You are on page 1of 192

‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫تحرير‬
‫القواعـد‬
‫ومجمع‬
‫الفرائـد‬
‫تأليف‬
‫وليد بن راشد السعيدان‬

‫‪1‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬


‫( رب يسـر وأعـن ووفـق وسـدد )‬

‫‪2‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫إن المسد ل نمده ونسستعينه ونسستغفره ‪ ،‬ونعوذ بال مسن شرور أنفسسنا وسسيئات‬
‫أعمالنسا ‪ ،‬مسن يهده ال فل مضسل له ‪ ،‬ومسن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهسد أل إله إل ال‬
‫وحده ل شريسك له ‪ ،‬وأشهسد أن ممدا عبده ورسسوله صسلى ال عليسه وعلى آله وسسلم‬
‫تسليما كثيا ‪ ..‬ث أما بعسد ‪:‬‬
‫فل ي فى على النا ظر ف أ صول الف قه أه ية هذا العلم وعظم ته وعلو من سزلته ب ي‬
‫الفنون ‪ ،‬ف هو القدح العلى والث مر الدل ‪ ،‬ويكف يه فضلً وشرفا أ نه أ ساس الف قه وقاعد ته‬
‫التينة ‪ ،‬فلول الصول لا وجد الفقه ‪ ،‬إذ الفقه هو هذه الحكام الشرعية العملية الستفادة‬
‫من الدلة التفصيلية وطريق استنباطها من أولا مستفاد من أصول الفقه ‪.‬‬
‫إذا هذه الحكام الشرعية هي ثرة أصول الفقه ‪ .‬ومن شرفه أيضا أنه يستمد مادته‬
‫من سائر الفنون فهو يستمد من الكتاب والسنة والنحو والنطق وغيها ‪ ،‬فهو إذا عبارة‬
‫عن جلةٍ من الفنون متلفة الشارب ‪ .‬ومن شرفه أنه القاعدة الساسية لستنباط الحكام‬
‫الشرعية من الدلة ‪ ،‬و من شر فه أن به ت فظ الشري عة إذ جُلّ مباح ثه إن ا هي ف م صادر‬
‫الشريعة الت هي الكتاب والسنة وما تفرع عنهما من الجاع والقياس ‪ ،‬فله الظ الكب‬
‫ف حفظ هذه الشريعة الباركة فهو يفظ لا أصولا وينافح عنها ويتعمق ف البحث ف‬
‫أحكام ها وم سائلها فيب حث ف حجيت ها و ف دللت ألفاظ ها النطو قة والفهو مة ‪ ،‬و ف‬
‫أوامر ها ونواهي ها وخا صها وعام ها والع مل ع ند ادعاء التعارض في ها إل غ ي ذلك من‬
‫السائل الت يعرفها من نظر ف مباحث أصول الفقه ‪ ،‬فلله دَرّ هذا الفن ما أعظمه وما أشد‬
‫الا جة إل يه ‪ ،‬فل ما رأى العلماء من ال سلف واللف هذه اله ية العظ مى لذا ال فن أقبلوا‬
‫على مباح ثه فدونو ها وإل م سائله وقواعده فضبطو ها ‪ ،‬فألفوا ف ذلك الؤلفات الناف عة‬
‫الفيدة العظيمسة مسا بيس مطول ومتصسر ‪ ،‬وناظسم وشارح فتركوا لنسا أيادي مشكورة ‪،‬‬
‫وجهودا مباركة من أسفارٍ ف هذا الفن يعجز القلم عن حصرها والكلم عليها ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ولكن – ومع أهية هذا العلم – إل أننا نرى من بعض الطلبة زهدا فيه عجيبا فيه ‪،‬‬
‫فل ترا هم ير صون عل يه با ستفهام ول سؤال بل بعض هم يتضا يق من مرد ذ كر ا سه ‪،‬‬
‫وبعض هم اعت قد العتقاد الازم الذي ل مناق شة ف يه أن هذا العلم ي صف م صاف العلوم‬
‫الصسعبة العقدة الثقيلة الملة ‪ ،‬وإذا سسألتهم عسن سسبب ذلك أجابوك بأجوبسة وقالوا ‪ :‬إن‬
‫صعوبة هذا العلم ترجع لعدة أمور ‪:‬‬
‫أحدهـا ‪ :‬أننسا ندس فيسه ألفاظا صسعبة مغلقسة ل نسستطيع حَلّهسا ول نفقسه معناهسا‬
‫وخصوصا ف مصنفات من اشتهروا بعلم الكلم كالرازي ف " الحصول " والمدي ف "‬
‫الحكام " وغيه ا ‪ .‬الثا ن ‪ :‬أن مب ن أغلب م سائله إن ا ير جع إل أدلة عقل ية والن قل ف يه‬
‫قل يل ‪ ،‬فن جد ف قلوب نا من قراءة هذه الدلة العقل ية شيئا من الق سوة فضلً عن صعوبة‬
‫فهمها لنا مبنية على أقيسة منطقية معقدة تتاج ف فهمها إل سنوات ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن نا ن د ف ب عض البا حث وال سائل أن العلماء اختلفوا وأن ال صراعات‬
‫تدور بينهسم وفس آخسر السسألة يقولون ‪ :‬وهذا اللف لفظسي أو ل ثرة له فس اسستنباط‬
‫الحكام ‪ ،‬فضاعت الوقات والهود فيما ل ثرة من ورائه ول طائل تته ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬قلة ذكر الفروع الفقهية على كثي من القواعد فنجد ف بعض الصنفات‬
‫وخصوصا ما كان على طريقة المهور أنم يتكلمون على تقرير القاعدة وأدلتها ث‬
‫يكتفون بذلك ول يتممون ذلك بذكر شيء من فروعها ليتمرس الطالب على تطبيقها‬
‫على الدلة الشرعية لستنباط الحكام منها ‪.‬‬
‫الامس ‪ :‬أن الذين اشتهروا بالتأليف فيه بعضهم ينتهج ف العقيدة منهجا مالفا‬
‫لنهج أهل السنة والماعة ‪ ،‬ولذلك ند ف بعض الباحث أنم يقررون أشياء تالف‬
‫النهج السليم فيخشى على الداخل فيه قبل معرفة الق أن يتشرب قلبه شيئا من هذه الشبه‬
‫فتكون سببا ف ضلله والعياذ بال تعال ‪.‬‬
‫وبالملة فهو علم مفيد مهم لكنه مستصعب ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬إن من جهل شيئا عاداه ‪ ،‬فإن جيع هذه الجج كلها داحضة ‪ ،‬وإنا العلة‬
‫هي الهل وقله الفهم ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فأما الجة الول فأقول فيها ‪ :‬إن لكل فن مقدمة يعرف فيها الطالب مصطلحات‬
‫هذا الفن وشيئا من جله ومسائله ‪ ،‬وعلم الصول كسائر الفنون يتاج قبل الدخول فيه‬
‫إل معرفة ذلك ‪ ،‬فهذه اللفاظ الت يدعي الحتج أنا ل تفهم قد فهمها غيه فهي إذا ً‬
‫تفهم لكن فهمه قصر عنها لنه ل يطلبها ف مظانا ‪ ،‬ول يرص على استشراحها عند من‬
‫يفهمها فحجته إذا داحضة ‪ ،‬وإنا العلة هي كسله وقصور فهمه وإيثار الراحة على الد‬
‫والبحث والتحقيق ‪ ،‬وهذا الكلم الذي قاله هذا الحتج ليس ف جيع كتب الصول وإنا‬
‫هو ف بعضها وإل فهناك من كتب الصول ما هو سلس العبارة ‪ ،‬سهل السلوب ‪،‬‬
‫واضح الفكار ‪ ،‬ومع ذلك ل ند هذا الحتج يذكره ‪ ،‬وإنا أعطانا حكما عاما على‬
‫كتب هذا الفن ‪ ،‬وهذا وال من جهله وزهده ف هذا الي العظيم ‪.‬‬
‫وأما الثانية ‪ :‬فليست بصحيحة أبدا ‪ ،‬بل إن غالب مسائله مبنية على أدلة شرعية‬
‫من الكتاب أو السنة ويعرف ذلك من نظر ف كتبه ‪ ،‬وأيضا ذكر الدلة العقلية الوافقة‬
‫للدليل النقلي ل عيب فيه بل هو من زيادة الستدلل وزيادة اطمئنان القلب وليعلم الناظر‬
‫أن النقل متفق مع العقل كل التفاق ‪ ،‬بل النظر ف الدلة العقلية منهج شرعي فال أمرنا‬
‫بالتفكر والتدبر والعتبار ومقايسة المور بنظيها ‪ ،‬ولذلك ند أن بعض علماء العتقد‬
‫يستدلون على بعض السائل العقدية بالدلة العقلية وهذا ل ضي فيه فلماذا اتسع الصدر‬
‫هناك وضاق هنا وانشرح هناك وضاق هنا ‪ .‬لكن أيضا ينبغي للناظر ف هذه الدلة العقلية‬
‫أن يفهم الراد با بعرفة مقدماتا ‪ ،‬وقول الحتج إنه يد قسوة ف قلبه إذا نظر ف كتب‬
‫الصول ‪ ،‬فأعوذ بال من هذه الكلمة الت لا عواقب وخيمة ‪ ،‬فإن قسوة القلب إنا تكون‬
‫بالذنب أو كثرة الشتغال بالباحات من كلمٍ وأك ٍل وضحك ونوها أما أن يد النسان‬
‫قسوة ف قلبه إذا قرأ ف كتب فنٍ هو من أعظم فنون الشريعة ‪ ،‬فهذا وال العجب العجاب‬
‫كيف يد النسان قسوة إذا قرأ مباحث ف القرآن والسنة والجاع وما يتعلق با من‬
‫مسائل ‪ ،‬هذه وال كلمة جاهلٍ ل يدري ما هو أثرها الوخيم ف قلب من يسمعها إن‬
‫ل بذا العلم العظيم‬
‫كان جاه ً‬
‫ولقد قال بعضهم ‪ " :‬بينما أنا أقرأ ف كتابٍ من كتب الصول إذ أحسست ف قلب‬
‫ظلمة فتركته فأسفر قلب " ‪ -‬فل حول ول قوة إل بال ‪ -‬انظر كيف يصل الهل‬

‫‪5‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫بصاحبه ‪ ،‬بل وال الذي ل إله إل هو إن القراءة ف كتب الصول توجب طربا ولذة ف‬
‫القلب ؛ لن النسان يترقى بقراءة كتبه بي منازل فهم الدلة الشرعية حت يبلغ أعلها ‪،‬‬
‫فهذه الكلمة القبيحة ينبغي لصاحبها الستغفار منها ‪.‬‬
‫وأما الجة الثالثة ‪ :‬فأقول فيها نعم إننا ند شيئا من ذلك لكن ما مقدار هذه‬
‫السائل بالنسبة للمسائل الت لا ثرة ‪ ،‬فإنك إذا نظرت لما وجدت أن السائل الت ل ثرة‬
‫لا ل تعادل شيئا فهل من النصاف أن نكم على علم الصول ببعضٍ يسي من مسائله ‪،‬‬
‫ث أضف إل هذا أن قولم ل ثرة له قد ل يمعون عليه ‪ ،‬وهذا هو الواقع وهو كثي فإنك‬
‫تد بعض الصنفي يقول ‪ :‬ل ثرة لذه السألة ‪ ،‬بينما يقول البعض بل لا ثرة وهي كيت‬
‫وكيت ‪ ،‬ولو سلمنا أنم أجعوا أن ل ثرة لا فإنم إنا ذكروها ليتدرب الطالب على‬
‫طريقة العرض والحاجة والناظرة وسرد الدلة وترتيبها وبيان وجه الستدلل با ‪ ،‬فهي‬
‫إذا ف حقيقتها لا ثرة ولبد ‪.‬‬
‫ث اعلم أن السائل الت ل ثرة لا ليست ف أصول الفقه بل نن ند ف التوحيد‬
‫مباحث ل ثرة لا ‪ ،‬كقولم ‪ :‬هل رأى ممد ربه أو ل ؟ فبال عليك ما الثمرة العقدية‬
‫الستفادة من ذلك ‪ ،‬نعم لو أثبتناها لكان ف ذلك زيادة شرف النب ‪ r‬لكن أقصد الثمرة‬
‫العقدية الاصة بنا ‪ ،‬وإل فغالب السائل بل كل السائل الت يقال ل ثرة لا يد النسان‬
‫فيها بعد التحقيق والتدقيق أن لا ثرة ‪ .‬فالعاقل النصف ل يعل وجود مثل هذه السائل‬
‫قادحا ف أصول الفقه ‪.‬‬
‫ث إنك لو نظرت ف كتب التفسي أيضا لوجدت ف كثي منها عرض اللف ف‬
‫مسائل ل فائدة من ورائها والطالة ف ذكرها كخلفهم ف لون كلب أصحاب الكهف‬
‫وما كان اسه ومن أي الشجر كانت عصى موسى وما اسم الغلم الذي قتله الضر ‪،‬‬
‫وما البعض الذي ضرب به الغلم ف قصة البقرة ‪ ،‬كل ذلك ل طائل من ورائه ول ثرة‬
‫تعود من معرفته فلماذا ل نرى هذا قادحا ف كتب التفسي ؟‬
‫بل ف كتب الفقه ند مسائل افتراضية وهي كثية ل تقع ‪ ،‬فنجد الفقهاء يبحثون‬
‫ف أحكامها ‪ ،‬وعلى كل حالٍ فإنه ل يلو غالب الفنون من وجود بعض السائل الت‬

‫‪6‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ل ثرة لا لكن بعد التدقيق والتحقيق ند أن لبعضها ثرة فالقيقة أن من جعل وجود‬
‫ذلك قادحا ف علم الصول فإنا أت من جهله وقلة فهمه ‪.‬‬
‫وأما الجة الرابعة فل صحة لا بل الغالب خلفها وأقول إن كتب الصول يكمل‬
‫بعضها بعضا فبعض الصنفي إنا يهتم بتقرير القاعدة بأدلتها وهذا هو الطلوب فإذا‬
‫فهمت القاعدة فهما جليا فقد تقق مقصوده مع أن الغالب أنم يذكرون ولو على القل‬
‫فرعا أو فرعي تريا عليها وهذا هو الغالب ف تصنيف التكلمي ‪ ،‬وأما النفية فإنم‬
‫ملئوا كتب الصول بذكر الفروع ‪ ،‬ث اعلم أن تريج الفروع على الصول فن من فنون‬
‫أصول الفقه ‪ ،‬فهذا المر ل يوجب القدح ف علم الصول ‪.‬‬
‫وأما الامسة فهي صحيحة لكن ليست ف كتب الصول كلها بل ف كثي منها‬
‫فقط فأقول ‪ :‬حاول أن تقرأ ف كتب من اشتهروا بالسنة كالرسالة وكتاب الفقيه والتفقه‬
‫وغيها من الكتب الأمونة وعليك بسؤال أهل العلم فيما يشكل عليك ‪.‬‬
‫وفق ال الميع لا يبه ويرضاه ‪ ،‬والقصود أنن لا سعت ذلك ثارت ف نفسي‬
‫المية لذا الفن فأحببت أن أشارك ف تقريبه وتيسيه مستفيدا من هذه الجج متفاديا‬
‫الوقوع فيها حت ل يبقى لحتجٍ حجة ‪ ،‬وقد كنت جعت قواعد كثية من قواعد أصول‬
‫الفقه فأضفت عليها مثلها وهأنذا أشرع الن ف شرحها ‪ .‬وطريقت ف الشرح هي أولً ‪:‬‬
‫أكتب نص القاعدة جازما به من غي تردد على القول الراجح عندي الذي ينصره الدليل‬
‫ف نظري ‪ ،‬وأحاول أن اختصر لفظها ما استطعت مع مراعاة ضوابطها الهمة الت ل تفهم‬
‫إل با ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أبدأ ف شرح ألفاظها إن كانت ألفاظها تتاج إل شرح ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬انتقل لشرح معناها الجال ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أبدأ ف ذكر الدلة النقلية والعقلية بعد ذلك إن وجدت وإل فأذكر الوجود‬
‫منها وأعرض الدلة العقلية بأيسر عبارةٍ أجدها ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬أذكر شيئا من اللف أحيانا ف بعض السائل الهمة جدا ول أطيل فيه‬
‫وإنا أشي لصاحبه ودليله مع الواب عليه ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫سادسا ‪ :‬أشرع بعد ذلك ف ذكر فروعها فأذكر ما تيسر ل وخطر ف ذهن وال‬
‫الوفق ‪.‬‬
‫وأسيت هذه الوريقات ( ترير القواعد وممع الفرائد ) وإن أعترف أن الفضل ف‬
‫هذا ل وحده ث للمتقدمي من الصوليي وبعض العاصرين ‪ ،‬وإنا مهمت فيه المع‬
‫والتأليف بي ما ذكروه فلهم الفضل بعد ال تعال وال أسأل أن ينفع به ويتمه وينسزل‬
‫فيه البكة تلو البكة وأن يشرح له الصدور ويفتح له الفهام ويعله نباسا يستضيء به‬
‫الريد لذا الفن وأن يكون عملً صالا ينفعن ف قبي إنه ول ذلك والقادر عليه فإل‬
‫القصود وال الستعان وعليه التكلن فأقول ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة الولـى‬
‫( خـب الحـاد الصحيـح حجـة مطلـقًا )‬
‫اعلم أن الخبار مسن حيسث بلوغهسا وطرقهسا ل تلو مسن حالتيس ‪ :‬إمـا أن تكون‬
‫أخبارا متواترة أي رواها جع عن جع يوجب العلم من مبدأ السند إل منتهاه بيث تيل‬
‫العادة تواطأهم على الكذب ‪ ،‬فهذا مقبول ف السائل العلمية والعملية ف قول عامة أهل‬
‫العلم ول كلم لنا ف هذا القسم إذ الخالف فيه نادر جدا بل ل يكاد يوجد ‪.‬‬
‫والثان ‪ :‬الحاد وهو ما فقد شرطا من شروط التواتر ‪ ،‬فهذا هو الذي اشتد فيه‬
‫اللف وخصوصا بي أهل السنة والبتدعة ‪ ،‬لكن الذهب عندنا هو أنه إذا صح سنده‬
‫ول ينسخ فإنه موجب للعمل مباشرة ول يوز رده أو التوقف فيه بجة أنه خب آحاد فإن‬
‫هذا قول مبتدع ل سلف له ‪ ،‬بل الصحابة والتابعون يمعون فيما أعلم على قبوله‬
‫ووجوب العمل به ول عبة بن تأثر بذاهب أهل الكلم الذموم ‪ ،‬إذا علم هذا فليعلم أن‬
‫خب الحاد الصحيح يقبل مطلقا أي سواءً ف السائل العقدية أو السائل العملية ‪ ،‬هذا هو‬
‫مذهب أهل السنة ‪ ،‬وقولنا (الصحيح) هذا قيد مهم ف القاعدة أي لبد أن يكون هذا‬
‫الب الحادي مستجمعا لشروط الصحة فلبد أن يرويه عدل ضابط عن مثله من مبدأ‬
‫السند إل منتهاه ول يكون به شذوذ ول علة قادحة ‪ ،‬أما إذا فقد شرطا من ذلك فإنه يرد‬
‫لكن ل لنه خب آحاد ولكن لنه ل يصح ونن اشترطنا الصحة ‪.‬‬
‫وقولنا (مطلقًا) أي أنه يقبل سواءٌ ف العقائد أم الشرائع خلفا لذهب أهل الكلم‬
‫الذموم الذي ل يقبلون ف باب العقائد إل ما كان متواترا وهذا القول بدعة وضللة ‪،‬‬
‫ويدخل أيضا ف قولنا (مطلقًا) ما كان من الحاد فيما تعم به البلوى خلفا للحنفية‬
‫وسيأت تقيق ذلك إن شاء ال تعال وكذلك نعن بقولنا (مطلقا) ما كان مالفا للقياس‬
‫أول خلفا لبعض الذاهب ‪.‬‬
‫وعلى كل حالٍ فالجة إنا هي فيما صحت نسبته للنب ‪ r‬ول عبة بكونه متواترا‬
‫أو آحادا بل هذه التقاسيم ل تكن معروفة ف العهد النبوي ‪ ،‬بل كان الناس يقبلون من‬
‫يدثهم بالديث أيّا كان ول يردون خبه لكونه آحادا وإنا هذا التقسيم اشتهر الكلم به‬
‫عند البتدعة وتلقفه منهم بعض أهل السنة من غي تحيص ول فهم لا وراءه ‪ ،‬فالزم الق‬

‫‪9‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫واحد ال على السلمة فإنا ل يعدلا شيء ‪ ،‬إذا علمت هذا فاعلم أن هذه القاعدة لا‬
‫أدلة كثية جدا نذكر بعضها على وجه الختصار ‪.‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬قوله تعال ‪ ] :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ِإنْ جَاءَكُمْ فَاسِ ٌق ِبَنبَأٍ َفَتَبيّنُوا‬
‫[ فأوجب ال علينا التثبت من خب الفاسق ‪ ،‬فدل ذلك بفهومه أن العدل يقبل قوله‬
‫ويعتمد من غي تبي وخب الحاد إذا رواه عدل ضابط عن مثله معتمد ف ضبطه ونقله‬
‫فهذا يقبل خبه بفهوم الية ‪ ،‬ولو كان خب العدل أيضا ل يقبل إل بعد التبي لا كان‬
‫للتقييد بالفاسق فائدة ‪ ،‬لكن لا قيد ذلك بالفاسق دل على أن خب العدل يالفه ف‬
‫الكم ‪ ،‬فإذا كان خب الفاسق موقوفا على التبي فخب العدل إذا يقبل مباشرة وهذا هو‬
‫منطوق الية ومفهومها ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬قوله تعال ‪َ ] :‬ومَا كَا َن الْ ُم ْؤ ِمنُونَ ِليَنفِرُوا كَاّفةً َفَلوْل َنفَ َر مِنْ‬
‫كُلّ فِرَْق ٍة ِمْنهُ ْم طَاِئفَةٌ ِلَيَتفَ ّقهُوا فِي الدّي ِن وَِليُنذِرُوا َق ْو َمهُمْ إِذَا رَ َجعُوا إَِلْيهِمْ َلعَّلهُمْ‬
‫يَحْذَرُونَ [ فأمر طائفة من الؤمني أن ينفروا للجهاد وطائفة أن يبقوا مع النب ‪ r‬ليتعلموا‬
‫العلم ويستمعوا الوحي حت إذا جاء أولئك الجاهدون إل إخوانم علموهم ما نسزل من‬
‫الوحي وما فرض من السنن والواجبات ‪ ،‬وينذروهم لعلهم يذرون ‪ .‬والطائفة الباقية اسم‬
‫يصدق على القليل والكثي ول يشترط فيهم أن يبلغوا حد التواتر ‪ ،‬والطائفة القادمة من‬
‫الهاد يب عليهم قبول ما يقوله هؤلء من الحكام والخبار الت توجب لم النذارة‬
‫والذر بجرد إخبارهم با وتعليمهم إياها ول يشترط لقبول خبهم أن يبلغوا حد التواتر‬
‫ما يدل على أن الب من العدل يقبل مطلقا ول ينظر هل هو آحاد أو متواتر ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬حديث ابن عمر ف الصحيحي قال ‪ " :‬بينما الناس بقباء ف‬
‫صلة الفجر إذ جاءهم آتٍ فقال ‪ :‬إن النب ‪ r‬قد أنسزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن‬
‫يستقبل القبلة فاستقبلوها فاستداروا كما هم إل الكعبة " فالناس قبلوا خبه هذا عن‬
‫النب ‪ r‬ف استبدال القبلة من بيت القدس إل الكعبة مباشرة ولذلك قال ‪ " :‬فاستداروا‬
‫كما هم إل الكعبة " مع أن السألة عظيمة وهذا خب واحد وقد قبلوه مباشرة ومثل هذه‬
‫القصة لبد أن تنتشر لا فيها من شدة التباع لمر ال ورسوله ول يعرف لا منكر ما‬
‫يدل على أن خب الواحد الصحيح مقبول وأن من اشترط التواتر فهو مالف للمتقرر عند‬

‫‪10‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الصحابة رضوان ال عليهم ولو كان التواتر ما يشترط ف مثل ذلك لنكر عليهم النب ‪r‬‬
‫وقال ‪ (( :‬كيف تتحولون عن القبلة الثابتة عندكم بالتواتر إل قبلة ثبتت لديكم بب آحاد‬
‫ولاذا ل تنتظرون حت تأتون وتأخذوا الكم من مباشرة أو تسألوا عن ذلك عددا يبلغ‬
‫حد التواتر )) فلما ل يقل ذلك ول ينكر عليهم منكر دل ذلك على إجاعهم ‪ y‬على‬
‫ما قررناه ‪.‬‬
‫ومن الدلة ‪ :‬أن النب ‪ r‬كان يبعث رسائله وعماله إل سائر البلدان كاليمن وغيها‬
‫لدعوة الناس للسلم وتعليمهم الدين فكان يبعث الواحد والثني إل بلدٍ كامل وما فعل‬
‫ذلك إل لن الجة تقوم عليهم بجرد إبلغ هؤلء مع أنا أصول الدين وعقائده كما ف‬
‫حديث إرساله معاذا إل اليمن فلو كان التواتر ف مثل ذلك واجبا لكان إرساله للواحد أو‬
‫الثني عبثا ل فائدة فيه لنه حينئ ٍذ ل تقوم به الجة ولا كان النب ‪ r‬قد بلغ البلغ البي‬
‫لعامة أهل البلدان الجاورة وغيها فلما بعث الواحد والثني دل ذلك على أن خب‬
‫الواحد الصحيح يقبل بجرد بلوغه ول يوز رده وأن التواتر ليس بشرط ف قبول الخبار‬
‫العلمية والعملية ول فيما تعم به البلوى ول غي ذلك وال أعلم ‪.‬‬
‫والقصود ‪ :‬أن بعث النب ‪ r‬بعماله واحدا واحدا ورسله واحدا واحدا بقصد‬
‫إخبار الناس با أخبهم به النب ‪ r‬من شرائع دينهم ويأخذوا منهم ما أوجب ال عليهم‬
‫ويعطوهم مالم ويقيموا عليهم الدود وينفذوا فيهم الحكام ول يبعث أحدا إل وهو‬
‫مشهور بالصدق عند من بعثه إليه وما ذلك إل لن الجة تقوم ببهم ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬إجاع الصحابة رضوان ال عليهم على وجوب العمل بب‬
‫الحاد وقد ورد من الثار ف ذلك ما يبلغ حد التواتر ونذكر طرفا منه ‪:‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬ما روي عن أب بكر ‪ t‬أنه سأل عن مياث الدة فقام الغية بن شعبة‬
‫وممد بن مسلمة فذكرا أن النب ‪ r‬أعطاها السدس ‪ ،‬فقبل خبها ول يقل إن هذا المر‬
‫ل يثبت بب الحاد ‪ ،‬وأنه لبد من التواتر ‪ ،‬بل قبل خبها واعتمده وعمل به ما يدل‬
‫على أن خب الواحد الصحيح يب قبوله واعتماده ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أن عمر ‪ t‬عمل بب عبد الرحن بن عوف ف أخذ الزية من‬
‫الجوس ‪ ،‬وأيضا عمل بب حل بن مالك بن النابغة ف الغرة العبد والمة ف دية الني ‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وقال ‪ " :‬لو ل نسمع بذا لقضينا فيه برأينا " ‪ ،‬وأيضا عمل بب الضحاك بن سفيان ف‬
‫توريث النب ‪ r‬امرأة أشيم الضباب من دية زوجها وقد كان يقضي بعدمه ‪ ،‬وأيضا كان‬
‫يفت بدية الصابع على حسب منافعها فلما بلغه الب أن النب ‪ r‬قضى بأن ف كل إصبع‬
‫عشر من البل رجع إليه ‪ ،‬وهذه الخبار إنا هي أخبار آحاد ومع ذلك عمل با عمر‬
‫ورجع إليها وترك لا رأيه ول ينكر عليه من الصحابة منكر ما يدل على أنم ممعون على‬
‫وجوب العمل بب الحاد ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أن عبد ال بن عمر قال ‪ " :‬كنا نابر أربعي سنة فل نرى بذلك بأسا‬
‫حت أخبنا رافع بن خديج فتركناها لقول رافع " ‪ ،‬فعلل تركه لعملهم الول بقول رافع‬
‫وهو خب آحاد ‪ ،‬وكذلك عمل عثمان ‪ t‬بب الفريعة بنت مالك ف سكن التوف عنها‬
‫زوجها ‪ ،‬وهو خب آحاد ‪ ،‬وقال علي بن أب طالب ‪ t‬ما حدثن أحد بديث إل‬
‫استحلفته إل أبا بك ٍر وصدق أبو بكرٍ ‪ ،‬وخب أب بكرٍ إنا هو خب آحاد ‪.‬‬
‫وكذلك رجع ابن عباس عن قوله ‪ " :‬إنا الربا ف النسيئة " لن أبا سعيد الدري‬
‫حدثه بالنهي عن ربا الفضل وهو خب آحاد ‪ ،‬ولا اختلف الصحابة ف وجوب الغسل‬
‫بالتقاء التاني سألوا عائشة رضي ال عنها فحدثتهم بالديث الشهور ‪ " :‬إذا التقى‬
‫التانان " فرجعوا إليه وهو خب آحاد ‪ ،‬وتقدم أن أهل قباء رجعوا إل خب رجلٍ واحد ف‬
‫تويل القبلة ‪ .‬وكذلك رجع جاعة منهم ف إراقة المر إل خب الواحد ‪ ،‬فهذه القصص‬
‫وغيها كثي يدل دللة صرية على أنم أجعوا على وجوب العمل بب الواحد ‪ ،‬فهذا هو‬
‫منهجهم وسبيلهم ومن يتبع غي سبيل الؤمني فله ما تول ‪ ،‬ونعوذ بال من حاله ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬الجاع على قبول الشهادات عند القاضي إذا توفرت شروط‬
‫الشاهد ‪ ،‬فإذا شهد الشهود عند القاضي وجب عليه العمل بقتضى خبهم ‪ ،‬ول يسأل‬
‫هل بلغوا حد التواتر أو ل ؟ بل شهود الدود اثنان أو أربعة ‪ ،‬وشهود الال رجلن أو‬
‫رجل وامرأتان وهذا ليس عدد التواتر ‪ ،‬فبهذا العدد الذي ل يبلغ حد التواتر جلد الزان‬
‫البكر ‪ ،‬ورجم الحصن ‪ ،‬وقطع السارق ‪ ،‬وأثبتت القوق ‪ ،‬ما يدل على أن خب الواحد‬
‫يب العمل به ‪ ،‬رواية كان أو شهادة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫هذا هو ممل أدلة القول الراجح الذي ل ينبغي القول بغيه ‪ .‬فهذا هو طريق‬
‫السلف الصال من الصحابة والتابعي وأتباعهم والئمة رضوان ال عليهم ‪ ،‬وهو قول‬
‫جهور أهل الصول والفقه ‪ ،‬وبه تعرف الق ف هذه السألة الت طال حولا الدل ‪،‬‬
‫إذا علمت هذا فاعلم أن خب الواحد لنا فيه نظران ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬من جهة ثبوته ومطابقته للواقع ‪ ،‬الثان ‪ :‬من جهة العمل به ‪.‬‬
‫فأما خب الحاد من الهة الول ‪ :‬فإنا يفيد الظن ف الصل إل إذا اقترنت به‬
‫قرائن ترفعه إل مرتبة اليقي كاتفاق المة عليه ‪ ،‬أو اتفاق الشيخي عليه ‪ ،‬أو تلقي المة‬
‫له بالقبول ‪.‬‬
‫وأما بالنظر الثان ‪ :‬فهو يفيد وجوب العمل به يقينا أي ل يوز لن سعه أن يتردد‬
‫ف العمل به ‪ ،‬لكن بشرطي ‪ :‬أن يكون صحيحا سنده ‪ ،‬وأل يكون منسوخا من جهة‬
‫متنه ‪ ،‬فإذا توفر هذان الشرطان وجب العمل به‪.‬‬
‫وبه تعرف أن قول من قال ‪ :‬إن خب الواحد يفيد الظن والعمل بالظنون مذموم‬
‫شرعا ‪ ،‬فإذا قال ذلك فقل له ‪ :‬نن نوافقك ف الول ولكن نالفك ف الثان ‪ ،‬لننا‬
‫نفرق بي جهة مطابقته للواقع وبي العمل به ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫إذا علمت هذا فاعلم أنه قد خالف ف ذلك ‪ -‬أعن ف وجوب التعبد بب الواحد –‬
‫خالف فيه بعض القدرية والظاهرية على ما نقله الشيخ أبو ممد ف الروضة ‪ ،‬واستدلوا‬
‫على ما ذهبوا إليه بعدة أدلة أرى أنه من الهم عرض أدلتهم مع بيان وجه استدللم مع‬
‫الجابة عنه فأقول ‪:‬‬
‫من أدلتهم ‪ :‬أن دعواكم أن الصحابة قد أجعوا على قبول خب الواحد دعوى‬
‫منقوضة بعد ٍد من القضايا فمن هذه القضايا ‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم من حديث‬
‫ممد بن سيين عن أب هريرة ف قصة سلمه ‪ r‬من ركعتي ف إحدى صلت العشي فقام‬
‫إل خشبة ف مقدم السجد فاتكأ عليها كأنه غضبان وخرج سرعان الناس من السجد‬
‫وف القوم أبو بكرٍ وعمر فهابا أن يكلماه فقام رجل يقال له ذو اليدين فقال ‪ " :‬يا رسول‬
‫ال أنسيت أم قصرت الصلة " ‪ ،‬فقال ‪ (( :‬ل أنس ول تقصر )) ‪ ،‬فقال ‪ " :‬بلى قد‬
‫نسيت " ‪ ،‬فقال النب ‪ (( : r‬أصدق ذو اليدين )) فقالوا ‪ " :‬نعم " ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ووجه الشاهد منه أن خب ذي اليدين خب واحد ول يقبله النب ‪ r‬إل بعد أن أيدوه‬
‫بقولم ف خبه فارتفع إل حد التواتر فلو كان خب الواحد يقبل مباشرة لقبل النب ‪ r‬خب‬
‫ذي اليدين ‪ ،‬لكن لا ل يقبله بفرده دل ذلك على أن خب الواحد بجرده ل يقبل ‪.‬‬
‫ومن الوقائع أيضا أن عمر ‪ t‬رد خب أب موسى لا حدثه بديث أن الستئذان ثلثا‬
‫فإن أجابك وإل فارجع ‪ ،‬فقال له عمر ‪ " :‬وال لتأتين على هذا ببهان أو لفعلن بك " ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فأتانا ونن رفقة من النصار فقال ‪ :‬يا معشر النصار ألستم أعلم الناس بديث‬
‫رسول ال ‪ r‬أل يقل كذا وكذا ‪ ،‬قال ‪ :‬فجعل القوم يازحونه ‪ ،‬قال أبو سعيد ‪ :‬فرفعت‬
‫رأسي فقلت ‪ :‬فما أصابك ف هذا اليوم من العقوبة من شيء فأنا شريكك ‪ ،‬قال‪ :‬فأتى‬
‫عمر فأخبه بذلك ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬ما كنت علمت بذا " أخرجاه ف الصحيحي ‪ .‬فلو‬
‫كان خب الواحد يقبل لا فعل عمر ذلك ‪ ،‬أعن لا طلب عمر مع أب موسى من يشهد له‬
‫بذلك ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن عائشة رضي ال عنها ردت خب تعذيب اليت ببكاء أهله وقد رواه‬
‫ابن عمر مرفوعا (( اليت يعذب ببكاء أهله عليه )) فقالت عائشة ‪ :‬يرحه ال ل يكذب‬
‫ولكنه وهم ‪ ،‬إنا قال رسول ال ‪ r‬لرج ٍل مات يهوديا ‪ (( :‬إن اليت ليعذب ‪ ،‬وإن أهله‬
‫عليه )) ‪ ،‬فهذه الوقائع مثبتة لمرين ‪:‬‬ ‫ليبكون‬
‫الول ‪ :‬أن دعوى الجاع الت ذكرتوها منقوضة بذه الصور ‪ ،‬فكيف تدعون‬
‫الجاع ف السألة ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أن هذه الصور دليل على أن خب الواحد بجرده ل يقبل ما ل يتأيد بغيه‬
‫من نصٍ أو إجاعٍ أو تلقٍ له بالقبول ‪ ،‬أما هو بجرده فل يقبل والوقائع السابقة نصوص‬
‫صرية صحيحة ف هذا – أي ف رد خب الواحد – وقالوا ‪:‬‬
‫قال ال تعال ‪ِ ] :‬إ ْن يَّتِبعُونَ إِل الظّنّ [ وقال ‪ ] :‬ا ْجَتِنبُوا َكثِيًا مِنْ الظّنّ [‬
‫فقد ذم ال تعال وعاب الذين يتبعون الظنون ويتركون الحكم التيقن ‪ ،‬وخب‬
‫الواحد بجرده إنا يفيد الظن فالتبع له إنا هو متبع للظن وهو مذموم فدل ذلك على عدم‬
‫جواز التعبد به – كذا قالوا – وهذه ممل أدلتهم ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫والواب عن ها بتوف يق ال تعال أن ما تقدم من الوقائع ال ت ذكرتو ها ال ت رد‬


‫الصحابة فيها هذه الخبار ل تفيدكم شيئا وذلك لوجهي ‪- :‬‬
‫الول ‪ :‬أنم إنا ردوا هذه الخبار ف هذه الوقائع استظهارا لتلك الحكام لورود‬
‫جهات ضعف اختصت بذه الخبار بعينها فطلب الصحابة فيها الستيثاق من حكمها‬
‫‪ -‬أعن الذين بلغتهم فقط – أي أن هذه الوقائع لا بلغتهم رأوا بنظرهم أن فيها جهة من‬
‫جهات الضعف فأردوا إزالة ذلك الضعف وذلك ل يدل على أن خب الواحد يرد مطلقا ‪،‬‬
‫إذ هذا التثبت خاص بذه الخبار وبن بلغتهم دون غيها من الخبار ‪ ،‬ولذلك ند أن‬
‫هؤلء النقول عنهم رد هذه الخبار ند أنم قد قبلوا أخبارا كثية بدون ذلك بل بجرد‬
‫بلوغها لم كما ذكرنا ف سياق أدلتنا ‪ ،‬فهذا دليل على خصوصية هذا التثبت بذه‬
‫الخبار ول يعل ذلك قاعدة عامة ف جيعها ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أن الصحابة ل يردوا هذه الخبار لنا آحاد ‪ ،‬والدليل على ذلك أنم‬
‫قبلوها بعد التوقف فيها بب اثني ‪ ،‬وذلك كما ف قصة عمر مع أب موسى لا شهد معه‬
‫أبو سعيد الدري قبل عمر خبها وها اثنان ‪ ،‬وهذا آحاد وليس بتواتر ‪ ،‬فخب‬
‫الستئذان الذي قبله عمر ل يرج عن حد الحاد بشهادة أب سعيد فدل ذلك على أن‬
‫عمر ل يرد خب أب موسى لنه آحاد إذ لو كان ذلك كذلك لا قبله إل بعد أن يبه مع‬
‫أب موسى عدد كثي يفيد خبهم العلم القاطع ‪ ،‬فهذا يفيد أنه إنا رده لقصدٍ آخر ولذلك‬
‫قال له بعد ذلك ‪ " :‬أما إن ل أتمك ‪ ،‬ولكن خشيت أن يقول من شاء ف سنة‬
‫رسول ال ‪ r‬ما شاء " ‪ ،‬أي حت ل يتجرأ الناس بنسبة شيء للنب ‪ r‬إل وهم متأكدون‬
‫التأكد التام منه ‪ .‬والقصود أن خب أب موسى وأب سعيد خب آحاد وقد قبله عمر فهذا‬
‫دليل لنا ل لكم ‪ ،‬وكذلك قصة الغية بن شعبة ف مياث الدة ‪ ،‬فإنه لا طلب أبو بكرٍ‬
‫منه شاهدا على ما قاله قام ممد بن مسلمة فشهد أنه سعه من النب ‪ r‬فقبله أبو بكر ‪t‬‬
‫مع أن هذا الب حت مع شهادة ممد بن مسلمة لزال خب آحاد فدل ذلك على أن رد‬
‫أب بكر لب الغية ليس لنه خب آحاد وإنا من باب ] وََلكِنْ ِليَطْ َمئِنّ َق ْلبِي [ وليعلم‬
‫الناس أن التحديث بالسنة ليس أمرا سهلً ‪ ،‬حت يسد الباب على من أراد الكذب على‬
‫رسول ال ‪ ، r‬وليكون منهجا ف التثبت ‪ ،‬فهذا أيضا دليل لنا ل لكم ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وأما رد عائشة لب تعذيب اليت ف قبه ببكاء أهله عليه فليس لنه خب آحاد وإنا‬
‫لوجود معارضٍ له راجح وهو قوله تعال ‪ ] :‬وَل تَزِ ُر وَازِ َرٌة وِزْرَ أُ ْخرَى [ ‪ ،‬ولظنها أن‬
‫صوابه هو ما قالته ‪.‬‬
‫وف الملة – حت ل نطيل – أقول الصواب الذي ل مرية فيه ‪ ،‬والق الذي‬
‫ل ينبغي الدال فيه هو أن خب الحاد الصحيح حجة يب قبوله والتعبد ل بقتضاه ‪ ،‬ف‬
‫العقائد والشرائع ‪.‬‬
‫إذا علمت هذه القاعدة فلم يبق إل الفروع عليها وهي أكثر من أن تصر وأشهر‬
‫من أن تذكر ويكفيك أن نقول لك ‪ :‬إن غالب الحكام الشرعية العملية إنا أثبتت بأخبار‬
‫الحاد وهي كثية جدا يعرفها من تتبع الفقه ونظر فيه ‪ ،‬ولعل فيما مضى كفاية إن شاء‬
‫ال تعال لننا قد أطلنا ف تقرير هذه القاعدة وخرجنا عن القصود ‪ ،‬وال أعلى وأعلم‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعــدة الثانيــة‬
‫( خـب الحـاد معتمـد فيما تعم به البلـوى)‬
‫وهذه القاعدة متممة لا قبلها وقد أشرنا إل شيء منها سابقا ونسزيدها إيضاحا‬
‫فنقول ‪ :‬قولنا (معتمد) أي حجة يب قبولا ‪ ،‬قولنا (فيما تعم به البلوى) أي فيما تكثر‬
‫حاجة الناس إليه ‪ .‬وصـورة ذلك ‪ :‬أن يرد خب واحدٍ ويدل على حكمٍ من الحكام‬
‫الشرعية الت يتاجها كل أحد أي أن الكم الشرعي ل يتعلق بواح ٍد أو اثني من الكلفي‬
‫بل هو قضية عامة لسائر الكلفي أو معظمهم ‪ ،‬أي أن حاجة الناس لبيان هذا الكم‬
‫الشرعي حاجة عامة وضرورية ‪ ،‬ومع ذلك ل يروي هذا الكم الشرعي إل واحد فقط‬
‫أو اثنان أي ينقل نقلً آحاديا مع شدة الجة لبيانه ‪ ،‬هذه صورتا ‪ ،‬وبذا يتبي لك‬
‫أمران‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن ما كانت حاجة الكلفي له ماسة وضرورية فإنم لشك يكثرون‬
‫السؤال عنه فيكون بينهم كالتواتر لكثرة تكرره ووقوعه وكثرة السؤال عنه كأحكام‬
‫الوضوء مثلً أو الصلة أو الج ونوها من الحكام العامة فإن الناس لشك لكثرة وقوعه‬
‫وتكرره لبد أن يسألوا عنه ليعرفوا حكم ال فيه ‪ ،‬هذه قضية مسلمة ل أظن أحدا ينازع‬
‫فيها ‪ .‬الثان ‪ :‬أن هذا الكم الشرعي الذي اشتدت الاجة لبيانه لكثرة وقوعه وعموم‬
‫البتلء به ل ينقله عن النب ‪ r‬إل الواحد أو الثنان فقط ‪ ،‬مع كثرة وقوعه وشدة الاجة‬
‫إليه ل ينقله إل القليل جدا ‪ ،‬فإذا فهمت هذين المرين وضحت لك السألة ‪.‬‬
‫فالسؤال هنا هو ‪ :‬أن هذا الب الذي يقرر حكما شرعيا قد اشتدت حاجة الناس‬
‫وعمت البلوى به إذا ل ينقله إل واحد أو اثنان هل يقبل أو ل يقبل ؟ هذا ما تيب عنه‬
‫هذه القاعدة وهو أنه يقبل ‪ ،‬والقول بأنه يقبل هو قول جهور الصوليي ‪ ،‬بل هو مذهب‬
‫السلف وأئمة أهل الديث ‪ ،‬وقالت النفية ‪ :‬ل يقبل مثل هذا الب ‪ ،‬لكن بلشك أن‬
‫الصواب هو قول السلف من الصحابة والتابعي وجهور الصوليي من أنه يقبل وأنه حجة‬
‫يب العمل به إذا صح سنده ول ينسخ والدليل على هذه القاعدة ما يلي ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬إجاع الصحابة السكوت على ذلك فقد قبل الصحابة ‪ y‬خب الواحد فيما‬
‫تعم الاجة له وعملوا به من دون أن ينكر ذلك أحد منهم ‪ ،‬وهي صور كثية تقدم ذكر‬

‫‪17‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫بعضها كقبول الصحابة لديث (إذا التقى التانان) الذي روته عائشة وهو خب آحاد فيما‬
‫تعم به البلوى ‪ ،‬إذ كل زوجي يتاجان له أشد الاجة ومع ذلك قبلوه ول يقولوا ‪ :‬إن‬
‫هذا الكم تعم له البلوى وتشتد حاجة الناس له فل نقبل فيه إل التواتر ‪ ،‬بل قبلوه‬
‫واعتمدوه بجرد ما أخبتم به ‪ y‬أجعي ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أن الصحابة ‪ y‬قبلوا خب رافع بن خديج (أن النب ‪ r‬نى عن الخابرة)‬
‫وقد كانوا يابرون أربعي سنة فهو ما تعم البلوى به ‪ ،‬ومع ذلك لا حدثهم رافع بذلك‬
‫قبلوا خبه واعتمدوه وعملوا به وانتهوا عن الخابرة بل قال ابن عمر ‪ " :‬فانتهينا لقول‬
‫رافع " ‪ ،‬ولو ل يكن يقبل لقالوا ‪ " :‬يا رافع أنت خبك خب واح ٍد وهو فيما تعم به‬
‫البلوى وهو ل يقبل ف ذلك " ‪ ،‬لكنهم ل يقولوه ‪ y‬بل دانوا له وسعوا وأطاعوا وسلموا‬
‫تسليما ما يدل على أن خب الواحد مقبول معتمد ف أي المور كان ‪ ،‬فيما تعم البلوى‬
‫وغيه ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أنم قبلوا خب الغية بن شعبة وممد بن مسلمة ف إعطاء الدة‬
‫السدس وهذا أمر تعم به البلوى وهو خب آحاد ‪ ،‬ومع ذلك قبلوه واعتمدوه ‪.‬‬
‫والوقائع كثية تفيد الناظر فيها الجاع السكوت منهم ‪ y‬على قبول الخبار‬
‫الحادية فيما تعم البلوى ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن هذا الراوي الواحد عدل ثقة جازم با يب به وصدقه ما‬
‫ل بغالب الظن ‪ ،‬ولنه أخب بأمرٍ يكن صدقه فيه وهو‬
‫يغلب على الظن فوجب قبوله عم ً‬
‫ثقة ل يعرف عليه كذب فوجب تصديقه وحرم تكذيبه ‪ ،‬فما بالك إذا كان هذا الذي‬
‫أخبنا بذا الب صحاب ‪ ،‬فل شك أنم ‪ y‬قد بلغوا ف الصدق والثقة والعدالة والضبط‬
‫والمانة ف النقل ما ل يبلغه غيهم فإذا أخبنا واحد منهم ببٍ جازم بصدق نفسه فيه‬
‫فالغالب على الظن صدقه ومن غلب على ظننا صدقه فإنه ل يوز تكذيبه ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن هذا الصحاب الذي روى لنا هذا الب حفظه من النب ‪r‬‬
‫ل بغيه أو أنه اكتفى بنقل غيه طلبا للسلمة ‪،‬‬
‫وتوفرت هته لنقله وغيه قد يكون مشتغ ً‬
‫أو أنه سأل عنه وأخب بوابه وتعبد ل به ول ينقله إذ ليس كل من يعلم شيئا ينقله ‪ ،‬فل‬

‫‪18‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫يوجب ذلك أن نرد خب من حفظ وتوفرت هته للنقل إذ عدم نقل غيه ليس قادحا ف‬
‫نقله ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن الدلة العامة دلت على وجوب قبول خب الواحد بالطلق‬
‫كما مضى سياقها ف القاعدة الول ‪ ،‬والطلق ل يوز تقييده إل بدليل ول دليل يدل على‬
‫أن خب الواحد ل يقبل إذا كان فيما تعم به البلوى ‪ ،‬فإن من اشترط لقبوله أن ل يكون‬
‫فيما تعم به البلوى فإنه قد جاء بقيدٍ للدلة الدالة على وجوب قبوله بل دليل يدل عليه ‪،‬‬
‫والصل أن يرى الطلق على إطلقه ول يقيد إل بدليل فمن ادعى هذا الشرط فعليه‬
‫الدليل ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫إذا علمت هذا فاعلم أن النفية قالوا ‪ :‬مثل هذا الب ل يقبل واستدلوا على ذلك‬
‫بقولم ‪ :‬إن ما تعم به البلوى وتكثر الاجة لبيانه لبد أن يكثر السؤال عنه وإذا كثر‬
‫السؤال عنه فلبد أن يرص النب ‪ r‬على البيان الواضح والبلغ التام وكثرة التأكيد عليه‬
‫وحينئ ٍذ فلبد أن يكثر ناقلوه وحافظوه منه ‪ ،‬أي أن المم تتوفر لنقله فيشتهر عادة فلما‬
‫ل ينقله إل الواحد فقط وترك الكثرون نقله دل ذلك على أن هذا الواحد ف نقله شيء‬
‫من النظر إذ كيف ل ينقله الناس مع اشتهاره بينهم وينقله الواحد فقط ‪ ،‬فهذا دليل على‬
‫أن خبه مدخول ‪ ،‬وبه ِظنّة أي تمة ‪ .‬هكذا قالوا ‪ :‬والواب عن ذلك من أوجه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن دليلهم هذا مبن على عدم النقل أي أن الكثر ما نقلوه ‪ ،‬وعدم نقل‬
‫الكثر له ليس دليلً على عدمه إذ يكفي ف إثباته نقل واحدٍ فقط وقد حصل ‪ ،‬فلو أن‬
‫جعا كثيا من الناس اتفقوا على عدم نقل حادث ٍة وهي ف الواقع موجودة فإن عدم نقلهم‬
‫ليس دليلً على عدمها إذ أننا أثبتنا وجودها بطريق آخر وهو نقل غيهم لا ‪ ،‬فهب أن‬
‫الكثر ما نقلوه هذا الب فهل هذا يدل على عدم حقيقة هذا الب ؟‬
‫الواب بالطبع ‪ :‬ل ‪ .‬لنه ثبت بإخبار غيهم ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أننا ندكم أيها النفية تعتمدون أشياء تعم با البلوى ول طريق لثبوتا إل‬
‫خب الواحد ‪ ،‬من ذلك ‪ :‬قولكم بوجوب الوتر ‪ ،‬والوضوء من القهقهة ف الصلة مع‬
‫ضغف الب واختياركم تثنية القامة ف الصلة وكذلك أوجبتم الوضوء بروج النجاسة‬
‫من غي السبيلي وكل ذلك ما تعم به البلوى ‪ ،‬وأدلتكم على ذلك إنا هي خب الواحد ‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫بل قلتم بوجوب الغسل من غسل اليت وحديثه آحاد ‪ ،‬فأنتم بذلك متناقضون إذ قد‬
‫ذهبتم إل عدم قبول خب الواحد فيما تعم به البلوى ث تعتمدون أحكاما تعم با البلوى‬
‫بأخبار الحاد وهذا التناقض مضعف لقولكم الذي ذهبتم إليه ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ل نسلم لكم أن ما كثر السؤال عنه لبد أن يكثر نقلته ‪ ،‬أو أن ما‬
‫اشتدت الاجة لبيانه فلبد أن يكثر ناقلوه ‪ ،‬فهذه شروط البيع والنكاح والذان والقامة‬
‫هي ما تعم با البلوى لكثرة وقوعها ومع ذلك فناقلوها ل يبلغون حدّ التواتر ‪ ،‬فإذا تعلم‬
‫بذا أن القول الصواب هو ما نصت عليه هذه القاعدة الهمة ‪.‬‬
‫وإليك الن بعض الفروع عليها حت تعرف مدى أهيتها فأقول ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬الوضوء من مس الذكر ‪ ،‬فذهب المهور إل أنه ناقض بشرطه واستدلوا‬
‫على ذلك بديث بسرة بنت صفوان مرفوعا (( من مس ذكره فليتوضأ )) وقالت النفية‪:‬‬
‫ل ينقض الوضوء واستدلوا بديث طلق بن علي (( ل ‪ ،‬إنا هو بضعة منك )) وأجابوا‬
‫عن حديث بسرة بأنه خب آحاد فيما تعم به البلوى فل يقبل ‪.‬‬
‫والصواب قول المهور من أن مس الذكر ناقض للوضوء وإن كان ثبت بب‬
‫الحاد ‪ ،‬ذلك لن خب الواحد عندنا يقبل فيما تعم به البلوى ‪ ،‬لكن يشترط لنقضه‬
‫للوضوء فيما أرى أن يكون بشهوة وبل حائل وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬رفع اليدين ف الصلة ف غي تكبية الحرام ‪ ،‬فذهب المهور إل أن السنة‬
‫رفع اليدين عند الركوع والرفع منه مستدلي بديث ابن عمر ف الصحيحي أن النب ‪r‬‬
‫كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلة وإذا كب للركوع وإذا رفع رأسه من‬
‫الركوع رفعهما كذلك ‪ ،‬وقال النفية ‪ :‬ل يرفع ف غي تكبية الحرام ‪ ،‬فل يرفع عند‬
‫الركوع ول الرفع منه ‪ ،‬واستدلوا بديث ابن مسعود " لصلي لكم صلة رسول ال ‪r‬‬
‫فصلى فلم يرفع يديه إل مرة واحدة " أي عند تكبية الحرام ‪ ،‬ول يعمل النفية بديث‬
‫ابن عمر لنه خب آحاد فيما تعم به البلوى وهو عندهم ل يقبل ‪ ،‬إذ كيف يصلي النب ‪r‬‬
‫الصلة فرضها ونفلها أمام الناس ويرفع يديه ول ينقله إل ابن عمر ‪.‬‬
‫لكن الصواب هو قول المهور لصحة الديث ولن خب الواحد فيما تعم به‬
‫البلوى معتمد عندنا ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬التسليمتان ف الصلة ‪ :‬فقد ذهب المهور إل أنه ل يتحلل النسان من‬
‫صلته إل بالتسليم فلو أحدث قبله وبعد التشهد لفسدت الصلة لنه ل يزال ف صلة‬
‫واستدلوا على ذلك بديث علي ‪ t‬مرفوعا (( تريها التكبي وتليلها التسليم )) وقال‬
‫النفية ‪ :‬بل إن حكم الصلة ينتهي بالتشهد الخي واللوس له ‪ ،‬ول دخل للتسليم ف‬
‫التحلل من الصلة ‪ ،‬فلو أحدث الصلي بعد التشهد وقبل السلم لصحت صلته ‪ ،‬وأما‬
‫حديث التسليم فل نقبله لنه خب آحاد فيما تعم به البلوى ‪ ،‬وخب الحاد فيما تعم به‬
‫البلوى غي مقبول عندنا – كذلك قالوا – ‪.‬‬
‫والصواب ولشك هو قول المهور لصحة الديث – إن شاء ال تعال – مع‬
‫اقترانه بفعله ‪ r‬الدائم الذي ل ينخرم مع قوله ‪ (( :‬صلوا كما رأيتمون أصلي )) ولن‬
‫خب الواحد فيما تعم به البلوى مقبول عندنا ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اشتراط الول ف النكاح ‪ ،‬فقد ذهب المهور إل القول بأنه ل يصح‬
‫النكاح إل بول مستدلي على ذلك بقوله ‪ (( : r‬ل نكاح إل بول )) وحديث (( أيا‬
‫امرأة نكحت نفسها بغي إذن وليها فنكاحها باطل )) وقالت النفية ‪ :‬ل يشترط الول‬
‫لن هذه الخبار أخبار آحاد فيما تعم به البلوى ‪ ،‬وخب الواحد فيما تعم به البلوى‬
‫ل يقبل عندنا ‪ ،‬ولن الرأة لا أن تتصرف ف مالا كيف شاءت فكذلك ف نفسها لا‬
‫ذلك ‪ .‬والصواب قول المهور من اشتراط الول لصحة الحاديث بجموعها وإن كان‬
‫ف بعضها ضعف لكن هي بجموعها وطرقها يتج با على اشتراط الول ‪ ،‬وهي وإن‬
‫كانت خب آحاد فيما تعم به البلوى لكن خب الحاد فيما تعم به البلوى معتمد عندنا‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قراءة الفاتة بعينها ف الصلة فإن المهور قالوا ‪ :‬يشترط لصحة الصلة‬
‫قراءة الفاتة بعينها فالقراءة الواجبة عند المهور هي الفاتة واستدلوا بديث عبادة بن‬
‫الصامت مرفوعا (( ل صلة لن ل يقرأ بفاتة الكتاب )) متفق عليه ‪.‬‬
‫وقالت النفية ‪ :‬ل تتعي الفاتة لصحة الصلة بل إذا قرأ غيها صحت صلته‬
‫لعموم قوله تعال ‪ ] :‬فَا ْقرَءُوا مَا َتيَسّ َر مِ ْن اْلقُرْآنِ [ ولن حديث عبادة حديث آحاد فيما‬
‫تعم به البلوى ومثل ذلك ل يقبل عندنا ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫والصواب قول المهور لصحة الديث ‪ ،‬وأما الية فهي مطلقة وحديثنا مقيد لا‪،‬‬
‫وأما قاعدتم هذه فهي باطلة ‪ ،‬بل خب الواحد فيما تعم به البلوى مقبول ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬التسمية فقد ذهب النابلة والشافعية إل أنا سنة ف الصلة قبل الفاتة ‪،‬‬
‫لكن قال النابلة ‪ :‬سرا ‪ ،‬وقال الشافعية ‪ :‬جهرا ‪ ،‬واستدلوا بأحاديث التسمية كحديث‬
‫نعيم الجمر عن أب هريرة وغيه ‪ ،‬وذهب الالكية والنفية إل عدم قولا سرا أو جهرا‬
‫فليست هي عندهم من سنن الصلة ول من الفاتة ‪ ،‬واستدل الحناف على ذلك بأن‬
‫أحاديث التسمية أخبار آحا ٍد والتسمية تعم با البلوى ‪ ،‬وخب الحاد ل يقبل فيما تعم به‬
‫البلوى ‪ .‬لكن الصواب هو أنا من جلة السنن قبل الفاتة لثبوت الحاديث بذلك والسنة‬
‫أيضا عدم الهر با لديث أنس ف الصحيحي ‪ ،‬لكن إن جهر با أحيانا لتأليف أو تعليم‬
‫فل بأس ‪ ،‬وهذا هو اختيار أب العباس ابن تيمية ‪ ،‬والقصود أن النفية ردوا أحاديث‬
‫التسمية لنا آحاد ول يقبل الحاد فيما تعم به البلوى عندهم وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬غسل الكافر إذا أسلم فقال بعضهم بأنه واجب لديث قيس بن عاصم‬
‫عندما أسلم (( أمره النب ‪ r‬أن يغتسل باءٍ وسد ٍر )) وهو حديث صحيح ‪ ،‬وبديث‬
‫ثامة بن أثال أنه عندما أسلم (( أمره النب ‪ r‬أن يغتسل )) ورواية المر عند عبد الرزاق‬
‫وأصل الديث ف الصحيحي بدونا لكنها زيادة من ثقة فهي مقبولة كما سيأت ف قاعدة‬
‫" زيادة الثقات " إن شاء ال تعال ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ل يب لنه أمر تعم به البلوى فقد‬
‫أسلم المع الغفي فلو كان يأمرهم بالغسل لتواتر ذلك وكثر ناقلوه ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬إن عدم نقل الكثر ل يقدح ف رواية من نقل ‪ ،‬والب عندنا مقبول إذا صح‬
‫سنده من غي نظرٍ إل ما تعم به البلوى أو ما ل تعم به البلوى ‪ ،‬ولذا فالقول بالوجوب‬
‫هو القول الراجح وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬رؤية هلل رمضان فإذا ل يره إل واحد فقط فهل رؤيته يعمل با أو ل ؟‬
‫الواب ‪ :‬هو على هذه القاعدة ‪ ،‬فذهب المهور إل قبول خبه وشهادته لديث‬
‫ابن عباس رضي ال عنهما (( أن أعرابيا جاء إل النب ‪ r‬فقال ‪ :‬إن رأيت اللل ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬أتشهد أل إله إل ال وأن ممدا رسول ال ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فأذن ف الناس يا بلل‬
‫أن يصوموا غدا )) رواه المسة وصححه ابن خزية وابن حبان ‪ ،‬وكذلك حديث ابن‬

‫‪22‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫عمر قال ‪ :‬تراءى الناس اللل فأخبت النب ‪ r‬أن رأيته فصام وأمر الناس بصيامه )) رواه‬
‫أبو داود وصححه ابن حبان والاكم ‪ ،‬فأخذ المهور بذه الحاديث ف قبول شهادة‬
‫النفرد برؤية اللل ‪ .‬وقال النفية ‪ :‬ل نقبل شهادته لن خبه لو كان صحيحا لشترك‬
‫معه غيه إذ اللل بي واضح لكل ذي عيني فهو أمر تعم به البلوى ‪ ،‬والخبار الت‬
‫ذكرتوها أخبار آحاد ‪ ،‬وخب الحاد فيما تعم به البلوى ل يقبل عندنا ‪.‬‬
‫والصواب قول المهور لثبوت هذه الحاديث وهي نص ف السألة ‪ ،‬وخب الواحد‬
‫فيما تعم به البلوى معتمد عندنا كما قالت القاعدة وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬خيار الجلس ‪ ،‬قال النابلة والشافعية به أي بثبوته لديث ابن عمر ف‬
‫الصحيحي مرفوعا (( إذا تبايع الرجلن فكل واح ٍد منهما باليار ما ل يتفرقا وكانا‬
‫جيعا )) ولكن قال النفية ‪ :‬ليس يثبت خيار الجلس لنه ما تعم به البلوى لكثرة‬
‫مبايعات الناس وشرائهم ومع ذلك ل يروه إل ابن عمر فهو خب آحا ٍد فيما تعم به البلوى‬
‫‪ ،‬وخب الحاد فيما تعم به البلوى ل يقبل ‪ .‬والصواب القول الول ولشك لثبوت‬
‫الديث لذلك ‪ ،‬وأما قاعدتم فهي باطلة ‪ ،‬بل خب الحاد مقبول فيما تعم به البلوى ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬من أكل أو شرب ف نار رمضان ناسيا فالمهور قالوا ‪ :‬ل شيء عليه‬
‫لديث أب هريرة مرفوعا (( من أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنا أطعمه ال‬
‫وسقاه )) متفق عليه ‪ ،‬وقال النفية ‪ :‬بل صومه يفسد وعليه القضاء وهذا الديث‬
‫ل نقبله لنه خب آحاد فيما تعم به البلوى‪ ،‬وخب الحاد فيما تعم به البلوى ل يقبل ‪.‬‬
‫والصواب قول المهور لصحة الديث ول عبة بعموم البلوى أو عدم عمومها‬
‫وإنا الهم صحة الديث – وقد صح – فوجب القول بقتضاه وال أعلم ‪.‬‬
‫ولعل هذه الفروع كافية لفهم هذه القاعدة إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫وأخيا نقول ‪ :‬اللهم اغفر للحنفية مغفرة واسعة ‪ ،‬وال ما كانوا ليدوا حديث‬
‫رسول ال ‪ r‬بغضا له كما فعله غيهم وإنا فعلوا ذلك من باب زيادة الرص على السنة‬
‫وعدم نسبة شيء لا إل بعد التأكد التام أنه منها فقالوا ما قالوه عن حسن نيةٍ ‪ ،‬لكنه خطأ‬
‫ل يقبل منهم ‪ ،‬أما هم فل نتعرض لم بشيء إل بالدعاء لم بالغفرة والعفو والرحة ‪.‬‬
‫وال أعلم ‪ ،‬وصلى ال على نبينا ممد وآله وصحبه أجعي ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعــدة الثالثــة‬
‫( المر الجرد عن القرائن يفيد الوجوب‬
‫وبالقرينـة يفيـد ما تفيـده القرينـة )‬
‫وهذا هو الصحيح إن شاء ال تعال وهو الذي دلت عليه الدلة الكثية كما سترى‬
‫طرفا من ذلك إن شاء ال تعال ‪ ،‬قولنا (المر) عرف العلماء المر بأنه استدعاء الفعل‬
‫بالقول من هو دونه ‪ ،‬فقولم ‪ :‬استدعاء ‪ :‬أي طلب الفعل وخرج به النهي لنه استدعاء‬
‫الترك ‪ ،‬وقولنا (بالقول) أي بالنطق وبه يرج المر بالشارة ونوها فإنا ليست أمرا‬
‫حقيقة ولكن ماز ‪ ،‬وقولنا (من هو دونه) أي ف الرتبة والنسزلة ‪ ،‬وبه يرج الدعاء‬
‫واللتماس ‪ ،‬فأما الدعاء فهو طلب شيء من هو فوقه كقولك ‪ :‬رب اغفر ل ‪ ،‬فهذا‬
‫ل يسمى أمرا وإنا دعاء لنك تطلب شيئا من هو فوقك ‪ ،‬وأما اللتماس فهو طلب‬
‫الفعل من هو ف منسزلتك كقول بعض اللوك لبعض افعلوا كذا ول تفعلوا كذا ‪ ،‬وقولك‬
‫لن هو ف مرتبتك أعطن ما ًء وهذا ل يسمى أمرا ولكن يسمى التماسا أي أنك تلتمس‬
‫منه أن يفعل لك هذا لكن ل تأمره ‪ ،‬وإن سي ذلك أمرا ف اللغة فإنه ليس بأمرٍ عند‬
‫الصوليي ‪ ،‬ث اعلم أن مذهب أهل السنة والماعة أن المر له صيغة تصه والصل فيها‬
‫(افعل) وما تصرف منها ‪ ،‬خلفا للمبتدعة الذين يقولون ل صيغة له فإن هذا القول بدعة‬
‫وضللة لنه فرع من فروع إنكار الكلم أصلً كقول العتزلة ‪ ،‬أو إثبات للكلم النفسي‬
‫كقول الشاعرة ‪ ،‬فاحذر من هذا الذهب البيث ‪ ،‬فال متكلم مت شاء كيف شاء با‬
‫ف وصوتٍ تسمعه الذان وإن كلمه قدي النوع حادث الحاد ‪ ،‬كذا‬ ‫شاء وكلمه بر ٍ‬
‫قال أهل السنة ولذلك قالوا ‪ :‬للمر صيغة تصه وهي (افعل) وما تصرف منها ‪.‬‬
‫إذا علمت هذا فاعلم أن هذه الصيغة ل تلو إما أن ترد مردة عن القرائن وإما أن‬
‫تكون مقرونة بقرينة ‪ ،‬فإن كانت مقرونة بقرينة فإنا تفيد ما أفادت هذه القرينة ‪ ،‬فإن‬
‫اقترنت با قرينة الندب فهي ندب نوه قوله ] َفكَاتِبُوهُمْ إِ ْن عَلِ ْمتُمْ فِيهِمْ َخيْرًا [ فهذا أمر‬
‫ندب لنا لا نسزلت ل يكاتب النب ‪ r‬رقيقه وكذلك كثي من الصحابة ل يكاتبوهم ما‬
‫يدل على أن المر فيها للندب ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ولذلك تد أن الصوليي يبحثون معان هذه الصيغة ف باب المر ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬من‬
‫صطَادُوا[ ‪ ،‬والتعج يز كقوله تعال ‪] :‬‬ ‫معاني ها الندب وتقدم ‪ ،‬والبا حة كقوله تعال ‪] :‬فَا ْ‬
‫قُلْ كُونُوا ِحجَا َرةً َأوْ حَدِيدًا[ ‪ ،‬والتسخي كقوله تعال ‪] :‬كُونُوا ِقرَ َدةً خَا ِسئِيَ[ ‪ ،‬والهانة‬
‫صبِرُوا َأوْ ل‬
‫ت الْعَزِي ُز الْكَرِيُ[ ‪ ،‬والت سوية كقوله تعال ‪] :‬فَا ْ‬
‫كقوله تعال ‪] :‬ذُ قْ ِإنّ كَ أَنْ َ‬
‫ُمس[ ونوهسا كالدعاء‬ ‫ُمس[ ‪ ،‬والتهديسد كقوله تعال ‪] :‬اعْمَلُوا مَا شِْئت ْ‬ ‫سسوَا ٌء عََلْيك ْ‬
‫َصسبِرُوا َ‬
‫ت ْ‬
‫والكرام وال ب ‪ .‬ف صيغة (اف عل) في ما م ضى ل تد خل ف بث نا ل نه قد اقتر نت قرائن‬
‫أخرجت ها إل غ ي باب ا ال صلي فإذا اقترن بذه ال صيغة قرائن فإن ا تدل على ما دلت عل يه‬
‫القرينة وليس هذا هو مال بثنا ‪.‬‬
‫الالة الثانية ‪ :‬أن تأت مردة عن القرائن فإذا وردت مردة عن القرائن فماذا تفيد ؟‬
‫وما هو الصل فيها حت نبقى عليه فل ننتقل عنه حت يأتينا الناقل ؟ هذا هو ما تفيده هذه‬
‫القاعدة ‪ ،‬وقبل ذلك أقول ‪ :‬اختلف العلماء رحهم ال تعال ف صيغة المر إذا وردت‬
‫مردة عن القرائن ماذا تفيد ؟ فقال بعضهم ‪ :‬هي تفيد الوجوب وهو قول جهور‬
‫الصوليي ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل تفيد الندب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل تفيد الباحة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل يتوقف فيها‬
‫إل ورود القرينة الصارفة لا إل معنً من العان ‪ ،‬لنا حقيقة مشتركة بي معانٍ كثية ‪،‬‬
‫والصواب هو القول الول وما عداه فباطل ‪ ،‬فالقول الصحيح هو أن صيغة المر إذا‬
‫وردت مردة عن القرائن فإنا تفيد الوجوب ‪ ،‬وهو ما تفيده قاعدتنا هذه ‪ ،‬والدليل على‬
‫أن هذا القول هو الراجح عدة أمور ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬قوله تعال ‪َ] :‬ف ْليَحْذَ ْر الّذِي َن يُخَاِلفُو َن عَنْ َأمْ ِرهِ َأنْ تُصِيَبهُمْ ِفْتَنةٌ َأوْ ُيصِيبَهُمْ‬
‫عَذَابٌ أَلِيمٌ[ فحذر ال تعال الذين يالفون أمر النب ‪ r‬بذه العقوبة الشديدة وهي‬
‫إصابتهم بالفت والعذاب الليم ف الدنيا والخرة ‪ ،‬فهذا يدل على وجوب القيام بأمره‬
‫وتنفيذه ‪ ،‬وذلك لن الواجب هو ما يذم تاركه مطلقا ‪ ،‬أو هو ما توعد بالعقاب على‬
‫تركه ‪ ،‬فلما توعد ال من خالف المر بالعقاب الشديد دل ذلك على وجوب هذا المر‬
‫وأن الصل فيه الوجوب وهذا هو الطلوب إذ لو ل يكن واجبا لا عاقبهم على مالفته‬
‫لكن لا عاقبهم على مالفته فهذا دليل وجوبه ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومن الدلة ‪ :‬قوله تعال ‪َ ] :‬وإِذْ قُ ْلنَا ِللْمَلئِ َك ِة اسْجُدُوا ل َدمَ فَسَ َ‬
‫جدُوا إِل ِإبْلِيسَ لَمْ‬
‫جدَ إِذْ َأمَ ْرتُكَ[ ‪ ،‬وقال تعال ف آية أخرى‪] :‬‬ ‫يَكُ ْن مِنْ السّا ِجدِينَ * قَا َل مَا َمَنعَكَ أَل تَسْ ُ‬
‫ج َد الْمَلِئ َكةُ ُكّلهُمْ أَجْ َمعُونَ * إِل إِبْلِيسَ َأبَى َأنْ َيكُونَ مَعَ السّا ِجدِينَ * قَا َل يَا ِإبْلِيسُ‬‫فَسَ َ‬
‫ج ِمنْهَا فَِإنّكَ رَجِيمٌ * َوإِنّ‬‫مَا لَكَ أَل َتكُو َن مَعَ السّاجِدِينَ[ ‪ ،‬وف أخرى ‪] :‬قَالَ فَاخْ ُر ْ‬
‫عََليْكَ الّل ْعَنةَ إِلَى َي ْومِ الدّينِ[ ‪.‬‬
‫ووجه الدللة من ذلك ‪ :‬أن ال تعال لا أمر اللئكة بالسجود سارعوا إل ذلك‬
‫وامتنع إبليس عن السجود وعارض النص برأيه فوبه ال وذمه وعاقبه بالطرد واللعنة‬
‫والهباط من النة فهذه العقوبة بي ال أنا على ترك المر فهذا يدل على أن المر ف‬
‫قوله ‪] :‬اسْجُدُوا[ يفيد الوجوب ولذلك لا خالفه نال ما ناله من التوبيخ والذم والعقوبة‬
‫ولو كان المر الوجه للملئكة ل يفيد الوجوب لقال إبليس ‪ :‬ل تعاقبن على ما ل يب‬
‫عليّ لكن لا ل يقل ذلك دل على أنه كان يفهم منه الوجوب ‪ ،‬ول يقال ‪ :‬إن إبليس ل‬
‫يسجد لنه ليس من اللئكة لننا نقول هو من اللئكة بوصفه ومن الن بأصله كما هو‬
‫اختيار أب العباس ابن تيمية وهو الراجح ‪ ،‬فلما أمر ال اللئكة بالسجود دخل إبليس ف‬
‫ضمنهم بوصفه ومثاله لكنه خالف المر برجوعه إل أصله ولذلك قال تعال ‪ ] :‬إِل‬
‫ِإبْلِيسَ كَا َن مِ ْن الْجِنّ َففَسَقَ … [ فقرن الكم بالفاء بعيد وصفٍ ما يدل على أن سبب‬
‫فسقه هو لنه من الن وطبعهم الفسق والخالفة ‪.‬‬
‫وخلصة المر أن إبليس من اللئكة بوصفه ومثاله لكنه من الن بأصله ‪ ،‬فيكون‬
‫داخلً ف ضمن المر للملئكة بالسجود فلما خالف المر وأب واستكب ُلعِن وطُرِد‬
‫ومُسِخ على أقبح صورة ما يدل على أن المر الطلق يفيد الوجوب ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬قوله تعال ‪َ ] :‬وإِذَا قِيلَ َل ُهمْ ارْ َكعُوا ل َيرْ َكعُونَ * َويْ ٌل َي ْومَئِذٍ‬
‫لِلْ ُمكَ ّذبِيَ [ فذمهم ال تعال وتوعدهم بالويل على عدم امتثالم للمر ما يدل على أن‬
‫المر يفيد الوجوب لن علمة الوجوب أن يذم التارك له وهنا ذمهم ال على مالفة المر‬
‫فدل على أنه للوجوب ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬قوله تعال ‪َ ] :‬ومَا كَانَ لِ ُم ْؤمِ ٍن وَل ُم ْؤمَِنةٍ إِذَا َقضَى اللّ ُه وَ َرسُولُهُ‬
‫خيَ َر ُة مِنْ َأمْ ِرهِ ْم َومَ ْن َيعْصِ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ ضَلّ ضَل ًل ُمبِينا [ فال‬
‫َأمْرا أَ ْن َيكُونَ َلهُ ْم الْ ِ‬

‫‪26‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫تعال هنا أخب أنه إذا قضى أمرا ل يكن لح ٍد أن يتخي فيه وجعل مالفته معصي ًة وضللً‬
‫وإذا كانت مالفة المر عصيانا وضللً فإن ذلك دليل على أن المر يفيد الوجوب لنه‬
‫لو ل يفد الوجوب لا كانت مالفته معصية وضل ًل وهذا واضح ‪.‬‬
‫ومن الدلة على ذلك ‪ :‬أن النب ‪ r‬مَ ّر برجل يصلي فدعاه فلم يبه فلما فرغ من‬
‫الصلة قال ‪ (( :‬ما منعك أن تيبن ؟ )) ‪ ،‬قال ‪ :‬يا رسول ال كنت ف الصلة ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(( أما سعت ال يقول ‪ ] :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ا ْستَجِيبُوا لِلّ ِه وَلِل ّرسُولِ إِذَا َدعَاكُمْ لِمَا‬
‫حيِيكُمْ [ )) وهذا ظاهر فإنه ‪ r‬عاتبه على مالفة أمر ال ‪ ،‬والعاتبة واللوم ل تكون إل‬ ‫يُ ْ‬
‫على ترك واجب فدل ذلك على أن قوله تعال ‪] :‬اسْتَجِيبُوا لِلّ ِه وَلِل ّرسُولِ[ على الوجوب‬
‫إذ لو كان ل يفيد الوجوب لا استحق ذلك الصحاب العتاب ول اللوم وهذا دليل على أن‬
‫المر الطلق يفيد الوجوب ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬حديث أب هريرة مرفوعا ‪ " :‬لول أن أشق على أمت لمرتم‬
‫بالسواك عند كل صلة " متفق عليه ‪ ،‬فدل ذلك على أن الشقة تصل بالمر للزوم‬
‫المتثال حينئذٍ لكنه ترك المر ‪ ،‬لوجود الشقة ‪ ،‬فدل ذلك على أن المر يفيد الوجوب‬
‫لنه لو ل يفد الوجوب لا حصلت الشقة ‪ ،‬لكن لا كان المر يفيد الوجوب والوجوب‬
‫فيه مشقة ترك المر به ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن الدلة على ذلك ‪ :‬حديث بريرة بعد أن أعتقتها عائشة وكان زوجها عبدا‬
‫فخيها النب ‪ r‬بي مفارقة زوجها وعدمه فاختارت فراقه وكان زوجها مغيث يبها‬
‫وكان يشي خلفها ف السواق يبكي فلما رأى النب ‪ r‬ذلك ذهب إل بريرة فقال لا ‪(( :‬‬
‫لو راجعتيه فإنه أبو أولدك )) فقالت ‪ :‬أتأمرن يا رسول ال ‪ ،‬فقال ‪ (( :‬ل إنا أنا‬
‫شافع )) ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ل حاجة ل فيه ‪ .‬فدل ذلك أنه لو كان أمرا للزمها الطاعة والنقياد‬
‫ولذلك استفسرت من كلمه هذا ‪ :‬أهو أمر فتمتثل أو ل ؟ فأخبها أنه إنا هو شافع ‪،‬‬
‫فدل ذلك على أن المر يفيد الوجوب ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن الدلة الت ذكرها القاضي أبو يعلى ف كتابه العظيم العدة على ذلك ‪ -‬أي أن‬
‫المر الطلق يفيد الوجوب – إجاع الصحابة ‪ y‬على ذلك حيث إنم كانوا يرجعون إل‬
‫مرد الوامر ف الفعل أو المتناع من غي توقفٍ فكل أم ٍر كانوا يسمعونه من الكتاب‬

‫‪27‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫والسنة يملونه على الوجوب ولذلك ل يرد عنهم أنم كانوا يسألون النب ‪ r‬عن الراد‬
‫بذا المر بل كانوا يتثلون المر ويملونه على الوجوب إل إذا اقترن به قرينة تصرفه إل‬
‫غيه ول يعرف منهم منكر لذلك فكان إجاعا وهذا ثبت ف وقائع كثية ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أنم استدلوا على وجوب الصلة عند ذكرها بالمر الطلق ف حديث أنس‬
‫مرفوعا " من نام عن صلة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنم أجعوا على وجوب غسل الناء من ولوغ الكلب بقوله ‪ " : r‬إذا ولغ‬
‫الكلب ف الناء فاغسلوه سبعا " ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن أبا بكر ‪ t‬استدل على وجوب قتال مانعي الزكاة بقوله تعال ‪] :‬وَآتُوا‬
‫الزّكَاةَ[ وقال ‪ " :‬والزكاة من حقها " يقصد ‪ :‬أن الزكاة من جلة حقوق ل إله إل ال ‪،‬‬
‫ووافقه عمر ‪ .‬ذكره القاضي ف العدة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن عمر ‪ t‬أخذ الزية من الجوس بقوله ‪ (( : r‬سنوا بم سنة أهل الكتاب‬
‫)) ول ينكر عليه أحد فكان إجاعا ‪ .‬فدلت هذه الوقائع على ما ادعيناه من إجاع‬
‫الصحابة على أن المر الطلق يفيد الوجوب ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬قوله تعال ]عََلْيهَا مَلِئ َكةٌ غِل ٌ‬
‫ظ شِدَا ٌد ل َي ْعصُونَ اللّ َه مَا َأمَ َرهُمْ[‬
‫فدل على أن مالفة المر معصية وما ذلك إل لوجوبه وهو الطلوب ‪.‬‬
‫ويدل على أن المر الجرد عن القرائن للوجوب من النظر ‪ :‬أن السيد لو قال‬
‫لعبده ‪ :‬اسقن ماء ‪ ،‬فامتثل العبد فإنه يستحق الدح والثناء ‪ ،‬وإن ل يتثل فإنه يستحق‬
‫الذم والعقوبة ‪ ،‬فرآه العقلء وهو يعاقبه فقالوا له ‪ :‬ل تعاقبه ؟ فقال ‪ :‬إن أمرته أنه يسقين‬
‫ماءً فعصان ول يفعل ‪ ،‬فإن هؤلء يتفقون معه على حسن لومه وعقابه نظرا لخالفته‬
‫المر فدل ذلك على أنه ما استحق الذم والعقوبة إل لنه ترك واجبا لن الواجب هو‬
‫الذي يذم على تركه مطلقا وهذا متقرر ف أذهان العقلء ‪.‬‬
‫فهذه الدلة تفيدك أيها الطالب إفادةً صرية أن صيغة المر الطلقة أي التجردة عن‬
‫القرائن تفيد الوجوب ‪ ،‬فإذا تقرر لك ذلك فاعلم أن هذه القاعدة مطردة ف جيع الفروع‬
‫فكل أمرٍ ير عليك ف الكتاب أو السنة فاحله على الوجوب إل إذا ورد الصارف له عن‬
‫بابه إل باب آخر ‪ ،‬من غي فرق بي باب العبادات وباب الداب ذلك لن بعض العلماء‬

‫‪28‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫قال ‪ :‬إذا كان المر ف باب العبادات فهو للوجوب وإذا كان ف الداب فهو للستحباب‬
‫ول دليل على هذا التفريق بل الدلة السابقة عامة ف جيع الوامر من غي فرقٍ بي أمرٍ‬
‫وأمر ‪ ،‬بل نن ند ف الداب ما هو واجب بجرد المر به كالكل باليمي والتسمية‬
‫على الطعام ونوها ‪.‬‬
‫والراد ‪ :‬أن هذا التفريق ل وجه له ‪ ،‬والصل أن تبقى هذه الدلة على عمومها‬
‫حت يرد الخصص ول مصص هنا ‪ ،‬فالوامر كلها وف جيع البواب تفيد الوجوب عند‬
‫تردها عن القرائن ‪ ،‬هذا هو الصواب الذي دلت عليه الدلة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫إذا علمت هذا فلم يبق إل الفروع وهي كثية لكن أذكر ما تيسر منها فأقول ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬قوله ‪ r‬للغلم الذي رآه تطيش يده ف الطعام ‪ (( :‬يا غُلم سَمّ ال وكل‬
‫بيمينك وكل ما يليك )) فهذه ثلثة أوامر ‪ ،‬الول ‪( :‬سم ال) فهو أمر بالتسمية‬
‫فالصل فيه الوجوب إذ ل قرينة هنا تصرفه عن بابه ‪ ،‬فنقول ‪ :‬التسمية عند الطعام واجبة‬
‫وقد دلت أدلة أخرى على هذا الكم وأكدته بأن ترك التسمية سبب لستحلل الشيطان‬
‫للطعام ‪ .‬الثان ‪ :‬قوله (وكل بيمينك) فهذا أمر فالصل فيه الوجوب ‪ ،‬فنقول ‪ :‬الكل‬
‫باليمي واجب وقد دلت أدلة أخرى على ذلك وأكدته بأن الشيطان يأكل بشماله ‪،‬‬
‫الثالث ‪( :‬وكل ما يليك) فهذا أمر والمر يفيد الوجوب ‪ ،‬فنقول ‪ :‬يب على النسان‬
‫أن ل يأكل إل ما يليه ‪ ،‬لكن عندنا حديث أنس أن النب ‪ r‬كان يتتبع الدباء من القصعة ‪،‬‬
‫فظن بعض العلماء أنه صارف للمر عن الوجوب إل الندب وهذا ليس بصحيح ‪ ،‬بل‬
‫الصواب أن يقال ‪ :‬إذا كان الطعام واحدا أي نوع واحد فيجب على النسان أن يأكل‬
‫ما يليه ‪ ،‬وإذا كان الطعام أصنافا متنوعة فللنسان حق الختيار ويأكل ما شاء فالمر ف‬
‫قوله ‪( :‬وكل ما يليك) على بابه وهو الوجوب لكن فيما إذا كان الطعام واحدا ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ (( r‬أسبغ الوضوء وخلل بي الصابع وبالغ ف الستنشاق إل أن‬
‫تكون صائما )) رواه الربعة ‪ ،‬ولب داود ‪ (( :‬إذا توضأت فمضمض )) ‪.‬‬
‫فها هنا عدة أوامر ‪ :‬الول ‪ :‬قوله ‪( :‬اسبغ الوضوء) أمر بالسباغ فيكون واجبا‬
‫والسباغ هو تعميم العضو بالاء مع السالة وهذا صحيح فالمر فيه يفيد الوجوب ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الثان ‪ :‬قوله ‪( :‬وخلل بي الصابع) أمر والصل أنه يفيد الوجوب لكن نظرنا‬
‫فوجدنا قرينة تصرفه إل الندب وهو أن جيع الذين وصفوا وضوءه ‪ r‬ل يذكروا أنه كان‬
‫يلل أصابعه ما يدل على أنه ل يكن يواظب عليه إذ لو كان ما يواظب عليه لنقله هؤلء‬
‫فلما ل ينقلوه دل على أن قوله ‪( :‬وخلل بي الصابع) ليس على بابه الذي هو الوجوب‬
‫وإنا هو للندب فيكون التخليل مندوبا ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬قوله ‪( :‬وبالغ ف الستنشاق) هنا أمران ‪ :‬أمر بالستنشاق ‪ ،‬وأمر بالبالغة‪،‬‬
‫فأما المر بالستنشاق فهو على بابه وهو الوجوب ويتأيد ذلك بقوله ‪ (( : r‬إذا توضأ‬
‫أحدكم فليجعل ف أنفه ماءً )) ‪ ،‬وف رواية ‪ (( :‬ومن توضأ فليستنشق )) ‪ ،‬وف رواية ‪:‬‬
‫(( فليستنشق بنخريه من الاء )) ‪ ،‬فالمر بالستنشاق على بابه وهو الوجوب ‪ .‬فنقول ‪:‬‬
‫من واجبات الوضوء الستنشاق ‪ ،‬وأما البالغة فأمر با هنا ف حديث لقيط بن صبة‬
‫ولكنه ل يأمر با ف حديث أب هريرة وجيع الواصفي لوضوئه ل يذكروا أنه كان يبالغ‬
‫ف الستنشاق فدل ذلك على أن البالغة فيه سنة لورود القرينة الصارفة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬قوله ‪( :‬إذا توضأت فمضمض) وهذا أمر بالضمضة والصل ف المر‬
‫الطلق الوجوب ‪ ،‬فنقول ‪ :‬الضمضة واجبة ول تأت قرينة تصرفه عن بابه بل تأيد ذلك‬
‫بأحاديث أخرى تفيد أن المر با يراد به الوجوب ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬حديث أب هريرة مرفوعا ‪ " :‬إذا صلى أحدكم الركعتي اللتي قبل صلة‬
‫الصبح فليضطجع على شقه الين " فهذا أمر بالضطجاع بعد سنة الفجر ‪ ،‬والصل أنه‬
‫للوجوب ‪ ،‬لكن ورد له ما يصرفه عن بابه إل الندب وذلك ف حديث أب قتادة عند‬
‫مسلم ف قصة نومهم عن صلة الفجر قال ‪ " :‬فأذن بلل فصلى النب ‪ r‬ركعت الفجر ث‬
‫أقيمت الصلة فصنع كما كان يصنع كل يوم " فهنا ل يضطجع ‪ r‬بعد ركعت الفجر‬
‫ففعله هذا صرف المر عن بابه إل الندب ‪ ،‬فنقول ‪ :‬الضطجاع على الشق الين بعد‬
‫ركعت الفجر سنة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬صلوا قبل الغرب ‪ ،‬صلوا قبل الغرب ‪ ،‬صلوا قبل الغرب ))‬
‫ث قال ‪ (( :‬لن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة )) رواه البخاري ‪ ،‬فقد أمر ‪ r‬بالصلة‬
‫قبل الغرب فالصل ف أمره الوجوب لكنه قال (لن شاء) وهذه قرينة تصرف المر عن‬

‫‪30‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الوجوب إل الندب ولو ل ترد هذه اللفظة لقلنا إن الصلة قبل الغرب واجبة لكن لا‬
‫وردت القرينة الصارفة للمر إل الندب قلنا با ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬توضؤوا من لوم البل )) فهذا أمر بالوضوء من لمها‬
‫والصل ف المر أنه للوجوب ‪ ،‬ول أعلم قرينة تصرف المر عن بابه فالبقاء عليه هو‬
‫التعي ‪ ،‬فنقول ‪ :‬الوضوء من أكل لم البل واجب للمر به وهذا هو الراجح وهو من‬
‫مفردات المام أحد ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬من غسل ميتا فليغتسل ومن حله فليتوضأ )) على التسليم بأنه‬
‫يتج به فإن المرين فيه للستحباب ل للوجوب بدليل قوله ف الديث الخر‬
‫(( ليس عليكم من غسل ميتكم غسل فإن ميتكم يوت طاهرا ))‪ ،‬ومثله أن أم عطية‬
‫تولت هي وبعض النساء غسل بنت رسول ال ‪ r‬وذكرت أنه دخل عليهن وأمرهن أن‬
‫يغسلوها ثلثا أو خسا أو أكثر من ذلك وأنه أعطاهن حقوه ول تذكر أنه أمرهن بعد‬
‫الفراغ من غسلها أن يغتسلن أو يتوضأن ولو أمرهن لنقلته لنا فلما ل يأمرهن بالغتسال‬
‫دل ذلك على عدم وجوبه لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪ ،‬وغسلت أساء‬
‫بنت عميس رضي ال عنها أبا بكر ‪ t‬وخرجت وسألت الصحابة هل عليها غسل ؟‬
‫فقالسوا ‪ :‬ل ‪ ،‬فهسذا ُيعَدّ صسارفا للمسر ف الديسث ‪ ،‬فنقول ‪ :‬مسن غسسل‬
‫مسيستًا فليغتسل استحبابا ومن حله فليتوضأ استحبابا هذا إذا سلمنا سلمة الديث‬
‫للحتجاج وإل فقد قال أحد ‪ :‬ل يصح ف هذا الباب شيء ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ r‬ف الذي ‪ (( :‬توضأ واغسل ذكرك )) فهذا أمر وهو للوجوب ول‬
‫نعلم له صارفا ‪ ،‬فنقول ‪ :‬من خرج منه مذي فيجب عليه أن يغسل ذكره ويتوضأ للمر‬
‫به ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬إذا سعتم الؤذن فقولوا مثل ما يقول الؤذن )) فهذا أمر‬
‫والصل فيه الوجوب ‪ ،‬وبه قال بعض أهل العلم ‪ ،‬لكن ورد ما يصرفه عن بابه وهو ما‬
‫رواه مسلم ف صحيحه أن النب ‪ r‬سع مؤذنا يؤذن فقال ‪ :‬ال أكب ال أكب ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫على الفطرة ‪ ،‬ث قال الؤذن ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال أشهد أن ممدا رسول ال ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫خرجت من النار … فلو كانت الجابة واجبة لجابه النب ‪. r‬‬

‫‪31‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬إذا أتى أحدكم أهله ث أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا ))‬
‫رواه مسلم ‪ ،‬وزاد الاكم ‪ (( :‬فإنه أنشط للعود )) فهذا أمر والصل فيه الوجوب ‪ ،‬لكن‬
‫وردت قرينة تصرفه عن بابه إل الندب وهي أنه ‪ r‬ثبت عنه أنه طاف على نسائه بغسل‬
‫واحد ول ينقل عنه أنه توضأ ‪ .‬فلو كان الوضوء واجبا لتوضأ فلما ل يتوضأ دل ذلك‬
‫على أن المر به ف الديث أمر ندب ل أمر وجوب ‪ ،‬ولنه قال أيضا ف رواية الاكم ‪:‬‬
‫ل لقوته وشدة رغبته‬ ‫(( فإنه أنشط للعود )) فهو أمر معلل فمن كان نشيطا للعود أص ً‬
‫فل يتوضأ وهذا ما يفهم من الديث ‪ ،‬فهذا المر إذا يراد به الندب لورود القرينة‬
‫الصارفة ولو ل ترد لقلنا بالوجوب لذه القاعدة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تية السجد ‪ ،‬فقد قال ‪ (( : r‬إذا دخل أحدكم السجد فليكع ركعتي‬
‫قبل أن يلس )) متفق عليه ‪ ،‬فقد أمر بتحية السجد ‪ ،‬والصل ف المر الوجوب ‪ ،‬وقال‬
‫به بعض العلماء لكن هناك قرينة تصرف المر عن بابه وهو حديث طلحة بن عبيد ال لا‬
‫سأل النب ‪ r‬عن السلم فقال ‪ (( :‬خس صلوات ف اليوم والليلة )) قال ‪ :‬هل عل ّي‬
‫غيها ‪ ،‬قال ‪ (( :‬ل ‪ ،‬إل أن تطوع )) فوصف ما عدا الصلوات المس بأنا تطوع ‪،‬‬
‫وكذلك لا دخل رجل السجد يوم المعة وتطى رقاب الناس قال له النب ‪ (( : r‬اجلس‬
‫فقد آذيت وآنيت )) ول يأمره أن يصلي ركعتي فلو كانت واجبة لمره با ‪ ،‬فهاتان‬
‫القرينتان تصرفان المر عن بابه إل الستحباب وهو الصحيح إن شاء ال تعال‪ ،‬ولو‬
‫ل يردا ‪ ،‬لقلنا بالوجوب لن المر الطلق عن القرائن يفيد الوجوب‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن النب ‪ r‬أمر النب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ والديث صحيح ‪ ،‬فهذا‬
‫أمر والمر يفيد الوجوب لكن بثنا فوجدنا أن له صارفا وهو حديث عائشة رضي ال‬
‫عنها ‪ " :‬أن النب ‪ r‬كان ينام وهو جنب من غي أن يس ماءً " رواه الربعة بسندٍ حسن ‪،‬‬
‫فهذه القرينة صرفت المر عن بابه إل الندب وهو الصواب ولو ل ترد لقلنا بالوجوب‬
‫لن المر الطلق عن القرائن يفيد الوجوب ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬حديث أب هريرة مرفوعا ‪ " :‬إذا توضأ أحدكم فليجعل ف أنفه ما ًء ث‬
‫لينتثر " فهذا أمر بالنتثار وهو للوجوب ول أعلم له صارفا عن بابه إل الندب بل تأيد‬

‫‪32‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫المر القول بالفعل الدائم ‪ ،‬فنقول ‪ :‬السستننثار واجب من واجبات الوضوء لنه أمر به‬
‫والمر يفيد الوجوب إذا خل عن القرينة ‪.‬‬
‫وهكذا فقس ‪ ،‬فأي أمرٍ وجدته فاحله على الوجوب إل إذا وردت القرائن الصارفة‬
‫له عن بابه فاحله على ما دلت عليه القرينة ‪ ،‬وال أعلم وأعلى‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعــدة الرابعــة‬
‫( المر بعد الظر يفيد ما كان يفيده قبل الظر )‬
‫وهذا رواية عن المام أحد وهي الوافقة للدلة من الكتاب والسنة وهي أرجح من‬
‫قول بعضهم ‪" :‬المر بعد الظر يفيد الباحة" فإنه يشكل عليه كثي من الدلة ورد فيها‬
‫المر بعد الظر ول يفيد الباحة ونعن (بالمر بعد الظر) أنه إذا حظر الشارع قولً أو‬
‫فعلً ث عاد فأمر به ‪ ،‬فهذا أمر بعد حظر كأن يقول مثل "ل تزوروا القبور" ‪ ،‬ث يقول ‪:‬‬
‫"زوروها" ونو ذلك ‪ ،‬فهذا المر الذي أعقب الظر ماذا يفيد ؟ هل يفيد الوجوب كما‬
‫كان يفيده لو ل يرد بعد حظر ؟ أو أنه يفيد الندب أو يفيد الباحة ؟ أو يفيد حكمه قبل‬
‫الظر ؟ ف هذه السألة خلف بي الصوليي والصواب هو مقتضى هذه القاعدة وهو أن‬
‫الشارع إذا حرم شيئا من القوال ث أ مر به فإ نه ير جع ب عد فك ال ظر ع نه إل حك مه‬
‫الول ‪ ،‬فإن كان ق بل ال ظر واجبا ف هو ب عد ال ظر وا جب وإن كان سنة ف هو سنة وإن‬
‫كان قبل الظر مباحا فهو بعد الظر مباح ‪ .‬وهذا هو الوافق للدلة ‪ ،‬وهي كثية ‪:‬‬
‫ْثس‬
‫ُمس فَا ْقتُلُوا الْمُشْرِكِي َ َحي ُ‬
‫حر ُ‬ ‫فمـن ذلك ‪ :‬قوله تعال ‪) :‬فَإِذَا َ‬
‫انسسلَخَ ا َل ْشهُ ُر الْ ُ‬
‫وَجَ ْدتُمُوهُ مْ( فقتال الشركي كان واجبا قبل الشهر الرم ث حرمه ال ف الشهر الرم‬
‫ث أ مر به مر ًة ثان ية ب عد ان سلخ الش هر الرم فقوله )فاقتلوا( يف يد الوجوب ل نه كان‬
‫واجبا قبل ال ظر ‪ ،‬ول ي كن أن يقال هنا إنه مباح على قول من قال إنه يفيد البا حة ‪،‬‬
‫فإن قتال الكفار يعلم من الدين بالضرورة أنه واجب ‪ ،‬فلما فُكّ الظر عاد الكم إل ما‬
‫كان يفيده قبل الظر ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬قوله تعال ‪ ) :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل َت ْقتُلُوا ال ّ‬
‫صيْ َد َوَأنْتُ مْ ُحرُ مٌ ( فحرم‬
‫َاصسطَادُوا ( فأمسر بسه بعسد‬
‫ُمس ف ْ‬
‫ال تعال الصسيد البي حال الحرام ثس قال ‪َ ) :‬وإِذَا َحلَ ْلت ْ‬
‫الحلل ‪ ،‬فالمر بالصيد بعد الحلل أمر بعد حظر ‪ ،‬فنقول يرجع إل ما كان يفيده قبل‬
‫ال ظر ‪ ،‬فنظر نا فوجد نا أن ال صيد مباح قبل ال ظر فقل نا إن ال مر بال صيد إذا ب عد تري ه‬
‫يفيد الباحة لنه كان مباحا قبل تريه ‪.‬‬
‫و من ذلك‪ :‬قوله تعال ‪ ) :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا نُودِي لِل صّلةِ مِ ْن َيوْ ِم الْجُ ُم َعةِ‬
‫فَا ْس َعوْا إِلَى ذِكْرِ اللّ ِه وَ َذرُوا اْلبَيْ عَ ( فال صل أن الب يع جائز ث حر مه ال تعال إذا نودي‬

‫‪34‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ضيَتْ‬
‫للصلة من يوم المعة أي النداء الثان الذي يعقبه الطبة ث أمر به ف قوله‪ ) :‬فَإِذَا ُق ِ‬
‫ال صّلةُ فَانتَشِرُوا فِي الَرْ ضِ وَاْبتَغُوا مِ نْ َفضْلِ اللّ هِ ( وهذا ال مر بالنتشار والبتغاء من‬
‫فضل ال يفيد الواز لنه كان يفيده قبل تريه ‪ ،‬والمر إذا ورد بعد حظر أفاد ما كان‬
‫يفيده قبل الظر ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬قوله ‪( : r‬إ ن ك نت نيت كم عن زيارة القبور فزورو ها فإن ا تذكر كم‬
‫الخرة) فالصل أن زيارة القبور كانت جائزة أو مستحبة ث نى عنها ث أمر با ف قوله‬
‫(فزوروها) فهذا المر يفيد الباحة أو الستحباب لنه كان يفيد ذلك قبل الظر ‪.‬‬
‫ومـن ذلك ‪ :‬قوله ‪( : r‬كنست نيتكسم عسن ادخار لوم الضاحسي فادخروا …)‬
‫الديث ‪ .‬فالصل أن ادخار شيءٍ من لم الضحية جائز ث ني عنه من أجل الدافة أي‬
‫الفقراء الذ ين نزلوا الدي نة ‪ ،‬ث أ مر به ف قوله ‪( :‬فادخروا) فهذا ال مر يف يد البا حة ل نه‬
‫كان مباحا قبل الظر ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬قوله تعال ‪ ) :‬فَا ْعتَزِلُوا النّ سَاءَ فِي الْمَحِي ضِ ( فن هى عن جاع الرأة‬
‫الائض ثس قال ‪ ) :‬فَإِذَا تَ َطهّرْنَس َف ْأتُوهُنّ ( فأمسر بإتياناس ‪ ،‬وهذا المسر يفيسد الباحسة لن‬
‫التيان ق بل ال يض مباح ‪ ،‬وبذا ي تبي لك جليا أن ال مر ب عد ال ظر ير جع إل حك مه‬
‫السابق قبل الظر إل أنك تلحظ أن غالب ما ورد ف الشريعة من المر بعد الظر إنا‬
‫يفيسد الباحسة ولذلك قال مسن قال إنسه للباحسة ‪ ،‬لكسن الجود هسو القول بقتضسى هذه‬
‫القاعدة وال تعال أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعــدة الامســة‬
‫(المر التجرد عن القرائن يفيد الفور ول يفيد التكرار)‬
‫ها قاعدتان مهمتان غاية الهية فلبد من فصلهما وشرحهما واحدة واحدة ‪،‬‬
‫فأقول ‪ :‬القاعدة الول ‪ " :‬المر التجرد عن القرائن يفيد الفور " ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬الراد (بالفور) أي وجوب البادرة بالفعل وعدم التأخي ‪ ،‬فهل إذا أمر ال‬
‫ورسوله ‪ r‬بأم ٍر مّا فهل تلزم البادرة بامتثاله أو أنه على التراخي ‪ ،‬أي يوز للمكلف‬
‫تأخيه فعله مت شاء ‪ ،‬هذا هو ما تيب عنه القاعدة ‪ ،‬وقد اختلف العلماء ف ذلك‬
‫اختلفا قويا قد أثر ف الفروع تأثيا واضحا ‪ ،‬فقال بعضهم المر التجرد عن القرائن يفيد‬
‫الفور ‪ ،‬وقال بعضهم بل يفيد التراخي ‪ ،‬والصواب هو الول أنه يفيد الفور ‪ ،‬وقد قلنا ف‬
‫القدمة أننا نرج القاعدة الصولية الختلف فيها بصيغة الزم على القول الذي نرجحه ‪،‬‬
‫والراجح هو أن المر التجرد عن القرائن يفيد البادرة بالفعل أي الفور ‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك عدة أمور ‪:‬‬
‫من الدلة عليه ‪ :‬الدلة العامة المرة بالسارعة ف اليات كقوله تعال ‪:‬‬
‫خيْرَاتِ [ وقوله ‪ ] :‬سَاِبقُوا إِلَى‬ ‫] َوسَا ِرعُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ َرّبكُمْ [ وقوله ‪ ] :‬فَا ْسَتِبقُوا الْ َ‬
‫خيْرَاتِ [ وقال‬ ‫َمغْفِ َرةٍ [ وقال تعال مادحا بعض أنبيائه ‪ ] :‬إنم كانوا َيُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬
‫خيْرَاتِ [ فهذه الدلة فيها المر‬ ‫تعال ف ذكر صفات الؤمني ‪ُ] :‬أوَْلئِكَ يُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬
‫بالسارعة والسابقة لفعل اليات وتصيل أسباب الغفرة ول يتحقق ذلك إل بالبادرة‬
‫بامتثال المر فور صدوره ‪ ،‬لن هذه هي حقيقة السارعة والسابقة فدل ذلك على أن‬
‫المر يفيد الفور والسارعة والسابقة للمتثال وقد مدح ال السارعي ف اليات البادرين‬
‫لمتثالا ول يدح ال تعال إل ما هو خي فالبادرة بالمتثال إذا هي الي ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن ال تعال قال للملئكة ] اسْجُدُوا ل َدمَ [ فبادر اللئكة‬
‫بالمتثال وتلف إبليس وعاتبه ال تعال وعاقبه أشد العقوبة ما يدل على أن المر ف قوله‬
‫] اسْجُدُوا [ يفيد الفور إذ لو ل يفد الفور وكان يفيد التراخي لقال إبليس ‪ :‬سسأسجد‬
‫ولكن بعد حي لنه على التراخي ‪ ،‬فلما ل يصل ذلك دل على أن المر يفيد الفور‬
‫والبادرة بالمتثال ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن أُب بن كعب ‪ t‬كان يصلي فدعاه النب ‪ r‬فلم يبه واستمر‬
‫ف صلته فلما فرغ قال ‪ :‬لبيك يا رسول ال ‪ ،‬فقال ‪ (( :‬ما منعك أن تيبن وال تعال‬
‫يقول ‪] :‬ا ْستَجِيبُوا لِلّ ِه وَلِل ّرسُولِ إِذَا َدعَاكُمْ لِمَا يُحْييكُمْ[ )) قال ‪ :‬يا رسول ال إن كنت‬
‫ف صلة … الديث ‪ ،‬وهو حديث حسن صحيح ‪ ،‬ووجه الشاهد منه ‪ :‬أن النب ‪r‬‬
‫عاتب أبيا على عدم البادرة بالجابة ما يدل على أنه ترك شيئا يعاتب عليه والعتاب ل‬
‫يكون إل على ترك واجب ‪ ،‬ث استدل على أهية الفورية والبادرة بالجابة بالمر ف قوله‬
‫تعال ‪ ] :‬اسْتَجِيبُوا [ ما يدل على أن النب ‪ r‬كان يفهم منه فورية المتثال إذ لو كان ل‬
‫يفيد إل التراخي لا عاتب أبيا ف تأخي الجابة لكن لا عاتبه على تأخيها واستدل له‬
‫بذلك المر دل ذلك على أن المر يفيد الفور وهذا واضح جلي ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬حديث صلح الديبية لا صد الشركون رسول ال ‪ r‬عن البيت‬
‫وأبرموا معه صلحا واشترطوا فيه عليه من الشروط ما رآه الصحابة محفا بالسلمي لا ت‬
‫ذلك قال النب ‪ (( : r‬قوموا فانروا هديكم واحلقوا رؤوسكم )) فلم يقم أحد ‪ ،‬فدخل‬
‫النب ‪ r‬على أم سلمة مغضبا فأخبها الب فقالت ‪ " :‬اخرج إليهم ول تكلم أحدا منهم‬
‫وانر هديك واحلق رأسك " ففعل ‪ ،‬فأحسوا بكبي ما فعلوه فقاموا فنحروا هديهم‬
‫وحلقوا رؤوسهم حت كاد بعضهم يقتل بعضا ‪ ،‬ووجه الشاهد أنه لا أمرهم بالنحر‬
‫واللق ول يتثلوا المر مباشرة ول يبادروا لتنفيذه غضب النب ‪ r‬ما يدل على أنه يفيد‬
‫الفور إذ لو كان ل يفيد الفور لا غضب من عدم امتثالم عقيبه لكن لا غضب وفعل‬
‫ما فعل دل ذلك أن المر الطلق عن القرينة يفيد الفورية ولزوم البادرة بالداء حالً ‪.‬‬
‫ومن الدلة النظرية أيضا ‪ :‬أن السيد لو قال لعبده اسقن ما ًء أو نوه فلم يبادر‬
‫العبد بالمتثال فعاقبه ‪ ،‬فجاءه العقلء فقالوا ‪ :‬ل عاقبته ؟ فقال لم ‪ :‬أمرته فلم يبادر‬
‫بالمتثال ‪ ،‬لستحسنوا ذلك منه ول يلوموه على عقابه ما يدل على أنه متقرر ف أذهان‬
‫العقلء أن صيغة المر الجردة تقتضي الفورية ‪ .‬وأن هذا هو الفهوم من وضع اللغة ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أنه أبرأ للذمة وأسرع ف الروج من عهدة الطالبة ‪ ،‬وهو‬
‫مقصد العاقل ولنه ل يدري إذا أخر الفعل هل يتمكن من أدائه أو ل فإن العوارض كثية‬
‫وابن آدم كالامة الطرية من الزرع ‪ ،‬لكن إذا بادر إل متثال واتقى ال ما استطاع لكان‬

‫‪37‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ذلك أبرأ لذمته ‪ ،‬ث أضف إل هذا أن البادرة إل المتثال والسارعة ف تنفيذ المر من‬
‫تعظيم شعائر ال وذلك دليل على تقوى القلوب ‪ ،‬فإنه لو أمرك اللك أو المي بشيء ول‬
‫تبادر إليه وتراخيت وهو يأمرك لعدّ ذلك منك سخرية وتساهلً بأمره وعدم تعظيم له ‪،‬‬
‫لكن لو أنك من حي ما أمرك امتثلت لعَدّ ذلك تعظيما لمره ‪ ،‬ول الثل العلى ‪ ،‬فإنك‬
‫إذا بادرت ف القيام بأمر الشارع فور صدوره وساعه لكان ذلك من تعظيمه ‪ ،‬وتعظيم‬
‫شعائر ال أخب ال أنه من تقوى القلوب ‪.‬‬
‫وأضف إل هذا أن النفوس على ما عودت عليه فإن عودتا على الد والبادرة‬
‫والسارعة ف اليات تعودت عليه وسهلت الطاعات عليها ‪ ،‬وأما إذا عودتا على المول‬
‫والدعة والكسل وحب التأخي تراخت وفترت قواها وآثرت التأخي والتسويف ‪ ،‬ومن ثَمّ‬
‫تثقل عليها الطاعة ‪ ،‬فصار القول بأن المر الطلق يقتضي الفور له مصال جة وحكم‬
‫عظيمة ‪ ،‬وهذه الصال تفوت لو قلنا إنه على التراخي كما ترى ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أنه لا نسزل تري المر ف قوله ] فاجتنبوه [ وهو أمر‬
‫بالجتناب ‪ ،‬امتثل الصحابة هذا المر أعظم المتثال وبادروا بالجتناب حت سطروا‬
‫أروع المثلة ‪ ،‬فمنهم من كانت الشربة ف فمه فَمجّها وأريقت دنان المور ف الشوارع‬
‫حت سالت منها شوارع الدينة ‪ ،‬ول يتراخ أحد منهم ما يدل على أنم كانوا يفهمون‬
‫وجوب البادرة الفورية ف تنفيذ المر ‪ ،‬ول يعرف عن أح ٍد منهم إنكار ذلك أو مالفته‬
‫فكان إجاعا منهم أن المر يفيد الفور وسرعة المتثال ‪.‬‬
‫ومن الدلة على ذلك أيضا ‪ :‬حديث ابن عمر ف الصحيحي ‪ ،‬قال ‪ (( :‬بينما‬
‫الناس بقباء ف صلة الصبح إذ جاءهم آت فقال ‪ :‬إن النب ‪ r‬قد أُنسزل عليه الليلة قرآن‬
‫وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها ‪ ،‬فاستداروا كما هم إل القبلة )) فانظروا كيف هذا‬
‫المتثال فإن الصحابة هؤلء ‪ y‬فهموا من المر باستقبال القبلة وجوب البادرة ولذلك‬
‫فعلوا ما فعلوا ول ينتظروا إل انتهاء الصلة ‪ ،‬فلو أن المر يفيد التراخي لا تركوا هذه‬
‫الركة الكثية ف الصلة ولنتظروا إل الفراغ منها لكن كانوا يفهمون أن المر هذا يفيد‬
‫الفور فبادروا بامتثاله واستداروا كما هم إل الكعبة ‪ ،‬ومثل هذا الفعل ل يفى على‬

‫‪38‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫النب ‪ r‬ول على سائر الصحابة ول يثبت عن أح ٍد منهم أنه أنكر ذلك ما يدل على أن‬
‫التقرر عندهم هو أن المر الطلق يفيد الفور ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن الدلة عليه ‪ :‬ما يروى عن عمر موقوفا ومرفوعا للنب ‪ (( : r‬تعجلوا إل‬
‫الج والعمرة فإنه ل يدري أحدكم ما يعرض له )) وسنده ضعيف ‪ ،‬وقال عمر ‪ " : t‬من‬
‫قدر على الج فلم يج فل عليه أن يوت يهوديا أو نصرانيا " ‪ ،‬وقال ‪ " :‬لقد همت أن‬
‫آمر عمال فيسلوا إل المصار أن من وجد جدة للحج ول يج أن يضربوا عليهم‬
‫الزية ‪ ،‬ما هم بسلمي ما هم بسلمي " ول ينكر عليه أحد ما يدل على أن المر بالج‬
‫للفور وإل ل يكن للخليفة الثان أن يكم بذا الكم على من ل يرتكب حراما وإنا أمر‬
‫ما يسوغ له تأخيه ‪ ،‬لكن لا قال ذلك وهَمّ به دل على أن المر بالج يفيد الفور‬
‫ووجوب البادرة ‪ ،‬وهذه الحاديث وإن كانت ف سندها ضعيفة لكنها تتأيد بعموم الدلة‬
‫الدالة على أن المر يفيد الفور ‪ ،‬وإن ل يقبل هذا الدليل فالدلة الاضية فيها كفاية إن شاء‬
‫ال تعال ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن يقال لن يقول إن المر على التراخي ‪ ،‬هل التراخي هذا إل‬
‫غاية معينة أو ل غاية له ؟ ول يكن أن يكون التأخي إل غاية مهولة لنه يؤدي إل‬
‫تفويت الواجب بالكلية ‪ ،‬وأما إن قالوا إنه يوز تأخيه إل غاية ‪ ،‬قلنا ‪ :‬هل هذه الغاية‬
‫معلومة للمكلف أو مهولة ؟ ول يكن أن تكون مهولة لن الحكام الشرعية ل تناط‬
‫ت مهولة ‪ ،‬وإذا كانت معلومة للمكلف ‪ ،‬فنقول ‪ :‬مت هي ؟ وما الدليل على‬
‫بغايا ٍ‬
‫تديدها واعتبارها غاية لتأخي الواجب ؟ كل ذلك ما ل جواب عليه عندهم ‪ ،‬إل أن‬
‫يقولوا ‪ :‬يوز تأخي الواجب مع العلم بسلمة العاقبة ‪ ،‬فإن قالوا ذلك ‪ ،‬فقل ‪ :‬ومن الذي‬
‫يعلم عاقبته ‪ ،‬فإن العواقب من الغيب الذي ل يعلمه إل ال تعال ‪ ،‬وقد أخب ال تعال‬
‫باقتراب الجل ف قوله ‪َ ] :‬وأَ ْن عَسَى َأنْ يَكُونَ َق ْد اقْتَرَبَ َأجَُلهُمْ [ فهذا تديد بغايةٍ‬
‫ل يعلمها الكلف فهي غاية مهولة والكم الشرعي ل يعلق بغاية مهولة ‪ ،‬بقي أن يقال ‪:‬‬
‫إن المر يفيد الفور ول يوز تأخيه إل لعذرٍ فإذا قلت ذلك ل يلزم عليك أي لزمٍ ما‬
‫مضى ‪ ،‬واستقام قولك ‪ ،‬وما ورود اللوازم السابقة على القائلي بالتراخي إل أكب دليلٍ‬
‫على فساد قولم – رحم ال الميع رحة واسعة – ث يقال أيضا ‪ :‬إن الكلف إذا امتثل‬

‫‪39‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫المر عقيب صدوره فإنه يكون متثلً له بالجاع أي عند القائلي بأنه على الفور‬
‫ل عند بعضهم فقط ومالفا له عند‬ ‫والتراخي ‪ ،‬وأما إذا أخره ث أتى به فإنه يكون متث ً‬
‫الباقي والعاقل الريب يرص على فعل التفق عليه ‪ ،‬لن فعل ما اتفق عليه العلماء أول‬
‫من فعل ما انفرد به أحدهم ما أمكن ولنه حينئذٍ يكون متثلً للمر بيقي ‪ ،‬وأما إن أخره‬
‫فإنه يشك ف صحة امتثاله وفعل التيقن أول من فعل الشكوك فيه ‪ ،‬وبذا يتضح لك إن‬
‫شاء ال تعال أن القول الراجح هو القول بأن المر الطلق عن القرينة يفيد الفور ‪.‬‬
‫فهذا هو الكلم على هذه القاعدة من ناحية الشرح والستدلل وبقي الكلم‬
‫عليها من ناحية الفروع فأقول ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬الج فرض ف السنة التاسعة وهو ‪ r‬حج ف السنة العاشرة ‪ ،‬فاستدل بذا‬
‫القائلون بالتراخي ‪ ،‬وذهب النابلة ف الشهور عنهم إل أن الج يب على الفور بشرط‬
‫القدرة ‪ ،‬أي إذا كنت قادرا على الج فعليك الج هذه السنة ول يوز لك تأخيه فإن‬
‫أخرته مع القدرة فأنت آث بذلك ‪ ،‬لن ال تعال ورسوله ‪ r‬أمرا به والمر الطلق عن‬
‫القرينة يفيد الفور واستدلوا بديث عمر السابق ذكره ف قيد الدلة وهذا القول هو‬
‫الراجح إن شاء ال تعال ‪ ،‬للقاعدة الذكورة وهي أن المر الطلق عن القرينة يفيد الفور ‪،‬‬
‫وقد أمر الشارع بالج ول قرينة فهو للفور ‪ ،‬وأما تأخيه ‪ - r‬إن سلمناه – فإنه لصلحة‬
‫راجحة لن البيت ل يكن مؤهلً للحج فأرسل أبا بكر وعليا أن ل يج البيت مشرك ول‬
‫يطوف بالبيت عريان ‪،‬ولن النب ‪ r‬هو الشرع وكان يعلم ‪ r‬أنا إنا هي حجة واحدة‬
‫فأخرها سنة ليعلم الناس بفرضية الج عليهم وليتأهبوا للحج معه ليأخذوا عنه مناسكهم ‪،‬‬
‫فالتأخي كان لصلحة راجحة ول شك أن القاعدة إنا تقصد البادرة لتنفيذ المر‬
‫والسارعة إل ذلك ما ل يكن ف التأخي مصلحة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬المر بالزكاة فإن ال تعال قال ‪ ] :‬وَآتُوا الزّكَاةَ [ فهذا أمر والمر يفيد‬
‫الفور ‪ ،‬فإذا بلغ الال نصابا وحال عليه الول وجب على مالكه إخراج الزكاة فورا ‪،‬‬
‫وهذا على القول الصحيح ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬من أخر إخراج الزكاة حت تلف الال فهل عليه ضمانا أو ل؟‬

‫‪40‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فيه خلف يتفرع على خلفهم ف هذه القاعدة فالذين يقولون إن المر يفيد الفور‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬عليه ضمانا لنه فرط بتأخيها والفرط ضامن ‪ ،‬والذين يقولون ‪ :‬ل يفيد إل‬
‫التراخي قالوا ‪ :‬ل ضمان عليه لنه ل يفرط وإنا فعل ما يوز له فعله ‪.‬‬
‫والصواب الول ‪ :‬أن عليه ضمانا لنه فرط ف تأخي إخراجها وقد أمره ال‬
‫بإخراجها والمر يفيد الفور ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قضاء الصوم ‪ ،‬فإن ال تعال قد أمر به ف قوله تعال ] َفعِ ّدٌة مِنْ َأيّامٍ ُأخَرَ [‬
‫والمر يفيد الفور فيجب إذا على الكلف البادرة بالقضاء ‪ ،‬إل أنه دل الدليل الصحيح أن‬
‫قضاء رمضان ليس على الفور وأنه يوز فيه التراخي وهو حديث عائشة ف الصحيح‬
‫قالت ‪ (( :‬كان يكون عليّ الصوم من رمضان فل أستطيع أن أقضيه إل ف شعبان لكان‬
‫رسول ال ‪ r‬من )) ومثل هذا الفعل ل يفى على النب ‪ ، r‬فلما أقرها ول ينكر عليها دل‬
‫على أن المر ف قوله تعال ] َفعِ ّدةٌ مِنْ َأيّامٍ أُ َخرَ [ يفيد التراخي ‪ ،‬وعلى هذا يرج هذا‬
‫الفرع من الصل بقتضى القرينة الصارفة وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬إخراج كفارة اليمي فإن ال تعال قد أمر بإخراجها بقوله ] َف َكفّا َرتُهُ إِ ْطعَامُ‬
‫عَشَ َرةِ مَسَا ِكيَ … [ ال الية ‪ ،‬فإذا ثبت أنه أمر با فإذا يكون المر فيها للفور فينبغي‬
‫إخراجها على الفور مع القدرة وعدم العذر فإذا أخرها بعد القدرة ول عذر فمات فإنه‬
‫يوت عاصيا لنه أخر ما ليس له تأخيه ‪ ،‬وهذا هو الصواب ‪ .‬وأما الذين قالوا إن المر‬
‫يفيد التراخي فإن إخراج الكفارة عندهم على التراخي ‪ ،‬مت أخرجها أجزأه ولو مات ول‬
‫يرجها فإنه ل يأث ‪ ،‬ولكن القول الول أصح لن المر يفيد الفور ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬نذر الطاعة إذا ل يدد له وقتا كأن يقول ‪ :‬ل عليّ أن أصلي أو أتصدق‬
‫أو أحج أو أعتمر ونوها ‪ ،‬فقد أمر النب ‪ r‬بالوفاء به ف قوله (( من نذر أن يطيع ال‬
‫فليطعه )) فلما ثبت أنه أمر بالوفاء بنذر الطاعة فالذي ينبغي البادرة بامتثاله والباءة منه‬
‫ول يوز التأخي لن المر ف قوله (( فليطعه )) يفيد الفور فمن نذر أن يطيع ال‬
‫ول يدد وقتا فليطعه الن مع صلحية الوقت والقدرة فلو أخره بعد القدرة والتمكن‬
‫فمات فإنه يوت عاصيا على الصحيح لن المر يفيد الفورية ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬لو قال لوكيله بع هذه السلعة فتأخر ف بيعها فتلفت عنده فهل يضمن ‪،‬‬
‫على قولي ‪ :‬من قال بأن المر للتراخي قال ‪ :‬ل يضمن ‪ ،‬ومن قال للفور قال ‪ :‬بأنه‬
‫يضمن لنه مفرط ف التأخي وهو الراجح إن شاء ال ‪ ،‬فهذا هو الكلم على القاعدة‬
‫الول وهي أن المر الطلق عن القرينة يفيد الفورية ‪.‬‬
‫وأما الثانية ‪ :‬فهي قولنا (ل التكرار) ونصها هو ‪ " :‬المر الطلق عن القرينة ل‬
‫يفيد التكرار "‬
‫وبيانا أن يقال ‪ :‬اعلم رحك ال تعال أن المر ل يلو من ثلث حالت ‪ :‬إما أن‬
‫يقترن به ما يفيد التكرار فهو ممول عليه كقوله ‪ " : r‬خس صلوات ف اليوم والليلة "‬
‫فالمر ف قوله تعال ‪ ] :‬أَقِيمُوا الصّلةَ [ يفيد التكرار لوجود القرينة الدالة على ذلك‬
‫وكالمر بغسل ناسة الكلب سبعا ‪ ،‬والمر بغسل اليد عند القيام من النوم ثلثا ‪ ،‬والمر‬
‫بالستجمار بثلثة أحجار‪.‬‬
‫والالة الثانية ‪ :‬أن يرد دليل مرتبط بالمر يدل على إفادة الرة الواحدة فقط فهذا‬
‫يمل على ما دل عليه من الوحدة ‪ ،‬مثال ذلك قوله ‪ (( : r‬الج مرة فمن زاد فهو تطوع‬
‫ت مَنْ‬
‫)) فإن هذا التقييد أفادنا أن المر بالج ف قوله تعال ‪ ] :‬وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِ ّج اْلَبيْ ِ‬
‫اسْتَطَاعَ إَِليْهِ َسبِيل [ وف قوله ‪ (( : r‬إن ال كتب عليكم الج فحجوا )) أن هذا المر‬
‫يفيد الرة الواحدة لنه اقترن با يدل على الرة الواحدة ‪ ،‬إذا علمت هذا فاعلم أن هاتي‬
‫الالتي ل تعلق لما با نن بصدد شرحه لن القاعدة ليست تبحث ف الوامر الت دل‬
‫الدليل على إفادتا التكرار ول فيما دل الدليل على إفادتا للمرة الواحدة ‪ ،‬وإنا البحث‬
‫هنا ف صيغ المر الت وردت مطلقة عن القرائن الفيدة لحد المرين ‪ ،‬فهذه الوامر‬
‫الطلقة عن القرائن هل تفيد التكرار أو ل تفيده ؟ هذا هو ما تيب عنه هذه القاعدة وهي‬
‫قولنا (ل التكرار) أي أن هذه الوامر الطلقة عن القرائن ل تفيد التكرار ‪ ،‬ومعن أنا ل‬
‫تفيد التكرار أي أن الكلف يرج من عهدة المر با بفعلها مرةً واحدة ‪ ،‬فإذا فعلها مرةً‬
‫واحدة برئت ذمته وخرج من عهدة الطالبة با ‪ ،‬هذا هو القول الصحيح وهو مذهب‬
‫أكثر النفية والظاهرية ورواية عن المام أحد واختارها من أصحابنا ابن قدامة ف الروضة‬
‫وأبو الطاب ف التمهيد بل ونسب هذا القول إل أكثر العلماء والتكلمي ‪ ،‬واختاره‬

‫‪42‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫المام الشنقيطي وغيه من الحققي ‪ ،‬وهو الذي تقتضيه الدلة الت سيأت تقيقها إن شاء‬
‫ال تعال ‪ ،‬وذهب القاضي أبو يعلى من أصحابنا إل أنه يفيد التكرار ونقله ابن القصار‬
‫عن مالك وهو قول بعض الشافعية كالستاذ أب إسحاق السفرايين وهو رواية عن المام‬
‫أحد رحه ال تعال ‪ ،‬وهو قول جاعة من الفقهاء والتكلمي ‪ ،‬العتمد ف تقرير القاعدة‬
‫هو أنه ل يفيد التكرار وهو الراجح للدلة التالية ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أن صيغة المر الجردة ل دللة فيها على عددٍ معي ل مرة ول أكثر من‬
‫ذلك ‪ ،‬وإنا فيها مطلق المر ‪ ،‬فهي إنا تقتضي حصول ماهية الفعل أي كنهه فقط من‬
‫صلّ) فإنا‬‫غي تعرض ل لر ٍة ول أكثر فل دليل فيها على كمية الفعل ‪ ،‬فإنه إذا قال له ‪َ ( :‬‬
‫اقتضى ذلك إيقاع حقيقة الصلة ل على عددٍ معي حت يب لجله التكرار ‪ ،‬فالطلوب‬
‫إذا من صيغة المر الجردة هو تقيق ماهية الفعل وحقيقته ‪ ،‬وماهيته تصل بفعله مرةً‬
‫واحدة فل يب ما زاد عليها إل بدليل وهذا هو الراد بقولنا (ل يفيد التكرار) ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬وضع اللغة فإن السيد لو قال لعبده ‪ :‬ادخل الدار ‪ ،‬فدخل ث‬
‫خرج لكان العبد متثلً لمر السيد بالدخول ‪ ،‬لن قد طلب منه مطلق الدخول وقد دخل‬
‫أي أنه امتثل أمر السيد بالدخول فل يسن من السيد لومه على عدم دخوله مرة ثانية‬
‫وثالثة ورابعة ‪ ،‬بل لو لمه على ذلك لنكر عليه العقلء ولقالوا إنك أمرته بالدخول وقد‬
‫دخل ‪ ،‬ول دللة ف صيغتك على عددٍ معي ‪ ،‬وإنا طلبت منه تقق ماهية الدخول وقد‬
‫امتثل العبد ذلك بدخوله مرةً واحدة ‪ ،‬فل يسن لومه ول توبيخه ‪ ،‬وما ذلك إل لن‬
‫المر الجرد عن القرائن ل يفيد التكرار ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬قياس المر الطلق على اليمي والنذر‪ ،‬وبيان ذلك أنه لو قال‪:‬‬
‫وال لصومن ‪ ،‬فهذا إلزام لنفسه بالصيام فيخرج من عهدة اليمي عند عقلء بن آدم‬
‫بصيام يوم واحد فقط ‪ ،‬فلم يقل أحد هنا بأن اليمي هذه تقتضي التكرار ‪ ،‬فليقل ذلك‬
‫أيضا ف المر الجرد عن القرينة بامع اللزام والياب ف كلٍ ‪ ،‬فإن ما وجب باليمي‬
‫كالذي يب بالشرع وخاصة إذا كان الحلوف على فعله عبادة ‪ ،‬فإذا كان إلزام النسان‬
‫نفسه عبادةً باليمي على فعلها ل يفيد التكرار فكذلك إلزام الشارع له بذه العبادة بالمر‬
‫با ل يفيد التكرار ‪ ،‬ومثل ذلك يقال ف النذر فإنه لو قال ‪ :‬ل علي أن أصوم ‪ ،‬لرج من‬

‫‪43‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫عهدة هذا النذر عند العقلء بصوم يومٍ واحدٍ فقط ‪ ،‬فل يفيد التكرار هنا فكذلك‬
‫ل يفيده أيضا بالمر الجرد لن الواجب بالنذر كالواجب بالشرع ‪ ،‬فإذا كان ل يفيد‬
‫التكرار ف النذر علمنا أنه ل يفيده أيضا بالمر الشرعي الجرد عن القرائن ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن العقلء لو رأوا عبدا يدخل الدار ويرج ث يدخل ويرج ث‬
‫يدخل ويرج فسألوه عن سبب هذا الدخول التكرر فقال ‪ :‬سيدي قال ل ‪ :‬ادخل‬
‫الدار ‪ ،‬لا تردد واحد منهم ف أن العبد أساء الفهم وأخطأ ف هذا التصرف ‪،‬ولقالوا له ‪:‬‬
‫إنا أمرك بالدخول ول يأمرك بتكرار الدخول ‪ ،‬وأنت امتثلت الدخول بالرة الول فيبقى‬
‫دخولك الثان والثالث والرابع ل فائدة فيه ول تؤمر به ‪ ،‬ما يدل على أن المر الطلق‬
‫ل يفيد التكرار ودللة الوضع اللغوي مهمة جدا ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬قياس المر الجرد على الوكالة ف الطلق ‪ ،‬فإن الزوج لو قال‬
‫لوكيله ‪ :‬طلق زوجت ‪ ،‬فقد أمره بطلق زوجته ومع ذلك فالوكيل ل يلك إل طلقة‬
‫واحدة ‪ ،‬فإذا طلق الوكيل مر ًة واحدة انتهت وكالته فليقل ذلك ف المر الطلق بامع‬
‫المرية ف كلٍ ‪ ،‬فكما أن المر ف الوكالة ل يفيد إل الرة فكذلك المر الجرد ل يفيد‬
‫إل الرة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن الرجل لو أخب عن نفسه وقال ‪ :‬صمت ‪ ،‬فإنه يكون صادقا‬
‫بصوم يومٍ واحدٍ ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬سوف أصوم ‪ ،‬صدق بصوم يومٍ واحدٍ فقط ‪ ،‬فهذا يدل‬
‫على أن المر الطلق ل يقتضي التكرار ولو كان يقتضيه لا صدق إل بصوم اليام كلها‬
‫وهذا واضح ‪.‬‬
‫إذا علمت هذا فاعلم أنه يشكل على هذا الذهب الراجح بعض الشكالت الت‬
‫أوردها الفريق الخر القائلون بأن المر الطلق يقتضي التكرار ‪ ،‬فمن ذلك ‪ :‬حديث ابن‬
‫عباس عند مسلم ف وجوب الج وهو قوله ‪ (( : r‬إن ال فرض عليكم الج فحجوا ‪،‬‬
‫فقام رجل قال ‪ :‬أف كل عامٍ يا رسول ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو قلت نعم لوجبت ولا استطعتم ‪،‬‬
‫الج مرة فمن زاد فهو تطوع )) ووجه الشكال أن المر ف قوله ((فحجوا)) لو كان‬
‫ل يفيد إل الرة الواحدة لا حسن سؤال القرع بن حابس ‪ t‬أعن قوله (أف كل عامٍ يا‬
‫رسول ال)‪ ،‬لكن لا كان ل يفيده حسن السؤال منه ‪ ،‬والقرع من فصحاء العرب ‪ ،‬فدل‬

‫‪44‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫سؤاله أنه ل يكن يفهم أن المر الجرد ل يفيد التكرار فكيف تقولون إنه ل يفيد‬
‫التكرار ‪ ،‬فإنكم بذا تكونون قد فهمتم شيئا ل يفهمه القرع ‪ ، t‬كذا قالوا ‪ ،‬وهو كلم‬
‫مهزول ضعيف ل تقوم به حجة ‪ ،‬وبيان ذلك من أمور‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن القرع ل يفهم من المر التكرار أيضا ‪ ،‬أعن أن الدليل يرد على قولكم‬
‫كما يرد على قولنا ‪ ،‬فنقول ‪ :‬سلمنا أن القرع سأل عن الراد بالمر لنه ل يفهم إفادته‬
‫للمرة الواحدة ‪ ،‬لكن أيضا سؤاله دليل على أنه ل يكن يفهم أنه للتكرار كما تقولون إذ‬
‫لو كان القرع يفهم من المر الطلق التكرار فلماذا يسأل عن إفادته التكرار ‪ ،‬ففي‬
‫القيقة أن حديث ابن عباس هذا يرد على كل الذهبي هذا مع التسليم ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أن من تدبر إجابة النب ‪ r‬وجد أن هذا الديث دليل لنا ل لكم وبيان ذلك‬
‫أنه قال ((فحجوا)) ث قال القرع (أف كل عام) فقال عليه الصلة والسلم (( لو قلت‬
‫نعم لوجبت )) أي لوجب تكرارها بقوله ((نعم)) أي لو أجاب القرع بنعم لفاد التكرار‬
‫‪ ،‬فدل ذلك على أن المر ف قوله ((فحجوا)) ل يفيد التكرار ‪ ،‬لنه لو كان يفيد التكرار‬
‫لقال يا أقرع نعم الج ف كل عام لكن يكفيك مرة وما زاد فهو تطوع ‪ ،‬لكنه قال ((لو‬
‫قلت نعم)) وحرف (لو) ف اللغة حرف امتناع لمتناع ‪ ،‬أي لا ل يقل ((نعم)) امتنع‬
‫التكرار فالتكرار مستفاد من قوله ((نعم)) لكنه ل يقله فل تكرار إذا ‪ ،‬فإذا انتفى التكرار‬
‫بانتفاء قول (نعم) بقينا على دللة المر ف قوله ((فحجوا)) ولذلك قال مبينا لذه الدللة‬
‫ف آخر الديث ((الج مرة فمن زاد فهو تطوع)) وهذا حقه أن يكون ف سياق الدلة‬
‫لذهبنا لكن الغفلة عنه أوجبت تأخيه فال الستعان ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فإذا كان المر كذلك والمر ف قوله ((فحجوا)) ل يفيد التكرار فلماذا‬
‫يسأل القرع هذا السؤال ؟ ولاذا ل يكتف بدللة المر الول ؟ فما الداعي لسؤاله هذا ؟‬
‫فنقول ‪ :‬لعل القرع أراد زيادة الحتياط لدينه ول يكتف بالوضع اللغوي بل أراد‬
‫أن يسمعها من النب ‪ r‬ليزول الشكال وينتفي الحتمال ‪ ،‬وهذا من الحتياط الطلوب‬
‫شرعا ‪ ،‬وما العيب ف هذا ؟ أو لعل القرع نظر إل الفرائض الشروعة ووجدها متكررة‬
‫فالصلة تتكرر كل يومٍ وليلة والزكاة كل سنة والصيام كل سنة فغالب الفرائض متكررة‬
‫إما ف اليوم وإما ف السنة فلما سع المر بالج والج يتكرر موسه كل عام ظن ‪ t‬أنه‬

‫‪45‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫كالصيام ونوه ‪ ،‬فأراد إزالة هذا الظن بالسؤال ‪ ،‬فسأل فأجيب ‪ ،‬فهذا بالنسبة للشكال‬
‫الول والواب عليه ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ألستم تقولون إن النهي يقتضي التكرار أي إذا نيت عن شيء فعليك تركه‬
‫أبدا ول يكفيك تركه ف زمن دون زمن فالنهي يفيد التكرار ‪ ،‬والمر كالنهي فكما أن‬
‫النهي يفيد التكرار فكذلك المر يفيد التكرار ‪ ،‬لن القول فيهما واحد ‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬أبدا هذا ليس بصحيح وقياسكم المر على النهي ف هذه السألة قياس مع‬
‫الفارق ‪ ،‬وذلك لنك إذا نيت عن شيء فإنه ل يتصور امتثالك له إل بتركه مطلقا ف‬
‫جيع الزمان ‪ ،‬فإنك إن فعلته مرة ل تعد متثلً له ‪ ،‬فهو يتصور من إياده مرةً واحدة ‪،‬‬
‫وقياس ما امتثاله يتحقق برةٍ واحدة على ما ل يتحقق امتثاله إل بالترك الطلق قياس غي‬
‫صحيح وأيضا فإن الطلوب ف النهي هو الترك والتكرار فيه ل مشقة فيه ‪ ،‬وأما المر فإن‬
‫الطلوب فيه فعل والتكرار فيه يوجب الشقة ‪ ،‬وأصول الشريعة ترفع الشقة والرج عن‬
‫الكلفي ‪ ،‬فالقول بأن المر الجرد ل يفيد التكرار قول متوافق مع أصول الشريعة ول‬
‫المد والنة وبه التوفيق والعصمة ‪.‬‬
‫إذا علمت هذا تقق لديك إن شاء ال تعال أن الراجح من خلف الصوليي ف‬
‫هذه السألة هو ما اعتمدناه ف هذه القاعدة ‪ ،‬ول يبق فيها إل ذكر بعض الفروع عليها‬
‫لتتضح أكثر فأقول ‪:‬‬
‫من الفروع عليها ‪ :‬اختلف العلماء رحهم ال تعال ف إعادة التيمم لكل صلة‬
‫فهل يلزم إعادة التيمم عند القيام لكل صلة أو يوز أن يصلي بالتيمم عدة صلوات كما‬
‫أنه توز الصلوات الكثية بوضوءٍ واحد ؟ هذا فيه خلف بي العلماء ‪ ،‬فقال بعضهم ‪:‬‬
‫إنه يب إعادة التيمم لكل صلة وهو الشهور من مذهبنا وقال به جع من العلماء‬
‫واستدلوا بدليلي ‪ ،‬الول ‪ :‬قوله تعال ] ِإذَا ُق ْمتُمْ إِلَى الصّلةِ فَاغْسِلُوا … إل قوله …‬
‫فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً َفَتيَمّمُوا [ فقد أمر ال بشيئي عند القيام إل الصلة ‪ :‬أحدها أصلي‬
‫والخر بدل ‪ ،‬فالصلي هو الوضوء ‪ ،‬والبدل هو التيمم ‪ ،‬وقد خرجا بصيغة المر ف‬
‫قوله ]فَاغْسِلُوا[ وف قوله ]َفَتيَمّمُوا[ وعلق ذلك المر بالقيام إل الصلة ‪ ،‬والمر يفيد‬
‫التكرار ‪ .‬فنقول ‪ :‬يب الوضوء عند كل صلة ‪ ،‬ويب التيمم عند كل صلة أيضا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫لكن جاءنا دليل يرج وجوب الوضوء عند كل صلة وهو أن النب ‪ r‬صلى‬
‫الصلوات المس بوضوء واحد كما ف حديث عمر بن أمية الضمري ‪ ،‬بل وف حديث‬
‫آخر أن عمر قال له ‪ " :‬لقد صنعت اليوم شيئا ل تكن تصنعه " فقال ‪ (( :‬عمدا فعلته ))‬
‫فخرج الوضوء بذا الدليل لكن بقي التيمم ل يأت دليل يرجه عن الوجوب عند كل‬
‫صلة فالمر به يفيد تكراره عند كل قيامٍ للصلة ‪.‬‬
‫الدليل الثان ‪ :‬حديث ابن عباس مرفوعا وموقوفا ‪ " :‬من السنة أن ل يصلى‬
‫بالتيمم إل صلة واحدة ويتيمم للصلة الخرى " وعلى تقدير أنه موقوف فهو ف حكم‬
‫الرفوع‪ ،‬لن الصحاب إذا قال من السنة كذا فله حكم الرفع فهذان دليلن على وجوب‬
‫إعادة التيمم عند كل صلة أعن الصلة الفروضة ‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم ‪ :‬ل يلزم إعادته ما ل يدث بل له أن يصلي الصلوات‬
‫المس بتيمم واحد وذلك لمور ‪ :‬الول ‪ :‬القياس على الوضوء لن التيمم بدل له‬
‫والبدل يأخذ حكم البدل إل ما دل الدليل على خلفه ‪ ،‬ومن أحكام الوضوء أنه يوز أن‬
‫تصلي بالوضوء الواحد جيع الصلوات فكذلك التيمم ‪ ،‬وأما الية فإن فيها المر بالتيمم‬
‫والمر ل يفيد التكرار وأما حديث ابن عباس فليس يصح من جهة سنده بل هو ضعيف‬
‫جدا ‪ ،‬فقد ضعفه الحققون العارفون بالعلل ‪ ،‬والحكام الشرعية ل تثبت بثله ‪ ،‬وهذا‬
‫القول هو الراجح وهو اختيار أب العباس ابن تيمية رحه ال تعال وذلك لن المر‬
‫ل يقتضي التكرار كما رجحنا سابقا وأما الديث فسبق الواب عنه ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬لو قال لوكيله‪ :‬طلق زوجت ‪ ،‬فكم يلك الوكيل من الطلقات؟‬
‫فيه خلف بينهم ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬يلك الوكيل جيع ما يلكه موكله من الطلقات‪،‬‬
‫والوكل يلك الثلث فكذلك وكيله ولنه أمره بالطلق والمر يفيد التكرار ‪ ،‬فللوكيل‬
‫أن يطلق واحدة واثنتي وثلثا ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بل ل يلك إل طلقة واحدة لن المر‬
‫ل يفيد التكرار وإنا الراد إيقاع الطلق من غي تعرضٍ لعدده ‪ ،‬وقد وقع بالطلقة الول ‪،‬‬
‫فتبقى الطلقات الزائدة ل وكالة فيها فتكون لغية لنا وقعت من ل يلك حل العقد‬
‫وهذا هو القول الراجح إن شاء ال تعال ‪ ،‬لكن لو قال له ‪ :‬طلق زوجت ثلثا ‪ ،‬فهذا‬
‫ل إشكال ف إفادته للتكرار لوجود القرينة وهي قوله (ثلثا) ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬المر بالعمرة ف قوله تعال ‪َ ] :‬وَأتِمّوا الْ َ‬


‫ح ّج وَالْعُ ْم َرةَ ِللّهِ [ وف قوله ‪ r‬لن‬
‫سأله ‪ (( :‬وتج وتعتمر )) ‪ ،‬وحديث ‪ (( :‬عليهن جهاد ل قتال فيه الج والعمرة ))‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬أما المر بالج فقد ورد ما يفيد أنه مرةٌ واحدةٌ كما مضى ‪ ،‬وأما المر‬
‫بالعمرة فلم يأت ما يفيد الرة الواحدة ول التكرار ‪ ،‬فالمر با أمر مرد عن القرائن ‪،‬‬
‫فالصواب إذا أن النسان يرج من عهدة المر با إذا فعلها مرةً واحدة ‪ ،‬لن المر‬
‫الجرد عن القرينة ل يقتضي التكرار هذا على القول بوجوبا ‪ ،‬فإذا قلنا بوجوبا فتبأ‬
‫الذمة ويسقط الطلب بفعلها مرةً واحدة ‪ ،‬وأما على القول بأن المر يفيد التكرار فل تبأ‬
‫الذمة إل بفعلها دائما مع المكان لكن الراجح ما قدمت لك لذه القاعدة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تكرار الصلة على النب ‪ r‬كلما ذكر وذلك لن ال تعال أمرنا بالصلة‬
‫عليه ف قوله ‪ِ ] :‬إنّ اللّ َه َومَلئِ َكتَهُ ُيصَلّو َن عَلَى الّنبِ ّي يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا صَلّوا عََليْهِ‬
‫َوسَلّمُوا تَسْلِيمًا [ فالمر ف قوله ]صَلّوا عََليْهِ[ هل يفيد التكرار أو ل ؟‬
‫فيه خلف ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬نعم يفيد التكرار فتجب الصلة عليه كلما ذكر‬
‫ويؤيده قوله ‪ (( : r‬البخيل من ذكرت عنده ول يصل علي )) وقوله ‪ (( :‬رغم أنف‬
‫امرئٍ ذكرت عنده فلم يصل عليك ‪ ،‬قل آمي ‪ ،‬فقال ‪ :‬آمي )) ‪.‬‬
‫صلّوا عََليْهِ[ ل يفيد التكرار ‪ ،‬فيخرج النسان من‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬بل المر ف قوله ] َ‬
‫عهدته بفعله مرةً واحدة ف عمره ويبقى ما عداه على سبيل الستحباب ل الوجوب ‪،‬‬
‫وهذا هو الراجح ف نظري إن شاء ال تعال لذه القاعدة ‪ ،‬وأما الحاديث الخرى فإنا‬
‫تدل على تأكد الستحباب ل الوجوب ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬لو قال لوكيل البيع ‪ :‬بع هذه السلعة فباعها ‪ ،‬فردت لعي ٍ‬
‫ب فيها فهل يوز‬
‫للوكيل أن يبيعها مرةً أخرى ؟ هذا يتفرع على هذه القاعدة ‪ ،‬وفيه خلف مبناه هذه‬
‫القاعدة ‪ ،‬فمن قال ‪ :‬إن المر يقتضي التكرار ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم يبيعها مرةً أخرى لن المر ف‬
‫قوله (بع هذه السلعة) يفيد التكرار ‪ ،‬ومن قال ‪ :‬ل يفيد التكرار قال ‪ :‬ل حق له ف البيع‬
‫الثان إل بأمر جديد لن المر ف قوله (بع) ل يفيد التكرار وهذا هو الراجح عندنا إن‬
‫شاء ال تعال لذه القاعدة ‪ ،‬ولنه الحوط ف أموال الناس ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬تكرار الغُسْل من النابة ‪ ،‬هل يسن فيه التثليث أو السنة تعميم البدن بالاء‬
‫مرةً واحدة فقط ؟ فيه خلف ‪ ،‬وبيان ذلك أن ال تعال قال ‪َ ] :‬وِإنْ ُكْنتُمْ ُجنُبا‬
‫فَا ّطهّرُوا [ فأمر بالتطهر إذا تقق وصف النابة ‪ ،‬والراد بالتطهر هنا الغتسال أي أمر‬
‫بالغتسال عند النابة ‪ ،‬فقال بعض العلماء وهو رواية ف الذهب عندنا ‪ :‬أن السنة تكرار‬
‫الغسل ثلث مرات ‪ ،‬وأظن أنم استدلوا على ذلك بأمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬قاسوه على الوضوء فالتثليث مستحب ف الوضوء فكذلك ف الغسل بامع‬
‫ل منهما طهارة واجبة ‪.‬‬
‫أن ك ً‬
‫والثان ‪ :‬أن المر الطلق يفيد التكرار ‪ ،‬فالمر ف قوله ] فَا ّطهّرُوا [ يفيد التكرار ‪،‬‬
‫وقال أكثر العلماء ‪ :‬بل السنة القتصار ف الغسل على مرةٍ واحدة وذلك لمور ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن المر ف قوله ] فَا ّطهّرُوا [ ل يفيد التكرار لن الطلوب هو تعميم البدن‬
‫بالاء وهو حاصل بالرة الول ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أن هذه الية فيها بيان من النب ‪ r‬فإنه لا اغتسل من النابة ل يفض الاء‬
‫على بدنه إل مرةً واحدة إل الرأس فقد أفاض عليه ثلثا كما ف حديث ميمونة وعائشة‬
‫رضي ال عنهما ‪ ،‬أما قياسكم الغسل على الوضوء فهو قياس فاسد لنه قياس مع‬
‫الفارق ‪ ،‬وأما استدللكم بالقاعدة فإن الصواب فيها هو أن المر الطلق ل يقتضي التكرار‬
‫‪ ،‬وهذا القول أعن القتصار ف الغسل على مرة واحدة إل غسل الرأس هو القول الراجح‬
‫وهو اختيار أب العباس ابن تيمية رحه ال تعال ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تكرار غسل النجاسات ‪ ،‬فإذا وقعت النجاسة على شيءٍ طاهر فقال‬
‫النابلة وغيهم إنه يب غسلها سبعا ‪ ،‬وهذا هو الشهور ‪ ،‬وعندنا رواية أنا تغسل ثلثا‪،‬‬
‫وموجب التكرار أمران ‪ :‬أن الشارع أمر بغسل النجاسات والمر يفيد التكرار ‪ ،‬ولن‬
‫ابن عمر قال ‪ " :‬أمرنا بغسل النجاسات سبعا " وقال بعض العلماء وهو رواية ثالثة ف‬
‫الذهب أن النجاسة تكاثر بالاء حت تذهب عينها من غي تعرض لعدد ‪ ،‬وجعلوا على‬
‫ذلك ضابطا وهو أن الصل أل يُحَدّ غسل النجاسة بعد ٍد إل بدليل ‪ ،‬لن الصل ف المر‬
‫الجرد أنه ل يفيد التكرار ‪ ،‬وأما حديث ابن عمر فليس بديث إذ ل يعرف له سند فل‬
‫أصل له ‪ ،‬وأما قياس سائر النجاسات على ناسة الكلب فهو قياس مع الفارق ‪ ،‬ول أعلم‬

‫‪49‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫دليلً ف الدنيا يدل على تديد غسل النجاسات بعددٍ إل ف ناستي ‪ :‬ف غسل ناسة‬
‫الكلب سبعا إحداها بتراب ‪ ،‬وف إزالة الارج من السبيل بثلثة أحجار منقية ‪ ،‬هذا‬
‫ما أعرفه ‪ ،‬فيبقى سائر النجاسات تغسل بالاء حت تزول عينها من غي تعرضٍ لعدد لن‬
‫المر ل يقتضي التكرار وهذا القول هو الراجح وهو اختيار أب العباس بن تيمية رحه ال‬
‫ومنها ‪ :‬مسح الرأس ف الوضوء ‪ ،‬فإن ال تعال قد أمر بسحه فقال جل وعل‬
‫] وَامْسَحُوا بِرُءُو ِسكُمْ [ فهل يشرع تكرار مسحه أو ل ؟‬
‫فيه خلف بي أهل العلم رحهم ال تعال ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬نعم يشرع تكرار‬
‫مسحه ثلثا ‪ ،‬لن المر يقتضي التكرار ولديث (( توضأ النب ‪ r‬ثلثا ثلثا )) وقياسا‬
‫على سائر العضاء ‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬بل السنة فيه مسحة واحدة تأت على جيعه وذلك‬
‫لن المر ف قوله ] وَامْسَحُوا [ ل يفيد التكرار وإنا أمر بالسح وهو حاصل بالرة ‪،‬‬
‫ولن السنة بينت ذلك ففي حديث علي ف صفة الوضوء قال ‪ (( :‬ومسح برأسه واحدة))‬
‫وف حديث عبد ال بن زيد (( ث مسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر مرةً واحدةً )) وأما‬
‫حديث (( توضأ ثلثا ثلثا )) فهو ممل قضى عليه البيان النبوي ‪ ،‬وأما قياس الرأس على‬
‫سائر العضاء ففاسد العتبار لصادمته للنص ولنه مع الفارق إذ الرأس مسوح وباقي‬
‫العضاء مغسولة ‪.‬‬
‫والضابط عندنا أنه ل تكرار ف المسوح ‪ ،‬واختار هذا القول أبو العباس بن تيمية‬
‫رحه ال تعال ‪ ،‬وهو مذهب النابلة ‪ ،‬وهو القول الراجح وال أعلم‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تكرار السح ف التيمم فقد قال به بعض أهل العلم لن المر ف قوله تعال‬
‫] َفَتيَمّمُوا [ يفيد التكرار ولديث ابن عمر " التيمم ضربتان ‪ ،‬ضربة للوجه ‪ ،‬وضربة‬
‫لليدين إل الرفقي " ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بل السنة السح مرةً واحدة لبيان السنة كما ف‬
‫حديث عمار ف الصحيحي ‪ ،‬وأما حديث ابن عمر فالصواب وقفه ل رفعه ‪ ،‬وقد خالفه‬
‫غيه من الصحابة ‪ ،‬وأما قولم المر ف قوله ] َفَتيَمّمُوا [ يفيد التكرار فليس بصحيح ‪،‬‬
‫فالمر ل يقتضي التكرار وهذا هو الراجح أن التيمم ضربة واحدة يسح بما ظاهر كفيه‬
‫ووجهه وال أعلم ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فهذه بعض الفروع الت ظهرت بالتأمل ول أر كثيا منها ف كتب الصول ‪ ،‬وإنا‬
‫هو توفيق ال وفتحه ‪ ،‬فاللهم اغفر للعلماء مغفرة واسعة وارفع نسزلم واجعنا بم ف‬
‫جناتك جنات النعيم ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة السـادسـة‬
‫( المـر العلق على شرطٍ أو صفة‬
‫هـا علته يتكـرر بتكررهـا )‬
‫وهذا هو فصل الطاب ف اللف ف ذلك ‪ ،‬وهو جزء من القاعدة السابقة ولكن‬
‫لهيته أفردته بالذكر ف قاعدة مستقلة وهذا النوع من المر ليس هو المر الجرد الذي‬
‫قد تقدم البحث فيه وقلنا أنه ل يفيد التكرار ‪ ،‬بل هذا المر وجدت فيه قرينة تدل على‬
‫التكرار وهي تعليقه بالشرط والصفة ‪ ،‬لكن ينبغي لك قبل البحث ف فروعها الكثية أن‬
‫نعرف شيئا من قيودها فأقول‪:‬‬
‫إن المر إذا علق على شرطٍ أو صفة فل يلو من حالتي ‪ :‬إما أن يكون هذا الشرط‬
‫وهذه الصفة هي علته الت ل تنفك عنه ول ينفك عنها إذا توفرت شروطها وانتفت‬
‫موانعها ‪ ،‬وإما ل ‪ .‬فإن كان هذا الشرط والصفة ها علة المر فإن هذا هو ما نعنيه ف‬
‫هذه القاعدة وهو الراد شرحه ‪ ،‬وأما الشرط والصفة الت ل تعلق لا بالعلة فهذا ل يفيد‬
‫التكرار ولشك ولذلك قلنا ف القاعدة (ها) أي الشرط والصفة (علته) أي علة المر‬
‫وسببه الذي ل يتخلف عنه مع كمال شروطه وانتفاء موانعه ‪.‬‬
‫فإذا يتلخص من هذا أن المر العلق على الشرط والصفة يفيد التكرار إن كانت‬
‫هي علته ‪ ،‬ول يفيد التكرار إن كان ل مدخل لما ف العلة ‪.‬‬
‫إذا علمت هذا فإليك بعض الفروع الهمة فقط من باب الشارة فأقول ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬قوله تعال ] َوِإنْ ُكْنتُمْ ُجنُبا فَا ّطهّرُوا [ فعلق المر ف قوله ] فَا ّطهّرُوا[‬
‫بوجود النابة ‪ ،‬والنابة شرط لوجوب الغسل فهي كالعلة له ‪ ،‬فإذا وجدت النابة وجد‬
‫الغسل ‪ ،‬وإذا انتفت النابة انتفى الغسل إل بسببٍ آخر لن أسباب الغسل كثية ‪ ،‬فتعليق‬
‫المر بالغسل على وجود النابة هنا يفيد التكرار كلما تكرر شرطه لن الشرط هنا‬
‫كالعلة ف المر ‪ ،‬وعلى ذلك لو خرج الن دفقا بلذةٍ وجب الغسل لتحقق الشرط فإذا‬
‫اغتسل ث خرج بعد الغسل من آخر ‪ ،‬فهل يلزم الغسل أو ل ؟‬

‫‪52‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الصواب أن هذا الن الخر إن كان دفقا بلذة فهو جنابة جديدة فيتطلب لا غسل‬
‫آخر ‪ ،‬وإن كان بل شهوة فهو بقية الن الول والن الواحد ل يوجب غسلي ففيه‬
‫الوضوء فقط ‪ .‬فقلنا هنا يعيد الغسل ف الالة الول لن الشرط تكسرر فتكرر المر ‪،‬‬
‫وأعن بالشرط النابة وأعن بالمر المر بالتطهر ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬إذا سع النسان مؤذنا فإنه ييبه لقوله ‪ (( : r‬إذا سعتم الؤذن فقولوا مثل‬
‫ما يقول الؤذن )) متفق عليه ‪ ،‬لكن ما الكم إذا سع مؤذنا آخر لنفس الوقت وقبل‬
‫الصلة فهل ييبه أو ل ؟‬
‫نقول ‪ :‬فيه خلف والصواب أنه ييب مؤذنا ثانيا وثالثا ورابعا وهكذا وذلك لن‬
‫المر ف قوله " فقولوا " يفيد التكرار لنه علق على شرط وهو قوله "إذا سعتم" والشرط‬
‫هنا علة للمر والمر العلق على شرط هو علة له فإنه يتكرر بتكرر شرطه ‪ ،‬فكلما تكرر‬
‫السماع تكررت الجابة واختاره أبو العباس بن تيمية رحه ال تعال ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تكرار تية السجد كلما تكرر الدخول للمسجد ‪ ،‬فهذا فيه خلف بي‬
‫أهل العلم والصواب أن من دخل السجد للجلوس فل يلس حت يصلي ركعتي ولو أنه‬
‫خرج بنية الرجوع وذلك لقوله ‪ (( : r‬إذا دخل أحدكم السجد فليكع ركعتي قبل أن‬
‫ط وهو قوله ((إذا دخل)) وهذا‬
‫يلس )) فالمر ف قوله ((فليكع)) أمر معلق على شر ٍ‬
‫ط هو علته يتكرر بتكرر شرطه ‪ ،‬ولنما‬‫الشرط هو علة المر ‪ ،‬والمر العلق على شر ٍ‬
‫تية للمسجد ومن خرج عن قومٍ ولو يسيا ث رجع إليهم فيسن السلم عليهم ولو ل‬
‫يطل الفصل ولو بنية الرجوع لنا تيتهم ‪ ،‬فكذلك تية السجد تتكرر كلما تكرر‬
‫الدخول ‪.‬‬
‫لكن من تكرر دخولم للمسجد كعمال النظافة ونوهم فهؤلء قد يشق عليهم‬
‫تكرار التحية كلما تكرر دخولم وخصوصا على القول بوجوبما ‪ ،‬أما مع القول‬
‫بالستحباب فل مشقة لواز الترك ‪ ،‬فحينئذٍ ينظر لؤلء بنظرٍ خاص وهو الكتفاء‬
‫بالركعتي ف أول دخولٍ لن تكرارها عليهم فيه مشقة والشقة تلب التيسي وإذا ضاق‬
‫المر اتسع ‪ ،‬لكن يبقى غيهم من ل يكثر تكرر دخوله للمسجد على تكرر المر ف‬
‫حقه كلما تكرر شرطه ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬تكرر القطع كلما تكررت السرقة ‪ ،‬ذلك لن ال تعال قال‪ ] :‬وَالسّا ِرقُ‬
‫وَالسّارَِقةُ فَا ْق َطعُوا َأيْ ِدَيهُمَا [ فالمر ف قوله ]فَا ْق َطعُوا[ قد علق على صفة هي علة فيه وهي‬
‫وصف السرقة ‪ ،‬فهو إذا يقتضي التكرار كلما تكرر هذا الوصف لنه علة فيه والكم‬
‫يتكرر بتكرر علته وخالف ف ذلك بعض العلماء فقالوا ‪ :‬بل إذا قطع الرة الول ث سرق‬
‫فإنه ل يقطع وإنا يعزر با يراه المام ‪ ،‬لكن الصواب هو تكرر القطع بتكرر السرقة ‪،‬‬
‫فمن سرق ف الرة الول فإنه تقطع يده اليمن بالجاع وف قراءة شاذة ]فاقطعوا أيانما[‬
‫وهو عمل اللفاء الراشدين ‪.‬‬
‫ومن سرق ف الرة الثانية فاختلف القائلون بالقطع ‪ ،‬فقال عطاء ‪ " :‬تقطع يده‬
‫اليسرى " ‪ ،‬لكن الصواب أنه تقطع رجله اليسرى لا روي عن عمر ول يعرف له مالف‬
‫من الصحابة ‪ ،‬ونقل بعضهم الجاع عليه‪ ،‬لكن دعوى الجاع ل تصح لثبوت اللف ‪،‬‬
‫وهو قول أكثر الفقهاء ‪.‬‬
‫ث إذا سرق ثالثا ‪ ،‬فقيل تقطع يده اليسرى عملً بالمر لنه يقتضي التكرار لتكرر‬
‫الوصف ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬إذا سرق الثالثة فل قطع عليه وإنا يعزر باللد أو البس‬
‫ونوها ويستدلون بفعل علي ‪ t‬وهو أثر مشهور وكان على مضر من الصحابة ول ينكر‬
‫عليه أحد فكان مثل الجاع ‪ ،‬ولعل هذا الرأي هو القرب ل لن المر ل يقتضي‬
‫التكرار بتكرر الوصف وإنا لجاع الصحابة السكوت وهو من الجج الظنية ‪ ،‬ولنه‬
‫أرفق بالسارق فإننا لو أتينا على أطرافه الربعة لتعطل عن منافعه ولذلك قال علي ‪ t‬ما‬
‫قال ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬من زن فأقيم عليه الد ث زن لزمه حد آخر لن المر ف قوله ‪:‬‬
‫] فَا ْجلِدُوا[ معلق على صفة وهي قوله ‪ ] :‬الزّاِنَيةُ وَالزّانِي [ وهذه الصفة هي علة له ‪،‬‬
‫لكن ما الكم إذا زن مرارا ول يقم عليه الد ‪ ،‬فهل يكفي ف الميع حد واحد ؟ أو‬
‫يلزم لكل زنا حد مستقل ؟ فيه خلف والراجح هو الول لن الدود إذا كانت من‬
‫جنس واح ٍد فإنا تتداخل وقد شرحنا طرفا منها ف موضعٍ آخر ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬لو قال لزوجه ‪ :‬إن دخلت الدار فأنت طالق ‪ ،‬فدخلت مر ًة وقعت عليها‬
‫طلقة ‪ ،‬لكن ما الكم لو خرجت ث دخلت مرةً أخرى ‪ ،‬فهل تطلق ثانية وهكذا أو ل ؟‬

‫‪54‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الواب ‪ :‬فيه خلف والصواب أنا ل تطلق ‪ ،‬لن النشاء ف قوله (أنت طالق)‬
‫معلق على شرط وهو دخول الدار ‪ ،‬لكن هذا الشرط ليس علة ف الطلق فل علقة بي‬
‫الطلق ودخول الدار فإذا ل يتكرر الطلق بتكرر الدخول لننا اشترطنا ف الشرط‬
‫والصفة اللذين علق عليهما المر أن يكونا علة ف الكم ل تفارقه عند توفر شروطها‬
‫وانتفاء موانعها ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬لو قال ‪ :‬إن جاء زيد فأعتق عبدا ‪ ،‬فجاء زيد فبمجيئه يصل العتق ‪ ،‬لكن‬
‫لو جاء ثانية وثالثة فهل يتكرر العتق كلما تكرر ميئه ؟‬
‫الواب ‪ :‬ل يتكرر بل العتق يصل ف الجيء الول ل غي ‪ ،‬لن المر هنا علق‬
‫ط ليس هو علة فيه إذ ل علقة بي ميء زيد وبي العتق فل يتكرر العتق بتكرر‬
‫على شر ٍ‬
‫الجيء ‪ ،‬وال تعال أعلم ‪.‬‬
‫(تنبيه) اعلم أن هناك بعض صيغ الشرط تدل على التكرار بوضعها اللغوي وهو‬
‫كلمة (كلما) كقولك كلما دخلت الدار فأنت طالق فهنا يتكرر الطلق بتكرر الدخول ‪،‬‬
‫ولو قال ‪ :‬كلما جاء زيد فأعتق عبدا فيتكرر العتق بتكرر الجيء ‪ ،‬وقلنا بالتكرار هنا لن‬
‫المر علق على شرط يفيد التكرار بوضعه اللغوي ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬قد طال الكلم فأعطنا اللصة ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬خلصة الكلم أن يقال ‪ :‬إذا علق المر على شرط فل يلو من ثلث‬
‫حالت ‪ :‬إما أن يدل الشرط على التكرار بوصفه فيفيد التكرار ‪.‬‬
‫وإما أن يكون علة ف الكم فيفيد التكرار ‪.‬‬
‫وإما ل هذا ول هذا فل يفيد التكرار ‪ ،‬وال أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة السـابعـة‬
‫( الزيـادة على النـص ليسـت نسـخا )‬
‫وهذا هو الراجح وهو مذهب جهور أهل العلم رحهم ال تعال من الالكية‬
‫والشافعية والنابلة ‪ ،‬والراد بقولنا (الزيادة) أي من السنة الحادية ‪ ،‬وقولنا (على النص)‬
‫أي القرآن ‪ ،‬وبيان معناها أن يقال ‪ :‬إذا ورد حكم ف القرآن الكري ث وردت السنة‬
‫بالزيادة فيه زيادةً هي كالزء أو الشرط أي أن السنة الحادية أضافت حكما أو شرطا‬
‫على ما ثبت بالقرآن ‪ ،‬فهل تكون هذه الزيادة ناسخة للقرآن ؟ أو زيادة من باب البيان‬
‫فتقبل ؟ ومثال ذلك ‪ :‬أن حد الزان البكر ف القرآن هو أن يلد مائة جلدة ‪ ،‬فمائة اللدة‬
‫هذه هي حد الزان البكر ف القرآن فجاءت السنة الحادية فأضافت شيئا آخر ف حد‬
‫الزان البكر وهو التغريب عاما ‪ ،‬فهذه هي الزيادة على النص ‪ ،‬أي أن السنة الحادية‬
‫أثبتت شيئا زائدا على ما ف القرآن ‪ ،‬فهل هذه الزيادة نسخ أو ل ؟‬
‫فيه خلف ‪ ،‬ومذهب المهور كما قدمنا لك أن هذه الزيادة ليست نسخا بل هي‬
‫بيا ٌن لا ف القرآن وإضافة شيءٍ جديدٍ له وليس هذا يسمى نسخا ‪ ،‬وذهب النفية إل أن‬
‫هذه الزيادة نسخ للقرآن ‪ ،‬فل تقبل وسوف يأت دليلهم مع الواب عليه إن شاء ال تعال‬
‫إذا علمت هذا فإليك بث هذه القاعدة بالتفصيل فأقول ‪:‬‬
‫إذا زادت السنة على القرآن شيئا فل يلو ‪ :‬إما أن ل تتعلق بالزيد عليه ‪ ،‬أي أن‬
‫القرآن يثبت حكما وزادت السنة حكما آخر ل تعلق له بالكم الثابت بالقرآن كأن‬
‫يثبت القرآن الصلة وتأت السنة بإثبات الج أو الصوم مثلً ‪ ،‬فهذه الزيادة ليست نسخا‬
‫باتفاق العلماء رحهم ال تعال ‪ ،‬فالسنة عند الميع تثبت أحكاما جديدة ليست ف‬
‫القرآن ‪ ،‬فهذه الالة ل خلف فيها ‪ ،‬وإنا اللف وقع ف الالة الثانية ‪ :‬وهي أن تزيد‬
‫السنة على القرآن زياد ًة تكون كالزء أو كالشرط لا ثبت بالقرآن ‪ ،‬أي أن يثبت القرآن‬
‫حكما ث تأت السنة فتثبت شرطا زائدا ف هذا الكم ‪ ،‬ل يتكلم القرآن عليه ‪ ،‬فهل هذه‬
‫الزيادة نسخ أو ل ؟ هذه هي الت وقع فيها اللف ‪ ،‬وقدمنا أن الراجح هو قول المهور‬
‫وهو نص هذه القاعدة وهي أن ما زادته السنة الحادية على القرآن ل يعد نسخا‬
‫للقرآن بل يري مرى البيان والدليل على ترجيح هذا القول عدة أمور ‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫منها ‪ :‬أن حقيقة النسخ عند الصوليي هو رفع الكم الثابت بطا ٍ‬
‫ب متقدم بطابٍ‬
‫متأخرٍ عنه ‪ ،‬وليس ف هذه السألة رفع لكم وإنا فيها إضافة شيء جديد مع بقاء الكم‬
‫الثابت بالقرآن على حاله ‪ ،‬فليس هناك حكم ارتفع حت نقول إنه نسخ ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن الذي ارتفع إنا هو الباءة الصلية إذ أن الصل عدم‬
‫التكليف بذا الكم الديد الذي ثبت بالسنة أي أن الصل أن ذمة الكلف بريئة منه ‪،‬‬
‫فلما ثبت بالسنة ارتفعت هذه الباءة الصلية وعمرت الذمة به وبالتفاق أن رفع الباءة‬
‫الصلية ل يسمى نسخا لن النسخ رفع للحكم الثابت بالطاب الشرعي والباءة الصلية‬
‫إنا ثبتت بالعقل ل بالكم الشرعي فل يسمى رفعها نسخا ولن القاعدة تنص على أن‬
‫إعمال الدليلي واجب إذا أمكن ول يصار للنسخ إل مع تعذر المع ‪ ،‬والمع بي القرآن‬
‫والسنة الحادية يكن وهو جعل هذه الزيادة مبينة لا ف القرآن ومضيفة له حكما جديدا‬
‫فإذا أمكن المع ل يز القول بالنسخ ‪.‬‬
‫ومن الدلة ‪ :‬أنه ل يوز إبطال شيء من كلم الشارع إذا أمكن إعماله وهنا يكن‬
‫إعماله ولن القاعدة تنص على أن إعمال الكلم أول من إهاله وعلى قول النفية فيه‬
‫إهال لكلم الشارع فإذا كان إهال كلم سائر الناس ل يوز مع إمكان إعماله فمن باب‬
‫أول أل يهمل كلم الشارع مع إمكان إعماله وذلك بعل السنة مبينة للقرآن ل‬
‫مضادة له ‪.‬‬
‫فهذه هي أدلتنا على ما ذهبنا إليه ‪ .‬وقال النفية رحهم ال تعال ‪ :‬أما نن فنرى أن‬
‫الزيادة على القرآن نسخ ودليل ذلك أن الكم الذكور ف القرآن قبل الزيادة كان كافيا‬
‫ل بنفسه ‪ ،‬وبعد هذه الزيادة ارتفع استقلله ول يعد كافيا بفرده‬
‫للمقصود منه مستق ً‬
‫فالزيادة نسخت استقلل الكم القرآن ورفعته ورفعه هو النسخ عندنا فصارت الزيادة‬
‫على القرآن نسخ له ل لنا رفعت الكم أصلً وإنا رفعت استقلل الكم فلم يعد كافيا‬
‫لوحده كما كان قبل هذه الزيادة ‪ ،‬فإذا تقرر ذلك فنقول ‪ - :‬أي النفية – يب حينئذٍ‬
‫رد هذه الزيادة لنا آحاد والقرآن متواتر والحاد ل يقوى على نسخ التواتر ‪ ،‬كذا قالوا‬
‫– رحهم ال تعال – وأجاب المهور عن ذلك ‪ :‬بأن النسخ حقيقته رفع حكم شرعي ‪،‬‬
‫وهنا ل يرتفع بذه الزيادة حكم شرعي وإنا الذي ارتفع هو استقلل الكم الشرعي‬

‫‪57‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ورفع الستقلل ل يسمى نسخا ‪ ،‬ولن رفع الستقلل ل يقصد أصلً وإنا ارتفع تبعا ل‬
‫قصدا لن من لوازم هذه الزيادة أن يرتفع الستقلل ‪ ،‬فهي ل تقصد بالرفع فل يكون‬
‫رفعها نسخا لعدم القصد ‪.‬‬
‫ويلزم عليهم – رحهم ال تعال – أن الصلة كانت هي الشعية الوحيدة قبل‬
‫فرض الصوم والزكاة والج وكانت هي كل الشريعة أعن من الشعائر الظاهرة ‪ ،‬ث لا‬
‫فرض الصوم والج رفعت استقلل الصلة بكونا كل الشريعة بعد الشهادتي ول يسم‬
‫النفية رحهم ال تعال رفع هذا الستقلل نسخا فكذلك هنا بامع رفع الستقلل ف‬
‫ك ٍل ‪ ،‬بغض النظر عن نوعية هذه الزيادة ‪ ،‬أهي تتعلق بالزيد عليه أو ل ؟ الهم أن‬
‫الستقلل رفع ف كلٍ فإذا كان رفع الستقلل ف مثالنا ل يسمى نسخا فكذلك الزيادة‬
‫على النص إذا رفعت استقلله ‪ ،‬فرفع الستقلل ل يسمى نسخا ‪.‬‬
‫ث نرى أن الئمة النفية رحهم ال تعال يتركون هذه القاعدة ف بعض الفروع‬
‫وهي كثية لكن أعطيك مثالً واحدا وهو ‪ :‬أن نواقض الوضوء ف القرآن إنا هي الغائط‬
‫كما ف آية سورة الائدة والنساء فالقرآن نص على ذلك فالغائط هو الناقض الوحيد‬
‫للوضوء ف القرآن فهو مستقل بالنقض لكن نرى أن النفية جعلوا من نواقض الوضوء‬
‫القهقهة ف الصلة ويستدلون على ذلك بديث آحاد ضعيف فلو كان هذا صحيحا فإنه‬
‫يرفع استقلل الغائط بكونه هو الناقض ف القرآن فيأت رجل ويقول ‪ :‬ليس الغائط هو‬
‫الناقض لوحده بل والقهقهة أيضا من النواقض ‪ ،‬فهذا القول يرفع استقلل الكم القرآن‬
‫ومع ذلك قالوا به ول يسموه نسخا ‪ ،‬مع أنه زيادة على النص ‪ ،‬فكيف ذلك ؟ فهذا يدل‬
‫على ضعف قولم – رحهم ال رحة واسعة وغفر لم – فكم ردوا من السنن الصحيحة‬
‫بثل هذه الراء الضعيفة – فاللهم اغفر لم من أولم إل آخرهم وتاوز عنهم واجعنا بم‬
‫ف جنتك – لكن السنة أحب إلينا وأعظم ف قلوبنا من كل أحد وكل يؤخذ من قوله‬
‫ب وسنة ‪.‬‬‫ويترك إل قول الشريعة من كتا ٍ‬
‫إذا علمت هذا وتبي لك ما رجحناه من أن الزيادة على النص ليست نسخا فإليك‬
‫بعض الفروع الت اختلفوا فيها بسبب خلفهم ف هذه القاعدة ‪:‬‬
‫فمن الفروع ‪ :‬النية ف الوضوء ‪ ،‬ذهب المهور إل وجوب النية ف الوضوء فل‬

‫‪58‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫يصح الوضوء إل با مستدلي على ذلك بديث عمر الشهور ‪ " :‬إنا العمال بالنيات "‬
‫وذهب النفية إل أنا ليست بشرط فيه فيصح بدونا وإن جاء با فحسن ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن‬
‫آية الوضوء ليس فيها تعرض للنية وإنا فيها المر بغسل العضاء الثلثة ومسح الرأس ‪،‬‬
‫فهذا هو الوضوء ف الية فلو اشترطنا النية وقلنا إنا داخلة ف مسمى الوضوء لصار ذلك‬
‫نسخا للقرآن بسنةٍ آحادية وهو باطل ‪ ،‬لن الزيادة على النص نسخ ‪ ،‬كذا قالوا ‪ ،‬والق‬
‫بل شك مع المهور لصحة الحاديث ف ذلك ‪ ،‬وأما القاعدة فصوابا هو ما تقدم لك‬
‫فل عبة بقولم لنه مصادم للنص ‪ ،‬هذا مع التسليم أن الية ليس فيها إشارة للنية ‪ ،‬وإل‬
‫فالق أن من تدبر لفظ الية لوجدها قد أشارت للنية وذلك ف قوله ‪ِ ] :‬إذَا ُق ْمتُمْ إِلَى‬
‫الصّلةِ [ أي إذا أردت وقصدت القيام لا وهذه هي النية‪.‬‬
‫والعجب منهم رحهم ال تعال فإنم يشترطون النية ف التيمم ويقولون إن القرآن‬
‫صعِيدًا َطيّبا[ والتيمم هو القصد وهذا‬ ‫دل على النية ف التيمم وذلك ف قوله ‪َ ] :‬فَتيَمّمُوا َ‬
‫هو النية ‪ ،‬فنقول ‪ :‬فهمتم الشارة إل النية هنا ول تفهموها ف أول الية مع أن فهم النية‬
‫صعِيدًا طَيّبا[ ‪ ،‬وعلى‬ ‫ف قوله ‪ِ ] :‬إذَا ُق ْمتُمْ إِلَى الصّلةِ [ أوضح من قوله ‪َ] :‬فَتيَمّمُوا َ‬
‫العموم فالصواب هو اشتراط النية ف كلٍ ‪ ،‬بل القاعدة عندنا أن النية شرط لصحة‬
‫الأمورات وشرط لترتب الثواب ف التروك ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬وجوب الترتيب بي أعضاء الوضوء ‪ ،‬قال الشافعية والنابلة ‪ :‬بأنه ركن‬
‫من أركان الوضوء ‪ ،‬مع اختلف مآخذهم لكن قالوا بركنيته ‪ ،‬واستدل النابلة على‬
‫الركنية بديث ((أبدأ با بدأ ال به)) وهذا وإن كان ف الج لكن العبة بعموم اللفظ‬
‫ل بصوص السبب وبفعله ‪ r‬ولنه أدخل مسوحا بي مغسولي والشريعة ل تفصل بي‬
‫متماثلي إل لكمة والكمة هنا هي مراعاة الترتيب ولن فعله صار بيانا للمر القرآن‬
‫والفعل إذا اقترن بأمر قول أفاد الوجوب ‪ ،‬وف الديث (( حت تسبغ الوضوء كما أمرك‬
‫ال تعال )) وتوضأ النب ‪ r‬مرتبا وقال ‪ (( :‬هذا وضوء ل يقبل ال الصلة إل به ))‬
‫وغيها من الدلة ‪.‬‬
‫وأما الشافعية فاستدلوا بدليل آخر وهو ‪ :‬أن عطف هذه العضاء الربعة برف‬
‫الواو الناسقة تفيد الترتيب عندهم كما ذكره الزنان عنهم ‪ ،‬وعلى كل حال فكل‬

‫‪59‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الفريقي توصل إل أن الوضوء ل يصح إل بالترتيب لذه الدلة ‪.‬‬


‫وقالت النفية ‪ :‬ل يب الترتيب لن الية ل تتعرض للترتيب ول تشر إليه والواو‬
‫ليست للترتيب وإنا لطلق المع فلو قلنا بالترتيب لزدنا على الوضوء ركنا ل يتعرض له‬
‫القرآن ‪ ،‬فهي زيادة على النص والزيادة على النص نسخ والحاد ل ينسخ التواتر كذا‬
‫قالوا ‪ ،‬والق بل شك مع النابلة والشافعية من وجوب الترتيب وهو ليس بزيادة على ما‬
‫ف القرآن وإنا بيان لا ف القرآن ‪ ،‬وإن سلمنا أنه زيادة عليه فالزيادة على النص ليست‬
‫نسخا كما قررناه ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تعيي قراءة الفاتة ف الصلة ‪ ،‬فقد ذهب النفية رحهم ال تعال إل أن‬
‫ل بقوله تعال‪ ] :‬فَا ْقرَءُوا مَا َتيَسّ َر مِنْ‬
‫القراءة الواجبة ف الصلة هي ما تيسر من القرآن عم ً‬
‫الْقُرْآنِ [ ول يدد القرآن شيئا معينا لبد من قراءته ‪ ،‬فإذا قرأ النسان ف صلته ما تيسر‬
‫من كتاب ال كفى وهذا هو دللة القرآن ‪ ،‬وذهب المهور إل أن القراءة الواجبة ف‬
‫الصلة هي الفاتة بعينها ل يزئ غيها عنها لديث عبادة بن الصامت ف الصحيحي‬
‫(( ل صلة لن ل يقرأ بفاتة الكتاب )) وحديث أب هريرة (( من صلى صلة ل يقرأ‬
‫فيها بفاتة الكتاب فهي خداج ‪ -‬ثلثا – غي تام )) رواه مسلم ‪ ،‬وغيها من الحاديث‬
‫العينة للفاتة ‪ ،‬وحل المهور قوله ‪ ] :‬فَا ْقرَءُوا مَا َتيَسّ َر ِمنْهُ [ على الفاتة عملً بالدلة‬
‫كلها ‪ ،‬فقال النفية ‪ :‬إن الحاديث العينة للفاتة زيادة على القرآن لنه أطلق ول يعي‬
‫والزيادة على النص نسخ والحاد ل ينسخ التواتر فل نقبلها ‪ ،‬فقال المهور ‪ :‬إن هذه‬
‫الحاديث ليست زيادة على القرآن بل موضحة ومبينة للقرآن ول تعارضه حت ترد ‪ ،‬وإن‬
‫سلمنا أنا زيادة عليه فالزيادة على القرآن ليست بناسخ عندنا ‪ ،‬وهذا القول – أعن قول‬
‫المهور – هو الراجح ول شك لصحة الحاديث وصراحتها ف الدللة على تعيي‬
‫الفاتة ‪ ،‬وأما قوله ‪ ] :‬فَا ْقرَءُوا مَا َتيَسّ َر ِمنْهُ [ فهو ممل وهذه الحاديث مبينة والجمل‬
‫يمل على البي جعا بي الدلة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اشتراط الطهارة للطواف ‪ ،‬فذهب النفية إل أن الطواف ل تشترط له‬
‫ت اْلعَتِيقِ [ فلم يشترط له الطهارة ‪،‬‬
‫الطهارة لن ال تعال قال ‪ ] :‬وَْليَ ّطوّفُوا بِاْلَبيْ ِ‬
‫والحاديث الت أشارت لشتراطها ل تقبل لنا زيادة على القرآن والزيادة على النص‬

‫‪60‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫نسخ ‪ ،‬وقال المهور ‪ :‬بل الطهارة شرط لصحة الطواف ‪ ،‬لديث عائشة مرفوعا (( غي‬
‫أل تطوف بالبيت حت تطهري )) ‪ ،‬وحديث (( توضأ النب ‪ r‬ث طاف )) ‪ ،‬ولديث‬
‫((الطواف بالبيت صلة إل أن ال أباح الكلم فيه)) ومن شروط الصلة الطهارة وقد‬
‫جعل الطواف كالصلة ‪ ،‬والية وإن ل يصرح فيها بالطهارة لكن النب ‪َ r‬بيّنَ ذلك بيانا‬
‫شافيا كافيا وإن سلمنا أنا زيادة على النص فإن الزيادة على النص ليست نسخا ‪،‬‬
‫واختار أبو العباس أن الطهارة للطواف مستحبة وليست شرطا ل لنه يقول بقاعدة‬
‫النفية وإنا لعدم الدليل الصريح الوجب للطهارة ‪ ،‬ولبحث السألة موضع آخر والهم أن‬
‫تعرف مآخذ العلماء ف اختلفهم وأنم اختلفوا ف هذا الفرع بسبب خلفهم ف هذه‬
‫القاعدة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الطمأنينة ف الركوع والسجود ‪ ،‬فقال النفية ‪ :‬ليست الطمأنينة شرطا ف‬
‫جدُوا [ فلم‬
‫صحتهما بل تكفي صورتما فقط ‪ ،‬وذلك لن ال تعال قال ‪ ] :‬ارْ َكعُوا وَاسْ ُ‬
‫يأمر إل با يسمى ركوعا وسجودا ‪ ،‬ول يتعرض للطمأنينة فلو زدنا اشتراطها على‬
‫مسمى الركوع والسجود لزدنا على القرآن والزيادة على النص نسخ ‪.‬‬
‫وقال المهور ‪ :‬بل الطمأنينة ركن من أركان الصلة ف ركوعها وسجودها‬
‫وقيامها وقعودها على خلف بينهم ف تديدها واستدلوا على ذلك بديث السيء صلته‬
‫وهو حديث ف الصحيحي وفيه أن النب ‪ r‬كان قال للرجل ‪ (( :‬ث اركع حت تطمئن‬
‫راكعا )) وقال ‪ (( :‬ث اسجد حت تطمئن ساجدا )) وهذا بيان لا ف القرآن ‪ ،‬وإن سلمنا‬
‫أنه زيادة عليه فليست الزيادة على القرآن نسخ وهذا القول هو الراجح لصراحة الدليل‬
‫وصحته ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬زيادة التغريب على اللد ف حد الزان البكر ‪ ،‬فإن العلماء قد اتفقوا على‬
‫أن البكر إذا زن فإنه يلد مائة ‪ ،‬لقوله تعال ‪ ] :‬الزّانَِي ُة وَالزّانِي فَاجِْلدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد ِمْنهُمَا‬
‫مِاَئةَ جَلْ َدةٍ [ ولكن اختلفوا ف تغريبه عاما ‪ ،‬فقالت النفية ‪ :‬ل يغرب لن التغريب زيادة‬
‫على ما ف القرآن والزيادة على القرآن نسخ ‪ ،‬وقال المهور ‪ :‬بل يغرب عاما كما ف‬
‫حديث عبادة ((البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام )) ‪ ،‬وزيادة التغريب ليست نسخا‬
‫لن الزيادة على النص ليست نسخا ‪ ،‬وهذا القول هو الراجح لصحة الديث وصراحته‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬القضاء بالشاهد واليمي ‪ ،‬فإن القرآن إنا أثبت ف الموال شهادة رجلي أو‬
‫رجل وامرأتي وذلك ف قوله تعال ‪ ] :‬وَا ْستَشْهِدُوا َشهِي َديْنِ مِنْ رِجَاِلكُمْ فَِإنْ لَ ْم َيكُونَا‬
‫رَ ُجَليْنِ فَ َرجُ ٌل وَامْ َرأَتَانِ [ فقال النفية ل يقضى بالشاهد واليمي لنا ل تذكر ف القرآن‬
‫وإنا ذكر ف القرآن ما تقدم فإثبات الكم بالشاهد واليمي زيادة على القرآن والزيادة‬
‫على النص نسخ ‪ ،‬وقال أكثر العلماء بإثباتا لصحة السنة با ‪ ،‬وهي وإن كانت زيادة‬
‫على ما ف القرآن لكن الزيادة على النص ليست نسخا عندنا ‪ ،‬وهذا القول هو الراجح‬
‫بل شك ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الرقبة ف كفارة اليمي ل يرد لا تقييد باليان ف قوله تعال ‪َ ] :‬ف َكفّا َرتُهُ‬
‫سوَُتهُمْ َأ ْو تَحْرِيرُ رََقَب ٍة‬
‫ط مَا تُ ْطعِمُونَ َأهْلِيكُمْ َأوْ كِ ْ‬
‫إِ ْطعَا ُم عَشَ َرةِ مَسَاكِيَ مِنْ َأوْسَ ِ‬
‫[ فالقرآن أطلق هذه الرقبة ‪ ،‬فقال النفية ‪ :‬ليس من شرط صحة العتق هنا اليان بل لو‬
‫أعتق رقبة كافرة صلح ذلك لن اليان وصف زائد على ما ف القرآن والزيادة على النص‬
‫نسخ ‪ ،‬وقال المهور ‪ :‬بل يشترط لصحتها اليان لقوله ‪(( :‬فأعتقها فإنا مؤمنة)) وقياسا‬
‫على كفارة القتل فإنه اشترط فيها اليان ‪ ،‬ولن ترير الؤمن من الرق أمر مقصود شرعا‬
‫ولذلك شرعت السراية والسعاية وأما الكافر فل فائدة ف تريره بل بقاؤه ف الرق هو‬
‫النسب بل سبب رقه كفره ‪ ،‬ولعل هذا القول هو القرب ‪ ،‬وعلى العموم فزيادة وصف‬
‫اليان هنا لو ثبت بذه الدلة فل يكون زيادة على النص بل بيان له وإن سلمنا أنه زيادة‬
‫فالزيادة على النص ليست نسخا ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الضمضة والستنشاق ‪ ،‬قال النفية ‪ :‬إنما سنة ف الوضوء وفرض ف‬
‫الغسل ‪ ،‬أما كونما سنة ف الوضوء فلن آية الوضوء ل تذكرها وإنا ذكرت العضاء‬
‫الربعة وأمّا الضمضة والستنشاق فقد ثبتا بالسنة الحادية ‪ ،‬فلو قلنا بأنما واجبان‬
‫كالعضاء الربعة لزدنا على القرآن والزيادة على النص نسخ ‪ ،‬وأيضا ‪ :‬يدل على أنما‬
‫سنة حديث " الضمضة والستنشاق سنة " ‪،‬وحديث " عشر من السنة " وذكر فيها‬
‫الضمضة والستنشاق ‪ ،‬وذهب النابلة وغيهم إل وجوبما بأدلة كثية يطول القام‬
‫بذكرها وقد استوفيتها ف شرح " أخصر الختصرات " تدل الناظر فيها أن الراجح هو‬
‫القول بوجوبما ‪ ،‬وأما قولم هي زيادة على آية الوضوء فل نسلمه بل ها بيان لقوله‬

‫‪62‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫تعال ‪ ] :‬فَاغْسِلُوا وُجُو َهكُمْ [ فهما من الوجه لدخولما ف حده ‪ ،‬وإن سلمنا أنما زيادة‬
‫فل ترد بذلك لن الزيادة على النص ليست نسخا ‪ ،‬وأما حديث " عشر من السنة "‬
‫فليس هكذا لفظه وإنا هو عند مسلم وغيه بلفظ " عشر من الفطرة " ‪ ،‬وإن سلمنا‬
‫لفظهم هذا فليس بالراد بالسنة ما تعارف عليه الفقهاء وإنا الراد به الطريقة والدي ‪،‬‬
‫والصطلحات الادثة ل تكون حاكمة على الدلة الشرعية ‪ ،‬وأما حديث " الضمضة‬
‫والستنشاق سنة " فقد رواه الدارقطن لكن سنده ل تقوم به حجة ‪ ،‬وقد ضعفه الافظ‬
‫ابن حجر وغيه ‪ ،‬فتبي لك بذلك أن الراجح هو القول بوجوبما وأن زيادتما إنا هي‬
‫زيادة بيانية ل ابتدائية ‪ ،‬والعجب كل العجب من النفية فإنم جعلوا الضمضة‬
‫والستنشاق فرضا ف الغسل فمن أين لم ذلك وليس معهم إل قوله تعال ‪َ ] :‬وإِنْ ُكْنتُمْ‬
‫ُجنُبا فَاطّهّرُوا [ ففي هذه الية إنا أمر بالتطهر وليس فيه ذكر للمضمضة والستنشاق‬
‫أفليست هذه زيادة على القرآن ؟ بلى ولكن ل يردوها وردوها ف الوضوء ‪ ،‬مع أن المر‬
‫ف الحاديث بالضمضة والستنشاق ف الوضوء من الصراحة والصحة والوضوح ما يعرفه‬
‫من وقف عليها ‪ ،‬ول أعلم دليلً واحدا من السنة يأمر بالضمضة والستنشاق ف الغسل ‪،‬‬
‫ومع ذلك رد الحناف الحاديث الصحيحة الصرية بجة أنا زيادة على القرآن وأثبتوا‬
‫شيئا ليس عليه دليل ل من السنة ول من القرآن ‪ ،‬بل الدليل على خلفه ‪ ،‬فإن القول‬
‫الصحيح أن الضمضة والستنشاق ف الغسل سنة وليست فرضا لديث أم سلمة عند‬
‫مسلم ‪ " :‬إن امرأة أشد شعر رأسي أفأنفضه لغسل النابة " ‪ ،‬وف رواية " واليضة "‬
‫قال ‪ (( :‬ل ‪ ،‬إنا يكفيك أن تثي على رأسك ثلث حثيات ث تفيضي الاء عليك‬
‫فتطهرين )) ول يأمرها بما وهي جاهلة وتأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪ ،‬لكن‬
‫المر انقلب عليهم رحهم ال رحة واسعة وغفر لم وتاوز عنهم ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ولعل ما توجنا به هذه القاعدة من الفروع يكفي إن شاء ال تعال ف فهمها ‪ ،‬وال‬
‫أعلم وصلى ال على نبينا ممد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة الثـامنـة‬
‫( ل تكليف على الكلف إل مع العلم والقدرة والختيار )‬
‫وهذه تسمى ‪ " :‬قاعدة التكليف " ‪ ،‬وهي من أكب القواعد الصولية لنا تتعلق‬
‫بالتكليف الذي هو مناط المر والنهي ‪ ،‬ذلك لن هذه الوامر والنواهي ل تتجه إل‬
‫للمكلف وهو إذا أطلق فالراد به العاقل البالغ ‪ ،‬وأما الجنون والصغي الذي ل يبلغ فليسا‬
‫بكلفي ‪ ،‬والشريعة كلها إما أمر بشيءٍ وجوبا أو استحبابا وإما ني عن شيءٍ تريا أو‬
‫كراهة ‪ ،‬فل شك إذا ف أهية هذه القاعدة ‪ ،‬وإليك الن شيء من تفصيلها فأقول ‪:‬‬
‫قوله (التكل يف) ل غة ‪ :‬إلزام ما ف يه كل فة ‪ .‬وا صطلحا ‪ :‬ف يه حدود أ سلمها إلزام‬
‫مقتضسى خطاب الشرع ‪ ،‬بعنس أن خطاب الشارع إمسا أمسر وإمسا نيس ‪ ،‬فخطاب المسر‬
‫الواجب له مقتضى أي يطلب شيئا ‪ ،‬فالتكليف هو إلزامك بذا القتضى ‪ ،‬وخطاب المر‬
‫الستحب إلزام لك بقتضاه وهكذا ‪ ،‬فليس التكليف هو عي الطاب ‪ ،‬وإنا التكليف هو‬
‫اللزام بقت ضى هذا الطاب أو بدللة هذا الطاب ‪ .‬وللتكل يف شروط تر جع للمكلف ي‬
‫وهم الثقلن ‪ ،‬وشروط ترجع للمكلف به أي الشيء الذي طلب منا فعله ‪ ،‬وهذه القاعدة‬
‫الت نن بصددها خاصة ف الشروط الت ترجع للمكلفي ‪ ،‬وأما الشروط الراجعة للفعل‬
‫الكلف به فلها موضع وبث آخر ‪.‬‬
‫قوله (مـع العلم) هـو لغـة ‪ :‬الدراك ‪ ،‬واصـطلحا ‪ :‬إدراك الشيسء مطابقا للواقسع‬
‫إدراكا جازما وضده الهل الذي هو عدم الدراك وهذا هو الهل البسيط ‪ ،‬وأما الهل‬
‫الركب فهو إدراك الشيء على غي وجهه وواقعه ‪.‬‬
‫قوله (والقدرة) هي ضد العجز وهي قوة يلقها ال ف النسان يستطيع با فعل ما‬
‫أمره به ‪ .‬قوله (والختيار) وضده الكراه ‪.‬‬
‫إذا عل مت هذا فاعلم ‪ :‬أن هذه القاعدة ج عت خ سة شروط من شروط الكلف ي‬
‫حت يترتب عليهم اللزام بالوامر والنواهي ‪ ،‬أي ل يدخل النسان ف دائرة الكلفي إل‬
‫بمسة شروط نصت عليها هذه القاعدة الباركة نذكرها بأدلتها وأمثلتها فأقول ‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬العقل ‪ ،‬وهو أول شروط التكليف وضده النون ‪ ،‬فالجنون ليس‬
‫بكلف للدليل الثري والنظري ‪ ،‬فأما الثري فقوله ‪ r‬ف الديث السن (( رفع القلم عن‬

‫‪64‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ثلثة ‪ ،‬عن الجنون حت يفيق … )) والراد رفع قلم التكليف الذي برفعه ترتفع الؤاخذة‬
‫على ترك الأمور وف عل الحظور ‪ .‬وأ ما النظري فلن الق صد من التع بد بالوا مر والنوا هي‬
‫ل يس هي صورة فعل ها وإن ا الق صد الول هو تق يق المتثال وإخلص الق صد ‪ ،‬وهذا‬
‫ل يتصور صدوره من الجنون لعدم عقله ‪ ،‬وهذا شرط واضح ‪.‬‬
‫الشرط الثا ن ‪ :‬البلوغ ‪ :‬وضده ال صغر ‪ ،‬فات فق العلماء جيعا على أن ال صغي غ ي‬
‫ف بفعل الأمور ول بترك الحظور ‪ ،‬واستدلوا على ذلك بالديث السابق‬
‫الميز ليس بكل ٍ‬
‫وف يه (( وعن الصغي ح ت يتلم )) واختلف العلماء ف ال صب الميز على أقوال ‪ :‬أولا ‪:‬‬
‫أنسه مكلف ‪ .‬ثانيهـا ‪ :‬أنسه غيس مكلف ‪ .‬ثالثهـا ‪ :‬أنسه مكلف بالنواهسي دون الوامسر ‪.‬‬
‫والصواب أنه ليس بكلفٍ مطلقا حت يبلغ وذلك لصراحة الديث ف تقييد رفع القلم عن‬
‫ال صغي إل البلوغ ولن تعل يق التكل يف على التمي يز تعل يق للحكام الشرع ية على ما هو‬
‫متفٍ متفاوت ل يعرف أوله ومن ربطه بالسبع سني فإنا ربطه للخروج من خفاء ابتدائه‬
‫فقال ‪ :‬نده بالسن ليكون أوضح لكن هذا ل يصح لوقوع التمييز عند بعض الصغار قبل‬
‫ال سبع وبعض هم ل ييزون إل ب عد ال سبع ‪ ،‬وذلك لن التمي يز كنور الف جر يبدو أوله ول‬
‫يكاد يرى ثس يزداد ازديادا خفيا ل تعرف درجاتسه حتس تسسفر الدنيسا فكذلك التمييسز ‪،‬‬
‫وتكليف الولياء براقبة أول التمييز تكليف با ل يطاق فوضع الشارع علمة جلية على‬
‫أول التكليف وهي البلوغ ‪ ،‬فإذا وجدت علمة من علمات البلوغ العروفة دخل النسان‬
‫ف حيز التكليف ‪.‬‬
‫وأما وجوب الزكاة وضمان التلفات ف مال الصب والجنون فإن هذا ليس من باب‬
‫التكل يف وإن ا من باب ربط الحكام بأ سبابا تقيقا للعدل ب ي الخلوق ي ‪ ،‬وأ ما قوله ‪r‬‬
‫((مروهم بالصلة)) فهذا يرج على أمرين ‪ :‬الول ‪ :‬أنه أمر للولياء ل الصغار ‪ ،‬والمر‬
‫بالمر بالشيء ليس أمرا به على الصحيح من خلف أهل الصول ‪ ،‬الثان ‪ :‬سلمنا أنه أمر‬
‫لل صغار بال صلة ولك نه أ مر ا ستحباب ليتعودوا علي ها ويعرفوا صفتها وأحكام ها وآداب ا‬
‫ل أنه أمر وجوب والصارف له هو حديث (( رفع القلم عن ثلثة )) والمع بي الدلة‬
‫هو الواجب إن أمكن ‪ ،‬فإن قلت فهل أمر الستحباب يعاقب عليه ؟‬

‫‪65‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫قلنا ‪ :‬نعم يعاقب عليه تعزيرا لنه أمر ليس كسائر الستحبات الت يستمر استحبابا‬
‫بل هو استحباب سينقلب بعد فترة إل واجب فعوقب عليه ليعظم قدره ف قلبه وليقر ف‬
‫قل به أ نه إن عو قب علي ها مع عدم وجوب ا عل يه فك يف إذا كلف ب ا فل شك أن العقو بة‬
‫ستكون أعظم ‪ ،‬فهذا التأديب على ترك الصلة داخل ف عموم قوله ‪ (( r‬ول ترفع عنهم‬
‫ع صاك أدبا )) وال هم ‪ :‬أن القول ال صحيح هو أن ال صغي ل يس بكل فٍ ح ت يبلغ ‪ .‬فإن‬
‫قلت ‪ :‬ف من أ ين أخذت هذ ين الشرط ي من القاعدة قلت ‪ :‬أخذنا ها من قول نا (مكلف)‬
‫لن الكلف عند الفقهاء هو العاقل البالغ وال أعلم ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬هو ما نص عل يه بقوله ( مع العلم ) أي أن التكال يف الشرع ية‬
‫ل تلزم إل بعد بلوغها وفهمها ‪ ،‬أي إذا علمها الكلف طولب با ‪ ،‬وأما إذا كان الكلف‬
‫يهلهسا فإنسه ل يطالب باس ‪ ،‬فالهسل عذر فس سسقوط التكليسف عسن الكلف أي أن قلم‬
‫التكل يف مرفوع ع نه ف ارتكا به للمحظور وتر كه للمأمور ب سبب ال هل ‪ ،‬و قد دل على‬
‫ذلك أدلة أثرية ونظرية ‪.‬‬
‫أما الثرية ‪ :‬فقوله تعال ] ل يُكَلّ فُ اللّ ُه َنفْ سًا إِل وُ ْس َعهَا [ وقال تعال ]ل ُيكَلّ فُ‬
‫حمّلْنَا مَا ل طَاَقةَ لَنَا بِ هِ[ ومطال بة الكلف‬ ‫اللّ ُه َنفْ سًا إِل مَا آتَاهَا[ وقال تعال ] َربّنَا وَل تُ َ‬
‫بشريعةٍ يهل ها تكل يف ب ا ل يطاق ‪ ،‬وقال تعال ] وَمَا ُكنّ ا ُمعَ ّذبِيَ َحتّ ى َنبْعَ ثَ رَ سُول‬
‫[ وقال تعال ] لُنذِرَ ُك ْم بِ هِ َومَ ْن بَلَ غَ [ ‪ ،‬وكذلك يدل عليه حديث السيء صلته فقد‬
‫كان يهل وجوب الطمأنينة ف الصلة فلما علّمه النب ‪ r‬وجوبا ل يأمره بإعادة ما مضى‬
‫من ال صلوات مع أن ا داخلة ف قوله (( فإ نك ل ت صل )) لن ال صلوات ال سابقة كهذه‬
‫الصلة الت حكم عليها بذا الكم بدليل قوله (( ما أحسن غيه فعلمن )) فلما ل يأمره‬
‫بإعادة مسا مضسى مسن الصسلوات دل ذلك على أنسه عذره لنسه جاهسل ل يعلم وجوب‬
‫الطمأنينة ما يدل على أن التكاليف الشرعية ل تلزم إل بالعلم ‪.‬‬
‫ومنه حديث عمار ف التيمم وأنه ترغ ف الصعيد كما تتمرغ الدابة وهذا ليس هو‬
‫التي مم الشر عي فكأ نه صلى بل طهارة وع مر كان م عه ول ي صل فل ما رج عا إل ال نب ‪r‬‬
‫وأ خباه ب ي ل ما الكم ال صحيح ول يأ مر عمارا بقضاء ما صله بذه الطهارة ول يأ مر‬
‫ع مر ب صلة ما فا ته م ا يدل على أن م معذورون ب سبب جهل هم وعدم علم هم بال كم‬

‫‪66‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫خيْ ُ‬
‫ط‬ ‫الشرعي ‪ .‬وف حديث عدي بن حات أنه لا نسزل قوله تعال ‪َ ] :‬حتّى َيتََبيّ نَ َلكُ ْم الْ َ‬
‫جرِ [ ع مد إل عقال ي فوضعه ما ت ت و ساده فج عل‬ ‫ط الَ ْسوَ ِد مِ ْن اْلفَ ْ‬
‫خيْ ِ‬
‫ض مِ ْن الْ َ‬
‫الَْبيَ ُ‬
‫يأكسل وينظسر إليهمسا فإذا الصسبح قسد طلع أي أكسل فس نار رمضان عامدا ‪ ،‬ثس اسستفت‬
‫رسول ال ‪ r‬فأخبه بالصواب ول يأمره بقضاء هذا اليوم ما يدل على أنه معذور وسبب‬
‫عذره هسو الهسل وعدم العلم ‪ .‬وأيضا لاس حولت القبلة فإن بعسض النواحسي البعيدة بسل‬
‫والقري بة من الدي نة ل ي صلهم خب التحو يل إل ب عد صلواتٍ كثية إل القبلة الن سوخة ‪،‬‬
‫فإذا كان أهل قباء ل يصلهم الب إل متأخرا فما بالك بأهل مكة والسلمي ف اليمن بل‬
‫ومن ف البشة ومع ذلك فلم يأمر النب ‪ r‬أحدا بقضاء شيء من ذلك ما يدل على أنم‬
‫معذورون وسبب العذر عدم العلم ‪ ،‬والدلة كثية جدا وهي تدل على قاعدتي مهمتي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ما نن بصدده وهو أن التكاليف الشرعية ل تلزم إل بالعلم ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن الناسخ ل يلزم إل بالعلم ‪.‬‬
‫وأ ما الدل يل النظري فإن ال ل ير يد بعباده الع سر وإن ا ير يد ب م الي سر ومطالبت هم‬
‫بشريعة ل يعلمونا هو من العسر والرج وها مرفوعان شرعا ‪.‬‬
‫إذا عل مت هذا فاعلم أ نه قد أورد علي نا ب عض النبلء الفضلء سؤالً مهما قال‬
‫ف يه ‪ :‬ك يف تقولون إن ال هل عذر م سقط للمؤاخذة ف ف عل الحذور وترك الأمور وأن‬
‫النسان إذا فوت مأمورا جاهلً به أنه ل يلزمه تداركه ‪ ،‬مع أنكم قررت ف موض عٍ آخر‬
‫أن باب الأمورات ل ي سقط بال هل والن سيان ‪ ،‬فك يف تقولون مرة ال هل عذر م سقط‬
‫للتكليف ث تعودون فتقولون ليس الهل عذرا ف باب الأمورات ؟‬
‫فنقول ‪ :‬هذا سؤال مهم والواب عنه أن تفرق أيها الحب بي الهل الذي يعذر‬
‫صاحبه والذي ل يعذر به صاحبه ‪ ،‬وقد اختلف العلماء ف التفريق بينهما والراجح عندي‬
‫وال أعلم أن ر فع ال هل من الحكام الشرع ية ال ت مناط ها ال ستطاعة فال هل الذي ل‬
‫يعذر صاحبه هو الهل الذي عنده قدرة على رفعه بالسؤال والبحث لكنه فرط ف رفعه‬
‫وتكاسل وتثاقل عن سؤال أهل العلم أو أشغلته الدنيا عن الدين ففرط ف السؤال والبحث‬
‫فصاحب هذا الهل ل يعذر أبدا ‪ .‬والهل الذي يعد عذرا وم سقطا للتكليف هو ذلك‬
‫الهل الذي ل قدرة للمكلف على رفعه فهو يريد أن يرفعه لكن ل استطاعة له ف رفعه‬

‫‪67‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ل وإما لنه بعيد عنهم ل يقدر على الوصول إليهم ‪ .‬وإما لنه يظن‬
‫إما لعدم العلماء أص ً‬
‫صواب نفسه – وهو ما يسمونه الهل الركب – فهذا النوع من الهل هو الذي نعنيه‬
‫ف قول نا (ل تكل يف مع ال هل) ف من ف عل شيئا من الحرمات جاهلً حرمت ها فل إ ث‬
‫عليه ‪ ،‬ومن ترك شيئا من الواجبات جاهلً وجوبا فل إث عليه بل ول قضاء عليه إذا فات‬
‫وقت الواجب قبل العلم‪.‬‬
‫وأ ما قول نا (الأمورات ل ت سقط بال هل) فإن نا نع ن به ال هل الذي ل يعذر به‬
‫ل بوجوباس نن ظر إن كان جهلً يعذر به فل قضاء‬‫صاحبه ‪ ،‬ف من ترك ال صلة مثلً جاه ً‬
‫عليه ‪ ،‬وإن كان جهلً ل يعذر به فيلزمه القضاء ‪ ،‬والهل الذي يعذر به صاحبه هو الراد‬
‫بقول ب عض أ هل العلم ‪( :‬ومثله ي هل) فإذا قالوا هذه العبارة فاعلم أن م يعنون به ال هل‬
‫الذي يعذر به صاحبه ‪ ،‬وأما باب التروك فإنه أخف بكثي من باب الأمورات ولذلك قالوا‬
‫(وباب التروك يسقط بالهل) أي ولو كان ل يعذر به صاحبه وهذا من باب التخف يف‬
‫فمن فعل شيئا من الحرمات جاهلً برمتها جهلً ل يعذر به ث علم حرمتها فل إث عليه‬
‫لنه فعل الحظور جاهلً ‪ ،‬وهذا أحد الوجه الت با حكمنا أن باب الأمورات أشد من‬
‫باب التروك ‪ .‬هذا هو جواب السؤال ‪ ،‬فإن قلتَ ‪ :‬فما حكم العلم إذا ؟‬
‫قلتُ ‪ :‬العلم أقسام فمنه ما يكون فرضا على كل أحد ‪ ،‬ومنه ما يكون سنة ‪ ،‬ومنه‬
‫ما يكون فرضا على الكفاية ونقصد به العلم الشرعي فقط لنه هو الذي يتعلق بالتكليف‬
‫فأما الفرض منه فالضابط فيه هو كل علم يتاج إليه الكلف ف عقيدته وعبادته ومعاملته‬
‫ف هو فرض ‪ ،‬أي الذي ل ت صح العقيدة إل به ول ت صح العبادة إل به ‪ ،‬ف هو الفرض ذلك‬
‫لن طلب صحة العقيدة والعبادة واجب "وما ل يتم الواجب إل به فهو واجب" وما زاد‬
‫على ذلك فهو ف حق عموم المة فرض كفاية ‪ ،‬وف حق الفراد سنة ‪ ،‬وبذا يتبي لك‬
‫أن التكاليف الشرعية من شرط لزومها العلم وهو الشرط الثالث ‪.‬‬
‫والشرط الرابع ‪ :‬هو ما أشار إليه بقوله (والقدرة) أي أن التكاليف الشرعية ل تلزم‬
‫إل القادر على فعلها ‪ ،‬وأما العاجز فل يلزمه ما عجز عنه وهذا من رحه ال تعال أن كل‬
‫ما عجزت عنه يسقط عنك ‪ ،‬فلله المد والنة ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ّهس َنفْسسا إِل‬ ‫ّفس الل ُ‬


‫والدليسل على اشتراط القدرة فس التكليسف قوله تعال ] ل يُكَل ُ‬
‫حمّ ْلنَا مَا ل طَاَقةَ َلنَا بِ هِ [ فالذي كلفنا ال به هو ما كان داخلً ف‬ ‫وُ ْسعَهَا [ ] َرّبنَا وَل تُ َ‬
‫و سعنا وطاقت نا ‪ ،‬و ما كان خارجا عن الو سع والطا قة فل سنا مكلف ي به ‪ ،‬فإذا كان ال‬
‫ل يكلف نف سا إل و سعها إذا ما ل يس ف و سعها ل تكلف به ‪ ،‬وقال تعال ] يُرِيدُ اللّ هُ‬
‫ص َرهُ ْم وَا َلغْل َل الّتِي كَانَ تْ‬
‫بِكُ ُم اْليُ سْ َر وَل يُرِي ُد ِبكُ ُم اْلعُ سْرَ [ وقال ] َوَيضَ ُع َعنْهُ مْ إِ ْ‬
‫عََلْيهِ مْ [ والطالبة بالتكليف مع العجز من العسر الذي ل يريده ال ومن الغلل والصار‬
‫ت مَ نْ‬
‫ال ت وضع ها ال عن هذه ال مة الرحو مة ‪ ،‬وقال تعال ] وَلِلّ ِه عَلَى النّا سِ حِجّ الَْبيْ ِ‬
‫ا سْتَطَاعَ إَِليْ هِ َسبِيلً [ فاشترط له ال ستطاعة م ا يدل على أن غ ي ال ستطيع و هو العا جز‬
‫ل يب عليه الج وكذلك سائر التكاليف ‪ ،‬وقال النب صلى ال عليه وسلم (( ما نيتكم‬
‫عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم )) فيدخل ف قوله ((وما أمرتكم به ))‬
‫جيع ما أمرنا به لن (ما) اسم موصول يفيد الستغراق أي جيع ما أمرتكم به فإنكم‬
‫تطالبون منسه بالذي تسستطيعونه ‪ ،‬وأمسا مسا عجزتس عنسه فل تطالبون بسه ‪ ،‬فعلق الأمور‬
‫بالستطاعة وهي القدرة ‪.‬‬
‫ويدل على اشتراطها أيضا ما ف البخاري من حديث عمران بن حصي أن النب ‪r‬‬
‫قال له ‪ (( :‬صسل قائما ‪ ،‬فإن ل تسستطع فقاعدا ‪ ،‬فإن ل تسستطع فعلى جنسب )) فانظسر‬
‫كيف تدرج معه ف مراتب الستطاعة فالقيام ف الصلة فرض يطالب به من يستطيعه ‪،‬‬
‫وأما العاجز عنه فل يطالب وينتقل إل اللوس إن استطاعه وإل فعلى النب ‪ ،‬ومثله أيضا‬
‫ف الدللة حد يث جابر أن ال نب ‪ r‬عاد مريضا فرآه ي صلي على و سادة فر مى باس وقال‬
‫(( صسل على الرض إن اسستطعت وإل فأومسئ إيا ًء واجعسل سسجودك أخفسض مسن‬
‫ركوعك )) وسنده صحيح ‪.‬‬
‫ويدل عليها أيضا ما ف الصحيحي من حديث عائشة ف قصة صلة النب ‪ r‬بالناس‬
‫وهسو مريسض قالت ‪ (( :‬فجاء حتس جلس عسن يسسار أبس بكسر فكان يصسلي بالناس‬
‫قاعدا … )) الديث ‪ ،‬فلما عجز عن القيام سقطت عنه الطالبة به ما يدل على أن سائر‬
‫التكاليف إنا تلزم القادر عليها وأما غي القادر فل شيء عليه ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وأ ما الشرط الا مس ف هو ما أشار إل يه بقوله (والختيار) وضده الكراه ‪ ،‬أي أ نه‬
‫ل يعاقسب النسسان على ترك الأمور وفعسل الحظور إذا كان مكرها ليسس بختارٍ لذلك ‪،‬‬
‫فإذا حُمل النسان على شيءٍ من ذلك سقط عنه التكليف فيكون فعله ل حكم له ‪.‬‬
‫والدليـل على ذلك أثري ونظري ‪ ،‬فأمـا الثري فقوله تعال ] مَن ْس َكفَرَ بِاللّهِس مِن ْس‬
‫َبعْدِ إِيَانِ هِ إِل مَ نْ أُكْرِ َه وَقَ ْلبُ ُه مُطْ َمئِنّ بِالِيَا نِ [ فأجاز ال تعال الن طق بكل مة الك فر مع‬
‫اطمئنان القلب بسبب الكراه ول يرتب عليه حكما بالكفر لن الناطق با ف هذه الالة‬
‫ليس بكلف ‪ ،‬وسبب نسزولا صريح ف ذلك ‪ ،‬وقال النب ‪ (( r‬إن ال تعال تاوز عن‬
‫أمت الطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وهو صحيح صريح ف الراد ‪.‬‬
‫وأما النظري ‪ :‬فلن فعل الكرَه – بالفتح – ل ينسب ف القيقة له ‪ ،‬وإنا ينسب‬
‫إل الكرِه – بالكسسر – لنسه هسو الذي حله على هذا القول أو الفعسل فكيسف يعاقسب‬
‫الن سان ب ا ل يس من فعله حقي قة ‪ ،‬ف صار م ض العدل الربا ن أن يتجاوز عن الكلف إذا‬
‫فعل ما أُكره عليه ‪.‬‬
‫إذا علمست هذا فاعلم أن الشهور عنسد النابلة هسو التفريسق بيس الكراه اللجسئ‬
‫والكراه غي اللجئ ‪ ،‬ول دليل على هذا التفريق بل كل ما يدخل ف مسمى الكراه يعد‬
‫عذرا من العذار السقطة للتكليف وذلك لن الدلة ل تفصّل وتفرّق بي إكراه وإكراه ‪،‬‬
‫بل وردت مطل قة والطلق ل يوز تقييده بب عض أفراده إل بدل يل ول دل يل ‪ ،‬ث اعلم أن‬
‫بعضهم ذكر إشكا ًل على اشتراط الختيار وقال ‪ " :‬بل النسان مكلف حت مع الكراه‬
‫" واستدل بديث طارق بن شهاب عند أحد بسند حسن ف قصة الذي دخل النار ف‬
‫الذباب الذي قر به لل صنم وأ نه ما قر به إل مكرها و مع ذلك د خل النار م ا يدل على أ نه‬
‫مكلف إذ لو ل يكن مكلفا لا استوجب النار ‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬هذا إيراد قوي يتاج إل جواب ‪ ،‬و قد ف صلنا أجوب ته ف كتاب " تلق يح‬
‫الفهام " ونعيده هنا باختصار فنقول ‪ :‬قد ذكر العلماء عن هذا الشكال عدة أجوبة ‪:‬‬
‫من ها ‪ :‬أن الد يث ضع يف ل نه من روا ية طارق بن شهاب و هو تاب عي ومر سل‬
‫التابعسي ضعيسف فل يكون معارضا للقرآن وصسحيح السسنة ‪ ،‬وتُعقّب بأن الصسحيح أن‬

‫‪70‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫طارق بن شهاب صحاب من صغار ال صحابة وحدي ثه مر سل صحاب ‪ ،‬وال صواب أن‬
‫مراسيل الصحابة مقبولة ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬أن الرجسل قرب الذباب للصسنم تعبدا ل فرارا مسن الكراه ‪ ،‬والدلة إناس‬
‫أجازت قول الكفسر وفعله بشرط ثبات القلب على اليان ‪ ،‬وتُعق ّب بأن هذا أمسر قلبس‬
‫ل يعلمه إل ال ‪ ،‬والظاهر يدل على أنه ما قرب إل لا ألزموه بذلك ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أن الكراه على الك فر ل يوز ف يه الف عل وإن ا القول ف قط و سبب ال ية‬
‫صريح ف ذلك وهذا الر جل ف عل الك فر و هو الذ بح ‪ ،‬والرخ صة إن ا جاءت ف القول ‪،‬‬
‫وتُعقّب بأن ال ية وردت ب صيغة العموم و هي وإن وردت على سببٍ خاص ل كن ال عبة‬
‫بعموم اللفظ ل بصوص السبب ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬أن الكراه ل يكون عذرا إل إذا كان ملجئا وأمسا غيس اللجسئ فل يكون‬
‫عذرا ‪ ،‬والذي قرب ذبابا ل ي صل إل حد الكراه الل جئ ‪ ،‬لن م قالوا له ‪ " :‬قرب ولو‬
‫ذبابا " أي ل يدافع هم ول ياول مع هم بل ا ستجاب ل م مباشرة ‪ ،‬فإكرا هه ل يس إكراها‬
‫ملجئا ‪ ،‬وتُعقّب بأن هذا التفريسق ل أصسل له بسل الدلة وردت مطلقسة ثس لو سسلمنا هذا‬
‫التقسيم فإن هذا الرجل علم منهم أنم صادقون ف تديدهم وسينفذون ما هددوه به إن ل‬
‫يفعل بدليل أنم قتلوا الخر لا أب التقريب ‪ ،‬فظاهر هذا الكراه أنه ملجئ ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬أن هذا الرجسل الذي دخسل النار إناس دخلهسا لكفره ل لنسه قرب ذبابا ‪،‬‬
‫وتُعقّب بأن الظاهر هو أنه كان مسلما وأنه ما دخل النار إل بسبب هذا التقريب لنه قال‬
‫(( فقرب ذبابا فدخل النار )) فقرن الكم بالفاء بعد وصفٍ ‪ ،‬وإذا قرن الكم بالفاء بعيد‬
‫ف فيكون هذا الوصف هو علة الكم ‪ ،‬لنه لو ل يكن لقوله " فقرب ذبابا " تأثي ف‬ ‫وص ٍ‬
‫قوله " فدخسل النار " لكان هذا التعليسق عبثا مسن الكلم ولغوا ‪ ،‬وكلمسه ‪ r‬ل لغسو فيسه‬
‫ول عبث ‪ .‬فإن قلتَ ‪ :‬فما الواب ؟‬
‫أقول ‪ :‬إن أ سلم الجو بة ف نظري أن هذا إن ا كان ف شرع من قبل نا فالرجلن‬
‫اللذان قص النب ‪ r‬قصتهما ليسا من هذه المة الرحومة وإنا من المم السابقة ‪ ،‬فكان‬
‫من شريعت هم عدم جواز الك فر مع الكراه بل الوا جب ال صب ح ت الوت ‪ ،‬ث جاءت‬
‫شريعت نا بلف ذلك فأجازت الن طق بكل مة الك فر مع الكراه ‪ ،‬والشرائع ال سابقة شرائع‬

‫‪71‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫س ينسسخه ‪،‬‬ ‫لنسا مسا ل يرد ن سخها فس شريعتنسا ‪ ،‬وهذا الفرع الذكور ورد فس شريعتنسا م ا‬
‫والدل يل على ذلك أن غالب الحاد يث ال ت في ها " خرج رجلن " " خرج ثل ثة ن فر " "‬
‫كان فيمن كان قبلكم " كل هذه القصص الت يقصها النب ‪ r‬على أصحابه كانت غالبا‬
‫ف المم السابقة ‪ ،‬ويندر أن تكون القصة ف هذه المة ‪ ،‬والعبة بالكثي الشائع ل بالقليل‬
‫النادر ‪.‬‬
‫وإذا ل يسلم لنا هذا الواب فنقول ‪ :‬سلمنا أنه ف هذه المة لكن كان ف بداية‬
‫السلم ث نسخ ‪ ،‬فإن الشريعة ف بدايتها كانت ل تقوم إل على أفراد قلئل فلو أجيز لم‬
‫النطق بكلمة الكفر مع الكراه لتلشت ف بدايتها لكن هذا الحذور زال بكثرة الداخلي‬
‫ف السلم ‪.‬‬
‫فهذان الوابان ها أسلم الجوبة والعتراضات عليها قليلة ضعيفة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وبذا تكون شروط الكلف ليثبت عليه التكليف إجالً خسة ‪ :‬العقل ‪ ،‬والبلوغ‬
‫والعلم والقدرة والختيار ‪.‬‬
‫واعلم أن التكل يف ك ما أن له شروطا فله أيضا موا نع ‪ ،‬وموان عه هي بعين ها نق يض‬
‫شروطه فالعقل شرط والنون مانع ‪ ،‬والبلوغ شرط والصغر مانع ‪ ،‬والعلم شرط والهل‬
‫مانع ‪ ،‬والقدرة شرط والعجز وعدم الستطاعة مانع ‪ ،‬والختيار شرط والكراه مانع ‪.‬‬
‫هذا هو م مل الكلم عن هذه القاعدة ‪ ،‬وأ ما فروع ها ف هي كثية جدا ل ح صر‬
‫لا ونذكر بعضها من باب التنبيه على ما ل يذكر فأقول ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أصحاب الفترة ‪ ،‬وهم الذين وجدوا بعد خفاء شريعة النب الول وقبل بعثة‬
‫نب آخر ‪ ،‬كمن وجد بي عيسى وممد عليهما الصلة والسلم فإن شريعة عيسى عليه‬
‫السلم ف هذه الفترة حرفت واندثر كثي منها وكثر الهل ف الناس فما حكم من مات‬
‫ف هذه الفترة ؟ الواب ‪ :‬القول ال صحيح ف ح كم أ صحاب الفترة هو ما دلت عل يه‬
‫الدلة ال صحيحة من الكتاب وال سنة ‪ ،‬هو أ نه ل عذاب علي هم إل بالمتحان والختبار ‪،‬‬
‫لقوله تعال ] َومَا ُكنّا ُمعَ ّذبِيَ َحتّى َنبْعَثَ رَسُولً [ وهم ماتوا قبل بعثة الرسول ‪ ، r‬وقال‬
‫تعال ] لُنذِرَ ُك ْم بِ هِ َومَ ْن بَلَ غَ [ وهم ل تبلغهم النذارة لوتم قبل بعثة النذير ‪ ،‬وللحديث‬
‫ال صحيح ف احتجاج الن فر الرب عة على ال وقبول حجت هم وذ كر من هم ال نب ‪ (( r‬من‬

‫‪72‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫مات ف الفترة )) وأنه يقول لربه (( رب ل تبعث ل رسولً )) فقبل ال حجته ‪ ،‬فبعث‬
‫ل م رسو ًل وأ جج ل م نارا ث يقول " ادخلو ها " ف من دخل ها ف قد أطاع و من امت نع ف قد‬
‫أ ب ‪ ،‬وهذا الد يث صحيح صريح ف أن م يتحنون ف عر صات يوم القيا مة ح ت تقوم‬
‫عليهم الجة ‪ .‬وبه تعلم أن أصحاب الفترة لم عندنا حكمان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أننا نعاملهم ف الدنيا معاملة من مات على الكفر ف عدم جواز الستغفار‬
‫لم وعدم تغسيلهم ودفنهم ف مقابر السلمي وهكذا ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أما ف الخرة فنعتقد أنم يتحنون ف عرصاتا وال أعلم با كانوا عاملي‬
‫فل نزم لح ٍد منهسم بنةٍ ول نار إل مسن شهدت الدلة له بذلك ‪ ،‬فممسن شهدت الدلة‬
‫أ نه من أ هل النار والد ال نب ‪ ، r‬فإن ال نب ‪ r‬قال للر جل الذي سأله عن أب يه (( أبوك ف‬
‫النار )) فول الرجل باكيا فدعاه فقال (( إن أب وأباك ف النار )) رواه مسلم ‪.‬‬
‫فل عبة با يردده مرفو الصوفية الضالون من أن ال أحيا له أبويه فأسلما فإنه من‬
‫خرافاتم وموضوعاتم – قبحهم ال – ومرد القرابة ل تغن شيئا إذا ل يكن معها إيان‬
‫بال وحده وعمل صال ‪ ،‬فابن نوح مات كافرا ‪ ،‬ووالد إبراهيم مات كافرا وهو ف النار‬
‫ط ونو حٍ من أ هل النار ك ما ف سورة التحر ي ‪،‬‬‫ك ما ف الديث ال صحيح ‪ ،‬وزو جة لو ٍ‬
‫فقرابة الصالي ل تنفع إن ل يكن معها إيان وعمل صال ‪.‬‬
‫وأ ما أ مه ‪ r‬فلم يأت دل يل يش هد أن ا من أ هل النار وإن ا ورد الدل يل بنه يه عن‬
‫ال ستغفار ل ا ‪ ،‬ومرد الن هي عن ال ستغفار ل يدل على أن ا من أ هل النار لن نا ذكر نا‬
‫سابقا أن نا نعا مل أ صحاب الفترة ف الدن يا معاملة الشرك ي فل يوز ال ستغفار ل م ‪،‬‬
‫والقصود أن أصحاب الفترة ف الخرة ل يعذبون إل بعد إقامة الجة عليهم ف عرصات‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬لنه ل تكليف إل بعلم ول عقوبة إل بعد إنذار ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬من ن شأ ف بادي ٍة بعيدةٍ عن العلم والعلماء أو أ سلم حر ب ف دار حرب‬
‫ول قدرة له على الجرة ول يعرف شرائع السسلم فترك الصسلة وشرب المسر ثس علم‬
‫بالكم بعد ذلك فإنه ل يلزمه قضاء ما فات من الصلوات ول إث عليه ول حد ف شربه‬
‫للخمر لنه يهل الكم فيها ومثله يهل ول تكليف إل بعلم ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬اختلف العلماء مت تقوم الجة على الكلف ‪ ،‬هل هو ببلوغها ؟ أم ببلوغها‬
‫وفهمهسا ؟ فيسه قولن ‪ ،‬والصسواب منهمسا أن الجسة ل تقوم على الكلف إل بالمريسن ‪:‬‬
‫ببلوغهسا وفهمهسا ‪ ،‬وقسد ذكرت الدلة على ترجيسح هذا القول وبينست أن اللف بينهسم‬
‫لف ظي ف كتاب " البا حث الل ية " ‪ .‬والراد تر يج هذا اللف على القاعدة وبيا نه أن‬
‫يقال ‪ :‬ان ظر ك يف اشترط العلماء لقيام ال جة على الكلف أن يعلم ال كم الشر عي م ا‬
‫يدل على أن العلم شرط ف التكليف فل تكليف إل بعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬من ف عل شيئا من الحرمات – أيّا كان هذا الحرم – و هو ي هل حرم ته‬
‫فل إث عليه ول حد ‪ ،‬كمن ارتكب مبطلً من مبطلت الصلة كالكلم و الكل ونوها‬
‫أو ف عل شيئا من مظورات الحرام – أيا كان – من جا عٍ أو حل قٍ أو ع قد نكا حٍ ‪ ،‬أو‬
‫ب ونوها ‪ ،‬وهو يهل الكم الشرعي‬ ‫ارتكب شيئا من مظورات الصيام من أكلٍ وشر ٍ‬
‫س فإنسه ل شيسء عليسه ‪ ،‬فالصسلة صسحيحة والصسوم صسحيح ول فديسة عليسه فس فعسل‬ ‫فيه ا‬
‫مظورات الحرام ‪ ،‬و من ف عل الحلوف عل يه جاهلً أ نه هو الحلوف عل يه ‪ ،‬فل ح نث‬
‫عل يه ول كفارة ‪ ،‬كل ذلك ل نه جا هل ل يعلم ال كم الشر عي في ها أو جاهلً بقي قة‬
‫الحلوف عليه فلم يتعمد الخالفة ‪ ،‬ول تكليف إل بعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختلف العلماء هل الكفار ماطبون بالفروع أو ل ؟‬
‫والصواب أنم مكلفون با إذ ليس من شروط التكليف السلم ‪ ،‬بل السلم شرط‬
‫لل صحة ل للوجوب ‪ ،‬فالفروع ت ب عليهم ل كن ل ت صح من هم إل بال سلم ‪ ،‬كالصلة‬
‫تب على الكلف ولو كان مدثا لكن ل تصح منه إل بالطهارة الشرعية ‪.‬‬
‫فإن قل تَ ‪ :‬فما علقة هذا الفرع بالقاعدة ؟ قل تُ ‪ :‬لن القاعدة تتكلم عن شروط‬
‫التكليسف وهسي العلم والعقسل والبلوغ والقدرة والختيار ‪ ،‬فإذا تققست هذه المور فس‬
‫الكافر وجب عليه التكليف ومرد كفره ل يعد مانعا من موانع التكليف ‪ ،‬فهذه القاعدة‬
‫تدل على رجحان القول بتكليفهم وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أن قاعدة ( ل وا جب مع الع جز ول مرم مع الضرورة ) فرع من هذه‬
‫القاعدة فكل واجبات الشريعة تسقط مع العجز كالقيام ف الفريضة والركوع والسجود‬
‫كل ذلك ي سقط إذا ع جز الن سان عن التيان به ‪ ،‬وإن قدر على الب عض وع جز عن‬

‫‪74‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫البعض سقط عنه ما عجز عنه ووجب عليه ما قدر عليه ‪ ،‬وقد شرحنا هذه القاعدة ف‬
‫" تلقيح الفهام " ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬أن الريسض الذي ل يرجسى برؤه والكسبي الذي ل يسستطيع الصسوم فإن‬
‫وجوب الم ساك ي سقط عنه ما وينقلن إل البدل و هو الطعام لن ال صوم ل ي ب إل‬
‫على القادر إذ ل تكليف إل مع القدرة ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬إذا أكره الكلف على ب يع ماله بغ ي حق فل ي صح الب يع ل نه مكره ‪ ،‬ولو‬
‫أكره على طلق زوج ته وع تق عبده فل ي قع الطلق ول العتاق ل نه مكره فأقواله وأفعاله‬
‫ل ح كم ل ا ل نه ل تكل يف إل باختيار ‪ ،‬و من صور الكراه أن يُ سْحَ َر ليطلق ‪ ،‬فإن من‬
‫طلق بسبب السحر فإن طلقه ل يقع لوجود الكسراه وهسو اختيار أب العباس ابن تيمية‬
‫فإنه قال ‪ " :‬وإن سحره ليطلق فإكراه " ‪.‬‬
‫والفروع كثية جدا وفي ما م ضى كفا ية ‪ ،‬وب ا تعرف أه ية هذه القاعدة الوا سعة‬
‫فعليك أن تراجعها وأن تكثر السؤال عن ما أشكل فيها لنا من أهم القواعد الصولية‬
‫على الطلق لتعلقها بالكمة من خلقنا وهو العبادة ‪.‬‬
‫وال أعلم وصلى ال على نبينا ممد‬

‫‪75‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة التاسـعة‬
‫(العبة فيما رواه الراوي ل فيما رآه عند التعارض)‬

‫اعلم _ أرشدك ال لطاع ته – أن الراد بالراوي ه نا هو ال صحاب ‪ ،‬فال صحابة هم‬


‫الواسطة بي رسول ال ‪ r‬ومن بعده ‪ ،‬فهم النقلة لحكامه وأخباره وأحواله ‪ ،‬فالواجب‬
‫قبول روايت هم إن صحت ف سندها إلي هم ‪ ،‬هذا هو ال صل ول يتلف ف ذلك علماء‬
‫السلم ف الملة ‪،‬ولكن ما الكم إذا روى لنا الصحاب حديثا فيه أمر أو ني ث هو ‪t‬‬
‫عمل بلفه أي عمل بلف ما رواه ‪ ،‬فأيهما نقدم حينئذٍ ؟ أنقدم روايته وندع رأيه له ؟‬
‫أم نقدم رأيه وندع روايته ؟ هذا هو ما تبحثه هذه القاعدة ‪ ،‬ولكن قبل الواب لبد من‬
‫ذكر من تفصيل مهم ف هذه السألة فأقول ‪:‬‬
‫إن الصحاب إذا روى شيئا فل يلو ‪ :‬إما أن يعمل با يوافقه ‪ ،‬وإما أن يعمل بلفه‪،‬‬
‫فإن عمل با يوافقه فل إشكال ‪ ،‬بل ف هذه الالة يكون عمله مفسرا للحديث إن كان‬
‫فس الديسث مسا يتاج إل تفسسي ‪ ،‬وعلى ذلك قال العلماء ‪ :‬إنسه إذا فسسر الديسث بعدة‬
‫تفاسي ومن بي هذه التفاسي تفسي راويه ‪ ،‬فإن تفسي الراوي للحديث مقدم على كل‬
‫تف سي ‪ ،‬لن الراوي أدرى وأعلم ب ا روى من غيه ‪ ،‬وهذه الالة ل تد خل مع نا ف هذه‬
‫القاعدة ‪ ،‬لنسه حينئذٍ ل تعارض بيس عمله وروايتسه وننس اشترطنسا فس القاعدة وجود‬
‫التعارض ‪ ،‬الالة الثانيسة ‪ :‬أن يروي شيئا ثس يعمسل بلفسه كأن يروي لنسا أمرا ثس هسو ل‬
‫يعمل به ‪ ،‬أو يروي لنا نيا فيعمله هو ‪ ،‬أي يعمل بلف ما يروي فحينئذٍ حصل عندنا‬
‫تعارض بي روايته الت يرفعها للنب ‪ r‬وبي عمله هو ‪ ،‬فأيهما يقدم ؟‬
‫أقول ‪ :‬هذا هو ب يت الق صيد و قد اختلف أ هل العلم ف ذلك ‪ ،‬فذ هب النابلة ف‬
‫الشهور عن هم والشافع ية إل أن ‪ :‬العت مد هو رواي ته ل رأ يه ‪ ،‬فرأ يه له ‪ ،‬ورواي ته ل نا ‪،‬‬
‫وذهب النفية إل أن ‪ :‬العتمد رأيه ل روايته ‪.‬‬
‫والقاعدة ال ت ن ن ب صدد شرح ها خر جت مواف قة لقول النابلة والشافع ية ل نه هو‬
‫القول الراجح ‪ ،‬فالقول الراجح أنه ‪ :‬إذا تعارض رأي الراوي وروايته فالعبة إنا هي فيما‬
‫روى ل فيما رأى ‪ ،‬والدليل على هذا الترجيح عدة أشياء ‪:‬‬

‫‪76‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫منها ‪ :‬أن الجة إنا هي ف قول النب ‪ r‬وفعله ل ف قول أحدٍ من الناس وفعله مهما‬
‫كان صحابيا أو غيه ‪ ،‬و هو قد ن قل ل نا قول الشارع أو فعله وع مل بل فه ‪ ،‬فال جة‬
‫ليست ف عمله وإنا فيما نقله عن الشارع ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أن ال صحاب ل ا ع مل بلف ما رواه ول يبي ل نا م ستند هذا الع مل من‬
‫الدلة ‪ ،‬كان عمله بن سزلة ع مل الجت هد الذي ل يعارض به قول ال نب ‪ r‬وفعله ‪ ،‬إذ أن‬
‫عمل الجتهد إنا يقبل إذا كان موافقا للدلة ل مالفا لا ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن الصحاب ليس بعصوم فيجوز عليه الطأ والغفلة عن روايته أو نسيانا‬
‫أو اعتقاد معارضٍ راج ٍح لا ‪ ،‬وأما الرواية فهي خب العصوم الذي ل يوز عليه الطأ ول‬
‫الغفلة ول الضطراب ف أمور التشريع فكيف تترك الرواية عن العصوم ويُقدّم عليها عمل‬
‫غي العصوم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أن نا سوف ن سأل يوم القيا مة ‪] :‬ماذا أجب تم الر سلي[ أي ك يف قابل تم‬
‫أمر هم وني هم ‪ ،‬ولن ن سأل عن متاب عة أحدٍ من الناس ‪ ،‬ولذلك سنسأل يوم القيا مة عن‬
‫متابعة الرواية ل عن متابعة الرأي ‪ ،‬فكيف يقدم الكلف الشيء الذي لن يسأل عنه على‬
‫الشيء الذي سيسأل عنه ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬أننسا مأمورون بتابعسة النسب ‪ r‬فس أقواله وأفعاله أمسر وجوب فس بعضهسا‬
‫واستحبابٍ ف بعضها ‪ ،‬ولسنا مأمورين بتابعة أحدٍ من الناس – أيا كان – إل فيما وافق‬
‫الشريعة ولذلك أقوال الجتهدين إنا يلزم متابعتها إذا كانت موافقة للشريعة ‪ ،‬فكيف نقدم‬
‫رأي من لسنا مأمورين باتباعه على هدي من أمرنا باتباعه والقتداء به ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن أقوال الصحابة وأفعالم على القول بأنا حجة كما هو القول الصحيح ‪،‬‬
‫إن ا تكون ح جة إذا ل تالف ما هو أقوى من ها من ع مل الشارع أو فعله ‪ ،‬فإذا خال فت‬
‫وجب اطراحها ول يوز قبولا ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن العلماء اشترطوا ليكون قول الصحاب أو فعله حجة أن ل يالفه صحاب‬
‫آ خر ‪ ،‬فإذا كان قبول قوله وفعله متوقفا على عدم معار ضة صحاب مثله فك يف إذا كان‬
‫قوله وفعله معارضا بقول رسسول ال ‪ r‬أو فعله ‪ ،‬لشسك أن قوله وفعله حينئذٍ ليسس بجةٍ‬
‫فكيف يقدم رأيه على روايته ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنهـا ‪ :‬أن الصسحابة رضوان ال عليهسم اشتسد نكيهسم جدا على مسن خالف‬
‫الديث ‪ ،‬من غي تفريق بي أن يكون الخالف هو الراوي أو غيه ‪ ،‬والوقائع كثية جدا‬
‫ويكفيك فيها قول ابن عباس لا رأى الناس يأخذون بقول أب بك ٍر وعمر ف إنكار التعة‬
‫الت ثبتت عن العصوم باللفظ الصريح قال قولته الشهورة ‪ " :‬يوشك أن تنسزل عليكم‬
‫حجارة من ال سماء أقول قال ر سول ال ‪ ، r‬وتقولون قال أ بو بك ٍر وع مر " ‪ ،‬ول ا روى‬
‫بعضهسم حديسث النهسي عسن الذف لنس رآه يذف ‪ ،‬ثس ل ينسسزجر وخذف فقال له ‪:‬‬
‫" أحدثسك عسن رسسول ال ول تنتهسي ‪ ،‬وال ل كلمتسك أبدا " ‪ ،‬ولاس حدث عمران بسن‬
‫حصي بديث (الياء خي كله) قال بشي بن سعد إننا ند ف بعض الكتب أو الكمة أن‬
‫منه سكينة ومنه ضعف ‪ ،‬فغضب عمران حت احرت عيناه وقال له ‪ " :‬أل أران أحدثك‬
‫عن رسول ال ‪ r‬وتعارض فيه " ‪ ،‬ولا حدث ابن عمر أن النب ‪ r‬قال ‪ (( :‬ل تنعوا إماء‬
‫ال مساجد ال )) قال ابنه بلل وال لنعهن ‪ ،‬فأقبل عليه عبد ال فسبه سبا عنيفا بسبب‬
‫هذه الخالفة وقال ‪ " :‬أحدثك عن رسول ال ‪ r‬وتعارض فيه " ‪.‬‬
‫والوقائع كثية يف يد مموع ها الجاع على النكار على من خالف حد يث ر سول‬
‫ال ‪ r‬من غي تفريق بي الراوي وغيه ‪ ،‬إذا نستفيد من هذا أن من خالف الديث فإنه‬
‫يشدد فس النكار عليسه سسواءً كان الراوي أو غيه ‪ ،‬ومسا أنكسر الصسحابة على الخالفيس‬
‫للحديث إل لرمة الديث وعظم مالفة السنة ‪ ،‬فكيف نقدم رأي الراوي على روايته ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أن الراوي ل ا ع مل بلف رواي ته ل يكذب رواي ته ‪ ،‬أي ل ي قل ‪ :‬إن ما‬
‫رويته ليس بصحيح ‪ ،‬فهو ل يتعرض لروايته بالبطال ‪ ،‬وعمله بلفها من غي تكذيب لا‬
‫ح فيها ‪ ،‬فيطلب له العذر ف مالفة روايته لكن مع بقاء روايته ‪ ،‬فالرواية ليست‬
‫ليس بقاد ٍ‬
‫هي الته مة ح ت نر مي ب ا ‪ ،‬وإن ا الت هم هو ع مل الراوي ف هو الذي يطلب له العذر ‪.‬‬
‫فيقال ‪ :‬إنه عمل بلفها نسيانا أو غفلةً أو لظنه عدم وجوب العمل با أو لوجود معارضٍ‬
‫لا ف ظنه هو ‪ ،‬أو لعتقاده أنا نسخت وكل هذه الظنون والعتقادات تكون خاصة به‬
‫مزومس باس ول يلزم قبولاس ‪ ،‬لكسن تبقسى عندنسا روايتسه سسالة عسن جيسع‬
‫ٍ‬ ‫هسو ‪ t‬غيس‬
‫العتراضات ‪ ،‬قالا وهو جازم بصحتها معتقد لا ‪ ،‬فوجب تقديها على عمله بلفها لن‬
‫عمله يرد عل يه احتمالت كثية ‪ ،‬وبذا ي تبي لك صحة هذه القاعدة اله مة ‪ ،‬ل كن قال‬

‫‪78‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫النفية ‪ :‬ل يكن أبدا أن نظن بالصحابة ظن السوء مثلكم ‪ ،‬فإن الصحابة عدول مأمونون‬
‫ف عملهم ونقلهم ‪ ،‬ل يتصور منهم معارضة ما يروونه إل لعلمهم بوجود ناسخٍ لا رووه‪،‬‬
‫هم قد اطلعوا عليه لكنهم ل ينقلوه اكتفاءً بعملهم بلف روايتهم ‪ ،‬فنقلوا الرواية بالقول‬
‫ونقلوا النا سخ لاس بالع مل ‪ ،‬هذا هسو الواجسب ظنسه ف ال صحابة ‪ ،‬فإنمس عدول ل يوز‬
‫الب حث عن عدالت هم فإذا خالفوا روايت هم فل بد من هذا التخر يج وإل لرجوا عن حد‬
‫العدالة الوج بة لرد ج يع روايت هم والب حث عن العدل ل م ‪ ،‬كذا قالوا – ويشكرون على‬
‫هذا الظن بالصحابة – كما هي عادة النفية فإنم من أشد الناس تعظيما للصحابة ‪ ،‬ومن‬
‫أكثسر الفقهاء ردا للحاديسث الصسحيحة ‪ ،‬فجزاهسم ال خيا على الول ‪ ،‬وعفسا عنهسم‬
‫وسامهم ف الثانية ‪ ،‬و من الذي قال لكم أيها النفية الحبة والعلماء النبلء ‪ ،‬من الذي‬
‫قال ل كم أن ال سألة ال ت بين نا وبين كم ل ا تعلق بعدالة ال صحابة ‪ ،‬فإن نا وال ل شد الناس‬
‫ح فيهم إذا قلنا نعمل با ثبت عن رسول ال ‪ r‬الذي‬ ‫تزكية لم واعتقادا لعدالتهم وأي قد ٍ‬
‫نقلوه لنا هم ‪ ،‬أو ليس ف هذا تعظيم لروايتهم وتصديق لم وتبئة لم عن الكذب والغفلة‬
‫ف الروا ية ‪ ،‬فإن تقد ي روايت هم على رأي هم من أع ظم التزكيات ل م ‪ ،‬فإن ن سبة الغفلة‬
‫وال طأ لفعل هم أي سر بكث ي من ن سبة الغفلة وال طأ لروايت هم ‪ ،‬ث من الذي قال ل كم أن‬
‫عمل هم بل فه ل بد أن يكون لوجود نا سخ اطلعوا عل يه ول ينقلوه فإن هذا ف يه اتام ل م‬
‫بكتسم شيسء مسن العلم ول يكفسي نقله بجرد العمسل فكيسف تتوفسر هتسه لنقسل النسسوخ‬
‫ول تتوفر هته لنقل الناسخ مع أن المة تتاج إل معرفة الناسخ أشد من حاجتها لعرفة‬
‫ح ب عد هذا القدح ‪ ،‬فإن قل تم ‪ :‬ل عل ال صحاب غ فل عن ن قل النا سخ ‪،‬‬ ‫الن سوخ ‪ ،‬أي قد ٍ‬
‫فنقول ‪ :‬عالتم الزلة بعل جٍ قد فررت منه ‪ ،‬فإنكم قلتم ‪ :‬نقدم رأيه لنه ل يكن أن يغفل‬
‫عن روايته فلم يعمل با إل لوجود ناسخ ‪ ،‬ث قلتم ل ينقل الناسخ لنه غفل عنه ‪ ،‬فإذا‬
‫كنتم سترجعون للغفلة فهل قلتم من بادئ ال مر أنه عمل بلف روايته نسيانا أو غفلة‬
‫عن ها وارت تم وأرح تم ‪ ،‬فلماذا تعارضون ف غفل ته ون سيانه ث ترجعون تعللون عدم نقله‬
‫للناسخ بأ نه غ فل ع نه أو ظن أن غيه ينقله أو اطلع عل يه وع مل به ون سيه ؟ ما الو جب‬
‫لذلك كله ؟ وما أوقعكم ف ذلك إل لظنكم التلزم بي القدح ف الصحاب وبي العمل‬
‫بلف رواي ته ‪ ،‬فإن كم تعتقدون أن ال صحاب إذا ع مل بلف رواي ته فإ نه فا سق فذهب تم‬

‫‪79‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫تبحثون عن مرج ي فك ل كم هذا التلزم ‪ ،‬والواب أ نه تلزم با طل فإن مال فة الد يث‬
‫ن سيانا وغفلةً أو لعتقاد العارض الرا جح لي ست بقاد حة ف الراوي ول غيه وإن ا يكون‬
‫الف سق في من خالف الد يث عنادا بل عذ ٍر ‪ ،‬وهذا هو الذي نن سزه ال صحابة ع نه ‪ ،‬أ ما‬
‫مالفتهم ن سيانا أو لعتقاد الن سخ أو لعتقاد العارض الرا جح كل هذا موجود وله وقائع‬
‫كثية ‪ ،‬فلماذا حصرت أنفسكم ف أنه ما خالف روايته إل لتعمده الخالفة ث قلتم ‪ :‬كيف‬
‫بال صحاب أن يالف رواي ته متعمدا ؟ فقل تم ‪ :‬إ نه اطلع على نا سخ ل نطلع عل يه فخالف‬
‫روايتسه مسن أجله ‪ ،‬أمسا ننس فنقول ‪ :‬إن مالفتسه لروايتسه لاس عدة احتمالت منهسا واحسد‬
‫مرفوض رفضا باتا وبقية الحتمالت ورادة ‪:‬‬
‫فأ ما الحتمال الرفوض ‪ :‬أن يكون خالف ها عنادا وت كبا وبغضا للع مل ب ا ‪ ،‬فهذا‬
‫والعياذ بال ل يكن أن يتصوره مسلم يؤمن بال ورسوله ‪.‬‬
‫وأما الحتمالت القبولة فهي أنه خالفها غفلة عنها ‪ ،‬أو أنه خالفها نسيانا لا ‪ ،‬أو‬
‫معارضس راجسح لاس فهذه‬
‫ٍ‬ ‫أنسه خالفهسا لعتقاده وجود مسا ينسسخها أو خالفهسا لعتقاده‬
‫الحتمالت مقبولة واردة ‪ ،‬لكن ليست بقادحةٍ ف أصل الرواية بل هي باقية على حجيتها‬
‫ووجوب العمل با ‪.‬‬
‫إذا تبي لك أن ال عبة والعتداد إن ا هو ف الروا ية ل ف الرأي العارض ‪ ،‬إذا‬
‫علمت هذا فإليك بعض الفروع على هذه القاعدة حت يتضح لك كيفية العمل با ‪،‬‬
‫ويتبي لك طريقة إنـزالا على الفروع ‪:‬‬
‫فمن الفروع ‪ :‬ما رواه أبو هريرة مرفوعا (( إذا ولغ الكلب ف إناء أحدكم فليغسله‬
‫سبعا أول هن بالتراب )) فذ هب ا بن عباس وعروة بن الزب ي وم مد بن سيين وطاووس‬
‫وعمرو بن دينار والوزاعي ومالك والشافعي وأحد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود‬
‫وغيهم من العلماء إل أن الواجب ف غسل ناسة الكلب سبع غسلت لصحة حديث‬
‫أب هريرة وصراحته ف ذلك صراحةً ل مزيد عليها ‪ ،‬وذهب النفية إل أن السبع غسلت‬
‫سنة وإنا الواجب ثلث ‪ ،‬واستدلوا با رواه الطحاوي والدارقطن موقوفا على أب هريرة‬
‫‪ " t‬أنه يغسل من ولوغه ثلث مرات " وهو الراوي لديث السبع وقد عمل بلفه فيقدم‬
‫رأيه على روايته ‪ ،‬فتكون ال سبع من باب الستحباب والثلث من باب الوجوب ‪ ،‬لكن‬

‫‪80‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ال صواب هو ما ذ هب إل يه جهور أ هل العلم من أن الوا جب ف نا سة الكلب سبع‬


‫غسلت ‪ ،‬ول عبة بفعل أب هريرة لنه مالف لروايته وإذا تعارض رأي الراوي وروايته‬
‫فإننسا نقدم روايتسه وندع رأيسه له ‪ ،‬فانظسر كيسف اختلفوا فس هذا الفرع الفقهسي بسسبب‬
‫خلفهسم فس هذه القاعدة ‪ ،‬فالنفيسة قدموا الرأي ‪ ،‬والمهور قدموا الروايسة ‪ ،‬ورجحنسا‬
‫بينهم بقتضى هذه القاعدة ‪.‬‬
‫والذي ير جح السبع أيضا أنه قد روى الت سبيع غ ي أ ب هريرة كع بد ال بن الغفل‬
‫وغيه ‪ ،‬وأيضا ما يرجح التسبيع أن أبا هريرة نفسه أفت بالتسبيع وهي من رواية حاد بن‬
‫زيد عن أيوب عن ابن سيين عنه وهذا من أصح السانيد ‪ ،‬وأما الفتوى بالثلث فهي من‬
‫روا ية ع بد اللك بن أ ب سليمان عن عطاء ع نه و هو دون الول ف القوة بكث ي ‪ ،‬قاله‬
‫الافظ ف الفتح ‪ ،‬وأيضا ل حجة لحدٍ مع قول النب ‪ ، r‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬رفع اليدين ف الصلة ‪ ،‬فقد اتفق العلماء على مشروعية رفع اليدين عند‬
‫ت كبية الحرام نقله النووي وا بن ع بد الب وا بن حزم وغي هم ‪ ،‬ل كن اختلفوا ف رفعه ما‬
‫عند الركوع والرفع منه وبعد التشهد الول ‪ ،‬فذهب المهور وأكثر العلماء إل أن السنة‬
‫الر فع وا ستدلوا بد يث ا بن ع مر ف ال صحيحي قال ‪ " :‬رأ يت ال نب ‪ r‬ير فع يد يه حذو‬
‫من كبيه إذا افت تح ال صلة وإذا كب للركوع وإذا ر فع رأ سه من الركوع رفعه ما كذلك "‬
‫وأ ما رفعه ما ب عد القيام من التش هد ف قد رواه ع نه البخاري ‪ ،‬و عن علي ع ند أح د وأ ب‬
‫داود بلفظ ‪ " :‬وإذا قام من السجدتي رفع يديه كذلك وكب " ‪ ،‬وعن أب حيد الساعدي‬
‫عند المسة إل النسائي بلفظ ‪ " :‬حت إذا قام من السجدتي كب ورفع يديه حت ياذي‬
‫ب ما منكبيه ك ما صنع ح ي افتتح ال صلة " فقال المهور بذه السنة أي بالرفع ف هذه‬
‫الواطن الربعة عند تكبية الحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من الركعتي‬
‫ف الرباعية أو الثلثية ‪ ،‬وأما النفية فقالوا ‪ :‬ل يسن الرفع إل ف تكبية الحرام فقط دون‬
‫غيها‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن حديث ابن عمر الذي رويتموه ف الصحيحي ل نأخذ به لن راويه‬
‫عمل بلفه فإن ابن عمر كان ل يرفع يديه إل ف التكبية الول ‪ ،‬ما يدل على أن روايته‬
‫من سوخة ‪ ،‬وإذا تعارض رأي الراوي ورواي ته فإن نا – أي النف ية – نقدم رأ يه وا ستدلوا‬

‫‪81‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫بغي ذلك ‪ ،‬وجيع الحاديث الرفوعة والوقوفة الت استدلوا با ضعيفة بل بعضها موضوع‬
‫ولول خوف الطالة لذكرتا ‪ ،‬والذي يعنينا هنا احتجاجهم بالقاعدة ‪.‬‬
‫إذا علمت هذا فالراجح ولشك هو قول المهور وذلك لعتمادهم على الحاديث‬
‫الصحيحة الصرية ف إثبات هذه السنة ‪.‬‬
‫وأما عمل ابن عمر بلف روايته فيجاب عنه بأمرين ‪ :‬الول ‪ :‬ل نسلم أنه عمل‬
‫بلف روايته بل الثابت عنه أنه عمل با فقد روى البخاري والنسائي وأبو داود عن نافع‬
‫أن ابن عمر كان إذا دخل ف الصلة كب ورفع يديه ‪ ،‬وإذا ركع رفع يديه ‪ ،‬وإذا قال سع‬
‫ال لن حده رفع يديه ‪ ،‬وإذا قام من الركعتي رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إل النب ‪r‬‬
‫وأي صراحة غي هذه الصراحة ف أنه عمل بروايته ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬سلمنا أنه عمل بلفها فإنه وإن عمل بلفها فالقدم هو الرواية ورأيه له ‪t‬‬
‫لا قدمنا لك من القاعدة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬النكاح بغي ول ‪ ،‬فقد ذهب جاهي أهل العلم – رحهم ال تعال – إل‬
‫أن الرأة ل يوز ل ا أن تزوج نف سها بغ ي إذن ولي ها وا ستدلوا على ذلك بد يث عائ شة‬
‫مرفوعا وهسو حديسث صسحيح ‪ (( :‬أياس امرأةٍ نكحست نفسسها بغيس إذن وليهسا فنكاحهسا‬
‫با طل )) وبد يث أ ب مو سى مرفوعا ‪ (( :‬ل نكاح إل بول )) وذ هب ال سادة النف ية –‬
‫غفر ال لم وتاوز عنهم – إل أنه يوز للمرأة أن تزوج نفسها بل ول ‪ ،‬واستدلوا على‬
‫ذلك بثلثة أدلة ‪ :‬الول ‪ :‬حديث (الي أحق بنفسها من وليها) أي لا أن تزوج نفسها‬
‫بدون الرجوع إليه – كذا فهموا الديث ‪ ، -‬الثان ‪ :‬قياس النكاح على الال ‪ ،‬فكما أن‬
‫ل ا أن تت صرف ف مال ا ب ا أرادت كيف ما أحبت بل إذن ولي ها فكذلك ل ا أن تنكح من‬
‫شاءت م ت شاءت بل إذن ولي ها ‪ ،‬الثالث ‪ - :‬و هو ب يت الق صيد – أن حد يث عائ شة‬
‫الذي رويتموه ل نقبله لن راوي ته – ر ضي ال عن ها – قد عملت بل فه فإن ا ر ضي ال‬
‫عنها ثبت عنها أنا زوجت ابنة أخيها حفصة بنت عبد الرحن بالنذر بن الزبي من غي‬
‫إذن وليها لنه كان غائبا ‪ ،‬فقد روى مالك ف الوطأ عن عبد الرحن بن القاسم عن أبيه‬
‫عن عائشة رضي ال عنها أنا زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحن بالنذر بن الزبي ‪،‬‬
‫وع بد الرح ن غائب بالشام ‪ ،‬فل ما قدم ع بد الرح ن قال ‪ :‬ومثلي يفتات عل يه ف بنا ته ؟‬

‫‪82‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فكل مت عائ شة ر ضي ال عن ها النذر بن الزب ي فقال ‪ :‬إن ذلك ب يد ع بد الرح ن ‪ ،‬وقال‬


‫عبد الرحن ‪ :‬ما كنت لرد أمرا قضيته ‪ ،‬فاستمرت حفصة عند النذر ‪ ،‬ول يكن طلقا‬
‫فقسد عملت عائشسة بلف مسا روت ‪ ،‬وإذا تعارض الرأي والروايسة قدمنسا الرأي – كذا‬
‫قالوا – والراجسسح بل شسك هسو قول جاهيس أهسل العلم لصسراحة الحاديسث الكثية‬
‫ف ذلك ‪.‬‬
‫وأما حجج النفية فإنا خيالت باطلة وليست بجج ‪:‬‬
‫فأ ما الول ‪ :‬فالراد من الد يث أن الث يب ل بد أن ت صرح برضا ها وي سمع الول‬
‫أمرها ول يكتفي بسكوتا ‪ ،‬وأما البكر فإذنا صمتها ‪ ،‬هذا هو الراد (بالي) أي الثيب ‪،‬‬
‫ث لو سلمنا لم ما قالوه لكان ذلك مقصورا على الي فلماذا يقولون يوز للبكر أيضا أن‬
‫تزوج نفسها مع أن الديث إنا ورد فيه الي ‪.‬‬
‫وأما الثانية ‪ :‬فقياس مع الفارق فمسائل الفروج ل تقاس على الال ‪ ،‬فإن الال يوز‬
‫بذله من غ ي عوض والفرج ل ‪ ،‬والال يوز إهداؤه والن ظر له م ن ل ي ل له والفرج ل ‪،‬‬
‫فالقياس مع الفارق باطل ‪.‬‬
‫وأما الثالثة – وهي ما يعنينا ‪ : -‬أن هذا الديث الذي رويتموه إن صح عن عائشة‬
‫ر ضي ال عن ها فل ح جة ف يه لن ال عبة ب ا روت ل ب ا رأت ‪ ،‬فاجتهاد ها ل ا وروايت ها‬
‫للمة ‪ ،‬على أنه قد قيل إنا إنا اختارت الزوج ولكن الذي تول العقد غيها ‪ ،‬وعلى كل‬
‫حال فإذا تعارض رأي الراوي وروايته فالجة فيما روى ل فيما رأى ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬رضاع ال كبي هل ين شر الر مة أم ل ؟ أي إذا أرض عت لبن ها صبيا فوق‬
‫السسنتي أو بالغا فهسل تكون أما له مسن الرضاع أم ل ؟ فيسه خلف والمهور على أن‬
‫الرضاع الحرم هو ما كان ف الول ي أو ق بل الفطام ‪ ،‬لد يث عائ شة ر ضي ال عن ها ‪:‬‬
‫" إن ا الرضا عة من الجا عة " ‪ ،‬وحد يث أم سلمة مرفوعا (( ل يرم من الرضا عة إل ما‬
‫ف تق المعاء وكان ق بل الفطام )) رواه الترمذي ‪ ،‬و عن جابر مرفوعا ‪ (( :‬ل رضاع ب عد‬
‫فصال )) فهذه الحاديث تقضي أن الرضاع العتب هو ما كان قبل الفطام ‪ ،‬وذهب عروة‬
‫بن الزبي وعائشة وعطاء بن أب رباح والليث بن سعد وابن علية والظاهرية – ويروى عن‬

‫‪83‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫علي – إل أن رضاع الكبي معتب ينشر الرمة ‪ ،‬واستدلوا على ذلك بقصة سال مول أب‬
‫حذيفة ‪.‬‬
‫ف عن زي نب ب نت أم سلمة قالت ‪ :‬قالت أم سلمة لعائ شة ‪ :‬إ نه يد خل عل يك الغلم‬
‫الي فع الذي ما أ حب أن يد خل عل ّي ‪ ،‬فقالت عائ شة ‪ :‬أ ما لك ف ر سول ال ‪ r‬أ سوة‬
‫ح سنة ‪ ،‬وقالت ‪ :‬إن امرأة أ ب حذي فة قالت ‪ :‬يا ر سول ال إن سالا يد خل عل يّ و هو‬
‫ر جل و ف ن فس أ ب حذي فة م نه ش يء ‪ ،‬فقال ‪ (( r‬أرضع يه ح ت يد خل عل يك )) رواه‬
‫مسلم وهذه القصة دليل على أن رضاع الكبي معتب ناشر للحرمة ‪ ،‬لكن أجاب المهور‬
‫عنه بأجوبة من ها ‪ :‬أنه من سوخ ‪ ،‬ومنها أنه مصوص بسال مول أب حذيفة ولذلك أ ب‬
‫سائر أزواج ال نب ‪ r‬قبول ذلك وإن ا كانوا يرو نه رخ صة ل سال ل تتعداه ‪ ،‬والراد هو أن‬
‫تعرف أمرا مهما وهو أن عائشة روت لنا حديث (( إنا الرضاعة من الجاعة وكان قبل‬
‫الفطام )) ث خال فت روايت ها برأي ها الب ن على هذه الق صة فكا نت ترى أن رضاع ال كبي‬
‫معتب ‪ ،‬فعندنا روايتها معارضة لرأيها ‪ ،‬فكان الذي ينبغي للحنفية الكرام أن يأخذوا برأيها‬
‫ويدعوا روايت ها جريا على أ صلهم ‪ ،‬لكن هم هذه الرة عك سوا ال مر فإن م أخذوا بروايت ها‬
‫وتركوا رأيها ‪ ،‬فقالوا ب ا قال به المهور من أن رضاع ال كبي ل يرم ‪ ،‬وعللوا مالفت هم‬
‫ل صلهم بأن م يقبلون رأي الراوي الخالف لرواي ته إذا ل يعرف لرأ يه سببا ول م ستندا ‪،‬‬
‫أما إذا عرفوا أنه خالف روايته لستن ٍد واضح فإنم ينظرون ف هذا الستند هل يصلح أن‬
‫تعارض به الرواية أو ل ؟ وهنا عائشة رضي ال عنها روت لنا النع من رضاع الكبي ث‬
‫أجازت رضاع الكبي ‪ ،‬فنظروا إل رأيها هذا فوجدوه مستندا لقصة سال مول أب حذيفة‬
‫فلم يروا صوابا ف هذا الرأي فتركوا رأي ها وأخذوا بروايت ها ل كن أ صلهم يعملون به إذا‬
‫ل يظهر لرأي الراوي مستند فيقولون لعله اطلع على الناسخ‪ ،‬إما إذا ظهر له مستند فإنم‬
‫ينظرون ف صلحية هذا الستند‪.‬‬
‫والراجح ف هذا الفرع وال أعلم ‪ :‬أن الصل أن الرضاع إنا يكون قبل الفطام لكن‬
‫من تق قت ف يه ضرورة الدخول على بي تٍ آ خر وك ثر ذلك الدخول وح صل من دخوله‬
‫الرج فنقول لحداهن ‪ :‬أرضعيه حت ترمي عليه ‪ ،‬فرضاع الكبي معتب عند الضرورة ‪،‬‬
‫واختار هذا القول الش يخ ت قي الد ين والشوكا ن ‪ ،‬وذلك لق صة سال فتكون هذه الق صة‬

‫‪84‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫م صصة لعموم (( إن ا الرضا عة من الجا عة وكان ق بل الفطام )) وم صصة لد يث (( ل‬


‫رضاع إل ف الولي )) وهذا القول مذهب وسط بي من منع رضاعه مطلقا وبي من‬
‫أجازه مطلقا ‪ ،‬وبه تتآلف الدلة ‪ ،‬ول يوز دعوى التخصيص بل برهان لن الصل عدم‬
‫التخصيص بل الكم لشخ صٍ حكم لميع أفراد المة إل بدليل مصص ‪ ،‬وقول أزواج‬
‫ال نب ‪ r‬إ نه خاص ب سال ‪ ،‬معارض بقول عائ شة ‪ ،‬فالرا جح هو إعمال الدلة كل ها ول‬
‫يكن إعمالا إل با رجحنا لك ‪.‬‬
‫إذا علمت هذا فاعلم أن هذا الفرع مع التحقيق والنظر الدقيق ل يدخل تت هذه‬
‫القاعدة الت نن بصدد التفريع عليها وبيان ذلك أن عائشة رضي ال عنها روت حديث‬
‫(( إنا الرضاعة من الجاعة )) ث خالفته ‪ ،‬لكن مالفتها لروايتها ليس برأيها وإنا خالفت‬
‫روايت ها اعتمادا على ن صٍ آ خر والقاعدة عند نا إناس تكون في من خالف مرويسه برأيسه ل‬
‫بروي آخر ‪ ،‬وإنا ذكرت هذا الفرع لن بعض الؤلفي ف فروع القواعد الصولية ذكره‬
‫فأحببت التنبيه عليه وال أعلم‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أن عليا ‪ t‬روى ل نا قول ال نب ‪ (( r‬الؤمنون تتكا فأ دماؤ هم و هم يد على‬
‫من سواهم وي سعى بذمت هم أدنا هم أل ل يق تل مؤ من بكا فر ول ذو عهدٍ ف عهده ))‬
‫والذي نريده هو قوله (( أل ل يق تل مؤ من بكا فر )) ف هو نص على أن ال سلم ل يق تل‬
‫بالذمي ‪ ،‬فهذه روايته وقد تأيدت هذه الرواية بديث أب جحيفة قال ‪ :‬سألت عليا هل‬
‫عندكم شيء من الوحي ليس ف القرآن ؟ فقال ‪ :‬ل والذي فلق البة … إل أن قال ‪:‬‬
‫" وأل يقتل مسلم بكافر " وهو عند البخاري ‪ ،‬فهذه روايته وذهب لا دلت عليه جهور‬
‫أهل العلم ‪ ،‬لكن يشكل على هذه الرواية أن راويها الذي هو أمي الؤمني علي ‪ t‬عمل‬
‫بلف ها وذلك في ما رواه ال طبان أن عليا ‪ t‬أ ت برجلٍ من ال سلمي ق تل رجلً من أ هل‬
‫الذمسة فقامست عليسه البينسة فأمسر بقتله فجاء أخوه – أي أخسو القتول – فقال ‪ :‬إنس قسد‬
‫عفوت ‪ ،‬قال ‪ :‬لعلهم هددوك وفرقوك وقرعوك ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ولكن قتله ل يردّ عل يّ أخي‬
‫وعرضوا ل ورضيت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت أعلم ‪ ،‬من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا "‬
‫فان ظر للفرق ب ي رواي ته الول ورأ يه فل شك ت د بينه ما تعارضا ‪ ،‬ولذلك أ خذ النف ية‬
‫بأ صلهم التقرر فقدموا رأ يه على رواي ته فقالوا ‪ :‬ال سلم إذا ق تل ذميا قُ تل ‪ ،‬ووافق هم على‬

‫‪85‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ذلك الشعب والنخعي وغيها ‪ ،‬لكن لشك أن الراجح هو قول جهور أهل العلم من أن‬
‫السلم ل يقتل بالكافر وهو عام ف الذمي والرب ‪ ،‬وأما رأيه فيجاب عنه بأجوبة ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن سنده ضع يف فإن فيه أ با النوب ال سدي و هو ضع يف الد يث ك ما‬
‫قاله الدارقطن ‪ .‬الثان ‪ :‬أنه معارض بثله لن أمي الؤمني عليا ‪ t‬أفت بأن ل يقتل مسلم‬
‫بكافرٍ ‪ .‬الثالث ‪ :‬أ نه وإن سلمنا صحة رأ يه ول يس معارضا بثله فإن العت مد عند نا هو‬
‫رواي ته ل رأ يه لن رأ يه ي عد اجتهادا م نه واجتهاد ال صحاب ل يس بجةٍ إذا خالف نص‬
‫العصوم ‪ r‬فإذا تعارض رأي الراوي وروايته فالعتمد هو الرواية ل الرأي ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ال سنة ف ال سفر ق صر الرباع ية ركعت ي ‪ ،‬بل لو قل نا أن الق صر وا جب ل ا‬
‫أبعدنا وذلك لديث عائشة ف الصحيحي (( فرضت الصلة ركعتي فأتت صلة الضر‬
‫وأقرت صلة السفر على الول )) فإن قيل فقد ثبت عن عائشة رضي ال عنها أنا أتت‬
‫ف السفر ‪ ،‬قلنا ‪ :‬العبة ف روايتها ل رأيها ‪ ،‬فروايتها لعموم المة ورأيها لا وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬لب الفحل هل ينشر الرمة ف أقاربه أو ل ؟ وصورة السألة إذا رضعت‬
‫صبية من امرأة لا زوج هذا اللب انعقد بسببه – أي بسبب وطئه – فإنم اتفقوا على أن‬
‫هذه الرض عة أم لل صبية وأن أولد الرض عة إخوة لذه ال صبية من الرضاع ‪ ،‬واتفقوا أيضا‬
‫أن هذا الزوج يكون أبا لذه ال صبية من الرضاع ‪ ،‬ث اختلفوا هل يكون أ خو الزوج عما‬
‫لذه ال صبية من الرضاع ؟ ولو تزوج هذا الزوج امرأة أخرى غ ي ال ت أرضعت ها وجاءت‬
‫بأولد فهل يكونون إخوانا لذه الصبية من الب ؟ هذا هو الراد بقولنا " هل لب الفحل‬
‫ينشر الرمة ف أقاربه أو ل ؟ " فذهب جهور أهل العلم إل أنه ينشر الرمة أي يكون‬
‫أقارب الزوج من النسب أقارب لذه الصبية من الرضاعة ‪ ،‬فأخوه عمها وأبناؤه من كل‬
‫زوج ٍة إخوتا من الب ‪ ،‬وأبوه جدها من الرضاعة وهكذا واستدلوا بديث عائشة قالت‪:‬‬
‫إن أفلح أ خا أ با القع يس جاء ي ستأذن علي ها – و هو عم ها من الرضا عة – ب عد أن نزل‬
‫الجاب ‪ ،‬قالت فأبيت أن آذن له فلما جاء رسول ال ‪ r‬أخبتُهُ بالذي صنعت فأمرن أن‬
‫آذن له وقال ‪ :‬إنه عمك )) وف رواية أنا قالت ‪ :‬إنا أرضعتن امرأة أب القعيس )) ووجه‬
‫الدللة أن أ خا أ ب القع يس صار عما لعائ شة لن عائ شة ر ضي ال عن ها شر بت من ل ب‬
‫أخ يه أ ب القع يس و هو نص صحيح صريح ‪ .‬و هو الذي رو ته عائ شة ر ضي ال عن ها ‪،‬‬

‫‪86‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫لكن ها خال فت مروي ها هذا فكا نت ترى أن ل ب الف حل ل ين شر الر مة ‪ ،‬والع جب من‬
‫النفية أنم ف هذا الفرع أخذوا بروايتها وتركوا رأيها ‪ ،‬فقالوا با قال به المهور من أن‬
‫ل ب الف حل ين شر الر مة ‪ ،‬وكان النت ظر من هم أن يقولوه بأن ل ب الف حل ل ين شر الر مة‬
‫عملً بأ صلهم ف أ خذ الرأي وترك الروا ية ‪ ،‬ل كن خالفوا أ صلهم وأخذوا الروا ية وتركوا‬
‫الرأي ولعلهم رأوا أدلة أخرى جعلتهم يالفون أصلهم ‪ ،‬أما نن فالعتمد عندنا هو الرواية‬
‫ل الرأي ‪ ،‬فالراجح هو قول المهور لصحة حديث أب القعيس وصراحته وهذا هو آخر‬
‫الفروع وال أعلم وصلى ال على نبينا ممد ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة العاشـرة‬
‫( أفعال الشارع للندب ما ل تقترن بقولٍ فتفيد ما أفاد القول )‬

‫والراد بالشارع ‪ :‬أي الصطفى ‪ ، r‬وقد ذكرنا ف موض عٍ آخر أن التشريع يؤخذ‬
‫من قوله ‪ r‬وفعله وتركه وإقراره ‪ ،‬وهذه القاعدة تتكلم عن المر الثان وهو أفعال النب ‪r‬‬
‫فكم أنواعها ؟ وما الصل فيها ؟ وما الضابط ف الفرق بينها ؟ وماذا يستفاد منها ؟ مع‬
‫ذكر فروع فقهية مرجة ؟ وما حكم الفعل إذا كان مقرونا بنهي ؟‬
‫هذه مسائل سوف نيب عنها بعبارات متصرة فأسأل ال التوفيق للحق والصواب‬
‫فأقول ‪ :‬السألة الول ‪ :‬قسم الصوليون الفعال الصادرة عنه ‪ r‬إل ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أفعال فعلها على وجه التشريع وتسمى بالفعال التشريعية ‪ ،‬وهي الت نريد‬
‫الديث عنها ف هذه القاعدة ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أفعال خاصة أي فعلها على غي وجه التشريع ‪ ،‬وإنا على وجه الصوصية‬
‫وحكم هذه الفعال – أعن الاصة – عدم جواز فعلها ‪ ،‬بل نن نتعبد ل بتركها واعتقاد‬
‫خ صوصيتها به ‪ r‬وي ثل ل ا بالزواج بأك ثر من أر بع وبواز ا ستقبال القبلة وا ستدبارها ‪،‬‬
‫وو صال ال صيام يوم ي مت صلي وأك ثر بل إفطار بينه ما ‪ ،‬وكالزواج بل مه ٍر ‪ ،‬وغي ها –‬
‫وهي كثية – وقد ألفت فيها الؤلفات النافعة فلياجعها من شاء ‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬أفعال الطبي عة والبلة والعادة و هي ال ت فعل ها ل بقت ضى التشر يع‬
‫وإناس فعلهسا لداعسي الطبيعسة والعادة كالكسل والشرب والقيام والقعود والنوم والتخلي ‪،‬‬
‫فهذه الشياء ف ذات ا إن ا فعلت لدا عي الطبي عة والبلة والعادة ل لن ا تشر يع أ ما هيئات ا‬
‫الت أوقعت عليها فهي الت تعد من الفعال التشريعية ‪ ،‬فمثلً ‪ :‬الكل فعل وكيفية الكل‬
‫فعسل فالول جبلي والثانس تشريعسي ‪ ،‬وكذلك النوم فعسل وهيئة النوم فعسل فالول جبلي‬
‫والثان تشريعي ‪ ،‬كذلك التخلي فعل ‪ ،‬وهيئة التخلي فعل فالول جبلي والثان تشريعي ‪،‬‬
‫فهي أفعال جبلية لكن أوقعت على هيئا تٍ شرعية ‪ ،‬والكم ف هذا النوع من الفعال أن‬
‫ل يع طى حكما بالن ظر إل ذا ته مردا عن الن ية ل نه من جلة الباحات ‪ ،‬أ ما هيئ ته ف هي‬
‫داخلة تت النوع الول السابق ذكره وهو الفعل التشريعي ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫إذا فالنواع ثلثسة ‪ :‬فالتشريعسي يتعبسد ل بفعله ‪ ،‬والصسوصي يتعبسد ل بتركسه ‪،‬‬
‫ل – أع ن بالن ظر إل ذا ته – وأع ن بذا ته أي ب غض‬
‫والبلي ل يد خل ف مال التع بد أ ص ً‬
‫النظر عن نية التقرب به وبغض النظر عن هيئته ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫السألة الثانية ‪ :‬اعلم أن الصل ف الفعال الت فعلها النب ‪ r‬أنا من قبيل الفعال‬
‫التشريعية حت يدل دليل يرجها من التشريع إل الصوصية أو البلية ‪ ،‬فأي فعل صدر‬
‫منه ‪ r‬فهو التشريع إل بدليل ‪ ،‬والدليل على ذلك أمور ‪:‬‬
‫من ها ‪ :‬قوله تعال ‪َ ] :‬لقَدْ كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ سْ َوةٌ حَ َ‬
‫سَنةٌ [ و ال سوة أي‬
‫القدوة ‪ ،‬فهو قدوة لنا ف أقواله وأفعاله ‪ ،‬فهذا هو الصل ومن ادعى خلفه فعليه الدليل ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن الصل أنه بعث للناس مشرعا وهاديا لقوم السبل ‪ ،‬فأقواله كلها يؤخذ‬
‫من ها الشرع الذي ب عث لبل غه إل بدل يل ‪ ،‬وكذلك أفعاله كل ها يؤ خذ من ها التشر يع إل‬
‫بدليل ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعال ‪ ] :‬قُلْ إِ نْ ُكْنتُ ْم تُ ِ‬
‫حبّو نَ اللّ هَ فَاّتِبعُونِي [ فأمر باتباعه ‪ ،‬والتباع‬
‫هنسا أمسر عام فيشمسل ‪ :‬التباع فس القوال ‪ ،‬والتباع فس الفعال ‪ .‬وهاس الدي القول ‪،‬‬
‫والدي الفعلي ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أ نه ‪ r‬ث بت ع نه بال ستقراء أ نه كان يأ مر بال خذ ع نه ف أفعاله ‪ ،‬فقال ف‬
‫ال صلة ‪ (( :‬صلوا ك ما رأيتمو ن أ صلي )) ‪ ،‬و صلى مرة على ال نب وقال ‪ (( :‬إن ا فعلت‬
‫ذلك لتأتوا ب ولتعلموا صلت )) ‪ ،‬وكذلك أفعاله ف ال ج فكان كل ما ف عل فعلً قال ‪:‬‬
‫(( خذوا عن مناسككم )) ‪ ،‬وكذلك لا سأله العراب عن مواقيت الصلة علمه بالفعل‬
‫ف يوم ي ث قال ‪ (( :‬ما ب ي هذ ين و قت )) ‪ ،‬و قد كان ال صحابة يقتدون به ف أفعاله‬
‫و هو يراهم ول ين كر علي هم ‪ ،‬وهذا كله يدل على أن ال صل ف باب الفعال النبو ية أن ا‬
‫للتشريع إل ما دل الدليل على إخراجه إل بابٍ آخر ‪.‬‬
‫وفائدة هذا الصل أنه إذا أشكل عليك شيء من الفعال ‪ ،‬هل هو تشريعي أو من‬
‫باب الصوصية أو البلة ؟ فاعمل بالصل هذا ‪ ،‬وقل هو للتشريع لن الصل ف أفعاله‬
‫التشريع ‪ ،‬وأيضا إذا ادعى أحد أن فعله هذا من باب الصوص ‪ ،‬فقل له ‪ :‬ل نقبل قولك‬
‫هذا إل بدليل لن الصل ف فعله التشريع ‪ ،‬فلماذا أخرجته عن أصله ؟ ما الدليل على هذا‬

‫‪89‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الخراج ؟ ذلك لن الدل يل يطلب من النا قل عن ال صل ل من الثا بت عل يه ‪ ،‬ل كن هو‬


‫ل يستطيع أن يقول لك ‪ :‬وما دليلك أنت على أن فعله هذا للتشريع ‪ ،‬لن معك الصل ‪،‬‬
‫ومن كان قائلً بالصل فإنه ل يطالب بالدليل ‪ ،‬فاحفظ هذا الصل فإنه سيكون فاصلً‬
‫للنسزاع فيما ستراه من الفروع الت كثر فيها اللف‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫(ال سألة الثال ثة) ‪ :‬و هي قول نا ( ما الضا بط ف الفرق بين ها) أي ب ي هذه الق سام‬
‫الثلثة ‪ ،‬الفعال التشريعية والصوصية والبلية ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬قد بثت ف غالب كتب أهل الصول فلم أجد ضابطا إل وهو مدخول ‪،‬‬
‫وقد لبثت سني ف البحث عن هذا الضابط وأكثرت السؤال عنه فلم يشف ذلك ما ف‬
‫صدري ‪ ،‬و ما زلت ف الب حث والتحق يق ح ت ت سطي هذا الكتاب ‪ ،‬فل ما رأ يت ال مر‬
‫كذلك رأيست لزاما علي أن أذكسر لك مسا ذكره الصسوليون مسن الفروق والضوابسط فس‬
‫التفريق بي هذه الفعال إل تيسر بث آخر إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬اعلم رحك ال تعال أن التفريق بي هذه الفعال من أهم الطالب ‪ ،‬وذلك‬
‫لن عدم التفر يق بين ها مو جب للختلف ف التأ سي ب ا من عد مه ‪ ،‬بل غالب خلف‬
‫العلماء ف أفعاله إن ا منشؤ ها من عدم التفر يق بين ها ‪ ،‬ولذلك حرص العلماء على ماولة‬
‫التفر يق بين ها ‪ .‬فقالوا ‪ :‬إن الشياء الضرور ية ال ت ل بد ل كل أح ٍد من ها هي من الفعال‬
‫البليسة فل يتأسسى بسه باس ‪ ،‬وذلك كالكسل والشرب والنوم والتخلي والقيام والقعود‬
‫ونو ها ‪ ،‬لن هذه الفعال إن ا فعل ها من باب الضرورة واقتضاء البلة ‪ ،‬وكذلك الفعال‬
‫ال ت هي من عادة قو مه ل تشر يع في ها ‪ ،‬كاللباس والش عر – على ما م ثل به بعض هم –‬
‫وكذلك الفعال الت فعلت من باب الوافقة من غي ق صدٍ ل تشريع فيها كاختيار مكان‬
‫التخلي ومكان ال صلة ف ال سفر ‪ ،‬فذلك ل ي صل ق صدا وإن ا ح صل موافقةً ‪ ،‬ولذلك‬
‫أنكر الصحابة على ابن عمر شدة تتبعه لثار هذه المكنة ‪ ،‬وقطع عمر شجرة رأى الناس‬
‫يبتدرونا يصلون عندها بجة أن النب ‪ r‬صلى عندها ‪ ،‬وقال ‪ " :‬أتريدون أن تتخذوا آثار‬
‫أنبيائكم مساجد " ‪ ،‬فهذه القسام الثلثة السابقة كلها تدخل تت فعله البلي والطبعي ‪،‬‬
‫فل يؤ خذ من ها تشر يع ‪ ،‬ل نه ‪ r‬ل يفعل ها بق صد القر بة وإن ا فعل ها ضرورة أو جبل ًة أو‬
‫مسايرة لعادة قومه أو من باب الوافقة ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ث يأ ت خلف العلماء ف آحاد الفعال فترا هم قد يتلفون ف تديد ها و من باب‬


‫التمثيل أذكر لك شيئا من اللف ‪ :‬فمثلً لبس العمامة هل يستفاد منه أنه سنة أو هو من‬
‫باب موافقة عادة قومه لنم كانوا يعتمون ؟ فيه قولن للعلماء ‪ :‬سببه خلفهم ف مأخذ‬
‫لبس العمامة هل فعله تشريعا أو موافقة لعادة قومه ؟ ‪ ،‬وكذلك خلفهم ف توفي الشعر‬
‫هل هو سنة أو ل ؟ فيه قولن لهل العلم وسببه خلفهم ف مأخذ توفي شعره ‪ r‬هل فعله‬
‫تشريعا أو موافقةً لعادة قومه ؟ وكذلك خلفهم ف الذهاب يوم العيد من طريق والرجوع‬
‫من طريق آخر ‪ ،‬هل فعله تشريعا فيكون سنة أو من باب الوافقة فقط فل يكون سنة ؟ ‪،‬‬
‫ف يه قولن سببه هو ما ذكر ته لك ‪ ،‬وهكذا و سوف يأ ت تق يق هذه الفروع إن شاء ال‬
‫تعال وبيان الراجح فيها ف ذكر التفريع على أصل القاعدة ‪.‬‬
‫وإنا القصود الشارة ‪ ،‬فهذا هو ضابط الفعال البلية ‪ ،‬وأما الفعال الاصة فكل‬
‫فع ٍل انفرد بسه ول يتأس بسه غيه فهسو خاص بسه ‪ ،‬ومسا عدا ذلك فهسو مسن قبيسل الفعال‬
‫التشريعية ‪ ،‬هذا ممل ما ذكره أهل الصول ‪ ،‬وفيه خي كثي ول يلو من نقص ‪ ،‬لكن‬
‫يبقى عندك أمر مهم وهو أنه إذا أشكل عليك تديد فعلٍ من أفعال الشارع ‪ r‬فارجع إل‬
‫الصل الذي قررته لك سابقا وهو أن الصل ف أفعاله التشريع ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫(السألة الرابعة) ‪( :‬ماذا يستفاد منها) وأعن با الفعال التشريعية ‪ ،‬أي الت فعلها‬
‫النب ‪ r‬بقصد القربة ‪ ،‬ما هو الكم الشرعي الذي يستفاد منها ؟‬
‫أقول ‪ :‬هذا هو القصود من القاعدة وما م ضى إنا هو كالقدمة له ‪ ،‬و قد اختلف‬
‫ال صوليون ف الف عل الجرد عن القول ‪ ،‬ماذا ي ستفاد م نه ؟ على أقوال ‪ :‬فقال بعض هم‬
‫يسستفاد منسه الوجوب ‪ ،‬أي كسل فعسل فعله بقصسد القربسة فإنسه للوجوب كالقول ‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬بل يستفاد منه الستحباب والندب ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ل هذا ول ذاك وإنا يفيد‬
‫الباحة ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بل نتوقف فيه إل ورود الرجح ‪.‬‬
‫وال صواب وال أعلم هو ما ن صت عل يه القاعدة و هو أن فعله ‪ r‬الجرد عن القول‬
‫يفيسد الندب والسستحباب ‪ ،‬واختار هذا القول أبسو العباس بسن تيميسة وهسو الشهور مسن‬
‫مذهسب الصسحاب ‪ ،‬واختاره ابسن حزم والفخسر الرازي والبيضاوي وغيهسم ‪ ،‬بسل هسو‬
‫مذ هب المهور ‪ ،‬و هو القول الذي دلت عل يه الدلة ‪ ،‬وذلك لن هذا الف عل الذي فعله‬

‫‪91‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫النسب ‪ r‬على وجسه التعبسد هسو طاعسة وقربسة ‪ ،‬ول تكون أبدا خارجسة عسن الوجوب أو‬
‫الندب ‪ ،‬أي إ ما أن تكون واج بة وإ ما أن تكون مندو بة ‪ ،‬والقدر الشترك بينه ما ترج يح‬
‫الفعل على الترك ‪ ،‬وهذه هي حقيقة الندوب ‪ .‬فقصد القربة يرجه عن حد الباحة ‪ ،‬لن‬
‫الباحة ل ترجيح فيها ل لفعلٍ ول لترك ‪ ،‬والقربة فيها ترجيح الفعل ‪ ،‬فاحتمال الباحة‬
‫فيه ل يرد ‪ ،‬فيبقى احتمال الوجوب والندب فهو مشترك بينهما ‪ ،‬والقدر الشترك هو أن‬
‫فعله خ ي من تر كه وهذا هو الندب ‪ ،‬و به تعرف أن الرا جح هو أن أفعاله ال ت ق صد ب ا‬
‫القربة لا حكم الندب ‪ ،‬ول تنسزل إل مرتبة الباحة ‪ ،‬ول ترتقي إل مرتبة الوجوب ‪،‬‬
‫وهذا هو الذي سوف نطنب ف ذكر فروعه إن شاء ال تعال ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫(السألة الامسة) ما حكم الفعل إذا كان مالفا لنهي أو أمرٍ ‪ ،‬أي إذا نى النب ‪r‬‬
‫عن شيء ث فعله (ل على وجه الصوصية) فما حكم هذا الفعل ؟‬
‫الواب ‪ :‬هذا الفعل ل يكم له بأنه سنة لنه ليس فعلً مردا ‪ ،‬والفعال الت قلنا‬
‫إنا للندب هي الفعال الجردة عن أمر أو ني ‪ ،‬لكن هذا الفعل يدخل تت قاعدة أخرى‬
‫وهي ‪ " :‬أن الفعل إذا خالف النهي الصريح فإنه لبيان الواز " أي لبيان أن النهي ليس‬
‫على بابه الذي هو التحري ‪ ،‬وإنا هو للكراهة فيكون هذا الفعل صارفا للنهي عن حقيقته‬
‫إل الكرا هة ‪ ،‬وهذا أول من قول بعض هم ‪ :‬إن الف عل يكون ف هذه الالة خا صا به ‪،‬‬
‫والنهي لمته ‪ ،‬ويعبون عنه بقولم ‪ :‬الفعل الاص به ل يعارض النهي العام للمة ‪ ،‬ولكن‬
‫الوا جب أن ل ي عل الف عل معارضا للن هي إذا أم كن ال مع ‪ ،‬وذلك م كن ب عل الف عل‬
‫صارفا للنهي من الرمة إل الكراهة ‪ ،‬لكن بشرط ‪ :‬وهو أن يكون الفعل الخالف للنهي‬
‫ق صد إظهاره ‪ ،‬ل نه حينئذٍ يراد به التشر يع ‪ ،‬أ ما الف عل الذي ل يظهره ‪ r‬ل ن ي صل ب م‬
‫البلغ فل يعل معارضا للنهي بل يكون خاصا به ‪ ،‬ومن باب التوضيح نذكر شيئا من‬
‫الفروع على ذلك فأقول ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬ثبت عنه ‪ r‬أنه نى عن البول واقفا ف أحاديث كثية ‪ ،‬وثبت عنه أيضا أنه‬
‫خالف ذلك وبال مرةً قائما كما ف حديث حذيفة ع ند الشيخ ي ‪ ،‬وفعله ‪ r‬بحضرٍ من‬
‫حذي فة بل ل ا ابت عد حذي فة أمره أن يقترب ح ت قام ع ند عق به ح ت فرغ ‪ ،‬أي أ نه ق صد‬
‫إظهار هذا الفعسل ‪ ،‬فعلى قاعدتنسا هذه يكون هذا الفعسل صسارفا للنهسي عسن بابسه إل‬

‫‪92‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الكراهسة ‪ ،‬فالبول قائما صسرف مسن التحريس إل الكراهسة ‪ ،‬لن هذا الفعسل لبيان الواز ‪،‬‬
‫فيجوز البول قائما بشرطه لكن مع الكراهة ‪ ،‬هذا أول من أن نعلل فعله هذا بعللٍ ل دليل‬
‫عليها من أنه كان للستشفاء أو لرح ف مئبضه أو لنه كان ف سباطةٍ قو مٍ مرتفعة ‪ ،‬بل‬
‫الصوب أن يقال إنه فعله لبيان الواز ‪ ،‬وأما إنكار عائشة رضي ال عنها فلعدم علمها با‬
‫رأى حذيفة ‪ ،‬ومن حفظ حجة على من ل يفظ ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ثبت عنه أنه ‪ r‬ن ى عن الشرب قائما ف عدة أحاديث صحيحة ‪ ،‬وثبت‬
‫عنه ‪ r‬أنه خالف ذلك النهي فشرب مرةً قائما من بئر زمزم كما ف حديث علي ‪ t‬قال‬
‫‪ " :‬فد عا ب سجلٍ من ماء زمزم فشرب م نه وتو ضأ " ‪ ،‬وكذلك شرب واقفا من القر بة‬
‫العلقسة وهذا الفعسل كان بحض ٍر مسن الناس ‪ .‬فنقول ‪ :‬إناس فعله ‪ r‬لبيان الواز أي لبيان‬
‫جواز الشرب قائما ‪ ،‬فالنهي إذا مصروف عن بابه إل الكراهة ‪ ،‬وذلك للجمع بي الدلة‬
‫لنه إذا أمكن العمل بالدليلي فهو أول ‪ ،‬وبه تعلم أن من قال إنا شرب قائما للزحام أو‬
‫لضرورة الوقوف لن القربة معلقة أن ا تعليلت عليلة ‪ ،‬بل ال صواب أن يقال ‪ :‬إ نه شرب‬
‫قائما لبيان الواز وأن النهي الذي صدر منه ليس للتحري وإنا للكراهة ‪ ،‬فالشرب قائما‬
‫جائز لكن مع الكراهة ‪ ،‬فقلنا بالواز ‪ :‬لوجود الفعل ‪ ،‬وقلنا بالكراهة ‪ :‬لوجود النهي ‪،‬‬
‫و به تتآلف الدلة ول ال مد وال نة ‪ ،‬وعلى ذلك ف قس ‪ .‬فالف عل الظ هر إذا خالف الن هي‬
‫فلبيان الواز ويكون صارفا للنهي من التحري إل الكراهة ‪.‬‬
‫قلتس ‪ :‬لنسه ل يكون‬
‫قلتس ‪ :‬فلماذا اشترطست فس الفعسل أن يكون ظاهرا ‪ُ ،‬‬ ‫فإن َ‬
‫تشريعا إل مع الظهار ‪ ،‬إذ ما الفائدة من تشريع يت في به ‪ r‬فهو مأمور أن يبلغ نا شرع‬
‫ربنا ‪ ،‬وكيف يصل البلغ مع الختفاء ؟ فإذا اختفى بفعل علمنا أنه ل يرد به التشريع ‪،‬‬
‫ولذلك اشترطنا أن يظهره ولو ع ند واحدٍ من الكلف ي ليح صل البلغ ‪ ،‬فن حن ل نطالب‬
‫بشري عة إل إذا علمنا ها ‪ ،‬ول ي كن أن نعلم ها إل إذا ظهرت ل نا ‪ ،‬فإن قل تَ ‪ :‬هل عندك‬
‫شيء من الفروع الفقهية على هذا ؟‬
‫فالواب ‪ :‬نعم ‪ ،‬وهو أنه ‪ r‬ثبت عنه بالتواتر أنه نى عن استقبال القبلة واستدبارها‬
‫ف أحاديث كثية ‪ ،‬وثبت عنه ف حديث ابن عمر أنه رآه مستدبرا الكعبة على ظهر بيت‬
‫حفصة ‪ ،‬وكذلك جابر رآه يستقبل القبلة ‪ ،‬فهل هذا الفعل يعد صارفا للنهي عن بابه إل‬

‫‪93‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الكراهة ‪ ،‬فنقول ‪ :‬ل ‪ ،‬لن النب ‪ r‬ل يقصد إظهار هذا الفعل ‪ ،‬ففي حديث ابن عمر أنه‬
‫كان على بيت حفصة ‪ ،‬وأي بلغ يصل للمة بفعلٍ استخفى به على بيت حفصة ول‬
‫يعلم هو با بن ع مر ‪ ،‬ول ي كن أن يشرع ‪ r‬لم ته بك شف عور ته ‪ ،‬وكذلك ف حد يث‬
‫جابر ل ندري أهسو رآه أو ل ؟ ففعله الخالف لنهيسه ل يظهره كمسا أظهسر الشرب قائما‬
‫والبول قائما ‪ ،‬ما يدل على أنه ل يريد به التشريع ‪ ،‬فنبقى نن على قوله الصريح الذي ل‬
‫يتطرق له الحتمال ‪ ،‬ونترك فعله الخالف له ونقول ‪ :‬إنسه خاص بسه‪ ،‬وهذا هسو القول‬
‫الصحيح ‪ .‬واختاره شيخ السلم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وجع من الحققي ‪ ،‬ولذلك‬
‫اشترطنا أن يكون الفعل الخالف للنهي ظاهرا ‪.‬‬
‫فهذا بالنسسبة لقاعدة الفعسل الخالف للنهسي الصسريح ‪ ،‬وأمسا الفعسل الخالف للمسر‬
‫ال صريح كأن تأ مر الدلة بشيءٍ ث يال فه ال نب ‪ r‬بفعله فل يفعله ‪ ،‬أي ل يت ثل هذا ال مر‬
‫ويفعل خلفه ‪ ،‬فهذا الفعل أيضا نقول إنه لبيان الواز وأن المر ليس على الوجوب وإنا‬
‫لل ستحباب ف قط ‪ ،‬إذ لو كان ال مر واجبا ل ا خال فه ‪ ،‬فل ما خال فه بفعله دل على جواز‬
‫الخالفة ‪ ،‬وعلى ذلك بعض المثلة ‪:‬‬
‫من ها ‪ :‬أ مر ال تعال بالوضوء ع ند القيام إل ال صلة أمرا معلقا بشرط ‪ ،‬وتقدم لك‬
‫أن ال مر العلق على الشرط يف يد التكرار إذا كان الشرط علة له ‪ ،‬فيكون ال نب ‪ r‬و سائر‬
‫الؤمني مأمورين بتكرار الوضوء عند تكرر القيام إل الصلة ‪ ،‬هذا هو ظاهر الية ‪ ،‬لكن‬
‫ثبت ف صحيح مسلم وغيه أن النب ‪ r‬خالف هذا المر وصلى الصلوات المس بوضو ٍء‬
‫وا حد وقال ‪ (( :‬عمدا فعلته )) ‪ ،‬ففعله هذا مالف للمر فيدل على بيان الواز ‪ ،‬لكن‬
‫الستحب تكرار الوضوء وتديده ‪ ،‬لكن لو صلى الصلوات الكثية بوضوءٍ واحد فل بأس‬
‫‪ ،‬وهذا هو الصحيح ول شك ‪ .‬فجعلنا الفعل لبيان جواز الترك والمر القول للستحباب‬
‫‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬أن النسب ‪ r‬قال ‪ (( :‬اجعلوا آخسر صسلتكم بالليسل وترا )) فهذا أمسر قول‬
‫يق ضي أن يكون الو تر هو آ خر صلة الل يل ول ش يء بعده من صلة الل يل ‪ ،‬وث بت أن‬
‫ال نب ‪ r‬خالف ذلك ال مر بفعله ‪ ،‬فث بت ع نه أ نه صلى ب عد الو تر ركعت ي و هو جالس ‪،‬‬
‫فالف عل خالف القول ‪ ،‬لن هات ي الركعت ي من جلة صلة الل يل ‪ ،‬فيكون فعله هذا لبيان‬

‫‪94‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الواز ‪ ،‬والمر لبيان الستحباب ‪ ،‬فالفعل هذا صرف المر القول عن بابه إل الندب ‪،‬‬
‫فيجوز للنسان التطوع بشف ٍع بعد الوتر ‪ ،‬لكن الستحب أن يعل الوتر آخر صلة الليل ‪،‬‬
‫فيصلي ما شاء من الشفع ث يوتر ‪ ،‬لكن لو أوتر ث بدا له أن يصلي بقية الليل فله ذلك‬
‫لكن ل يعيد الوتر مرة أخرى لديث ‪(( :‬ل وتران ف ليلة)) ‪.‬‬
‫والفروع كثية وإنا القصود الشارة ‪ ،‬فنخلص من ذلك أن فعله ‪ r‬إذا خالف أمره‬
‫أو نيه فإنه لبيان الواز ‪ ،‬أي لبيان جواز الترك ف المر ‪ ،‬ولبيان جواز الفعل ف النهي ‪،‬‬
‫وأن فعله ُيعَدّ من جلة الصوارف للمر من الوجوب إل الستحباب ‪ ،‬والنهي من التحري‬
‫إل الكراهة التنسزيهية ‪ .‬هذا هو التحقيق ف هذه السألة ‪.‬‬
‫قلتس ‪ :‬فمسا حكسم الفعسل إذا كان مقرونا بأمرٍ قول ؟ أقول ‪ :‬إذا كان فعله ‪r‬‬
‫فإن َ‬
‫مقرونا بأمرٍ قول فإنه يع طى حكم هذا القول وهو الراد بقولنا ف القاعدة ( ما ل تقترن)‬
‫أي الفعال (بقول فتفيد ما أفاد القول) أي فإن كان المر القول يفيد الوجوب فإن الفعل‬
‫أيضا للوجوب ‪ ،‬وإن كان القول للستحباب فالفعل للستحباب ‪.‬‬
‫ونذ كر لك فروعا على هذه القاعدة ‪ ،‬أع ن قاعدة ‪ :‬الف عل إذا كان مقرونا بأمرٍ‬
‫قول فيعطى حكمه ‪.‬‬
‫ف من الفروع ‪ :‬أفعال الصسلة من قيامٍس وقعود و سجود وركوع هسي أفعال لكنهسا‬
‫اقترنت بقوله ‪(( r‬صلوا كما رأيتمون أصلي)) وبأمره با للمسيء صلته ‪ ،‬فتكون هذه‬
‫الفعال لاس حكسم القول والقول هنسا للوجوب فتكون واجبسة أيضا لقتراناس بأمسر قول‬
‫واجب‬
‫ومن ها ‪ :‬أفعال النا سك من ر مي ووقوف بعر فة و مبيت بزدل فة وطواف و سعي‬
‫وحل ٍق ونوها من الناسك ‪ ،‬هي أفعال لكنها اقترنت بأمر قول ف قوله ‪ (( : r‬خذوا عن‬
‫منا سككم )) فتع طى هذه الفعال ح كم القول ‪ ،‬والقول ه نا للوجوب فكذلك أيضا هذه‬
‫الفعال لا حكم الوجوب ‪ ،‬لنا اقترنت بأمر قول واجب إل ما دل الدليل على سبيته‬
‫كطواف القدوم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ث بت ع ند ا بن حبان وغيه أن ال نب ‪ r‬صلى ب عد غروب الش مس ركعت ي‬
‫فهذا ف عل ‪ ،‬ل كن هذا الف عل اقترن بأمرٍ قول وذلك ف قوله ‪ (( : r‬صلوا ق بل الغرب ))‬

‫‪95‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ثلثا ‪ ،‬فتعطى حكمه ‪ ،‬فنظرنا إل هذا القول فوجدناه للستحباب ‪ ،‬بدليل قوله ف آخر‬
‫الديسث ((لنس شاء)) كراهيسة أن يتخذهسا سسنة ‪ ،‬أي عادة وطريقسة ‪ ،‬فالقول يفيسد‬
‫السستحباب فكذلك أيضا الفعسل يفيسد السستحباب ‪ ،‬لنسه اقترن بأم ٍر قول يفيسد‬
‫الستحباب‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ث بت أن ال نب ‪ r‬ق طع ي ي ال سارق وهذا ف عل لك نه اقترن بقوله تعال ‪] :‬‬
‫وَالسّا ِرقُ وَالسّارَِقةُ فَاقْ َطعُوا َأيْ ِدَيهُمَا[ وهذا القول للوجوب ‪ ،‬فيكون فعله أيضا للوجوب ‪،‬‬
‫فإذا سرق ال سارق و جب ق طع يي نه ‪ ،‬وقل نا إن الف عل ه نا وا جب ل نه اقترن بأمرٍ قول‬
‫واجب ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أفعال الوضوء ف قد اقتر نت هذه الفعال بأمرٍ قول ك ما ف آ ية الوضوء ‪،‬‬
‫وهذا القول له حكم الوجوب ‪ ،‬فكذلك أيضا الفعال تأخذ حكم الوجوب لنا اقترنت‬
‫بأمرٍ قول واجسب ‪ ،‬وبذلك تعرف أن الفعال إذا كانست مقرونسة بأمرٍ قول فإناس تعطسى‬
‫حك مه ‪ .‬فإن كان القول للوجوب ف هي واج بة ‪ ،‬وإن كان لل ستحباب ف هي م ستحبة ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫فإن قل تَ ‪ :‬قد ذكرت لنا أن النب ‪ r‬إذا نى عن شيء ث خالفه بفعله فيكون الفعل‬
‫ل مكروها‬
‫لبيان الواز ‪ ،‬أي توز الخالفة مع الكراهية ‪ ،‬فهل يتصور أن يفعل النب ‪ r‬فع ً‬
‫وهو رسول ال ؟‬
‫فأقول ‪ :‬إن فعل النب ‪ r‬الخالف لنهيه ليس بكروهٍ ف حقه خاصة لنه يلزم عليه أن‬
‫يبلغ نا به ‪ ،‬ففعله هذا وا جب لوجوب البلغ ‪ ،‬وإن ا هو مكروه ف حق نا ‪ ،‬فالبول قائما‬
‫مثلً مكروه ف حق نا لك نه ‪ r‬ل ا بال واقفا فإن وقو فه هذا الذي ق صد بيان الواز ل يس‬
‫بكروه ‪ ،‬لنه من باب البلغ الواجب عليه ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬أفل بلغ نا جواز الخال فة بالقول ك ما بلغ نا الن هي بالقول ‪ ،‬فلماذا يبلغ نا‬
‫بالفعل ؟ فالواب ‪ :‬أن هذا تكم على الشارع وحجر عليه ‪ ،‬ول يليق هذا السؤال بأهل‬
‫الدب ‪ ،‬فللشارع أن يبلغ نا ب ا شاء بقوله أو فعله أو تقريره أو تر كه كل ذلك را جع إل‬
‫الصال والكم الشرعية وال أعلم ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫(السألة السادسة) إذا عرفت ما مضى فلم يبق إل الفروع على القاعدة الت هي أم‬
‫الباب ‪ ،‬وهسي أن الفعال الجردة تفيسد السستحباب ‪ ،‬وفروعهسا كثية لكسن نذكسر لك‬
‫بعضها من باب التنبيه على غيها ‪:‬‬
‫فمن ها ‪ :‬ر فع اليد ين ف ال صلة ‪ ،‬ف عل من الفعال ث بت بالدلة ف موا ضع ‪ ،‬ع ند‬
‫تكبية الحرام ‪ ،‬وعند الركوع ‪ ،‬وعند الرفع منه ‪ ،‬وعند القيام من التشهد الول ‪ ،‬وهو‬
‫للندب لنه فعل والفعال لا حكم الندب ‪ .‬فإن قلت ‪ :‬كيف ل يقترن بقو ٍل وهو فعل ف‬
‫الصلة وقد قال النب ‪ (( : r‬صلوا كما رأيتمون أصلي )) ؟‬
‫فأقول ‪ :‬هذا سسؤال جيسد وجوابسه أن يقال ‪ :‬إن المسر فس قوله ‪(( :‬صسلوا كمسا‬
‫رأيتمو ن أ صلي)) عام ف ج يع أفعال ال صلة إل ما أخر جه الدل يل ف هو أ مر وجوب ف‬
‫الفعال الواجبسة ‪ ،‬وأمسر اسستحباب فس الشياء السستحبة ‪ ،‬والرفسع فس الواضسع الربعسة‬
‫مستحب لن النب ‪ r‬ل يأمر به السيء صلته ‪ ،‬ولو كان الرفع واجبا لمره به لن تأخي‬
‫البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪ ،‬فيكون الرفع داخلً ف قوله ‪(( :‬كما رأيتمون أصلي)) ‪،‬‬
‫لكن ل للوجوب ‪ ،‬وإنا للستحباب لوجود الصارف وهو عدم أمر السيء صلته به ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬اللوس بيس الطبتيس ‪ ،‬فعسل مرد ‪ ،‬فهسو للسستحباب جريا على هذه‬
‫القاعدة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الذهاب للعيد من طريق والعودة من طريق ‪ ،‬من جلة الفعال فيكون سنة‬
‫لن الفعال الجردة مندوبة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬جلسة الستراحة ‪ ،‬فيها خلف بي أهل العلم على أقوال ‪ :‬فقيل ل تسن‬
‫أصلً وهذا قول بعيد عن الصواب ‪ ،‬لخالفته الحاديث الصحيحة ‪ .‬وقيل ‪ :‬سنة مطلقا‬
‫أي عند الاجة لا أو عدمه ‪ .‬وقيل ‪ :‬سنة عند الاجة لا فقط ‪ ،‬واستدل أصحاب هذا‬
‫القول بدليلي ‪ :‬الول ‪ :‬أنا ذكرت ف بعض الحاديث ول تذكر ف بعض ‪ ،‬والديث‬
‫الذي ذكرت فيه هو حديث مالك بن الويرث ‪ ،‬وهو متأخر السلم أي بعد كب سن‬
‫النب ‪ . r‬الثان ‪ :‬أن اسها يدل على أنا ل تشرع إل عند الاجة لا ‪.‬‬
‫ول كن ال صواب أن ا سنة مطلقا تف عل أحيانا وتترك أحيانا ‪ ،‬والدل يل على سنيتها‬
‫حديسث مالك بسن الويرث عنسد البخاري ‪ ،‬والصسل أن أفعال النسب ‪ r‬تشريعيسة ‪ ،‬وأمسا‬

‫‪97‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫تسميتها بلسة الستراحة إنا هو عند الفقهاء التأخرين ‪ ،‬والصطلحات الادثة ل تكون‬
‫حاك مة على الدلة الشرع ية ‪ ،‬فتحد يد حكمت ها بأن ا لل ستراحة ف قط ل دل يل عل يه ‪.‬‬
‫فالقول الرا جح هو أن ا سنة مطلقا ع ند الا جة وعدم ها ‪ ،‬ول كن لي ست ب سنةٍ مؤكدة‬
‫ل تترك أبدا ‪ ،‬بل السنة تركها أحيانا ‪ ،‬لن ما ليس بسنةٍ راتبة فالفضل تركه أحيانا ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ر فع اليد ين بالدعاء ف موا ضع ر فع اليد ين كال ستسقاء على ال نب وفوق‬
‫ال صفا والروة ونوه ‪ ،‬هو من باب الفعال ف هو إذا سنة ‪ ،‬لن الفعال الجردة ي كم ل ا‬
‫بأنا للندب ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬التورك ف التشهد الخي ف الرباعية والثلثية ‪ ،‬فعل من الفعال فهو سنة‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تقبيل الجر السود واستلمه هو والركن اليمان من جلة الفعال ‪ ،‬فهي‬
‫إذا سنة لذه القاعدة ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬تأخ ي العشاء إل ن صف الل يل ‪ ،‬ث بت أن ال نب ‪ r‬فعله ور غب ف يه بقوله ‪،‬‬
‫كما ف حديث عائشة وابن عباس ‪ ،‬فتأخيها إذا سنة إذا ل يشق على الأمومي ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الوضوء للطواف ‪ ،‬فيه خلف طويل ‪ ،‬والراجح أنه سنة ‪ ،‬لن الديث إنا‬
‫فيه ‪ " :‬أنه توضأ ث طاف " ‪ ،‬وهذا فعل والفعل الجرد يدل على السنية ‪ ،‬وحج معه الم‬
‫الغفيس وطافوا ول يثبست أنسه أمسر واحدا منهسم بالوضوء مسع أنمس جاءوا ليتعلموا منسه‬
‫مناسكهم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ذكر الدخول للخلء وللمسجد ‪ ،‬كل ذلك سنة لنه فعل من الفعال ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬التثل يث ف الوضوء ‪ ،‬أي غ سل العضاء الغ سولة ثلثا سنة ل نه ف عل من‬
‫الفعال ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الوضوء قبل الغسل من النابة سنة ‪ ،‬لن النب ‪ r‬كان يفعله ‪ ،‬والفعال لا‬
‫حكم الندب ‪.‬‬
‫والفروع كثية ولعل فيما مضى كفاية لن القصود الشارة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة الاديـة عشـرة‬


‫(يبن الطلق على القيد عند التفاق ف الكم)‬

‫وهذه القاعدة العظي مة مه مة جدا لطالب ال صول ‪ ،‬لن ا ينب ن علي ها من الفروع‬
‫الشيء الكثي ‪ ،‬فلبد للطالب من فهمها وإتقانا ‪ ،‬ومن باب تسهيلها أتكلم عليها ف عدة‬
‫مسائل ‪:‬‬
‫(السألة الول) الطلق لغة ‪ :‬هو النفك من كل قيد حسيا كان أو معنويا ‪.‬‬
‫وا صطلحا ‪ :‬هو الل فظ التناول لفردٍ شائ عٍ ف جن سه ‪ ،‬أي يدل على فردٍ واحدٍ ‪،‬‬
‫لكن هذا الفرد ليس بحددٍ ول بعي ‪ ،‬فليس بتميزٍ من جلة أفراد جنسه فهو شائع فيها ‪،‬‬
‫والراد بقول نا (شائع) أي غ ي متم يز ‪ ،‬وذلك كقول ‪ :‬أكرم طالبا ‪ ،‬فبالط بع ل تف هم أ ن‬
‫أمر تك بأن تكرم كل طالب ‪ ،‬وإن ا فه مت م ن ال مر بإكرام طالب واحدٍ ف قط ‪ ،‬ل كن‬
‫ماهية هذا الطالب وصفاته وقيوده غي مددة فهو طالب من جلة الطلبة ‪ ،‬فلفظة (طالبا)‬
‫لفظ مطلق لنه يدل على فرد غي متميز عن جلة حقيقته ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ] :‬فتَحْرِيرُ رََقَبةٍ[‬
‫وهذا أمر بإعتاق رقبة ‪ ،‬فهي رقبة واحدة ‪ ،‬لكنها مطلقة شائعة ف جنس الرقاب ل تتميز‬
‫عنهم بشيء ‪ ،‬فلم يدد لنا صفةً لذه الرقبة تيزها عن جنس الرقاب ‪ ،‬وهكذا فالطلق إذا‬
‫ل يفهم منه إل تعيي القيقة ل تعيي الفراد ‪ .‬وهذه القيقة الت دل عليها اللفظ مركبة‬
‫من جلة أفراد ‪ ،‬واللفظ الطلق عي القيقة لكن ل يتعرض للفراد بوصف ول قيد فلذلك‬
‫سي مطلقا ‪ ،‬لنه ذكر القيقة منفكةً عن كل قيدٍ ‪ ،‬فأنت عرفت بقوله تعال ‪َ] :‬فتَحْرِيرُ‬
‫رََقَبةٍ[ ج نس الراد عت قه و هو الرق بة ‪ ،‬ل كن أي رقبةٍ هي ‪ ،‬وبأي ديانةٍ تكون ‪ ،‬و من أي‬
‫الجناس ‪ ،‬عرب ية أم أعجم ية ‪ ،‬بيضاء أم سوداء ‪ ،‬صغية أم كبية ‪ ،‬ذ كر أم أن ثى ‪ ،‬كل‬
‫ذلك ل يتعرض له ال نص بش يء وإن ا ذ كر لك لفظا مطلقا عن كل قيدٍ فهذا هو الل فظ‬
‫الطلق ‪ ،‬وأ ما الق يد ‪ :‬ف هو الل فظ الدال على شي ٍء مع ي با سمٍ أو صفةٍ ‪ ،‬كأ ساء العلم‬
‫ل أو الشارة أو العرف باللف واللم ونوهسا ‪ ،‬كسل ذلك يسسمى مقيدا ‪ ،‬لنسه يدل‬ ‫مث ً‬

‫‪99‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫على شيءٍ زائدٍ على مرد القي قة ‪ ،‬ف هو يذ كر لك القي قة ويق يد لك الفرد الذي يريده‬
‫منها باسه أو صفته الت تيزه عن غيه من جلة أفراد هذه القيقة ‪ ،‬كقوله تعال ف كفارة‬
‫حرِيرُ رََقَب ٍة ُم ْؤ ِمَنةٍ [ فإنا هنا ل تذكر مطلقة كما ذكرت ف كفارة الظهار‬
‫قتل الطأ ‪َ ] :‬فتَ ْ‬
‫‪ ،‬بل قيدت بوصف حددها وميزها عن غيها وهو قوله ‪ُ ] :‬م ْؤمَِنةٍ[ فهذا الوصف حدد لنا‬
‫الراد بالرقبة ‪ ،‬وإن كان قد بقي فيها بعض جوانب الطلق ‪ ،‬فكلمة ] ُم ْؤ ِمَنةٍ[ لفظ قيد‬
‫الرقبة وأخرجها عن إطلقها ‪ ،‬لنا ل تعد بعد تقييدها منفكة من القيود ‪ ،‬فهذا بالنسبة‬
‫لتعريفهما ‪ .‬وخلصته ‪ :‬أن اللفظ الطلق يدل على القيقة مردة عن وصفٍ زائدٍ ‪ ،‬والقيد‬
‫يدل على القيقة بزيادةٍ قيدٍ من اسم أو وصف ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫(السألة الثانية) اعلم أن النكرة إذا وردت ف سياق الثبات فهي من اللفاظ الطلقة‬
‫كقوله تعال ‪َ ] :‬فتَحْرِيرُ رََقَبةٍ [ فهنسا إثبات ‪ ،‬ولفسظ ]رََقَبةٍ[ نكرة فهسي إذا لفسظ مطلق ‪،‬‬
‫وكقول (أكرم ضيفا) فهذا إثبات للكرام وأم ٌر بسه ‪ ،‬ولفسظ (ضيفا) نكرة فهسو إذا مطلق‬
‫لن النكرة ف سياق الثبات مطل قة ‪ ،‬وكقول (أ عط فقيا صدقة) فهذا إثبات و(فقيا)‬
‫نكرة ‪ ،‬وكذلك ل فظ ( صدقة) نكرة أيضا ‪ ،‬فه ما نكرتان ف سياق إثبات ف هي إذا ل فظ‬
‫مطلق ‪ ،‬وكقوله تعال ‪ ] :‬وَآتُوا َحقّ هُ َيوْ مَ حَ صَا ِدهِ [ ف س ] آتُوا [ أ مر و] َحقّ هُ [ نكرة ‪،‬‬
‫فهسو إذا لفسظ مطلق ‪ ،‬وهكذا فأي نكرة تأتيسك فس سسياق الثبات فاعلم أناس مسن جلة‬
‫اللفاظ الطلقة ‪.‬‬
‫(السألة الثالثة) اعلم – أرشدك ال لطاعته – أن الدليل الطلق يب العمل به على‬
‫إطلقه ول يوز تقييده إل بدليل صحيح ‪ ،‬ل بجرد الوى والذاهب وأقوال الئمة ‪ ،‬وأن‬
‫ع والبي نة على الد عي ‪ ،‬فإذا جاء بدليلٍ شر عي‬
‫الدل يل يطلب م ن اد عى التقي يد ‪ ،‬ل نه مد ٍ‬
‫صحيح مثبتٍ لذا القيد قبلناه ‪ ،‬وإل فهو مردود عليه ‪ ،‬وذلك لن الدليل الطلق من كلم‬
‫ال تعال ورسوله ‪ r‬وكلها ل يوز التحكم فيه بتقيي ٍد أو اشتراط أو تقدي أو تأخي إل‬
‫بدل يل آ خر من كلمه ما ‪ ،‬أما التح كم والوى والتع صب ف كل ذلك ل ي صلح أن يكون‬
‫مسستندا للعقلء ف تقييسد الطلق من كلم ال ور سوله ‪ ، r‬فأي حكسم ورد ف الكتاب‬
‫والسسنة مطلقا فإنسه يرى وجوبا على إطلقسه ول يقيسد إل بدليسل صسحيح ‪ ،‬ولن هذه‬
‫الشري عة من مقا صدها التي سي على الكلف ي ‪ ،‬وإن إطلق الحكام الشرع ية عن القيود‬

‫‪100‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫نوع من أنواع التي سي والتخف يف ‪ ،‬لن الق يد ف يه تكل يف زائد على التكل يف بالطلق ‪،‬‬
‫وزيادة التكليسف قسد توجسب عدم المتثال ‪ ،‬فورود الحكام مطلقسة مسن رحةس ال تعال‬
‫بعباده ‪ ،‬فل يوز لحدٍ من الناس أن يق يد الطلق بقيودٍ تر جه من ح يز التي سي إل ح يز‬
‫التع سي ك ما يفعله ب عض الفقهاء – هدا هم ال تعال – فإن بعض هم ‪ - :‬و هم قل يل –‬
‫أحكامس وردت فس الشريعسة مطلقسة ل قيود فيهسا ثس يشترطون فيهسا شروطا‬
‫ٍ‬ ‫يعمدون إل‬
‫ل دليل عليه فيضيقون على الناس ما وسعه ال عليهم حت تذهب روح التشريع من هذا‬
‫الكم فيكون ف تنفيذه من الصار والغلل بسبب هذه القيود الشيء الكثي ‪ ،‬ونضرب‬
‫لك أمثلة على ذلك حتس ترى كيسف أثسر هذه القاعدة أعنس قاعدة وجوب إجراء الطلق‬
‫على إطلقه فأقول ‪:‬‬
‫من المثلة ‪ :‬ال سح على الف ي فإ نه رخ صة بإجاع أ هل ال سنة والما عة ‪ ،‬ح ت‬
‫ذكره بعض علماء العتقاد ف كتب هم كالطحاوي وغيه ف عقيدته ‪ ،‬وأ صل تشري عه إن ا‬
‫هو الرح ة وإرادة التخف يف ‪ ،‬وإن الدلة الدالة على جواز ال سح على الف ي والورب ي‬
‫بلغت مبلغ التواتر ‪ ،‬وبالنظر فيها ل أجد غالب ما يشترطه الفقهاء ف الفي ‪ ،‬فإنم قد‬
‫اشترطوا لواز السح عليها شروطا ل دليل عليها ‪ ،‬أو لا أدلة لكنها ليست بصرية فضلً‬
‫عن مالفت ها للدلة ال صحيحة وأصول الشريعة ‪ ،‬ف من ذلك اشتراط كونه صفيقا ل يرى‬
‫لون البشرة من تته ‪ ،‬فهذا قيد يقيدون به أدلة السح الطلقة ‪ ،‬فنقول ‪ :‬وأين الدليل الدال‬
‫على هذا الق يد ؟ وعلى اعتباره فإن أتوا بدل يل – وأ ن ل م به – وإل فكلم هم مردود ‪،‬‬
‫ولذلك فالراجح جواز السح على الف الشفاف الذي ترى من تته البشرة ‪ ،‬لن الدلة‬
‫وردت مطلقة والصل إجراء الطلق على إطلقه ول يقيد إل بدليل ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬اشتراط هم أن يكون ال ف سليما من الروق والفتوق ‪ ،‬وهذا أيضا‬
‫تقييد للمطلق فنقول ‪ :‬وأين الدليل الدال على هذا القيد ؟ وإل فهو قيد باطل ل ينظر إليه‪،‬‬
‫وإ نك إذا نظرت إل تعليل هم ف اشتراط كو نه سليما من الروق وجد ته عليلً وقيا سا‬
‫باطلً ‪ ،‬فال صواب هو جواز ال سح على ال ف الخرق مادام ا سه باقيا ‪ ،‬وي كن متاب عة‬
‫الشي فيه وهو اختيار أب العباس شيخ السلم ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومن ذلك ‪ :‬اشتراطهم ف جواز السح أن يثبت الف بنفسه ‪ ،‬فالذي ل يثبت إل‬
‫بشده فإنه ل يوز ال سح عليه ‪ ،‬وهذا أيضا ق يد يتاج إل دل يل ‪ ،‬فأ ين الدليل الدال على‬
‫ذلك ؟ فالصسواب جواز السسح على الفس ولو ل يثبست إل بشده لن الدلة فس السسح‬
‫وردت مطلقة فل تقيد إل بدليل ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬اشتراط هم لواز ال سح على الف ي ف ال سفر ثل ثة أيا مٍ وليالي هن أن‬
‫يكون سفر طاعة ‪ ،‬وهذا قيد يتاج إل دليل لن الحاديث أثبتت جواز السح ثلثة أيا مٍ‬
‫ولياليهن للمسافر هكذا مطلقا من غي تقييد بسفرٍ دون سفر فأين الدليل الدال على هذا‬
‫الق يد ؟ ف هو إذا با طل ‪ ،‬فال سافر ي سح الدة القررة له شرعا من غ ي اشتراط أن يكون‬
‫سفر طاعة وهو اختيار أب العباس شيخ السلم ‪.‬‬
‫وعلى العموم فإننس سسبت الشروط التس يشترطهسا الفقهاء فس السسح على الفيس‬
‫فلم أجد شيئا منها صالا للعتبار إل شرطي فقط وها ‪ :‬اشتراط الطهارة ‪ ،‬وأن يكونا‬
‫طاهر ين مباح ي ‪ ،‬وهذان القيدان ل ما أدلة كثية يطول القام بذكر ها و به تعرف أه ية‬
‫قاعدة إجراء الطلق على إطل قه وعدم قبول تقييده إل بدل يل شر عي صحيح ‪ ،‬وهذا هو‬
‫الثال الول ‪.‬‬
‫الثال الثان ‪ :‬السح على العمامة فإن الدلة فيها وردت مطلقة إل أنك ترى بعض‬
‫الفقهاء قد اشترط فيها شروطا وقيدها بقيودٍ ل دليل عليها ‪.‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬اشتراط أن تكون منكة أو ذات ذؤابة فأين الدليل على ذلك ؟‬
‫فإن بثت لم عن دليل فلم أجد إل قولم ‪ :‬لنا عمائم العرب ومثل ذلك ل يكون‬
‫مقيدا لكلم الشارع ولذلك فهذه القيود باطلة وال صواب أن ال سح جائز على ما ي سمى‬
‫ف كانت وعلى أي صفة كانت ‪.‬‬ ‫عمامة بأي عر ٍ‬
‫ومـن ذلك ‪ :‬اشتراط الطهارة قبسل لبسسها وهذا أيضا ل دليسل عليسه وقياسسها على‬
‫الغ سول ف الوضوء كالقدم ي لل بس الف ي قياس مع الفارق فال صواب أ نه يوز ال سح‬
‫ث و هو اختيار أ ب العباس لن الدلة وردت مطل قة ول يس ف‬
‫علي ها ولو لب سها على حد ٍ‬
‫شيءٍ منها اشتراط الطهارة ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫و من ذلك ‪ :‬توقيت ها بيو مٍ وليلة للمق يم وثل ثة أيا مٍ للم سافر كالف ي و هو تقي يد‬
‫ل دل يل عل يه ولذلك فال صواب أ نه ي سح علي ها مطلقا لن الدلة وردت مطل قة ول تق يد‬
‫السح عليها بوقت والطلق يري على إطلقه ول يقيد إل بدليل وهو اختيار أب العباس ‪.‬‬
‫الثال الثالث ‪ :‬ال سح على خ ر الن ساء فإن الدلة ف يه وردت مطل قة فال نب ‪ r‬م سح‬
‫على الفي والمار ‪ ،‬والمار اسم لا يغطى به الرأس وكانت أم سلمة تسح على خارها‬
‫وهذه الدلة مطلقة فمن قيدها بشيءٍ فعليه الدليل ‪ ،‬وبه تعرف خطأ من قيد جواز السح‬
‫على المار بكونسه مدارا تتس النسك فإن هذا القيسد ل أصسل له فس كلم ال ورسسوله‬
‫فالصواب جواز السح على المار ولو ل يكن مدارا تت اللق وال أعلم ‪.‬‬
‫ومـن المثلة أيضا ‪ :‬وجوب صسلة المعسة ‪ ،‬فإن الدلة دلت على وجوباس إذا‬
‫تققت الماعة ‪ ،‬هكذا وردت الدلة ‪ ،‬فمن قيد وجوبا بعد ٍد معي فعليه الدليل ‪ ،‬وإن‬
‫ل أعلم إل ساعت هذه دليلً صحيحا صريا ف العداد الت نص عليها الفقهاء ‪ ،‬فالنابلة‬
‫يشترطون الربع ي ول دل يل مع هم إل حد يث جابر (( م ضت ال سنة أن ف كل أربع ي‬
‫ف صاعدا ج عة )) وهذا ضع يف جدا ول تقوم بثله ال جة ‪ ،‬وبعض هم يشترط اث ن ع شر‬
‫ل وي ستدل بد يث جابر ع ند م سلم ف قدوم القافلة من الشام قال ‪ (( :‬فانف تل الناس‬
‫رج ً‬
‫إليها حت ل يبق معه إل اثنا عشر رجلً )) وهذا وإن كان صحيحا لكنه ليس بصريح ف‬
‫الراد وب ا أنه ل دليل يق يد وجوب ا بعد ٍد مع ي فال صل أنه إذا ت قق م سمى الماعة م ن‬
‫ت ب عل يه فإ نه ت ب علي هم وأ قل الما عة اثنان وا حد ي طب ووا حد ي ستمع ‪ ،‬أو على‬
‫ال قل يقال ‪ :‬أ قل ال مع ثلثة وا حد ي طب واثنان ي ستمعان ‪ ،‬وعلى كل حال فالراد أن‬
‫تعرف أن الدليل الطلق يرى على إطلقه ول يقيد إل بدليل صحيح صريح ‪.‬‬
‫ومـن المثلة أيضا ‪ :‬ألفاظ النكاح والبيسع ونوهسا مسن سسائر العقود وردت أدلتهسا‬
‫ط معينة فعليه الدليل‬
‫ظ ل تصح إل به ‪ ،‬فمن قيد صحتها بألفا ظٍ وشرو ٍ‬ ‫مطلقة ل تقيد بلف ٍ‬
‫ولذلك فالراجح أن عقود النكاح والبيع ونوها تصح با تعارف عليه الناس ف مثلها من‬
‫قول أو فعل وهو اختيار أب العباس وال أعلم ‪.‬‬
‫والق صود من هذه المثلة ال ت ذكرت ا لك أن تعرف معر فة جيدة أن الدلة الطل قة‬
‫تب قى هكذا على إطلق ها و من اد عى في ها قيدا أو شرطا زائدا على مرد حقيقت ها فعل يه‬

‫‪103‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الدليل فإن جاء بدليل شرعي صحيح صريح فاقبله واعتمده وإن ل يكن ثة دليل معه وإنا‬
‫هي الذا هب وأقوال الئ مة فاطرح هذا الق يد وأ بق الطلق على إطل قه ‪ ،‬فهذا هو الذي‬
‫أردنا إثباته ف هذه السألة وال يتولنا وإياك ‪.‬‬
‫ال سألة الراب عة ‪ :‬و هي ب يت الق صيد ولب القاعدة و هي في ما إذا كان ل فظ مطلق‬
‫ولفظ آخر مقيد ‪ ،‬فما العمل ف هذه الالة ؟‬
‫والواب عن ذلك أن ف السألة تفصيلً يتاج إل فهم دقيق مع الكثار من ضرب‬
‫المثلة ‪ ،‬فأقول وبال التوفيق ومنه أستمد الفضل وحسن التحقيق ‪.‬‬
‫اعلم – رح ك ال تعال – أ نه إذا ورد ل فظ مطلق ول فظ آ خر مق يد أ نك تن ظر ف‬
‫سبب ورودها والكم الذي يدلن عليه ‪ ،‬ذلك لن الدلة الت تثبت أحكاما شرعية لا‬
‫سبب وردت من أجله وحكم تريد إثباته فأنت عليك أولً أن تنظر ف سبب كل منهما‬
‫وتنظر ف حكم ك ٍل منهما وحينئذٍ إذا نظرت ف ذلك فل يلو المر من أربع حالت ‪:‬‬
‫الالة الول ‪ :‬أن يتلفا ف السبب وال كم ‪ ،‬أي يكون سبب ورودها متلفا عن‬
‫سبب ال خر ‪ ،‬وكذلك ال كم ‪ ،‬فح كم الطلق يتلف تاما عن ح كم الق يد ف في هذه‬
‫الالة ل يب ن أحده ا على ال خر بل يع مل بالدل يل الطلق ف موض عه مطلقا ‪ ،‬ويع مل‬
‫بالدليل القيد ف موضعه مقيدا وهذا بإجاع الصوليي فيما أعلم ول المد والنة‪.‬‬
‫ونضرب لما بثالي ولن نطيل فيهما ‪:‬‬
‫الثال الول ‪ :‬قوله تعال ف ال سرقة ] وَال سّا ِرقُ وَال سّارَِقةُ فَاقْ َطعُوا أَيْ ِدَيهُمَا [ فال يد‬
‫ه نا وردت مطل قة ول تق يد بدٍ ‪ ،‬فهذا الدل يل مطلق ‪ ،‬و سببه ال سرقة ‪ ،‬وحك مه وجوب‬
‫قطع ال يد ‪ ،‬وقال تعال ف آية الوضوء ] َوَأيْ ِديَكُ مْ إِلَى الْمَرَافِ قِ [ فاليد هنا وردت مقيدة‬
‫بالر فق ‪ ،‬وال سبب هو الوضوء ‪ ،‬وال كم وجوب الغ سل ‪ ،‬فه نا ذكرت ال يد ف اليت ي‬
‫مطلقة ف آية السرقة ومقيدة ف آية الوضوء ‪ ،‬فهل نمل الطلق على القيد ونقول إذا يد‬
‫السارق تقطع من الرفق كما أن اليد ف الوضوء تغسل إل الرفق ؟‬
‫فالواب ‪ :‬هو أن ننظر أولً ف سببهما وحكمهما ‪ ،‬فسبب الول السرقة وسبب‬
‫الثانية الوضوء ‪ ،‬فهما إذا متلفتان ف سببهما ‪ ،‬وحكم الول وجوب قطع اليد ‪ ،‬وحكم‬
‫الثانية وجوب غسل اليد ‪ ،‬والق طع يتلف عن الغسل فه ما إذا الطلق والقيد متلفان ف‬

‫‪104‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫سببهما وحكمه ما فه نا ل يب ن الطلق على الق يد بل يع مل بآ ية ال سرقة ف موضع ها‬


‫فل تقيد بالرفق لكننا وجدنا لية السرقة مقيدا صحيحا معتبا كما سيأت إن شاء ال ف‬
‫الالة الرابعة ‪.‬‬
‫و من المثلة أيضا ‪ :‬قوله تعال ف آ ية التي مم ] فَامْ َ‬
‫سحُوا ِبوُجُوهِكُ ْم َوَأيْدِيكُ ْم ِمنْ هُ‬
‫[ فاليد هنا ف التيمم وردت مطلقة ل تقيد بشيء ل برف ٍق ول غيه ث وجدناها قيدت ف‬
‫آ ية الوضوء بالر فق ك ما م ضى ‪ ،‬ف هل نقول ك ما أن ا ف الوضوء إل الر فق فكذلك ف‬
‫التيمم ؟ فهل يبن الطلق على القيد ف هذه الالة ؟‬
‫الواب ‪ :‬عل يك بالن ظر ف ال سبب وال كم ‪ ،‬ف سبب الدل يل الطلق الذي هو آ ية‬
‫التيمم سببه بيان التيمم ‪ ،‬وسبب الدليل القيد بيان الوضوء ‪ ،‬والوضوء شيء والتيمم شيء‬
‫آخر ‪ ،‬فهما متلفان ف الد والكيفية ‪ ،‬وحكم الدليل الطلق وجوب مسح اليد بالصعيد‬
‫الطيب ‪ ،‬وحكم الثانية وجوب غسل اليد بالاء ‪ ،‬والسح شيء والغسل شيء آخر ‪ ،‬فإذا‬
‫الطلق والقيد هنا قد اختلفا ف الكم والسبب فل يبن حينئذٍ الطلق على القيد ‪ ،‬هكذا‬
‫مثل به بعض الصوليي ‪ ،‬وسيأت الثال نفسه ف الالة الثالثة إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ك يف تقول ل يب ن الطلق على الق يد ف هذه الالة و قد قال ج ع من‬
‫العلماء بأن اليد ف التيمم تسح إل الرفق ؟‬
‫فأقول ‪ :‬إن الذين قالوا ذلك إنا استدلوا بأمرين ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬بالقياس على الوضوء ولكنه قياس باطل لنه مع الفارق ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬بديث ابن عمر يرفعه (( التيمم ضربتان ‪ ،‬ضربة للوجه وضربة لليدين إل‬
‫الرفقي )) وهو حديث صريح لكنه ل يصح من جهة سنده ‪ .‬بذين استدلوا فيما أعلم ‪،‬‬
‫ل كن وإن قال بعض هم بأن الطلق يب ن على الق يد ه نا ف هو كلم با طل أيضا لن الطلق‬
‫والق يد ه نا متلفان ف ال كم وال سبب ‪ .‬وال صواب ف هذا أن ال يد ف التي مم ت سح إل‬
‫الرسغ لديث عمار ف الصحيحي ولن اليد إذا أطلقت فإنه يراد با الكف فقط ‪ ،‬وإن‬
‫أريد غي ذلك فإنه يرد مقيدا هذا هو العروف باستقراء أدلة الشريعة وال أعلم ‪.‬‬
‫فهذه هي الالة الول فإذا كان الطلق والق يد متلف ي ف ال سبب وال كم فإ نه‬
‫ل يمل أحدها على الخر بل يعمل بكل منهما ف موضعه على دللته ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الالة الثان ية ‪ :‬أن يتف قا ف ال كم وال سبب ‪ ،‬أي أن يكون سببهما واحدا ‪ ،‬فه نا‬
‫ل شك يب ن الطلق على الق يد بإجاع أ هل العلم في ما أعلم وإن كان بعض هم ذ كر خلفا‬
‫عن النف ية ل كن ل أظ نه ي صح عن إمام هم – عل يه الرح ة والرضوان وأدخله ال ف سيح‬
‫النان – فالجاع هنا قد نص عليه كبار أئمة أهل الصول وفحوله كالقاضي الباقلن‬
‫وا بن فورك والقا ضي ع بد الوهاب والك يا ال طبي والشر يف أ ب ع بد ال التلم سان وأي‬
‫كلم مع نقل هؤلء الفحول الكبار ‪ .‬وابن برهان أيضا نقل ف الوسط خلف أصحاب‬
‫أبس حنيفسة فس هذا القسسم وصسحح مذهبهسم أنسه يمسل ‪ ،‬ونقسل أيضا أبسو زي ٍد النفسي‬
‫وأبو منصور الاتريدي عن أب حنيفة أنه يقول بالمل ف هذه الصورة ‪ ،‬فتحرر وال أعلم‬
‫أن السألة شبه إجاع أو إجاع ‪.‬‬
‫وهذه الالة لا أمثلة كثية جدا لكن قبل الدخول فيها أود أن أوضح لك ما معن‬
‫قولنسا (يمسل) أو (يبنس) الطلق على القيسد ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬أن نعسل هذا القيسد الوارد مقيدا‬
‫للدليل الطلق ‪ ،‬فالطلق ينتهي وسيتضح أكثر مع سياق الفروع الفقهية ‪ ،‬فأقول ‪:‬‬
‫من ها ‪ :‬الدم ورد مطلقا وورد مقيدا ف قوله ] ُح ّرمَ ْ‬
‫ت عََلْيكُ ُم الْ َميَْت ُة وَالدّ مُ وََلحْ مُ‬
‫الْخِنسزِيرِ [ فلم يدد دما ؟ ول يصفه بشيء ‪ ،‬فهو دم مطلق ‪ ،‬وورد مقيدا ف قوله ] َأ ْو‬
‫سفُوحا [ فقيد الدم بكونه مسفوحا وسبب الول ‪ :‬سياق الحرمات من الطعمة ‪،‬‬ ‫دَما مَ ْ‬
‫وسبب الثان أيضا سياق الحرمات من الطعمة ‪ ،‬فهما متفقان ف السبب وحكم الول‬
‫تري الدم ‪ ،‬وحكم الثان أيضا تري الدم ‪ ،‬فهما أيضا متفقان ف الكم فالطلق والقيد‬
‫هنا متفقان ف ال كم وال سبب ‪ ،‬فسببهما وا حد وحكمه ما وا حد ‪ ،‬فيح مل الطلق على‬
‫القيد ف هذه الالة فنقول ‪ :‬إنا الدم الحرم هو الدم السفوح ‪ ،‬فالدم الطلق ف آية الائدة‬
‫مقيد بكونه مسفوحا كما ف آية النعام فانتهى الطلق بعد هذا القيد ‪ ،‬ولذلك فالراجح‬
‫أن الدم الذي يبقى ف العروق بعد الذبح وخروج الدم السفوح أنه دم طاهر وعليه يمل‬
‫حديث عائشة (( فنأكله وخطوط الدم على القدر )) ‪.‬‬
‫وكذلك دم الرح أيضا طا هر لعدم الدل يل الدال على نا سته وال صل ف العيان‬
‫الطهارة و من ن سها فعل يه الدل يل ‪ ،‬ول ي ستدل عل يه بقوله تعال ] ُح ّرمَ تْ عََليْكُ ُم الْ َميَْتةُ‬

‫‪106‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وَالدّ مُ [ لن الدم الراد ه نا هو الدم ال سفوح لوروده مقيدا ف آ ية النعام مع التفاق ف‬


‫الكم والسبب وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ول النكاح وشهوده ‪ ،‬فقال ال نب ‪ (( r‬ل نكاح إل بول وشهود )) فالول‬
‫هنسا مطلق وكذلك الشهود ‪ ،‬وقال عليسه الصسلة والسسلم (( ل نكاح إل بول مرشسد‬
‫وشاهدي عدلٍ )) فورد الول هنا مقيدا بالرشد والشهود قيدوا بالعدالة فهل يمل الطلق‬
‫على الق يد ه نا ؟ الواب ‪ :‬نن ظر أولً ف ال سبب وال كم ‪ ،‬ف سبب الول ‪ :‬بيان شروط‬
‫النكاح ‪ ،‬وسبب الثان ‪ :‬أيضا بيان شروط النكاح ‪ ،‬فهما إذا متفقان ف السبب ‪ ،‬وحكم‬
‫الول اشتراط الول والشهود ‪ ،‬وحكسم الثانس أيضا اشتراط الول والشهود لكسن بصسفةٍ‬
‫زائدة ‪ ،‬فهما أيضا متفقان ف الكم ‪ ،‬فالطلق والقيد إذا اتد سببهما وحكمهما فلشك‬
‫بمل الطلق على القيد ف هذه الالة فنقول ‪ :‬يشترط الرشد ف الول ويشترط العدالة ف‬
‫الشهود وهو القول الصحيح وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ (( r‬إذا فرغ أحدكم من التشهد فليستعذ بال من أربع يقول ‪ :‬اللهم‬
‫إن أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القب ومن فتنة الحيا والمات ومن فتنة السيح‬
‫الدجال )) متفق عليه ‪ ،‬فإن لفظ (التشهد) لفظ مطلق ل يدد با إذا كان الول أو الخي‬
‫‪ ،‬ل كن ورد ف روا ية م سلم (( إذا فرغ أحد كم من التش هد الخ ي فلي قل )) فه نا ورد‬
‫التشهد مقيدا ‪ ،‬وسببهما بيان سنية الدعاء ف التشهد ‪ ،‬وحكمهما استحباب هذا الدعاء ‪،‬‬
‫فلشك يبن الطلق على القيد ف هذه الالة فل يسن هذا الدعاء إل ف التشهد الخي ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬زكاة الغ نم ‪ ،‬فإن الغ نم وردت مطل قة ومقيدة ‪ ،‬فوردت مطل قة ف قوله ‪r‬‬
‫(( ف أربعي شا ٍة شاة )) رواه أحد وأبو داود والترمذي وغيهم ‪ ،‬فالغنم هنا ل توصف‬
‫بشيء يقيدها فيدخل فيها السائمة والعلوفة ‪ ،‬ووردت مقيدة بوصف (السوم) ف قوله ‪r‬‬
‫(( وف صدقة الغنم ف سائمتها )) وف رواية (( ف سائمة الغنم إذا كانت أربعي ففيها‬
‫شاة )) أخرجه البخاري ‪ ،‬فهل يبن الطلق على القيد هنا ؟‬
‫الواب ‪ :‬نن ظر ف سببهما وحكمه ما ‪ ،‬أ ما سببهما فبيان وجوب زكاة الغ نم ‪،‬‬
‫فهما متفقان ف السبب ‪ ،‬وأما حكمهما فهو وجوب الزكاة ف الغنم فهما أيضا متفقان‬

‫‪107‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ف ال كم فل شك ف بناء الطلق على الق يد ف هذه الالة فنقول ‪ :‬ل زكاة إل ف الغ نم‬
‫السائمة الول أو أكثره ‪ ،‬أما العلوفة فل زكاة فيها وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعال ‪ ] :‬وَذَكَرَ ا سْمَ َربّ هِ فَ صَلّى [ فهو مطلق ف الذكر فلم يدد نوعا‬
‫دون نوع ‪ ،‬وقال النب ‪ (( : r‬تريها التكبي )) وهذا مقيد ف تديد هذا الذكر وسببهما‬
‫‪ :‬ال مر بذ كر ال تعال ع ند ال صلة وحكمه ما وجوب هذا الذ كر لكنه مطلق ف الول‬
‫مقيسد فس الثانيسة فيحمسل حينئذٍ الطلق على القيسد ‪ ،‬فنقول ‪ :‬إن الراد بقوله تعال ] َوذَكَرَ‬
‫ا سْمَ َربّ هِ[ الراد به قوله (ال أ كب) لديث علي هذا فل يزئ غي ها عنها ‪ ،‬فال ستدلل‬
‫بالية على جواز الدخول ف الصلة بأي ذكر ليس بصحيح لنا قيدت بالتكبي وإذا قيد‬
‫الطلق بشيء فإن دللته تكون مقصورة على هذا القيد ل تتعداه إل غيه ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬رفع الصبع ف الصلة ‪ ،‬فإنه ورد مطلقا ومقيدا ‪ ،‬فورد مطلقا ف حديث‬
‫ابسن ع مر قال ‪ " :‬كان النسب ‪ r‬إذا قعسد ف الصسلة وضسع يده اليمنس على فخذه اليمنس‬
‫والي سرى على الي سرى وع قد ثلثا وخ سي وأشار بإ صبعه ال سبابة " رواه م سلم ‪ ،‬فر فع‬
‫الصبع هنا مطلق ف كل قعود وبذلك استدل من قال بشروعية رفع الصبع ف اللسة‬
‫ب ي ال سجدتي لن ا قعود ف ال صلة ‪ ،‬ل كن ورد ر فع ال صبع مقيدا ف ب عض الروايات‬
‫الصحيحة أنه رفع ف التشهد فقط ‪ ،‬وسببهما واحد وحكمهما واحد فالطلق هنا يمل‬
‫على الق يد ‪ ،‬فنقول ‪ :‬إن ا ال سنة ف ر فع ال صبع أن يكون ف قعود التش هد ل غيه ‪ ،‬لن‬
‫جيع الروايات الطلقة ف القعود قيدت بقعود التشهد ‪ ،‬فمن اعتقد سنية رفع الصبع ف‬
‫اللوس ب ي ال سجدتي فليأت بدل يل غ ي هذه الدلة الطل قة لن ا قد قيدت ‪ ،‬وإذا ق يد‬
‫الطلق فإنه ل يستدل به إل على ما قيد به فقط ‪ ،‬وال أعلم‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعال ف نفقة النساء ] َفَأنْ ِفقُوا عََلْيهِنّ [ فهو مطلق ف هذه النفقة لكن‬
‫قيدت هذه النف قة بقوله ‪ (( : r‬خذي ما يكف يك وولدك بالعروف )) و سببهما وا حد ‪،‬‬
‫وحكمهما واحد وهو وجوب نفقة النساء ‪ ،‬فيحمل الطلق على القيد ‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬إن ا الوا جب ف النف قة هو ما قرره العرف لقوله تعال ] ول ن م ثل الذي‬
‫عليهن بالعروف [ ‪ ،‬فما عده الناس من النفقة الواجبة فهو واجب ‪ ،‬وما عدوه من النفقة‬
‫الستحبة فهو مستحب وذلك حلً للمطلق على القيد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومن ها ‪ :‬الرضاع فإ نه ورد مطلقا ومقيدا ‪ ،‬فالطلق ف قوله تعال ] وأخوات كم من‬
‫الرضا عة [ ‪ ،‬وقوله ‪ (( : r‬يرم من الرضا عة ما يرم من الن سب )) ف هو مطلق ل يدد‬
‫عددا للرضعات ال ت ب ا يكون ُمحَرّما ‪ ،‬لك نه ورد مقيدا ف حد يث عائ شة الشهور " ث‬
‫ن سخن بم سٍ معلومات " و سببهما وا حد وحكمه ما وا حد ‪ ،‬فيب ن الطلق على الق يد ‪،‬‬
‫فنقول ‪ :‬ل يرم الرضاع إل إذا كان بمسسسس رضعات معلومات ‪ ،‬حلً للمطلق على‬
‫القيد ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعال ‪ ] :‬وَالسّا ِر ُ‬
‫ق وَالسّارَِقةُ فَاقْ َطعُوا أَيْ ِدَيهُمَا [ فهو مطلق ف اليد لنا‬
‫ل تدد ‪ ،‬لكن ورد ذلك مقيدا ف قراءة عبد ال بن عمرو ابن العاص باليمي وهي قراءة‬
‫شاذة لكن ها ح جة إذا صح سندها ‪ ،‬وق يد أيضا بف عل ال نب ‪ r‬فإ نه ق طع ي ي ال سارق‬
‫وكذلك قيد بفعل اللفاء الراشدين وبإجاع السلمي من بعدهم ‪ ،‬وبأن اليد إذا أطلقت‬
‫إن ا يراد ب ا ال كف ل غ ي ‪ ،‬ف كل ذلك ي عد مقيدا لل يد ف ال ية ‪ ،‬فنقول ‪ :‬يد ال سارق‬
‫والسارقة تقطع من مفصل الكف حلً للمطلق على القيد ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬صيام كفارة اليم ي ‪ ،‬فإ نه ورد مطلقا ف قوله تعال ‪] :‬فَ ِ‬
‫صيَا ُم ثَلثَةِ َأيّا مٍ[‬
‫فلم يقيد بالتتا بع ‪ ،‬لكنه ورد مقيدا به ف قراءة ابن مسعود (فصيام ثلثة أيا ٍم متتابعات)‬
‫وهي قراءة شاذة لكنها حجة إذا صح سندها ‪ ،‬فيحمل الطلق على القيد فنقول ‪ :‬لبد أن‬
‫يقع صيام كفارة اليمي متتابعا ‪ ،‬ول يفصل إل لعذرٍ حلً للمطلق على القيد ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬صدقة الفطر عن الرقيق ‪ ،‬فإنا وردت مطلقة ف حديث ابن عمر ‪ ،‬ووردت‬
‫مقيدة بالسسلمي فس بعسض الروايات الصسحيحة ‪ ،‬فيحمسل الطلق على القيسد للتفاق فس‬
‫السبب والكم ‪ ،‬فنقول ‪ :‬إنا تب صدقة الفطر على الرقيق السلمي دون الكافرين لذا‬
‫القيد ‪ ،‬ولنا طهرة للصائم من اللغو والرفث والكافر ل طهرة له إل بالسلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أحاديث جر الثوب ‪ ،‬فإنا وردت مطلقة ومقيدة ‪ ،‬فوردت مطلقة ف قوله‬
‫‪ (( : r‬ثلثسة ل يكلمهسم ال ول ينظسر إليهسم يوم القيامسة ول يزكيهسم ولمس عذاب أليسم‬
‫ال سبل إزاره )) الد يث ‪ ،‬و ف قوله ‪ (( :‬ما أ سفل الك عبي من الزار ف في النار )) ‪،‬‬
‫وورد مقيدا باليلء ف قوله ‪ (( : r‬من جر ثو به خيلء ل ين ظر ال إل يه يوم القيا مة ))‬

‫‪109‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وقال لب بكرٍ (( إنك لست من يره خيلء )) وسببهما بيان حكم السبال ‪ ،‬وحكمهما‬
‫تري السبال ‪ ،‬فهما إذا متفقان ف الكم والسبب فيحمل الطلق على القيد ‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬ل يرم السسبال إل إذا كان مسن باب اليلء والفخسر ‪ ،‬أمسا إذا كان لعذرٍ‬
‫كعي بٍ ف القدم ون و ذلك ‪ ،‬ول يق صد صاحبه اليلء فإ نه ل بأس به لن الحاد يث‬
‫الطل قة ف تر ي ال سبال قيدت باليلء فل يع مل ب ا ف غ ي الق يد ‪ ،‬وإذا نظرت فإن‬
‫الغالب من ير ثوبه إنا يره للزينة والفخر وهذا هو اليلء ‪ ،‬ولذلك يكثر هذا ف أرباب‬
‫الموال والنا صب نعوذ بال من حال م ‪ ،‬فهذه غ يض من ف يض من أمثلة الالة الثان ية ‪،‬‬
‫و هي في ما إذا ات فق الطلق والق يد ف ال كم وال سبب ‪ ،‬وقل نا إذا ات فق الطلق والق يد ف‬
‫الكم والسبب فإن يبن الطلق على القيد ولعلها قد اتضحت إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫الالة الثالثة ‪ :‬أن يتلفا ف الكم ويتفقا ف السبب ‪ ،‬أي أن يكون سبب ورودها‬
‫واحدا ‪ ،‬لكسن حكمهمسا متلف ففسي هذه الالة ل يبنس الطلق على القيسد ‪ ،‬وقسد نقسل‬
‫بعضهم الجاع على هذا لكنه مدخول لثبوت اللف ‪ ،‬لكن الصواب هو عدم المل ف‬
‫هذه الالة لختلف الكسم فس كلٍ منهمسا ‪ ،‬ومثال ذلك ‪ :‬أن الظهار موجسب للكفارة‬
‫وكفار ته مرت بة من ثل ثة أشياء ‪ ،‬من تر ير رقبةٍ ق بل أن يتما سا ‪ ،‬فإن ل يد ها ‪ ،‬ف صيام‬
‫شهر ين متتابع ي من ق بل أن يتما سا ‪ ،‬فإن ل ي ستطيع فإطعام ستي م سكينا ‪ ،‬ف كل هذه‬
‫الكفارات سسببها واحسد وهسو الظهار فهسي متفقسة فس السسبب ‪ ،‬إل أن الكسم فس الرقبسة‬
‫والصسيام مقيسد بأن يكون قبسل السسيس ‪ ،‬والطعام مطلق ل يقيسد بشيسء ‪ ،‬فهسل يقال إن‬
‫الطعام أيضا يكون قبل السيس حلً للمطلق على القيد أو ل ؟‬
‫أقول ‪ :‬ف يه خلف ب ي أ هل العلم فالذ ين يقولون بأن الطلق ي مل على الطلق ف‬
‫هذه الالة قالوا ‪ :‬يقيد ‪ ،‬والذين قالوا ل يمل قالوا ‪ :‬ل يقيد ‪ ،‬وهو الصواب إن شاء ال‬
‫تعال لن ال كم متلف ‪ ،‬والطلق والق يد إذا اتف قا ف ال سبب واختل فا ف ال كم فإن ما‬
‫ل يتداخلن ‪ ،‬ومثلوا له أيضا بال يد الطل قة ف التي مم ف قوله ‪ ] :‬فَامْ سَحُوا ِبوُجُو ِهكُ مْ‬
‫َوأَيْدِيكُ ْم ِمنْ هُ [ فسببه القيام للصلة مع الدث ‪ ،‬وحكمه وجوب السح ‪ ،‬مع قوله تعال‬
‫ف الوضوء ‪َ ] :‬وَأيْ ِدَيكُ مْ إِلَى الْمَرَافِ قِ [ ف سببه أيضا القيام لل صلة مع الدث ‪ ،‬وحك مه‬
‫وجوب الغسل ‪ ،‬فهما متفقان ف السبب إذ سبب ك ٍل منهما القيام للصلة مع الدث ‪،‬‬

‫‪110‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫لكنهما اختلفا ف الكم ‪ ،‬فحكم اليد ف التيمم السح وحكمها ف الوضوء الغسل والسح‬
‫يتلف عن الغ سل ‪ ،‬فل يب ن الطلق على الق يد ف هذه الالة و قد قدم ذ كر اللف ف‬
‫هذه ال سألة قبل قليل ‪ .‬ووضع هذا الفرع هنا أ صح عندي لن ال سبب ف اليتي وا حد‬
‫ليس بختلف ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومثلوا له أيضا بصيام الظهار فإنه يشترط فيه التتابع كما مضى ‪ ،‬وأما الطعام فإنه‬
‫ل يشترط ف يه التتا بع و سببهما وا حد و هو الظهار ‪ ،‬ل كن ال كم متلف فهذا صيام وهذا‬
‫إطعام ‪ ،‬ف هل ن مل الطلق على الق يد ونقول ك ما أن ال صيام يشترط ف يه التتا بع فكذلك‬
‫الطعام يشترط التتابع ‪ ،‬هل نقول ذلك أو ل ؟‬
‫الواب ‪ :‬فيه خلف ينبن على أن الطلق هل يمل على القيد ف هذه الالة أم ل ؟‬
‫وقد رجحنا أنه ل يمل ف هذه الالة فحينئذٍ فالصواب أن الطعام ل يشترط فيه التتابع ‪،‬‬
‫وإنا التتابع ف الصوم فقط ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ط مَا‬ ‫ومثلوا له أيضا بقوله تعال ف كفارة اليمي ‪ِ ] :‬إ ْطعَا ُم عَشَ َرةِ مَسَاكِ َ‬
‫ي مِنْ َأوْسَ ِ‬
‫س َوتُهُمْ [ فأطلق الك سوة وق يد الطعام بالو سط ‪ ،‬و سببهما وا حد‬
‫تُ ْطعِمُو نَ أَهْلِيكُ مْ َأوْ كِ ْ‬
‫وهو اليمي لكن حكمهما متلف ‪ ،‬لن هذا إطعام وهذا كسوة والطعام غي الكسوة ‪،‬‬
‫فهل يقال يمل الطلق على القيد هنا أو ل ؟‬
‫الواب ‪ :‬فيه خلف بي أهل العلم والفصل والراجح أنه ل يبن لختلف الكم‬
‫فل يشترط ف الكسوة أن تكون من الوسط بذا الدليل إل أنه قد وردت أدلة أخرى تنهى‬
‫عن إخراج رديء الال فالوسط ف الكسوة يستفاد من أدلة أخرى غي حل الطلق على‬
‫القيد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وخلصة هذه الالة أنه إذا اتفق الطلق والقيد ف السبب لكن اختلفا ف الكم فإنه‬
‫ل يبن أحدها على الخر ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫الالة الرابعة ‪ :‬وهي عكس الالة الثالثة وهي أن يتفقا الطلق مع القيد ف الكم‬
‫ويتل فا ف ال سبب ‪ ،‬أي يكون حكمه ما وا حد و سببهما متلف ‪ ،‬ف هل يب ن الطلق على‬
‫القيد ف هذه الالة أو ل ؟‬

‫‪111‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫أقول ف يه خلف ب ي أ هل العلم و ف مذهب نا روايتان عن المام أح د ‪ :‬فق يل ي مل‬


‫الطلق على الق يد و هي الروا ية الشهورة ‪ ،‬اختار ها القا ضي أ بو يعلى ‪ ،‬و هي قول ب عض‬
‫الشافعية والالكية ‪ ،‬وقيل ل يمل ‪ ،‬وهي اختيار أب إسحاق بن شاقل ‪ ،‬وهو قول أكثر‬
‫النفية والالكية ‪ ،‬وقال به بعض الشافعية ‪ ،‬ولكلٍ أدلته ‪ ،‬والراجح وال تعال أعلم أنه ف‬
‫هذه الالة يمل الطلق على القيد قياسا للتفاق ف ال كم ‪ ،‬ول ا عندي ف ذه ن بعض‬
‫المثلة ‪ :‬الول ‪ :‬قوله تعال فس شهود البيسع ‪َ ] :‬وَأشْهِدُوا إِذَا َتبَاَي ْعتُم ْ‬
‫س [ فأطلق الشهود‬
‫ول يشترط فيهم العدالة ‪ ،‬وقال ف شهود الرجعة ] َوَأشْهِدُوا َذوَى عَدْلٍ مِْنكُ مْ [ فقيدهم‬
‫بكون م عدول ‪ ،‬وال سبب ف اليت ي متلف ‪ ،‬ف سبب الول الب يع والثان ية الرج عة ‪ ،‬ل كن‬
‫الكم متفق فحكم ك ٍل منهما المر بالشهاد فقد اتفقا ف الكم واختلفا ف السبب ‪،‬‬
‫وقسد رجحنسا أنسه يمسل الطلق على القيسد فيقال ‪ :‬كمسا أن شهود الرجعسة يشترط فيهسم‬
‫ضوْ َن مِ نْ‬
‫العدالة فكذلك شهود البيع حلً للمطلق على القيد ويؤيده قوله تعال ] مِمّ ْن تَرْ َ‬
‫شهَدَاءِ [ ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫س يَتَمَاسسّا‬
‫س َقبْلِ أَن ْ‬ ‫الثانـ ‪ :‬قوله تعال فس رقبسة كفارة الظهار ] َفتَ ْ‬
‫حرِيرُ رََقَب ٍة مِن ْ‬
‫حرِيرُ رََقَب ٍة‬
‫[ فأطلقها ول يددها بشيء ل بإيانٍ ول غيه ‪ ،‬وقال ف رقبة كفارة القتل ] َفتَ ْ‬
‫ُم ْؤمَِنةٍ [ فقيدها باليان ‪ ،‬والسبب متلف فسبب الول الظهار وسبب الثانية القتل ‪ ،‬لكن‬
‫ال كم وا حد و هو وجوب إعتاق الرق بة ف كلٍ ‪ ،‬إذا قد ات فق الطلق والق يد ف ال كم‬
‫واختلفا ف السبب وقد رجحنا أنه يمل الطلق على القيد ف هذه الالة قياسا للتفاق ف‬
‫الكم فيقال ‪ :‬كما أن الرقبة ف كفارة القتل يشترط فيها اليان فكذلك أيضا الرقبة ف‬
‫كفارة الظهار يشترط فيها اليان حلً للمطلق على القيد ‪ ،‬ويؤيده قوله ‪ (( r‬أعتقها فإنا‬
‫مؤمنة )) ولن الكافر حقه أن يبقى ف الرق فإنا الرق قام به بسبب كفره بال تعال ‪.‬‬
‫فهذه هي حالت الطلق والقيد ‪ ،‬فهي أربع حالت ‪ ،‬يبن فيها الطلق على القيد ف‬
‫حالتي ول يبن ف حالتي ‪ ،‬وإذا رجعت إل قاعدة الباب الت نن بصدد شرحها وجدت‬
‫فيها ذ كر الالت ي ال ت يب ن فيها الطلق على القيد فإن نا قلنا (يب ن الطلق على القيد عند‬
‫التفاق ف ال كم) أي إن ال عبة ف البناء هو التفاق ف ال كم وإذا اتف قا ف ال كم فل‬
‫يلو إما أن يتفقا ف السبب ‪ ،‬وإما أن يتلفا وف كلتا الالتي فإنه يبن الطلق على القيد ‪،‬‬

‫‪112‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وأما إذا اختلفا ف الكم فل بناء سواءٌ اختلفا ف السبب أو اتفقا فيه ‪ ،‬فالسبب ف كل‬
‫الالت ل عبة به ‪ ،‬وبالتفصيل مع الختصار أقول ‪ :‬الالت أربع ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬التفاق ف الكم والسبب فيبن الطلق على القيد اتفاقا ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬التفاق ف الكم والختلف ف السبب فيبن على القول الراجح ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬الختلف ف الكم والسبب فل يبن اتفاقا ‪.‬‬
‫الراب عة ‪ :‬الختلف ف ال كم والتفاق ف ال سبب فل بناء على القول الرا جح ‪.‬‬
‫وال أعلم ‪ .‬وهذه هي السألة الرابعة وهي حالت الطلق مع القيد ‪.‬‬
‫السألة الامسة ‪ :‬إن قلت ‪ ،‬فما دليلك على أن الطلق يمل على القيد إذا اتفقا ف‬
‫الكم والسبب أو ف الكم فقط ؟ فأقول ‪ :‬قد دَلّ على ذلك عدة أمور ‪:‬‬
‫ف من ذلك ‪ :‬أن القاعدة ت نص على وجوب إعمال الدليل ي ما أم كن والقول ب مل‬
‫الطلق على القيد فيه إعمال لكل الدليلي ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬قياس الطلق مع القيد على العام مع الاص ‪ ،‬فكما أنه يبن العام على‬
‫الاص فكذلك يبن الطلق على القيد ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬تن سزيه الشري عة عن وجود التعارض فإن نا لو ل ن قل ببناء الطلق على‬
‫القيد لفضى ذلك إل وجود التعارض ف بعض الحكام واللص من ذلك يكون بأمورٍ‬
‫منهـا ‪ :‬بناء الطلق على القيسد ‪ ،‬فالقول ببناء الطلق على القيسد أصسل مسن أصسول‬
‫الشريعة ف دفع التعارض بي الدلة ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬أن الدل يل الطلق ساكت عن هذا الق يد و سكوته ع نه ل يس إلغاء له ‪،‬‬
‫وقسد ثبست بدليسل آخسر فيجسب اعتماده ‪ ،‬فهسو وإن كان زائدا على دللة الطلق لكنسه‬
‫ل يتعارض معها ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬أن القرآن عر ب نزل بال ساليب ال ت تتعا مل ب ا العرب وزاد علي ها ‪،‬‬
‫ومن الساليب العربية أنا تطلق ف مكا ٍن وتقيد ف مكان ‪ ،‬فيحمل الطلق على القيد كما‬
‫قال قيس بن الطم ‪:‬‬
‫عندك راض والرأي متلف‬ ‫ننس باس عندنسا وأنست باس‬

‫‪113‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫والراد ‪ :‬نن با عندنا راضون ‪ ،‬فأطلقها ف البيت الول وقيدها ف البيت الثان ‪،‬‬
‫وال تعال أعلم ‪.‬‬
‫السألة السادسة ‪ :‬وهي زيادة فروع فقهية على هذه القاعدة غي الت مضت لعلها‬
‫تزداد وضوحا على وضوحها فأقول ‪:‬‬
‫من الفروع ‪ :‬قوله تعال ‪َ ] :‬ومَ ْن يَ ْكفُ ْر بِالِيَا نِ َفقَدْ َحبِ طَ عَ َملُ هُ [ فهذا ف يه بيان‬
‫حكم الردة وأنا مبطة للعمل بجردها ‪ ،‬فحبوط العمل إذا بجرد الردة ‪ ،‬لكن ورد ذلك‬
‫ت َو ُهوَ‬
‫مقيدا بقيد آخر وهو الوت على الكفر ف قوله ‪َ ] :‬ومَ ْن يَ ْرتَ ِد ْد ِمنْكُ ْم عَنْ دِينِهِ َفيَمُ ْ‬
‫كَافِرٌ [ فاشترط شرطا زائدا لبوط العمل وهو الوت على الردة فيحمل الطلق على القيد‬
‫‪ ،‬فنقول ‪ :‬إن مرد الردة ل ي بط الع مل التقدم إل إذا مات صاحبه ‪ ،‬أ ما إذا عاد لليان‬
‫فإ نه يعود له ما عمله ق بل الردة ‪ ،‬وينب ن على ذلك أن صلته وح جه وعمر ته و صومه‬
‫وسائر أعماله الصالة باقية له ل يلزمه إعادتا ‪ ،‬مثاب عليها ف الخرة ‪ ،‬أما إذا مات وهو‬
‫م صر على رد ته – والعياذ بال تعال – فإن كل ع مل صال عمله ف و قت إيا نه ي بط‬
‫ويكون هبا ًء منثورا ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعال ‪ِ ] :‬إنّ الّذِينَ َكفَرُوا بَعْدَ ِإيَاِنهِ ْم ثُمّ ازْدَادُوا ُكفْرا لَ ْن ُت ْقبَ َل َت ْوبَُتهُمْ‬
‫[ قال بعسض العلماء ‪ :‬يعنس إذا أخروا التوبسة إل حضور الوت حلً لذه اليسة على قوله‬
‫ت التّ ْوَبةُ لِلّذِي َن َيعْمَلُو َن ال سّّيئَاتِ َحتّى ِإذَا َحضَرَ أَحَ َدهُ ْم الْ َموْ تُ قَالَ إِنّي‬
‫تعال ‪ ] :‬وََليْ سَ ِ‬
‫ُتبْ تُ ال نَ [ ولعموم الدلة الدالة على أن من تاب قبل طلوع الشمس من مغربا وغرغرة‬
‫الروح تاب ال عليه ‪ ،‬وأن ال يغفر الذنوب جيعا ‪ ،‬فلذلك حلنا الية الول على ما إذا‬
‫أخر التوبة إل حضور الجل جعا بي الدلة بمل الطلق على القيد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬حد يث عائ شة ف الفوا سق ال مس ال ت تق تل ف ال ل والرم ‪ ،‬فإن في ها‬
‫"والغراب" هكذا مطلقا ‪ ،‬ل كن ورد ف ن فس الد يث ف روا ية ل سلم "والغراب الب قع"‬
‫فيح مل الطلق على الق يد ‪ ،‬و من اد عى أن روا ية الطلق أر جح لتفاق الشيخ ي علي ها‬
‫ل بينهما حت نرجح ‪ ،‬إذ المع مكن يمل الطلق على‬ ‫فلم يصب ‪ ،‬لنه ل تعارض أص ً‬
‫القيد وإذا أمكن المع فل يصار إل الترجيح ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬قضت السنة ف الحرم أنه إن ل يد نعلي فليلبس الفي ‪ ،‬لكن أمر النب ‪r‬‬
‫بلبس الفي مطلقا ومقيدا ‪ ،‬فأمر بلبسهما مطلقا أي من غي قطع ف حديث ابن عبا ٍ‬
‫س‬
‫وجابر رضي ال عنهما ‪ ،‬وورد لبسهما مقيدا بالقطع أي بقطعهما حت يكونا أسفل من‬
‫الكعبي ف حديث ابن عمر ‪ ،‬وسببهما واحد وحكمهما واحد ‪ ،‬فل شك ف بناء الطلق‬
‫على الق يد ه نا ‪ ،‬فنقول ‪ :‬الحرم إذا ل ي د النعل ي فله أن يل بس الف ي وليقطعه ما ح ت‬
‫يكونا أسفل من الكعبي ‪ ،‬وهذا المع هو الواجب بي هذه الحاديث ‪ ،‬وهو أصح من‬
‫مذهب من قال بأن القطع منسوخ لتأخي حديث ابن عباس وجابر وليس فيهما المر به ‪،‬‬
‫لننا نقول ‪ :‬قد تقرر ف الصول أنه إذا أمكن المع فل تعارض ‪ ،‬وهنا يكن المع بمل‬
‫الطلق على القيد وخصوصا مع التفاق ف الكم والسبب كما هنا ‪ ،‬ومرد تأخر الطلق‬
‫عن القيد ل يضر ‪ ،‬كما أنه ل يضر تأخر العام على الاص ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ركوب الدي ‪ ،‬فقد ورد جواز ركوبه مطلقا كما ف حديث ((اركبها))‬
‫فقال الر جل إن ا هدي ‪ ،‬فقال ‪(( :‬اركب ها)) فهذا ف يه جواز ركوب الدي هكذا مطلقا ‪،‬‬
‫ل كن و قع ف روا ية م سلم أن ال نب ‪ r‬قال للر جل ‪ (( :‬اركب ها بالعروف إذا ألئت إلي ها‬
‫حتس تدس ظهرا )) فهذا قيسد لواز ركوب الدي ‪ ،‬وهسو إذا دعست لركوبسه الاجسة‬
‫والضرورة ‪ ،‬فهو ق يد ل بد من اعتباره ‪ ،‬فنقول ‪ :‬يوز ركوب الدي إذا دعت له الا جة‬
‫والضرورة فحملنا الطلق على القيد للتفاق ف الكم والسبب ‪.‬‬
‫وبذا ينتهسي الكلم على هذه القاعدة العظيمسة الهمسة جدا ‪ ،‬فالذي ينبغسي للطالب‬
‫مراجعتها وإجادة التفريع عليها ‪ ،‬وفق ال الميع لا يبه ويرضاه ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة الثانيـة عشـرة‬


‫(القـرآن اسـم للنظـم والعن معـا)‬

‫وهي من ُملَ ِح القواعد الصولية وأيسرها ‪ ،‬وإنا ذكرتا هنا من باب الترويح عن‬
‫النفس ‪ ،‬وهي من أصول القواعد ‪ ،‬وذكرتا ليتعرف الطالب على أحكام الفروع الندرجة‬
‫تتها ‪ ،‬فقد كثر السؤال عن هذه الفروع فأحببت الجابة عنها بالكلم على هذه القاعدة‬
‫فأقول ‪:‬‬
‫فأما القرآن فهو معروف وغن عن التعريف إل أن أنبه هنا إل قضية مهمة وهي أن‬
‫القرآن هو العجزة ال كبى ال ت أوتي ها نبي نا ‪ ، r‬وأن إعجاز القرآن م ستفاد من مموع‬
‫ألفاظه ومعان يه ل ي ستقل أحد ها عن ال خر بالعجاز ‪ ،‬وكل ها أع ن اللفاظ والعا ن من‬
‫ال تعال ‪ ،‬وعقيدتنا فيه أنه كلم ال منسزل غي ملوق منه بدأ وإليه يعود ‪ ،‬وهذا القرآن‬
‫له أحكام عندنا ف شريعتنا كثية ‪ ،‬نذكرها ف الفروع إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫والراد بقول نا ‪( :‬للن ظم) هو العبارات الدالة على العا ن ‪ ،‬والراد بقول نا ‪( :‬والع ن)‬
‫أي مدلولت هذه اللفاظ ‪.‬‬
‫ومعن هذه القاعدة ‪ :‬أن القرآن الذي أنسزله ال تعال على عبده ورسوله ممد ‪r‬‬
‫مكون من أمر ين ‪ :‬من اللفاظ ‪ ،‬و من العا ن ‪ .‬فمجموع اللفاظ والعا ن هي القرآن ‪،‬‬
‫فليس القرآن هو اللفظ فقط ‪ ،‬وليس هو العن فقط ‪ ،‬بل هو اسم للنظم أي اللفظ والعن‬
‫معا ل يفرد أحدها عن الخر ‪ ،‬وهذا هو مذهب أهل السنة والماعة ‪ ،‬ول ينبغي عندي‬
‫– وال أعلم – أن تعل هذه السألة من مسائل الفروع الت يسوغ فيها اللف ‪ ،‬بل هي‬
‫ف الق من مسائل الصول ‪ ،‬ول أعلم خلفا ف أن القرآن اسم للنظم والعن معا إل ما‬
‫يروى عن المام أب حنيفة ‪ ،‬لكن خطّأ الحققون ف مذهبه هذه النسبة ورجحوا أنه يقول‬
‫ب ا يقول به أ هل ال سنة ‪ ،‬ول غرو فإ نه رح ه من أ هل ال سنة في ما ن سبه وح سيبه ال ‪،‬‬
‫ول ي سلم أ حد من ال طأ والع صوم من ع صمه ال ‪ ،‬والذ ين نقلوا ع نه غ ي ذلك إن ا‬
‫استفادوا ذلك استنباطا من بعض الفروع ل أنم نقلوا ذلك نصا عنه ‪ ،‬ولذلك فالصواب‬
‫عنه أنه يقول با يقول به أهل السنة ‪ ،‬وهذا الظن به رحه ال رحة واسعة ورضي عنه ‪،‬‬

‫‪116‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ع مشهورة يعرف ها ال كبي وال صغي‬‫فلله دره كم له ف ال سلم من أيادٍ مشكورة وم سا ٍ‬


‫فل نظن به إل خيا ‪.‬‬
‫وإن لعجب أشد العجب من أنا سٍ أطلقوا ألسنتهم بالسوء فيه ‪ ،‬ول نعلم عليه إل‬
‫خيا ‪ ،‬فال حسيبهم فإن لوم العلماء مسمومة وعادة ال ف منتهكي أعراضهم معلومة ‪،‬‬
‫فانج بنفسك مع أهل النجاة ‪ ،‬ودع العلماء للعلماء ‪ ،‬ول تظن بأخيك إل خيا ‪ ،‬فكيف‬
‫إذا كان عالا زاهدا ورعا تقيا نقيا كالمام أ ب حني فة ‪ ،‬فأ ين ن ن م نه ؟ و هل ن ن ف‬
‫السلم إل كغبار قدميه ‪ ،‬والقصود أن النقل الصحيح عنه ف هذه السألة موافق لا عليه‬
‫أهل السنة من أن القرآن اسم للنظم والعن ‪ ،‬وأن التفريق بينهما إنا هو مسلك الالكي‬
‫من أ هل البدع ‪ ،‬و قد نص أ بو العباس ا بن تيم ية على هذه القاعدة ف موا ضع كثية من‬
‫كتبه كالعقيدة الواسطية وغيها ‪.‬‬
‫إذا علمـت هذا فاعلم أنـه يبنـ على هذه القاعدة عدد مـن الفروع أذكرهـا‬
‫متصرة فأقول ‪- :‬‬
‫منها ‪ :‬هل ترجة العان تسمى قرآنا أو ل ؟‬
‫الواب ‪ :‬يعرف من هذه القاعدة وهو أن الترجة أهلت لفظ القرآن ‪ ،‬وإنا عنيت‬
‫بترجة معانيه فقط ول تعلق لا باللفاظ فإنا فيها العن فقط ‪ ،‬والقرآن اسم للفظ والعن‬
‫معا ‪ ،‬فعلى هذا فل تسمى الترجة قرآنا لختلل الركن الثان وهو النظم وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما حكم قراءة الفاتة بغي العربية ف الصلة ؟‬
‫وجوابسه يعرف مسن هذه القاعدة فذهسب المهور إل أن القرآن ل يقرأ فس الصسلة‬
‫وغيها بغي العربية ‪ ،‬وأن من قرأه ف الصلة بغي العربية أن صلته باطلة ‪ ،‬وذهب أئمة‬
‫النف ية ف الشهور عن هم إل جواز قراءة الفات ة ف ال صلة بالفار سية فمن هم من قيد ها‬
‫بالع جز عن العرب ية ‪ ،‬ومن هم من أطلق ذلك ‪ ،‬و من هذا الفرع قال من قال بأن النف ية‬
‫يقولون بأن القرآن اسم للمعن فقط دون النظم ‪ ،‬ولكنه ليس بصريح ف ذلك لن النقول‬
‫عنهم هو ما قدمناه لك وإنا وجهة نظرهم ف ذلك هو لن النظم مبن على التوسعة ولن‬
‫القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شا فٍ كا فٍ كما ف الديث فلما تعسر تلوته بلغة‬
‫قريش على سائر العرب نزل التخفيف وأذن بتلوته بسائر لغات العرب واتسع المر حت‬

‫‪117‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫جاز لكل فريق أن يقرؤه بلغتهم ولغة غيهم ‪ ،‬فيجوز للقرشي أن يقرأه بلغة تيم مثلً مع‬
‫كمال قدر ته على ل غة نف سه ‪ ،‬ولذلك أجازوا قراء ته بالفار سية ول كن هذا الذ هب ل يس‬
‫بصحيح والصواب هو ما ذهب إليه المهور لن القرآن اسم للنظم والعن معا ‪ ،‬والقراءة‬
‫بالفارسسية إناس حلت العنس دون اللفسظ ‪ ،‬وأمسا اختلف لغات العرب فهسي داخلة مسع‬
‫اختلفها تت اللسان العرب فل ترج عن قوله تعال ] بِلِسَانٍ عَ َربِيّ ُمبِيٍ [ وقوله تعال ]‬
‫قُرآنا عَ َرِبيّا َغيْرَ ذِي ِعوَ جٍ [ وأما الفارسية فهي لسان أعجمي يتلف فيه النظم عن نظم‬
‫القرآن ‪ ،‬ولن القرآن معجز ف لفظه ومعناه فإذا غُيّر خرج عن نظمه فلم يكن قرآنا‪ ،‬وإذا‬
‫كان النسسان عاجزا عسن قراءة القرآن بالعربيسة فله أن ينتقسل إل البدل وهسو التسسبيح‬
‫والتهليل على ما هو مقرر ف حديث عبد ال بن أب أوف ‪.‬‬
‫وخلصسة هذا الفرع أن قراءة القرآن فس الصسلة (الفاتةس أو غيهسا) ل يزئ بغيس‬
‫العربية لن القرآن اسم لجموع النظم والعن ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ح كم ترج ة القرآن ‪ ،‬فأ ما ترج ته ترج ة لفظ ية فل أ ظن أحدا يقدر عل يه‬
‫فكم فيه من اللفاظ والتراكيب والعجاز الذي سيختل بسبب هذه الترجة ‪ ،‬وأما ترجة‬
‫معانيه فهي جائزة على القول الراجح لكنها ل تكون حينئذٍ قرآنا ول تأخذ أحكام القرآن‬
‫وإن ا ترى مرى كتب التف سي و سائر ك تب العلم ال ت ل ا حر مة ل كن ل تكون كحر مة‬
‫القرآن ول تأخذ أحكام القرآن وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬إذا ترجت العان فهل يوز للمحدث والنب والائض مسها ؟‬
‫الواب ‪ :‬يب ن هذا على القول بأن القرآن ا سم للن ظم والع ن ‪ ،‬وهذه الترج ة إن ا‬
‫سظ فل تكون حينئذٍ قرآنا ‪ ،‬وإنا س الدلة دلت على أن الحدث‬‫حلت العن س دون اللفس‬
‫بقرآنس فيجوز حينئذٍ مسسها‬
‫ٍ‬ ‫والنسب والائض ل يسسون مسا يسسمى قرآنا وهذه ليسست‬
‫وقراءتا لم بل كراهة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬هل يوز السفر بالترجة لرض العدو ؟‬
‫الواب ‪ :‬أيضا يب ن على هذه القاعدة ‪ ،‬و هو أن ال نب ‪(( r‬ن ى عن ال سفر بالقرآن‬
‫لرض العدو مافة أن تناله أيديهم)) والقرآن اسم للنظم والعن جيعا ‪ ،‬وهذه الترجة قد‬
‫اختل فيها النظم فليست هي بقرآن فالسفر با لبلد العدو جائز ل بأس به ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬اللف بالقرآن جائز عند أهل السنة باعتبار أنه كلم ال وكلمه صفة من‬
‫صفاته جل وعل يوز اللف با ‪ ،‬فهل إذا ترجت العان يوز اللف با ؟‬
‫الواب ‪ :‬يعرف من هذه القاعدة ‪ ،‬فالقرآن ا سم للن ظم والع ن جيعا والترج ة قد‬
‫اختل النظم فيها فل تكون قرآنا فإذا بطلت قرآنيتها فل يوز اللف با لنا ليست من‬
‫كلم ال وإن ا هي من كلم الب شر وكلم الب شر ملوق والخلوق ل يوز اللف به وال‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن ادعاء وجود اللل والنقص ف الترجة ليست بكف ٍر لنا يعتريها النقص‬
‫ل أو نقصا‬
‫إذ هي من عمل البشر وليست بقرآن ولو كانت قرآنا لكفر من ادعى فيها خل ً‬
‫لكن لا ل يكفر دل على أنا ليست بقرآ ٍن وأنا ل تأخذ أحكامه ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن من قرأ الترجة فإنه يثاب على ما اكتسبه من العلم فقط لكن ل يأخذ‬
‫ف من ها ح سنة لن ا لي ست بقرآن ‪ ،‬أ ما القرآن فإن له ب كل حر فٍ ح سنة فدل‬
‫ب كل حر ٍ‬
‫ذلك على اعتبار النظم والعن معا ول يفرد أحدها عن الخر ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن قراءة الترجة ل يتعبد با لذاتا ‪ ،‬وأما قراءة القرآن فيتعبد با لذاتا فدل‬
‫على اعتبار النظم والعن معا ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أن ن ظم القرآن ل يوز إبداله ول الزيادة ف يه ‪ ،‬وأ ما الترج ة فيجوز إبدال‬
‫شيء من اللفاظ بأوضح منها والزيادة فيها أو اختصارها إذا كان العن سليما فلو كانت‬
‫قرآنا لا جاز ذلك لكنها ليست بقرآن لختلل النظم فيها ‪ ،‬فهذا دليل على اعتبار النظم‬
‫والعن معا ‪.‬‬
‫ولعلك بذه الفروع قسد اتضسح لك مسا أريسد إثباتسه وهسو التأكيسد على أن القرآن‬
‫ل ي سمى قرآنا إل إذا تو فر ف يه الن ظم والع ن ول يفرد أحده ا عن ال خر وأ نه إذا أفرد‬
‫الع ن عن الن ظم فإ نه يرج عن م سمى القرآن فل يأ خذ أحكام القرآن وال يتول نا و هو‬
‫أعلم وأعلى ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة الثالثـة عشـرة‬


‫( تأخي البيـان عن وقـت الاجـة ل يـوز )‬

‫اعلم أن عندنا مسألتي بثها علماء الصول رحهم ال تعال ف تأخي البيان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬حكم تأخي البيان عن وقت العمل بالطاب ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬حكم تأخيه إل وقت الطاب ‪.‬‬
‫وقاعدتنا هذه إنا تص السألة الول ل الثانية ‪ ،‬لن الول هي الت تشتد الاجة‬
‫لعرفتها لكثرة الفروع عليها ‪ ،‬أما الثانية فنشي إليها مرد إشارة مع بعض أدلتها ف آخر‬
‫الكلم على هذه القاعدة إن شاء ال تعال ‪ ،‬وأ ما ما أر يد ب ثه والطالة ف يه هو ال سألة‬
‫الول وهي قولنا ‪ :‬هل يوز تأخي البيان عن وقت الاجة أو ل ؟‬
‫فأقول ‪ :‬اعلم رحكس ال تعال أن العلماء قسد اتفقوا جيعا على أنسه ل يوز تأخيس‬
‫البيان عن و قت الا جة ‪ ،‬والراد بو قت الا جة ‪ :‬أي و قت الا جة إل الع مل بالطاب‬
‫الجمل ‪ ،‬فإذا خاطبنا ال تعال بطاب ممل وهو خطاب مثلً يأمرنا بفعلٍ ف وقت من‬
‫الوقات ‪ ،‬ول كن هذا الطاب م مل ف ال صفة أو القدار فإ نه ل بد إذا جاء الو قت الذي‬
‫أمرنا بإيقاع مقتضى الطاب فيه لبد أن يأت البيان لذا الجمل ‪ ،‬ول يكن أبدا أن يتأخر‬
‫عن و قت الا جة ‪ ،‬وهذا بالتفاق ول ال مد ‪ ،‬و قد ح كى التفاق على ذلك ج ع من‬
‫العلماء كابسن قدامسة والشيازي فس اللمسم وابسن السسمعان والباجسي والغزال وغيهسم ‪،‬‬
‫والتفاق هنا خاص بالوقوع الشرعي فإنم اتفقوا على أنه ل يقع ف الشرع ذلك ‪ ،‬أي ل‬
‫يؤخر بيان ف وقت الاجة إليه ‪.‬‬
‫أمسا الواز العقلي أي ‪ :‬هسل يوز ذلك عقلً ؟ فهنسا وقسع اللف ‪ ،‬لكسن ل عسبة‬
‫بالع قل مع الشرع ول خ ي ف يه إذا ل ي كن م ستنيا بنوره ‪ ،‬ون ن نب حث ه نا ف الواز‬
‫الشرعسي ل الواز العقلي ‪ ،‬ونبهست على ذلك خشيسة أن يرى أحسد خلف العلماء فس‬
‫الواز العقلي فيقول ‪ :‬كيسف تدعون الجاع فس هذه السسألة وقسد ثبست اللف فيهسا ‪،‬‬
‫فالواب أن التفاق الذي ذكرناه إنا هو ف الوقوع الشرعي ل ف الواز العقلي ‪.‬‬
‫وقد استدل العلماء على ما اتفقوا عليه بأدلة نقلية وعقلية ‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فمن الدلة ‪ :‬قوله تعال ‪ ] :‬ل ُيكَلّ فُ اللّ ُه َنفْسا إِل وُ ْس َعهَا [ ‪ ،‬وقوله تعال ‪َ ] :‬رّبنَا‬
‫وَل ُتحَمّ ْلنَا مَا ل طَاَقةَ َلنَا بِهِ[ ‪ ،‬قال ال ‪( :‬قد فعلت) كما ف مسلم ‪ ،‬وقوله تعال‪ ] :‬يُرِي ُد‬
‫اللّ ُه ِبكُ ُم اْليُسْ َر وَل ُيرِي ُد بِكُ ُم اْلعُسْرَ [ فهذه الدلة تفيد إفادة قطعية أن ما كان خارجا عن‬
‫وسع النفس وما ليس داخلً تت طاقتها فإنا ل تكلف به ‪ ،‬ومطالبتها بالعمل بالجمل‬
‫فعسل البيان خارج عسن وسسعها وطاقتهسا فل تطالب بسه ‪ ،‬فلبسد مسن بيانسه إذا جاء وقست‬
‫العمل ‪ ،‬ولن الطالبة بالعمل بالجمل قبل بيانه من العسر ‪ ،‬وقد نفى ال تعال إرادته بنا‬
‫فكان من مقتضى ذلك أن ل نطالب بالعمل به قبل بيانه ‪ ،‬فإذا جاء وقت الاجة له فلبد‬
‫من بيانه لن هذا من اليسر الذي يريده ال بنا ‪.‬‬
‫و من الدلة أيضا ‪ :‬أن و قت الا جة و قت للداء فإذا ل ي كن مبينا تعذر الداء ‪،‬‬
‫فالداء إذا ضرورة من الضروريات ال ت ل بد من ها ‪ ،‬والشري عة را عت باب الضروريات‬
‫ول تترك شيئا م نه ‪ ،‬فإذا كان البيان ع ند و قت الا جة إل يه ضرورة ‪ ،‬فإ نه إذا ل بد من‬
‫وروده مراعاة لزالة هذه الضرورة ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬إجاع العلماء على ذلك ‪ ،‬كما نقلته سابقا عن بعضهم ‪ ،‬فهذه‬
‫الدلة تفيدك قطعا ما قررته هذه القاعدة ‪.‬‬
‫وإليك الن بعض الفروع عليها تنبيها على غيها ل حصرا ‪ .‬فأقول ‪:‬‬
‫من ها ‪ :‬اختلف العلماء ف غ سل ما صاده الكلب بف مه ‪ ،‬فمن هم من قال بأ نه ي ب‬
‫غ سل مو ضع ف مه ‪ ،‬ومن هم من قال بأ نه ي ستحب ذلك ول ي ب ‪ ،‬وا ستدل الولون بأن‬
‫لعاب فمه نس فيتلوث الصيد به فلبد من غسله ‪ ،‬كما أنه لو ولغ ف الناء فلبد من‬
‫غ سله فكذلك ما باشره بف مه ي ب غ سله ‪ ،‬وقال الخرون ‪ :‬ل ي ب ذلك لن ال تعال‬
‫سكْ َن عََلْيكُ ْم وَاذْكُرُوا ا سْمَ اللّ هِ‬
‫قال ‪ُ ] :‬مكَّلبِيَ ُتعَلّمُوَنهُنّ مِمّا عَلّ َمكُ مُ اللّ هُ َفكُلُوا مِمّا َأمْ َ‬
‫عََليْ هِ [ فأجاز ال كل م ا صاده الكلب العلم بشرط الت سمية وأن يكون صاد ل نا ل له ‪،‬‬
‫ول يذكسر لنسا هنسا وجوب غسسله فلو كان واجبا لذكره ‪ ،‬لن تأخيس البيان عسن وقست‬
‫الا جة ل يوز ‪ ،‬يو ضح ذلك حد يث عدي ف ال صحيحي أ نه سأل ال نب ‪ r‬عن صيد‬
‫الكلب وما يب فيه ‪ ،‬وكان جاهلً – فأخبه النب ‪ r‬أن ‪ (( :‬ما صاده بكلبه العلم وذكر‬
‫اسم ال عليه فليأكله )) ول يقل فاغسله وكل ‪ ،‬ول يفرق بي ما إذا صاده بفمه أو غيه‬

‫‪121‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فدل ذلك على أنه لو كان غسل الصيد واجبا لذكره ‪ ،‬فلما ل يذكر ول يبينه مع جهل‬
‫عدي بذلك و مع أ نه و قت الا جة للبيان فل ما ل يذ كر له غ سله دل على عدم وجو به ‪،‬‬
‫لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪ ،‬وهذا هو الراجح أن غسل ما صاده الكلب‬
‫بفمه ل يب وإنا يستحب فقط ‪ ،‬تريا على هذه القاعدة ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬حديسث السسيء صسلته ‪ ،‬ففسي الصسحيحي بسل عنسد السسبعة جيعا عسن‬
‫أب هريرة ‪ t‬قال ‪ " :‬دخل رجل السجد فصلى ث جاء فسلم على النب ‪ r‬فرد عليه وقال‬
‫‪(( :‬ارجع فصل فإنك ل تصل)) فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ث جاء فسلم على‬
‫ال نب ‪ r‬فرد عل يه وقال ‪(( :‬ار جع ف صل فإ نك ل ت صل)) فر جع الر جل ف صلى ك ما كان‬
‫صلى ث جاء ف سلم على ال نب ‪ r‬فرد عل يه وقال ‪(( :‬ار جع ف صل فإ نك ل ت صل)) فقال‬
‫الرجل والذي بعثك بالق ل أح سن غي هذا فعلم ن ‪ ،‬فقال ‪(( : r‬إذا ق مت إل الصلة‬
‫فأسبغ الوضوء ث استقبل القبلة فكب ‪ ،‬ث اقرأ ما تيسر معك من القرآن ‪ ،‬ث اركع حت‬
‫تطمئن راكعا ‪ ،‬ث ارفع حت تعتدل قائما ‪ ،‬ث اسجد حت تطمئن ساجدا ‪ ،‬ث افعل ذلك‬
‫ف صلتك كلها حت تقضيها)) " فهذا الديث العظيم عمدة ف معرفة أركان الصلة ‪،‬‬
‫فهذا الرجسل جاهسل ‪ ،‬والنسب ‪ r‬فس مقام تعليسم ‪ ،‬فلشسك أنسه سسيعلمه جيسع الركان‬
‫والواجبات الت ف الصلة ‪ ،‬لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪ ،‬فل يكن أبدا أن‬
‫يكون ث ة ر كن أو وا جب تر كه ال نب ‪ r‬ول يعل مه هذا الر جل ‪ ،‬وبناءً على هذا فأي أم ٍر‬
‫قول أو فعلي ل يرد ف هذا الد يث فإ نه ليس بواج بٍ إل بدل يل خاص صريح ‪ ،‬لنه لو‬
‫كان واجبا لبينه لذا الاهل صلته ‪ ،‬فلما ل يبينه دل على عدم وجوبه ‪ ،‬لن تأخي البيان‬
‫عن وقت الاجة ل يوز ‪ ،‬لكن ينبغي لك قبل أن تكم بذلك أمر مهم وهو ‪ :‬أن تبذل‬
‫جهدك ما استطعت ف جع روايات هذا الديث وطرقه التناثرة ‪ ،‬وتعرف الصحيح منها‬
‫والضع يف ح ت يكون نف يك على عل ٍم وب صية ل على جه ٍل وهوى ‪ ،‬و قد أفرده ب عض‬
‫أهل العلم ف رسالة مستقلة ‪ ،‬وقد ذكر المام الشوكان ف نيل الوطار طرفا كبيا من‬
‫طرقه ‪ ،‬فعليك بتتبعها وتنقيحها ‪ ،‬ث تعله مقياسا لا هو واجب ف الصلة أو ركن ما‬
‫ليس كذلك ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫إذا علمت هذا فاعلم أن هناك أشياء كثية من أقوال الصلة وأفعالا اختلف العلماء‬
‫ف حكمها ‪ :‬كجلسة الستراحة ‪ ،‬وتكبي النتقال والتسميع ‪ ،‬وتسبيح الركوع والسجود‬
‫ووضع اليدين على الركبتي حال الركوع ‪ ،‬والسجود على العضاء السبعة ‪ ،‬ورفع اليدين‬
‫حال تكسبية الحرام والتشهديسن الول والثانس وغيهسا ‪ ،‬كسل ذلك ماس اختلف فيسه ‪،‬‬
‫والبحث فيه أولً أن تمع روايات هذا الديث التفرقة من بطون كتب الديث ث ينظر‬
‫فيها ‪ ،‬فما أثبتته فهو الركن أو الواجب ‪ ،‬وما ل فهو سنة ‪.‬‬
‫ولول خوف الطالة لذكرنا اللف مع الراجح ف كل واحد ٍة منهن ‪ ،‬لكن نذرك‬
‫لفهمك وبثك وال خي معي وهو أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬خلف العلماء ف انتقاض الوضوء بس الرأة ‪ ،‬فيه خلف بي العلماء على‬
‫أقوالٍ ‪ ،‬فقيل بعدمه مطلقا ‪ ،‬وقيل بالنقض مطلقا ‪ ،‬وقيل إذا كان بشهوة أما بدونا فل ‪،‬‬
‫وا ستدل القائلون بالن قض بقوله تعال ‪] :‬أو ل ستم الن ساء [ وهذا ف قراءة سبعية و هي‬
‫مفيدة أن مسس النسساء ناقسض للوضوء ‪ ،‬وقال الذي نفسى ذلك إن الدلة دلت على عدم‬
‫ذلك ‪ ،‬ف في ال صحيحي " أن ال نب ‪ r‬صلى و هو حا مل أما مة ب نت زي نب ‪ ،‬فإذا سجد‬
‫وضع ها وإذا قام حل ها " ‪ ،‬ول سلم " و هو يؤم الناس ف ال سجد " ‪ ،‬وفيه ما أيضا عن‬
‫عائشة " أنا كانت تنام قدام النب ‪ r‬معترضة اعتراض النازة فكان إذا سجد غمز رجلها‬
‫فقبضتها " ‪ ،‬وف صحيح مسلم أنا افتقدته ليلة فبحثت عنه فوقعت يدها على قدميه وهو‬
‫ساجد يدعو ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬إن هذا اللمس الذكور ف الدلة كان بغي شهوة ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬والية وردت هكذا مطلقة بدون قيد فلماذا قيدتوها بالشهوة ‪.‬‬
‫ونقول ‪ :‬و قد روى أح د وغيه عن عائ شة ر ضي ال عن ها أن ال نب ‪ r‬قبّ ل ب عض‬
‫نسائه ث خرج إل الصلة ول يتوضأ ‪.‬‬
‫ونقول ‪ :‬ل يزال ال سلمون يلم سون ن ساءهم بشهوةٍ وبغ ي شهوة وهذا م ا ت عم به‬
‫البلوى ومع ذلك ل يثبت عنه ‪ r‬كلمة واحدة أنه أمر بالوضوء من مس النساء ‪ ،‬فلو كان‬
‫ذلك ناقضا للوضوء لبينه ‪ ،‬كما بي غيه من النواقض بيانا شافيا كافيا لسيما ومع شدة‬
‫الا جة له وكثرة الوقوع ف يه ‪ ،‬فل ما ل يث بت ع نه ف ذلك ش يء ل من قوله ول من فعله‬

‫‪123‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ول مسن إقراره دل على أنسه ليسس بشيءٍ ‪ ،‬لن تأخيس البيان عسن وقست الاجسة ل يوز ‪،‬‬
‫وهذا القول هو الصحيح الذي تدل عليه هذه الدلة وتؤيده هذه القاعدة ‪ ،‬وأما الية فإنا‬
‫س ُم النّسسَاءَ [ وهسو الماع وهسو تفسسي حسب المسة‬‫تمسل على القراءة الخرى ] َأوْ لمَس ْتُ‬
‫وترجان القرآن ‪ ،‬وهو الذي تؤيده الدلة السابقة ‪.‬‬
‫والهسم أن تعرف كيسف ترج هذا الفرع على القاعدة ‪ ،‬وهسو أن يقال ‪ :‬إن مسس‬
‫الرأة ل ينقض الوضوء مطلقا لعدم الدليل ‪ ،‬إذ لو كان ناقضا لبينه النب ‪ r‬وخصوصا مع‬
‫شدة حا جة الناس لبيا نه لكثرة الوقوع ف يه ‪ ،‬فل ما ل يبينه دل على أ نه ل يس بناق ضٍ ‪ ،‬لن‬
‫تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬بعض الناس ف الج يرى وجوب غسل حصى المار ‪ ،‬أو استحباب ذلك‬
‫‪ .‬فنقول ‪ :‬إن النب ‪ r‬لقط حصى المار ورمى با ف يوم العيد وثلثة أيام بعده ول يثبت‬
‫عنه ‪ r‬أنه غسلها أو أمر بذلك أو أقر عليه ‪ ،‬فغسلها لو كان مشروعا لبينه ‪ ،‬فلما ل يبينه‬
‫ف و قت الا جة لبيا نه دل على أ نه غ ي مشروع ‪ ،‬لن تأخ ي البيان عن و قت الا جة ل‬
‫يوز ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختلف العلماء ف الرأة إذا جامعها زوجها ف نار رمضان مع التفاق على‬
‫أن الرجل عليه الكفارة الغلظة العروفة ‪ ،‬لكن هل تب الكفارة أيضا على الرأة أو ل ؟‬
‫فيسه خلف طويسل قوي ‪ ،‬فقيسل ‪ :‬نعسم عليهسا كفارة إن كانست مطاوعسة له فس ذلك ‪،‬‬
‫واستدلوا على ذلك بأن كل حك ٍم ثبت ف حق الرجال فإنه يثبت ف حق النساء إل بدليل‬
‫والعكس كذلك ‪ ،‬لن النساء شقائق الرجال ‪ ،‬ولن الكفارة وجبت على الرجل لنتهاكه‬
‫حر مة رمضان وإف ساد صيامه ‪ ،‬وهذه العلة نف سها متحق قة ف الرأة ‪ ،‬فتقاس على الر جل‬
‫لل ستواء ف العلة ‪ ،‬وق يل ‪ :‬بل ل كفارة علي ها مطلقا وإن ا علي ها ال ث والقضاء ‪ ،‬وذلك‬
‫لن النب ‪ r‬لا جاءه الجامع ف نار رمضان يقول ‪ " :‬وقعت على أهلي وأنا صائم ‪ ،‬قال‬
‫له ‪ :‬هسل تدس كذا ‪ ،‬هسل تسستطيع كذا … ال " فأوجسب عليسه الكفارة ول يذكسر أهله‬
‫بشيء مع أن الرجل أخب أنه وقع على أهله ‪ ،‬فأوجب الكفارة عليه وسكت عن أهله ما‬
‫يدل على أ نه ل كفارة على امرأ ته إذ لو كا نت علي ها كفارة لبين ها ال نب ‪ r‬ولو بالشارة‬
‫فل ما ل يبي ذلك و سكت ع نه دل على عدم الكفارة علي ها لن تأخ ي البيان عن و قت‬

‫‪124‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الاجة ل يوز ‪ ،‬وهذا القول قوي كما ترى لسيما وأن جيع روايات الديث ل يذكر‬
‫فيهسا أنسه أوجسب على أهله شيئا ‪ ،‬وأمسا قياسسها عليسه فهسو قياس فس كفارة والقياس فس‬
‫الكفارات منوع وهسي قاعدة خلفيسة ‪ ،‬ومذهسب المهور جواز القياس فس الدود‬
‫والكفارات لكن يبقى الواب عن سكوت النب ‪ r‬عن الرأة فإنه ل يتعرضها بشيء أبدا‬
‫وسكوته عن الشيء مع القدرة يستفاد منه تشريع فكأنه لا أوجب على الرجل الكفارة‬
‫و سكت عن الرأة دل أن هذا ال كم م تص بالر جل دون ا ‪ ،‬والحوط للمرأة إخراج ها‬
‫خروجا من اللف ‪ ،‬وليس القصود الترجيح وإنا القصود التفريع على هذه القاعدة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬هل خروج الدم من غي السبيلي ناقض للوضوء أم ل ؟‬
‫فيه خلف بي أهل العلم والفضل رحهم ال جيعا ‪ ،‬فقيل بالنقض إذا كان كثيا‬
‫فاحشا عرفا ‪ ،‬وقيل ل ينقض مطلقا قليله وكثيه ‪.‬‬
‫واسـتدل القائلون بالنقـض بأنسه خارج نسس مسن البدن فيقاس على الارج مسن‬
‫السبيلي ولن النب ‪ r‬أوجب على الستحاضة الوضوء لكل صلة معللً ذلك بقوله (( إنا‬
‫ذلك عرق )) والدم الارج من سائر البدن إن ا هو دم عر قٍ ‪ ،‬وبد يث (( من أ صابه‬
‫قلسس فلينصسرف فليتوضسأ ثس ليبس وهسو فس ذلك ل يتكلم))‬
‫قيسء أو رعاف أو مذي أو ٌ‬
‫وبد يث (( إذا أحدث أحد كم ف ال صلة فليأ خذ بيده على أن فه وليخرج )) أي ليو هم‬
‫الصلي أنه أصابه رعاف ما يدل على أنه ناقض ‪.‬‬
‫وا ستدل الانعون بأدلة من ها ‪ :‬أن ال صل عدم الن قض إل بدل يل ول دل يل ‪ ،‬ولن‬
‫السلمي ل يزالون ف حروبم يصلون ف جراحاتم ودماؤهم تسيل ‪ ،‬ولب الرجل الذي‬
‫أصيب وهو يرس القوم وهو قائم يصلي فأت صلته ‪ ،‬ومثل هذا ل يفى على النب ‪ r‬فلو‬
‫كان ذلك ناقضا لبي فلما سكت وأقر ول يبي دل ذلك على أنه ليس بشيء لن تأخي‬
‫البيان عن وقت الاجة ل يوز وهذا القول هو القرب إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫فأ ما قيا سه على دم ال ستحاضة فقياس مع الفارق لن النا قض ل يس مرد الدم بل‬
‫خروج الدم من أ حد ال سبيلي ‪ ،‬فقياس الارج من غيه ا على الارج منه ما قياس مع‬
‫الفارق ‪ ،‬وأبعسد مسن ذلك قياس القيسء على الباز وهذا مسن أبعسد القياس وأشنعسه ‪ ،‬وأمسا‬

‫‪125‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫حديث (( من أصابه قيء أو رعاف )) فهو حديث ضعيف ل يقوم بثله حجة فقد ضعفه‬
‫أحد وغيه ‪ ،‬وكذلك حديث (( فليأخذ على أنفه )) فهو ضعيف أيضا ‪.‬‬
‫فالصواب إذا أن خروج الدم ل ينقض الوضوء مطلقا وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختلف العلماء ف الوضوء من شرب ألبان ال بل فقيل بالوجوب واستدلوا‬
‫بد يث (( توضؤا من أبوال ا وألبان ا )) ‪ ،‬وق يل ‪ :‬ل ي ب لن العرني ي ل ا اجتووا الدي نة‬
‫أمرهسم النسب ‪ r‬أن " يلحقوا بإبسل الصسدقة وأن يشربوا مسن أبوالاس وألباناس " ول يأمرهسم‬
‫بالوضوء من ها فدل على أنه غ ي نا قض ‪ ،‬إذ لو كان ناقضا لب ي فل ما ل يبي دل على أ نه‬
‫ليس بشيء ‪ ،‬لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪،‬وهو الراجح إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫وأما دليلهم فهو حديث ضعيف عند أهل الصناعة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أكل الضب فيه شيء من اللف ‪ ،‬والصواب حل أكله بل كراهة ‪ ،‬لنه‬
‫أكل على مائدته ‪ r‬ول ينكر ‪ ،‬فدل ذلك على جواز أكله ‪ ،‬إذ لو كان حراما أو مكروها‬
‫لبي ذلك ‪ ،‬فلما ل يبي دل على أنه حلل ‪ ،‬لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪،‬‬
‫وهذا القول هو الصواب وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬قضاء رات بة الف جر بعد ها ل ن فات ته ‪ ،‬فالقول ال صحيح جواز ذلك ‪ ،‬وقال‬
‫البعض ل يوز ‪ ،‬لكن الصواب الواز بدليل حديث الرجل الذي صلى الفجر مع النب ‪r‬‬
‫ث قام ف صلى ركعت ي ‪ ،‬فقال ال نب ‪(( : r‬أ صليت ال صبح أربعا)) فقال ‪ :‬ل أ كن صليت‬
‫قبل الفجر فصليتهما الن ‪ ،‬فسكت النب ‪ ، r‬فدل ذلك السكوت على جواز قضائها بعد‬
‫الفجر ‪ ،‬وأما أحاديث النهي فهي عامة وهذا الدليل خاص والاص مقدم على العام ‪ ،‬ولو‬
‫كان قضاؤ ها ف هذا الو قت ل يوز أو مكروها لب ي ال نب ‪ r‬ذلك فل ما سكت ول يبي‬
‫دل ذلك على جواز ما فعله ذلك الصحاب ‪ ،‬لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أتى النبّ ‪ r‬حبٌ من اليهود فقال يا ممد ‪ :‬إنا ند ف التوراة أن ال تعال‬
‫ي ضع ال سموات على إ صبع والرض ي على إ صبع والاء والثرى على إ صبع والبال على‬
‫إصبع ث يهز بن فيقول ‪ :‬أنا اللك ‪ ،‬فضحك النب ‪ r‬تصديقا لا قال الب ‪ ،‬فهذا دليل‬
‫على أن ما قاله الب صحيح يب اعتقاده ‪ ،‬فنحن بذا الديث وبغيه نثبت ل تعال صفة‬

‫‪126‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الصابع على ما يليق بلله وعظمته ‪ ،‬إذ لو كان ما أخب به الب ليس صحيحا لبي ذلك‬
‫النب ‪ r‬لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬من العلماء من يقول ف التي مم ‪ :‬إن ال سنة ف يه ضربتان ‪ ،‬ضر بة للو جه‬
‫وضر بة لليد ين إل الرفق ي ‪ ،‬وي ستدل على ذلك ب ا رواه الدارقط ن وغيه عن ا بن ع مر‬
‫يرفعه (( التيمم ضربتان ‪ ،‬ضربة للوجه وضربة لليدين إل الرفقي )) وقال أكثر العلماء ‪:‬‬
‫بل التيمم ضربة واحدة يسح با وجهه وكفيه فقط مستدلي بأصح حديث ف التيمم وهو‬
‫حد يث عمار ف ال صحيحي وكان عمار جاهلً بالتي مم فقال له (( إن ا يكف يك أن تقول‬
‫بيديسك هكذا ‪ ،‬فضرب بيديسه الرض ضربسة واحدة ومسسح اليميس على الشمال وظاهسر‬
‫كفيه ووجهه )) وهذا بيان للصفة الشرعية ول يذكر فيها إل ضربة واحدة إل الكفي ‪،‬‬
‫فلو كان ما ذكر نوه داخلً ف الصفة الشرعية لبينه لعمار لنه وقت الاجة للبيان فلما‬
‫ل يبينه دل على أنه ليس بشيء لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز وهذا هو القول‬
‫الراجح إن شاء ال تعال ‪ ،‬وأما حديث ابن عمر فخلصة القول فيه أنه ضعيف مرفوعا‬
‫والرا جح أ نه موقوف ‪ ،‬وقول ال صحاب إن ث بت ع نه ح جة إذا ل يالف ن صا ول يال فه‬
‫صحاب آخر ‪ ،‬وهنا تقق المران ‪ ،‬فقد خالف حديث عمار ‪ ،‬وخالف ابن عمر جع من‬
‫الصحابة وال أعلم ‪.‬‬
‫والفروع على هذه القاعدة أكثر من أن تذكر ‪ ،‬ولعل فيما مضى كفاية لن شاء ال‬
‫أن يكفيه وال تعال أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة الرابعـة عشـر‬


‫( العـبة بعموم اللفـظ ل بصوص السبب )‬

‫وهذه القاعدة يتوقسف فهمهسا على معرفسة صسيغ العموم ‪ ،‬وهسي اللف واللم‬
‫ال ستغراقية الداخلة على الفرد وال مع ‪ ،‬وال ساء الو صولة والنكرة ف سياق الن في أو‬
‫الن هي أو الشرط والنكرة الضا فة إل معر فة ‪ ،‬وأيّ ‪ ،‬و كل وج يع وكا فة وعا مة وأ ساء‬
‫الستفهام ‪ ،‬فهذه هي صيغ العموم ‪ ،‬فهذه الصيغ إذا وردت بيانا لكم واقعةٍ حصلت ف‬
‫العهد النبوي ‪ ،‬أي إذا وقعت واقعة ف العهد النبوي واحتاج الناس لبيان حكمها فنسزل‬
‫الوحي بالكم فيها لكن بلف ظٍ من ألفاظ العموم ‪ ،‬فهل يقال إن العبة هنا بلفظ الكم‬
‫العام ؟ أم أن ال عبة والعتداد بذه الواق عة ل بعموم الل فظ ؟ هذا هو ما ت يب ع نه هذه‬
‫الواق عة ‪ .‬ول كن هناك ب عض المور أن به علي ها ف هذا القام ح ت تكون عونا على ف هم‬
‫هذه القاعدة فأقول ‪:‬‬
‫(المـر الول) اعلم أرشدك ال تعال أنسه ل يقسل أحسد مسن أهسل العلم إن أحكام‬
‫الشرع تصس من نزلت في هم بيسث ل يد خل في ها غي هم ‪ ،‬هذا ل ي قل به أ حد من‬
‫السسلمي أبدا ‪ ،‬كمسا حكاه أبسو العباس بسن تيميسة رحهس ال تعال ‪ ،‬فلم يقسل أحسد مسن‬
‫ال سلمي إن آ ية الظهار ت ص من نزلت ف يه ل ت عم غيه ‪ ،‬ول أن آ ية اللعان ت ص من‬
‫نزلت فيه ل تتعدى إل غيه ‪ ،‬بل هذه الحكام الشرعية وإن نزلت ف أسباب خاصة إل‬
‫أن حكمها يتعدى لغيهم ‪ ،‬لكن اللف الذي وقع بي أهل العلم إنا هو ‪ :‬ف أن تعدية‬
‫الكم إل غي من نزلت فيه هل هو بقتضى اللفظ العام أو بالقياس على من نزلت فيه ؟‬
‫هذا هو اللف الذي وقع بينهم ‪.‬‬
‫فمنهم من قال ‪ :‬إن غيهم دخل معهم بقتضى اللفظ ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬بل غيهم‬
‫دخل معهم بقتضى القياس ل اللفظ ‪ ،‬لكن ل يقل أحد إن الية تص من نزلت فيه بيث‬
‫ل يدخل معه أحد ل بالوضع اللغوي ول بالقياس ‪ ،‬فهذا قول ل يقل به أحد من السلمي‬
‫فيما أعلم ‪ ،‬وقد نص على ذلك أئمة الصول ‪ ،‬فانتبه لذا فإنه بيت القصيد ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫(المـر الثانـ) اعلم رحكس ال تعال ووفقسك لداه ومسا يرضيسه أنسه إمسا أن تكون‬
‫صورة ال سبب مؤثرة ف ال كم بع ن أن ل يف هم الراد بال كم إل ب عد معر فة ال سبب‬
‫وإما ل ‪ ،‬فإن كانت صورة السبب مؤثرة ف الكم فإنه ل ينبغي إفراد الكم عن صورة‬
‫سببه ويكون خاصا با ول يتعلق بغيها ‪ ،‬وأعن بصورة السبب أي الال الت بسببها نزل‬
‫ال كم ‪ ،‬ل أع ن أفراد ها ‪ ،‬وإن ا حالة أفراد ها وعلى ذلك أمثلة تبي لك ما أردت إثبا ته‬
‫فإن ل أره ف كتب الصوليي إل نادرا ‪ ،‬فأقول ‪:‬‬
‫الثال الول ‪ :‬ال صوم ف ال سفر ‪ ،‬فإ نه قد ث بت أن ال نب ‪ r‬صام ف ال سفر وأجاز‬
‫الصيام ف السفر ‪ ،‬ففي الصحيح عن عائشة رضي ال عنها أن حزة بن عمرو السلمي‬
‫قال للنب ‪ " : r‬أأصوم ف السفر " ‪ -‬وكان كثي الصيام – فقال ‪ (( :‬إن شئت فصم وإن‬
‫شئت فأفطر )) فأجاز له الصيام ‪.‬‬
‫و ف ال صحيح أيضا عن أ نس بن مالك ‪ t‬قال ‪ " :‬ك نا ن سافر مع ر سول ال ‪ r‬فلم‬
‫ي عب ال صائم على الف طر ول الف طر على الصائم " ‪ ،‬و عن أ ب الدرداء ‪ t‬قال ‪ " :‬خرجنا‬
‫مع رسول ال ‪ r‬ف شهر رمضان ف حرٍ شديد حت إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه‬
‫من شدة الر وما فينا صائم إل رسول ال ‪ r‬وعبد ال بن رواحة " وهذا مع إخباره بشدة‬
‫الر ومع ذلك فقد صام رسول ال ‪ r‬وعبد ال بن رواحة ‪ ،‬وهذه الحاديث كما ترى‬
‫ليس فيها إنكار منه ‪ r‬على الصيام ف السفر ‪.‬‬
‫لكن انظر إل حديث جابر بن عبد ال ‪ t‬قال ‪ " :‬كان رسول ال ‪ r‬ف سفرٍ فرأى‬
‫زحاما ورجلً قد ظلل عليه ‪ ،‬فقال ‪(( :‬ما هذا ؟)) ‪ ،‬قالوا ‪ :‬صائم ‪ ،‬قال ‪(( :‬ليس من الب‬
‫الصيام ف السفر)) " فهنا إنكار بذه الشدة على الصيام ف السفر حت أخب أنه ليس من‬
‫الب ‪ ،‬مع أنه ف الحاديث ل ينكر الصوم بل قد صام وأجاز الصيام ‪ ،‬فلو كان الصيام ف‬
‫السفر ليس من الب ‪ ،‬فكيف إذا يفعله النب ‪ r‬وييز فعله ؟ وكيف ل يقل ((ليس من الب‬
‫الصيام ف السفر)) على عبد ال بن رواحة ومن صام معه ف سفره ؟ بل ف حديث أنس‬
‫السابق "ل يعب الصائم على الفطر ول الفطر على الصائم" ‪ ،‬فكل هذا يدلك أن قوله ‪r‬‬
‫ظ عام ‪ ،‬لكن ل ينبغي إفراده عن صورة‬
‫((ليس من الب الصوم ف السفر)) وإن كان بلف ٍ‬
‫سببه ‪ ،‬لن الصيام ف السفر كان واقعا منه ومن أصحابه كما رأيت ف الحاديث السابقة‬

‫‪129‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫‪ ،‬ومع ذلك ل ينكر عليهم ‪ ،‬وإنا أنكر لا رأى حالة هذا الرجل الذي قد شق عليه الصيام‬
‫ح ت أو جب له ال سقوط والتظل يل عل يه من حر الش مس فه نا قال هذه الكل مة ‪ ،‬م ا يدل‬
‫على أن صورة السبب لا تأثي ف الكم بدليل صيامه هو ف السفر وعدم إنكاره على من‬
‫صام إنا أنكر الصيام ف السفر لا رأى حالة هذا الر جل ‪ ،‬فهذا يبي لك أن حكمه هذا‬
‫إن ا هو ل جل هذا ال مر ‪ ،‬فإذا قوله ((ل يس من الب ال صوم ف ال سفر)) ل بد أن ير بط‬
‫ب صورة سببه ول يفرد عن ها ‪ ،‬فهذا ير جح مذ هب من قال بأن أفضل ية الف طر ف ال سفر‬
‫تر بط بالش قة ‪ ،‬فإذا وجدت الش قة ا ستحب الف طر ‪ ،‬أ ما إذا ل تو جد الش قة فالف ضل‬
‫ال صيام وعلى هذا تت فق ج يع الحاد يث وتتآلف ‪ .‬والق صود الذي أر يد إثبا ته ه نا أ نه ل‬
‫يدخل ف قوله ((ليس من الب الصوم ف السفر)) إل من كان كحالة هذا الرجل الذي شق‬
‫عليه الصوم وأما من ل يشق عليه الصوم فل يدخل ‪ ،‬لن صورة السبب هي الؤثرة ف‬
‫الكم فل يدخل فيها إل هذا الرجل ومن كان بنلته وحالته وهيئته ‪.‬‬
‫(الثال الثان) آية اللعان فإنا نزلت على سببٍ خاص ‪ ،‬فقد ثبت ف الصحيح أنا ف‬
‫عوير العجلن فيدخل فيها هو ومن كان بنسزلته ‪ ،‬ذلك لن صورة السبب لا تأثي ف‬
‫نزول ال ية ‪ ،‬فتكون مق صورة على صورة سببها ل تتعداه إل غيه ‪ ،‬فل يد خل في ها من‬
‫قذف أجنبية ع نه ‪ ،‬أو من قذف رجلً بزنا أو لواط ‪ ،‬وإن ا يدخل فيها من قذف زوجته‬
‫بالزنا وليس عنده شهود على بذلك ‪ ،‬فهذا هو صورة السبب ‪.‬‬
‫(الثال الثالث) آية الظهار أيضا نزلت ف سبب خاص ‪ ،‬وهي بلفظٍ عام ‪ ،‬فقد ثبت‬
‫أن ا نزلت ف أوس بن ال صامت ل ا ظا هر من زوج ته وجاءت تش كو حال ا لل نب ‪ r‬و هو‬
‫يقول لا ‪ (( :‬اتقي ال واصبي فإنه ابن عمك)) فنسزلت هذه الية ‪ ،‬إذا صورة السبب‬
‫لا تأثي ف نزول الية فحينئذٍ يكون هذا الكم مقصورا على صورة السبب ل يتعداه إل‬
‫غيه ‪ ،‬فيدخل فيها من نزلت فيه ومن كان بنسزلته أي كل مظاهر ‪ ،‬فل يستدل با على‬
‫غي الظاهر ‪ ،‬كمن حلف على زوجته بالطلق ‪،‬أو قال ‪ :‬أنت عليّ حرام إن فعلتِ كذا ‪،‬‬
‫ونو هذه الصور ل يستدل عليها بآية الظهار ‪ ،‬لنا خاصة بذه الالة دون غيها أعن ل‬
‫يدخل فيها إل هذه الظاهر ومن كان بنسزلته ‪ ،‬ذلك لن صورة السبب لا تأثي ف نزول‬
‫الكم وما كان كذلك فإنه ل يتعدى صورة سببه وهكذا ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فأي حكسم بلفسظ عام كانست صسورة سسببه هسي الؤثرة فس نزوله فإنسه يناط باس‬
‫ول يتعدا ها إل غي ها ‪ ،‬فإن قلت ‪ :‬ف هل هذا ينا ف قول نا ‪ :‬ال عبة بعموم الل فظ ‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫ل ينافيها أبدا ‪ ،‬لكن أيضا ل يتجاوز با صورة السبب ‪ ،‬هذا إذا كانت صورة السبب لا‬
‫تأثي ف ورود الكم ‪ ،‬أما إذا كان الكم قد قرر ف مناسبات متعددة ‪ ،‬ث قرر مرةً أخرى‬
‫ب عد سبب خاص ‪ ،‬ف في هذه الالة فال عبة بعموم لف ظه مطلقا أي ل يق صر على صورة‬
‫سببه ‪ ،‬وذلك كقوله ‪ r‬لا سئل عن بئر بضاعة وأنا يلقى فيها اليض ولوم الكلم والنت‬
‫فقال ‪ (( :‬إن الاء طهور ل ينجسه شيء )) فهذا الكم عام مطلقا ول يص ببئر بضاعة‬
‫بل ول بغي ها من البار الماثلة ل ا ‪ ،‬لن طهور ية الاء قد قررت ف منا سبات متعددة ‪،‬‬
‫ف من ذلك قوله تعال ‪َ ] :‬وأَنزَلْنَا مِ ْن ال سّمَا ِء مَا ًء َطهُورا [ ‪ ،‬وقال ‪َ ] :‬وُينَزّ ُل عََلْيكُ ْم مِ نْ‬
‫ال سّمَا ِء مَاءً ِليُ َطهّرَكُ ْم بِ هِ[ ‪ ،‬وف حديث أب أمامة ‪ " :‬الاء طهور ل ينجسه شيء " ‪ ،‬وف‬
‫حد يث ا بن ع مر ‪ " :‬إذا كان الاء قلت ي ل ي مل ال بث " ‪ ،‬ف في منا سباتٍ كثية يقرر‬
‫الشارع طهورية الاء ‪ ،‬إذا ليس الكم خاصا ببئر بضاعة ‪ ،‬وسببها ليس مؤثرا ف ورود‬
‫الكم ‪ ،‬فهنا يكون الكم دليلً على غي صورة السبب ‪ ،‬فيكون دليلً على طهارة البار‬
‫والعيون والنار والبحار والسستنقعات الصسغية والكسبية وهكذا ‪ ،‬مسع أنسه ورد فس بئر‬
‫بضاعسة لكسن هسو عام فيهسا وفس غيهسا مسن سسائر أنواع الياه وهكذا ‪ ،‬وعلى كسل حال‬
‫فالكسم إذا ورد على سببٍ خاص فل يلو إمسا أن تكون صورة ال سبب هسي الؤثرة ف‬
‫ورود الكم وإما ل ‪ ،‬فإن كان الول فيكون العموم معتبا ف صورة السبب فقط ‪ ،‬وإن‬
‫كان الثان فيكون العموم ف مسمى اللفظ ‪ ،‬وال يتولنا وإياك ‪.‬‬
‫إذا علمست هذا فاعلم – وفقسك ال – أن الصسواب الذي دلت عليسه الدلة هسو أن‬
‫العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب ‪ ،‬وإذا قلنا العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب‬
‫فنعن أن غي أفراد السبب دخل معهم بقتضى اللفظ العام ل بالقياس ‪ ،‬والدليل على ذلك‬
‫عدة أمور ‪:‬‬
‫من الدلة ‪ :‬أن العبة إنا هي بلفظ الشارع ‪ ،‬فلفظه هو الجة ل غيه ‪ ،‬فإذا كان‬
‫عاما فإ نه يبس إبقاؤه على عمومسه ول يصس بسسببه ‪ ،‬لن الجسة ف لف ظه ل ف مرد‬
‫السباب ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫و من الدلة أيضا ‪ :‬أن بل غة الشارع وف صاحته تأ ب أن ير يد ال سبب الخ صوص‬


‫وي عب ع نه بالل فظ العام ‪ ،‬ف هو إذا ل ي عب عن هذا ال سبب الاص بالل فظ العام إل لرادة‬
‫التعميم ‪ ،‬إذ لو كان يريده بعينه دون غيه ل عب عنه بلف ظٍ خاص ‪ ،‬لكن ل ا عدل ع نه إل‬
‫لفظٍ عنه دل على أنه يريد العموم ‪ ،‬فالعبة إذا براد الشارع ل براد غيه ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن الشريعة السلمية عامة صالة لكل زمانٍ ومكان ‪ ،‬والوحي‬
‫انق طع ب عد وفاة ال نب ‪ ، r‬فلو قل نا إن ال عبة ب صوص ال سبب لتعطلت وقائع كثية عن‬
‫الحكام وهذا ف يه إبطال لكمال هذه الشري عة ‪ ،‬وذلك لن من أو جه كمال ا أن الشارع‬
‫ينل حك مه ب عد واقعةٍ ل يبي للناس أن حك مه ف هذه الواق عة هو هذا ال كم ‪ ،‬ح ت إذا‬
‫وق عت واق عة مثل ها فإذا ال كم قد تقرر ف الذهان وهذا ل يتأ تى إل إذا قل نا بأن ال عبة‬
‫بعموم اللفظ ل بصوص السبب ‪.‬‬
‫ومـن الدلة أيضا ‪ :‬إجاع الصسحابة ‪ y‬على تعميسم الحكام الواردة على أسسباب‬
‫خاصة ‪ ،‬وذلك أن أكثر العمومات قد وردت على أسباب خاصة كآية الظهار فقد نزلت‬
‫ف أوس بن الصامت وزوجته ‪ ،‬وآيات اللعان نزلت ف شأن عوير العجلن وزوجته وقيل‬
‫أنا نزلت ف هلل بن أمية وزوجته ‪ ،‬وآية السرقة أيضا نزلت ف سرقة رداء صفوان بن‬
‫أم ية إن صح ذلك ‪ ،‬وآ ية القذف نزلت ف شأن عائ شة ر ضي ال عن ها والمثلة كثية ‪،‬‬
‫فال صحابة رضوان ال علي هم ل يق صروا هذه الحكام على أ صحابا ‪ ،‬بل قد عممو ها‬
‫وعملوا با ف غي من نزلت فيهم فكان ذلك منهم كالجاع على أن العبة بعموم اللفظ‬
‫ل بصوص السبب ‪.‬‬
‫ومـن الدلة أيضا ‪ :‬مسا رواه البخاري ومسسلم وغيهاس مسن حديسث عبسد ال بسن‬
‫م سعود ‪ " : t‬أن رجلً من الن صار َقبّ ل امرأة ل ت ل له ف سأل ال نب ‪ r‬فن سزلت ] إنّ‬
‫ن ال سّّيئَاتِ[ فقال الرجل للنب ‪ : r‬أل هذا وحدي يا رسول ال ‪ ،‬فقال ‪r‬‬
‫ت يُ ْذ ِهبْ َ‬
‫سنَا ِ‬
‫الْحَ َ‬
‫‪ (( :‬بل لم ت كل هم)) " ‪ ،‬وو جه الدللة أن هذه ال ية نزلت ف ذلك ال سبب و مع ذلك‬
‫فهي شاملة للمة كلها بنص الصطفى ‪ r‬ما يدل على أن العبة بعموم اللفظ ل بصوص‬
‫السبب ‪ .‬وهو نص نبوي ف مل النسزاع ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم أيضا من حديث علي ابن أب طالب ‪t‬‬
‫أ نه ‪ r‬ل ا أي قظ عليا وفاط مة بال صلة من الل يل قال له علي ‪ " : t‬إن أرواح نا ب يد ال إن‬
‫َانس النسسَانُ أَ ْكثَ َر َشيْءٍ‬
‫شاء بعثنسا ‪ ،‬فول رسسول ال ‪ r‬وهسو يضرب فخذه ويقول ] وَك َ‬
‫جَدَل[ " فهذه الية نزلت ف الكفار الذين يادلون ف القرآن ‪ ،‬فاستدل با النب ‪ r‬ف هذا‬
‫القام مع أنه ليس هو سبب نزولا ‪ ،‬فجعل عليا باعتراضه هذا داخلً ف حكم الية ‪ ،‬ما‬
‫يدل على أن العبة بعموم لفظ الية ل بصوص سببها ‪.‬‬
‫و من الدلة أيضا ‪ :‬ما ف ال صحيحي عن ع بد الرح ن بن أ ب ليلى قال ‪ :‬لق يت‬
‫كعب بن عجرة فسألته عن آية الفدية ‪ ،‬فقال ‪ :‬نزلت فّ خاصة وهي لكم عامة ‪ ،‬حلت‬
‫إل ر سول ال ‪ r‬والق مل يتنا ثر على وج هي فقال ‪ (( :‬ما ك نت أرى ال هد بلغ بك ما‬
‫أرى)) الديث ‪ ،‬والشاهد هو قوله " نزلت فّ خاصة وهي لكم عامة " ‪ ،‬وهذا هو عي‬
‫قول نا ال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص ال سبب ‪ ،‬ف هي وإن كان سبب نزول ا خا صا ل كن‬
‫يدخل فيها كل من اتصف بوصف كعب ‪. t‬‬
‫و من الدلة أيضا ‪ :‬ما رواه الترمذي وقال ‪ :‬حد يث ح سن صحيح عن أ ب واقدٍ‬
‫الليثي قال ‪ :‬خرجنا مع رسول ال ‪ r‬ونن حدثاء عهدٍ بكفرٍ وللمشركي سدرة يعكفون‬
‫عند ها وينوطون ب ا أ سلحتهم فقل نا ‪ :‬يا ر سول ال اج عل ل نا ذات أنواط ك ما ل م ذات‬
‫أنواط فقال ‪(( :‬ال أكب إنا السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لوسى‬
‫ج َهلُو نَ[ لتركب سنن من كان قبلكم )) ‪،‬‬
‫]ا ْجعَل َلنَا إَِلهًا كَمَا َلهُ مْ آِل َهةٌ قَالَ ِإّنكُ مْ َقوْ مٌ تَ ْ‬
‫والشاهد منه أنه ‪ r‬جعل قولم "اجعل لنا ذات أنواط كما لم ذات أنواط" جعله داخ ً‬
‫ل‬
‫ف عموم قول قوم مو سى لو سى ]اجْعَل لَنَا إِلَها كَمَا َلهُ مْ آِل َهةٌ[ م ا يدل على أن ال عبة‬
‫بعموم الل فظ ل ب صوص ال سبب ‪ ،‬فإن هذه ال ية وإن نزلت ف قوم مو سى ل كن يد خل‬
‫ل منهم‬‫فيها كل من أراد التبك بشيء يطلب خيه كما فعل أبو واق ٍد ومن كان معه جه ً‬
‫بقيقة المر ‪ ،‬وال الستعان ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن المة أجعت على أن البنات لن الثلثان بدليل قوله تعال ‪] :‬‬
‫ق اثَْنَتيْ نِ َفَلهُنّ ثُُلثَا مَا‬
‫يُوصِيكُمْ اللّهُ فِي َأوْلدِكُمْ لِلذّ َك ِر ِمثْلُ حَظّ النَثَييْ نِ فَإِنْ كُنّ نِسَاءً َفوْ َ‬
‫تَرَكَ[ فأجعت المة السلمية على أن البنات إذا كن فوق اثنتي أن لما ثلثي التركة بذه‬

‫‪133‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ال ية مع أن ا نزلت ف سبب خاص ‪ ،‬ف قد روى أ بو داود والترمذي وا بن ما جه وأح د‬


‫وغي هم من حد يث ع بد ال بن م مد بن عق يل عن جابر بن ع بد ال ر ضي ال عنه ما‬
‫قال ‪ " :‬جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنت سعدٍ إل النب ‪ r‬فقالت ‪ :‬يا رسول ال هاتان‬
‫ابنتا سعدٍ قتل معك يوم أحد وإن عمهما أخذ جيع ما ترك أبوها وإن الرأة ل تنكح إل‬
‫على مالا ‪ ،‬فسكت رسول ال ‪ r‬حت نزلت آية الواريث " ]يُو صِيكُمْ اللّ هُ فِي َأوْلدِكُ مْ[‬
‫فدعا رسول ال ‪ r‬أخا سعد بن الربيع فقال ‪ (( :‬أعط ابنت سعدٍ ثلثي ماله ‪ ،‬أعط امرأته‬
‫الثمن وخذ أنت الباقي )) ‪ ،‬فهذه الية وإن نزلت على سببٍ خاص إل أن المة أجعت‬
‫على الع مل ب ا ف البنات إذا كن فوق اثنت ي ‪ ،‬فهذا يدل على أن ال عبة بعموم الل فظ ل‬
‫بصوص السبب ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضًا ‪ :‬أن التق سسرر فسي ال صسول أن خط ساب الشارع للوا حد‬
‫خطاب للمسة مسا ل يدل دليسل التخصسيص ‪ ،‬فهذا يدل على أن العسبة عموم اللفسظ ل‬
‫خصوص السبب ‪ .‬فهذه ممل الدلة الدالة على صحة هذه القاعدة الفيدة جدا للطالب‪.‬‬
‫إذا علمست هذا فاعلم أن بعسض أهسل العلم ذهسب إل عكسس هذه القاعدة فقال ‪:‬‬
‫ال عبة ب صوص ال سبب ل بعموم الل فظ ‪ ،‬وهذا ل يس ب صواب إذ ل دل يل عل يه بل الدلة‬
‫تال فه ك ما رأ يت ‪ ،‬وإن ا ل يس عند هم إل شبهات عقل ية ظنو ها أدلة سليمة وإن ا هي‬
‫خيالت عقيمة أردت كثيا منهم ف مزالق وخيمة ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬لو أن العسبة بعموم اللفسظ وأن السسبب ل دخسل له فس الكسم فإذا يوز‬
‫إخراج صورة ال سبب من عموم ال كم ومثاله أن آ ية الظهار نزلت ف أوس بن ال صامت‬
‫وزوجتسه ‪ ،‬والعسبة بعموم لفظهسا فإذا يوز إخراج أوس وزوجتسه مسن عموم لفسظ اليسة‬
‫بالتخصيص ‪.‬‬
‫قلنـا ‪ :‬هذا هراء وخلط وليسس بدليسل يسستحق الواب ‪ ،‬ذلك لن صسورة السسبب‬
‫قطعية الدخول ف الكم ‪ ،‬إذا الكم نزل لعلجها فكيف يقال بواز إخراجها من الكم‬
‫والكم إنا نزل لا أولً ‪ ،‬ث سلمنا أنه يوز إخراجها لنا بعض أفراد العام ‪ .‬فإنا يوز‬
‫ذلك إذا دل الدليسل على تصسيصها ول أعلم فيمسا اطلعست عليسه أن هناك مصسصا يرج‬

‫‪134‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ال سباب عن أحكام ها فإذا إيرادهم هذا ليس بوارد وفرض نظري م ض ل وا قع له ألبتة‬
‫فل نشتغل به ‪.‬‬
‫وقالوا أيضا ‪ :‬لو ل ي كن لل سبب تأث ي ف ال كم ل ا تكلف الراوي ن قل ال سبب‬
‫مقرونا بكمه ولكتفى بنقل الكم فقط ول يشتغل بنقل السبب ‪ ،‬لكن لا نقله – أعن‬
‫السبب مقرونا بالكم – دل على أنه يرى ربط الكم بالسبب ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬وهذا أيضا كلم ل تقيق فيه وذلك لن نقل الراوي للسبب ل يلزم انصاره‬
‫فيمسا ذكرتوه بسل لرادة التوضيسح فإن الحكام يفهسم الراد منهسا إذا عرفست أسسبابا ‪،‬‬
‫وكذلك لعر فة التار يخ إذ لو أورد ال كم مباشرة ل ا علم نا التار يخ ل كن ل ا ن قل ال سبب‬
‫ات ضح ذلك و ف كث ي من ال سباب الشارة إل التار يخ أو ب عض الوقائع ال ت ي ستدل ب ا‬
‫على التاريخ ‪ ،‬والعلم بالتاريخ من أنفع الشياء ف معرفة الناسخ والنسوخ ‪ .‬وكذلك لبيان‬
‫نع مة ال على عباده بالتفر يج فالواق عة ح صلت ول يعرف ح كم ال في ها والرج حا صل‬
‫بذلك ث ين سزل ال كم فيح صل الفرج فهذا مو جب للش كر وال مد ‪ ،‬وغ ي ذلك من‬
‫الفوائد فلماذا تصرون فوائد نقل السبب ف الذي قلتموه فقط ‪.‬‬
‫وقالوا أيضا ‪ :‬لو أن ال سبب ل تأث ي له ف ال كم ‪ ،‬فلماذا يتأ خر ال كم إل وقوع‬
‫ال سبب ولكان نزل ق بل الا جة إل يه ‪ ،‬ول كن ل ا تأ خر إل حدوث الواق عة ث ن سزل فهذا‬
‫التأخي مشعر بارتباطه بالسبب ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬وهذا أيضا كلم ل تقيق فيه إذ هو من باب التحكم على ال ف شرعه لاذا‬
‫س يشاء ويؤ خر‬
‫سما‬ ‫يؤ خر ؟ لاذا يقدم ؟ فإن أمسر تشريسع الحكام هو ل وحده يقدم منه ا‬
‫ما يشاء ] ل يُ سْئ ُل عَمّا َي ْفعَ ُل َوهُ ْم يُ سْئلُونَ [ ولو فتحنا هذا الباب لضطرب المر وكثر‬
‫التجرؤ على أحكام ال والقدح ف حكم ته وعدله ‪ ،‬ث أ ضف إل هذا أن من حك مة ال‬
‫تعال أنه يؤخر ال كم إل وقوع الا جة إليه ليكون ذلك أو قع ف النفس وأو ضح للف هم‬
‫فإذا ج يع ما ا ستدلوا به على قول م ك ما ترى (لو أن ‪ ،‬ولاذا ‪ ،‬ويلزم عل يه ) و كل ذلك‬
‫ل يف يد شيئا ‪ ،‬وأ ما القول الرا جح ف قد دلت عل يه الدلة الواض حة النا صعة من الكتاب‬
‫وال سنة والع قل ال صريح والل غة العرب ية والجاع فل ي شك عا قل ف رجحا نه ول ال مد‬
‫والنة وهو أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ول يبق إل أن يشار إل ش يء من الفروع الت تزيد الوضوح وتبي لك أثر هذه‬
‫القاعدة ف الفروع فأقول ‪:‬‬
‫من ها ‪ :‬ف صحيح م سلم من حد يث أ ب هريرة أن ال نب ‪ r‬مَ ّر على صبة طعا مٍ‬
‫فأدخل يده فيها فأصابت أصابعه بللً فقال ‪ (( :‬ما هذا يا صحاب الطعام ؟ قال ‪ :‬أصابته‬
‫ال سماء يا ر سول ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬أفل جعل ته فوق الطعام لياه الناس من غش فل يس م نا ))‬
‫وهذا ال كم عام ل نه ورد ب صيغة ( من) و هو الشرط ية وأ ساء الشرط من صيغ العموم ‪،‬‬
‫و قد ق يل على سببٍ خاص و هو ال غش ف الب يع ل كن ال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص‬
‫السبب ‪ ،‬فيستدل به على تري الغش ف المتحانات والعقارات والنصيحة وغيها ‪ ،‬بل‬
‫هذا الكلم م نه ‪ r‬قاعدة عا مة ف ج يع أنواع ال غش ‪ ،‬ف هو حرام ب سائر أنوا عه ف ج يع‬
‫الجالت لن العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬اختلف العلماء ف الدباغ هل هو مط هر للد الي تة أو ل ؟ أو ل يط هر إل‬
‫جلد الأكول دون غيه ؟ والنقاش الن مع الذ ين قالوا ل يط هر بالدباغ إل جلد الأكول‬
‫فقط فاستدلوا على ذلك بديث ابن عبا سٍ قال (( تُصدق على مولة ليمونة بشاة فماتت‬
‫فمر با رسول ال ‪ r‬وهم يرونا فقال ‪ :‬هلّ أخذت إهابا فدبغتموه فانتفعتم به ؟ فقالوا‬
‫إن ا مي تة ‪ ،‬قال ‪ :‬يطهر ها الاء والقرظ )) فهذا ال كم العام ورد على سبب خاص و هو‬
‫شاة ميمونة والشاة ما يؤكل لمها فيقصر الكم على سببه الاص ول يتعداه إل غيه ‪،‬‬
‫و ف لف ظٍ لح د (( أن داجنا ليمو نة ما تت فقال ر سول ال ‪ : r‬أل انتفع تم بإهاب ا أل‬
‫دبغتموه فإنسه ذكاتسه )) ولذلك قال المام مدس الديسن فس النتقسى ‪ " :‬وهذا تنسبيه على أن‬
‫الدباغ إنا يعمل فيما تعمل فيه الذكاة " اهس ‪ .‬واختاره حفيده أبو العباس – رحه ال –‬
‫و هو روا ية عن أح د ولي ست هي الشهورة ف الذ هب ‪ ،‬وذ هب ب عض العلماء إل أن‬
‫الدباغ مط هر للد ج يع اليوانات الطاهرة ف الياة مأكولة أو غ ي مأكولة ‪ ،‬و هو روا ية‬
‫ف الذهسب واسستدلوا بأدلة كثية جدا وأجابوا عسن اسستدلل أ صحاب القول الول بأن‬
‫ال كم عام وإن نزل على سببٍ خاص إل أن ال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص ال سبب ‪،‬‬
‫فلما قالوا (( إنا ميتة )) قال ‪ (( : r‬يطهرها الاء والقرظ )) فهذا الكم العتب فيه عمومه‬
‫بدليل أنه ‪ r‬حكم بطهارة جلود اليتة بالدباغ ف غي خصوص الشاة فقال ف حديث ابن‬

‫‪136‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫عباسس (( إذا دبسغ الهاب فقسد طهسر )) وفس حديسث أم سسلمة (( دباغ جلود اليتسة‬
‫ٍ‬
‫طهورها )) وغيها من الدلة الستوفاة ف مكا نٍ آخر ما يدل على أن حكمه على الشاة‬
‫ل يدل على ال صوصية ب ا لن ال عبة بعموم الل فظ ولن ذ كر ب عض أفراد العام ل يكون‬
‫مصصا للعموم ‪ ،‬وهذا هو القول الراجح ف نظري وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختلف العلماء ف الترتيب ف الوضوء هل يب أو ل ؟‬
‫على قولي ‪ :‬فقيل يب وهو الشهور من مذهبنا ومذهب الشافعي واستدلوا على‬
‫ذلك بأدلة منها وهو الذي يهمنا قوله ‪ (( r‬إبدأوا با بدأ ال به )) ول سلم (( أبدأ با بدأ‬
‫ال به )) فدل هذا على وجوب البداءة بالشيء الذي بدأ ال به ف الوضوء فقد بدأ بالوجه‬
‫ث باليدين إل الرفقي ث بسح الرأس ث بغسل الرجلي ‪ ،‬وقال الخرون ‪ :‬كيف تستدلون‬
‫بذا الكلم وقد قاله ‪ r‬ف الج لا دنا من الصفا قال (( أبدأ با بدأ ال به )) فسببه الج‬
‫ونن ف الوضوء ‪.‬‬
‫والواب ‪ :‬أن العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب فإن قوله (أبدأ با) صيغة من‬
‫صسيغ العموم وهسو (مسا) بعنس الذي فهسو وإن قاله فس الجس لكسن العسبة بعموم اللفسظ‬
‫ل ب صوص ال سبب ‪ ،‬وهذا هو القول ال صحيح – أع ن وجوب الترت يب ف الوضوء مع‬
‫القدرة – لذا الدليل ولدلة أخرى ليس هذا مال بثها ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬بيع العرايا هل يشترط فيه أن يكون لاجة أو يوز بل حاجة ؟‬
‫فيسه خلف فقال بعضهسم ‪ :‬يشترط الاجسة أي الاجسة إل الرطسب واسستدلوا على‬
‫ذلك با رواه الشافعي ف متلف الديث عن زيد بن ثابت أنه سى رجالً متاجي من‬
‫الن صار شكوا إل ر سول ال ‪ r‬ول ن قد ف أيدي هم يبتاعون به رطبا ويأكلون مع الناس‬
‫وعند هم فضول قوت م من الت مر فر خص ل م ر سول ال ‪ r‬أن يبتاعوا العرا يا بر صها من‬
‫الت مر ‪ .‬قال المهور ‪ :‬بل ال صواب عدم اشتراط الا جة للحاد يث ال صحيحة كحد يث‬
‫زيد بن ثابت وأب هريرة ف الصحيحي فإن فيها ذكر الترخيص من غي اشتراط الاجة ‪،‬‬
‫وأما الديث الذي ذكرتوه فهو حديث ضعيف فقد أنكره ممد بن داود الظاهري على‬
‫الشافعي ‪ ،‬وقال ابن حزم ‪" :‬ل يذكر الشافعي له إسنادا فبطل " اهس ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وعلى تسسليم صسحته فيقال ‪ :‬إن الحاديسث الصسحيحة صسرحت بالترخيسص بلفسظ‬
‫مطلق من غ ي ق يد الا جة وال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص ال سبب ‪ ،‬وهذا هو القول‬
‫الراجح فالعام يرى على عمومه ول يقيد إل بدليل صحيح صريح ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬حد يث الثعم ية وأن ا قالت ‪ :‬يا ر سول ال إن فري ضة ال على عباده ف‬
‫ال ج قد أدر كت أ ب شيخا كبيا ل يث بت على الراحلة أفأ حج ع نه ‪ ،‬قال ‪ :‬ن عم ح جي‬
‫عنه )) متفق عليه ‪ ،‬فقال بعض أهل العلم ‪ :‬إن هذا الديث خاص بالثعمية وأبيها دون‬
‫غيهم ‪ ،‬وهذا ليس بصحيح ‪ ،‬بل الصواب أنه عام لا ولغيها من هو ف حالة أبيها فمن‬
‫كان مريضا أو كبيا ل يثبت على الراحلة فله أن يقيم عنه من يج ويعتمر ‪ ،‬لعموم قوله‬
‫(( فاقضوا ال فال أحق بالوفاء )) فإن قيل إنه نزل على سبب خاص وهو سؤالا ‪ ،‬قلنا ‪:‬‬
‫إن العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب كما مرضى ترجيحه ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬رضاع الكبي هل ينشر الرمة أم ل ؟ قد قدمنا لك ذلك الفرع ف قاعدة‬
‫" مالفة الراوي لا روى " ونعيده هنا لنه داخل تت هذه القاعدة أيضا فأقول ‪:‬‬
‫ففي قصة سال مول أب حذيفة أنه كان يدخل على امرأة أب حذيفة فتغيت نفس‬
‫أب حذيفة فرفعت المر إل النب ‪ r‬فقال لا (( أرضعيه حت يدخل عليك )) والديث‬
‫عند مسلم وغيه فهذا الديث له سبب خاص ‪ ،‬ولفظه عام ‪ ،‬فهل العبة بعموم اللفظ أم‬
‫بصوص السبب ‪ ،‬هنا وقع اللف بي العلماء ‪ ،‬فقال جلة من أزواج النب ‪ r‬وهو قول‬
‫المهور أيضا إنسه خاص بسسال ل يتعداه لغيه ‪ ،‬وقالت عائشسة ‪ :‬الكسم للمسة فرضاع‬
‫الكبي مرم سواءً كانت حالته موافقة لالة سال أو ل ‪ .‬وقال بعض أهل العلم ‪ :‬بل العبة‬
‫بالة السبب ذلك لن السبب له تأثي ف الكم وإذا كان السبب له تأثي ف الكم فإنه‬
‫يناط بال ته ‪ ،‬وإذا نظر نا إل حالة سال وأ ب حذي فة وامرأ ته وجدنا هم قد تأذوا بتكرر‬
‫دخول سال عليهم و هم مضطرون لدخوله ‪ ،‬فأرضعته الرأة ليكون ابنا ل ا ‪ ،‬ف من كانت‬
‫حال ته م ثل حالة أ ب حذي فة وامرأ ته من تكرر دخول رجلٍ علي هم و هم متاجون لدخوله‬
‫فللمرأة أن ترضعسه ليحرم عليهسا ‪ ،‬وهذا القول فيسه إعمال للدلة كلهسا وهسو اختيار أبس‬
‫العباس – رحه ال – وهو القول الراجح ف نظري ول يالف أحاديث الولي لنا عامة‬
‫وقضيسة سسال خاصسة والاص مقدم على العام ‪ ،‬ول ينبغسي إبطال شيسء مسن السسنة مادام‬

‫‪138‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫إعمال ا مكنا ‪ ،‬وأ ما مال فة أمهات الؤمن ي فمعارض بقول عائ شة وقول ال صحاب ل يس‬
‫بجة إجاعا إذا خالفه صحاب آخر ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬آية اللعان فإنا نزلت ف عوير العجلن وزوجته لكن العبة بعموم اللفظ‬
‫فيدخل فيها من كان بنسزلتهم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬آ ية الظهار فإن ا نزلت ف أوس بن ال صامت وزوج ته ل كن ال عبة بعموم‬
‫اللفظ فيدخل فيها من كان بنسزلتهم ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬حديسث عبسد ال بسن أبس أوفس ‪ t‬قال ‪ :‬جاء رجسل إل النسب ‪ r‬فقال ‪:‬‬
‫يا ر سول ال إ ن ل أ ستطيع أن آ خذ شيئا من القرآن فعلم ن ما يزئ ن ع نه فقال ‪ r‬قل‬
‫سسسبحان ال والمسسد ل ول إله إل ال وال أكسسب ول حول ول قوة إل بال العلي‬
‫العظ يم …)) الد يث فهذا الد يث وإن كان له سبب خاص ل كن ال عبة بعموم الل فظ‬
‫فيد خل ف يه هذا الر جل و من كان بن سزلته م ن يعجزون عن أ خذ شيءٍ من القرآن وهذا‬
‫القول هو الصواب ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعال ] وَ َسيُ َ‬
‫جّنُبهَا ا َلْتقَى * الّذِي ُي ْؤتِي مَالَ ُه َيتَزَكّى [ ذكر غي واحدٍ‬
‫من الف سرين أن ا نزلت ف أ ب ب كر ال صديق ‪ ، t‬بل ذ كر بعض هم الجاع على ذلك ‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬نعم إنا نزلت فيه لكن العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب ‪ ،‬أي يدخل ف‬
‫هذه الية صديق المة ‪ t‬ومن كان بنسزلته من التصاف بالتقوى والكرم والود والبذل‬
‫للمال ف طاعة ال ونصرة الرسول ‪ ، r‬بل القاعدة عندنا أن الية الت لا سبب خاص إن‬
‫كا نت مدحا أو ذما أو أمرا أو نيا فإ نه يد خل في ها من نزلت ف يه و من كان بن سزلته‬
‫ذكره أبو العباس رحه ال تعال ف مقدمة التفسي وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬إذا طلق الرجل امرأته ثلثا فإنه ل تل له حت تنكح زوجا غيه ‪ ،‬ويذوق‬
‫ال خر ع سيلتها لقوله ‪ (( r‬ل ح ت تذو قي ع سيلته ويذوق ع سيلتك)) فهذا ال كم وإن‬
‫كان له سبب خاص وهو ما روته عائشة قالت ‪ :‬جاءت امرأة رفاعة القرظي إل النب ‪r‬‬
‫فقالت ‪ (( :‬ك نت ع ند رفاعة فطلق ن فبت طل قي فتزو جت بعده ع بد الرح ن بن الزب ي‬
‫وإنا معه مثل هدبة الثوب فقال ‪ :‬أتريدين أن ترجعي إل رفاعة ل حت تذوقي عسيلته‬

‫‪139‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ويذوق عسسيلتك )) فهسو وإن كان قيسل فس لشخسص خاص فخطاب الشارع للواحسد‬
‫خطاب للمة كلها ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن من َقتّر عليها زوجها بالنفقة فل يعطيها ما يكفيها وولدها فلها أن تأخذ‬
‫من ماله بغ ي عل مه ما يكفي ها وولد ها بالعروف لد يث ه ند امرأة أ ب سفيان ف هو وإن‬
‫كان على سببٍ خاص لك نه خطاب ل كل من كا نت مثل ها ‪ ،‬في ستدل به على من كان‬
‫كحالتها ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬من فوت الصلة أو الصوم لعذرٍ فإنه يقضي ف قول عامة أهل العلم للدلة‬
‫الصرية الصحيحة ف ذلك ‪ ،‬لكن من فوتما لغي عذر – أي ترك الصلة عمدا أو أفطر‬
‫عمدا – فهل يقضي أو ل ؟‬
‫ف يه خلف ‪ ،‬فق يل يق ضي لعموم قوله ‪ (( r‬فاقضوا ال فال أ حق بالوفاء )) ‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬بل ل يصح قضاؤه لنا عبادة مؤقتة بوقت والعبادة الؤقتة بوق تٍ تفوت بفوات‬
‫وقتهسا مسن غيس عذرٍ والدلة دلت على قضاء العذور ‪ ،‬وأمسا التعمسد فيمنسع مسن القضاء‬
‫حرمانا ل تفيفا ‪ ،‬وأما قوله (( فاقضوا ال فال أحق بالوفاء )) فهو فيمن فاته الج لوتٍ‬
‫أو مرضٍ ونوه ‪ ،‬لنه قيل ف الج فل يستدل به على غيه ‪.‬‬
‫قال الولون ‪ :‬ن عم سلمنا أ نه ق يل ف ال ج ل كن ال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص‬
‫السبب ‪ ،‬ولنه يفهم الراد منه بنفسه من غي معرفة سببه ‪ ،‬ولبحث السألة موضع آخر‬
‫وإنا القصود التفريع على هذه القاعدة ‪.‬‬
‫ولعله قد اتضحت القاعدة إن شاء ال بذه الفروع فعليها فقس وال أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعدة الامسـة عشـرة‬


‫( القياس ف مقابلة النص باطـل )‬

‫اعلم – رحكس ال تعال – أن أدلة الشريعسة أربعسة ‪ :‬الكتاب والسسنة والجاع‬


‫والقياس ‪ ،‬والكلم فس هذه القاعدة عسن القياس ‪ ،‬فالقياس دليسل تسستنبط بسه الحكام‬
‫الشرع ية ف قول جلة أ هل العلم إل من شذ من الظاهر ية وغي هم ‪ ،‬وأدلة إثبا ته دليلً‬
‫شرعيا مذكورة ف غ ي هذا الو ضع ‪ ،‬والذي يعني نا ه نا هو أن القياس إن ا يكون ح جة‬
‫كتابس أو سسنةٍ‬
‫ٍ‬ ‫شرعيسة إذا ل يالف دليلً شرعيا ‪ ،‬فإن القياس الذي يالف نصسا مسن‬
‫صحيحة يسمى فاسد العتبار وفساده دليل بطلنه ‪ ،‬فإن الجة إنا هي الكتاب والسنة‬
‫وأما القيسة الباطلة الصادمة للنصوص فإنا غي معتبة ول يل لح ٍد تقديها على الكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬فإن القياس فرع من الكتاب والسنة فكيف يقدم الفرع على أصله عند التعارض‬
‫بل الوا جب على كل أح ٍد أن يطرح م ثل هذا القياس خارجا وأل يع تبه شيئا ‪ ،‬والدل يل‬
‫على فساده إذا صادم النص أمور ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬حد يث معاذ بن ج بل و هو حد يث صحيح مشهور تلق ته ال مة بالقبول‬
‫واعتمدوه ف استدللتم بل نكي ‪ ،‬وهو أن النب ‪ r‬لا بعثه إل اليمن قال ‪ :‬ب تكم ؟‬
‫قال ‪ :‬بكتاب ال ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن ل تد ؟ قال ‪ :‬فبسنة رسول ال ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن ل تد ؟ قال‪:‬‬
‫أجتهد رأيي ول آلو )) أي ل أقصر وهو عند أحد وأب داود والترمذي والطيالسي وقد‬
‫صححه جاعة من الفاظ أمثال أب بكر الرازي وأب بكر بن العرب والطيب البغدادي‬
‫وابن القيم وغيهم – رحهم ال تعال رحة واسعة – ووجه الجة فيه أن معاذا ‪ t‬أخرّ‬
‫القياس عن النص وصوبه النب ‪ r‬فدل على أن رتبة القياس بعد النص ‪ ،‬فإذا تعارض القياس‬
‫والنص فتقديه – أي القياس على النص – تقدي لا هو متأخر ف الرتبة وهذا فاسد وهو‬
‫الراد بقولم " فاسد العتبار " ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن ربنا جل وعل عاب ف آياتٍ على الذين يعملون عقولم بعد‬
‫ورود النص القاطع فتراهم يقولون ‪ :‬لو كان كذا لكان كذا ويقاس هذا على هذا ‪ ،‬فعاب‬
‫ال علي هم وذم هم وأمر هم باتباع ال نص الوا ضح وترك هذه القي سة الباطلة وذلك كقوله‬

‫‪141‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫حيِيهَا‬
‫تعال ] وَضَرَ بَ لَنَا َمَثلً َونَ سِيَ َخ ْلقَ هُ قَا َل مَ ْن يُحْ يِ اْلعِظَا مَ َوهِ يَ َرمِي مٌ * قُ ْل يُ ْ‬
‫الّذِي أَنشَأَهَا َأوّ َل مَ ّر ٍة َو ُهوَ ِبكُلّ خَ ْل ٍق عَلِي مٌ [ فن صوص العاد وب عث الج ساد ف القرآن‬
‫كثية ومسع ذلك ل يزالون فس أقيسستهم الفاسسدة ‪ ،‬وكقوله فس معرض أمرهسم بالنفقسة‬
‫ومعارضتهم ذلك بالقياس ] وإذا قِيلَ َلهُ مْ أَن ِفقُوا مِمّا رَزََقكُ مْ اللّ هُ قَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا لِلّذِي نَ‬
‫آ َمنُوا أَنُ ْطعِ ُم مَ نْ َل ْو يَشَاءُ اللّ هُ َأ ْطعَمَ هُ إِ نْ َأنْتُ مْ إِل فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ [ وغ ي ذلك ف آيا تٍ‬
‫كثية ‪ ،‬وما ذلك إل لنه ل ينبغي القياس ف معارضة النص ‪ ،‬بل النص مقدم على غيه‬
‫وال أعلم‬
‫ومن الدلة أيضا ‪ :‬أن الصحابسة رضسوان ال عليهسم على كثسسرة اجتهادهم‬
‫وفتاويهم ل ينقل عنهم أنم قاسوا إل مع عدم النص ‪ ،‬وكانوا يتساءلون عن النصوص فإذا‬
‫وجدوها ل يعدلوا عن ها بل كان الوا حد من هم يف ت برأ يه زمنا ث يأت يه ال نص فيترك رأ يه‬
‫وقياسه ويأخذ بالنص ما يدل على أن النص مقدم عندهم وأنه ل يعارض برأ يٍ ول قياس‬
‫وذلك بإجاعهم رضي ال عنهم ‪.‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬أن عمر ‪ t‬لا ذكر له خب حل بن النابغة ف غرة الني قال عمر (لو‬
‫ل نسمع هذه لقضينا بغيه) فكان النص مانعا له من القياس العارض فترك قياسه من أجل‬
‫النص ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬أ نه ‪ t‬كان ل يورث الرأة من د ية زوج ها فل ما أ خبه الضحاك بن‬
‫سفيان الكِلب ‪ t‬أن النب ‪ r‬كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضباب من دية زوجها لا‬
‫بلغه ذلك رجع عن رأيه إل النص ما يدل على عدم اعتباره الرأي مع النص ‪.‬‬
‫و من ذلك ‪ :‬أ نه كان ل يأ خذ الز ية من الجوس اجتهادا وقيا سا على غي هم من‬
‫سائر الشرك ي وأن م ل يس ل م كتاب معروف فلي سوا من أ هل الكتاب ‪ ،‬فل ما أ خبه‬
‫عبد الرحن بن عوف أن النب ‪ r‬أخذ الزية من موس هجر كتب عمر إل عماله على‬
‫البلد بأخذ الزية منهم فترك رأيه من أجل النص ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أن عثمان ‪ t‬كان يقول ‪ " :‬إن التوف عنها زوجها ل سكن لا " حت‬
‫جاءه خسب الفريعسة بنست مالك أن زوجهسا خرج فس طلب أعبدٍ له فقتلوه ول يكسن ترك‬

‫‪142‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫سكنا تلكه ول نفقة قالت ‪ :‬فقال رسول ال ‪ (( r‬امكثي ف بيتك حت يبلغ الكتاب أجله‬
‫‪ ،‬قالت ‪ :‬فاعتددت أربعة أشهرٍ وعشرا )) فلما علمه عثمان اتبعه وقضى به وترك رأيه ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أن عمر ‪ t‬كان يفت بأن دية الصابع على حسب منافعها حت جاءه‬
‫خب معاوية ‪ t‬أن النب ‪ r‬قال (( هذه وهذه سواءٌ )) فرجع عن رأيه واتبع السنة‪.‬‬
‫فهذه الصور حصلت بحض ٍر من الصحابة ول ينكرها أحد فكان ذلك إجاعا ‪.‬‬
‫و من الدلة أيضا ‪ :‬اتفاق ال صحابة وال سلف ال صال وأئ مة الد ين على ذم من ترك‬
‫النصوص الصرية الصحيحة وتتبع القيسة الباطلة ‪ ،‬وكلمهم ف ذلك مشهور معروف ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫و من الدلة ‪ :‬أن القياس إن ا هو ح جة ين سب للشري عة ويكون دليلً من أدلت ها إذا‬
‫كان قياسسا صسحيحا ومسن شرط صسحته أن ل يالف نصسا ‪ ،‬فأمسا إذا خالف نصسا فإن‬
‫الشريعة بريئة منه وإنا ينسب إل صاحبه ‪.‬‬
‫فوا عجبا من يقدم قول البشر على وحي رب البشر ‪ .‬فهذه الدلة تفيد إفادة قطعية‬
‫أن ال جة إن ا هي ال نص ل القياس العارض ‪ ،‬وأن هذا القياس ال صادم لل نص ي ب على‬
‫العال إطراحه ‪ ،‬فالنص هو القدم على كل شيء وال أعلم ‪.‬‬
‫هذا شرح القاعدة من ناحية التنظي لكن بقي شرحها من ناحية التفريع وفروعها‬
‫ف الق كثية لكن أقتصر على أشهرها ‪ ،‬فغيها يعرف با فأقول ‪:‬‬
‫اعلم – أرشدك ال لطاعته – أن أول من قاس قياسا فاسد العتبار إبليس فإنه إمام‬
‫لكل قائس قياسا يالف به النص ‪ ،‬وذلك أن ال تعال لا أمره بالسجود لدم عليه السلم‬
‫بقوله ] ا سْجُدُوا لدَ مَ [ وهو نص صريح ل يتمل الناقشة ‪ ،‬عارض عدو ال هذا النص‬
‫القاطع بأقيسةٍ فاسدة ‪ ،‬فقاس عنصره على عنصر آدم فرأى أن النار أقوى من الطي وأنه‬
‫أقدم م نه ف اللق فكا نت نتي جة قيا سه الفا سد أن قال ] أَنَا َخيْ ٌر ِمنْ هُ َخَل ْقتَنِي مِ نْ نَارٍ‬
‫وَخََل ْقتَ هُ مِ ْن طِيٍ [ فأ ب ال سجود وقدم قيا سه الفا سد على ال نص ال صريح ‪ ،‬وقيا سه هذا‬
‫قياس باطل ولشك ‪ ،‬ووجه بطلنه ثلثة أمور ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه ف معارضة النص ‪ ،‬والقياس ف مقابلة النص باطل ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الثان ‪ :‬منع القياس أصلً فإن النار ليست خيا من الطي ‪ ،‬فإن النار طبيعتها الفة‬
‫والطيش والفساد والتفريق ‪ ،‬وأما الطي فطبيعته الرزانة والصلح والعمار فإنك تعطيه‬
‫ال بة فيعطيك ها سنبلة ‪ ،‬وتعط يه النواة فيعطيك ها نلة وهكذا ‪ ،‬و به تع مر البيوت فك يف‬
‫تكون النار خيا من الطي ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬سلمنا جدلً أن النار خ ي من الط ي فإن شرف ال صل ل ي ستلزم شرف‬
‫الفرع فإبل يس فرع من النار فإذا قل نا أ صل النار خ ي فإ نه ل يلزم من ذلك أن كل فروع‬
‫النار خي ‪ ،‬فكم من أصل رفيع وفرعه وضيع ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا‬ ‫إذا افتخرت بآبا ٍء لم شرف‬
‫والقصود ‪ :‬أن قياس إبليس هذا قياس ف مقابلة النص فهو قياس باطل ‪.‬‬
‫و من الفروع أيضا ‪ :‬ذ هب النف ية – رح هم ال تعال وغ فر ل م – أن الرأة يوز‬
‫لا أن تتول عقد نكاحها بنفسها قياسا على جواز تصرفها ف مالا با شاءت ‪ ،‬فكما أنا‬
‫تتصرف ف مالا كيفما شاءت ول تفت قر إل الول فكذلك ف النكاح أيضا ل ا أن تزوج‬
‫نفسها من شاءت ول تفتقر إل الول ‪.‬‬
‫قال المهور ‪ :‬هذا قياس فا سد ل نه قياس ف مقابلة ال نص فإن الن صوص دلت على‬
‫أنه ل يصح النكاح إل بول وذلك ف قوله ‪ (( r‬أيا امرأة نكحت نفسها بغي إذن وليها‬
‫فنكاحها باطل )) وحديث (( ل نكاح إل بول )) وحديث (( ول تزوج الرأة نفسها ))‬
‫وهذه النصوص بجموعها صحيحة ثابتة فإذا صح النص فل قياس ‪ ،‬لن القياس ف مقابلة‬
‫النص باطل ولشك أن القول الصحيح مع المهور ‪.‬‬
‫و من الفروع ‪ :‬ذ هب ب عض أ هل العلم إل سنية ا ستلم سائر أركان الب يت أ ما‬
‫الركنان اليمانيان فبال نص وأ ما الخران فبالقياس عليه ما ‪ ،‬وذ هب أك ثر العلماء إل عدم‬
‫ال سنية إل ف اليماني ي لثبوت ال نص ب ما ‪ ،‬وأ ما الخران فل ا ستلم ول تقب يل وقيا سهم‬
‫هذا ف مقابلة النص ‪ ،‬ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر ‪ t‬قال ‪ (( :‬ل أر رسول ال‬
‫‪ r‬يستلم من البيت غي الركني اليمانيي )) وأنكر ابن عباس على معاوية استلمه أركان‬
‫البيت جيعها فقال معاوية ‪ " :‬ليس شيء من البيت مهجورا " فقال ابن عباس ‪ " :‬أما لك‬
‫ف رسول ال ‪ r‬أسوة حسنة " فسكت معاوية لقبوله الق رضي ال عنه وأرضاه كما هو‬

‫‪144‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫طبع أصحاب رسول ال ‪ r‬بأب هم وأمي ‪ ،‬ولن القياس ف العبادات منوع عند الكثر ‪،‬‬
‫ولن الصسل فس العبادات الظسر والتوقيسف ‪ ،‬ولن الركنيس الخريسن ليسسا على قواعسد‬
‫إبراهيم كما قال أهل العلم – رضي ال عن الميع – وهذا هو الصواب ‪ ،‬فالسنة إنا هي‬
‫استلم الركن اليمان والجر السود ‪ ،‬ويذكرن هذا بن قال ‪ :‬السنة تقبيل الركن اليمان‬
‫قياسا على تقبيل الجر السود ‪ ،‬وهذا أيضا قياس ف مقابلة النص فإن النب ‪ r‬كان يستلم‬
‫الركن اليمان ول يقبله فهو إذا قياس باطل وال الستعان‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قال بعض أهل العلم ‪ :‬يشرع للنسان إذا أت السعي بي الصفا والروة أن‬
‫يصلي ركعتي قياسا على صلة ركعتي بعد الطواف حول البيت ‪ ،‬وهذا قياس ف مقابلة‬
‫النسص لنسه ‪ r‬سسعى بيس الصسفا والروة ول يصسل بعده شيئا فلو كان مشروعا لفعله ‪،‬‬
‫فقياسهم هذا قياس باطل لنه ف مقابلة النص ‪ .‬فالصواب إذا عدم مشروعيتها ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬قال النف ية – ر ضي ال عن هم – ل يوز للر جل تغ سيل امرأ ته إذا ما تت‬
‫لنقطاع حبل النكاح بينهما قياسا على الجنبية ‪،‬وقال أكثر العلماء بالواز وهو الصحيح‬
‫ف عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت ‪ (( :‬ر جع ر سول ال ‪ r‬من جنازةٍ بالبق يع وأ نا أ جد‬
‫صداعا ف رأسي وأقول وارأساه ‪ ،‬فقال ‪ :‬بل أنا وارأساه ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك‬
‫وكفنتك ث صليت عليك ودفنتك )) رواه أحد وابن ماجه ‪ ،‬وهو نص ف الوضوع ‪ ،‬وف‬
‫حد يث أ ساء ب نت عم يس قالت ‪ ( :‬غ سلت أ نا وعلي فاط مة ب نت ر سول ال ‪ ) r‬رواه‬
‫الا كم والبيه قي وح سنه الا فظ ا بن ح جر ‪ ،‬واشتهرت هذه الق صة فلم تن كر فكا نت‬
‫إجاعا ‪ ،‬ول يقال ‪ :‬إن عليا غ سلها من باب ال صوصية لن عقده علي ها ل ينق طع لن ا‬
‫زوجته ف الخرة ‪ ،‬لننا نقول ‪ :‬إن مثل هذا ل يثبت إل بدليل ول أعلم دليلً يثبت مثل‬
‫هذا ف الكتب ال ت نظرت فيها ‪ ،‬و به تعلم أن قياس النفية ومن وافق هم قياس ف مقابلة‬
‫النص فيكون باطلً لن القياس ف مقابلة النص فاسد العتبار ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ذ هب ب عض أ هل العلم إل أن الحرم يوز له ع قد النكاح وا ستدلوا على‬
‫ذلك بالقياس فقالوا ‪ :‬ك ما أ نه يوز شراء ال مة للو طء و هو مرِم فكذلك يوز له ع قد‬
‫ل منه ما يق صد به الو طء وو سيلة من و سائله ‪ ،‬وذ هب‬
‫النكاح و هو مرِم با مع أن ك ً‬
‫المهور إل أنه ل يوز عقد النكاح للمحرم وهو الصحيح لديث عثمان ‪ t‬عند مسلم‬

‫‪145‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وغيه أن النسب ‪ r‬قال ‪ (( :‬ل ينكسح الحرم ول ينكسح ول يطسب )) فهسو نسص صسحيح‬
‫صريح الدللة على النع من ذلك ‪ ،‬فقياسهم إذا قياس ف مقابلة النص فهو باطل والنص‬
‫مقدم عليه ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ذهب بعض الشافعية إل أنه يوز قطع أغصان شوك الرم قياسا على جواز‬
‫قتل الدواب المس الفواسق بامع وجود اليذاء ف كلٍ ‪ ،‬ونقول ‪ :‬الصواب أنه ل يوز‬
‫ابتداء قطعه لديث أب هريرة ف الصحيحي (( ول يتلى شوكها )) وقياسهم هذا قياس‬
‫ف مقابلة النص والقياس إذا صادم النص فهو باطل ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬ذهسب بعسض أهسل الفضسل والعلم – رحهسم ال تعال – إل أن اللبس فس‬
‫الصسراة عنسد الرد يضمسن بلبس مثله ‪ ،‬لنسه مثلي فيضمسن بثله كسسائر الثليات ‪ ،‬وذهسب‬
‫الكثر إل ضمانه بصاعٍ من تر لديث أب هريرة ‪ t‬قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ (( r‬ل تصروا‬
‫البل والغنم فمن ابتاعها فهو بي النظرين بعد أن يلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها‬
‫وصاعا من تر )) متفق عليه ‪ ،‬وهذا هو الصواب ولشك لثبوت الديث به كما ترى ‪،‬‬
‫وأ ما قيا سهم الل ب على سائر الثليات ف هو قياس با طل ل نه قياس ف مقابلة ال نص ‪ ،‬وال‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ف باب العتقد فقد ذهب المثلة إل إثبات الساء والصفات ل تعال على‬
‫وج هٍ يا ثل صفات الخلوقات وذلك لن التفاق ف ال ساء ي ستلزم التفاق ف ال صفات‬
‫ولقياس الغائب على الشاهسد بامسع التفاق فس السسم فقاسسوا ال بلقسه ‪ ،‬جسل وعل ‪،‬‬
‫وقياسهم هذا من أبطل القياس وأشنعه وذلك لنه ف مصادمة النص ف قوله تعال ] ليس‬
‫كَ ِمثْلِ ِه َشيْءٌ َو ُه َو ال سَمِي ُع البَ صِيُ [ وقوله ] وَلَ ْم َيكُ نْ لَ هُ ُكفُوًا أَحَدٌ [ وقوله ] فَل َتضْ ِربُوا‬
‫جعَلُوا لِلّ هِ أَندَادًا َوَأنْتُ ْم َتعْلَمُو نَ [ وغيها من النصوص القاطعة‬ ‫لِلّ ِه ا َلمْثَالَ [ وقوله ] فَل تَ ْ‬
‫لدابر الشابة بي الخلوق والالق ‪ ،‬لكنهم أثبتوا التشبيه بالقياس وقياسهم هذا باطل لنه‬
‫ف مقابلة النص فل اعتبار به ‪،‬ولم أجوبة أخرى لكن هذا ما يهمنا لفهم القاعدة ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ما رواه م سلم من حد يث صال بن أ ب صال المدا ن قال ‪ :‬حضرت‬
‫الش عب وجاءه ر جل من أ هل خرا سان فقال ‪ :‬يا أ با عمرو ‪ ،‬إن من قبل نا ناس من أ هل‬
‫خراسان يقولون إن الرجل إذا أعتق أمته ث تزوجها فهو كالراكب بدنته ‪ ،‬فقال الشعب ‪:‬‬

‫‪146‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫حدثنا أبو بردة بن أب موسى عن أبيه عن النب ‪ r‬أنه قال (( ثلثة يؤتون أجرهم مرتي –‬
‫الد يث – وفيه ور جل كا نت عنده أ مة فغذاها فأح سن غذاء ها وأدب ا فأح سن أدب ا ث‬
‫أعتقها فتزوجها فله أجران )) فأهل خراسان هنا قاسوا من تزوج أمته بعد عتقها كمن‬
‫ركب بدنته بامع القبح ف كلٍ ‪ ،‬لكنه قيا سٌ فاسد لنه ف مقابلة النص ‪ ،‬والصواب أن‬
‫هذا العمل جليل يثيب ال عليه بأجرين ‪ ،‬وأما قياسهم فباطل ‪ ،‬فل قياس مع ثبوت النص‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قياس ما ف النة من النعيم على ما ف الدنيا بامع التفاق ف السم وهذا‬
‫قياس باطل لنه مصادم لقوله ‪ r‬ف الديث مرفوعا إل ربه جل وعل (( أعددت لعبادي‬
‫ال صالي ما ل ع ي رأت ول أذن سعت ول خ طر على قلب ب شر )) وقال ا بن عباس ‪:‬‬
‫ليس ف الدنيا ما ف النة إل الساء ‪ ،‬وصدق رضي ال عنه ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬اختلف العلماء – رحهسم ال تعال – فس السسلم فس اليوان هسل يصسح‬
‫أو ل ؟ على قول ي فق يل ل ي صح لن ال سلم ل ي صح إل في ما تنض بط صفاته واليوان‬
‫تتلف صفاته ول يكن ضبطها فالسلم يؤدي إل اللف قياسا على سائر ما ل تنضبط‬
‫صفاته ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بل السلم ف اليوان صحيح لديث أب رافع عند المام مسلم‬
‫رحه ال تعال قال ‪ (( :‬استسلف النب ‪ r‬بكرا من رجل فجاءت إبل الصدقة فأمرن أن‬
‫أوف الرجل فقلت ‪ :‬ل أجد إل رباعيا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أعطه إياه فإن خيكم أحسنكم قضاءً ))‬
‫أو ك ما قال ‪ ، r‬ولد يث ع بد ال بن عمرو بن العاص قال ‪ :‬أمر ن ال نب ‪ r‬أن أج هز‬
‫جيشا فنفدت البل فكنت آخذ البعي بالبعيين من إبل الصدقة )) فهذا دليل على جواز‬
‫السلم ف اليوان وهو الصواب إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫وأمسا اشتراط انضباط الصسفات فمسن الذي اشترطسه ‪ ،‬وإناس الشترط العلم بالكيسل‬
‫والوزن فيما يكال ويوزن وكذلك العلم بالجل وتسليم رأس الال ف ملس العقد ‪ ،‬حت‬
‫ولو سلمنا اشتراطه فإن اليوان يكن ضبطه بالصفات من نوعه وجنسه ومقداره ‪ ،‬وعلى‬
‫كل حال فالنص دل على الواز ول قياس مع النص فقياسهم فاسد العتبار وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬قال النفيسة – رحهسم ال تعال – إن الرتدة ل تقتسل قياسسا على الكافرة‬
‫الصلية فهي ل تقتل ولديث (( نى النب ‪ r‬عن قتل النساء )) وذهب المهور إل أنا‬
‫تق تل ب عد ا ستتابتها و هو ال صحيح لعموم حد يث ا بن عباس (( من بدل دي نه فاقتلوه ))‬

‫‪147‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ولق صة أم رومان أو أم مروان أن ا ارتدت فا ستتابا ال نب ‪ r‬ثلثا فلم ت تب فقتل ها ‪ ،‬وق تل‬
‫أ بو ب كر امرأة ارتدت ب عد ا ستتابتها ثلثا ‪ ،‬وقيا سهم هذا يكون قيا سا ف مقابلة ال نص‬
‫والقاعدة تقول القياس ف مقابلة النص باطل ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬أن بعسض أهسل العلم قال بسسنية الدعاء بعسد رمسي المرة الثالثسة فس أيام‬
‫التشريق قياسا على الوقوف للدعاء عند المرتي الول والثانية ‪ ،‬وذهب أكثر العلماء إل‬
‫أن السنة عدم الوقوف وهو الق لديث ابن عمر عند البخاري وغيه أن النب ‪ r‬وقف‬
‫يدعو طويلً عند المرة الول والثانية وفيه (( ث رمى جرة العقبة ول يقف عندها)) وأما‬
‫قياسهم فهو قياس ف مقابلة النص والقياس ف مقابلة النص باطل ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ذ هب قل يل من أ هل العلم إل مشروع ية الذان ل صلة الع يد قيا سا على‬
‫الفري ضة أو النداء ل ا ب س (ال صلة جام عة) وقال بعض هم ‪ :‬ال سنة أن يق يم ل ا ‪ ،‬وذ هب‬
‫جاه ي أ هل العلم إل أن ال سنة أن ت صلى الع يد بل أذان ول إقا مة و هو ال صحيح لد يث‬
‫جابر بن سرة عند مسلم (( أن النب ‪ r‬صلى العيد بل أذان ول إقامة )) وأما قياسهم فهو‬
‫قياس ف مقابلة النص والقياس ف مقابلة النص باطل ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬قول بعض أن الشروع ف التي مم أن يبلغ به إل الرفق ي وا ستدلوا بدليل ي‬
‫بد يث ا بن ع مر (( التي مم ضربتان ضر بة للو جه ‪ ،‬وضر بة لليد ين إل الرفق ي )) رواه‬
‫الدارقط ن ‪ ،‬والثا ن قيا سا على غ سل اليد ين ف الوضوء ‪ ،‬وقال بعض هم إن الشروع هو‬
‫مسح الكفي فقط وهو الق لديث عمار بن ياسر وفيه (( إنا يكفيك أن تقول بيديك‬
‫هكذا وضرب بكفيسه الرض ضربسة واحدة ومسسح الشمال على اليميس وظاهسر كفيسه‬
‫ووجهه )) متفق عليه ‪ ،‬وأما حديث ابن عمر فهو ضعيف مرفوعا ‪ ،‬وأما قياسهم فهو ف‬
‫مقابلة النص والقياس ف مقابلة النص باطل ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ذهب بعض أهل العلم أن الن نس واستدلوا بالقياس على الذي بامع أن‬
‫كل منهما يرج بسبب الشهوة ‪ ،‬وذهب الكثر إل طهارته وهو الراجح لديث عائشة‬
‫قالت (( كان ر سول ال ‪ r‬يفرك ال ن من ثو به فركا ث ي صلي ف يه )) رواه م سلم‪ ،‬و ف‬
‫رواية (( لقد كنت أحكه يابسا بظفري من ثوبه )) ومعلوم أن الك ل يزيل عينه بالكلية‬

‫‪148‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ولديث ابن عباس (( إنا هو بنسزلة الخاط والبصاق فيكفيك أن تسحه عنك برقة أو‬
‫بإذخره )) وأما قياسهم فهو قياس ف مصادمة النص وقياس مع الفارق وال أعلم‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬قال ب عض الغفل ي بواز حلق اللح ية قيا سا على إزالة سائر شعور البدن‬
‫بامع أن كل منهما شعر ‪ ،‬وذهب من يعتد بقوله إل تري حلقها وهو الصحيح بل شك‬
‫للحاديسث الصسحيحة الصسرية الواردة فس ذلك كحديسث ابسن عمسر (( حفوا الشوارب‬
‫وأعفوا الل حى )) وغيه ‪ ،‬وأ ما قيا سهم فقياس ف مقابلة ال نص والقياس ف مقابلة ال نص‬
‫باطل وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قياس الشركي جواز الربا على جواز البيع فإن كل منهما فيه مبادلة منفعة‬
‫ك ِبَأّنهُ مْ قَالُوا ِإنّمَا اْلبَيْ ُع ِمثْلُ الرّبَا َوأَحَلّ اللّ ُه اْلبَيْ َع وَ َحرّ مَ الرّبَا [‬
‫قال ال جل وعل ] ذَلِ َ‬
‫فهذا نسص يقضسي على جيسع أنواع الربسا بختلف أشكالاس ويقضسي على جيسع القيسسة‬
‫الفاسدة الت تلحق الربا بالبيع وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ذهب بعضهم أن من أتى بيمة طبق عليه حد الزنا قياسا على الزنا بالدمية‬
‫با مع أن كل منه ما إيلج ف فرج أ صلي ‪ ،‬وذ هب بعض هم أن عقوب ته الق تل لد يث‬
‫ا بن عباس (( من أ تى بي مة فاقتلوه واقتلو ها )) وأقول إن صح هذا الد يث فإ نه ي ب‬
‫ال خذ به ويترك ما عداه من القياس لن هذا القياس حينئ ٍذ يكون فا سد العتبار لقابل ته‬
‫للنص ‪ ،‬لكن نتاج أولً للبحث ف سند هذا الديث وطرقه وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ذ هب النف ية إل عدم وجوب الت سبيع والتتر يب ف غ سل نا سة الكلب‬
‫واستدلوا بأدلة منها ‪ :‬قياس ولوغ الكلب على العذرة فالعذرة أشد وأغلظ ناسة منه ومع‬
‫ذلك ل يبس التسسبيع فس غسسلها فكذلك ناسسة الكلب ‪ ،‬فإذا كانست العذرة مسع غلظ‬
‫ناستها ل يب فيها التسبيع فمن باب أول ولوغ الكلب ‪ ،‬قال المهور ‪ :‬هذا قياس ف‬
‫مقابلة النص الصحيح الصريح وهو حديث أب هريرة ف ولوغ الكلب والقياس ف مقابلة‬
‫النص فاسد العتبار ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ذ هب ب عض العلماء إل جواز التداوي بال مر وقا سوها على جواز ال كل‬
‫من اليتة للمضطر عند الضرورة ‪ ،‬وذهب جاهي الئمة إل حرمة التداوي با واستدلوا‬
‫على ذلك بقوله ‪ (( r‬ول تتداو برام )) وقد ثبت ف الصحيح عن النب ‪ r‬أنه سئل عن‬

‫‪149‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ال مر ت صنع للدواء فقال (( إن ا داء ولي ست بدواء )) وقال (( إن ال ل ي عل شفاء أم ت‬


‫فيما حرم عليها )) وف سنن أب داود عن النب ‪ (( r‬أنه نى عن الدواء البيث )) فهذه‬
‫النصوص تفيد تري التداوي بكل حرام وعن المر بصوصها ‪ ،‬وقياسهم هذا قياس فاسد‬
‫العتبار لنه ف مقابلة النص وال أعلم ‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة السادسـة عشـرة‬


‫( الزيادة من الثقة مقبولة إذا ل يالف الثقات )‬

‫و هي من أج ل القوا عد ال صولية الديث ية ‪ ،‬ول ا من الفروع ما ل ي صى كثرةً ‪،‬‬


‫وبعرفت ها وضبط ها ت ل إشكالت كثية ‪ ،‬ول ت تم بركت ها إل ب مع الطرق ‪ ،‬فإن ج ع‬
‫الطرق من أنفع ما يكون لطالب العلم ‪ ،‬فيا ليت طلب العلم يقبلون على ضبط زيادات‬
‫الثقات ب مع الطرق الديث ية ‪ ،‬ك ما كان ال سلف ير صون كثيا على م ثل هذا و سوف‬
‫ترى إن شاء ال تعال ف الفروع كيف تأثي هذه القاعدة ف الترجيح بي خلف العلماء‪.‬‬
‫فأقول ف شرحها وبال التوفيق ومنه أستمد الفضل بسن التحقيق ‪:‬‬
‫قول نا (الزيادة) ‪ :‬هذه الزيادة نوعان ‪ :‬إ ما زيادة لفظ ية أي ل تعلق ل ا بالع ن وإن ا‬
‫زيادة كلم ٍة أو حر فٍ ف قط ‪ ،‬مع بقاء الع ن على ما هو عل يه كزيادة الواو ف قوله ‪: r‬‬
‫((رب نا لك ال مد)) فيكون ((رب نا ولك ال مد)) فهذه زيادة لفظ ية ل تعلق ل ا بالع ن ‪،‬‬
‫فالعن ل يتلف ‪ ،‬بل هو هو قبل الزيادة وبعدها ‪.‬‬
‫فهذا النوع من الزيادات ل أهتم به كثيا لنه ل يوجب خلفا كبيا بي أهل العلم‬
‫‪ ،‬وإنا الهم عندي وهو الذي أريد التفريع عليه هو النوع الثان من الزيادات وهو الزيادة‬
‫العنو ية ‪ ،‬أي زيادة لفظ ٍة أو حرف يتغ ي به الع ن ‪ ،‬أي أن الع ن ب عد الزيادة يتلف عن‬
‫ل ‪ ،‬فيكون العن بعدها متلفا عنه‬ ‫ف مث ً‬
‫العن قبلها وذلك إما بزيادة شر طٍ أو قيدٍ أو ص ٍ‬
‫قبلها ‪ ،‬فهذه الزيادة هي الت ينصب عليها حرصي ‪.‬‬
‫وقولنـا (مـن الثقـة) ‪ :‬الراد بالثقسة أي العدل الضابسط ‪ ،‬وهذا القيسد مهسم جدا فس‬
‫القاعدة ‪ ،‬وبناءً عليه فتخرج الزيادات من ليسوا بثقات كالضعفاء والجهولي والتروكي‬
‫وإنا الذي يقبل من الزيادات ما رواه الثقة العدل ‪.‬‬
‫وقولنا (مقبولة) ‪ :‬أي معتمدة يتج با بعن أنا معتبة مؤثرة ‪ ،‬ل يوز تاهلها ولا‬
‫ح كم الد يث ال ستقل ‪ ،‬وتع طى صبغة التشر يع والقدا سة ‪ ،‬فإن كا نت بزيادة شر طٍ أو‬
‫حك مٍ أو و صف فإ نه ي ب اعتباره ول يوز إلغاؤه ‪ ،‬بل ينب غي القول بقتضاه ‪ ،‬هذا هو‬
‫مع ن قول نا مقبولة ‪ ،‬ل كن قبول ا هذا بشرط و هو الراد بقول نا (إذا ل يالف الثقات) فإذا‬

‫‪151‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫روى شيئا زائدا على مسا رواه الثقات فل يلو إمسا أن تكون هذه الزيادة مالفسة لاس رووه‬
‫وإما ل ‪ ،‬فإن كانت مالفة فالق إلغاؤها والخذ برواية الثقات والقتصار عليها لن هذه‬
‫الزيادة حينئ ٍذ تكون من قبيل الشاذ ‪ ،‬والشاذ قسم من أقسام الضعيف ‪.‬‬
‫ط أو صفةٍ أو حكمٍ أو حرفٍ‬ ‫وأما إذا كانت موافقة لا رووه لكن بزيادة قيدٍ أو شر ٍ‬
‫يتغيسبسه العنس فهذه الزيادة هسي التس نعنيهسا بذه القاعدة وهذا القيسد أيضا مهسم جدا ‪،‬‬
‫فصارت القاعدة بذا لا شرطان ‪ ،‬أي أن ما زاده الثقات فإنه ل يقبل إل بشرطي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن تكون من ثقة فتخرج زيادة من عداه ‪.‬‬
‫الثانـ ‪ :‬أن ل تكون هذه الزيادة مالفسة لروايسة الثقات ‪ ،‬فإذا تقسق هذان الشرطان‬
‫و جب قبول ا واعتماد ها ل ا يأ ت من الدلة إن شاء ال تعال ‪ ،‬ون ن ه نا ل نتكلم عن‬
‫الديث الستقل الذي ينفرد به الثقة وإنا نتكلم عن الديث الذي يرد به الثقات عن شيخٍ‬
‫ث ينفرد أحد هم بزيادة شيءٍ ل يذكره سائر الثقات من إخوا نه ‪ ،‬فهذه الزيادة ال ت انفرد‬
‫با هذا الثقة هي الت نتكلم عن حكمها ‪ ،‬فهل تقبل أو ل ؟‬
‫أقول ‪ :‬القاعدة ت نص على أن ا تق بل بشرط ها و هو ما قدم ته لك ق بل قل يل ‪ ،‬إذا‬
‫علمت هذا فاعلم أنه قد دل على وجوب قبولا عدة أدلة ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أن الثقة إذا انفرد برواية حديث كامل ‪ ،‬فإنه يب قبول روايته فكذلك من‬
‫باب أول إذا انفرد بكلمةٍ أو حر فٍ عن سائر الثقات وهذا قياس صحيح مستوفٍ لميع‬
‫أركا نه ‪ ،‬فال صل رواي ته للحد يث ا ستقل ًل وانفراده به ‪ ،‬والفرع رواي ته لذه الزيادة ‪،‬‬
‫والعلة وجوب القبول والكم ‪ ،‬كما أنه يب قبول روايته إذا انفرد با فكذلك يب قبول‬
‫زيادته النفرد با ‪.‬‬
‫و من الدلة أيضا ‪ :‬أن العدل الضا بط مأمون صادق فإذا أ خب بشيءٍ ي كن وقو عه‬
‫فإنه يب قبول خبه ‪ ،‬وهذه الزيادة قد أخب با الثقة العدل الأمون الصادق وهي ف شي ٍء‬
‫يكن وقوعه ول يالف با الثقات فإذا شروط القبول فيها مستوفاة فما الداعي لردها وما‬
‫الجة ف عدم قبولا ‪.‬‬
‫و من الدلة أيضا ‪ :‬أن العادة ل ت نع أن ينفرد الث قة بشيءٍ دون الثقات فل يس ذلك‬
‫بستحيلٍ شرعا ول عرفا ‪ ،‬بل هو واقع والوقوع دليل الواز ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ف من أمثلة وقو عه ما رواه البخاري من حد يث عمران بن ح صي قال ‪ " :‬دخلت‬


‫على ال نب ‪ r‬وعقلت ناق ت بالباب فأتاه ناس من ب ن ت يم فقال ‪ (( :‬اقبلوا البشرى يا ب ن‬
‫ت يم )) قالوا ‪ :‬أبشرت نا فأعط نا – مرت ي ‪ ، -‬ث د خل عل يه ناس من أ هل الي من فقال ‪:‬‬
‫(( اقبلوا البشرى يا أ هل الي من إذ ل يقبل ها ب نو ت يم )) قالوا ‪ :‬قد قبل نا يا ر سول ال ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬جئنا نسألك عن هذا ال مر ‪ ،‬قال ‪ (( :‬كان ال ول يكن شيء غيه وكان عرشه‬
‫على الاء وك تب ف الذ كر كل شيءٍ وخلق ال سموات والرض )) فنادى منادٍ ‪ :‬ذه بت‬
‫ناق تك يا ا بن ال صي فانطلق تُ فإذا هي يق طع دون ا ال سراب ‪ ،‬فوال لوددت أ ن ك نت‬
‫تركتها " فهنا عمران ترك ملس التحديث ول شك أن من ف الجلس سيسمعون شيئا ل‬
‫يسمعه ولذلك ندم على قيامه من الجلس ‪.‬‬
‫فلعل هذا الراوي الثقة الذي انفرد بالزيادة سع ما ل يسمع الثقات بسبب شغلهم أو‬
‫إخبارهم با يزعجهم ويوجب خروجهم أو خروج بعضهم من الجلس ‪ ،‬فإذا انفراد الثقة‬
‫بزيادة على ما رواه الثقات ل ينع منه شيء وليس بستحيل بذاته ول بغيه ‪.‬‬
‫ومـن ذلك أيضا ‪ :‬أن الثقات قسد يشتركون مسن السسماع مسن الشيسخ وينسسون إل‬
‫بعض هم وهذا ش يء حادث ل يدف عه أ حد ‪ ،‬ف في صحيح البخاري من حد يث ق يس بن‬
‫مسسلم عسن طارق بسن شهاب قال ‪ " :‬سسعت عمسر ‪ t‬يقول قام فينسا رسسول ال ‪ r‬مقاما‬
‫فأخب نا عن بدء اللق ح ت د خل أ هل ال نة منازل م وأ هل النار منازل م ح فظ ذلك من‬
‫حفظه ونسيه من نسيه " فالنسيان وارد ‪ ،‬ول يسلم منه ل ثقة ول غيه ‪ ،‬فهذه الزيادة الت‬
‫انفرد با الثقة هي ما حفظه فل يضره نسيان غيه ول يوز لنا أن نعل نسيان غيه سببا‬
‫مانعا من قبول ما حفظه ‪.‬‬
‫وانظر إل عمر وعمار فإن النب ‪ r‬بعثهما ف حاجة فأجنبا فتمرغ عمار ف الصعيد‬
‫كما تتمرغ الدابة وصلى ‪ ،‬وعمر ل يصل فلما أتيا رسول ال ‪ r‬وأخبه الب قال ‪(( :‬إنا‬
‫يكفيسك أن تقول بيديسك هكذا … الديسث)) فلمسا جاءت خلفسة عمسر ‪ t‬كان عمار‬
‫يدث بذا الد يث ع نه و عن ع مر ‪ ،‬فدعاه فقال ‪ :‬ما هذا الد يث الذي تدث به ع ن‬
‫فأخبه عمار بالقصة فلم يتذكر ‪ ، t‬فقال عمار ‪ :‬إن شئت أن ل أحدث به ما حدثت ‪،‬‬
‫فقال ع مر ‪ :‬بل عل يك ما تملت ‪ ،‬فهذا ع مر أ صابه الن سيان و هو من سادات الثقات‬

‫‪153‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫العدول الثبات ‪ ،‬فهل نسيانه لذا الديث يقدح ف رواية عمار له ؟ بالطبع ل ‪ ،‬ولذلك‬
‫فل غرابة أن يفظ بعض الثقات ما ل يفظه الخر ‪.‬‬
‫ومـن ذلك أيضا ‪ :‬أن بعسض الثقات قد يكون ألزم للشيسخ من غيه من الثقات ‪،‬‬
‫في سمع ما ل ي سمعون وي ضر مال يضرون وي فظ ما ل يفظون كحال أ ب هريرة ‪t‬‬
‫ك ما روى البخاري من حد يث ا بن شهاب عن العرج عن أ ب هريرة أ نه قال ‪ " :‬إن‬
‫إخوان نا من الهاجر ين كان يشغل هم ال صفق بال سواق ‪ ،‬وإن إخوان نا من الن صار كان‬
‫يشغلهم العمل ف أموالم وإن أبا هريرة كان يلزم رسول ال ‪ r‬يشبع بطنه ويضر ما ل‬
‫يضرون وي فظ ما ل يفظون " وهذا معروف بالتجر بة فإن الشا يخ ل ي ستوي الطلب‬
‫عندهم غالبا ‪ ،‬بل من الطلب من يكون كظل الشيخ ومن الطلب من ل يرى الشيخ إل‬
‫ف الل قة ف قط ‪ ،‬في سمع الول ما ل ي سمع الثا ن ‪ ،‬و من الذي ين كر هذا ‪ ،‬فل عل هذه‬
‫الزيادة سعها ذلك الثقة ف وقتٍ انفرد به مع الشيخ ‪ ،‬وهذا متصور كما ذكرنا ‪.‬‬
‫و من ذلك أيضًا ‪ :‬أن ب عض الثقات حر يص على الضور للحل قة من أول الدرس‬
‫وبعضهم قد يتأخر حضوره فيسمع الول ما ل يسمعه الثان ‪ ،‬فيوي الثان ما سعه ويزيد‬
‫الول عليه ما فات الثان ‪ ،‬وهذا متصور ‪ ،‬بل قد وقع ف العهد النبوي كما ف صحيح‬
‫مسسلسسم وسسنن أبس داود والترمذي والنسسائي مسن حديسث عقبسة بسن عامرٍ ‪ t‬قال ‪" :‬‬
‫كانت علينا رعاية البل فجاءت نوبت فروحتها بعشي فأدركت رسول ال ‪ r‬قائما يدث‬
‫الناس فأدركت من قوله ‪(( :‬ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ث يقوم يصلي ركعتي‬
‫يقبل عليهما بقلبه ووجهه إل وجبت له النة)) ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما أجود هذا ‪ ،‬فإذا رجل بي‬
‫يدي يقول ‪ :‬الت قبلها أجود ‪ ،‬فنظرت فإذا عمر بن الطاب ‪ t‬قال ‪( :‬ما منكم من أح ٍد‬
‫يتوضأ فيسبغ الوضوء ث يقول أشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا عبده ورسوله إل فتحت‬
‫له أبواب النسة يدخسل مسن أيهمسا شاء) فهذا عمسر سسع شيئا ل يسسمعه عقبسة رضسي ال‬
‫عنهما ‪ ،‬لتأخر عقبة عن الضور ‪.‬‬
‫و من ذلك أي ضا ‪ :‬أن يكون الش يخ حدث بالد يث ف مل سي فحدث بالد يث‬
‫مرة ف ملس فسمعه بعض الثقات ‪ ،‬ث حدث به ف ملس آخر بزيادةٍ عن الجلس الول‬
‫لكن ل يضر جيع من كان ف الجلس الول وإنا بعضهم فيحفظ الخرون ف الجلس‬

‫‪154‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الثان ما ل يفظه الولون ف الجلس الول ‪ ،‬وهذا متصور وذلك كحديث أب سعيدٍ ‪t‬‬
‫ح يث روى حد يث الذي ين يه ال بال نة فيتم ن ح ت تنق طع الما ن فقال ال له ‪ (( :‬أل‬
‫ترضى أن تكون لك الدنيا ومثلها معها )) ‪ ،‬وكان أبو هريرة يزيد على أب سعيد فيقول ‪:‬‬
‫(( فإن لك ما تن يت وعشرة أمثاله م عه )) فكان أ بو سعيدٍ ين كر ذلك ويقول ‪ :‬ل أ سعه‬
‫من النب ‪ ، r‬وأبو هريرة يقول ‪ :‬قد سعته أنا ‪ ،‬وكلها صادق بأب ها وأمي رضي ال‬
‫عنه ما ‪ .‬فهذا يت مل أن يكون ال نب ‪ r‬قد حدث بالزيادة ال ت روا ها أ بو هريرة ف ملس‬
‫آخر ل يكن فيه أبو سعيد ‪.‬‬
‫فإذا كل هذه الدلة تفيدك أنه ل استحالة ف أن ينفرد الثقة بشيءٍ عن سائر الثقات‪،‬‬
‫ومن منعه فإنه ليس معه إل الهل ومالفة الس والعادة ‪ .‬فهذه الزيادة الت انفرد با الثقة‬
‫هي من هذا القبيل فل وجه لردها مع احتمالا وإمكانا والذي أخب با ثقة ول يالف با‬
‫الثقات ‪ ،‬فالصواب إذا بل شك هو قبولا واعتمادها والكم بقتضاها – هذا ما ندين ال‬
‫جل وعل به – ولكن كما ذكرت لك سابقا أن النتفع بذه القاعدة حق النتفاع هو من‬
‫يرص على ج ع الطرق وتتبع الروايات ‪ ،‬وخصوصا الحاديث الت لا وقع ف الحكام‬
‫كحديث السيء صلته ‪ ،‬وحديث جابر ف صفة الج ‪ ،‬وحديث أنس الطويل ف أنصبة‬
‫الزكاة وغيها من سائر أحاديث الحكام ‪ ،‬فطوب لن اشتغل با ث طوب ‪ ،‬ويا ليت ف‬
‫الوقت متسع حت نتمكن من ذلك ‪ ،‬لكنها دعوة لن وسع ال عليه ف علم الديث ورزقه‬
‫صبا على تت بع روايا ته وج ع طر قه ‪ ،‬وأ ما أ نا فبضاع ت مزجاة ‪ ،‬ومراج عي قليلة وال‬
‫الستعان ول حول ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫والقصود ‪ :‬أن زيادة الثقة مقبولة لا ذكرته من الدلة وقد خالف ف ذلك قوم لكن‬
‫ل دليل معهم إل اليالت الت ل ورد لا ول صدر ‪ ،‬فل نشتغل بالواب عنها ويكفيك‬
‫معرفة القول الراجح بدليله ‪ .‬ول يبق إل ذكر الفروع حت يتم فهمها وترى كيف أثرها‬
‫ل أو‬
‫ف الترج يح ب ي القوال ‪ ،‬و سوف أذ كر لك من الفروع ما يضر ن فإن رأ يت خل ً‬
‫تاوزا فليكن حسن الظن مقدما على ضده فأقول وبال التوفيق ‪:‬‬
‫فمن الفروع ‪ :‬اعلم رحك ال تعال أن النب ‪ r‬قد علم أبا مذورة الذان ولشك‬
‫وعلمه فيه الترجيع ‪ ،‬لكن روى مسلم حديث أذان أب مذورة وذكر أن التكبي ف أوله‬

‫‪155‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫مرت ي فأخرج ف باب صفة الذان ب سنده عن مكحول عن ع بد ال بن مي يز عن أ ب‬


‫مذورة أن نب ال ‪ r‬عل مه الذان (ال أ كب ال أ كب) ث ساق با قي الذان ‪ ،‬فم سلم ل‬
‫يذ كر ف رواي ته الت كبي إل مرت ي ‪ ،‬ولذلك اختلف العلماء رح هم ال تعال ف ذلك ‪،‬‬
‫فذ هب المهور من الشافع ية والنف ية والنابلة إل أن ال سنة ف الذان الترب يع م ستدلي‬
‫بديث أذان بلل عند مسلم أيضا ‪ ،‬فإنه ذكر التكبي ف أوله مربعا ‪ ،‬وذهب الالكية إل‬
‫اختيار تثن ية الت كبي لد يث أ ب مذورة هذا فإ نه صريح ف أن الت كبي إن ا هو مرتان ف‬
‫أوله ‪ ،‬إذا علمست هذا فاعلم أن الراجسح إن شاء ال تعال هسو التربيسع كمسا هسو مذهسب‬
‫المهور ل أقول لد يث بلل ‪ ،‬فإن هذا ل يس من الن صاف ‪ ،‬بل أقول ‪ :‬ال سنة الترب يع‬
‫لد يث أ ب مذورة ‪ ،‬فإن قلت ‪ :‬ك يف ذلك وم سلم ل يروه إل بتثن ية الت كبي ‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫ن عم ‪ ،‬ل كن ثب تت زيادة الترب يع من طر يق صحيح ‪ ،‬فإن حد يث أ ب مذورة قد أخر جه‬
‫م سلم وأ بو داود والترمذي والن سائي وا بن ما جة وأح د والدار مي وا بن خزي ة ‪ ،‬و كل‬
‫هؤلء رووه مربعا من طر يق الثقات وإن ا رواه م سلم بالتثن ية من طر يق هشام الد ستوائي‬
‫عن عامر ‪ ،‬ومع ذلك فقد ذكر المام النووي ف شرحه على مسلم عن القاضي عياض أنه‬
‫قال ‪ " :‬وقع ف بعض طرق الفارسي ف صحيح مسلم أربع مرات " أهس ‪.‬‬
‫وقد رواه أبو نعيم ف الستخرج والبيهقي بتربيع التكبي ‪ ،‬فإذا هذه الزيادة ثابتة ‪،‬‬
‫فتكون مرجحة مذهب المهور من تربيع التكبي لنا من ثقة ‪ ،‬والزيادة من الثقة مقبولة‬
‫وهذا هو النصاف ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬روى ال سبعة عن أ نس أن ال نب ‪ r‬كان إذا د خل اللء قال ‪(( :‬الل هم إ ن‬
‫أعوذ بك من البث والبائث)) فتوهم البعض أنه يقوله بعد الدخول وادعى أن هذا هو‬
‫ظا هر الد يث ‪ ،‬ول كن هذا ما نب لل صواب ‪ ،‬بل ال صواب أن الراد بالد يث ع ند إرادة‬
‫الدخول ‪ .‬فإن قلتَ ‪ :‬فما دليلك على هذا ؟‬
‫قل تُ ‪ :‬دليل نا زيادة ع ند البخاري ف الدب الفرد قال ‪ :‬حدث نا أ بو النعمان قال ‪:‬‬
‫حدثنا سعيد بن ز يد قال ‪ :‬حدثنا ع بد العزيز بن صهيب قال ‪ :‬حدثن أ نس قال ‪ :‬كان‬
‫النب ‪ r‬إذا أراد أن يدخل اللء قال ‪(( :‬اللهم إن أعوذ بك من البث والبائث)) فقوله‬

‫‪156‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫‪" :‬إذا أراد" زيادة مسن الثقسة ول يالف باس الثقات ‪ ،‬والزيادة مسن الثقسة مقبولة ‪ ،‬فانظسر‬
‫وفقك ال – كيف أزالت هذه الزيادة الشكال وأماطت اللثام ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختلف أهل الفضل والعلم هل يب ف الستجمار استيفاء ثلثة أحجار أو‬
‫الراد النقاء ‪ ،‬فلو حصل بواح ٍد أو اثني كفى ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬مذهب المهور هو اشتراط استيفاء الثلث وذلك للدلة الكثية التواترة ف‬
‫ال مر بالثل ثة وال مر يقت ضي الوجوب ‪ ،‬وذهب النف ية إل عدم اشتراط الثلث بل الراد‬
‫النقاء فلو ح صل بأ قل لك فى وا ستدلوا – رح هم ال تعال – بد يث ا بن م سعود ع ند‬
‫البخاري وغيه " أن ال نب ‪ r‬أ تى الغائط فأمر ن أن آت يه بثل ثة أحجار فوجدت حجر ين‬
‫والتمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة فأتيته با ‪ ،‬فأخذ الجرين وألقى الروثة وقال ‪:‬‬
‫((هذا ركس))" فقال النفية ‪ :‬لو أن استيفاء الثلثة شرط لطلب النب ‪ r‬ثالثا ‪ ،‬لنه رمى‬
‫الروثة وإنا هي حجران فقط ‪.‬‬
‫والواب ‪ :‬هو أن هذا الد يث رواه أح د والدارقط ن بزيادة مفيدة جدا و هي أن‬
‫ظ ع ند الدارقط ن ((ائت ن بغي ها))‬
‫ال نب ‪ r‬قال ‪(( :‬هذا ر كس ‪ ،‬ائت ن بجرٍ)) ‪ ،‬و ف لف ٍ‬
‫وهي زيادة صحيحة من قبل سندها ‪ ،‬وقال الافظ عنها ف الفتح ‪ :‬ورجاله ثقات أثبات ‪.‬‬
‫فإذا كان المر كذلك فل يستقيم استدلل النفية بالديث ‪ ،‬فإن هذه الزيادة تقضي على‬
‫مسا قالوه ‪ ،‬وعلى هذا فمذهسب المهور هسو الصسواب أن اسستيفاء ثلث مسسحات شرط‬
‫لصحة الستجمار ولو حصل النقاء بدونا ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬استدل بعض الفضلء من أسيادنا أهل العلم – رحهم ال تعال – على أن‬
‫الروث جيعه نس بديث ابن مسعود التقدم ووجه الشاهد أن النب ‪ r‬قال ف الروثة ‪:‬‬
‫((إنا ركس)) وف رواية ((إنا رجس)) والرجس النجس ‪ ،‬لكن هذا الذهب ل يالفه‬
‫ال صواب ‪ ،‬ذلك لن هذه الرو ثة ال ت أ تى ب ا ا بن م سعود ورد الف صاح عن حقيقت ها ف‬
‫زياد ٍة رواها ابن خزية ف صحيحه من طريق عبد الرحن بن السود عن علقمة عن ابن‬
‫م سعود وف يه "فأتي ته بجر ين ورو ثة حار" ‪ ،‬و هي زيادة صحيحة لن ا من ث قة فحق ها‬
‫القبول ‪ ،‬فل ي تم إذا تنجيس ج يع الروث من كل اليوانات ‪ ،‬بل الدلة ال صحيحة دلت‬
‫على جواز الصسلة فس مرايسض الغنسم ول تلو غالبا مسن روثهسا ‪ ،‬وأجازت شرب بول‬

‫‪157‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ال بل ‪ ،‬والبول والروث ش يء وا حد ‪ ،‬فإذا يتر جح القول بأن ما أ كل ل مه فرو ثه وبوله‬


‫طاهر ‪ ،‬وما ل فنجس والمار روثه نس لنه ل يؤكل لمه ‪ ،‬والدمي بوله وروثه نس‬
‫ل نه ل يؤ كل ل مه ‪ ،‬و قد ن قل أ بو العباس رح ه ال تعال أ نه ل يعرف عن أحدٍ من‬
‫الصسحابة أنسه أفتس بنجاسسة روث اليوان الأكول ‪ ،‬وعلى كسل حال فهذه الزيادة أزالت‬
‫الشكال ووضحت الراد ‪ ،‬ول المد والنة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬حديث ابن مسعود عند الشيخي قال ‪ " :‬سألت النب ‪ r‬أي العمال أفضل‬
‫قال ‪(( :‬ال صلة على وقت ها))" فإ نه قد ات فق أ صحاب شع بة رح هم ال تعال على هذا‬
‫اللفظ ((الصلة على وقتها)) وهو يفيد إيقاع الصلة ف أي جزء من أجزاء الوقت ‪ ،‬لكن‬
‫جاءت نا زيادة حددت الراد النبوي و هي من ث قة ف قد زاد علي بن ح فص الدائ ن فقال‬
‫(( ال صلة ف أول وقت ها )) و هي ع ند الا كم والدارقط ن من طري قه ‪ ،‬وعليّ هذا ش يخ‬
‫صدوق من رجال المام مسلم ‪ ،‬وقد وثقه أحد وابن معي وابن الدين وأبو بكر بن شيبة‬
‫وأ بو داود فبال عل يك ماذا ب عد هذا ؟ ف هي زيادة من ثقةٍ ل يالف ب ا الثقات ‪ ،‬والزيادة‬
‫من الثقة مقبولة وهي تفيدنا أن أفضل العمال عند ال تعال وأحبها إليه الصلة ف أول‬
‫وقتها ‪ ،‬ونن نقول به لذه الزيادة ولدلة أخرى ول المد والنة ‪ ،‬فكيف إذا وردت هذه‬
‫الزيادة من طرقٍ أخرى غي هذه الطريق ‪ ،‬نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ‪.‬‬
‫ولذلك قال المام الشنقيطي " فالظاهر ثبوت هذه الزيادة " اهس ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬تثن ية القا مة ‪ ،‬ف قد روى الشيخان عن أ نس ‪ t‬قال (أُ مر بلل أن يش فع‬
‫الذان ويو تر القا مة) فهذا يفيد نا أن ألفاظ القا مة تقال فرادى ‪ ،‬ل كن وردت زيادة من‬
‫طر يق ساك بن عط ية الب صري الربدي بل فظ " إل القا مة " وهذه الزيادة ع ند البخاري‬
‫س القبول والعتماد وهسي تفيسد أن لفسظ (قسد قامست‬ ‫ومسسلم فهسي زيادة مسن الثقسة فحقه ا‬
‫الصلة) يقال مرتي ‪ ،‬وهو الراجح وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختلف أهل الفضل ف حكم غسل الكافر إذا أسلم فقال بعضهم ‪ :‬يب‬
‫مطلقا ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬سنة مطلقا ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬يب إن وجد ف كفره ما يوجبه ‪.‬‬
‫والراجح وال أعلم أنه واجب مطلقا ‪ ،‬والدليل على ذلك حديث قيس بن عاصم‬
‫أنه أسلم فأمره النب ‪ r‬أن يغتسل با ٍء وسدرٍ )) وحديث ثامة ابن أثال ‪ ،‬فإن قلت كيف‬

‫‪158‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ت ستدل بد يث ثا مة على وجوب الغ سل على الكا فر و قد رواه الشيخان بل فظ ل يدل‬


‫على الوجوب ول يدل عل أن النب ‪ r‬أمره بذلك وإنا فيه أنه انطلق إل حائط بن النجار‬
‫فاغتسل ‪ ،‬وهذا ل يستفاد منه الوجوب ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬نعم هكذا هو ف الصحيحي ليس فيه المر بالغسل ‪ ،‬وإنا فيهما أنه ذهب‬
‫فاغتسل لكن ورد لذا الديث زيادة من ثقةٍ وهي عند ابن خزية والبيهقي وابن حبان من‬
‫طريق عبد ال وعبيد ال أبناء عمر عن سعيد بن أب سعيد القبي عن أب هريرة بنفس‬
‫القصة لكن بزيادة (( فأمره النب ‪ r‬أن يغتسل فاغتسل )) وهذه الزيادة اتفق على روايتها‬
‫الخوان عبد ال وعبيد ال ‪ ،‬وعبد ال ضعيف لكن شد من أزره أخوه عبيد ال ‪ ،‬فهي‬
‫إذا زيادة من ث قة ل يالف ب ا الثقات ‪ ،‬وي مع بين ها وب ي ما ف ال صحيحي أن ال نب ‪r‬‬
‫أمره بالغتسال ث ذهب هو بنفسه فاغتسل ‪ ،‬فهذه الزيادة تؤيد القول بالوجوب كما هو‬
‫الق لنا من ثقة والزيادة من الثقة مقبولة ‪ .‬فإن قلت ‪ :‬قد أسلم الكثي والكثي ول ينقل‬
‫أنه أمرهم بالغتسال إذ لو أمرهم لنقل وتواتر ‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬إن عدم نقل الكثر ل يقدح ف رواية القل ‪ ،‬إذ من حفظ حجة على من‬
‫ل يفظ ‪ ،‬وقد تقدم لك أن خب الواحد يقبل فيما تعم به البلوى وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬اختلف العلماء – رح هم ال تعال – ف تكرار م سح الرأس هل يثلث أم‬
‫يقتصسر على واحدة ؟ فذهسب عطاء والمام الشافعسي إل اسستحباب التثليسث ‪ ،‬وذهسب‬
‫المهور إل القت صار على الرة م ستدلي بالدلة التواترة ف صفة وضوئه ‪ ، r‬فإن ج يع‬
‫من وصف وضوءه ل يذكر أنه ثلث مسح الرأس مع ذكرهم لتثليث بقية العضاء ‪ ،‬بل‬
‫صرح بعضهم أنه مسح رأسه مرة واحدة كما ف حديث عبد ال بن زيد عند البخاري‬
‫وكما ف حديث علي ف صفة الوضوء وغي ذلك ‪.‬‬
‫ل كن قال الشافع ية ‪ :‬سلمنا ل كم ما تقولون ل كن وردت زيادات ف ب عض هذه‬
‫الحاديث تفيد التثليث‪ ،‬فأخرج أبو داود من طريق عامر بن شقيق بن جرة عن شقيق بن‬
‫سلمة قال ‪( :‬رأ يت عثمان بن عفان غ سل ذراع يه ثلثا ثلثا وم سح رأ سه ثلثا ث قال‪:‬‬
‫رأيت رسول ال ‪ r‬فعل هذا ) ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫قلنا ‪ :‬نعم فيه زيادة لكنها من طريق ضعيف فإن عامر بن شقيق السدي الكوف‬
‫هذا ضع فه ا بن مع ي وقال أ بو حا ت ‪ :‬ل يس بالقوي ول يس من أ ب وائل ب سبيل ‪ ،‬وقال‬
‫ضعّ فْ) فم ثل هذا ف القي قة‬
‫الا فظ ف التقر يب ‪( :‬ل ي الد يث) وقال الذ هب ( صدق ُ‬
‫زيادته هذه ل تقبل لنه ليس بثقة ‪ ،‬ونن نتكلم عن زيادة الثقة ‪ ،‬بل حت لو كان عامر‬
‫هذا ث قة فإن زياد ته هذه ل تق بل أيضا ل نه خالف الثقات ‪ ،‬فإن ج يع الثقات الذ ين رووا‬
‫حديث عثمان ذكروا التثليث ف جيع العضاء إل الرأس فاتفاقهم هذا دليل على أنه ليس‬
‫بحفوظ ‪ ،‬فعلى تضعيفه تكون زيادته منكرة ‪ ،‬وعلى توثيقه تكون شاذة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫قال الشافع ية ‪ :‬ورو يت زيادة التثل يث أيضا ع ند الدارقط ن من طر يق صال بن‬
‫عبد البار حدثنا ممد بن عبد الرحن بن البيلمان عن أبيه عن عثمان بن عفان أنه توضأ‬
‫بالقاعد فذكر الديث ‪ ،‬فذكر فيه التثليث ف جيع العضاء ‪.‬‬
‫قلنـا ‪ :‬نعسم فيسه زيادة التثليسث لكسن مسن طريسق كله ظلمات ‪ ،‬قال ابسن القطان ‪:‬‬
‫" صال بن ع بد البار ل أعر فه إل ف هذا الد يث و هو مه سول الال " اه س ‪ ،‬وأ ما‬
‫ممد بن عبد الرحن البيلمان هذا فقال عنه يي بن معي " ليس بشيء " وقال أبو حات‬
‫والبخاري والن سائي " من كر الد يث ‪ ،‬وقال أ بو حا ت " مضطرب الد يث " ‪ ،‬وقال ف يه‬
‫أحدس بسن عدي ‪ :‬وكسل مسا يرويسه ابسن البيلمانس فالبلء فيسه منسه " اهسس ‪ ،‬وأمسا أبوه‬
‫عبد الرحن بن البيلمان فضعيف الديث أيضا ‪ ،‬قال عنه أبو حات ‪ :‬لي الديث ‪ ،‬وقال‬
‫البزار ‪ :‬له مناكي ‪ ،‬وقال الدارقطن ‪ :‬ضعيف ل تقوم به حجة إذا وصل الديث فكيف‬
‫با يرسله ‪ ،‬وذكره ابن الوزي ف الضعفاء ‪،‬وقال الافظ ف التقريب " ضعيف " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فإذا هذه الزيادة ليست من الثقات بل من طريق الجاهيل والضعفاء فحقها‬
‫الطراح لننا نبحث ف زيادة الثقات ‪.‬‬
‫قال الشافع ية ‪ :‬ورو يت زيادة التثل يث أيضا ع ند الدارقط ن من طر يق أ ب يو سف‬
‫القاضي عن أب حنيفة عن خالد بن علقمة عن عبد خي عن علي أنه توضأ فغسل يديه‬
‫ثلثا فذكر الديث وفيه (ومسح رأسه ثلثا)‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬نعم فيه زيادة التثليث لكنها زيادة ل تقوم با الجة لمرين ‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الول ‪ :‬لنا من طريق المام أب حنيفة وهو حجة ف الفقه والرأي وبر ل يشق له‬
‫موج ‪ ،‬وفقيه ل يارى ‪ ،‬وعال نرير ‪ ،‬لكنه ف هذه الزيادة قد خالف من هو أوثق منه ‪،‬‬
‫فإن جيع الثقات رووه بالرة الواحدة كزائدة بن قدامة وسفيان الثوري وشعبة وأب عوانة‬
‫وشر يك وأ ب الش هب جع فر بن الارث وهارون بن سعد وجع فر بن م مد وأبان بن‬
‫تغلب وعلي بن صال وحازم بن إبراه يم وحسن بن صال وجع فر الح ر فهؤلء كل هم‬
‫رووه عن علقمة بلفظ (ومسح رأسه واحدة) قاله المام الدارقطن ‪ ،‬ورواه أبو حنيفة عن‬
‫علقمة فقال (ومسح برأسه ثلثا) فلشك أن هذه الزيادة شاذة لن أبا حنيفة مع توثيقه‬
‫ف قد خالف الثقات ‪ ،‬ومال فة الثقات شذوذ ‪ ،‬وأ ما مع القول ال خر فزيادته هذه منكرة ‪،‬‬
‫وعلى كل القول ي ف هي زيادة ضعي فة وف يه طرق أخرى م ستوفاة ف ك تب الد يث ل كن‬
‫جيع الطرق ل تلو من مقال ‪ ،‬فالق القيق هو كما قاله الشوكان ف النيل فإنه قال ‪:‬‬
‫(والن صاف أن أحاديث الثلث ل تبلغ إل درجة العتبار ح ت يلزم التمسك با ل ا فيها‬
‫من الزيادة فالوقوف على ما صح من الحاديث الثابتة ف الصحيحي وغيها من حديث‬
‫عثمان وعبد ال بن زيد وغيها هو التعي لسيما بعد تقييده ف تلك الروايات السابقة‬
‫بالرة الواحدة … ال) ‪.‬‬
‫وهذا هو القول الرا جح إن شاء ال تعال و هو اختيار ش يخ ال سلم أ ب العباس بن‬
‫تيمية رحه ال تعال ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬روى البخاري ف صحيحه من طريق مالك عن أب الزناد عن العرج عن‬
‫أبس هريرة قال ‪ " :‬إن رسسول ال ‪ r‬قال ‪(( :‬إذا شرب الكلب فس إناء أحدكسم فليغسسله‬
‫سبعا))" فأ نت ترى أ نه اقت صر على ال مر بالغ سل سبعا من غ ي بيا نٍ لش يء آ خر ‪ ،‬فل‬
‫ندري هل هي سبع بالاء جيع ها أم م عه غيه ‪ ،‬فبحث نا فوجد نا المام م سلم روى ف‬
‫صحيحه قال ‪" :‬حدثنا زهي بن حرب حدثنا إساعيل بن إبراهيم عن هشام بن حسان عن‬
‫ممد بن سيين عن أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال ‪(( : r‬طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه‬
‫ت أول هن بالتراب))" وهذه زيادة مفيدة جدا و هي من ا بن‬ ‫الكلب أن يغ سله سبع مرا ٍ‬
‫سيين رحه ال تعال وفيها بيان لمرين ‪ :‬أن السبع فيها غسله بالتراب ‪ ،‬وأن هذه الغسلة‬
‫هي الول ‪ ،‬و هي زيادة من ثقةٍ ول يالف ب ا الثقات ‪ ،‬والزيادة من الث قة مقبولة ‪ ،‬ث‬

‫‪161‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وجد نا زيادة أخرى ف صحيح م سلم فروى ف صحيحه قال ‪" :‬حدث ن علي بن ح جر‬
‫سهِر أخبنا العمش عن أب رزين وأب صال عن أب هريرة‬
‫ال سعدي حدثنا علي بن مُ ْ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال ‪(( : r‬إذا ولغ الكلب ف إناء أحدكم فليقه ث ليغسله سبع مرات))"‬
‫والزيادة ف قوله (فليقه) وهي أمر بإراقة هذا الاء وهي من طريق الثقات والزيادة من الثقة‬
‫مقبولة ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬تب إراقة هذا الاء عملً بذه الزيادة ‪.‬‬
‫سسوّار بسن عبسد ال‬
‫قلتس ‪ :‬قسد روى المام الترمذي فس جامعسه قال ‪ :‬حدثنسا َ‬
‫فإن َ‬
‫الع نبي حدث نا العت مر بن سليمان قال سعت أيوب يدث عن م مد بن سيين عن‬
‫أب هريرة عن النب ‪ r‬أنه قال ‪(( :‬يغسل الناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولهن أو‬
‫آخر هن بالتراب ‪ ،‬وإذا ول غت ف يه الرة غ سل مرة)) وقال أ بو عي سى هذا حد يث ح سن‬
‫صحيح أه س ‪ ،‬فهذا الد يث هو الد يث الذي رواه المام عن م مد بن سيين عن‬
‫أبس هريرة لكسن روايسة الترمذي هذه وقسع فيهسا زيادتان ‪ :‬الول ‪ :‬أنسه قال (أولهسن أو‬
‫آخرهن) وليس ف رواية مسلم إل قوله (أولهن) فماذا يقال ف زيادة الترمذي هذه ؟‬
‫فأقول ‪ :‬إن هذه الزيادة ل كلم لنسا فس إسسنادها فإنمس ثقات أثبات جيعهسم لكسن‬
‫الكلم ف متن ها فكل مة (أو) ف الل غة تت مل أمورا من أه ها ‪ :‬التخي ي ‪ ،‬هذا إذا كا نت‬
‫مرفوعة أي أن النب ‪ r‬خي ف غسلة التراب فإن شئت فاجعلها الول وإن شئت فاجعلها‬
‫الخية ‪ ،‬وهذا فيه توسيع على الكلفي ‪.‬‬
‫وإن كانت (أو) للشك فإنا تنسب لراويها أي أن الراوي عن ابن سيين شك هل‬
‫قال ‪ :‬أولهن أو آخرهن ‪ ،‬وحينئذٍ فلبد من الترجيح بي الروايتي ‪ ،‬ولشك أن النصف‬
‫يرجح رواية (الول) وسبب الترجيح أمور ‪:‬‬
‫من ها ‪ :‬أن أك ثر الرواة عن ا بن سيين روو ها بل فظ (أول هن) جازم ي ب ا ‪ ،‬قال‬
‫الافظ ف الفتح ‪ :‬وهي رواية الكثر عن ابن سيين أهس ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنم أحفظ أي رواة (أولهن) أحفظ من رواة الشك ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬مسن حيسث العنس فإنسك إن جعلت التراب الول أزاله مسا بعده مسن‬
‫الغسلت ‪ ،‬لكن إن جعلتها الخية اقتضى ذلك الحتياج إل غسلةٍ أخرى لتنظيفه ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫إذا علمست هذا فالقرب عندي وال أعلم أن (أو) فس روايسة الترمذي للشسك وأن‬
‫روا ية (أول هن) أر جح من روا ية (أخر هن) فنقول ‪ :‬إذا ولغ الكلب ف الناء فإ نه ي ب‬
‫إراقته وغسله سبعا الول بالتراب ‪ ،‬هذا هو ما تفيده هذه الزيادات ‪.‬‬
‫الزيادة الثانية ف رواية الترمذي ((إذا ولغت فيه الرة غسل مرة)) فهذه الزيادة طعن‬
‫فيهسا بعسض الفاظ فقال ‪ :‬إناس ليسست مسن كلم النسب ‪ r‬وإناس هسي مدرجسة مسن كلم‬
‫أبس هريرة ‪ t‬ورفعهسا وهسم مسن بعسض الرواة ‪ ،‬والحفوظ أناس موقوفسة ‪ ،‬قال البيهقسي ‪:‬‬
‫والصحيح أنه ف ولوغ الكلب مرفوع وف ولوغ الر موقوف أهس ‪ .‬وقد رواه الدارقطن‬
‫ف سننه من حديث قرة بن خالدٍ عن ابن سيين عن أب هريرة موقوفا ووافقه عليه جاعة‬
‫مسن الثقات ‪ ،‬فعلى هذا تكون هذه الزيادة مسن قول الصسحاب ‪ ،‬أي مسن قبيسل الوقوف ‪،‬‬
‫ول تعلق لا ببحثنا لننا نبحث ف الزيادات الت لا حكم الرفع وسيأت الكلم على قول‬
‫الصحاب إن أمَدّ ال ف العمر إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫وأيضا على جعلهسا مسن قبيسل الرفوع فإن المسر بغسسل ولوغ الرة يعطسى حكسم‬
‫السستحباب ل الوجوب لن سؤرها ظا هر لديسث أبس قتادة أن ال نب ‪ r‬قال ف الرة ‪:‬‬
‫س إن ا من الطوافي عليكم والطوافات )) و هو حديث صحيح ‪ ،‬وال‬‫((إن ا لي ست بنج ٍ‬
‫تعال أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬حديث السيء صلته ‪ ،‬وهو حديث عظيم جدا قد أخرجه السبعة وغيهم‬
‫‪ ،‬وفيسه زيادات جيلة جدا تلس كثيا مسن الشكالت الفقهيسة وهسو عمدة فس معرفسة‬
‫واجبات الصلة ‪ ،‬وأرى أن الكلم عليه يطول ‪ ،‬فهل أحد من طلبة العلم جعه لنا بطرقه‬
‫ف مستقل فإنه وال عمل ضخم نافع جليل وفوائده ج ٌة ل تعد ول تصى ‪ ،‬فأسأل‬ ‫ف مؤل ٍ‬
‫ال تعال أن ييسسر له مسن ييسط اللثام عنسه ‪ ،‬ويلم أطرافسه ‪ ،‬ويؤبسد شوارده إنسه ول ذلك‬
‫والقادر عليه ‪ ،‬فإن فيه من الزيادات ما هو ف غاية الهية وال الستعان ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬روى المام مسسلم بسسنده عسن عمسر ‪ t‬أنسه قال ‪ " :‬قال رسسول ال ‪: r‬‬
‫(( ما منكم من أح ٍد يتوضأ فيسبغ الوضوء ث يقول ‪ :‬أشهد أل إله إل ال وأن ممدا عبده‬
‫ورسوله إل فتحت له أبواب النة الثمانية يدخل من أيها شاء ))" فالديث إل هذا الد‬
‫ل زيادة فيه ‪ ،‬لكن وجدنا زيادة عن المام الترمذي فقال ف جامعه ‪ " :‬حدثنا جعفر بن‬

‫‪163‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ممد بن عمران الثعلب الكوف ‪ ،‬حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صال عن ربيعة بن‬
‫يزيد الدمشقي عن أب إدريس الولن وأب عثمان عن عمر – به – وفيه زيادة (اللهم‬
‫اجعلن من التوابي واجعلن من التطهرين)" فما القول ف هذه الزيادة ؟‬
‫فأقول ‪ :‬هذه الزيادة خطأ ‪ ،‬مالفة لرواية الثقات ‪ ،‬وذلك لن أبا عثمان وأبا إدريس‬
‫ف سند الترمذي قد رفعا الديث مباشرة إل عمر بن الطاب ‪ ، t‬وهذا الرفع فيه خطأ‬
‫ل كن ل أ ظن ال طأ إل من الترمذي أو من شي خه وإل فجم يع من فوق شي خه قد رووا‬
‫الديث عن عقبة بن عامرٍ عن عمر رضي ال عنهما بدون هذه الزيادة ‪ ،‬فقد رواه أحد‬
‫ومسلم وابن خزية من طريق معاوية بن صال عن ربيعة بن زيد عن أب إدريس الولن‬
‫عن عق بة ‪ ،‬وكذلك رواه أح د وا بن خزي ة وأ بو داود من طر يق معاو ية بن صال عن‬
‫أب عثمان عن جبي بن نفي عن عقبة ‪ ،‬وكل هذه الطرق ليس فيها ذكر زيادة الترمذي ‪،‬‬
‫فال كم على هذه الزيادة بالشذوذ هو ال صواب ‪ ،‬لن الترمذي وشي خه ثقات ول شك ‪،‬‬
‫لكنهسسم خالفوا بذه الزيادة روايات الثقات والثقسسة إذا خالف الثقات فحديثسسه شاذ ‪،‬‬
‫فالصواب إن شاء ال تعال أن هذه الزيادة شاذة وال الوفق والادي ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬قد روى أ بو داود ف سننه قال ‪ :‬حدث نا ال سي بن عي سى ‪ ،‬حدث نا‬
‫عبد ال بن يزيد القرئ عن حيوه بن شريح عن أب عقيل عن ابن عمه عن عقبة بن عامر‬
‫الهن عن النب ‪ r‬نوه ‪ ،‬ول يذكر أمر الرعاية ‪ ،‬قال عند قوله (فأحسن الوضوء) ث رفع‬
‫بصره إل السماء أهس ‪ .‬فأنت ترى أن ف هذا الطريق زيادة (ث رفع بصره إل السماء)‬
‫فهل هي زيادة مقبولة أو ل ؟‬
‫قلت ‪ :‬ل ‪ ،‬ل تقبسل وذلك لناس ليسست عسن ثقسة فإن ابسن عسم عقيسل هذا مهول‬
‫ل يعرف ‪ ،‬فالزيادة هذه منكرة ‪ ،‬لنسه خالف باس الثقات وننس قسد اشترطنسا فس الزيادة‬
‫القبولة شرطي ‪ :‬أن تكون عن ثقةٍ ‪ ،‬وألّ يالف با الثقات ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬حديث طلق بن علي ‪ t‬عند أحد وأهل السنة وغيهم قال ‪ :‬قال النب ‪: r‬‬
‫(( إذا فسا أحدكم ف الصلة فلينصرف فليتوضأ )) فهذا الديث فيه المر لن أحدث ف‬
‫الصلة أن ينصرف ويتوضأ لكن إذا توضأ هل يبن على ما مضى من صلته أو يستأنف‬
‫صلة جديدة ؟ ف يه خلف ‪ ،‬فقال الب عض ‪ :‬يب ن على صلته لد يث عائ شة ر ضي ال‬

‫‪164‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫عنها ‪( :‬من أصابه قيء أو رعاف أو قلسٍ أو مذي فلينصرف وليتوضأ ث ليب على صلته‬
‫وهو ف ذلك ل يتكلم) رواه ابن ماجه ‪ ،‬وقال الكثر ‪ :‬بل صلته الت أحدث فيها بطلت‬
‫فيسستأنف صسلة جديدة ‪ ،‬والدليسل على ذلك هسو الديسث الذكور فس أول الفرع لكسن‬
‫بزيادة (وليعد الصلة) فإنه قد تفرد با جرير بن عبد الميد ول يضر تفرده با لنه إمام‬
‫ثقة والزيادة من الثقة مقبولة وهي نص ف مل الناع ‪.‬‬

‫وأما حديث عائشة الذي ذكروه فهو حديث ل تقوم بثله حجة فهو منكر ل يصح‬
‫رفعه للنب ‪ r‬كما صرح بذلك أئمة هذا الشأن كالمام الشافعي وأحد وأب زرعة وممد‬
‫بن ي ي الذهلي وا بن عدي وأ ب حا ت والدارقط ن ‪ ،‬فهذا ل يوز أن يث بت بثله ح كم‬
‫شرعي فترجح ما قلناه وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬حد يث جابر ف ال صحيحي وغيه ا قال ‪ :‬قال ال نب ‪ (( r‬أعط يت خ سا‬
‫ل يعطهسن أحسد مسن النسبياء قبلي … فذكسر منهسا ‪ (( :‬وجعلت ل الرض مسسجدا‬
‫س مسن التراب والرمسل والدار‬ ‫وطهورا )) فكلمسة (الرض) عامسة لاس تصساعد على وجهه ا‬
‫والصى ونوها ‪ ،‬وبذا استدل من قال بواز التيمم با صعد على وجه الرض ‪.‬‬
‫ول كن روى م سلم من حد يث حذي فة (( وج عل تربت ها ل نا طهورا )) فهذه الزيادة‬
‫خصت الطهورية بالتراب ‪ ،‬ومثلها ما رواه أحد بسنده عن عبد ال بن ممد بن عقيل عن‬
‫ممد بن علي عن علي بن أب طالب ‪ t‬بلفظ (( وجعل التراب لنا طهورا )) وبذه الزيادة‬
‫استدل من قال بأنه ل يستعمل ف التيمم إل التراب ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهي زيادة مقبولة ولشك لنا من ثقة وزيادة الثقة مقبولة ‪ ،‬لكن ل تصلح‬
‫لتخصسيص العموم فس قوله (( وجعلت ل الرض مسسجدا وطهورا )) وذلك لن التراب‬
‫بعض أفراد الرض وذكر بعض أفراد العام بك ٍم يوافق حكم العام ل يكون تصيصا وإنا‬
‫يف يد الهتمام ف قط ‪ ،‬بع ن أن الرض كل ها مطهرة والتراب مط هر ‪ ،‬فتخ صيص التراب‬
‫بالذ كر ل يس من قب يل التخ صيص لن الاص ل بد أن يالف ح كم العام ‪ ،‬أ ما إذا ات فق‬
‫الاص والعام ف الكم – كما هو هنا – فل تصيص ‪ .‬فالصواب أن التيمم يوز بكل‬
‫ما عل على الرض من ر مل و ترا بٍ ونوه ا وذلك ل يس لن نا ل نق بل الزيادة بل هي‬
‫مقبولة لكن لنا ل تصلح أن تكون مصصة للعام لوافقتها له ف الكم وال أعلم ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومنها ‪ :‬ما ف الصحيحي من حديث أب قتادة (( أن رسول ال ‪ r‬كان يصلي وهو‬


‫حامل إمامة بنت زينب بنت رسول ال ‪ r‬فإذا قام حلها وإذا سجد وضعها )) فل ندري‬
‫هل كانت هذه الصلة الت حل فيها أمامة وهو إمام ؟ أو كان متنفلً ؟ فبحثنا فوجدنا‬
‫زيادة ع ند المام م سلم تو ضح ذلك ل نا و هي قول أ ب قتادة (( رأ يت ال نب ‪ r‬يؤم الناس‬
‫وأمامة بنت أب العاص وهي ابنة زينب بنت النب ‪ r‬على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع‬
‫من ال سجود أعادها )) وهي زيادة من ث قة فحقها القبول ‪ ،‬لن الزيادة من الثقة مقبولة‬
‫و هي دل يل على جواز ح ل ال صب وال صبية وغيه ا من اليوان الطا هر ف صلة الفرض‬
‫والنفل لن الصلة الت حل فيها أمامة كانت فرضا لنه كان إماما كما هو مقتضى هذه‬
‫الزيادة وبا تعرف خطأ الالكية – رحهم ال تعال – ف حلهم هذا الديث على صلة‬
‫النافلة أمسا الفريضسة فل يوز مثسل هذا ‪ ،‬وهذا التأويسل فاسسد لن قوله (وهسو يؤم الناس)‬
‫صريح ف أنه كان ف الفريضة ‪.‬‬
‫فالصواب إن شاء ال تعال جواز ذلك ف الفرض والنفل عملً بذه الزيادة الفيدة ‪،‬‬
‫فانظر كيف قضت زيادة الثقة هذه على هذا اللف ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختلف أهل الفضل والعلم ف الصلة الوسطى ما هي على أقوال ‪-:‬‬
‫فقال جاعة ‪ :‬هي العصر قاله علي بن أب طالب وابن مسعود وأبو أيوب وابن عمر‬
‫وابن عباس وأبو سعيد الدري وأبو هريرة وجع من التابعي ‪ .‬قال الترمذي ‪ " :‬هو قول‬
‫أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم رضي ال عنهم " اهس ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل هي الصبح وروي عن عمر بن الطاب ومعاذ بن جبل وابن عباسٍ أيضا‬
‫وابن عمر وجابر وجع من التابعي ‪ ،‬وقالت طائفة ‪ :‬هي الظهر ونقلوه عن زيد بن ثابت‬
‫وأسامة بن زيد وأب سعيد الدري أيضا وعائشة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هي الغرب ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هي العشاء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هي واحدة من المس لكنها مبهمة ‪ ،‬وقيـل ‪ :‬هي‬
‫المع سة ‪ ،‬وقي ـل ‪ :‬ب سل ه سي ك سل الفرائ سض ال مس ‪ ،‬قال النووي ‪ -‬رح ه ال‬
‫تعال ‪ " : -‬والصسحيح مسن هذه القوال قولن ‪ :‬العصسر والصسبح ‪ ،‬وأصسحهما العصسر‬
‫للحاديث الصحيحة " اهس ‪ .‬وكذلك نقول أيضا لا رواه مسلم بسنده عن علي بن أب‬

‫‪166‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫طالب ‪ t‬مرفوعا (( شغلونا عن الصلة الوسطى حت آبت الشمس مل ال قبورهم نارا‬


‫أو بيوتم وبطونم )) فإن قلتَ ‪ :‬فأين تديدها بأنا العصر ؟‬
‫قل تُ ‪ :‬هذا التحديد ورد ف زيادة بسند مسلم من حديث العمش عن مسلم بن‬
‫صبيح عن شُسَتيْر بن شَسكَل عن علي قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ r‬يوم الحزاب (( شغلونا‬
‫عن ال صلة الو سطى صلة الع صر)) الد يث فقوله ( صلة الع صر) زيادة موض حة مزيلة‬
‫للشكال وهي من ثقة وزيادة الثقة مقبولة ‪ ،‬فقلنا بقتضاها وال تعال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬ولعله آخر ها – لن ن أ ظن أ ن أطلت – حد يث عا مر بن ربي عة ‪ t‬ف‬
‫الصحيحي قال ‪ (( :‬رأيت النب ‪ r‬يصلي على راحلته حيث توجهت به )) لكن ل يدد‬
‫ل نا ك يف الركوع وال سجود ‪ ،‬لكن نا وجدناه ف البخاري بزيادة (( يو مئ برأ سه ق بل أي‬
‫وج ٍه توجه )) فأفادتنا هذه الزيادة أن الركوع والسجود يكون إياءً ‪ ،‬وهي زيادة من ثقة‬
‫والزيادة من الثقة مقبولة ‪.‬‬
‫ولعسل هذه الفروع تكفسي لفهسم القاعدة إن شاء ال تعال ‪ ،‬وإن كنست لعلم أننسا‬
‫ل نعطها حقها ‪ ،‬لكن ماذا نفعل بالكسل والعجز ‪ ،‬نعوذ بال منه وال الستعان وهو أعلى‬
‫وأعلم ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة السـابعـة عشـر‬


‫( القـراءة الشـاذة حجـة إذا صـح سـندها )‬

‫اعلم – رح ك ال تعال _ أن أك ثر أ هل العلم رح هم ال تعال اشترطوا ف القرآن‬


‫ليصدق عليه مسمى القرآن ثلثة شروط ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬التواتر ‪ ،‬وهذا وإن ل يقع عليه الجاع لكنه قول غالبهم ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬موافقة الرسم العثمان ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬موافقة وج هٍ من وجوه العربية ‪ .‬والذي يصنا هنا هو الشرط الثان ‪ ،‬فإن‬
‫القراءة إذا خالفست الرسسم العثمانس وصسفت بأناس شاذة وذلك كزيادة كلمةٍ ليسست فس‬
‫الصاحف العثمانية ‪ ،‬فهل هذه الكلمة الزائدة يعمل بقتضاها أو ل ؟ أي هل هي حجة أو‬
‫ليسست بجسة ؟ ذلك لن بعسض الكلمات الزائدة على الرسسم العثمانس فس بعضهسا زيادة‬
‫حكم أو تقييد مطلقٍ أو بيان ممل فهل يعمل با أو ل ؟‬
‫أقول ‪ :‬فيسه خلف بيس أهسل العلم – رحهسم ال تعال – فقال بعضهسم ‪ :‬القراءة‬
‫الشاذة ح جة ‪ ،‬وقال بعض هم ‪ :‬لي ست ب جة ‪ .‬والقاعدة ت نص على رجحان القول الول‬
‫و هو أن القراءة الشاذة ح جة ‪ ،‬وأن ل ا ح كم الر فع إذا صح سندها لل صحاب ‪ ،‬والدل يل‬
‫على ذلك هو أن الصحاب عدل تام العدالة ‪ ،‬ثقة مأمون ثبت ‪ ،‬ناصح مشفق ‪ ،‬تق يٌ نق يٌ‬
‫و قد قرأ هذه الزيادة على أن ا قرآن و هو جازم بذلك ‪ ،‬ول يت صور أبدا ف يه غ ي ذلك ‪،‬‬
‫فل يكن أن تكون مذهبا له ‪ ،‬كما يقوله البعض فإن هذا ل يكن صدوره منهم رضي ال‬
‫عنهم ول من آحادهم ‪ ،‬إذ كيف يعل مذهبه قرآنا يتلى ‪ ،‬ويبلغه للناس على أنه قرآن ‪،‬‬
‫هذا مع شدتم رضي ال عنهم وحرصهم أل يلط القرآن بغيه ‪ ،‬فكيف يُجوّز لنفسه أن‬
‫يقحم مذهبه ف كلم ال ويبلغه للناس ول يبهم بأنه مذهبه ‪ ،‬فل وال ل نظن هذا فيمن‬
‫هو دونم من آحاد السلمي فكيف بم ‪ .‬ول يتصور أن يكون قد قالا استنباطا ‪ ،‬فما‬
‫أشبه هذا بالذي قبله ‪ ،‬إذ كيف يتصور ف الصحاب أن يعل ما استنبطه قرآنا يتلى ‪ ،‬فهذا‬
‫وال ظن السوء بم – شرفهم ال وكرمهم ورفع منسزلتهم عن مثل هذا الظن – ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فإذا ل يبق إل مرج واحد وهو أن يقال إنم سعوه من النب ‪ ، r‬وهذا هو الخرج‬
‫ال صحيح فل ها إذا ح كم الر فع ‪ ،‬فن حن وإن قل نا ‪ :‬إن ا لي ست بقرآ نٍ لكن ها تري مرى‬
‫الخبار الرفوعسة ‪ ،‬فلبسد مسن هذا الزم ‪ ،‬والذي جعلنسا نقول ذلك هسو عدالة الصسحابة‬
‫جيعا وأفرادا فهذه الكلمة الزائدة على الرسم العثمان لا حكم الرفع فهي بنسزلة السنة‬
‫القوليسة ‪ ،‬ولذلك قال بعسض النصسفي مسن أهسل العلم ‪ :‬إن هذه الزيادات غالبا تكون فس‬
‫قراءة ابن مسعو ٍد وعبد ال بن عمرو بن العاص وها من كتاب الوحي ‪ ،‬فربا أن النب ‪r‬‬
‫كان يلي عليهم ما أنزل عليه من ربه وهم يكتبون ث سكت ث قال هذه الزيادة من باب‬
‫التفسي ل أنا قرآن فكتبها بعضهم ظنا منه أنا قرآن فكان يقرأ با جازما بأنا قرآن لنه‬
‫سعها من فّ ال نب ‪ ، r‬فإذا اتفق نا وإيا كم على أن ا لي ست بقرآن فإن ا ل ت قل عن مرت بة‬
‫ال سنة الحاد ية ‪ ،‬وتقدم ل نا أن أخبار الحاد ح جة إذا صح سندها ول تن سخ ‪ ،‬وبذلك‬
‫تعلم أن تطويلت بعض الصوليي فيها ورده لا ل وجه له ‪.‬‬
‫والقصسود ‪ :‬أن القول الراجسح إن شاء ال تعال أن القراءة الشاذة حجسة إذا صسح‬
‫سسندها ول تنسسخ ‪ ،‬هذا هسو شرح القاعدة مسن باب التنظيس ‪ ،‬وبقسي شرحهسا مسن باب‬
‫التفريسع فأقول ‪ :‬إن فروعهسا قليلة لكنهسا مؤثرة فس الفقسه واللف ولذلك سسأذكر منهسا‬
‫ما يضرن الن فأقول وبال التوفيق ‪:‬‬
‫من ها ‪ :‬اختلف العلماء رح هم ال تعال ف صوم الكفارة – أع ن كفارة اليم ي –‬
‫هل يب فيه التتابع أو ل ؟ على قولي ‪ ،‬منهم من قال يب ذلك ومنهم من قال ل يب‬
‫والر جح إن شاء ال تعال الوجوب وذلك لقراءة ا بن م سعود وأ ب بن ك عب أن ما كا نا‬
‫يقرآن ‪ ] :‬ف صيام ثل ثة أيا مٍ متتابعات [ و قد صح سندها ‪ ،‬ف قد أخرج ها ا بن جر ير من‬
‫طريق قزعة بن سويد عن سيف ابن سليمان عن ماهد قال ‪ :‬ف قراءة عبد ال ] فصيام‬
‫ثلثة أيامٍ متتابعات [ ‪ .‬ولا طريق آخر عن ماهد عند البيهقي من طريق سعيد بن منصور‬
‫عن سفيان عن ابن أب نيح عن عطاء عن ماهدٍ به ‪ ،‬وقال السيوطي ف الدر النثور عن‬
‫هذا الديث ‪ " :‬وأخرج عبد الرزاق وابن أب شيبة وعبد بن حيد وابن جرير وابن النذر‬
‫وابن النباري وأبو الشيخ والبيهقي عن طر قٍ عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها ] فصيام‬
‫ثلثة أيا مٍ متتابعات [ " اهس ‪ ،‬وقد صححها العلمة الحدث اللبان رحه ال تعال فإذا‬

‫‪169‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫صحت فب قي القول بقتضا ها فيكون التتا بع واجبا ف صيام كفارة اليم ي ‪ ،‬وهكذا شأن‬
‫الصيام ف الكفارات ككفارة الظهار والقتل والماع ف رمضان ‪ ،‬ولن التتابع فيه خروج‬
‫من اللف ‪ ،‬ولن القراءة الشاذة حجة على الراجح إذا صح سندها ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬اختلف العلماء ‪ -‬رح هم ال تعال ‪ -‬ف تف سي قوله تعال ‪] :‬ثَلَثةَ قُرُوءٍ[‬
‫على قول ي ‪ ،‬واللف قد ي من ع صر ال صحابة فقالت عائ شة وغي ها القرء هو الط هر ‪،‬‬
‫وقال ن فر من أ صحاب ال نب ‪ r‬القرء هو ال يض ‪ ،‬وا ستدل من قال إن القرء هو الط هر‬
‫بقوله تعال ‪] :‬فَطَّلقُوهُنّ ِلعِ ّدِتهِنّ[ وهذا نص ف أن عدة الرأة هو الطهر ‪ ،‬لن اليض ل‬
‫يوز إيقاع الطلق فيه ‪ ،‬ويؤيد ذلك حديث ابن عمر حي طلق امرأته وهي حائض فأمره‬
‫رسول ال ‪ r‬أن يراجعها حت تطهر ث يطلقها طاهرا من غي جاع ث قال‪(( :‬فتلك العدة‬
‫الت أمر ال أن يطلق لا النساء)) وهذا نص ف السألة ‪ :‬أن العدة هي الطهر ل اليض ‪.‬‬
‫واستدل الخرون بأدلة تدها ف موضعها ومن هذه الدلة ‪ :‬أن الية الذكورة أعن قوله‬
‫تعال ‪] :‬فَ َطّلقُوهُنّ ِلعِ ّدِتهِنّ[ وردت فيها قراءة شاذة بينت الراد با وهي قراءة ابن عبا سٍ‬
‫وابن ع مر ] يا أي ها الذين آمنوا إذا طلق تم الن ساء فطلقو هن ف ُقبُ ِل عدت ن [ و قد روا ها‬
‫مسلم ف صحيحه ‪ ،‬فلشك ف صحة سندها وقد صححها الشيخ أحد شاكر ف تعليقه‬
‫على الر سالة للمام الشاف عي ‪ ،‬و هي قراءة شاذة لخالفت ها للر سم العثما ن ل كن سندها‬
‫صحيح ‪ ،‬والقراءة الشاذة ح جة إذا صح سندها و هي تفيد نا أن الراد بال ية ‪ :‬أي بع ن‬
‫طلقو هن ف ا ستقبال عدت ن وإذا أ مر ال نب ‪ r‬أن يكون طلق الرأة ف طهرٍ ل ي سها ف يه‬
‫وأبان أن هذا هو الطلق الذي أذن ال بإيقا عه وأن ذلك هو العدة ال ت أ مر ال أن يطلق‬
‫ل ا الن ساء فل تكون العدة الط هر أبدا ‪ ،‬فل تكون إل ال يض ل نه أ مر بالطلق لت ستقبل‬
‫الرأة عدتا ‪ ،‬لن الطهر الذي أوقع الطلق فيه ل تستقبله الرأة إنا تستقبل ما بعده والذي‬
‫بعده هسو اليسض فيكون اليسض هسو العدة ‪ ،‬وهذا هسو الراجسح أن العدة هسي اليسض ل‬
‫الطهار فهذه القراءة أزالت الشكال ووضحست الراد فل يبقسى لمس فيهسا حجسة ‪ ،‬فإن‬
‫قالوا ‪ :‬إنا ليست بقرآن ‪ ،‬قلنا ‪ :‬نعم لكن هي خب آحاد صحيح وأخبار الحاد الصحيحة‬
‫يب العمل با ‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫وأ ما حد يث ا بن ع مر الذي ذكروه ف قد ورد ف ب عض روايا ته ع ند م سلم ل فظ‬


‫" فأمره ال نب ‪ r‬أن يراجع ها ح ت يطلق ها طاهرا من غ ي جاع " وقال ‪ :‬يطلق ها ف ُقبُلِ‬
‫عدتا ‪ ،‬فيكون موافقا لذه القراءة الشاذة ومرجحا لا رجحناه ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬اختلف العلماء ف ال صلة الو سطى ما هي ‪ :‬على أقوال كثية قد ذكر نا‬
‫طرفا منها سابقا ورجحنا أنا صلة الع صر وذكرنا دليلنا هناك ‪ ،‬لكن يشكل على هذا‬
‫الختيار ما رواه مسلم ف صحيحه من حديث مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن‬
‫حكيسم عسن أبس يونسس مول عائشسة أنسه قال ‪ " :‬أمرتنس عائشسة أن أكتسب لاس مصسحفا‬
‫ت وَالصّل ِة اْلوُسْطَى[ فلما بلغتها‬
‫وقالت ‪ :‬إذا بلغت هذه الية فآذنّي ]حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَا ِ‬
‫آذنت ها فأملت عليّ ]حافظوا على ال صلوات وال صلة الو سطى و صلة الع صر وقوموا ل‬
‫قانتي[ فقالت عائشة ‪ :‬هكذا سعته من النب ‪ ، " r‬وكذلك نفس القصة حصلت لفصة‬
‫كما رواه مالك ف الوطأ ‪ .‬فإن زيادة ]وصلة العصر[ قراءة شاذة سندها صحيح ل غبار‬
‫عل يه وعطف ها على قوله ]وال صلة الو سطى[ يقت ضي الغايرة ف صلة الع صر غ ي ال صلة‬
‫الوسطى كما تفيده هذه القراءة الصحيحة ‪ ،‬بل قد صرحت عائشة بسماعها من النب ‪r‬‬
‫فك يف ت مع ب ي هذه القراءة وب ي الحاد يث القاض ية بأن ال صلة الو سطى هي صلة‬
‫الع صر ؟ قلت ‪ :‬هذا سؤال ج يد يتاج إل جواب مرر ‪ ،‬ل سيما و قد روى م سلم أيضا‬
‫ب سنده من حد يث الفض يل عن مرزوق عن شق يق بن عق بة عن الباء بن عازب قال ‪:‬‬
‫" نزلت هذه الية ]حافظوا على الصلوات وصلة العصر[ فقرأناها ما شاء ال ث نسخها‬
‫ُسسطَى[ " فقال رجسل كان جالسسا عنسد‬‫الصسَلوَاتِ وَالصسّل ِة اْلو ْ‬
‫ال فنلت ]حَافِظُوا عَلَى ّ‬
‫شقيق ‪ :‬هي إذن صلة العصر ‪ ،‬فقال الباء ‪ " :‬قد أخبتك كيف نزلت وكيف نسخها‬
‫ال " وال أعلم ‪ .‬فكيف المع بي الحاديث وبي هذه القراءة الشاذة ؟‬
‫فأقول ‪ :‬الواب بمد ال يسي جدا وهو أن يقال ‪ :‬قد اختلفت أجوبة العلماء ف‬
‫ذلك ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬إنا قراءة شاذة والقراءة الشاذة ليست بجة ‪ ،‬وهو ضعيف لا تقدم‬
‫من أن الدل يل دل على أن ا ح جة ‪ ،‬وقال بعض هم ‪ :‬إن الواو ف قوله ‪ ] :‬و صلة الع صر‬
‫[ لي ست لع طف الذوات وإن ا لع طف الصفات كقوله تعال ‪] :‬وََلكِ نْ رَ سُولَ اللّ هِ وَخَاتَ مَ‬

‫‪171‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫سوّى* وَالّذِي قَدّرَ َف َهدَى* وَالّذِي‬


‫الّنِبيّيَ[ وقوله ‪َ ] :‬سبّحْ ا سْمَ َربّ كَ ا َلعْلَى* الّذِي خََل قَ فَ َ‬
‫ج الْمَ ْرعَى[ وكل ذلك صفة لشيء واحد ‪ ،‬وقال الشاعر ‪:‬‬ ‫أَخْ َر َ‬
‫وليـث الكتيبـة فـ الزدحـم‬ ‫أنـا اللك القرم وابـن المام‬

‫فقوله (القرم وابن المام) ها صفة للملك ل أنه غيه ‪.‬‬


‫وقال الخر ‪:‬‬
‫وألفـى قولاـ كذبا ومينـا‬ ‫ـه‬
‫ـ لراهشيـ‬
‫فقددت الديـ‬

‫والكذب والي شيء واحد ‪ ،‬وقد نص إمام النحاة سيبويه على جواز قول القائل ‪:‬‬
‫مررت بأخيسك وصساحبك ‪ ،‬ويكسن الصساحب هسو بعينسه الخ ‪ .‬إذا فالواو هنسا لعطسف‬
‫الصسفات ‪ .‬وقال بعضهسم ‪ :‬على تسسليم التعارض بيس القراءة وبيس الحاديسث السسابقة‬
‫فلشك أن حديث علي وابن مسعودٍ أرجح منها سندا وأصرح منها ف الدللة ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬بل إن هذه القراءة منسوخة أعن زيادة (( وصلة العصر )) والدليل‬
‫على أن ا من سوخة حد يث الباء التقدم فإ نه صرح بن سخها بلف ظٍ صريح فإ نه قال ‪ :‬ث‬
‫ت وَالصّل ِة الْوُسْطَى [ وهذا الواب هو أصح‬
‫نسخها ال فنسزلت ] حَافِظُوا عَلَى ال صَّلوَا ِ‬
‫الجوبسة عندي لصسراحة هذا الدليسل ولعدم التكلف فيسه ‪ ،‬وقسد رواه مسسلم كمسا ذكرنسا‬
‫فتكون زيادة ] وصلة الع صر [ من سوخة ل كن اعلم أن هذا ما ن سخ لف ظه وبقي حك مه‬
‫وهو جائز وواقع كآية الرجم والدليل على بقاء حكمها الحاديث الصرحة بأن الوسطى‬
‫هي العصر ‪ ،‬فإن قلتَ ‪ :‬كيف تقول عائشة إذا ‪ " :‬سعتها من رسول ال " ؟‬
‫قلتُ ‪ :‬نعم صدقت وال الذي ل إله غيه ‪ ،‬لقد سعتها من النب ‪ r‬وقد كانت قرآنا‬
‫يتلى ‪ ،‬بل قال الباء ‪ " :‬فقرأناها ما شاء ال " وف رواية مسلم أيضا " فقرأناها مع النب ‪r‬‬
‫زمانا " لكنهسا نسسخت وعائشسة وحفصسة ل تعلمسا بأناس نسسخت ‪ ،‬فالباء حفسظ القراءة‬
‫والنسخ وها حفظا القراءة فقط ‪ ،‬ومن حفظ حجة على من ل يفظ ‪ ،‬وهذا القول هو‬
‫الذي تتآلف به الدلة ول المد والنة فل إشكال وبال التوفيق وهو أعلم وأعلى ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة الثامنـة عشـر‬


‫( شرعية الصل ل تستلزم شرعية الوصف )‬

‫وهذه القاعدة وإن كانست أصسولية لكنهسا عقديسة أيضا ‪ ،‬وهسي مفيدة جدا لطالب‬
‫العلم فبها يعرف الفرق بي مشروعية الصل ومشروعية الوصف ‪ ،‬وهل يتطلب الوصف‬
‫دليلً زائدا على دليل الصل أو يستدل له بدليل الصل ؟‬
‫هذا ما ستعرفه إن شاء ال تعال ف هذه القاعدة فأقسول ‪:‬‬
‫إن الصل ف العبادات الطلق عن ثلثة أشياء ‪ :‬عن الصفة والزمان والكان ‪ ،‬أي‬
‫أن ال تعال كلفنا باعتقاد مشروع ية هذه العبادة ف قط من غ ي تعرض لصفتها ول لزمان ا‬
‫ول لكان ا ‪ ،‬ث ب عد ذلك وردت الدلة مددة الزمان والكان وال صفة ‪ ،‬وذلك م ثل قوله‬
‫تعال ] َوأَقِيمُوا ال صّلةَ [ إن ا هو دل يل على وجوب إقامت ها ف قط ‪ ،‬فل ي ستفاد م نه صفة‬
‫إقامت ها ول زمان إقامت ها ول مكان إقامت ها ‪ ،‬وكذلك قوله تعال ] وَلِلّ هِ عَلَى النّا سِ حِجّ‬
‫الَْبيْ تِ [ إن ا ي ستفاد م نه وجوب ال ج ف قط ‪ ،‬ل كن ل ي ستفاد م نه صفة ال ج ول زما نه‬
‫ول مكا نه ‪ ،‬وهكذا ال صيام ف قوله تعال ] ُكتِ بَ عََلْيكُ ُم ال صّيَامُ [ ي ستفاد م نه وجوب‬
‫الصوم فقط ‪ ،‬لكن ل يستفاد منه صفة الصوم ول زمانه ول مكانه ‪ ،‬فهذا دليل على أن‬
‫هذه الدلة إنا تثبت أصل شرعية العبادة فقط ‪ ،‬وأن صفة العبادة وزمانا ومكانا لبد له‬
‫من دليل آخر غي أدلة إثبات أصل الشروعية ‪.‬‬
‫إذا صدق قولنا ‪ :‬الصل ف العبادات الطلق ‪ ،‬أي الصل أن كل عبادة مطلقة عن‬
‫الصفة والزمان والكان والطلق ل يوز تقييده إل بدل يل صحيح صريح ‪ ،‬ف من ق يد عبادة‬
‫بصفةٍ معينة أو مكا ٍن معي أو زمانٍ معي فهذا التقييد لبد له من دليل صحيح صريح وإل‬
‫فيكون من التشريع ف دين ال ما ل يأذن به ال تعال ‪.‬‬
‫فالعبادات ي ب أن تب قى هكذا مطل قة ح ت يرد الدل يل الق يد ‪ ،‬وهذا الدل يل الق يد‬
‫لبد أن يكون دليلً غي الدليل الذي يثبت أصل الشروعية ‪ ،‬لن الدليل الذي يثبت أصل‬
‫الشروع ية ل يتعرض ل لو صفٍ ول لزما ٍن ول لكا نٍ ون ن إن ا نطلب الدل يل الث بت لذه‬
‫الصفة وهذا الزمان وهذا الكان ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فإذا دليل الصل ل يصلح للستدلل به على إثبات الصفة ول الزمان ول الكان ‪،‬‬
‫و به تعلم أ نه ل بد من دل يل آ خر غ ي الدل يل الول ‪ ،‬فاح فظ فإ نك تق ضي به على بد عٍ‬
‫كثية واعتقادات باطلة يظن أهلها أنا مشروعة ويستدلون عليها بالدلة الت تثبت أصلها‬
‫ك ما ستراه ف الفروع إن شاء ال ‪ .‬فإذا ل يس كل ش يء مشروع بأ صله يكون مشروعا‬
‫بوصفه ‪ ،‬بل قد تكون العبادة مشروعة من أصلها لكنها منوعة بسبب وصفها ‪.‬‬
‫وإذا ل تفهم هذا فإليك بعض الفروع حت يتضح لك المر إن شاء ال تعال فأقول‬
‫منها ‪ :‬الذكر الماعي ف أدبار الصلوات وف بعض الناسبات الذي يفعله كثي من‬
‫ال صوفية ‪ ،‬فإ نك إذا سألتهم عن دل يل ذلك قالوا ‪ :‬دليل نا قوله تعال ] اذْ ُكرُوا اللّ هَ ذِكْرا‬
‫َاتس [ وقوله‬‫ّهس َكثِيا وَالذّاكِر ِ‬‫ِينس الل َ‬
‫َسسبّحُو ُه بُكْ َر ًة َوأَصسِيلً [ وقوله ] وَالذّاكِر َ‬
‫َكثِيا * و َ‬
‫] الّذِي َن يَذْكُرُو نَ اللّ هَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوِبهِ مْ [ ‪ ،‬وقال ال نب ‪ (( r‬ل يزال ل سانك‬
‫رطبا بذ كر ال )) فترا هم ي ستدلون ب ثل هذه الدلة فحينئذٍ قل ل م ‪ :‬إن هذه الدلة على‬
‫الع ي والرأس لكن ها تث بت أ صل مشروع ية الذ كر أي أن نا ن ستفيد من ها مشروع ية الذ كر‬
‫ت منغ مة وأوقا تٍ معلو مة وأمكنةٍ‬
‫إجالً ل كن أن تم توقعون الذ كر ب صفاتٍ معي نة وإيقاعا ٍ‬
‫مر سومة ‪ ،‬فأ ين الدل يل على هذا التقي يد ‪ .‬فأ نا ل أطلب الدل يل على أ صل الذ كر ل كن‬
‫أطالب كم بالدل يل على إيقا عه على هذه ال صفة العي نة ‪ ،‬فأ ين الدل يل الث بت لذه ال صفة ؟‬
‫ذلك لن الصفة أمر زائد على أصل الذكر تتاج إل دليل زائد على مرد دليل الصل ‪،‬‬
‫لن شرعية الصل ل تستلزم شرعية الوصف ‪ ،‬فأنا ل أناقش ف (( سبحان ال والمد ل‬
‫ول إله إل ال وال أ كب )) بل أنا قش ف إيقاع ها على صفة معي نة ‪ ،‬و ف زمان مع ي ‪.‬‬
‫فأ نت إذا قلت ذلك تكون قد ألقمت هم حجرا فل يدون جوابا ‪ ،‬ل كن لو ل تعرف هذا‬
‫الصل لعسر عليك الواب ‪ ،‬وبال التوفيق ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الحتفال بالولد النبوي ‪ ،‬وهو ما ابتلي به السلمون ف هذه الونة ‪ ،‬وقد‬
‫حصسل أن ناقشست بعسض هؤلء فقلت له ‪ :‬أنتسم تتفلون بولد الصسطفى ‪ r‬وتتعبدون ل‬
‫بذلك الحتفال وترجون ثوابه يوم القيامة ‪ ،‬فهو عندكم عبادة من أعظم العبادات ‪ ،‬وقربة‬
‫من أج ّل القربات ‪ ،‬وقد تقرر عند أهل السلم أن العبادات مبناها على الظر والتوقيف‬
‫فل يشرع منهسا إل مسا عليسه دليسل صسحيح صسريح ‪ ،‬فأيسن الدليسل الدال على مشروعيسة‬

‫‪174‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الحتفال بالولد النبوي ؟ فقال ل ‪ :‬نن نب رسول ال ‪ r‬أكثر من آبائنا وأبنائنا بل ومن‬
‫أنف سنا و قد قال ‪ (( r‬ل يؤ من أحد كم ح ت أكون أ حب إل يه من ولده ووالده والناس‬
‫أجعي )) وقال ربنا جل وعل ] ِلُت ْؤ ِمنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ َوُتعَزّرُوهُ َوُتوَقّرُوهُ [ ‪ ،‬وقال ل ‪ :‬إن‬
‫ح به ‪ r‬فرض على كل م سلم ‪ ،‬بل ل ي صح اليان إل إذا كان ‪ r‬أ حب إلي نا م ا سواه ‪،‬‬
‫قال النب ‪ (( r‬ثلث من كن فيه وجد بن حلوة اليان أن يكون ال ورسوله أحب إليه‬
‫م ا سواها )) فقلت له ‪ :‬ن عم إن ج يع ما قل ته حق حق يق ل تنب غي مالف ته ‪ ،‬ل كن هذه‬
‫الدلة الذكورة إن ا تدل على وجوب أ صل الح بة ‪ ،‬لكن أي الدل يل الدال على مشروعية‬
‫إيقاع هذه الحبة على هذه الصفة العينة وف هذا الزمان العي ؟ لنكم عبت عن مبتكم‬
‫لرسول ال ‪ r‬بالحتفال بولده سنويا ف يو مٍ معي ‪ ،‬فأين الدليل على ذلك ؟ وليس لك‬
‫أن تتج بالدلة الدالة على وجوب مبته فهذه الدلة ل تثبت جواز الحتفال بولده مع ما‬
‫يكون فيه من القصائد الكفرية والختلط السافر وتضييع الصلوات فبهت الرجل وقال ‪:‬‬
‫أنتم ل تبون رسول ال ‪ ، r‬فقلت له ‪ :‬إن الحبة الصادقة مصداقها التباع ل البتداع ‪،‬‬
‫فالتعبي عن مبته ‪ r‬ل يكون بكل شيء ‪ ،‬فليس لكل أح ٍد يعمل ف دينه ما يشتهي ‪ ،‬بل‬
‫حِببْكُ مُ‬
‫حبّو نَ اللّ هَ فَاّتبِعُونِي يُ ْ‬
‫التعبي عن مبته يكون بتابعته كما قال تعال ] ُقلْ إِ نْ ُكْنتُ مْ تُ ِ‬
‫اللّ ُه َوَي ْغفِرْ َلكُ مْ ُذنُوَبكُ ْم وَاللّ ُه َغفُورٌ َرحِي مٌ [ والق صود هو أن أدلة إثبات الح بة له ‪ r‬ل‬
‫تك في لل ستدلل ب ا عن شرع ية الحتفال بالولد النبوي لن شرع ية ال صل ل ت ستلزم‬
‫شرعية الوصف وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬الطواف حول قبور الولياء والصسالي والعتقاد فيهسم أنمس يلبون خيا‬
‫ويدفعون شرا والنذر لم ونو ذلك ما يفعل عند قبورهم ‪ ،‬إذا قلت لن يفعل ذلك ‪ :‬ما‬
‫دليلك على مشروعية هذا ؟ قال لك ‪ :‬إن ال جل سبحانه قال ف كتابه الكري ] أَل ِإنّ‬
‫ح َزنُونَ [ وقال تعال ] ُأوْلَئِكَ ِحزْبُ اللّهِ أَل إِنّ ِحزْبَ‬
‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم يَ ْ‬
‫َأوْلِيَاءَ اللّهِ ل َخوْ ٌ‬
‫اللّ ِه هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ [‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬خبتم وخسرت وأخطأت طريقة الستدلل حيث أخرجتم الشرك الذي تفعلونه‬
‫عند قبور من تسمونم بالولياء والصالي ف ثوب الحبة والتقدير وإنزالم منازلم وأن‬
‫هذا من حقهم عليكم ‪ ،‬فشاهت الوجوه – ونعوذ بال منكم ومن حالكم – ول يكفكم‬

‫‪175‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ذلك حت استدللتم على شرككم بأدلة الشريعة الت جاءت بإنكار الشرك وماربة أهله –‬
‫ظلمات بعض ها فوق ب عض – فهذه الدلة في ها إثبات الول ية وإخبار عن حال أولياء ال‬
‫ال صالي ‪ ،‬فأ ين دللت ها على الطواف حول قبور هم والنذر ل م والذ بح ع ند أضرحت هم‬
‫وتقبيلهسا وغيس ذلك ‪ ،‬فإن هذه الشركيات التس تفعلوناس ل تدل عليهسا اليسة مطابقةً‬
‫ول تضمنا ول التزما ‪ ،‬ذلك لن شرعيسة الصسل ل تسستلزم شرعيسة الوصسف ‪ ،‬ويعنس‬
‫بالصل هنا إثبات الولية وحال الولياء ‪ ،‬ونعن بالوصف ما تفعلونه عند الولياء أو عند‬
‫قبورهم‪ ،‬فالية إنا أثبتت المر الول فإثباتا للمر الول ل يستلزم منه إثبات المر الثان‪،‬‬
‫بل المر الثان يتاج إل دليل آخر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬اعتقاد تأ كد ال سواك ع ند الدخول للم سجد ‪ ،‬فإن ب عض الناس أو أحد هم‬
‫قال ‪ :‬ويسستحب السسواك عنسد دخول السسجد ثس شرع يسستدل على ذلك بالدلة الثبتسة‬
‫ل صل مشروع ية ال سواك كقوله ‪(( : r‬ال سواك مطهرة لل فم مرضاة للرب)) ‪ ،‬وقوله ((ل‬
‫زال جبيل يأمرن بالسواك حت خشيت أن أحفي مقدم فمي)) ‪ ،‬وقوله ((أربع من سنن‬
‫الرسلي – وذكر منها ‪ -‬والسواك)) ‪ ،‬وقوله ((لول أن أشق على أمت لمرتم بالسواك‬
‫ع ند كل صلة)) وكذلك ((ع ند كل وضوء)) هكذا قال ‪ ،‬وخل صة ال مر أ نه ي ستدل‬
‫على ما ذهب إليه من استحباب الستياك عند دخول السجد ‪ ،‬يستدل عليه بالدلة الدالة‬
‫على استحباب السواك ف الملة ‪ ،‬فهي تثبت شرعية الصل ‪ ،‬وهي يريد إثبات الفضلية‬
‫ف زمن معي وهو دخول السجد ‪.‬‬
‫فنقول له ‪ :‬إن ال سواك مشروع ف كل و قت ‪ ،‬وال صل ف يه الطلق عن الزمان‬
‫والكان ف من اعتقسد اسستحباب فس زمانٍس دون زمان أو مكانٍس دون مكان فهذا التفضيسل‬
‫يتاج إل دليلٍ شرعي صحيح صريح ‪ ،‬ول يكتفى بالدلة الدالة على مشروعية السواك ‪،‬‬
‫لن الراد إثبا ته ل يس هو مشروع ية ال سواك وإن ا الراد إثبا ته هو اعتقاد فضيل ته ف هذا‬
‫الزمان بعينه فأين الدليل على ذلك ؟ أما أدلة الصل فهي للصل ويبقى الوصف متاجا‬
‫لدليل آخر غي أدلة مشروعية الوصف ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تصيص صيام يو مٍ من أيام السنة أو الشهر بل دلي ٍل بعينه داخل تت هذا‬
‫الباب ‪ ،‬فبعض الناس يصص يوما بصومٍ ‪ ،‬فإذا سألته عن دليله على هذا التخصيص قال‬

‫‪176‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫لك ‪ :‬أل ت سمع قول ال نب ‪ r‬في ما يرو يه عن ر به عز و جل ‪ " :‬كل ع مل ا بن آدم له إل‬
‫الصوم فإنه ل وأنا أجزي به وللوف فم الصائم عند ال أطيب من ريح السك و للصائم‬
‫فرحتان … ال " فيجاب عنه ‪ :‬بأن هذا يثبت أصل مشروعية الصوم وثوابه عند ال تعال‬
‫وفضله من غي تعر ضٍ لشي ٍء زائد ‪ ،‬وأنت توقعه بصف ٍة معينة ‪ ،‬والدليل الذي نطلبه منك‬
‫هو الدليل الثبت لذه الصفة فأين هو ؟ ذلك لن أدلة الصل ل تثبت شرعية الوصف ‪،‬‬
‫بل لبد للوصف من دليلٍ زائدٍ على أدلة الصل ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬بعسض البتدعسة الطغام تراه إذا شيسع النازة يتصسدق على هذا وعلى هذا‬
‫ويطعم الطعام ف القبة وقت الدفن بل وبعده أيضا ‪ ،‬فإذا سألته عن دليله قال ‪ :‬هذا من‬
‫الصدقة عن اليت وقد قال النب ‪(( : r‬إذا مات النسان انقطع عمله إل من ثلث صدقة‬
‫جارية …)) فيقال له ‪ :‬نعم إن الصدقة عن اليت مشروعة ول شك ول منازعة ف ذلك‪،‬‬
‫لكن أنت توقع هذه الصدقة على صف ٍة معينة ‪ ،‬فما دليلك على هذه الصفة ‪ ،‬فإن دليلك‬
‫الذي قلته إنا يدل على أصل مشروعية الصدقة عن اليت ‪ ،‬ونن ل نتلف أن الصدقة عن‬
‫اليت مشروعة لكن الذي نالف فيه ونطلب عليه الدليل هو هذه الصفة العينة ‪ ،‬والدليل‬
‫تضمنس ول التزام ‪ ،‬ومرد مشروعيسة الصسل‬
‫ٍ‬ ‫الذي ذكرتوه ل يدل عليهسا ل بطابقسة ول‬
‫ل تستلزم شرعية الوصف ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فقس ‪ ،‬وال أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعدة التاسعة عشر‬


‫( يب إجراء العام على عمومه ول يص إل بدليل )‬

‫ظ عام فالواجب فيه بقاء عمومه ‪ ،‬وما‬


‫وهذا من تعظيم كلم الشارع ‪ ،‬فما ورد بلف ٍ‬
‫ورد خا صا فالوا جب ف يه بقاء خ صوصه ‪ ،‬فل نع مم الاص ول ن ص العام ‪ ،‬ذلك ل نه‬
‫ل يوز ل نا أن نتح كم ف كلم ال ور سوله بأهوائ نا أو مذا هب أئمت نا ‪ ،‬فكلم الشارع‬
‫العام ل يصه إل الدليل الصحيح الصريح ‪ ،‬فأي دليل من الكتاب أو السنة ورد عاما فهو‬
‫عام و ما ورد خاص ف هو خاص ‪ ،‬هذا هو ال ق الق يق بالقبول ‪ ،‬ودع ع نك كلم ب عض‬
‫الفقهاء – هداهسم ال – فس مالفسة ذلك ‪ ،‬وترؤ بعضهسم على كلم ال ورسسوله‬
‫بالتخصيص بل دليل وإنا لوافقة مذهب إمامه ‪ ،‬وإنك لتقرأ ف كتب الفقهاء من ذلك ما‬
‫يو جب الع جب ‪ ،‬فالزم جادة ال ق ‪ ،‬وانج بنف سك من الوقوع ف هذه الهالك – أعاذنا‬
‫ال وإياك منها ‪ -‬وقد بث الصوليون رحهم ال تعال ف الشياء الت يصص با العام ‪،‬‬
‫واستقرءوها من أدلة الشريعة ‪ ،‬وذلك تت بث مصصات العموم وأنا إن شاء ال تعال‬
‫أذكرها لك متصرة تنبا للطالة فأقول ‪:‬‬
‫مـن الخصـصات للعموم السـ ‪ ،‬والراد بالسس ‪ :‬أي الدليسل الأخوذ مسن أحسد‬
‫الواس المس وهي ‪ :‬الرؤية البصرية والسمع واللمس والذوق والشم ‪.‬‬
‫وقد أجع العلماء على جواز التخصيص به ‪ ،‬وقد دل على ذلك الوقوع ‪ :‬فمن أمثلة‬
‫التخ صيص به قوله تعال ف و صف ر يح عا ٍد العات ية ] تُ َدمّرُ كُ ّل َشيْ ٍء بَِأمْرِ َربّهَا [ فهذا‬
‫يقضي بعمومه أنا ل تدع شيئا إل دمرته ‪ ،‬لكن نن نشاهد بأعيننا أنا ل تدمر السماء‬
‫ول الرض ول البال ‪ ،‬إذا هذه الشياء الذكورة ل يقع عليها التدمي فهي مصوصة من‬
‫عموم قوله تعال ] كُ ّل َشيْء[ والذي أخرجها من العموم هو الس لن الشاهدة البصرية‬
‫نوع من الس ‪.‬‬
‫ومن أمثلته أيضا ‪ :‬قوله تعال عن بلقيس ملكة سبأ ف صفة ملكها ] َوأُوِتيَ ْ‬
‫ت مِ نْ‬
‫كُ ّل َشيْءٍ [ فهذا يقضي أنه ما من شيء إل وقد أوتيته ‪ ،‬ولكن نن نعلم أن هناك أشياء‬
‫ل تلك ها م ثل ال ن و ما ف يد سليمان وال سموات والرض و كل ذلك يطلق عل يه ل فظ‬

‫‪178‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫{الش يء} لك نه ل يد خل ف عموم قوله تعال ] َوأُوِتيَ تْ مِ نْ كُ ّل َشيْءٍ [ والذي أخر جه‬
‫من العموم هو الس والشاهدة ‪ ،‬فإذا أول الخصصات الس ‪.‬‬
‫ومـن الخصـصات أيضا العقـل ‪ :‬فإذا ورد الدليسل العام واقتضسى العقسل السسليم‬
‫ت صيص شيءٍ م نه فإ نه ي صلح أن يكون م صصا ‪ ،‬وهذا هو مذ هب جهور ال صوليي‬
‫وذلك كقوله تعال ] اللّ هُ خَالِ قُ كُ ّل َشيْءٍ [ فيق ضي هذا العموم أ نه خالق ج يع الشياء ‪،‬‬
‫لكن ال سبحانه وتعال بصفاته ليس بخلوق جل وعل بل هو الالق وما سواه ملوق ‪،‬‬
‫ف هو خارج من عموم ] كُ ّل َشيْءٍ [ وذلك بالع قل ‪ ،‬فالع قل يق ضي ذلك قضاءً جازما ‪،‬‬
‫وبا أن القرآن كلم ال وكلم ال صفة من صفاته فالقرآن ل يدخل ف هذا العموم أيضا‬
‫و من الخ صصات أيضا الدل يل الشر عي ‪ :‬ويد خل ت ت ذلك ت صيص الكتاب‬
‫بالكتاب ‪ ،‬بعنس أن الدليسل العام والاص كلهاس مسن القرآن ‪ ،‬ومثال ذلك قوله تعال‬
‫سهِ ّن ثَلَثةَ قُرُوءٍ [ فهذا ل فظ عام يد خل ف يه ج يع الطلقات ‪،‬‬ ‫] وَالْمُ َطّلقَا تُ يَتَ َربّ صْ َن ِبأَنفُ ِ‬
‫ضعْنَ حَ ْمَلهُنّ [ وهذا خاص ‪ ،‬فالطلقة‬
‫لكن قال ال تعال ] َوُأوْلتُ الَحْمَالِ أَجَُلهُنّ أَ ْن يَ َ‬
‫الا مل خر جت من العموم بذا الدل يل فعدت ا و ضع حل ها ل ثل ثة قروء ‪ ،‬وأيضا قوله‬
‫تعال ] وَل تَنكِحُوا الْمُشْرِكَا تِ َحتّ ى ُي ْؤمِنّ [ فهذا عام ف ج يع الشركات ‪ ،‬ل كن قوله‬
‫ت مِ ْن الّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا بَ مِ نْ َقبِْلكُ مْ [ أخرج الشركة الكتابية فيجوز‬
‫صنَا ُ‬‫تعال ] وَالْمُحْ َ‬
‫الزواج ب ا ‪ ،‬فهذا ت صيص كتا بٍ بكتاب ‪ ،‬وهذا هو مذ هب جهور العلماء رح هم ال‬
‫تعال ‪ .‬ويد خل ت ته أيضا ت صيص الكتاب بال سنة أي أن يكون الدل يل العام من القرآن‬
‫والدل يل الاص من ال سنة سواءً كا نت متواترة وهذا بالتفاق أو آحاد ية وهذا هو على‬
‫القول الصحيح وهو مذهب المهور ‪ ،‬وعلى ذلك أمثلة ‪:‬‬
‫ُمس [ فهذا عام فس جيسع الولد‬ ‫فمنهـا ‪ :‬قوله تعال ] يُوصسِيكُمُ الل ُ‬
‫ّهس ف ِي َأوْلدِك ْ‬
‫ذكورهم وإناثهم ‪ ،‬صغارهم وكبارهم ‪ ،‬مسلمهم وكافرهم ‪ ،‬وكذلك الولد القاتل نعم‬
‫فالولد الكافر والقاتل داخل ف عموم هذه الية لكن قال النب ‪(( r‬ل يرث السلم الكافر‬
‫ول الكافر السلم)) فهذا الدليل من السنة خصص عموم الكتاب فأخرج الولد الكافر فإنه‬
‫ل حق له ف مياث ال سلم ‪ ،‬وكذلك قوله ‪(( r‬ل يرث القا تل من القتول شيئا)) أخرج‬
‫الولد القاتل فإنه ل حق له ف الياث ‪ ،‬فإذا السنة أخرجت الكافر والقاتل ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫ومـن المثلة أيضا ‪ :‬قوله تعال ] الزّاِنَيةُ وَالزّانِسي فَاجِْلدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد ِمْنهُمَسا مِاَئةَ‬
‫جَ ْل َدةٍ [ فهذا عام ف الزناة ذكور هم وإناث هم ‪ ،‬والح صن وغ ي الح صن ‪ ،‬ن عم الح صن‬
‫دا خل ف هذا العموم ‪ ،‬ل كن ل ا ر جم ال نب ‪ r‬ماعزا والغامد ية وقال لن يس (( وأ غد يا‬
‫أنيس إل امرأة هذا فإن اعترفت فارجها )) دل ذلك على أن الزان الحصن ل يدخل ف‬
‫عموم الية والذي أخرجه السنة ‪.‬‬
‫ومن المثلة أيضا ‪ :‬قوله تعال ] فَِإذَا ان سَلَ َخ ا َل ْشهُ ُر الْحُرُ مُ فَا ْقتُلُوا الْمُ ْ‬
‫شرِكِيَ َحيْ ثُ‬
‫ُمس [ فهذا قضاء جازم بقتسل جيسع الشركيس صسغارهم وكبارهسم ‪ ،‬ذكورهسم‬ ‫وَجَ ْدتُمُوه ْ‬
‫وإناثهم ‪ ،‬لكن جاءت السنة بالنهي عن قتل الرأة والشيخ الفان والطفل الصغي ‪ ،‬فقال‬
‫عليه الصلة والسلم ((ول تقتلوا وليدا)) وقال لا رأى مقتولة ف أحد غزواته ((ما كان‬
‫ينبغي لثل هذه أن تقتل)) فخرج هؤلء من عموم القرآن بالسنة ‪.‬‬
‫وكذلك ‪ :‬قوله تعال ] يُو صِيكُمُ اللّ هُ فِي َأوْلدِكُ مْ [ خرج منها أولد النبياء بقوله‬
‫‪(( r‬نن معاشر النبياء ل نورث ما تركناه صدقة)) ‪.‬‬
‫وكذلك ‪ :‬قوله تعال ] َوأُحِلّ َلكُ مْ مَا وَرَاءَ ذَِلكُ مْ [ أي أن جيع النساء حلل لكم‬
‫ماعدا الذكورات ف اليسة التس قبلهسا ‪ ،‬ف ما عداهسن حلل لكسم ‪ ،‬لكسن هذا ليسس على‬
‫عمومه فقد أخرجت السنة الصحيحة التفق عليها نكاح البنت على عمتها وعلى خالتها‬
‫فقال ‪ (( r‬ل تنكح الرأة على عمتها ول على خالتها )) فهذا مصص لعموم الية فهو من‬
‫تصيص القرآن بالسنة ‪.‬‬
‫ومـن ذلك أيضا ‪ :‬قوله تعال ] وَقَاتِلُوا الْمُ ْ‬
‫شرِكِي َ كَاّفةً [ فهسو حكسم عام بقتال‬
‫ج يع الشرك ي ‪ ،‬ل كن ال سنة أخر جت الجوس وذلك بقوله ‪ (( r‬سنوا ب م سنة أ هل‬
‫الكتاب))‬
‫وم نه ‪ :‬قوله تعال ] وَال سّا ِرقُ وَال سّارَِقةُ [ فهذا عام ف كل سارق من غ ي تقد ير‬
‫لكن هذا مصوص بقوله ‪ (( r‬ل قطع إل ف ربع دينار فصاعدا )) ‪.‬‬
‫ومنه ‪ :‬قوله تعال ] يأيها الذين آمنوا ِإذَا نُودِي لِل صّل ِة مِ ْن َيوْ مِ الْ ُ‬
‫ج ُم َعةِ فَا ْس َعوْا إِلَى‬
‫ذِ ْكرِ اللّ هِ [ هو عام للذكور والناث والحرار والعب يد ‪ ،‬ل كن حد يث طارق بن شهاب‬
‫(( الم عة حق وا جب على كل م سلم إل أرب عة امرأة و صب وملوك ومر يض )) على‬

‫‪180‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القول بأ نه حد يث ح سن صحيح فإ نه يرج هؤلء من عموم القرآن ‪ ،‬وكذلك حد يث‬


‫(( ل يس على م سافر ج عة)) وكان ال نب ‪ r‬ل ي صلي الم عة ف ال سفر ‪ ،‬كل ذلك من‬
‫تصيص القرآن بالسنة ‪.‬‬
‫والمثلة كثية ‪ ،‬وبذه المثلة تعلم أن السنة تصص القرآن أيا كانت من غي نظر‬
‫إل كونا متواترة أو آحادية ‪ ،‬إنا الطلوب صحة السند فقط ‪.‬‬
‫وقد قدمنا لك سابقا أن أهل السنة ل يفرقون بي آحا ٍد ومتواتر ‪ ،‬بل التفريق بينهما‬
‫هو م سلك أ هل البدع ‪ ،‬ووراء الك مة ما وراء ها ‪ ،‬فاحذر من هذه الزالق ‪ ،‬فإ نك ت د‬
‫جعا من أ هل ال صول يقولون ال سنة الحاد ية ل ت صص القرآن ‪ ،‬و هو مذ هب با طل‬
‫مالف لجاع الصحابة ‪ ،‬فإن المثلة السابقة عمل با الصحابة وخصوا القرآن با من غي‬
‫نكي وهي آحاد على حد تعريفهم للحاد ‪ ،‬فخذ ما مع القوم من الصواب واطرح الطأ‬
‫وحذر منه ‪ ،‬وال يغفر للجميع ‪ ،‬فإن بعضهم متهدون إن شاء ال لكن التوفيق للصواب‬
‫ِمّنةٌ من ال تعال ‪ ،‬وال الستعان ‪.‬‬
‫ويد خل أيضا ت ت التخ صيص بالدل يل الشر عي ت صيص ال سنة بال سنة من غ ي‬
‫تف صيل ب ي متوا تر وآحاد ك ما سلف ‪ ،‬وهذا قول المهور ‪ ،‬بل هو قول أ هل ال سنة‬
‫والماعة وما عداه فمسلك أهل الضلل ‪.‬‬
‫ومـن أمثلة ذلك ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬فيمسا سسقت السسماء والعيون أو كان عثريا العشسر‬
‫وفيما سقي بالنضح نصف العشر )) فهذا عام فيما خرج من الرض من غي تفصيل بي‬
‫قليل وكثي ‪ ،‬لكن العام مصص بقوله ‪ (( : r‬ليس فيما دون خسة أو ست من حب ول‬
‫ترٍ صدقة )) فقضى الاص على ما يقابله من العام ‪ ،‬فهذا تصيص سنةٍ بسنة ‪.‬‬
‫ويد خل ت ته أيضا ت صيص ال سنة بالكتاب أي أن يكون الدل يل العام من ال سنة‬
‫والاص من القرآن ‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا ل إله إل ال ‪ ،‬فإذا‬
‫قالو ها ع صموا م ن دماء هم وأموال م إل بق ها وح سابم على ال )) فهذا عام ف مقاتلة‬
‫ج يع من ل ي قل هذه الكل مة ‪ ،‬ل كن خرج أ هل الكتاب إذا أعطوا الز ية عن ي ٍد و هم‬
‫صاغرون ‪ ،‬بقوله تعال ‪ ] :‬قَاتِلُوا الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو نَ بِاللّ ِه وَل بِاْلَيوْ مِ ال ِخرِ …[ إل قوله ‪:‬‬

‫‪181‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫] َحتّى ُيعْطُوا الْجِ ْزَي َة عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ صَاغِرُونَ [ فالقرآن أخرج أهل الكتاب إذا أعطوا الزية‬
‫من عموم المر بالقتال ‪.‬‬
‫ومنه أيضا ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬خذوا عن خذوا عن قد جعل ال لن سبيل البكر بالبكر‬
‫جلد مائة وتغريسب عام ‪ ،‬والثيسب بالثيسب جلد مائةٍ والرجسم )) فهذا عام فس الزناة سسوا ًء‬
‫الحرار أو العب يد ‪ ،‬ل كن خر جت ال مة من هذا العموم بقوله تعال ‪ ] :‬فَإِذَا أُحْ صِنّ فَإِ نْ‬
‫ت مِ ْن اْلعَذَا بِ [ والعذاب هنا يراد به اللد‬ ‫صنَا ِ‬
‫شةٍ َفعََلْيهِنّ نِ صْفُ مَا عَلَى الْمُحْ َ‬
‫َأتَيْ َن ِبفَاحِ َ‬
‫لنه يكن تصنيفه ‪ ،‬أما الرجم فل يكن فيه ذلك ‪ ،‬فهذا الدليل القرآن الاص أخرج المة‬
‫الحصنة من عموم قوله ((الثيب بالثيب)) فهذا تصيص سنةٍ بقرآن ‪.‬‬
‫ومنه أيضا ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬ما أبي من حيّ فهو كميتته )) فهو عام ف جيع ما يبان‬
‫مسن اليوان حال حياتسه شعرا كان أو صسوفا أو وبرا أو سسناما أو إليسة ونوهسا ‪ ،‬لكسن‬
‫َصسوَاِفهَا‬
‫ِنس أ ْ‬
‫خرجست إبانسة الصسوف والشعسر والوبر مسن هذا العموم بقوله تعال ‪َ ] :‬وم ْ‬
‫َوَأوْبَارِهَا َوَأشْعَارِهَا َأثَاثا َو َمتَاعا إِلَى حِيٍ [ أي أن هذه الشياء تق طع من البهي مة و هي‬
‫حية وينتفع با ‪ ،‬فهذا تصيص سنةٍ بقرآن وغي ذلك ‪.‬‬
‫ف صارت الق سام أرب عة ‪ :‬ت صيص الكتاب بالكتاب ‪ ،‬وت صيص الكتاب بال سنة ‪،‬‬
‫وت صيص ال سنة بال سنة ‪ ،‬وت صيص ال سنة بالكتاب ‪ ،‬ف كل ذلك دا خل ت ت التخ صيص‬
‫بالدليل الشرعي ‪ ،‬فالدليل الشرعي العام يص بالدليل الشرعي الاص ‪.‬‬
‫ومـن الخصـصات أيضا ‪ :‬التخصسيص بالجاع ‪ :‬وهسو جائز باتفاق العلماء العتسد‬
‫بقولمس ‪ ،‬ودليله الوقوع ‪ ،‬فمسن ذلك قوله تعال ‪ ] :‬الزّاِنَيةُ وَالزّانِسي فَاجِْلدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد‬
‫ِمنْهُمَا مِاَئةَ جَ ْل َدةٍ [ فهذا عام ف الحرار والرقاء ل كن خص م نه الع بد إذا ز ن فإ نه يلد‬
‫خ سي جلدة ‪ ،‬وهذا التخ صيص و قع عل يه الجاع ‪ ،‬وم ستند هذا الجاع قياس الع بد‬
‫على المة ف تنصيف الد بامع الرق ‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا ‪ :‬قوله تعال ‪َ ] :‬أ ْو مَا َمَلكَتْ َأيْمَاُنهُمْ [ فإنه نص ف أن ما ملكت‬
‫يينسك مسن الماء فإناس حلل لك أن تسستمتع باس ‪ ،‬لكسن وقسع الجاع على أنسه ل يوز‬
‫ال ستمتاع بأخ تك من الرضاع إذا كا نت ملكا لك ‪ ،‬وهذا بالجاع و هو م صص لقوله‬
‫ُمس [ وهذا الجاع له مسستند وهسو قوله تعال فس ذكسر‬
‫َتس َأيْمَاُنك ْ‬
‫تعال ‪َ ] :‬أ ْو م َا مََلك ْ‬

‫‪182‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫الحرمات ‪َ ] :‬وأَ َخوَاتُكُ ْم مِ نْ الرّضَا َعةِ [ و قد يقال إن الخ صص إن ا هو م ستند الجاع‬


‫وهو القرآن ل أنه الجاع ‪ ،‬وهو قول حسن ل مانع منه ‪.‬‬
‫ت ثُمّ لَ ْم َيأْتُوا ِبأَ ْرَب َعةِ ُشهَدَاءَ‬ ‫وم نه أيضا ‪ :‬قوله تعال ‪ ] :‬وَالّذِي نَ َي ْرمُو نَ الْ ُمحْ َ‬
‫صنَا ِ‬
‫فَا ْجلِدُوهُ ْم ثَمَانِيَ َجلْ َدةً [ هو عام ف الحرار والرقاء ‪ ،‬ل كن خرج الرق يق بالجاع ‪،‬‬
‫فقد أجعوا على أن الرقيق القاذف يلد أربعي ‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا ‪ :‬قوله تعال ‪ ] :‬يأيها الذين آمنوا ِإذَا نُودِي لِلصّل ِة مِ ْن َي ْومِ الْ ُ‬
‫ج ُم َعةِ‬
‫فَا ْس َعوْا إِلَى ذِكْرِ اللّ هِ [ ف هو عام للجم يع الذكور والناث والحرار والرقاء ‪ ،‬ل كن أج ع‬
‫العلماء على عدم وجوب المعسة على الرأة ‪ ،‬وقسد دل عليسه أيضا دليسل طارق الذكور‬
‫سابقا ‪.‬‬
‫ومن أمثلته أيضا ‪ :‬حديث (( إن الاء طهور ل ينجسه شيء )) فهو عام ف جيع‬
‫الياه ‪ ،‬لكن أجع العلماء على أن الاء إذا تغي بالنجاسة أنه نس سواءً كان قليلً أو كثيا‬
‫‪ ،‬فالجاع أخرج الاء التغ ي بالنجا سة ‪ ،‬و قد ورد ف حد يث أ ب أما مة ‪ " :‬إل ما غلب‬
‫على ريه وطعمه ولونه " لكنها زيادة ضعيفة لكن انعقد الجاع عليها ‪.‬‬
‫لكن كما ذكرت أن الخصص إنا هو دليل الجاع ل الجاع وحده ‪ ،‬ذلك لن‬
‫الجاع ل بد أن يكون له م ستند علمناه أم ل نعل مه فهذا ال ستند هو الخ صص ‪ ،‬فيكون‬
‫الجاع مؤيد للتخصيص بالستند ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫و من الخ صصات أيضا ‪ :‬مفهوم الخال فة ‪ ،‬و هو مذ هب جهور أ هل العلم و هو‬
‫الصواب ‪.‬‬
‫و من أمثلة ذلك ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬ف أربع ي شا ٍة شاةٌ )) فهذا عام ف الشياه ال سائمة‬
‫والعلوفة ‪ ،‬لكن خرجت العلوفة بقوله ‪(( r‬ف سائمة الغنم زكاة)) وقوله ((وف الغنم ف‬
‫سائمتها)) فيف هم من و صف ال سائمة إخراج العلو فة ‪ ،‬لن العلو فة تالف ال سائمة فهذا‬
‫تصيص بفهوم الخالفة ‪ ،‬أي أننا فهمنا بعقولنا من تقييده بالسائمة إخراج ما خالفها فهو‬
‫مفهوم مالفة ‪.‬‬
‫و من ذلك أيضا ‪ :‬قوله ‪ (( r‬إن الاء طهور ل ينج سه ش يء )) ف هو عام ف القل يل‬
‫والكث ي ل كن خص م نه الاء إذا وق عت ف يه نا سة وكان أ قل من قلت ي بفهوم قوله ‪ r‬ف‬

‫‪183‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫حديث ابن عمر " إذا كان الاء قلتي ل يمل البث " فيفهم أنه إذا بلغ قلتي حل البث‬
‫‪ ،‬فهذا الفهوم خصصنا به عموم قوله ((إن الاء طهور ل ينجسه شيء)) وقد تكلمنا على‬
‫هذه السألة ف مكانٍ آخر ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومـن الخصـصات أيضا ‪ :‬القياس الصسحيح ‪ ،‬وبسه قال جهور أهسل العلم وهسو‬
‫ال صواب ‪ ،‬ل كن يشترط أن يكون قيا سا صحيحا ‪ ،‬وي ثل له بقوله تعال ]الزّاِنَيةُ وَالزّانِي‬
‫فَا ْجلِدُوا كُلّ وَا ِح ٍد ِمنْهُم َا مِاَئةَ جَ ْل َدةٍ[ فكلمسة ]الزانس[ عام فس الذكور أحرارا كانوا أو‬
‫عبيدا ‪ ،‬لكن خرج العبيد من العموم بالقياس على المة الزانية ‪ ،‬فإن القرآن نص على أن‬
‫عليها ن صف ما على الرة من العذاب ‪ ،‬فقاسوا العبد عليها وهو قياس صحيح والامع‬
‫بينهما الرق ‪ ،‬فالقياس هو الخصص لذا العموم ‪.‬‬
‫و من المثلة أيضا ‪ :‬قوله تعال ‪َ ] :‬ومَ نْ َدخَلَ هُ كَا نَ آمِنا [ فهذا نص عام ف كل‬
‫من د خل حدود الرم أ نه آ من ولو كان قد أحدث حدثا ث ل أ إل الرم ‪ ،‬فإن ال ية‬
‫بعموم ها تق ضي أ نه ل يقام عل يه ال د ح ت يرج ل كن القياس أخرج هذا ‪ ،‬أي أن من‬
‫ف أو سرق ٍة أو غيها ث لذ بالرم أنه يقام عليه الد ولو كان‬‫أحدث حدثا من قتلٍ أو قذ ٍ‬
‫ف الرم ‪ ،‬وقاسوا هذا على من أحدث حدثا وهو ف الرم فإنه يقام عليه الد ف الرم‪.‬‬
‫فإن العلماء قالوا ‪ :‬من ج ن جنا ية ف دا خل الرم فإ نه يقام عل يه ال د ف الرم ‪،‬‬
‫ويقاس عليه من جن جناية خارج الرم ث دخل الرم بامع وجود الناية منهما ‪ ،‬وهذا‬
‫هو ال صحيح و هو مذ هب المهور ‪ ،‬ولن سد الذرائع مطلوب ف قد يؤدي القول بعدم‬
‫إقا مة ال د ف الرم إل اتاذه ذريعة للجناية ث دخول الرم فتضيع حقوق الناس ‪ ،‬ولن‬
‫هذا الا ن ظال معتدٍ والظال والعتدي ل حر مة له ‪ ،‬ولن إقا مة ال د على هذا الا ن ف‬
‫الرم هو من باب الخذ بالق وإقامة العدل وهذا مأمور به شرعا ‪.‬‬
‫فالقياس ال صحيح يقضي أن من ج ن خارج الرم ث لذ بالرم أ نه يقاد منه قياسا‬
‫على القادة من جن داخل الرم ‪ ،‬فإن قلت ‪ :‬لقد قدمت سابقا ف القاعدة الامسة عشر‬
‫أن القياس إذا خالف النص فهو فاسد العتبار أي أنه مردود ‪ ،‬فكيف تقول هنا إن القياس‬
‫يصص النص ‪ ،‬فقياسك العبد على المة ف تنصيف الد أليس يعارض عموم الية ؟ فإن‬
‫الع بد يد خل في ها والقياس ير جه ‪ ،‬فلماذا عملت بالقياس ه نا وأبطل ته هناك وهذا الذي‬

‫‪184‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫جن خارج الرم ث لذ بالرم أليس يدخل ف عموم قوله تعال ] َومَ نْ دَخَلَ هُ كَا نَ آ ِمنًا[‬
‫والقياس ير جه ‪ ،‬فعملت بالقياس ‪ ،‬ف ما الفرق ب ي القياس ه نا والقياس هناك ح ت تعمله‬
‫هنا تبطله هناك ؟‬
‫قلت ‪ :‬هذا وال سؤال ج يد يتاج إل جواب مرر ول أر ف ك تب ال صول من‬
‫ذكر الشكال أصلً فضلً عن ذكر الواب عليه ‪ ،‬وإن أجيب عليه مستعينا بال الصمد‬
‫الي القيوم ‪ ،‬مفتقرا إليه أن يوفقن لداه وأن يلهمن الق والصواب فأقول ‪:‬‬
‫إن القياس الاص إذا أخرج ب عض أفراد ال نص العام ل يكون ذلك من التعارض ف‬
‫شيء ‪ ،‬بل نص العام بالاص فيخرج هذا الفرد الذي أخرجه القياس وتبقى سائر الفراد‬
‫يع مل ب ا ف عموم ها ‪ ،‬فال نص العام معمول به ب عد إخراج هذا الفرد ‪ ،‬فالع مل بالقياس‬
‫ل يبطل العمل بالنص أصلً وإنا أخرج فردا من أفراده فقط وهذا هو الراد بقولنا ‪ :‬من‬
‫الخصصات القياس ‪.‬‬
‫أ ما القياس الفا سد العتبار ف هو القياس الاص إذا عارض ن صا خا صا بع ن أن نا إن‬
‫عملنا بالقياس تركنا الع مل بالنص ‪ ،‬وإن عملنا بالنص تركنا الع مل بالقياس فهنا ح صل‬
‫التعارض ب ي القياس وب ي ال نص ‪ ،‬فيكون القياس فا سد العتبار ‪ .‬ولو رج عت إل المثلة‬
‫الت ذكرناها ف القاعدة الامسة عشر لوجدت أن جيع القيسة الذكورة فيها عارضت‬
‫نصوصا خاصة ل نصوصا عامة ‪.‬‬
‫وخل صة الواب ‪ :‬أن القياس الاص هو الذي ي ص به عموم ال نص ‪ ،‬أ ما ال نص‬
‫الاص فهذا ل يدل على أفرا ٍد كثية حت يتطرق إليه التخصيص ‪ ،‬بل هو يدل على شيءٍ‬
‫وا حد إذا جاء القياس معارضا له ف دلل ته تعار ضا فل بد من إبطال أحده ا ‪ ،‬وال نص‬
‫الشرعي ل يوز إبطاله فلم يبق إل القياس فيكون فاسد العتبار ‪ .‬وهذا هو ترير الواب‬
‫والمد ل على الفهم والتوفيق وهو أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬أليسس النفيسة رحهسم ال تعال قالوا ‪ :‬إن الرتدة ل تقتسل وأخرجوهسا‬
‫بالقياس من عموم (( من بدل دي نه فاقتلوه )) وهذا النص ب عد إخراج الرتدة منه بالقياس‬
‫ل يبطل بل يعمل به ف غي الرتدة ‪ ،‬فقياسهم هذا ل يبطل النص وإنا أخرج بعض أفراده‬

‫‪185‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فقط وبقي معمولً به ف الباقي وقد جعلته قياسا فاسد العتبار لنه ف مقابلة النص ‪،‬‬
‫فكيف نمع بي هذا وبي كلمك قبل قليل ؟‬
‫قلت ‪ :‬وهذا أيضا سؤال جيد يتاج إل جواب مرر ‪ ،‬والواب عليه من وجهي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ل نسلم أن هذا القياس ل يالف نصا خاصا بل قياسهم هذا عارض نصا‬
‫خا صا و هو ما رواه جابر ‪ t‬أن أم مروان ارتدت فأ مر ال نب ‪ r‬بأن يعرض علي ها ال سلم‬
‫فإن ثابت وإل قتلت )) أخرجه الدارقطن والبيهقي ‪ ،‬وضعفه الافظ ‪ ،‬وأخرجه البيهقي‬
‫من وج هٍ آ خر ضع يف أيضا عن عائ شة (( أن امرأة ارتدت يوم أ حد فأ مر ال نب ‪ r‬أن‬
‫تسستتاب فإن تابست وإل قتلت )) وأخرج الدارقطنس والبيهقسي أن أبسا بكرٍ اسستتاب امرأة‬
‫يقال لا أم قرفة كفرت بعد إسلمها فلم تتب فقتلها ‪ ،‬فهذه الدلة – إن سلمنا الحتجاج‬
‫با – تدل بصوصها على قتل الرتدة ‪ ،‬فقياس النفية عارض نصا خاصا ‪.‬‬
‫وإن ل ي سلم هذا فالو جه الثا ن ‪ :‬أن القياس الذي ي ص به العموم ل بد أن يكون‬
‫قياسا صحيحا مستوفيا لميع أركانه ‪ ،‬وقياسهم هذا قياس باطل لنه مع الفارق والقياس‬
‫مع الفارق با طل ‪ ،‬فإن م قا سوا الرتدة على الكافرة ال صلية وهذا قياس مع الفارق فإن‬
‫الكافرة الصلية ل تب على السلم ‪ ،‬تقر ف بلدنا على كفرها ‪ ،‬وأما الرتدة فإنا تب‬
‫قهرا على السلم عندنا بالقتل وعندهم بالبس واللد ‪ ،‬وقياسهم هذا يوجد أيضا قياس‬
‫الر تد على الكا فر ال صلي لن الكا فر ال صلي ل يق تل عند نا وعند هم فكذلك الر تد ‪،‬‬
‫فالتفريق بي الرتد والرتدة ف هذا قياس ل وجه له ‪ ،‬فالقياس إذا فاسد لوجود الفارق بي‬
‫ال صل والفرع ‪ ،‬فال صل هو الكافرة ال صلية والفرع هو الرتدة ‪ ،‬و من شروط صحة‬
‫القياس وجود التفاق ف العلة بي الفرع والصل ‪ ،‬ول علة تمع بينهما هنا وال أعلم‪.‬‬
‫وعلى كل حالٍ فالقول ال صحيح هو أن القياس ال صحيح ي صلح أن ي صص ال نص‬
‫العام كما هو مذهب المهور وال أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫ومن أمثلة التخصيص بالقياس أيضا ‪ :‬قوله ‪ r‬ف حجة الوداع (( بثل هذه فارموا‬
‫)) ور مى ر سول ال ‪ r‬وقال (( خذوا ع ن منا سككم )) فهذه الن صوص عا مة ف الر مي‬
‫للرجال والن ساء وال صغار والكبار من الجاج ‪ ،‬ل كن ال نص أخرج ال صغار فيجوز الر مي‬
‫عنهم ‪ ،‬وقسنا عليهم النساء والرضى إذا عجزوا عن الرمي ف الليل كما هو الال الن ي‬

‫‪186‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫هذه الزمنسة فإن فيهسا مسن الزحام مسا يصسل إل درجسة اللك ‪ ،‬حتس إن فحول الرجال‬
‫القوياء يضعفون عنه فما بالك بالنساء والضعفة ‪ ،‬و قد رخصت الشريعة لم الرمي ليلً‬
‫ل كن الن ح ت الر مي بالل يل ف يه زحام شد يد جدا ‪ ،‬فالر يض الذي ل ي ستطيع الزاح ة‬
‫والرأة الا مل والعجوز ال كبية ونو هم يوز ل م التوك يل ف الر مي قيا سا على ال صبيان‬
‫با مع الع جز ف كلٍ ‪ ،‬فهذا القياس أخرج هؤلء من ال نص العام فهذا ت صيص بالقياس‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫فهذه جلة الخ صصات ال ت تر جح بالدل يل أن ا م صصة وب قي ماعدا ها ف يه نقاش‬
‫واسع مله كتب الصول الطولة ‪ ،‬والقصود من ذكر الخصصات أن يعرف طالب العلم‬
‫ما الذي يصلح به التخصيص وما ل يصلح به ذلك ‪ ،‬فليس لحدٍ أن يتحكم ف النصوص‬
‫ص ول تقييدٍ إل وعلى ذلك دليل صحيح صريح ‪.‬‬ ‫بتخصي ٍ‬
‫وإليك الن بعض الفروع الفقهية الهمة الندرجة تت هذه القاعدة ‪ ،‬وقد ذكرنا‬
‫طرفا كبيا منها ف الخصصات لكن نزيدها هنا ليزداد الوضوح فأقول ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬اختلف العلماء ف اشتراط النية للوضوء والغسل ‪ ،‬فقال المهور ‪ :‬هي شرط‬
‫ل تصح الطهارة إل با ‪ ،‬وقال النفية ‪ :‬بل هي سنة وليست بشرط ‪ ،‬واستدل المهور‬
‫لذهبهم بقوله ‪ (( : r‬إنا العمال بالنيات )) والطهارة عمل فهي معلقة بالنية ‪ ،‬وهذا عام‬
‫ف كل عم ٍل والعام يب إجراؤه على عمومه ول يص بدليل ‪ ،‬وقال النفية ‪ :‬هي وسيلة‬
‫لل صلة والو سائل ل تفت قر إل ن ية ‪ ،‬ل كن ال صواب مع المهور ول شك ‪ ،‬لن الدل يل‬
‫عام ‪ ،‬و من جلة العمال الطهارة ف هي داخلة ت ت عمو مه ول يأت ما يو جب إخراج ها‬
‫منه فتبقى على هذا العموم ‪ ،‬لن البقاء على العموم هو الصل ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختلف العلماء ف وجوب الطهارة لصلة النازة ‪ ،‬فذهب جاهي السلف‬
‫واللف على القول باشتراطها لصحة صلة النازة ‪ ،‬وقال الشعب ‪ :‬ل تشترط لنا دعاء‬
‫ليس فيها ركوع ول سجود ‪ ،‬فل تمل مسمى الصلة الشرعية الت تب لا الطهارة ‪،‬‬
‫وا ستدل ال سلف بد يث (ل يق بل ال صلة أحد كم إذا أحدث ح ت يتو ضأ) و هو نص‬
‫صحيح صريح عام ‪ ،‬فإن النكرة الضا فة إل معر فة ت عم فيد خل ف ذلك كل ما ي سمى‬
‫صلة فإ نه ل يق بل إل بالطهارة ‪ ،‬و صلة النازة ت سمى شرعا وعرفا ول غة ‪ ،‬أ ما شرعا‬

‫‪187‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فلحديسث ‪( :‬صسلوا على صساحبكم) وقال الراوي ‪(( :‬صسلى النسب على النجاشسي)) وفس‬
‫الديث فقال ‪(( :‬دلون على قبها فدلوه فصلى عليها)) فسماها النب ‪ r‬صلة ‪ ،‬فإذا ثبت‬
‫أنا صلة فإنا تدخل تت هذا العموم ول ترج إل بدليل ول دليل يرجها ‪ ،‬فالواجب‬
‫إذا هو البقاء على العام حت يرد الخصص ‪ ،‬فالصواب إذا ول شك هو قول جهور المة‬
‫‪ ،‬وال أعلم‬
‫ومنهـا ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬تداووا عباد ال ول تتداووا برام )) فقوله (برام) نكرة فس‬
‫سياق النهي ‪ ،‬والنكرة ف سياق النهي تعم ‪ ،‬فيدخل ف ذلك جيع الحرمات الشرعية ‪،‬‬
‫فإ نه ل يوز جعل ها علجا يتداوى به و من جوز التداوي برام مع ي فعل يه الدل يل ‪ ،‬لن‬
‫ال صل هو البقاء على العام ح ت يرد الخ صص ‪ ،‬و به تعلم أن التداوي بال مر مرم ‪ ،‬مع‬
‫ورود النسص الاص باس بعينهسا ‪ ،‬وكذلك التداوي بشحسم النيسر أيضا مرم كذلك ‪،‬‬
‫وكذلك بالعقاقي الخدرة ‪ ،‬ومن أجاز ذلك فعليه الدليل لن الصل هو البقاء على العموم‬
‫حت يرد الدليل الخصص ‪ ،‬وإذ ل دليل هنا فنبقى على العموم ‪ ،‬هذا هو الواجب ‪.‬‬
‫ومنهـا ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬مسن بدل دينسه فاقتلوه )) هسو نسص عام فس الرتديسن ذكورا‬
‫وإناثا ‪ ،‬وأخرج النفيسة الرأة الرتدة ‪ ،‬والصسواب عدم إخراجهسا لعدم الدليسل الصسحيح‬
‫الصريح ف تصيصها ‪ ،‬وليس مع النفية إل مرد الوهام والقيسة الضاربة للنصوص ‪،‬‬
‫وإذ ل دليل يصها من إفراد العام فالواجب هو البقاء على العام وهذا هو الصحيح أعن ‪:‬‬
‫مذهب المهور ‪ ،‬وقد تقدم طرف من أدلة هذه السألة قبل قليل ‪ ،‬وال تعال أعلى وأعلم‬
‫ومنها ‪ :‬قال ‪ (( : r‬أيا امرأة نكحت نفسها بغي إذن وليها فنكاحها باطل )) وقال‬
‫عليسه الصسلة والسسلم ‪(( :‬ل نكاح إل بول)) وقال ‪(( :‬ول تزوج الرأة نفسسها)) فهذه‬
‫الن صوص عا مة ف كل الن ساء ف الرائر والماء ‪ ،‬ل كن أخرج النف ية الرة فأجازوا ل ا‬
‫تزويسج نفسسها بغيس ول وهذا تصسيص للعام بل دليسل وليسس معهسم إل مضس القياس‬
‫الفا سد ‪ ،‬والعام ي ب إبقاؤه على عمو مه ول ي ص إل بدل يل صحيح صريح ‪ ،‬والرا جح‬
‫بل شك قول المهور عملً بعموم هذه الدلة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬قوله ‪ (( : r‬إذا د بغ الهاب ف قد ط هر )) وقال ‪ (( :‬أي ا إهاب د بغ ف قد‬
‫طهر )) فهذا نص عام ف جيع اللود من غي فرق بي مأكو ٍل وغي مأكول ‪ ،‬فمن أخرج‬

‫‪188‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫جلدا من اللود من هذا العموم فعل يه الدل يل ‪ ،‬لن العام ي ب إجراؤه على عمو مه ح ت‬
‫يرد الخصص ‪ ،‬فالقول الراجح ف هذه السألة هو القول بطهارة جيع اللود الطاهرة ف‬
‫فرقس بيس مأكو ٍل وغيس مأكول ‪ ،‬وأمسا اللود النجسسة فس الياة فإناس‬
‫الياة ‪ ،‬مسن غيس ٍ‬
‫ل تط هر بال لن نا ستها عين ية ‪ ،‬والدباغ و سيلة للتطه ي ف هو يع يد اللد إل حال ته ف‬
‫الياة والنجاسة العينية ل تطهر بال ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬اختلف العلماء رح هم ال تعال ف ح كم حيوانات الب حر ‪ ،‬فقال النف ية‪:‬‬
‫يرم أكسل مسا سسوى السسمك ‪ ،‬وقال المام أحدس ‪ :‬يؤكسل مسا فس البحسر إل الضفدع‬
‫والتمساح ‪ ،‬وقال ابن أب ليلى ومالك ‪ :‬يباح كل ما ف البحر ‪ ،‬وذهب جاعة إل أن ماله‬
‫نظي من الب يؤكل نظيه من حيوان البحر مثل ‪ :‬بقر الاء ونوه ‪ ،‬ول يؤكل ما ل يؤكل‬
‫نظيه ف الب مثل ‪ :‬كلب الاء وخنير الاء ‪.‬‬
‫والرا جح ‪ :‬هو حل ج يع ميتات الب حر ال ت ل تع يش إل ف يه على متلف أشكال ا‬
‫ع ونوع ‪ ،‬والدل يل على ذلك قوله ‪ r‬ف الب حر ‪:‬‬ ‫وتبا ين أنواع ها من غ ي تف صيل ب ي نو ٍ‬
‫ح ِر َو َطعَامُ هُ مَتَاعا‬
‫صيْ ُد الْبَ ْ‬
‫(( هو الطهور ماؤه ‪ ،‬الل ميتته )) ‪ ،‬وقال تعال ‪ ] :‬أُ ِحلّ َلكُ مْ َ‬
‫سّا َرةِ [ فهذه النصسوص عامسة يدخسل تتهسا جيسع أنواع ميتات البحسر وطعامسه‬ ‫َلكُم ْس وَلِلسّي‬
‫و صيده ‪ ،‬ف من أخرج شيئا من ها فعل يه الدل يل ‪ ،‬لن العام ي ب إجراؤه على عمو مه ح ت‬
‫يرد الخصص ‪ .‬وأما الهواء وأقوال الذاهب فدعك منها فإنا ل تؤثر ف عموم الكتاب‬
‫وال سنة ‪ .‬وإليك هذان الضابطان ف هذا الوضوع وه ا قولنا ‪ :‬ال صل ف اليوانات برية‬
‫كا نت أو بر ية ال ل والبا حة إل بدل يل ‪ ،‬ف من ح كم على شيءٍ من ها بالتحر ي فعل يه‬
‫الدليل ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختلف أهل العلم ف تية السجد الرام ‪ ،‬هل هي ركعتان كسائر الساجد‬
‫أو هسي الطواف على أقوال ‪ ،‬والصسواب عندي وال أعلم أنسه كسسائر السساجد فتحيتسه‬
‫ركعتان لعموم قوله ‪ (( : r‬إذا د خل أحد كم ال سجد فل يلس ح ت ي صلي ركعت ي ))‬
‫فيدخل تت هذا العموم جيع الساجد ومنها السجد الرام ‪ ،‬وأما قولم ‪ " :‬تية البيت‬
‫الطواف " فهذا ليس بديث ول سند له ‪ ،‬بل هو من قول الفقهاء ويقصدون به من يريد‬
‫الطواف ل اللوس فأول ش يء يبدأ به الطواف ‪ ،‬ل أ نه ت ية ل كل دا خل ‪ ،‬فهذا ل دل يل‬

‫‪189‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫عليه ‪ ،‬بل عموم الديث السابق يقضي أن تية السجد الرام هي تية سائر الساجد ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ (( r‬أفضل صلة الرء ف بيته إل الكتوبة )) فقوله " صلة الرء " عام‬
‫لن الفرد الضاف يعم فهو نص عام يقضي أن كل صلة يصليها الرء فالفضل له فعلها‬
‫ف بيته إل الكتوبة ‪ ،‬وهذا حت ف السجد الرام والسجد النبوي ‪ ،‬والسجد القصى ‪،‬‬
‫فالفضل للنسان ف الصلة مطلقا ف غي الكتوبة فعلها ف بيته ‪ ،‬فيدخل ف ذلك النوافل‬
‫الؤكدة القبل ية والبعد ية والو تر وقيام الل يل والنذورة ونو ها ‪ ،‬كل ذلك فعله ف الب يت‬
‫أف ضل ح ت مع شرف البق عة كال سجد الرام وغيه ‪ ،‬ف من أخرج شيئا من ذلك فعل يه‬
‫الدليل وال أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعال ] َوأَحَلّ اللّ هُ الَْبيْ عَ [ هو نص عام ‪ ،‬لن البيع دخلت عليه اللف‬
‫واللم الفيدة لل ستغراق ‪ ،‬ف كل ما ي سمى بيعا ف هو حلل ‪ ،‬ف من أخرج نوعا من أنواع‬
‫البيع من هذا العموم فعليه الدليل ‪ ،‬وبه تعلم خطأ بعض الفقهاء ف تري بعض العاملت‬
‫بل دل يل ‪ ،‬وهذا ل يوز ‪ ،‬لن ال صل هو بقاء العموم على عمو مه ول ي ص إل بدل يل‬
‫صحيح وال أعلم ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬اختلف العلماء ف الذي يقوله ال ستمع إذا قال الؤذن ف ال صبح " ال صلة‬
‫خ ي من النوم " على قول ي ‪ ،‬فمن هم من قال يقول " صدقت وبررت " ومن هم من قال‬
‫يقول مثل ما يقول الؤذن ‪ ،‬وهذا هو الصحيح ‪ ،‬وذلك لعموم قوله ‪ (( r‬إذا سعتم الؤذن‬
‫فقولوا مثل ما يقول )) فقوله (ما) هي بعن (الذي) وهي صيغة من صيغ العموم فتشمل‬
‫ج يع الذي يقوله الؤذن إل ما ورد الدل يل بل فه ‪ ،‬ول يرد الدل يل إل ف اليعلت ي أ نه‬
‫يقول فيهما ( ل حول ول قوة إل بال ) لديث عمر عند مسلم ‪.‬‬
‫وأما صدقت وبررت فلم تثبت من طر يق صحيح ‪ ،‬والعام يب قى على عمومه ح ت‬
‫يرد الخصص وال أعلم ‪.‬‬
‫وصلى ال على نبينا ممد ‪ ،‬وأستغفر ال من الزلل والطأ ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫فهـرس الوضـوعــات‬

‫الصفحـة‬ ‫الوضـوع‬
‫القدمـة‪1 .....................................................................‬‬
‫القاعـدة الولـى‬
‫خب الحاد الصحيح حجة مطلقا‪7 ..............................................‬‬
‫القاعـدة الثانيـة‬
‫خب الحاد معتمد فيما تعم به البلوى‪15.......................................‬‬
‫القاعـدة الثالثـة‬
‫المر الجرد عن القرائن يفيد الوجوب‪22 ......................................‬‬
‫القاعـدة الرابعـة‬
‫المر بعد الظر يفيد ما كان يفيده قبل الظر‪32................................‬‬
‫القاعـدة الامسـة‬
‫المر التجرد عن القرائن يفيد الفور ل التكرار‪34 ..............................‬‬
‫القاعـدة السـادسـة‬
‫المر العلق على شرطٍ أو صفة ها علته يتكرر بتكررها‪50 .....................‬‬
‫القاعـدة السابعـة‬
‫الزيادة على النص ليست نسخا‪54 .............................................‬‬
‫القاعـدة الثامنـة‬
‫ل تكليف على الكلف إل بالعلم والقدرة والختيار‪62 ..........................‬‬
‫القاعـدة التاسـعة‬
‫العبة فيما رواه الراوي ل فيما رآه عند التعارض‪74 ............................‬‬
‫القاعـدة العاشـرة‬
‫أفعال الشارع للندب ما ل تقترن بقو ٍل فتفيد ما أفاد القول‪86 ...................‬‬

‫‪191‬‬
‫تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد‬

‫القاعـدة الاديـة عشـرة‬


‫يبن الطلق على القيد عند التفاق ف الكم‪97.................................‬‬
‫القاعـدة الثانيـة عشـرة‬
‫القرآن اسم للنظم والعن معـا‪114 .............................................‬‬
‫القاعـدة الثالثـة عشـرة‬
‫تأخي البيـان عن وقـت الاجـة ل يـوز‪118 ...............................‬‬
‫القاعـدة الرابعـة عشـر‬
‫العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب‪126 ......................................‬‬
‫القاعدة الامسـة عشـرة‬
‫القياس ف مقابلة النص باطـل‪139 ..............................................‬‬
‫القاعـدة السادسـة عشـرة‬
‫الزيادة من الثقة مقبولة إذا ل يالف الثقات‪149 ..................................‬‬
‫القاعـدة السـابعـة عشـر‬
‫القراءة الشاذة حجـة إذا صح سـندها‪166 ....................................‬‬
‫القاعـدة الثامنـة عشـر‬
‫شرعية الصل ل تستلزم شرعية الوصف‪171 ....................................‬‬
‫القاعدة التاسعة عشر‬
‫يب إجراء العام على عمومه ول يص إل بدليل‪176 .............................‬‬
‫الفهرس‪189 .....................................................................‬‬

‫‪192‬‬

You might also like