه ولم يطلع على كتب السابقين ‪ ،‬ول‬
‫أحوال المم السالفة ‪ .‬فكيف يستطيع أن يؤلف القرآن بخياله ؟!!‬
‫د‪ -‬أن القرآن اشتمل على آيات عتاب للنبى ( ) ‪ ،‬فكيف يسمح محمد ( ) أن يعاتب نفسه ويقرأ عتابه‬
‫على الناس فالعتاب يثقل الوطأة على النفس الحساسة والشعور المرهف !!‬
‫هـ ‪ -‬أن القرآن عندما تحدث عن النساء المصطفيات ‪ ،‬تكلم عن سيدة من بنى إسرائيل وهى السيدة مريم‬
‫عليها السلم ‪ ،‬وإن كان القرآن من وحى وخيال رسول ال ( ) لختار خديجة أو عائشة أو إحدى بناته‬
‫أو أمه ليفضلها على نساء العالمين !!!‬
‫و – أن النبى ( ) لم يسجل عليه استشرافه للنبوة من قبل وما كان يرجوها مثل أناس آخرين ذكرهم‬
‫التاريخ بأن كان يستشرفون النبوة أمثال أمية بن أبى الصلت وغيره ‪.‬‬
‫ز‪ -‬أن ال تعالى قد بين فى كتابه الكريم أن الوحى ليس نابعا من خيال الرسول ( ) فى آيات كثيرة وإنما‬
‫ى‬
‫ح َ‬‫ي يُو َ‬ ‫ن هُوَ إِل ّ َو ْ‬
‫ح ٌ‬ ‫إِ ْ‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -5‬هذا لم يمنع أن هناك طائفة أخرى من المستشرقين أخلصت للعلم فأقبلت على السلم تدرسه وتستنتج‬
‫فى أمانة ودقة ثم خرجت بآراء منصفة حول الرسول ( ) ومكانته وأثره ذكرنا بعضا منها ‪.‬‬
‫وهذا وقد بذلت فى هذا البحث جهدا أحتسبه عند ال تعالى ‪ ،‬فما كان من توفيق وإصابة فمن ال‬
‫تعالى وتوفيقه ‪ ،‬وما كان من خطأ فمنى ومن الشيطان وأسأل ال العافية ‪.‬‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ما كُنْت ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬
‫خفُو َ‬ ‫م ّ‬ ‫م كَثِيرا ً ّ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬
‫سولُنَا يُبَي ّ ُ‬ ‫م َر ُ‬‫جآءَك ُ ْ‬
‫ب قَد ْ َ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬‫يَا أَهْ َ‬
‫ن اللّهِ نُوٌر وَكِتَا ٌ‬
‫ب‬ ‫م َ‬‫م ّ‬ ‫جآءَك ُ ْ‬ ‫قَد ْ َ‬ ‫ب وَيَعْفُوا ْ ع َن كَثِيرٍ‬ ‫الْكِتَا ِ‬
‫ت‬‫ما ِ‬ ‫ن الظّل ُ َ‬ ‫م ِ‬
‫م ّ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫سلَم ِ وَي ُ ْ‬‫ل ال ّ‬ ‫سب ُ َ‬‫ه ُ‬ ‫ضوَان َ ُ‬ ‫ن اتّبَعَ رِ ْ‬‫م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫يَهْدِي بِهِ الل ّ ُ‬ ‫ن‬
‫مبِي ٌ‬
‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫[ المائدة ‪] 16 ، 15 :‬‬ ‫ستَقِيم ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ى ِ‬ ‫م إِل َ‬ ‫إِلى النّورِ بِإِذ ْنِهِ وَيَهْدِيهِ ْ‬
‫صدق الله العظيم‬
‫وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬

‫البــــــاحث ‪:‬‬
‫د‪ .‬صيدلى ‪ /‬جمال محمد المتولى الزكى‬
‫مصر – دمياط – الزرقا – سيف الدين‬
‫‪002057690169‬‬
‫‪002057690145‬‬
‫محمول ‪0020104161601 0020124644180 :‬‬

‫فهرس المراجع والمصادر‬


‫‪ -‬القرآن الكريم‬

‫‪- 57 -‬‬
‫(أ)‬
‫‪ -1‬البطال ‪ :‬توماس كارليل ‪ ،‬ترجمة محمد السباعى ‪.‬‬
‫‪ -2‬أتح لنفسك فرصة ‪ :‬دون إيرون ‪ ،‬تعريب عبد النعم محمد الزيادى ‪.‬‬
‫‪ -3‬التقان فى علوم القرآن ‪ :‬جلل الدين السيوطى ‪ ،‬المكتبة التوفيقية مصر ‪.‬‬
‫‪ -4‬أعلم النبوة ‪ :‬أبو الحسن على بن محمد حبيب الماوردى ‪ ،‬موقع صيد الفؤاد اللكترونى ‪.‬‬
‫‪ -5‬افتراءات المستشرقين على السلم ‪ :‬د‪ .‬عبد العظيم المطعنى ‪ ،‬مكتبة وهبة القاهرة ‪.‬‬
‫(ب)‬
‫‪ -6‬التعريفات ‪ :‬لسيد الشريف الجرجانى ‪ ،‬مكتبة القرآن للطبع والنشر ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫‪ -7‬تفسير السعدى ‪ :‬عبد الرحمن السعدى ‪ ،‬مكتبة اليمان بالمنصورة ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫( جـ )‬
‫‪ -8‬الجامع لحكام القرآن " تفسير القرطبى " ‪ :‬المام القرطبى ‪ ،‬المكتبة التوفيقية ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫(ح)‬
‫‪ -9‬حجة ال على العالمين فى معجزات سيد المرسلين ‪ :‬يوسف بن إسماعيل النبهانى ‪ ،‬المكتبة التوفيقية‬
‫مصر ‪.‬‬
‫‪ -10‬الحرب عبر التاريخ لمونتجمرى ‪ ،‬تعريب العميد فتحى عبد ال النمر ‪.‬‬
‫‪ -11‬حياة محمد ورسالته ‪ :‬مولنا عمر على ‪.‬‬
‫‪ -12‬حقائق السلم وأباطيل خصومه ‪ ،‬طباعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪.‬‬
‫‪ -13‬حقائق السلم فى مواجهة شبهات المشككين ‪ :‬مجموعة علماء المجلس العلى للشئون السلمية ‪،‬‬
‫مصر ‪.‬‬
‫(خ)‬
‫‪ -14‬خاتم النبيين ‪ :‬المام محمد أبو زهرة ‪ ،‬دار الفكر العربى ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫(د‪،‬ز‪،‬ر)‬
‫‪ -15‬دلئل النبوة ‪ :‬المام البيهقى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -16‬دلئل النبوة ‪ :‬إسماعيل الصبهانى ‪.‬‬
‫‪ -17‬دلئل النبوة فى القرن العشرين ‪ :‬مبارك البراك ‪ ،‬مكتبة جزيرة الورد المنصورة ‪ ،‬مصر ط ‪، 3‬‬
‫‪1999‬م ‪.‬‬
‫‪ -18‬زاد المعاد فى هدى خير العباد ‪ :‬ابن قيم الجوزيه ‪ ،‬دار الفجر للتراث مصر ‪1420‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -19‬رد شبهات حول عصمة النبى ( ) ‪ :‬عماد الشربينى ‪ ،‬دار اليقين بالمنصورة مصر ‪ 1425‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 2004‬م ‪.‬‬
‫(س)‬
‫‪ -20‬سنن أبى داود ‪ ،‬أبو داود السجستانى الزدى ‪ ،‬دار الحديث القاهرة ط ‪ 1420‬هـ ‪1999 -‬م ‪.‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫‪ -21‬سنن ابن ماجة ‪ :‬الحافظ أبو عبد ال يزيد القزوينى ‪ ،‬دار الحديث ‪ ،‬القاهرة ‪1419‬هـ ‪1998 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -22‬سنن الدارمى ‪ :‬الحافظ عبد ال بن عبد الرحمن الدارمى ‪ ،‬دار الحديث ‪ ،‬القاهرة ‪2000 - 1420‬م‪.‬‬
‫‪ -23‬سنن الترمذى ‪ :‬عمر بن عيسى الترمذى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ودار الحديث القاهرة ‪1408‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -24‬السيرة النبوية ‪ :‬ابن هشام ‪ ،‬دار ابن رجب ‪ ،‬فارسكور مصر ط ‪1423‬هـ ‪2003 -‬م ‪.‬‬
‫(ش)‬
‫‪ -25‬الشفا ‪ :‬القاضى عياض ‪ ،‬المكتبة التوفيقية ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -26‬الشمائل المحمدية ‪ :‬المام الترمذى ‪ ،‬المكتبة التوفيقية ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬
‫(ص)‬
‫‪ -27‬صحيح البخارى ‪ :‬المام الحافظ أبو عبد ال بن إسماعيل البخارى ‪ ،‬مكتبة فياض ‪ ،‬المنصورة مصر‬
‫‪1422‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -28‬صحيح مسلم ‪ :‬المام أبو الحسن مسلم النيسابورى ‪ ،‬مكتبة اليمان بالمنصورة مصر ‪.‬‬
‫‪ -29‬صفاء البتداء ‪ :‬عبد الفتاح شاهين ‪ ،‬دار الكنوز المصرية ‪.‬‬
‫(ع)‬
‫‪ -30‬عظمة محمد خاتم النبيين ( ) ‪ :‬د‪ .‬مصطفى الزرقا ‪ ،‬دار القلم دمشق ط ‪1417‬هـ ‪1987 -‬م ‪.‬‬
‫(ف)‬
‫‪ -31‬فى ظلل القرآن ‪ :‬سيد قطب ‪ ،‬مكتبة الشروق ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫(ق)‬
‫‪ -32‬القرآن معجزة المعجزات ‪ :‬أحمد ديدات ‪ ،‬ترجمة محمد مختار ‪.‬‬
‫‪ -33‬القواعد الحسان المتعقلة بتفسير القرآن ‪ :‬عبد الرحمن السعدى ‪ ،‬مكتبة ابن رجب فارسكور –‬
‫مصر‪.‬‬
‫(م‪،‬ن)‬
‫‪ -34‬محمد رسول ال ‪ :‬أتيين دينيه ‪ ،‬ترجمة عبد الحليم محمود ‪ ،‬محمد عبد الحليم ط ‪ 1958 2‬نهضة‬
‫مصر ‪.‬‬
‫‪ -35‬محمد ( ) فى الدراسات الستشراقية المنصفة ‪ :‬محمد الشيبانى ‪ ،‬موقع صيد الفؤاد اللكترونى ‪.‬‬
‫‪ -36‬محمد ( ) المثال السمى ‪ :‬أحمد ديدات ‪ ،‬ترجمة محمد مختار ‪.‬‬
‫‪ -37‬محمد ( ) ‪ :‬فى القرآن الكريم ‪ :‬عبد الرحيم السحيم ‪ ،‬موقع صيد الفؤاد اللكترونى ‪.‬‬
‫‪ -38‬محمد ( ) فى العهد القديم والجديد ‪ :‬عبد الرحيم السحيم ‪ ،‬موقع صيد الفؤاد اللكترونى ‪.‬‬
‫‪ -39‬مختار الصحاح ‪ :‬الرازى ‪ ،‬دار الحديث ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫‪ -40‬المدخل إلى العقيدة والستراتيجية العسكرية السلمية ‪ :‬للواء أ ‪ .‬ح ‪ /‬محمد جمال الدين محفوظ ‪.‬‬
‫‪ -41‬المفردات فى غريب القرآن ‪ :‬الراغب الصفهانى ‪ ،‬المكتبة التوفيقية ‪ ،‬مصر ‪.‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫‪ -42‬مفاهيم أساسية فى دراسة السيرة النبوية ‪ :‬محمد جلل الدين القصاص ‪ ،‬موقع صيد الفؤاد‬
‫اللكترونى ‪.‬‬
‫‪ -43‬المغنى مع الشرح الكبير ‪ :‬ابن قدامة ‪ ،‬دار الحديث ‪ ،‬القاهرة ‪1416‬هـ ‪1996 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -44‬النبوات ‪ :‬تقى الدين بن تيمية ‪ ،‬مكتبة فياض ‪ ،‬المنصورة مصر ط ‪2005‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬المجلت والحوليات ‪ :‬مجلة الزهر الشريف ‪.‬‬
‫‪ -‬المواقع اللكترونية ‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪saaid.net .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪salafi.net .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪saidnur.net .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪alwihdah .com .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪alukah.net .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪almeshkat .com .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪balagh.com .‬‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫رقم‬
‫الموضــــــــــــوع‬ ‫م‬
‫الصفحة‬
‫‪3‬‬ ‫المقدمة ‪........................................................................‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪7‬‬ ‫التمهيد ‪...................................................................... :‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪7‬‬ ‫المبحث الول ‪ :‬دلئل النبوة ‪ ..‬آيات النبياء عن نبوتهم ‪........................‬‬
‫‪9‬‬ ‫المبحث الثانى ‪ :‬دعوة الرسول ( ) حلقة من حلقات الدعوة إلى ال ‪............‬‬
‫‪11‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬ال تعالى يؤيد الصادق ويمكن له ‪.............................‬‬
‫‪12‬‬ ‫الفصل الول ‪ :‬من دلئل نبوة رسول ال ( ) ‪.................................‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫‪13‬‬ ‫المبحث الول ‪ :‬الرهاصات ‪..................................................‬‬
‫‪18‬‬ ‫المبحث الثانى ‪ :‬إخباره ( ) بغيوب مقعت كما أخبر عنها عن ال تعالى ‪.......‬‬
‫‪21‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬عظمة محمد ( ) ‪............................................‬‬
‫‪22‬‬ ‫ل ‪ :‬أن الرسول ( ) عند معاصريه ذو عزم صادق ‪.........................‬‬
‫أو ً‬
‫‪25‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬تمتعه بصفات نفسية وأخلق شخصية أهلته لحمل الرسالة ‪...............‬‬
‫‪29‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬نجاحه فيما جاء به وله ‪..................................................‬‬
‫‪31‬‬ ‫رابعا ‪ :‬أن محمدا ( ) جاء بمنهج دائم للعالم كافة " القرآن الكريم " ‪............‬‬
‫‪37‬‬ ‫الفصل الثانى ‪ :‬شبهات المشككين وشهادات المنصفين غير المسلمين ‪............‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪38‬‬ ‫المبحث الول ‪ :‬شبهات المشككين حول رسول ال ( ) والرد عليها ‪............‬‬
‫‪38‬‬ ‫ل ‪ :‬شبهاتهم حول غزوات الرسول ( ) والرد عليها ‪.........................‬‬
‫أو ً‬
‫‪45‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬شبهاتهم حول أن الرسول ( ) هو مؤلف القرآن والرد عليها ‪............‬‬
‫‪49‬‬ ‫المبحث الثانى ‪ :‬شهادات المنصفين غير المسلمين حول شخصية الرسول ( ) ‪..‬‬
‫‪54‬‬ ‫الخاتمة ‪...................................................................... :‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪54‬‬ ‫نتائج البحث ‪...................................................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫فهرس المراجع ‪................................................................‬‬
‫‪60‬‬ ‫فهرس الموضوعات ‪...........................................................‬‬

‫‪- 61 -‬‬

You might also like