Professional Documents
Culture Documents
تحرير
القواعـد
ومجمع
الفرائـد
تأليف
وليد بن راشد السعيدان
1
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
2
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
إن المسد ل نمده ونسستعينه ونسستغفره ،ونعوذ بال مسن شرور أنفسسنا وسسيئات
أعمالنسا ،مسن يهده ال فل مضسل له ،ومسن يضلل فل هادي له ،وأشهسد أل إله إل ال
وحده ل شريسك له ،وأشهسد أن ممدا عبده ورسسوله صسلى ال عليسه وعلى آله وسسلم
تسليما كثيا ..ث أما بعسد :
فل ي فى على النا ظر ف أ صول الف قه أه ية هذا العلم وعظم ته وعلو من سزلته ب ي
الفنون ،ف هو القدح العلى والث مر الدل ،ويكف يه فضلً وشرفا أ نه أ ساس الف قه وقاعد ته
التينة ،فلول الصول لا وجد الفقه ،إذ الفقه هو هذه الحكام الشرعية العملية الستفادة
من الدلة التفصيلية وطريق استنباطها من أولا مستفاد من أصول الفقه .
إذا هذه الحكام الشرعية هي ثرة أصول الفقه .ومن شرفه أيضا أنه يستمد مادته
من سائر الفنون فهو يستمد من الكتاب والسنة والنحو والنطق وغيها ،فهو إذا عبارة
عن جلةٍ من الفنون متلفة الشارب .ومن شرفه أنه القاعدة الساسية لستنباط الحكام
الشرعية من الدلة ،و من شر فه أن به ت فظ الشري عة إذ جُلّ مباح ثه إن ا هي ف م صادر
الشريعة الت هي الكتاب والسنة وما تفرع عنهما من الجاع والقياس ،فله الظ الكب
ف حفظ هذه الشريعة الباركة فهو يفظ لا أصولا وينافح عنها ويتعمق ف البحث ف
أحكام ها وم سائلها فيب حث ف حجيت ها و ف دللت ألفاظ ها النطو قة والفهو مة ،و ف
أوامر ها ونواهي ها وخا صها وعام ها والع مل ع ند ادعاء التعارض في ها إل غ ي ذلك من
السائل الت يعرفها من نظر ف مباحث أصول الفقه ،فلله دَرّ هذا الفن ما أعظمه وما أشد
الا جة إل يه ،فل ما رأى العلماء من ال سلف واللف هذه اله ية العظ مى لذا ال فن أقبلوا
على مباح ثه فدونو ها وإل م سائله وقواعده فضبطو ها ،فألفوا ف ذلك الؤلفات الناف عة
الفيدة العظيمسة مسا بيس مطول ومتصسر ،وناظسم وشارح فتركوا لنسا أيادي مشكورة ،
وجهودا مباركة من أسفارٍ ف هذا الفن يعجز القلم عن حصرها والكلم عليها .
3
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ولكن – ومع أهية هذا العلم – إل أننا نرى من بعض الطلبة زهدا فيه عجيبا فيه ،
فل ترا هم ير صون عل يه با ستفهام ول سؤال بل بعض هم يتضا يق من مرد ذ كر ا سه ،
وبعض هم اعت قد العتقاد الازم الذي ل مناق شة ف يه أن هذا العلم ي صف م صاف العلوم
الصسعبة العقدة الثقيلة الملة ،وإذا سسألتهم عسن سسبب ذلك أجابوك بأجوبسة وقالوا :إن
صعوبة هذا العلم ترجع لعدة أمور :
أحدهـا :أننسا ندس فيسه ألفاظا صسعبة مغلقسة ل نسستطيع حَلّهسا ول نفقسه معناهسا
وخصوصا ف مصنفات من اشتهروا بعلم الكلم كالرازي ف " الحصول " والمدي ف "
الحكام " وغيه ا .الثا ن :أن مب ن أغلب م سائله إن ا ير جع إل أدلة عقل ية والن قل ف يه
قل يل ،فن جد ف قلوب نا من قراءة هذه الدلة العقل ية شيئا من الق سوة فضلً عن صعوبة
فهمها لنا مبنية على أقيسة منطقية معقدة تتاج ف فهمها إل سنوات .
الثالث :أن نا ن د ف ب عض البا حث وال سائل أن العلماء اختلفوا وأن ال صراعات
تدور بينهسم وفس آخسر السسألة يقولون :وهذا اللف لفظسي أو ل ثرة له فس اسستنباط
الحكام ،فضاعت الوقات والهود فيما ل ثرة من ورائه ول طائل تته .
الرابع :قلة ذكر الفروع الفقهية على كثي من القواعد فنجد ف بعض الصنفات
وخصوصا ما كان على طريقة المهور أنم يتكلمون على تقرير القاعدة وأدلتها ث
يكتفون بذلك ول يتممون ذلك بذكر شيء من فروعها ليتمرس الطالب على تطبيقها
على الدلة الشرعية لستنباط الحكام منها .
الامس :أن الذين اشتهروا بالتأليف فيه بعضهم ينتهج ف العقيدة منهجا مالفا
لنهج أهل السنة والماعة ،ولذلك ند ف بعض الباحث أنم يقررون أشياء تالف
النهج السليم فيخشى على الداخل فيه قبل معرفة الق أن يتشرب قلبه شيئا من هذه الشبه
فتكون سببا ف ضلله والعياذ بال تعال .
وبالملة فهو علم مفيد مهم لكنه مستصعب .
فقلت :إن من جهل شيئا عاداه ،فإن جيع هذه الجج كلها داحضة ،وإنا العلة
هي الهل وقله الفهم .
4
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فأما الجة الول فأقول فيها :إن لكل فن مقدمة يعرف فيها الطالب مصطلحات
هذا الفن وشيئا من جله ومسائله ،وعلم الصول كسائر الفنون يتاج قبل الدخول فيه
إل معرفة ذلك ،فهذه اللفاظ الت يدعي الحتج أنا ل تفهم قد فهمها غيه فهي إذا ً
تفهم لكن فهمه قصر عنها لنه ل يطلبها ف مظانا ،ول يرص على استشراحها عند من
يفهمها فحجته إذا داحضة ،وإنا العلة هي كسله وقصور فهمه وإيثار الراحة على الد
والبحث والتحقيق ،وهذا الكلم الذي قاله هذا الحتج ليس ف جيع كتب الصول وإنا
هو ف بعضها وإل فهناك من كتب الصول ما هو سلس العبارة ،سهل السلوب ،
واضح الفكار ،ومع ذلك ل ند هذا الحتج يذكره ،وإنا أعطانا حكما عاما على
كتب هذا الفن ،وهذا وال من جهله وزهده ف هذا الي العظيم .
وأما الثانية :فليست بصحيحة أبدا ،بل إن غالب مسائله مبنية على أدلة شرعية
من الكتاب أو السنة ويعرف ذلك من نظر ف كتبه ،وأيضا ذكر الدلة العقلية الوافقة
للدليل النقلي ل عيب فيه بل هو من زيادة الستدلل وزيادة اطمئنان القلب وليعلم الناظر
أن النقل متفق مع العقل كل التفاق ،بل النظر ف الدلة العقلية منهج شرعي فال أمرنا
بالتفكر والتدبر والعتبار ومقايسة المور بنظيها ،ولذلك ند أن بعض علماء العتقد
يستدلون على بعض السائل العقدية بالدلة العقلية وهذا ل ضي فيه فلماذا اتسع الصدر
هناك وضاق هنا وانشرح هناك وضاق هنا .لكن أيضا ينبغي للناظر ف هذه الدلة العقلية
أن يفهم الراد با بعرفة مقدماتا ،وقول الحتج إنه يد قسوة ف قلبه إذا نظر ف كتب
الصول ،فأعوذ بال من هذه الكلمة الت لا عواقب وخيمة ،فإن قسوة القلب إنا تكون
بالذنب أو كثرة الشتغال بالباحات من كلمٍ وأك ٍل وضحك ونوها أما أن يد النسان
قسوة ف قلبه إذا قرأ ف كتب فنٍ هو من أعظم فنون الشريعة ،فهذا وال العجب العجاب
كيف يد النسان قسوة إذا قرأ مباحث ف القرآن والسنة والجاع وما يتعلق با من
مسائل ،هذه وال كلمة جاهلٍ ل يدري ما هو أثرها الوخيم ف قلب من يسمعها إن
ل بذا العلم العظيم
كان جاه ً
ولقد قال بعضهم " :بينما أنا أقرأ ف كتابٍ من كتب الصول إذ أحسست ف قلب
ظلمة فتركته فأسفر قلب " -فل حول ول قوة إل بال -انظر كيف يصل الهل
5
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
بصاحبه ،بل وال الذي ل إله إل هو إن القراءة ف كتب الصول توجب طربا ولذة ف
القلب ؛ لن النسان يترقى بقراءة كتبه بي منازل فهم الدلة الشرعية حت يبلغ أعلها ،
فهذه الكلمة القبيحة ينبغي لصاحبها الستغفار منها .
وأما الجة الثالثة :فأقول فيها نعم إننا ند شيئا من ذلك لكن ما مقدار هذه
السائل بالنسبة للمسائل الت لا ثرة ،فإنك إذا نظرت لما وجدت أن السائل الت ل ثرة
لا ل تعادل شيئا فهل من النصاف أن نكم على علم الصول ببعضٍ يسي من مسائله ،
ث أضف إل هذا أن قولم ل ثرة له قد ل يمعون عليه ،وهذا هو الواقع وهو كثي فإنك
تد بعض الصنفي يقول :ل ثرة لذه السألة ،بينما يقول البعض بل لا ثرة وهي كيت
وكيت ،ولو سلمنا أنم أجعوا أن ل ثرة لا فإنم إنا ذكروها ليتدرب الطالب على
طريقة العرض والحاجة والناظرة وسرد الدلة وترتيبها وبيان وجه الستدلل با ،فهي
إذا ف حقيقتها لا ثرة ولبد .
ث اعلم أن السائل الت ل ثرة لا ليست ف أصول الفقه بل نن ند ف التوحيد
مباحث ل ثرة لا ،كقولم :هل رأى ممد ربه أو ل ؟ فبال عليك ما الثمرة العقدية
الستفادة من ذلك ،نعم لو أثبتناها لكان ف ذلك زيادة شرف النب rلكن أقصد الثمرة
العقدية الاصة بنا ،وإل فغالب السائل بل كل السائل الت يقال ل ثرة لا يد النسان
فيها بعد التحقيق والتدقيق أن لا ثرة .فالعاقل النصف ل يعل وجود مثل هذه السائل
قادحا ف أصول الفقه .
ث إنك لو نظرت ف كتب التفسي أيضا لوجدت ف كثي منها عرض اللف ف
مسائل ل فائدة من ورائها والطالة ف ذكرها كخلفهم ف لون كلب أصحاب الكهف
وما كان اسه ومن أي الشجر كانت عصى موسى وما اسم الغلم الذي قتله الضر ،
وما البعض الذي ضرب به الغلم ف قصة البقرة ،كل ذلك ل طائل من ورائه ول ثرة
تعود من معرفته فلماذا ل نرى هذا قادحا ف كتب التفسي ؟
بل ف كتب الفقه ند مسائل افتراضية وهي كثية ل تقع ،فنجد الفقهاء يبحثون
ف أحكامها ،وعلى كل حالٍ فإنه ل يلو غالب الفنون من وجود بعض السائل الت
6
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ل ثرة لا لكن بعد التدقيق والتحقيق ند أن لبعضها ثرة فالقيقة أن من جعل وجود
ذلك قادحا ف علم الصول فإنا أت من جهله وقلة فهمه .
وأما الجة الرابعة فل صحة لا بل الغالب خلفها وأقول إن كتب الصول يكمل
بعضها بعضا فبعض الصنفي إنا يهتم بتقرير القاعدة بأدلتها وهذا هو الطلوب فإذا
فهمت القاعدة فهما جليا فقد تقق مقصوده مع أن الغالب أنم يذكرون ولو على القل
فرعا أو فرعي تريا عليها وهذا هو الغالب ف تصنيف التكلمي ،وأما النفية فإنم
ملئوا كتب الصول بذكر الفروع ،ث اعلم أن تريج الفروع على الصول فن من فنون
أصول الفقه ،فهذا المر ل يوجب القدح ف علم الصول .
وأما الامسة فهي صحيحة لكن ليست ف كتب الصول كلها بل ف كثي منها
فقط فأقول :حاول أن تقرأ ف كتب من اشتهروا بالسنة كالرسالة وكتاب الفقيه والتفقه
وغيها من الكتب الأمونة وعليك بسؤال أهل العلم فيما يشكل عليك .
وفق ال الميع لا يبه ويرضاه ،والقصود أنن لا سعت ذلك ثارت ف نفسي
المية لذا الفن فأحببت أن أشارك ف تقريبه وتيسيه مستفيدا من هذه الجج متفاديا
الوقوع فيها حت ل يبقى لحتجٍ حجة ،وقد كنت جعت قواعد كثية من قواعد أصول
الفقه فأضفت عليها مثلها وهأنذا أشرع الن ف شرحها .وطريقت ف الشرح هي أولً :
أكتب نص القاعدة جازما به من غي تردد على القول الراجح عندي الذي ينصره الدليل
ف نظري ،وأحاول أن اختصر لفظها ما استطعت مع مراعاة ضوابطها الهمة الت ل تفهم
إل با .
ثانيا :أبدأ ف شرح ألفاظها إن كانت ألفاظها تتاج إل شرح .
ثالثا :انتقل لشرح معناها الجال .
رابعا :أبدأ ف ذكر الدلة النقلية والعقلية بعد ذلك إن وجدت وإل فأذكر الوجود
منها وأعرض الدلة العقلية بأيسر عبارةٍ أجدها .
خامسا :أذكر شيئا من اللف أحيانا ف بعض السائل الهمة جدا ول أطيل فيه
وإنا أشي لصاحبه ودليله مع الواب عليه .
7
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
سادسا :أشرع بعد ذلك ف ذكر فروعها فأذكر ما تيسر ل وخطر ف ذهن وال
الوفق .
وأسيت هذه الوريقات ( ترير القواعد وممع الفرائد ) وإن أعترف أن الفضل ف
هذا ل وحده ث للمتقدمي من الصوليي وبعض العاصرين ،وإنا مهمت فيه المع
والتأليف بي ما ذكروه فلهم الفضل بعد ال تعال وال أسأل أن ينفع به ويتمه وينسزل
فيه البكة تلو البكة وأن يشرح له الصدور ويفتح له الفهام ويعله نباسا يستضيء به
الريد لذا الفن وأن يكون عملً صالا ينفعن ف قبي إنه ول ذلك والقادر عليه فإل
القصود وال الستعان وعليه التكلن فأقول :
8
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعـدة الولـى
( خـب الحـاد الصحيـح حجـة مطلـقًا )
اعلم أن الخبار مسن حيسث بلوغهسا وطرقهسا ل تلو مسن حالتيس :إمـا أن تكون
أخبارا متواترة أي رواها جع عن جع يوجب العلم من مبدأ السند إل منتهاه بيث تيل
العادة تواطأهم على الكذب ،فهذا مقبول ف السائل العلمية والعملية ف قول عامة أهل
العلم ول كلم لنا ف هذا القسم إذ الخالف فيه نادر جدا بل ل يكاد يوجد .
والثان :الحاد وهو ما فقد شرطا من شروط التواتر ،فهذا هو الذي اشتد فيه
اللف وخصوصا بي أهل السنة والبتدعة ،لكن الذهب عندنا هو أنه إذا صح سنده
ول ينسخ فإنه موجب للعمل مباشرة ول يوز رده أو التوقف فيه بجة أنه خب آحاد فإن
هذا قول مبتدع ل سلف له ،بل الصحابة والتابعون يمعون فيما أعلم على قبوله
ووجوب العمل به ول عبة بن تأثر بذاهب أهل الكلم الذموم ،إذا علم هذا فليعلم أن
خب الحاد الصحيح يقبل مطلقا أي سواءً ف السائل العقدية أو السائل العملية ،هذا هو
مذهب أهل السنة ،وقولنا (الصحيح) هذا قيد مهم ف القاعدة أي لبد أن يكون هذا
الب الحادي مستجمعا لشروط الصحة فلبد أن يرويه عدل ضابط عن مثله من مبدأ
السند إل منتهاه ول يكون به شذوذ ول علة قادحة ،أما إذا فقد شرطا من ذلك فإنه يرد
لكن ل لنه خب آحاد ولكن لنه ل يصح ونن اشترطنا الصحة .
وقولنا (مطلقًا) أي أنه يقبل سواءٌ ف العقائد أم الشرائع خلفا لذهب أهل الكلم
الذموم الذي ل يقبلون ف باب العقائد إل ما كان متواترا وهذا القول بدعة وضللة ،
ويدخل أيضا ف قولنا (مطلقًا) ما كان من الحاد فيما تعم به البلوى خلفا للحنفية
وسيأت تقيق ذلك إن شاء ال تعال وكذلك نعن بقولنا (مطلقا) ما كان مالفا للقياس
أول خلفا لبعض الذاهب .
وعلى كل حالٍ فالجة إنا هي فيما صحت نسبته للنب rول عبة بكونه متواترا
أو آحادا بل هذه التقاسيم ل تكن معروفة ف العهد النبوي ،بل كان الناس يقبلون من
يدثهم بالديث أيّا كان ول يردون خبه لكونه آحادا وإنا هذا التقسيم اشتهر الكلم به
عند البتدعة وتلقفه منهم بعض أهل السنة من غي تحيص ول فهم لا وراءه ،فالزم الق
9
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
واحد ال على السلمة فإنا ل يعدلا شيء ،إذا علمت هذا فاعلم أن هذه القاعدة لا
أدلة كثية جدا نذكر بعضها على وجه الختصار .
فمن ذلك :قوله تعال ] :يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ِإنْ جَاءَكُمْ فَاسِ ٌق ِبَنبَأٍ َفَتَبيّنُوا
[ فأوجب ال علينا التثبت من خب الفاسق ،فدل ذلك بفهومه أن العدل يقبل قوله
ويعتمد من غي تبي وخب الحاد إذا رواه عدل ضابط عن مثله معتمد ف ضبطه ونقله
فهذا يقبل خبه بفهوم الية ،ولو كان خب العدل أيضا ل يقبل إل بعد التبي لا كان
للتقييد بالفاسق فائدة ،لكن لا قيد ذلك بالفاسق دل على أن خب العدل يالفه ف
الكم ،فإذا كان خب الفاسق موقوفا على التبي فخب العدل إذا يقبل مباشرة وهذا هو
منطوق الية ومفهومها .
ومن الدلة أيضا :قوله تعال َ ] :ومَا كَا َن الْ ُم ْؤ ِمنُونَ ِليَنفِرُوا كَاّفةً َفَلوْل َنفَ َر مِنْ
كُلّ فِرَْق ٍة ِمْنهُ ْم طَاِئفَةٌ ِلَيَتفَ ّقهُوا فِي الدّي ِن وَِليُنذِرُوا َق ْو َمهُمْ إِذَا رَ َجعُوا إَِلْيهِمْ َلعَّلهُمْ
يَحْذَرُونَ [ فأمر طائفة من الؤمني أن ينفروا للجهاد وطائفة أن يبقوا مع النب rليتعلموا
العلم ويستمعوا الوحي حت إذا جاء أولئك الجاهدون إل إخوانم علموهم ما نسزل من
الوحي وما فرض من السنن والواجبات ،وينذروهم لعلهم يذرون .والطائفة الباقية اسم
يصدق على القليل والكثي ول يشترط فيهم أن يبلغوا حد التواتر ،والطائفة القادمة من
الهاد يب عليهم قبول ما يقوله هؤلء من الحكام والخبار الت توجب لم النذارة
والذر بجرد إخبارهم با وتعليمهم إياها ول يشترط لقبول خبهم أن يبلغوا حد التواتر
ما يدل على أن الب من العدل يقبل مطلقا ول ينظر هل هو آحاد أو متواتر .
ومن الدلة أيضا :حديث ابن عمر ف الصحيحي قال " :بينما الناس بقباء ف
صلة الفجر إذ جاءهم آتٍ فقال :إن النب rقد أنسزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن
يستقبل القبلة فاستقبلوها فاستداروا كما هم إل الكعبة " فالناس قبلوا خبه هذا عن
النب rف استبدال القبلة من بيت القدس إل الكعبة مباشرة ولذلك قال " :فاستداروا
كما هم إل الكعبة " مع أن السألة عظيمة وهذا خب واحد وقد قبلوه مباشرة ومثل هذه
القصة لبد أن تنتشر لا فيها من شدة التباع لمر ال ورسوله ول يعرف لا منكر ما
يدل على أن خب الواحد الصحيح مقبول وأن من اشترط التواتر فهو مالف للمتقرر عند
10
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الصحابة رضوان ال عليهم ولو كان التواتر ما يشترط ف مثل ذلك لنكر عليهم النب r
وقال (( :كيف تتحولون عن القبلة الثابتة عندكم بالتواتر إل قبلة ثبتت لديكم بب آحاد
ولاذا ل تنتظرون حت تأتون وتأخذوا الكم من مباشرة أو تسألوا عن ذلك عددا يبلغ
حد التواتر )) فلما ل يقل ذلك ول ينكر عليهم منكر دل ذلك على إجاعهم yعلى
ما قررناه .
ومن الدلة :أن النب rكان يبعث رسائله وعماله إل سائر البلدان كاليمن وغيها
لدعوة الناس للسلم وتعليمهم الدين فكان يبعث الواحد والثني إل بلدٍ كامل وما فعل
ذلك إل لن الجة تقوم عليهم بجرد إبلغ هؤلء مع أنا أصول الدين وعقائده كما ف
حديث إرساله معاذا إل اليمن فلو كان التواتر ف مثل ذلك واجبا لكان إرساله للواحد أو
الثني عبثا ل فائدة فيه لنه حينئ ٍذ ل تقوم به الجة ولا كان النب rقد بلغ البلغ البي
لعامة أهل البلدان الجاورة وغيها فلما بعث الواحد والثني دل ذلك على أن خب
الواحد الصحيح يقبل بجرد بلوغه ول يوز رده وأن التواتر ليس بشرط ف قبول الخبار
العلمية والعملية ول فيما تعم به البلوى ول غي ذلك وال أعلم .
والقصود :أن بعث النب rبعماله واحدا واحدا ورسله واحدا واحدا بقصد
إخبار الناس با أخبهم به النب rمن شرائع دينهم ويأخذوا منهم ما أوجب ال عليهم
ويعطوهم مالم ويقيموا عليهم الدود وينفذوا فيهم الحكام ول يبعث أحدا إل وهو
مشهور بالصدق عند من بعثه إليه وما ذلك إل لن الجة تقوم ببهم .
ومن الدلة أيضا :إجاع الصحابة رضوان ال عليهم على وجوب العمل بب
الحاد وقد ورد من الثار ف ذلك ما يبلغ حد التواتر ونذكر طرفا منه :
فمن ذلك :ما روي عن أب بكر tأنه سأل عن مياث الدة فقام الغية بن شعبة
وممد بن مسلمة فذكرا أن النب rأعطاها السدس ،فقبل خبها ول يقل إن هذا المر
ل يثبت بب الحاد ،وأنه لبد من التواتر ،بل قبل خبها واعتمده وعمل به ما يدل
على أن خب الواحد الصحيح يب قبوله واعتماده .
ومن ذلك :أن عمر tعمل بب عبد الرحن بن عوف ف أخذ الزية من
الجوس ،وأيضا عمل بب حل بن مالك بن النابغة ف الغرة العبد والمة ف دية الني ،
11
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وقال " :لو ل نسمع بذا لقضينا فيه برأينا " ،وأيضا عمل بب الضحاك بن سفيان ف
توريث النب rامرأة أشيم الضباب من دية زوجها وقد كان يقضي بعدمه ،وأيضا كان
يفت بدية الصابع على حسب منافعها فلما بلغه الب أن النب rقضى بأن ف كل إصبع
عشر من البل رجع إليه ،وهذه الخبار إنا هي أخبار آحاد ومع ذلك عمل با عمر
ورجع إليها وترك لا رأيه ول ينكر عليه من الصحابة منكر ما يدل على أنم ممعون على
وجوب العمل بب الحاد .
ومن ذلك :أن عبد ال بن عمر قال " :كنا نابر أربعي سنة فل نرى بذلك بأسا
حت أخبنا رافع بن خديج فتركناها لقول رافع " ،فعلل تركه لعملهم الول بقول رافع
وهو خب آحاد ،وكذلك عمل عثمان tبب الفريعة بنت مالك ف سكن التوف عنها
زوجها ،وهو خب آحاد ،وقال علي بن أب طالب tما حدثن أحد بديث إل
استحلفته إل أبا بك ٍر وصدق أبو بكرٍ ،وخب أب بكرٍ إنا هو خب آحاد .
وكذلك رجع ابن عباس عن قوله " :إنا الربا ف النسيئة " لن أبا سعيد الدري
حدثه بالنهي عن ربا الفضل وهو خب آحاد ،ولا اختلف الصحابة ف وجوب الغسل
بالتقاء التاني سألوا عائشة رضي ال عنها فحدثتهم بالديث الشهور " :إذا التقى
التانان " فرجعوا إليه وهو خب آحاد ،وتقدم أن أهل قباء رجعوا إل خب رجلٍ واحد ف
تويل القبلة .وكذلك رجع جاعة منهم ف إراقة المر إل خب الواحد ،فهذه القصص
وغيها كثي يدل دللة صرية على أنم أجعوا على وجوب العمل بب الواحد ،فهذا هو
منهجهم وسبيلهم ومن يتبع غي سبيل الؤمني فله ما تول ،ونعوذ بال من حاله .
ومن الدلة أيضا :الجاع على قبول الشهادات عند القاضي إذا توفرت شروط
الشاهد ،فإذا شهد الشهود عند القاضي وجب عليه العمل بقتضى خبهم ،ول يسأل
هل بلغوا حد التواتر أو ل ؟ بل شهود الدود اثنان أو أربعة ،وشهود الال رجلن أو
رجل وامرأتان وهذا ليس عدد التواتر ،فبهذا العدد الذي ل يبلغ حد التواتر جلد الزان
البكر ،ورجم الحصن ،وقطع السارق ،وأثبتت القوق ،ما يدل على أن خب الواحد
يب العمل به ،رواية كان أو شهادة ،وال أعلم .
12
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
هذا هو ممل أدلة القول الراجح الذي ل ينبغي القول بغيه .فهذا هو طريق
السلف الصال من الصحابة والتابعي وأتباعهم والئمة رضوان ال عليهم ،وهو قول
جهور أهل الصول والفقه ،وبه تعرف الق ف هذه السألة الت طال حولا الدل ،
إذا علمت هذا فاعلم أن خب الواحد لنا فيه نظران :
الول :من جهة ثبوته ومطابقته للواقع ،الثان :من جهة العمل به .
فأما خب الحاد من الهة الول :فإنا يفيد الظن ف الصل إل إذا اقترنت به
قرائن ترفعه إل مرتبة اليقي كاتفاق المة عليه ،أو اتفاق الشيخي عليه ،أو تلقي المة
له بالقبول .
وأما بالنظر الثان :فهو يفيد وجوب العمل به يقينا أي ل يوز لن سعه أن يتردد
ف العمل به ،لكن بشرطي :أن يكون صحيحا سنده ،وأل يكون منسوخا من جهة
متنه ،فإذا توفر هذان الشرطان وجب العمل به.
وبه تعرف أن قول من قال :إن خب الواحد يفيد الظن والعمل بالظنون مذموم
شرعا ،فإذا قال ذلك فقل له :نن نوافقك ف الول ولكن نالفك ف الثان ،لننا
نفرق بي جهة مطابقته للواقع وبي العمل به ،وال أعلم .
إذا علمت هذا فاعلم أنه قد خالف ف ذلك -أعن ف وجوب التعبد بب الواحد –
خالف فيه بعض القدرية والظاهرية على ما نقله الشيخ أبو ممد ف الروضة ،واستدلوا
على ما ذهبوا إليه بعدة أدلة أرى أنه من الهم عرض أدلتهم مع بيان وجه استدللم مع
الجابة عنه فأقول :
من أدلتهم :أن دعواكم أن الصحابة قد أجعوا على قبول خب الواحد دعوى
منقوضة بعد ٍد من القضايا فمن هذه القضايا :ما رواه البخاري ومسلم من حديث
ممد بن سيين عن أب هريرة ف قصة سلمه rمن ركعتي ف إحدى صلت العشي فقام
إل خشبة ف مقدم السجد فاتكأ عليها كأنه غضبان وخرج سرعان الناس من السجد
وف القوم أبو بكرٍ وعمر فهابا أن يكلماه فقام رجل يقال له ذو اليدين فقال " :يا رسول
ال أنسيت أم قصرت الصلة " ،فقال (( :ل أنس ول تقصر )) ،فقال " :بلى قد
نسيت " ،فقال النب (( : rأصدق ذو اليدين )) فقالوا " :نعم " .
13
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ووجه الشاهد منه أن خب ذي اليدين خب واحد ول يقبله النب rإل بعد أن أيدوه
بقولم ف خبه فارتفع إل حد التواتر فلو كان خب الواحد يقبل مباشرة لقبل النب rخب
ذي اليدين ،لكن لا ل يقبله بفرده دل ذلك على أن خب الواحد بجرده ل يقبل .
ومن الوقائع أيضا أن عمر tرد خب أب موسى لا حدثه بديث أن الستئذان ثلثا
فإن أجابك وإل فارجع ،فقال له عمر " :وال لتأتين على هذا ببهان أو لفعلن بك " ،
قال :فأتانا ونن رفقة من النصار فقال :يا معشر النصار ألستم أعلم الناس بديث
رسول ال rأل يقل كذا وكذا ،قال :فجعل القوم يازحونه ،قال أبو سعيد :فرفعت
رأسي فقلت :فما أصابك ف هذا اليوم من العقوبة من شيء فأنا شريكك ،قال :فأتى
عمر فأخبه بذلك ،فقال عمر :ما كنت علمت بذا " أخرجاه ف الصحيحي .فلو
كان خب الواحد يقبل لا فعل عمر ذلك ،أعن لا طلب عمر مع أب موسى من يشهد له
بذلك .
ومنها :أن عائشة رضي ال عنها ردت خب تعذيب اليت ببكاء أهله وقد رواه
ابن عمر مرفوعا (( اليت يعذب ببكاء أهله عليه )) فقالت عائشة :يرحه ال ل يكذب
ولكنه وهم ،إنا قال رسول ال rلرج ٍل مات يهوديا (( :إن اليت ليعذب ،وإن أهله
عليه )) ،فهذه الوقائع مثبتة لمرين : ليبكون
الول :أن دعوى الجاع الت ذكرتوها منقوضة بذه الصور ،فكيف تدعون
الجاع ف السألة .
الثان :أن هذه الصور دليل على أن خب الواحد بجرده ل يقبل ما ل يتأيد بغيه
من نصٍ أو إجاعٍ أو تلقٍ له بالقبول ،أما هو بجرده فل يقبل والوقائع السابقة نصوص
صرية صحيحة ف هذا – أي ف رد خب الواحد – وقالوا :
قال ال تعال ِ ] :إ ْن يَّتِبعُونَ إِل الظّنّ [ وقال ] :ا ْجَتِنبُوا َكثِيًا مِنْ الظّنّ [
فقد ذم ال تعال وعاب الذين يتبعون الظنون ويتركون الحكم التيقن ،وخب
الواحد بجرده إنا يفيد الظن فالتبع له إنا هو متبع للظن وهو مذموم فدل ذلك على عدم
جواز التعبد به – كذا قالوا – وهذه ممل أدلتهم .
14
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
15
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وأما رد عائشة لب تعذيب اليت ف قبه ببكاء أهله عليه فليس لنه خب آحاد وإنا
لوجود معارضٍ له راجح وهو قوله تعال ] :وَل تَزِ ُر وَازِ َرٌة وِزْرَ أُ ْخرَى [ ،ولظنها أن
صوابه هو ما قالته .
وف الملة – حت ل نطيل – أقول الصواب الذي ل مرية فيه ،والق الذي
ل ينبغي الدال فيه هو أن خب الحاد الصحيح حجة يب قبوله والتعبد ل بقتضاه ،ف
العقائد والشرائع .
إذا علمت هذه القاعدة فلم يبق إل الفروع عليها وهي أكثر من أن تصر وأشهر
من أن تذكر ويكفيك أن نقول لك :إن غالب الحكام الشرعية العملية إنا أثبتت بأخبار
الحاد وهي كثية جدا يعرفها من تتبع الفقه ونظر فيه ،ولعل فيما مضى كفاية إن شاء
ال تعال لننا قد أطلنا ف تقرير هذه القاعدة وخرجنا عن القصود ،وال أعلى وأعلم.
16
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعــدة الثانيــة
( خـب الحـاد معتمـد فيما تعم به البلـوى)
وهذه القاعدة متممة لا قبلها وقد أشرنا إل شيء منها سابقا ونسزيدها إيضاحا
فنقول :قولنا (معتمد) أي حجة يب قبولا ،قولنا (فيما تعم به البلوى) أي فيما تكثر
حاجة الناس إليه .وصـورة ذلك :أن يرد خب واحدٍ ويدل على حكمٍ من الحكام
الشرعية الت يتاجها كل أحد أي أن الكم الشرعي ل يتعلق بواح ٍد أو اثني من الكلفي
بل هو قضية عامة لسائر الكلفي أو معظمهم ،أي أن حاجة الناس لبيان هذا الكم
الشرعي حاجة عامة وضرورية ،ومع ذلك ل يروي هذا الكم الشرعي إل واحد فقط
أو اثنان أي ينقل نقلً آحاديا مع شدة الجة لبيانه ،هذه صورتا ،وبذا يتبي لك
أمران:
الول :أن ما كانت حاجة الكلفي له ماسة وضرورية فإنم لشك يكثرون
السؤال عنه فيكون بينهم كالتواتر لكثرة تكرره ووقوعه وكثرة السؤال عنه كأحكام
الوضوء مثلً أو الصلة أو الج ونوها من الحكام العامة فإن الناس لشك لكثرة وقوعه
وتكرره لبد أن يسألوا عنه ليعرفوا حكم ال فيه ،هذه قضية مسلمة ل أظن أحدا ينازع
فيها .الثان :أن هذا الكم الشرعي الذي اشتدت الاجة لبيانه لكثرة وقوعه وعموم
البتلء به ل ينقله عن النب rإل الواحد أو الثنان فقط ،مع كثرة وقوعه وشدة الاجة
إليه ل ينقله إل القليل جدا ،فإذا فهمت هذين المرين وضحت لك السألة .
فالسؤال هنا هو :أن هذا الب الذي يقرر حكما شرعيا قد اشتدت حاجة الناس
وعمت البلوى به إذا ل ينقله إل واحد أو اثنان هل يقبل أو ل يقبل ؟ هذا ما تيب عنه
هذه القاعدة وهو أنه يقبل ،والقول بأنه يقبل هو قول جهور الصوليي ،بل هو مذهب
السلف وأئمة أهل الديث ،وقالت النفية :ل يقبل مثل هذا الب ،لكن بلشك أن
الصواب هو قول السلف من الصحابة والتابعي وجهور الصوليي من أنه يقبل وأنه حجة
يب العمل به إذا صح سنده ول ينسخ والدليل على هذه القاعدة ما يلي :
منها :إجاع الصحابة السكوت على ذلك فقد قبل الصحابة yخب الواحد فيما
تعم الاجة له وعملوا به من دون أن ينكر ذلك أحد منهم ،وهي صور كثية تقدم ذكر
17
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
بعضها كقبول الصحابة لديث (إذا التقى التانان) الذي روته عائشة وهو خب آحاد فيما
تعم به البلوى ،إذ كل زوجي يتاجان له أشد الاجة ومع ذلك قبلوه ول يقولوا :إن
هذا الكم تعم له البلوى وتشتد حاجة الناس له فل نقبل فيه إل التواتر ،بل قبلوه
واعتمدوه بجرد ما أخبتم به yأجعي .
ومن ذلك :أن الصحابة yقبلوا خب رافع بن خديج (أن النب rنى عن الخابرة)
وقد كانوا يابرون أربعي سنة فهو ما تعم البلوى به ،ومع ذلك لا حدثهم رافع بذلك
قبلوا خبه واعتمدوه وعملوا به وانتهوا عن الخابرة بل قال ابن عمر " :فانتهينا لقول
رافع " ،ولو ل يكن يقبل لقالوا " :يا رافع أنت خبك خب واح ٍد وهو فيما تعم به
البلوى وهو ل يقبل ف ذلك " ،لكنهم ل يقولوه yبل دانوا له وسعوا وأطاعوا وسلموا
تسليما ما يدل على أن خب الواحد مقبول معتمد ف أي المور كان ،فيما تعم البلوى
وغيه .
ومن ذلك :أنم قبلوا خب الغية بن شعبة وممد بن مسلمة ف إعطاء الدة
السدس وهذا أمر تعم به البلوى وهو خب آحاد ،ومع ذلك قبلوه واعتمدوه .
والوقائع كثية تفيد الناظر فيها الجاع السكوت منهم yعلى قبول الخبار
الحادية فيما تعم البلوى .
ومن الدلة أيضا :أن هذا الراوي الواحد عدل ثقة جازم با يب به وصدقه ما
ل بغالب الظن ،ولنه أخب بأمرٍ يكن صدقه فيه وهو
يغلب على الظن فوجب قبوله عم ً
ثقة ل يعرف عليه كذب فوجب تصديقه وحرم تكذيبه ،فما بالك إذا كان هذا الذي
أخبنا بذا الب صحاب ،فل شك أنم yقد بلغوا ف الصدق والثقة والعدالة والضبط
والمانة ف النقل ما ل يبلغه غيهم فإذا أخبنا واحد منهم ببٍ جازم بصدق نفسه فيه
فالغالب على الظن صدقه ومن غلب على ظننا صدقه فإنه ل يوز تكذيبه .
ومن الدلة أيضا :أن هذا الصحاب الذي روى لنا هذا الب حفظه من النب r
ل بغيه أو أنه اكتفى بنقل غيه طلبا للسلمة ،
وتوفرت هته لنقله وغيه قد يكون مشتغ ً
أو أنه سأل عنه وأخب بوابه وتعبد ل به ول ينقله إذ ليس كل من يعلم شيئا ينقله ،فل
18
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
يوجب ذلك أن نرد خب من حفظ وتوفرت هته للنقل إذ عدم نقل غيه ليس قادحا ف
نقله .
ومن الدلة أيضا :أن الدلة العامة دلت على وجوب قبول خب الواحد بالطلق
كما مضى سياقها ف القاعدة الول ،والطلق ل يوز تقييده إل بدليل ول دليل يدل على
أن خب الواحد ل يقبل إذا كان فيما تعم به البلوى ،فإن من اشترط لقبوله أن ل يكون
فيما تعم به البلوى فإنه قد جاء بقيدٍ للدلة الدالة على وجوب قبوله بل دليل يدل عليه ،
والصل أن يرى الطلق على إطلقه ول يقيد إل بدليل فمن ادعى هذا الشرط فعليه
الدليل ،وال أعلم .
إذا علمت هذا فاعلم أن النفية قالوا :مثل هذا الب ل يقبل واستدلوا على ذلك
بقولم :إن ما تعم به البلوى وتكثر الاجة لبيانه لبد أن يكثر السؤال عنه وإذا كثر
السؤال عنه فلبد أن يرص النب rعلى البيان الواضح والبلغ التام وكثرة التأكيد عليه
وحينئ ٍذ فلبد أن يكثر ناقلوه وحافظوه منه ،أي أن المم تتوفر لنقله فيشتهر عادة فلما
ل ينقله إل الواحد فقط وترك الكثرون نقله دل ذلك على أن هذا الواحد ف نقله شيء
من النظر إذ كيف ل ينقله الناس مع اشتهاره بينهم وينقله الواحد فقط ،فهذا دليل على
أن خبه مدخول ،وبه ِظنّة أي تمة .هكذا قالوا :والواب عن ذلك من أوجه :
الول :أن دليلهم هذا مبن على عدم النقل أي أن الكثر ما نقلوه ،وعدم نقل
الكثر له ليس دليلً على عدمه إذ يكفي ف إثباته نقل واحدٍ فقط وقد حصل ،فلو أن
جعا كثيا من الناس اتفقوا على عدم نقل حادث ٍة وهي ف الواقع موجودة فإن عدم نقلهم
ليس دليلً على عدمها إذ أننا أثبتنا وجودها بطريق آخر وهو نقل غيهم لا ،فهب أن
الكثر ما نقلوه هذا الب فهل هذا يدل على عدم حقيقة هذا الب ؟
الواب بالطبع :ل .لنه ثبت بإخبار غيهم .
الثان :أننا ندكم أيها النفية تعتمدون أشياء تعم با البلوى ول طريق لثبوتا إل
خب الواحد ،من ذلك :قولكم بوجوب الوتر ،والوضوء من القهقهة ف الصلة مع
ضغف الب واختياركم تثنية القامة ف الصلة وكذلك أوجبتم الوضوء بروج النجاسة
من غي السبيلي وكل ذلك ما تعم به البلوى ،وأدلتكم على ذلك إنا هي خب الواحد ،
19
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
بل قلتم بوجوب الغسل من غسل اليت وحديثه آحاد ،فأنتم بذلك متناقضون إذ قد
ذهبتم إل عدم قبول خب الواحد فيما تعم به البلوى ث تعتمدون أحكاما تعم با البلوى
بأخبار الحاد وهذا التناقض مضعف لقولكم الذي ذهبتم إليه .
الثالث :ل نسلم لكم أن ما كثر السؤال عنه لبد أن يكثر نقلته ،أو أن ما
اشتدت الاجة لبيانه فلبد أن يكثر ناقلوه ،فهذه شروط البيع والنكاح والذان والقامة
هي ما تعم با البلوى لكثرة وقوعها ومع ذلك فناقلوها ل يبلغون حدّ التواتر ،فإذا تعلم
بذا أن القول الصواب هو ما نصت عليه هذه القاعدة الهمة .
وإليك الن بعض الفروع عليها حت تعرف مدى أهيتها فأقول :
منها :الوضوء من مس الذكر ،فذهب المهور إل أنه ناقض بشرطه واستدلوا
على ذلك بديث بسرة بنت صفوان مرفوعا (( من مس ذكره فليتوضأ )) وقالت النفية:
ل ينقض الوضوء واستدلوا بديث طلق بن علي (( ل ،إنا هو بضعة منك )) وأجابوا
عن حديث بسرة بأنه خب آحاد فيما تعم به البلوى فل يقبل .
والصواب قول المهور من أن مس الذكر ناقض للوضوء وإن كان ثبت بب
الحاد ،ذلك لن خب الواحد عندنا يقبل فيما تعم به البلوى ،لكن يشترط لنقضه
للوضوء فيما أرى أن يكون بشهوة وبل حائل وال أعلم .
ومنها :رفع اليدين ف الصلة ف غي تكبية الحرام ،فذهب المهور إل أن السنة
رفع اليدين عند الركوع والرفع منه مستدلي بديث ابن عمر ف الصحيحي أن النب r
كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلة وإذا كب للركوع وإذا رفع رأسه من
الركوع رفعهما كذلك ،وقال النفية :ل يرفع ف غي تكبية الحرام ،فل يرفع عند
الركوع ول الرفع منه ،واستدلوا بديث ابن مسعود " لصلي لكم صلة رسول ال r
فصلى فلم يرفع يديه إل مرة واحدة " أي عند تكبية الحرام ،ول يعمل النفية بديث
ابن عمر لنه خب آحاد فيما تعم به البلوى وهو عندهم ل يقبل ،إذ كيف يصلي النب r
الصلة فرضها ونفلها أمام الناس ويرفع يديه ول ينقله إل ابن عمر .
لكن الصواب هو قول المهور لصحة الديث ولن خب الواحد فيما تعم به
البلوى معتمد عندنا .
20
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنها :التسليمتان ف الصلة :فقد ذهب المهور إل أنه ل يتحلل النسان من
صلته إل بالتسليم فلو أحدث قبله وبعد التشهد لفسدت الصلة لنه ل يزال ف صلة
واستدلوا على ذلك بديث علي tمرفوعا (( تريها التكبي وتليلها التسليم )) وقال
النفية :بل إن حكم الصلة ينتهي بالتشهد الخي واللوس له ،ول دخل للتسليم ف
التحلل من الصلة ،فلو أحدث الصلي بعد التشهد وقبل السلم لصحت صلته ،وأما
حديث التسليم فل نقبله لنه خب آحاد فيما تعم به البلوى ،وخب الحاد فيما تعم به
البلوى غي مقبول عندنا – كذلك قالوا – .
والصواب ولشك هو قول المهور لصحة الديث – إن شاء ال تعال – مع
اقترانه بفعله rالدائم الذي ل ينخرم مع قوله (( :صلوا كما رأيتمون أصلي )) ولن
خب الواحد فيما تعم به البلوى مقبول عندنا .
ومنها :اشتراط الول ف النكاح ،فقد ذهب المهور إل القول بأنه ل يصح
النكاح إل بول مستدلي على ذلك بقوله (( : rل نكاح إل بول )) وحديث (( أيا
امرأة نكحت نفسها بغي إذن وليها فنكاحها باطل )) وقالت النفية :ل يشترط الول
لن هذه الخبار أخبار آحاد فيما تعم به البلوى ،وخب الواحد فيما تعم به البلوى
ل يقبل عندنا ،ولن الرأة لا أن تتصرف ف مالا كيف شاءت فكذلك ف نفسها لا
ذلك .والصواب قول المهور من اشتراط الول لصحة الحاديث بجموعها وإن كان
ف بعضها ضعف لكن هي بجموعها وطرقها يتج با على اشتراط الول ،وهي وإن
كانت خب آحاد فيما تعم به البلوى لكن خب الحاد فيما تعم به البلوى معتمد عندنا.
ومنها :قراءة الفاتة بعينها ف الصلة فإن المهور قالوا :يشترط لصحة الصلة
قراءة الفاتة بعينها فالقراءة الواجبة عند المهور هي الفاتة واستدلوا بديث عبادة بن
الصامت مرفوعا (( ل صلة لن ل يقرأ بفاتة الكتاب )) متفق عليه .
وقالت النفية :ل تتعي الفاتة لصحة الصلة بل إذا قرأ غيها صحت صلته
لعموم قوله تعال ] :فَا ْقرَءُوا مَا َتيَسّ َر مِ ْن اْلقُرْآنِ [ ولن حديث عبادة حديث آحاد فيما
تعم به البلوى ومثل ذلك ل يقبل عندنا .
21
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
والصواب قول المهور لصحة الديث ،وأما الية فهي مطلقة وحديثنا مقيد لا،
وأما قاعدتم هذه فهي باطلة ،بل خب الواحد فيما تعم به البلوى مقبول .
ومنها :التسمية فقد ذهب النابلة والشافعية إل أنا سنة ف الصلة قبل الفاتة ،
لكن قال النابلة :سرا ،وقال الشافعية :جهرا ،واستدلوا بأحاديث التسمية كحديث
نعيم الجمر عن أب هريرة وغيه ،وذهب الالكية والنفية إل عدم قولا سرا أو جهرا
فليست هي عندهم من سنن الصلة ول من الفاتة ،واستدل الحناف على ذلك بأن
أحاديث التسمية أخبار آحا ٍد والتسمية تعم با البلوى ،وخب الحاد ل يقبل فيما تعم به
البلوى .لكن الصواب هو أنا من جلة السنن قبل الفاتة لثبوت الحاديث بذلك والسنة
أيضا عدم الهر با لديث أنس ف الصحيحي ،لكن إن جهر با أحيانا لتأليف أو تعليم
فل بأس ،وهذا هو اختيار أب العباس ابن تيمية ،والقصود أن النفية ردوا أحاديث
التسمية لنا آحاد ول يقبل الحاد فيما تعم به البلوى عندهم وال أعلم .
ومنها :غسل الكافر إذا أسلم فقال بعضهم بأنه واجب لديث قيس بن عاصم
عندما أسلم (( أمره النب rأن يغتسل باءٍ وسد ٍر )) وهو حديث صحيح ،وبديث
ثامة بن أثال أنه عندما أسلم (( أمره النب rأن يغتسل )) ورواية المر عند عبد الرزاق
وأصل الديث ف الصحيحي بدونا لكنها زيادة من ثقة فهي مقبولة كما سيأت ف قاعدة
" زيادة الثقات " إن شاء ال تعال ،وقال بعضهم :ل يب لنه أمر تعم به البلوى فقد
أسلم المع الغفي فلو كان يأمرهم بالغسل لتواتر ذلك وكثر ناقلوه .
قلنا :إن عدم نقل الكثر ل يقدح ف رواية من نقل ،والب عندنا مقبول إذا صح
سنده من غي نظرٍ إل ما تعم به البلوى أو ما ل تعم به البلوى ،ولذا فالقول بالوجوب
هو القول الراجح وال أعلم .
ومنها :رؤية هلل رمضان فإذا ل يره إل واحد فقط فهل رؤيته يعمل با أو ل ؟
الواب :هو على هذه القاعدة ،فذهب المهور إل قبول خبه وشهادته لديث
ابن عباس رضي ال عنهما (( أن أعرابيا جاء إل النب rفقال :إن رأيت اللل ،فقال
:أتشهد أل إله إل ال وأن ممدا رسول ال ،قال :نعم ،قال :فأذن ف الناس يا بلل
أن يصوموا غدا )) رواه المسة وصححه ابن خزية وابن حبان ،وكذلك حديث ابن
22
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
عمر قال :تراءى الناس اللل فأخبت النب rأن رأيته فصام وأمر الناس بصيامه )) رواه
أبو داود وصححه ابن حبان والاكم ،فأخذ المهور بذه الحاديث ف قبول شهادة
النفرد برؤية اللل .وقال النفية :ل نقبل شهادته لن خبه لو كان صحيحا لشترك
معه غيه إذ اللل بي واضح لكل ذي عيني فهو أمر تعم به البلوى ،والخبار الت
ذكرتوها أخبار آحاد ،وخب الحاد فيما تعم به البلوى ل يقبل عندنا .
والصواب قول المهور لثبوت هذه الحاديث وهي نص ف السألة ،وخب الواحد
فيما تعم به البلوى معتمد عندنا كما قالت القاعدة وال أعلم .
ومنها :خيار الجلس ،قال النابلة والشافعية به أي بثبوته لديث ابن عمر ف
الصحيحي مرفوعا (( إذا تبايع الرجلن فكل واح ٍد منهما باليار ما ل يتفرقا وكانا
جيعا )) ولكن قال النفية :ليس يثبت خيار الجلس لنه ما تعم به البلوى لكثرة
مبايعات الناس وشرائهم ومع ذلك ل يروه إل ابن عمر فهو خب آحا ٍد فيما تعم به البلوى
،وخب الحاد فيما تعم به البلوى ل يقبل .والصواب القول الول ولشك لثبوت
الديث لذلك ،وأما قاعدتم فهي باطلة ،بل خب الحاد مقبول فيما تعم به البلوى .
ومنها :من أكل أو شرب ف نار رمضان ناسيا فالمهور قالوا :ل شيء عليه
لديث أب هريرة مرفوعا (( من أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنا أطعمه ال
وسقاه )) متفق عليه ،وقال النفية :بل صومه يفسد وعليه القضاء وهذا الديث
ل نقبله لنه خب آحاد فيما تعم به البلوى ،وخب الحاد فيما تعم به البلوى ل يقبل .
والصواب قول المهور لصحة الديث ول عبة بعموم البلوى أو عدم عمومها
وإنا الهم صحة الديث – وقد صح – فوجب القول بقتضاه وال أعلم .
ولعل هذه الفروع كافية لفهم هذه القاعدة إن شاء ال تعال .
وأخيا نقول :اللهم اغفر للحنفية مغفرة واسعة ،وال ما كانوا ليدوا حديث
رسول ال rبغضا له كما فعله غيهم وإنا فعلوا ذلك من باب زيادة الرص على السنة
وعدم نسبة شيء لا إل بعد التأكد التام أنه منها فقالوا ما قالوه عن حسن نيةٍ ،لكنه خطأ
ل يقبل منهم ،أما هم فل نتعرض لم بشيء إل بالدعاء لم بالغفرة والعفو والرحة .
وال أعلم ،وصلى ال على نبينا ممد وآله وصحبه أجعي .
23
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعــدة الثالثــة
( المر الجرد عن القرائن يفيد الوجوب
وبالقرينـة يفيـد ما تفيـده القرينـة )
وهذا هو الصحيح إن شاء ال تعال وهو الذي دلت عليه الدلة الكثية كما سترى
طرفا من ذلك إن شاء ال تعال ،قولنا (المر) عرف العلماء المر بأنه استدعاء الفعل
بالقول من هو دونه ،فقولم :استدعاء :أي طلب الفعل وخرج به النهي لنه استدعاء
الترك ،وقولنا (بالقول) أي بالنطق وبه يرج المر بالشارة ونوها فإنا ليست أمرا
حقيقة ولكن ماز ،وقولنا (من هو دونه) أي ف الرتبة والنسزلة ،وبه يرج الدعاء
واللتماس ،فأما الدعاء فهو طلب شيء من هو فوقه كقولك :رب اغفر ل ،فهذا
ل يسمى أمرا وإنا دعاء لنك تطلب شيئا من هو فوقك ،وأما اللتماس فهو طلب
الفعل من هو ف منسزلتك كقول بعض اللوك لبعض افعلوا كذا ول تفعلوا كذا ،وقولك
لن هو ف مرتبتك أعطن ما ًء وهذا ل يسمى أمرا ولكن يسمى التماسا أي أنك تلتمس
منه أن يفعل لك هذا لكن ل تأمره ،وإن سي ذلك أمرا ف اللغة فإنه ليس بأمرٍ عند
الصوليي ،ث اعلم أن مذهب أهل السنة والماعة أن المر له صيغة تصه والصل فيها
(افعل) وما تصرف منها ،خلفا للمبتدعة الذين يقولون ل صيغة له فإن هذا القول بدعة
وضللة لنه فرع من فروع إنكار الكلم أصلً كقول العتزلة ،أو إثبات للكلم النفسي
كقول الشاعرة ،فاحذر من هذا الذهب البيث ،فال متكلم مت شاء كيف شاء با
ف وصوتٍ تسمعه الذان وإن كلمه قدي النوع حادث الحاد ،كذا شاء وكلمه بر ٍ
قال أهل السنة ولذلك قالوا :للمر صيغة تصه وهي (افعل) وما تصرف منها .
إذا علمت هذا فاعلم أن هذه الصيغة ل تلو إما أن ترد مردة عن القرائن وإما أن
تكون مقرونة بقرينة ،فإن كانت مقرونة بقرينة فإنا تفيد ما أفادت هذه القرينة ،فإن
اقترنت با قرينة الندب فهي ندب نوه قوله ] َفكَاتِبُوهُمْ إِ ْن عَلِ ْمتُمْ فِيهِمْ َخيْرًا [ فهذا أمر
ندب لنا لا نسزلت ل يكاتب النب rرقيقه وكذلك كثي من الصحابة ل يكاتبوهم ما
يدل على أن المر فيها للندب .
24
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ولذلك تد أن الصوليي يبحثون معان هذه الصيغة ف باب المر ،فيقولون :من
صطَادُوا[ ،والتعج يز كقوله تعال ] : معاني ها الندب وتقدم ،والبا حة كقوله تعال ] :فَا ْ
قُلْ كُونُوا ِحجَا َرةً َأوْ حَدِيدًا[ ،والتسخي كقوله تعال ] :كُونُوا ِقرَ َدةً خَا ِسئِيَ[ ،والهانة
صبِرُوا َأوْ ل
ت الْعَزِي ُز الْكَرِيُ[ ،والت سوية كقوله تعال ] :فَا ْ
كقوله تعال ] :ذُ قْ ِإنّ كَ أَنْ َ
ُمس[ ونوهسا كالدعاء ُمس[ ،والتهديسد كقوله تعال ] :اعْمَلُوا مَا شِْئت ْ سسوَا ٌء عََلْيك ْ
َصسبِرُوا َ
ت ْ
والكرام وال ب .ف صيغة (اف عل) في ما م ضى ل تد خل ف بث نا ل نه قد اقتر نت قرائن
أخرجت ها إل غ ي باب ا ال صلي فإذا اقترن بذه ال صيغة قرائن فإن ا تدل على ما دلت عل يه
القرينة وليس هذا هو مال بثنا .
الالة الثانية :أن تأت مردة عن القرائن فإذا وردت مردة عن القرائن فماذا تفيد ؟
وما هو الصل فيها حت نبقى عليه فل ننتقل عنه حت يأتينا الناقل ؟ هذا هو ما تفيده هذه
القاعدة ،وقبل ذلك أقول :اختلف العلماء رحهم ال تعال ف صيغة المر إذا وردت
مردة عن القرائن ماذا تفيد ؟ فقال بعضهم :هي تفيد الوجوب وهو قول جهور
الصوليي ،وقيل :بل تفيد الندب ،وقيل :بل تفيد الباحة ،وقيل :بل يتوقف فيها
إل ورود القرينة الصارفة لا إل معنً من العان ،لنا حقيقة مشتركة بي معانٍ كثية ،
والصواب هو القول الول وما عداه فباطل ،فالقول الصحيح هو أن صيغة المر إذا
وردت مردة عن القرائن فإنا تفيد الوجوب ،وهو ما تفيده قاعدتنا هذه ،والدليل على
أن هذا القول هو الراجح عدة أمور :
منها :قوله تعال َ] :ف ْليَحْذَ ْر الّذِي َن يُخَاِلفُو َن عَنْ َأمْ ِرهِ َأنْ تُصِيَبهُمْ ِفْتَنةٌ َأوْ ُيصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ[ فحذر ال تعال الذين يالفون أمر النب rبذه العقوبة الشديدة وهي
إصابتهم بالفت والعذاب الليم ف الدنيا والخرة ،فهذا يدل على وجوب القيام بأمره
وتنفيذه ،وذلك لن الواجب هو ما يذم تاركه مطلقا ،أو هو ما توعد بالعقاب على
تركه ،فلما توعد ال من خالف المر بالعقاب الشديد دل ذلك على وجوب هذا المر
وأن الصل فيه الوجوب وهذا هو الطلوب إذ لو ل يكن واجبا لا عاقبهم على مالفته
لكن لا عاقبهم على مالفته فهذا دليل وجوبه .
25
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومن الدلة :قوله تعال َ ] :وإِذْ قُ ْلنَا ِللْمَلئِ َك ِة اسْجُدُوا ل َدمَ فَسَ َ
جدُوا إِل ِإبْلِيسَ لَمْ
جدَ إِذْ َأمَ ْرتُكَ[ ،وقال تعال ف آية أخرى] : يَكُ ْن مِنْ السّا ِجدِينَ * قَا َل مَا َمَنعَكَ أَل تَسْ ُ
ج َد الْمَلِئ َكةُ ُكّلهُمْ أَجْ َمعُونَ * إِل إِبْلِيسَ َأبَى َأنْ َيكُونَ مَعَ السّا ِجدِينَ * قَا َل يَا ِإبْلِيسُفَسَ َ
ج ِمنْهَا فَِإنّكَ رَجِيمٌ * َوإِنّمَا لَكَ أَل َتكُو َن مَعَ السّاجِدِينَ[ ،وف أخرى ] :قَالَ فَاخْ ُر ْ
عََليْكَ الّل ْعَنةَ إِلَى َي ْومِ الدّينِ[ .
ووجه الدللة من ذلك :أن ال تعال لا أمر اللئكة بالسجود سارعوا إل ذلك
وامتنع إبليس عن السجود وعارض النص برأيه فوبه ال وذمه وعاقبه بالطرد واللعنة
والهباط من النة فهذه العقوبة بي ال أنا على ترك المر فهذا يدل على أن المر ف
قوله ] :اسْجُدُوا[ يفيد الوجوب ولذلك لا خالفه نال ما ناله من التوبيخ والذم والعقوبة
ولو كان المر الوجه للملئكة ل يفيد الوجوب لقال إبليس :ل تعاقبن على ما ل يب
عليّ لكن لا ل يقل ذلك دل على أنه كان يفهم منه الوجوب ،ول يقال :إن إبليس ل
يسجد لنه ليس من اللئكة لننا نقول هو من اللئكة بوصفه ومن الن بأصله كما هو
اختيار أب العباس ابن تيمية وهو الراجح ،فلما أمر ال اللئكة بالسجود دخل إبليس ف
ضمنهم بوصفه ومثاله لكنه خالف المر برجوعه إل أصله ولذلك قال تعال ] :إِل
ِإبْلِيسَ كَا َن مِ ْن الْجِنّ َففَسَقَ … [ فقرن الكم بالفاء بعيد وصفٍ ما يدل على أن سبب
فسقه هو لنه من الن وطبعهم الفسق والخالفة .
وخلصة المر أن إبليس من اللئكة بوصفه ومثاله لكنه من الن بأصله ،فيكون
داخلً ف ضمن المر للملئكة بالسجود فلما خالف المر وأب واستكب ُلعِن وطُرِد
ومُسِخ على أقبح صورة ما يدل على أن المر الطلق يفيد الوجوب ،وال أعلم .
ومن الدلة أيضا :قوله تعال َ ] :وإِذَا قِيلَ َل ُهمْ ارْ َكعُوا ل َيرْ َكعُونَ * َويْ ٌل َي ْومَئِذٍ
لِلْ ُمكَ ّذبِيَ [ فذمهم ال تعال وتوعدهم بالويل على عدم امتثالم للمر ما يدل على أن
المر يفيد الوجوب لن علمة الوجوب أن يذم التارك له وهنا ذمهم ال على مالفة المر
فدل على أنه للوجوب .
ومن الدلة أيضا :قوله تعال َ ] :ومَا كَانَ لِ ُم ْؤمِ ٍن وَل ُم ْؤمَِنةٍ إِذَا َقضَى اللّ ُه وَ َرسُولُهُ
خيَ َر ُة مِنْ َأمْ ِرهِ ْم َومَ ْن َيعْصِ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ ضَلّ ضَل ًل ُمبِينا [ فال
َأمْرا أَ ْن َيكُونَ َلهُ ْم الْ ِ
26
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
تعال هنا أخب أنه إذا قضى أمرا ل يكن لح ٍد أن يتخي فيه وجعل مالفته معصي ًة وضللً
وإذا كانت مالفة المر عصيانا وضللً فإن ذلك دليل على أن المر يفيد الوجوب لنه
لو ل يفد الوجوب لا كانت مالفته معصية وضل ًل وهذا واضح .
ومن الدلة على ذلك :أن النب rمَ ّر برجل يصلي فدعاه فلم يبه فلما فرغ من
الصلة قال (( :ما منعك أن تيبن ؟ )) ،قال :يا رسول ال كنت ف الصلة ،فقال:
(( أما سعت ال يقول ] :يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ا ْستَجِيبُوا لِلّ ِه وَلِل ّرسُولِ إِذَا َدعَاكُمْ لِمَا
حيِيكُمْ [ )) وهذا ظاهر فإنه rعاتبه على مالفة أمر ال ،والعاتبة واللوم ل تكون إل يُ ْ
على ترك واجب فدل ذلك على أن قوله تعال ] :اسْتَجِيبُوا لِلّ ِه وَلِل ّرسُولِ[ على الوجوب
إذ لو كان ل يفيد الوجوب لا استحق ذلك الصحاب العتاب ول اللوم وهذا دليل على أن
المر الطلق يفيد الوجوب .
ومن الدلة أيضا :حديث أب هريرة مرفوعا " :لول أن أشق على أمت لمرتم
بالسواك عند كل صلة " متفق عليه ،فدل ذلك على أن الشقة تصل بالمر للزوم
المتثال حينئذٍ لكنه ترك المر ،لوجود الشقة ،فدل ذلك على أن المر يفيد الوجوب
لنه لو ل يفد الوجوب لا حصلت الشقة ،لكن لا كان المر يفيد الوجوب والوجوب
فيه مشقة ترك المر به ،وال أعلم .
ومن الدلة على ذلك :حديث بريرة بعد أن أعتقتها عائشة وكان زوجها عبدا
فخيها النب rبي مفارقة زوجها وعدمه فاختارت فراقه وكان زوجها مغيث يبها
وكان يشي خلفها ف السواق يبكي فلما رأى النب rذلك ذهب إل بريرة فقال لا (( :
لو راجعتيه فإنه أبو أولدك )) فقالت :أتأمرن يا رسول ال ،فقال (( :ل إنا أنا
شافع )) ،فقالت :ل حاجة ل فيه .فدل ذلك أنه لو كان أمرا للزمها الطاعة والنقياد
ولذلك استفسرت من كلمه هذا :أهو أمر فتمتثل أو ل ؟ فأخبها أنه إنا هو شافع ،
فدل ذلك على أن المر يفيد الوجوب ،وال أعلم .
ومن الدلة الت ذكرها القاضي أبو يعلى ف كتابه العظيم العدة على ذلك -أي أن
المر الطلق يفيد الوجوب – إجاع الصحابة yعلى ذلك حيث إنم كانوا يرجعون إل
مرد الوامر ف الفعل أو المتناع من غي توقفٍ فكل أم ٍر كانوا يسمعونه من الكتاب
27
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
والسنة يملونه على الوجوب ولذلك ل يرد عنهم أنم كانوا يسألون النب rعن الراد
بذا المر بل كانوا يتثلون المر ويملونه على الوجوب إل إذا اقترن به قرينة تصرفه إل
غيه ول يعرف منهم منكر لذلك فكان إجاعا وهذا ثبت ف وقائع كثية :
منها :أنم استدلوا على وجوب الصلة عند ذكرها بالمر الطلق ف حديث أنس
مرفوعا " من نام عن صلة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " .
ومنها :أنم أجعوا على وجوب غسل الناء من ولوغ الكلب بقوله " : rإذا ولغ
الكلب ف الناء فاغسلوه سبعا " .
ومنها :أن أبا بكر tاستدل على وجوب قتال مانعي الزكاة بقوله تعال ] :وَآتُوا
الزّكَاةَ[ وقال " :والزكاة من حقها " يقصد :أن الزكاة من جلة حقوق ل إله إل ال ،
ووافقه عمر .ذكره القاضي ف العدة .
ومنها :أن عمر tأخذ الزية من الجوس بقوله (( : rسنوا بم سنة أهل الكتاب
)) ول ينكر عليه أحد فكان إجاعا .فدلت هذه الوقائع على ما ادعيناه من إجاع
الصحابة على أن المر الطلق يفيد الوجوب .
ومن الدلة أيضا :قوله تعال ]عََلْيهَا مَلِئ َكةٌ غِل ٌ
ظ شِدَا ٌد ل َي ْعصُونَ اللّ َه مَا َأمَ َرهُمْ[
فدل على أن مالفة المر معصية وما ذلك إل لوجوبه وهو الطلوب .
ويدل على أن المر الجرد عن القرائن للوجوب من النظر :أن السيد لو قال
لعبده :اسقن ماء ،فامتثل العبد فإنه يستحق الدح والثناء ،وإن ل يتثل فإنه يستحق
الذم والعقوبة ،فرآه العقلء وهو يعاقبه فقالوا له :ل تعاقبه ؟ فقال :إن أمرته أنه يسقين
ماءً فعصان ول يفعل ،فإن هؤلء يتفقون معه على حسن لومه وعقابه نظرا لخالفته
المر فدل ذلك على أنه ما استحق الذم والعقوبة إل لنه ترك واجبا لن الواجب هو
الذي يذم على تركه مطلقا وهذا متقرر ف أذهان العقلء .
فهذه الدلة تفيدك أيها الطالب إفادةً صرية أن صيغة المر الطلقة أي التجردة عن
القرائن تفيد الوجوب ،فإذا تقرر لك ذلك فاعلم أن هذه القاعدة مطردة ف جيع الفروع
فكل أمرٍ ير عليك ف الكتاب أو السنة فاحله على الوجوب إل إذا ورد الصارف له عن
بابه إل باب آخر ،من غي فرق بي باب العبادات وباب الداب ذلك لن بعض العلماء
28
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
قال :إذا كان المر ف باب العبادات فهو للوجوب وإذا كان ف الداب فهو للستحباب
ول دليل على هذا التفريق بل الدلة السابقة عامة ف جيع الوامر من غي فرقٍ بي أمرٍ
وأمر ،بل نن ند ف الداب ما هو واجب بجرد المر به كالكل باليمي والتسمية
على الطعام ونوها .
والراد :أن هذا التفريق ل وجه له ،والصل أن تبقى هذه الدلة على عمومها
حت يرد الخصص ول مصص هنا ،فالوامر كلها وف جيع البواب تفيد الوجوب عند
تردها عن القرائن ،هذا هو الصواب الذي دلت عليه الدلة ،وال أعلم .
إذا علمت هذا فلم يبق إل الفروع وهي كثية لكن أذكر ما تيسر منها فأقول :
منها :قوله rللغلم الذي رآه تطيش يده ف الطعام (( :يا غُلم سَمّ ال وكل
بيمينك وكل ما يليك )) فهذه ثلثة أوامر ،الول ( :سم ال) فهو أمر بالتسمية
فالصل فيه الوجوب إذ ل قرينة هنا تصرفه عن بابه ،فنقول :التسمية عند الطعام واجبة
وقد دلت أدلة أخرى على هذا الكم وأكدته بأن ترك التسمية سبب لستحلل الشيطان
للطعام .الثان :قوله (وكل بيمينك) فهذا أمر فالصل فيه الوجوب ،فنقول :الكل
باليمي واجب وقد دلت أدلة أخرى على ذلك وأكدته بأن الشيطان يأكل بشماله ،
الثالث ( :وكل ما يليك) فهذا أمر والمر يفيد الوجوب ،فنقول :يب على النسان
أن ل يأكل إل ما يليه ،لكن عندنا حديث أنس أن النب rكان يتتبع الدباء من القصعة ،
فظن بعض العلماء أنه صارف للمر عن الوجوب إل الندب وهذا ليس بصحيح ،بل
الصواب أن يقال :إذا كان الطعام واحدا أي نوع واحد فيجب على النسان أن يأكل
ما يليه ،وإذا كان الطعام أصنافا متنوعة فللنسان حق الختيار ويأكل ما شاء فالمر ف
قوله ( :وكل ما يليك) على بابه وهو الوجوب لكن فيما إذا كان الطعام واحدا ،
وال أعلم .
ومنها :قوله (( rأسبغ الوضوء وخلل بي الصابع وبالغ ف الستنشاق إل أن
تكون صائما )) رواه الربعة ،ولب داود (( :إذا توضأت فمضمض )) .
فها هنا عدة أوامر :الول :قوله ( :اسبغ الوضوء) أمر بالسباغ فيكون واجبا
والسباغ هو تعميم العضو بالاء مع السالة وهذا صحيح فالمر فيه يفيد الوجوب .
29
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الثان :قوله ( :وخلل بي الصابع) أمر والصل أنه يفيد الوجوب لكن نظرنا
فوجدنا قرينة تصرفه إل الندب وهو أن جيع الذين وصفوا وضوءه rل يذكروا أنه كان
يلل أصابعه ما يدل على أنه ل يكن يواظب عليه إذ لو كان ما يواظب عليه لنقله هؤلء
فلما ل ينقلوه دل على أن قوله ( :وخلل بي الصابع) ليس على بابه الذي هو الوجوب
وإنا هو للندب فيكون التخليل مندوبا .
الثالث :قوله ( :وبالغ ف الستنشاق) هنا أمران :أمر بالستنشاق ،وأمر بالبالغة،
فأما المر بالستنشاق فهو على بابه وهو الوجوب ويتأيد ذلك بقوله (( : rإذا توضأ
أحدكم فليجعل ف أنفه ماءً )) ،وف رواية (( :ومن توضأ فليستنشق )) ،وف رواية :
(( فليستنشق بنخريه من الاء )) ،فالمر بالستنشاق على بابه وهو الوجوب .فنقول :
من واجبات الوضوء الستنشاق ،وأما البالغة فأمر با هنا ف حديث لقيط بن صبة
ولكنه ل يأمر با ف حديث أب هريرة وجيع الواصفي لوضوئه ل يذكروا أنه كان يبالغ
ف الستنشاق فدل ذلك على أن البالغة فيه سنة لورود القرينة الصارفة .
الرابع :قوله ( :إذا توضأت فمضمض) وهذا أمر بالضمضة والصل ف المر
الطلق الوجوب ،فنقول :الضمضة واجبة ول تأت قرينة تصرفه عن بابه بل تأيد ذلك
بأحاديث أخرى تفيد أن المر با يراد به الوجوب ،وال أعلم .
ومنها :حديث أب هريرة مرفوعا " :إذا صلى أحدكم الركعتي اللتي قبل صلة
الصبح فليضطجع على شقه الين " فهذا أمر بالضطجاع بعد سنة الفجر ،والصل أنه
للوجوب ،لكن ورد له ما يصرفه عن بابه إل الندب وذلك ف حديث أب قتادة عند
مسلم ف قصة نومهم عن صلة الفجر قال " :فأذن بلل فصلى النب rركعت الفجر ث
أقيمت الصلة فصنع كما كان يصنع كل يوم " فهنا ل يضطجع rبعد ركعت الفجر
ففعله هذا صرف المر عن بابه إل الندب ،فنقول :الضطجاع على الشق الين بعد
ركعت الفجر سنة .
ومنها :قوله (( : rصلوا قبل الغرب ،صلوا قبل الغرب ،صلوا قبل الغرب ))
ث قال (( :لن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة )) رواه البخاري ،فقد أمر rبالصلة
قبل الغرب فالصل ف أمره الوجوب لكنه قال (لن شاء) وهذه قرينة تصرف المر عن
30
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الوجوب إل الندب ولو ل ترد هذه اللفظة لقلنا إن الصلة قبل الغرب واجبة لكن لا
وردت القرينة الصارفة للمر إل الندب قلنا با .
ومنها :قوله (( : rتوضؤوا من لوم البل )) فهذا أمر بالوضوء من لمها
والصل ف المر أنه للوجوب ،ول أعلم قرينة تصرف المر عن بابه فالبقاء عليه هو
التعي ،فنقول :الوضوء من أكل لم البل واجب للمر به وهذا هو الراجح وهو من
مفردات المام أحد .
ومنها :قوله (( : rمن غسل ميتا فليغتسل ومن حله فليتوضأ )) على التسليم بأنه
يتج به فإن المرين فيه للستحباب ل للوجوب بدليل قوله ف الديث الخر
(( ليس عليكم من غسل ميتكم غسل فإن ميتكم يوت طاهرا )) ،ومثله أن أم عطية
تولت هي وبعض النساء غسل بنت رسول ال rوذكرت أنه دخل عليهن وأمرهن أن
يغسلوها ثلثا أو خسا أو أكثر من ذلك وأنه أعطاهن حقوه ول تذكر أنه أمرهن بعد
الفراغ من غسلها أن يغتسلن أو يتوضأن ولو أمرهن لنقلته لنا فلما ل يأمرهن بالغتسال
دل ذلك على عدم وجوبه لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ،وغسلت أساء
بنت عميس رضي ال عنها أبا بكر tوخرجت وسألت الصحابة هل عليها غسل ؟
فقالسوا :ل ،فهسذا ُيعَدّ صسارفا للمسر ف الديسث ،فنقول :مسن غسسل
مسيستًا فليغتسل استحبابا ومن حله فليتوضأ استحبابا هذا إذا سلمنا سلمة الديث
للحتجاج وإل فقد قال أحد :ل يصح ف هذا الباب شيء ،وال أعلم .
ومنها :قوله rف الذي (( :توضأ واغسل ذكرك )) فهذا أمر وهو للوجوب ول
نعلم له صارفا ،فنقول :من خرج منه مذي فيجب عليه أن يغسل ذكره ويتوضأ للمر
به ،وال أعلم .
ومنها :قوله (( : rإذا سعتم الؤذن فقولوا مثل ما يقول الؤذن )) فهذا أمر
والصل فيه الوجوب ،وبه قال بعض أهل العلم ،لكن ورد ما يصرفه عن بابه وهو ما
رواه مسلم ف صحيحه أن النب rسع مؤذنا يؤذن فقال :ال أكب ال أكب ،فقال :
على الفطرة ،ث قال الؤذن :أشهد أن ل إله إل ال أشهد أن ممدا رسول ال ،فقال :
خرجت من النار … فلو كانت الجابة واجبة لجابه النب . r
31
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنها :قوله (( : rإذا أتى أحدكم أهله ث أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا ))
رواه مسلم ،وزاد الاكم (( :فإنه أنشط للعود )) فهذا أمر والصل فيه الوجوب ،لكن
وردت قرينة تصرفه عن بابه إل الندب وهي أنه rثبت عنه أنه طاف على نسائه بغسل
واحد ول ينقل عنه أنه توضأ .فلو كان الوضوء واجبا لتوضأ فلما ل يتوضأ دل ذلك
على أن المر به ف الديث أمر ندب ل أمر وجوب ،ولنه قال أيضا ف رواية الاكم :
ل لقوته وشدة رغبته (( فإنه أنشط للعود )) فهو أمر معلل فمن كان نشيطا للعود أص ً
فل يتوضأ وهذا ما يفهم من الديث ،فهذا المر إذا يراد به الندب لورود القرينة
الصارفة ولو ل ترد لقلنا بالوجوب لذه القاعدة .
ومنها :تية السجد ،فقد قال (( : rإذا دخل أحدكم السجد فليكع ركعتي
قبل أن يلس )) متفق عليه ،فقد أمر بتحية السجد ،والصل ف المر الوجوب ،وقال
به بعض العلماء لكن هناك قرينة تصرف المر عن بابه وهو حديث طلحة بن عبيد ال لا
سأل النب rعن السلم فقال (( :خس صلوات ف اليوم والليلة )) قال :هل عل ّي
غيها ،قال (( :ل ،إل أن تطوع )) فوصف ما عدا الصلوات المس بأنا تطوع ،
وكذلك لا دخل رجل السجد يوم المعة وتطى رقاب الناس قال له النب (( : rاجلس
فقد آذيت وآنيت )) ول يأمره أن يصلي ركعتي فلو كانت واجبة لمره با ،فهاتان
القرينتان تصرفان المر عن بابه إل الستحباب وهو الصحيح إن شاء ال تعال ،ولو
ل يردا ،لقلنا بالوجوب لن المر الطلق عن القرائن يفيد الوجوب.
ومنها :أن النب rأمر النب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ والديث صحيح ،فهذا
أمر والمر يفيد الوجوب لكن بثنا فوجدنا أن له صارفا وهو حديث عائشة رضي ال
عنها " :أن النب rكان ينام وهو جنب من غي أن يس ماءً " رواه الربعة بسندٍ حسن ،
فهذه القرينة صرفت المر عن بابه إل الندب وهو الصواب ولو ل ترد لقلنا بالوجوب
لن المر الطلق عن القرائن يفيد الوجوب .
ومنها :حديث أب هريرة مرفوعا " :إذا توضأ أحدكم فليجعل ف أنفه ما ًء ث
لينتثر " فهذا أمر بالنتثار وهو للوجوب ول أعلم له صارفا عن بابه إل الندب بل تأيد
32
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
المر القول بالفعل الدائم ،فنقول :السستننثار واجب من واجبات الوضوء لنه أمر به
والمر يفيد الوجوب إذا خل عن القرينة .
وهكذا فقس ،فأي أمرٍ وجدته فاحله على الوجوب إل إذا وردت القرائن الصارفة
له عن بابه فاحله على ما دلت عليه القرينة ،وال أعلم وأعلى.
33
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعــدة الرابعــة
( المر بعد الظر يفيد ما كان يفيده قبل الظر )
وهذا رواية عن المام أحد وهي الوافقة للدلة من الكتاب والسنة وهي أرجح من
قول بعضهم " :المر بعد الظر يفيد الباحة" فإنه يشكل عليه كثي من الدلة ورد فيها
المر بعد الظر ول يفيد الباحة ونعن (بالمر بعد الظر) أنه إذا حظر الشارع قولً أو
فعلً ث عاد فأمر به ،فهذا أمر بعد حظر كأن يقول مثل "ل تزوروا القبور" ،ث يقول :
"زوروها" ونو ذلك ،فهذا المر الذي أعقب الظر ماذا يفيد ؟ هل يفيد الوجوب كما
كان يفيده لو ل يرد بعد حظر ؟ أو أنه يفيد الندب أو يفيد الباحة ؟ أو يفيد حكمه قبل
الظر ؟ ف هذه السألة خلف بي الصوليي والصواب هو مقتضى هذه القاعدة وهو أن
الشارع إذا حرم شيئا من القوال ث أ مر به فإ نه ير جع ب عد فك ال ظر ع نه إل حك مه
الول ،فإن كان ق بل ال ظر واجبا ف هو ب عد ال ظر وا جب وإن كان سنة ف هو سنة وإن
كان قبل الظر مباحا فهو بعد الظر مباح .وهذا هو الوافق للدلة ،وهي كثية :
ْثس
ُمس فَا ْقتُلُوا الْمُشْرِكِي َ َحي ُ
حر ُ فمـن ذلك :قوله تعال ) :فَإِذَا َ
انسسلَخَ ا َل ْشهُ ُر الْ ُ
وَجَ ْدتُمُوهُ مْ( فقتال الشركي كان واجبا قبل الشهر الرم ث حرمه ال ف الشهر الرم
ث أ مر به مر ًة ثان ية ب عد ان سلخ الش هر الرم فقوله )فاقتلوا( يف يد الوجوب ل نه كان
واجبا قبل ال ظر ،ول ي كن أن يقال هنا إنه مباح على قول من قال إنه يفيد البا حة ،
فإن قتال الكفار يعلم من الدين بالضرورة أنه واجب ،فلما فُكّ الظر عاد الكم إل ما
كان يفيده قبل الظر .
و من ذلك :قوله تعال ) :يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل َت ْقتُلُوا ال ّ
صيْ َد َوَأنْتُ مْ ُحرُ مٌ ( فحرم
َاصسطَادُوا ( فأمسر بسه بعسد
ُمس ف ْ
ال تعال الصسيد البي حال الحرام ثس قال َ ) :وإِذَا َحلَ ْلت ْ
الحلل ،فالمر بالصيد بعد الحلل أمر بعد حظر ،فنقول يرجع إل ما كان يفيده قبل
ال ظر ،فنظر نا فوجد نا أن ال صيد مباح قبل ال ظر فقل نا إن ال مر بال صيد إذا ب عد تري ه
يفيد الباحة لنه كان مباحا قبل تريه .
و من ذلك :قوله تعال ) :يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا نُودِي لِل صّلةِ مِ ْن َيوْ ِم الْجُ ُم َعةِ
فَا ْس َعوْا إِلَى ذِكْرِ اللّ ِه وَ َذرُوا اْلبَيْ عَ ( فال صل أن الب يع جائز ث حر مه ال تعال إذا نودي
34
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ضيَتْ
للصلة من يوم المعة أي النداء الثان الذي يعقبه الطبة ث أمر به ف قوله ) :فَإِذَا ُق ِ
ال صّلةُ فَانتَشِرُوا فِي الَرْ ضِ وَاْبتَغُوا مِ نْ َفضْلِ اللّ هِ ( وهذا ال مر بالنتشار والبتغاء من
فضل ال يفيد الواز لنه كان يفيده قبل تريه ،والمر إذا ورد بعد حظر أفاد ما كان
يفيده قبل الظر .
و من ذلك :قوله ( : rإ ن ك نت نيت كم عن زيارة القبور فزورو ها فإن ا تذكر كم
الخرة) فالصل أن زيارة القبور كانت جائزة أو مستحبة ث نى عنها ث أمر با ف قوله
(فزوروها) فهذا المر يفيد الباحة أو الستحباب لنه كان يفيد ذلك قبل الظر .
ومـن ذلك :قوله ( : rكنست نيتكسم عسن ادخار لوم الضاحسي فادخروا …)
الديث .فالصل أن ادخار شيءٍ من لم الضحية جائز ث ني عنه من أجل الدافة أي
الفقراء الذ ين نزلوا الدي نة ،ث أ مر به ف قوله ( :فادخروا) فهذا ال مر يف يد البا حة ل نه
كان مباحا قبل الظر .
و من ذلك :قوله تعال ) :فَا ْعتَزِلُوا النّ سَاءَ فِي الْمَحِي ضِ ( فن هى عن جاع الرأة
الائض ثس قال ) :فَإِذَا تَ َطهّرْنَس َف ْأتُوهُنّ ( فأمسر بإتياناس ،وهذا المسر يفيسد الباحسة لن
التيان ق بل ال يض مباح ،وبذا ي تبي لك جليا أن ال مر ب عد ال ظر ير جع إل حك مه
السابق قبل الظر إل أنك تلحظ أن غالب ما ورد ف الشريعة من المر بعد الظر إنا
يفيسد الباحسة ولذلك قال مسن قال إنسه للباحسة ،لكسن الجود هسو القول بقتضسى هذه
القاعدة وال تعال أعلى وأعلم .
35
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعــدة الامســة
(المر التجرد عن القرائن يفيد الفور ول يفيد التكرار)
ها قاعدتان مهمتان غاية الهية فلبد من فصلهما وشرحهما واحدة واحدة ،
فأقول :القاعدة الول " :المر التجرد عن القرائن يفيد الفور " .
أقول :الراد (بالفور) أي وجوب البادرة بالفعل وعدم التأخي ،فهل إذا أمر ال
ورسوله rبأم ٍر مّا فهل تلزم البادرة بامتثاله أو أنه على التراخي ،أي يوز للمكلف
تأخيه فعله مت شاء ،هذا هو ما تيب عنه القاعدة ،وقد اختلف العلماء ف ذلك
اختلفا قويا قد أثر ف الفروع تأثيا واضحا ،فقال بعضهم المر التجرد عن القرائن يفيد
الفور ،وقال بعضهم بل يفيد التراخي ،والصواب هو الول أنه يفيد الفور ،وقد قلنا ف
القدمة أننا نرج القاعدة الصولية الختلف فيها بصيغة الزم على القول الذي نرجحه ،
والراجح هو أن المر التجرد عن القرائن يفيد البادرة بالفعل أي الفور ،والدليل على
ذلك عدة أمور :
من الدلة عليه :الدلة العامة المرة بالسارعة ف اليات كقوله تعال :
خيْرَاتِ [ وقوله ] :سَاِبقُوا إِلَى ] َوسَا ِرعُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ َرّبكُمْ [ وقوله ] :فَا ْسَتِبقُوا الْ َ
خيْرَاتِ [ وقال َمغْفِ َرةٍ [ وقال تعال مادحا بعض أنبيائه ] :إنم كانوا َيُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ
خيْرَاتِ [ فهذه الدلة فيها المر تعال ف ذكر صفات الؤمني ُ] :أوَْلئِكَ يُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ
بالسارعة والسابقة لفعل اليات وتصيل أسباب الغفرة ول يتحقق ذلك إل بالبادرة
بامتثال المر فور صدوره ،لن هذه هي حقيقة السارعة والسابقة فدل ذلك على أن
المر يفيد الفور والسارعة والسابقة للمتثال وقد مدح ال السارعي ف اليات البادرين
لمتثالا ول يدح ال تعال إل ما هو خي فالبادرة بالمتثال إذا هي الي ،وال أعلم .
ومن الدلة أيضا :أن ال تعال قال للملئكة ] اسْجُدُوا ل َدمَ [ فبادر اللئكة
بالمتثال وتلف إبليس وعاتبه ال تعال وعاقبه أشد العقوبة ما يدل على أن المر ف قوله
] اسْجُدُوا [ يفيد الفور إذ لو ل يفد الفور وكان يفيد التراخي لقال إبليس :سسأسجد
ولكن بعد حي لنه على التراخي ،فلما ل يصل ذلك دل على أن المر يفيد الفور
والبادرة بالمتثال ،وال أعلم .
36
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومن الدلة أيضا :أن أُب بن كعب tكان يصلي فدعاه النب rفلم يبه واستمر
ف صلته فلما فرغ قال :لبيك يا رسول ال ،فقال (( :ما منعك أن تيبن وال تعال
يقول ] :ا ْستَجِيبُوا لِلّ ِه وَلِل ّرسُولِ إِذَا َدعَاكُمْ لِمَا يُحْييكُمْ[ )) قال :يا رسول ال إن كنت
ف صلة … الديث ،وهو حديث حسن صحيح ،ووجه الشاهد منه :أن النب r
عاتب أبيا على عدم البادرة بالجابة ما يدل على أنه ترك شيئا يعاتب عليه والعتاب ل
يكون إل على ترك واجب ،ث استدل على أهية الفورية والبادرة بالجابة بالمر ف قوله
تعال ] :اسْتَجِيبُوا [ ما يدل على أن النب rكان يفهم منه فورية المتثال إذ لو كان ل
يفيد إل التراخي لا عاتب أبيا ف تأخي الجابة لكن لا عاتبه على تأخيها واستدل له
بذلك المر دل ذلك على أن المر يفيد الفور وهذا واضح جلي .
ومن الدلة أيضا :حديث صلح الديبية لا صد الشركون رسول ال rعن البيت
وأبرموا معه صلحا واشترطوا فيه عليه من الشروط ما رآه الصحابة محفا بالسلمي لا ت
ذلك قال النب (( : rقوموا فانروا هديكم واحلقوا رؤوسكم )) فلم يقم أحد ،فدخل
النب rعلى أم سلمة مغضبا فأخبها الب فقالت " :اخرج إليهم ول تكلم أحدا منهم
وانر هديك واحلق رأسك " ففعل ،فأحسوا بكبي ما فعلوه فقاموا فنحروا هديهم
وحلقوا رؤوسهم حت كاد بعضهم يقتل بعضا ،ووجه الشاهد أنه لا أمرهم بالنحر
واللق ول يتثلوا المر مباشرة ول يبادروا لتنفيذه غضب النب rما يدل على أنه يفيد
الفور إذ لو كان ل يفيد الفور لا غضب من عدم امتثالم عقيبه لكن لا غضب وفعل
ما فعل دل ذلك أن المر الطلق عن القرينة يفيد الفورية ولزوم البادرة بالداء حالً .
ومن الدلة النظرية أيضا :أن السيد لو قال لعبده اسقن ما ًء أو نوه فلم يبادر
العبد بالمتثال فعاقبه ،فجاءه العقلء فقالوا :ل عاقبته ؟ فقال لم :أمرته فلم يبادر
بالمتثال ،لستحسنوا ذلك منه ول يلوموه على عقابه ما يدل على أنه متقرر ف أذهان
العقلء أن صيغة المر الجردة تقتضي الفورية .وأن هذا هو الفهوم من وضع اللغة .
ومن الدلة أيضا :أنه أبرأ للذمة وأسرع ف الروج من عهدة الطالبة ،وهو
مقصد العاقل ولنه ل يدري إذا أخر الفعل هل يتمكن من أدائه أو ل فإن العوارض كثية
وابن آدم كالامة الطرية من الزرع ،لكن إذا بادر إل متثال واتقى ال ما استطاع لكان
37
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ذلك أبرأ لذمته ،ث أضف إل هذا أن البادرة إل المتثال والسارعة ف تنفيذ المر من
تعظيم شعائر ال وذلك دليل على تقوى القلوب ،فإنه لو أمرك اللك أو المي بشيء ول
تبادر إليه وتراخيت وهو يأمرك لعدّ ذلك منك سخرية وتساهلً بأمره وعدم تعظيم له ،
لكن لو أنك من حي ما أمرك امتثلت لعَدّ ذلك تعظيما لمره ،ول الثل العلى ،فإنك
إذا بادرت ف القيام بأمر الشارع فور صدوره وساعه لكان ذلك من تعظيمه ،وتعظيم
شعائر ال أخب ال أنه من تقوى القلوب .
وأضف إل هذا أن النفوس على ما عودت عليه فإن عودتا على الد والبادرة
والسارعة ف اليات تعودت عليه وسهلت الطاعات عليها ،وأما إذا عودتا على المول
والدعة والكسل وحب التأخي تراخت وفترت قواها وآثرت التأخي والتسويف ،ومن ثَمّ
تثقل عليها الطاعة ،فصار القول بأن المر الطلق يقتضي الفور له مصال جة وحكم
عظيمة ،وهذه الصال تفوت لو قلنا إنه على التراخي كما ترى .
ومن الدلة أيضا :أنه لا نسزل تري المر ف قوله ] فاجتنبوه [ وهو أمر
بالجتناب ،امتثل الصحابة هذا المر أعظم المتثال وبادروا بالجتناب حت سطروا
أروع المثلة ،فمنهم من كانت الشربة ف فمه فَمجّها وأريقت دنان المور ف الشوارع
حت سالت منها شوارع الدينة ،ول يتراخ أحد منهم ما يدل على أنم كانوا يفهمون
وجوب البادرة الفورية ف تنفيذ المر ،ول يعرف عن أح ٍد منهم إنكار ذلك أو مالفته
فكان إجاعا منهم أن المر يفيد الفور وسرعة المتثال .
ومن الدلة على ذلك أيضا :حديث ابن عمر ف الصحيحي ،قال (( :بينما
الناس بقباء ف صلة الصبح إذ جاءهم آت فقال :إن النب rقد أُنسزل عليه الليلة قرآن
وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها ،فاستداروا كما هم إل القبلة )) فانظروا كيف هذا
المتثال فإن الصحابة هؤلء yفهموا من المر باستقبال القبلة وجوب البادرة ولذلك
فعلوا ما فعلوا ول ينتظروا إل انتهاء الصلة ،فلو أن المر يفيد التراخي لا تركوا هذه
الركة الكثية ف الصلة ولنتظروا إل الفراغ منها لكن كانوا يفهمون أن المر هذا يفيد
الفور فبادروا بامتثاله واستداروا كما هم إل الكعبة ،ومثل هذا الفعل ل يفى على
38
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
النب rول على سائر الصحابة ول يثبت عن أح ٍد منهم أنه أنكر ذلك ما يدل على أن
التقرر عندهم هو أن المر الطلق يفيد الفور ،وال أعلم .
ومن الدلة عليه :ما يروى عن عمر موقوفا ومرفوعا للنب (( : rتعجلوا إل
الج والعمرة فإنه ل يدري أحدكم ما يعرض له )) وسنده ضعيف ،وقال عمر " : tمن
قدر على الج فلم يج فل عليه أن يوت يهوديا أو نصرانيا " ،وقال " :لقد همت أن
آمر عمال فيسلوا إل المصار أن من وجد جدة للحج ول يج أن يضربوا عليهم
الزية ،ما هم بسلمي ما هم بسلمي " ول ينكر عليه أحد ما يدل على أن المر بالج
للفور وإل ل يكن للخليفة الثان أن يكم بذا الكم على من ل يرتكب حراما وإنا أمر
ما يسوغ له تأخيه ،لكن لا قال ذلك وهَمّ به دل على أن المر بالج يفيد الفور
ووجوب البادرة ،وهذه الحاديث وإن كانت ف سندها ضعيفة لكنها تتأيد بعموم الدلة
الدالة على أن المر يفيد الفور ،وإن ل يقبل هذا الدليل فالدلة الاضية فيها كفاية إن شاء
ال تعال .
ومن الدلة أيضا :أن يقال لن يقول إن المر على التراخي ،هل التراخي هذا إل
غاية معينة أو ل غاية له ؟ ول يكن أن يكون التأخي إل غاية مهولة لنه يؤدي إل
تفويت الواجب بالكلية ،وأما إن قالوا إنه يوز تأخيه إل غاية ،قلنا :هل هذه الغاية
معلومة للمكلف أو مهولة ؟ ول يكن أن تكون مهولة لن الحكام الشرعية ل تناط
ت مهولة ،وإذا كانت معلومة للمكلف ،فنقول :مت هي ؟ وما الدليل على
بغايا ٍ
تديدها واعتبارها غاية لتأخي الواجب ؟ كل ذلك ما ل جواب عليه عندهم ،إل أن
يقولوا :يوز تأخي الواجب مع العلم بسلمة العاقبة ،فإن قالوا ذلك ،فقل :ومن الذي
يعلم عاقبته ،فإن العواقب من الغيب الذي ل يعلمه إل ال تعال ،وقد أخب ال تعال
باقتراب الجل ف قوله َ ] :وأَ ْن عَسَى َأنْ يَكُونَ َق ْد اقْتَرَبَ َأجَُلهُمْ [ فهذا تديد بغايةٍ
ل يعلمها الكلف فهي غاية مهولة والكم الشرعي ل يعلق بغاية مهولة ،بقي أن يقال :
إن المر يفيد الفور ول يوز تأخيه إل لعذرٍ فإذا قلت ذلك ل يلزم عليك أي لزمٍ ما
مضى ،واستقام قولك ،وما ورود اللوازم السابقة على القائلي بالتراخي إل أكب دليلٍ
على فساد قولم – رحم ال الميع رحة واسعة – ث يقال أيضا :إن الكلف إذا امتثل
39
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
المر عقيب صدوره فإنه يكون متثلً له بالجاع أي عند القائلي بأنه على الفور
ل عند بعضهم فقط ومالفا له عند والتراخي ،وأما إذا أخره ث أتى به فإنه يكون متث ً
الباقي والعاقل الريب يرص على فعل التفق عليه ،لن فعل ما اتفق عليه العلماء أول
من فعل ما انفرد به أحدهم ما أمكن ولنه حينئذٍ يكون متثلً للمر بيقي ،وأما إن أخره
فإنه يشك ف صحة امتثاله وفعل التيقن أول من فعل الشكوك فيه ،وبذا يتضح لك إن
شاء ال تعال أن القول الراجح هو القول بأن المر الطلق عن القرينة يفيد الفور .
فهذا هو الكلم على هذه القاعدة من ناحية الشرح والستدلل وبقي الكلم
عليها من ناحية الفروع فأقول :
منها :الج فرض ف السنة التاسعة وهو rحج ف السنة العاشرة ،فاستدل بذا
القائلون بالتراخي ،وذهب النابلة ف الشهور عنهم إل أن الج يب على الفور بشرط
القدرة ،أي إذا كنت قادرا على الج فعليك الج هذه السنة ول يوز لك تأخيه فإن
أخرته مع القدرة فأنت آث بذلك ،لن ال تعال ورسوله rأمرا به والمر الطلق عن
القرينة يفيد الفور واستدلوا بديث عمر السابق ذكره ف قيد الدلة وهذا القول هو
الراجح إن شاء ال تعال ،للقاعدة الذكورة وهي أن المر الطلق عن القرينة يفيد الفور ،
وقد أمر الشارع بالج ول قرينة فهو للفور ،وأما تأخيه - rإن سلمناه – فإنه لصلحة
راجحة لن البيت ل يكن مؤهلً للحج فأرسل أبا بكر وعليا أن ل يج البيت مشرك ول
يطوف بالبيت عريان ،ولن النب rهو الشرع وكان يعلم rأنا إنا هي حجة واحدة
فأخرها سنة ليعلم الناس بفرضية الج عليهم وليتأهبوا للحج معه ليأخذوا عنه مناسكهم ،
فالتأخي كان لصلحة راجحة ول شك أن القاعدة إنا تقصد البادرة لتنفيذ المر
والسارعة إل ذلك ما ل يكن ف التأخي مصلحة ،وال أعلم .
ومنها :المر بالزكاة فإن ال تعال قال ] :وَآتُوا الزّكَاةَ [ فهذا أمر والمر يفيد
الفور ،فإذا بلغ الال نصابا وحال عليه الول وجب على مالكه إخراج الزكاة فورا ،
وهذا على القول الصحيح .
ومنها :من أخر إخراج الزكاة حت تلف الال فهل عليه ضمانا أو ل؟
40
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فيه خلف يتفرع على خلفهم ف هذه القاعدة فالذين يقولون إن المر يفيد الفور،
قالوا :عليه ضمانا لنه فرط بتأخيها والفرط ضامن ،والذين يقولون :ل يفيد إل
التراخي قالوا :ل ضمان عليه لنه ل يفرط وإنا فعل ما يوز له فعله .
والصواب الول :أن عليه ضمانا لنه فرط ف تأخي إخراجها وقد أمره ال
بإخراجها والمر يفيد الفور .
ومنها :قضاء الصوم ،فإن ال تعال قد أمر به ف قوله تعال ] َفعِ ّدٌة مِنْ َأيّامٍ ُأخَرَ [
والمر يفيد الفور فيجب إذا على الكلف البادرة بالقضاء ،إل أنه دل الدليل الصحيح أن
قضاء رمضان ليس على الفور وأنه يوز فيه التراخي وهو حديث عائشة ف الصحيح
قالت (( :كان يكون عليّ الصوم من رمضان فل أستطيع أن أقضيه إل ف شعبان لكان
رسول ال rمن )) ومثل هذا الفعل ل يفى على النب ، rفلما أقرها ول ينكر عليها دل
على أن المر ف قوله تعال ] َفعِ ّدةٌ مِنْ َأيّامٍ أُ َخرَ [ يفيد التراخي ،وعلى هذا يرج هذا
الفرع من الصل بقتضى القرينة الصارفة وال أعلم .
ومنها :إخراج كفارة اليمي فإن ال تعال قد أمر بإخراجها بقوله ] َف َكفّا َرتُهُ إِ ْطعَامُ
عَشَ َرةِ مَسَا ِكيَ … [ ال الية ،فإذا ثبت أنه أمر با فإذا يكون المر فيها للفور فينبغي
إخراجها على الفور مع القدرة وعدم العذر فإذا أخرها بعد القدرة ول عذر فمات فإنه
يوت عاصيا لنه أخر ما ليس له تأخيه ،وهذا هو الصواب .وأما الذين قالوا إن المر
يفيد التراخي فإن إخراج الكفارة عندهم على التراخي ،مت أخرجها أجزأه ولو مات ول
يرجها فإنه ل يأث ،ولكن القول الول أصح لن المر يفيد الفور .
ومنها :نذر الطاعة إذا ل يدد له وقتا كأن يقول :ل عليّ أن أصلي أو أتصدق
أو أحج أو أعتمر ونوها ،فقد أمر النب rبالوفاء به ف قوله (( من نذر أن يطيع ال
فليطعه )) فلما ثبت أنه أمر بالوفاء بنذر الطاعة فالذي ينبغي البادرة بامتثاله والباءة منه
ول يوز التأخي لن المر ف قوله (( فليطعه )) يفيد الفور فمن نذر أن يطيع ال
ول يدد وقتا فليطعه الن مع صلحية الوقت والقدرة فلو أخره بعد القدرة والتمكن
فمات فإنه يوت عاصيا على الصحيح لن المر يفيد الفورية .
41
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنها :لو قال لوكيله بع هذه السلعة فتأخر ف بيعها فتلفت عنده فهل يضمن ،
على قولي :من قال بأن المر للتراخي قال :ل يضمن ،ومن قال للفور قال :بأنه
يضمن لنه مفرط ف التأخي وهو الراجح إن شاء ال ،فهذا هو الكلم على القاعدة
الول وهي أن المر الطلق عن القرينة يفيد الفورية .
وأما الثانية :فهي قولنا (ل التكرار) ونصها هو " :المر الطلق عن القرينة ل
يفيد التكرار "
وبيانا أن يقال :اعلم رحك ال تعال أن المر ل يلو من ثلث حالت :إما أن
يقترن به ما يفيد التكرار فهو ممول عليه كقوله " : rخس صلوات ف اليوم والليلة "
فالمر ف قوله تعال ] :أَقِيمُوا الصّلةَ [ يفيد التكرار لوجود القرينة الدالة على ذلك
وكالمر بغسل ناسة الكلب سبعا ،والمر بغسل اليد عند القيام من النوم ثلثا ،والمر
بالستجمار بثلثة أحجار.
والالة الثانية :أن يرد دليل مرتبط بالمر يدل على إفادة الرة الواحدة فقط فهذا
يمل على ما دل عليه من الوحدة ،مثال ذلك قوله (( : rالج مرة فمن زاد فهو تطوع
ت مَنْ
)) فإن هذا التقييد أفادنا أن المر بالج ف قوله تعال ] :وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِ ّج اْلَبيْ ِ
اسْتَطَاعَ إَِليْهِ َسبِيل [ وف قوله (( : rإن ال كتب عليكم الج فحجوا )) أن هذا المر
يفيد الرة الواحدة لنه اقترن با يدل على الرة الواحدة ،إذا علمت هذا فاعلم أن هاتي
الالتي ل تعلق لما با نن بصدد شرحه لن القاعدة ليست تبحث ف الوامر الت دل
الدليل على إفادتا التكرار ول فيما دل الدليل على إفادتا للمرة الواحدة ،وإنا البحث
هنا ف صيغ المر الت وردت مطلقة عن القرائن الفيدة لحد المرين ،فهذه الوامر
الطلقة عن القرائن هل تفيد التكرار أو ل تفيده ؟ هذا هو ما تيب عنه هذه القاعدة وهي
قولنا (ل التكرار) أي أن هذه الوامر الطلقة عن القرائن ل تفيد التكرار ،ومعن أنا ل
تفيد التكرار أي أن الكلف يرج من عهدة المر با بفعلها مرةً واحدة ،فإذا فعلها مرةً
واحدة برئت ذمته وخرج من عهدة الطالبة با ،هذا هو القول الصحيح وهو مذهب
أكثر النفية والظاهرية ورواية عن المام أحد واختارها من أصحابنا ابن قدامة ف الروضة
وأبو الطاب ف التمهيد بل ونسب هذا القول إل أكثر العلماء والتكلمي ،واختاره
42
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
المام الشنقيطي وغيه من الحققي ،وهو الذي تقتضيه الدلة الت سيأت تقيقها إن شاء
ال تعال ،وذهب القاضي أبو يعلى من أصحابنا إل أنه يفيد التكرار ونقله ابن القصار
عن مالك وهو قول بعض الشافعية كالستاذ أب إسحاق السفرايين وهو رواية عن المام
أحد رحه ال تعال ،وهو قول جاعة من الفقهاء والتكلمي ،العتمد ف تقرير القاعدة
هو أنه ل يفيد التكرار وهو الراجح للدلة التالية :
منها :أن صيغة المر الجردة ل دللة فيها على عددٍ معي ل مرة ول أكثر من
ذلك ،وإنا فيها مطلق المر ،فهي إنا تقتضي حصول ماهية الفعل أي كنهه فقط من
صلّ) فإناغي تعرض ل لر ٍة ول أكثر فل دليل فيها على كمية الفعل ،فإنه إذا قال له َ ( :
اقتضى ذلك إيقاع حقيقة الصلة ل على عددٍ معي حت يب لجله التكرار ،فالطلوب
إذا من صيغة المر الجردة هو تقيق ماهية الفعل وحقيقته ،وماهيته تصل بفعله مرةً
واحدة فل يب ما زاد عليها إل بدليل وهذا هو الراد بقولنا (ل يفيد التكرار) .
ومن الدلة أيضا :وضع اللغة فإن السيد لو قال لعبده :ادخل الدار ،فدخل ث
خرج لكان العبد متثلً لمر السيد بالدخول ،لن قد طلب منه مطلق الدخول وقد دخل
أي أنه امتثل أمر السيد بالدخول فل يسن من السيد لومه على عدم دخوله مرة ثانية
وثالثة ورابعة ،بل لو لمه على ذلك لنكر عليه العقلء ولقالوا إنك أمرته بالدخول وقد
دخل ،ول دللة ف صيغتك على عددٍ معي ،وإنا طلبت منه تقق ماهية الدخول وقد
امتثل العبد ذلك بدخوله مرةً واحدة ،فل يسن لومه ول توبيخه ،وما ذلك إل لن
المر الجرد عن القرائن ل يفيد التكرار .
ومن الدلة أيضا :قياس المر الطلق على اليمي والنذر ،وبيان ذلك أنه لو قال:
وال لصومن ،فهذا إلزام لنفسه بالصيام فيخرج من عهدة اليمي عند عقلء بن آدم
بصيام يوم واحد فقط ،فلم يقل أحد هنا بأن اليمي هذه تقتضي التكرار ،فليقل ذلك
أيضا ف المر الجرد عن القرينة بامع اللزام والياب ف كلٍ ،فإن ما وجب باليمي
كالذي يب بالشرع وخاصة إذا كان الحلوف على فعله عبادة ،فإذا كان إلزام النسان
نفسه عبادةً باليمي على فعلها ل يفيد التكرار فكذلك إلزام الشارع له بذه العبادة بالمر
با ل يفيد التكرار ،ومثل ذلك يقال ف النذر فإنه لو قال :ل علي أن أصوم ،لرج من
43
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
عهدة هذا النذر عند العقلء بصوم يومٍ واحدٍ فقط ،فل يفيد التكرار هنا فكذلك
ل يفيده أيضا بالمر الجرد لن الواجب بالنذر كالواجب بالشرع ،فإذا كان ل يفيد
التكرار ف النذر علمنا أنه ل يفيده أيضا بالمر الشرعي الجرد عن القرائن .
ومن الدلة أيضا :أن العقلء لو رأوا عبدا يدخل الدار ويرج ث يدخل ويرج ث
يدخل ويرج فسألوه عن سبب هذا الدخول التكرر فقال :سيدي قال ل :ادخل
الدار ،لا تردد واحد منهم ف أن العبد أساء الفهم وأخطأ ف هذا التصرف ،ولقالوا له :
إنا أمرك بالدخول ول يأمرك بتكرار الدخول ،وأنت امتثلت الدخول بالرة الول فيبقى
دخولك الثان والثالث والرابع ل فائدة فيه ول تؤمر به ،ما يدل على أن المر الطلق
ل يفيد التكرار ودللة الوضع اللغوي مهمة جدا .
ومن الدلة أيضا :قياس المر الجرد على الوكالة ف الطلق ،فإن الزوج لو قال
لوكيله :طلق زوجت ،فقد أمره بطلق زوجته ومع ذلك فالوكيل ل يلك إل طلقة
واحدة ،فإذا طلق الوكيل مر ًة واحدة انتهت وكالته فليقل ذلك ف المر الطلق بامع
المرية ف كلٍ ،فكما أن المر ف الوكالة ل يفيد إل الرة فكذلك المر الجرد ل يفيد
إل الرة ،وال أعلم .
ومن الدلة أيضا :أن الرجل لو أخب عن نفسه وقال :صمت ،فإنه يكون صادقا
بصوم يومٍ واحدٍ ،ولو قال :سوف أصوم ،صدق بصوم يومٍ واحدٍ فقط ،فهذا يدل
على أن المر الطلق ل يقتضي التكرار ولو كان يقتضيه لا صدق إل بصوم اليام كلها
وهذا واضح .
إذا علمت هذا فاعلم أنه يشكل على هذا الذهب الراجح بعض الشكالت الت
أوردها الفريق الخر القائلون بأن المر الطلق يقتضي التكرار ،فمن ذلك :حديث ابن
عباس عند مسلم ف وجوب الج وهو قوله (( : rإن ال فرض عليكم الج فحجوا ،
فقام رجل قال :أف كل عامٍ يا رسول ال ،فقال :لو قلت نعم لوجبت ولا استطعتم ،
الج مرة فمن زاد فهو تطوع )) ووجه الشكال أن المر ف قوله ((فحجوا)) لو كان
ل يفيد إل الرة الواحدة لا حسن سؤال القرع بن حابس tأعن قوله (أف كل عامٍ يا
رسول ال) ،لكن لا كان ل يفيده حسن السؤال منه ،والقرع من فصحاء العرب ،فدل
44
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
سؤاله أنه ل يكن يفهم أن المر الجرد ل يفيد التكرار فكيف تقولون إنه ل يفيد
التكرار ،فإنكم بذا تكونون قد فهمتم شيئا ل يفهمه القرع ، tكذا قالوا ،وهو كلم
مهزول ضعيف ل تقوم به حجة ،وبيان ذلك من أمور:
الول :أن القرع ل يفهم من المر التكرار أيضا ،أعن أن الدليل يرد على قولكم
كما يرد على قولنا ،فنقول :سلمنا أن القرع سأل عن الراد بالمر لنه ل يفهم إفادته
للمرة الواحدة ،لكن أيضا سؤاله دليل على أنه ل يكن يفهم أنه للتكرار كما تقولون إذ
لو كان القرع يفهم من المر الطلق التكرار فلماذا يسأل عن إفادته التكرار ،ففي
القيقة أن حديث ابن عباس هذا يرد على كل الذهبي هذا مع التسليم .
الثان :أن من تدبر إجابة النب rوجد أن هذا الديث دليل لنا ل لكم وبيان ذلك
أنه قال ((فحجوا)) ث قال القرع (أف كل عام) فقال عليه الصلة والسلم (( لو قلت
نعم لوجبت )) أي لوجب تكرارها بقوله ((نعم)) أي لو أجاب القرع بنعم لفاد التكرار
،فدل ذلك على أن المر ف قوله ((فحجوا)) ل يفيد التكرار ،لنه لو كان يفيد التكرار
لقال يا أقرع نعم الج ف كل عام لكن يكفيك مرة وما زاد فهو تطوع ،لكنه قال ((لو
قلت نعم)) وحرف (لو) ف اللغة حرف امتناع لمتناع ،أي لا ل يقل ((نعم)) امتنع
التكرار فالتكرار مستفاد من قوله ((نعم)) لكنه ل يقله فل تكرار إذا ،فإذا انتفى التكرار
بانتفاء قول (نعم) بقينا على دللة المر ف قوله ((فحجوا)) ولذلك قال مبينا لذه الدللة
ف آخر الديث ((الج مرة فمن زاد فهو تطوع)) وهذا حقه أن يكون ف سياق الدلة
لذهبنا لكن الغفلة عنه أوجبت تأخيه فال الستعان .
فإن قلت :فإذا كان المر كذلك والمر ف قوله ((فحجوا)) ل يفيد التكرار فلماذا
يسأل القرع هذا السؤال ؟ ولاذا ل يكتف بدللة المر الول ؟ فما الداعي لسؤاله هذا ؟
فنقول :لعل القرع أراد زيادة الحتياط لدينه ول يكتف بالوضع اللغوي بل أراد
أن يسمعها من النب rليزول الشكال وينتفي الحتمال ،وهذا من الحتياط الطلوب
شرعا ،وما العيب ف هذا ؟ أو لعل القرع نظر إل الفرائض الشروعة ووجدها متكررة
فالصلة تتكرر كل يومٍ وليلة والزكاة كل سنة والصيام كل سنة فغالب الفرائض متكررة
إما ف اليوم وإما ف السنة فلما سع المر بالج والج يتكرر موسه كل عام ظن tأنه
45
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
كالصيام ونوه ،فأراد إزالة هذا الظن بالسؤال ،فسأل فأجيب ،فهذا بالنسبة للشكال
الول والواب عليه .
وقالوا :ألستم تقولون إن النهي يقتضي التكرار أي إذا نيت عن شيء فعليك تركه
أبدا ول يكفيك تركه ف زمن دون زمن فالنهي يفيد التكرار ،والمر كالنهي فكما أن
النهي يفيد التكرار فكذلك المر يفيد التكرار ،لن القول فيهما واحد .
فنقول :أبدا هذا ليس بصحيح وقياسكم المر على النهي ف هذه السألة قياس مع
الفارق ،وذلك لنك إذا نيت عن شيء فإنه ل يتصور امتثالك له إل بتركه مطلقا ف
جيع الزمان ،فإنك إن فعلته مرة ل تعد متثلً له ،فهو يتصور من إياده مرةً واحدة ،
وقياس ما امتثاله يتحقق برةٍ واحدة على ما ل يتحقق امتثاله إل بالترك الطلق قياس غي
صحيح وأيضا فإن الطلوب ف النهي هو الترك والتكرار فيه ل مشقة فيه ،وأما المر فإن
الطلوب فيه فعل والتكرار فيه يوجب الشقة ،وأصول الشريعة ترفع الشقة والرج عن
الكلفي ،فالقول بأن المر الجرد ل يفيد التكرار قول متوافق مع أصول الشريعة ول
المد والنة وبه التوفيق والعصمة .
إذا علمت هذا تقق لديك إن شاء ال تعال أن الراجح من خلف الصوليي ف
هذه السألة هو ما اعتمدناه ف هذه القاعدة ،ول يبق فيها إل ذكر بعض الفروع عليها
لتتضح أكثر فأقول :
من الفروع عليها :اختلف العلماء رحهم ال تعال ف إعادة التيمم لكل صلة
فهل يلزم إعادة التيمم عند القيام لكل صلة أو يوز أن يصلي بالتيمم عدة صلوات كما
أنه توز الصلوات الكثية بوضوءٍ واحد ؟ هذا فيه خلف بي العلماء ،فقال بعضهم :
إنه يب إعادة التيمم لكل صلة وهو الشهور من مذهبنا وقال به جع من العلماء
واستدلوا بدليلي ،الول :قوله تعال ] ِإذَا ُق ْمتُمْ إِلَى الصّلةِ فَاغْسِلُوا … إل قوله …
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً َفَتيَمّمُوا [ فقد أمر ال بشيئي عند القيام إل الصلة :أحدها أصلي
والخر بدل ،فالصلي هو الوضوء ،والبدل هو التيمم ،وقد خرجا بصيغة المر ف
قوله ]فَاغْسِلُوا[ وف قوله ]َفَتيَمّمُوا[ وعلق ذلك المر بالقيام إل الصلة ،والمر يفيد
التكرار .فنقول :يب الوضوء عند كل صلة ،ويب التيمم عند كل صلة أيضا.
46
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
لكن جاءنا دليل يرج وجوب الوضوء عند كل صلة وهو أن النب rصلى
الصلوات المس بوضوء واحد كما ف حديث عمر بن أمية الضمري ،بل وف حديث
آخر أن عمر قال له " :لقد صنعت اليوم شيئا ل تكن تصنعه " فقال (( :عمدا فعلته ))
فخرج الوضوء بذا الدليل لكن بقي التيمم ل يأت دليل يرجه عن الوجوب عند كل
صلة فالمر به يفيد تكراره عند كل قيامٍ للصلة .
الدليل الثان :حديث ابن عباس مرفوعا وموقوفا " :من السنة أن ل يصلى
بالتيمم إل صلة واحدة ويتيمم للصلة الخرى " وعلى تقدير أنه موقوف فهو ف حكم
الرفوع ،لن الصحاب إذا قال من السنة كذا فله حكم الرفع فهذان دليلن على وجوب
إعادة التيمم عند كل صلة أعن الصلة الفروضة .
وقال بعض أهل العلم :ل يلزم إعادته ما ل يدث بل له أن يصلي الصلوات
المس بتيمم واحد وذلك لمور :الول :القياس على الوضوء لن التيمم بدل له
والبدل يأخذ حكم البدل إل ما دل الدليل على خلفه ،ومن أحكام الوضوء أنه يوز أن
تصلي بالوضوء الواحد جيع الصلوات فكذلك التيمم ،وأما الية فإن فيها المر بالتيمم
والمر ل يفيد التكرار وأما حديث ابن عباس فليس يصح من جهة سنده بل هو ضعيف
جدا ،فقد ضعفه الحققون العارفون بالعلل ،والحكام الشرعية ل تثبت بثله ،وهذا
القول هو الراجح وهو اختيار أب العباس ابن تيمية رحه ال تعال وذلك لن المر
ل يقتضي التكرار كما رجحنا سابقا وأما الديث فسبق الواب عنه ،وال أعلم .
ومنها :لو قال لوكيله :طلق زوجت ،فكم يلك الوكيل من الطلقات؟
فيه خلف بينهم ،فقال بعضهم :يلك الوكيل جيع ما يلكه موكله من الطلقات،
والوكل يلك الثلث فكذلك وكيله ولنه أمره بالطلق والمر يفيد التكرار ،فللوكيل
أن يطلق واحدة واثنتي وثلثا ،وقال بعضهم :بل ل يلك إل طلقة واحدة لن المر
ل يفيد التكرار وإنا الراد إيقاع الطلق من غي تعرضٍ لعدده ،وقد وقع بالطلقة الول ،
فتبقى الطلقات الزائدة ل وكالة فيها فتكون لغية لنا وقعت من ل يلك حل العقد
وهذا هو القول الراجح إن شاء ال تعال ،لكن لو قال له :طلق زوجت ثلثا ،فهذا
ل إشكال ف إفادته للتكرار لوجود القرينة وهي قوله (ثلثا) ،وال أعلم .
47
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
48
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنها :تكرار الغُسْل من النابة ،هل يسن فيه التثليث أو السنة تعميم البدن بالاء
مرةً واحدة فقط ؟ فيه خلف ،وبيان ذلك أن ال تعال قال َ ] :وِإنْ ُكْنتُمْ ُجنُبا
فَا ّطهّرُوا [ فأمر بالتطهر إذا تقق وصف النابة ،والراد بالتطهر هنا الغتسال أي أمر
بالغتسال عند النابة ،فقال بعض العلماء وهو رواية ف الذهب عندنا :أن السنة تكرار
الغسل ثلث مرات ،وأظن أنم استدلوا على ذلك بأمرين :
الول :قاسوه على الوضوء فالتثليث مستحب ف الوضوء فكذلك ف الغسل بامع
ل منهما طهارة واجبة .
أن ك ً
والثان :أن المر الطلق يفيد التكرار ،فالمر ف قوله ] فَا ّطهّرُوا [ يفيد التكرار ،
وقال أكثر العلماء :بل السنة القتصار ف الغسل على مرةٍ واحدة وذلك لمور :
الول :أن المر ف قوله ] فَا ّطهّرُوا [ ل يفيد التكرار لن الطلوب هو تعميم البدن
بالاء وهو حاصل بالرة الول .
الثان :أن هذه الية فيها بيان من النب rفإنه لا اغتسل من النابة ل يفض الاء
على بدنه إل مرةً واحدة إل الرأس فقد أفاض عليه ثلثا كما ف حديث ميمونة وعائشة
رضي ال عنهما ،أما قياسكم الغسل على الوضوء فهو قياس فاسد لنه قياس مع
الفارق ،وأما استدللكم بالقاعدة فإن الصواب فيها هو أن المر الطلق ل يقتضي التكرار
،وهذا القول أعن القتصار ف الغسل على مرة واحدة إل غسل الرأس هو القول الراجح
وهو اختيار أب العباس ابن تيمية رحه ال تعال .
ومنها :تكرار غسل النجاسات ،فإذا وقعت النجاسة على شيءٍ طاهر فقال
النابلة وغيهم إنه يب غسلها سبعا ،وهذا هو الشهور ،وعندنا رواية أنا تغسل ثلثا،
وموجب التكرار أمران :أن الشارع أمر بغسل النجاسات والمر يفيد التكرار ،ولن
ابن عمر قال " :أمرنا بغسل النجاسات سبعا " وقال بعض العلماء وهو رواية ثالثة ف
الذهب أن النجاسة تكاثر بالاء حت تذهب عينها من غي تعرض لعدد ،وجعلوا على
ذلك ضابطا وهو أن الصل أل يُحَدّ غسل النجاسة بعد ٍد إل بدليل ،لن الصل ف المر
الجرد أنه ل يفيد التكرار ،وأما حديث ابن عمر فليس بديث إذ ل يعرف له سند فل
أصل له ،وأما قياس سائر النجاسات على ناسة الكلب فهو قياس مع الفارق ،ول أعلم
49
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
دليلً ف الدنيا يدل على تديد غسل النجاسات بعددٍ إل ف ناستي :ف غسل ناسة
الكلب سبعا إحداها بتراب ،وف إزالة الارج من السبيل بثلثة أحجار منقية ،هذا
ما أعرفه ،فيبقى سائر النجاسات تغسل بالاء حت تزول عينها من غي تعرضٍ لعدد لن
المر ل يقتضي التكرار وهذا القول هو الراجح وهو اختيار أب العباس بن تيمية رحه ال
ومنها :مسح الرأس ف الوضوء ،فإن ال تعال قد أمر بسحه فقال جل وعل
] وَامْسَحُوا بِرُءُو ِسكُمْ [ فهل يشرع تكرار مسحه أو ل ؟
فيه خلف بي أهل العلم رحهم ال تعال ،فقال بعضهم :نعم يشرع تكرار
مسحه ثلثا ،لن المر يقتضي التكرار ولديث (( توضأ النب rثلثا ثلثا )) وقياسا
على سائر العضاء .وقال بعضهم :بل السنة فيه مسحة واحدة تأت على جيعه وذلك
لن المر ف قوله ] وَامْسَحُوا [ ل يفيد التكرار وإنا أمر بالسح وهو حاصل بالرة ،
ولن السنة بينت ذلك ففي حديث علي ف صفة الوضوء قال (( :ومسح برأسه واحدة))
وف حديث عبد ال بن زيد (( ث مسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر مرةً واحدةً )) وأما
حديث (( توضأ ثلثا ثلثا )) فهو ممل قضى عليه البيان النبوي ،وأما قياس الرأس على
سائر العضاء ففاسد العتبار لصادمته للنص ولنه مع الفارق إذ الرأس مسوح وباقي
العضاء مغسولة .
والضابط عندنا أنه ل تكرار ف المسوح ،واختار هذا القول أبو العباس بن تيمية
رحه ال تعال ،وهو مذهب النابلة ،وهو القول الراجح وال أعلم.
ومنها :تكرار السح ف التيمم فقد قال به بعض أهل العلم لن المر ف قوله تعال
] َفَتيَمّمُوا [ يفيد التكرار ولديث ابن عمر " التيمم ضربتان ،ضربة للوجه ،وضربة
لليدين إل الرفقي " ،وقال بعضهم :بل السنة السح مرةً واحدة لبيان السنة كما ف
حديث عمار ف الصحيحي ،وأما حديث ابن عمر فالصواب وقفه ل رفعه ،وقد خالفه
غيه من الصحابة ،وأما قولم المر ف قوله ] َفَتيَمّمُوا [ يفيد التكرار فليس بصحيح ،
فالمر ل يقتضي التكرار وهذا هو الراجح أن التيمم ضربة واحدة يسح بما ظاهر كفيه
ووجهه وال أعلم .
50
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فهذه بعض الفروع الت ظهرت بالتأمل ول أر كثيا منها ف كتب الصول ،وإنا
هو توفيق ال وفتحه ،فاللهم اغفر للعلماء مغفرة واسعة وارفع نسزلم واجعنا بم ف
جناتك جنات النعيم .
51
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعـدة السـادسـة
( المـر العلق على شرطٍ أو صفة
هـا علته يتكـرر بتكررهـا )
وهذا هو فصل الطاب ف اللف ف ذلك ،وهو جزء من القاعدة السابقة ولكن
لهيته أفردته بالذكر ف قاعدة مستقلة وهذا النوع من المر ليس هو المر الجرد الذي
قد تقدم البحث فيه وقلنا أنه ل يفيد التكرار ،بل هذا المر وجدت فيه قرينة تدل على
التكرار وهي تعليقه بالشرط والصفة ،لكن ينبغي لك قبل البحث ف فروعها الكثية أن
نعرف شيئا من قيودها فأقول:
إن المر إذا علق على شرطٍ أو صفة فل يلو من حالتي :إما أن يكون هذا الشرط
وهذه الصفة هي علته الت ل تنفك عنه ول ينفك عنها إذا توفرت شروطها وانتفت
موانعها ،وإما ل .فإن كان هذا الشرط والصفة ها علة المر فإن هذا هو ما نعنيه ف
هذه القاعدة وهو الراد شرحه ،وأما الشرط والصفة الت ل تعلق لا بالعلة فهذا ل يفيد
التكرار ولشك ولذلك قلنا ف القاعدة (ها) أي الشرط والصفة (علته) أي علة المر
وسببه الذي ل يتخلف عنه مع كمال شروطه وانتفاء موانعه .
فإذا يتلخص من هذا أن المر العلق على الشرط والصفة يفيد التكرار إن كانت
هي علته ،ول يفيد التكرار إن كان ل مدخل لما ف العلة .
إذا علمت هذا فإليك بعض الفروع الهمة فقط من باب الشارة فأقول :
منها :قوله تعال ] َوِإنْ ُكْنتُمْ ُجنُبا فَا ّطهّرُوا [ فعلق المر ف قوله ] فَا ّطهّرُوا[
بوجود النابة ،والنابة شرط لوجوب الغسل فهي كالعلة له ،فإذا وجدت النابة وجد
الغسل ،وإذا انتفت النابة انتفى الغسل إل بسببٍ آخر لن أسباب الغسل كثية ،فتعليق
المر بالغسل على وجود النابة هنا يفيد التكرار كلما تكرر شرطه لن الشرط هنا
كالعلة ف المر ،وعلى ذلك لو خرج الن دفقا بلذةٍ وجب الغسل لتحقق الشرط فإذا
اغتسل ث خرج بعد الغسل من آخر ،فهل يلزم الغسل أو ل ؟
52
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الصواب أن هذا الن الخر إن كان دفقا بلذة فهو جنابة جديدة فيتطلب لا غسل
آخر ،وإن كان بل شهوة فهو بقية الن الول والن الواحد ل يوجب غسلي ففيه
الوضوء فقط .فقلنا هنا يعيد الغسل ف الالة الول لن الشرط تكسرر فتكرر المر ،
وأعن بالشرط النابة وأعن بالمر المر بالتطهر ،وال أعلم .
ومنها :إذا سع النسان مؤذنا فإنه ييبه لقوله (( : rإذا سعتم الؤذن فقولوا مثل
ما يقول الؤذن )) متفق عليه ،لكن ما الكم إذا سع مؤذنا آخر لنفس الوقت وقبل
الصلة فهل ييبه أو ل ؟
نقول :فيه خلف والصواب أنه ييب مؤذنا ثانيا وثالثا ورابعا وهكذا وذلك لن
المر ف قوله " فقولوا " يفيد التكرار لنه علق على شرط وهو قوله "إذا سعتم" والشرط
هنا علة للمر والمر العلق على شرط هو علة له فإنه يتكرر بتكرر شرطه ،فكلما تكرر
السماع تكررت الجابة واختاره أبو العباس بن تيمية رحه ال تعال .
ومنها :تكرار تية السجد كلما تكرر الدخول للمسجد ،فهذا فيه خلف بي
أهل العلم والصواب أن من دخل السجد للجلوس فل يلس حت يصلي ركعتي ولو أنه
خرج بنية الرجوع وذلك لقوله (( : rإذا دخل أحدكم السجد فليكع ركعتي قبل أن
ط وهو قوله ((إذا دخل)) وهذا
يلس )) فالمر ف قوله ((فليكع)) أمر معلق على شر ٍ
ط هو علته يتكرر بتكرر شرطه ،ولنماالشرط هو علة المر ،والمر العلق على شر ٍ
تية للمسجد ومن خرج عن قومٍ ولو يسيا ث رجع إليهم فيسن السلم عليهم ولو ل
يطل الفصل ولو بنية الرجوع لنا تيتهم ،فكذلك تية السجد تتكرر كلما تكرر
الدخول .
لكن من تكرر دخولم للمسجد كعمال النظافة ونوهم فهؤلء قد يشق عليهم
تكرار التحية كلما تكرر دخولم وخصوصا على القول بوجوبما ،أما مع القول
بالستحباب فل مشقة لواز الترك ،فحينئذٍ ينظر لؤلء بنظرٍ خاص وهو الكتفاء
بالركعتي ف أول دخولٍ لن تكرارها عليهم فيه مشقة والشقة تلب التيسي وإذا ضاق
المر اتسع ،لكن يبقى غيهم من ل يكثر تكرر دخوله للمسجد على تكرر المر ف
حقه كلما تكرر شرطه ،وال أعلم .
53
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنها :تكرر القطع كلما تكررت السرقة ،ذلك لن ال تعال قال ] :وَالسّا ِرقُ
وَالسّارَِقةُ فَا ْق َطعُوا َأيْ ِدَيهُمَا [ فالمر ف قوله ]فَا ْق َطعُوا[ قد علق على صفة هي علة فيه وهي
وصف السرقة ،فهو إذا يقتضي التكرار كلما تكرر هذا الوصف لنه علة فيه والكم
يتكرر بتكرر علته وخالف ف ذلك بعض العلماء فقالوا :بل إذا قطع الرة الول ث سرق
فإنه ل يقطع وإنا يعزر با يراه المام ،لكن الصواب هو تكرر القطع بتكرر السرقة ،
فمن سرق ف الرة الول فإنه تقطع يده اليمن بالجاع وف قراءة شاذة ]فاقطعوا أيانما[
وهو عمل اللفاء الراشدين .
ومن سرق ف الرة الثانية فاختلف القائلون بالقطع ،فقال عطاء " :تقطع يده
اليسرى " ،لكن الصواب أنه تقطع رجله اليسرى لا روي عن عمر ول يعرف له مالف
من الصحابة ،ونقل بعضهم الجاع عليه ،لكن دعوى الجاع ل تصح لثبوت اللف ،
وهو قول أكثر الفقهاء .
ث إذا سرق ثالثا ،فقيل تقطع يده اليسرى عملً بالمر لنه يقتضي التكرار لتكرر
الوصف ،وقال بعضهم :إذا سرق الثالثة فل قطع عليه وإنا يعزر باللد أو البس
ونوها ويستدلون بفعل علي tوهو أثر مشهور وكان على مضر من الصحابة ول ينكر
عليه أحد فكان مثل الجاع ،ولعل هذا الرأي هو القرب ل لن المر ل يقتضي
التكرار بتكرر الوصف وإنا لجاع الصحابة السكوت وهو من الجج الظنية ،ولنه
أرفق بالسارق فإننا لو أتينا على أطرافه الربعة لتعطل عن منافعه ولذلك قال علي tما
قال ،وال أعلم.
ومنها :من زن فأقيم عليه الد ث زن لزمه حد آخر لن المر ف قوله :
] فَا ْجلِدُوا[ معلق على صفة وهي قوله ] :الزّاِنَيةُ وَالزّانِي [ وهذه الصفة هي علة له ،
لكن ما الكم إذا زن مرارا ول يقم عليه الد ،فهل يكفي ف الميع حد واحد ؟ أو
يلزم لكل زنا حد مستقل ؟ فيه خلف والراجح هو الول لن الدود إذا كانت من
جنس واح ٍد فإنا تتداخل وقد شرحنا طرفا منها ف موضعٍ آخر ،وال أعلم .
ومنها :لو قال لزوجه :إن دخلت الدار فأنت طالق ،فدخلت مر ًة وقعت عليها
طلقة ،لكن ما الكم لو خرجت ث دخلت مرةً أخرى ،فهل تطلق ثانية وهكذا أو ل ؟
54
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الواب :فيه خلف والصواب أنا ل تطلق ،لن النشاء ف قوله (أنت طالق)
معلق على شرط وهو دخول الدار ،لكن هذا الشرط ليس علة ف الطلق فل علقة بي
الطلق ودخول الدار فإذا ل يتكرر الطلق بتكرر الدخول لننا اشترطنا ف الشرط
والصفة اللذين علق عليهما المر أن يكونا علة ف الكم ل تفارقه عند توفر شروطها
وانتفاء موانعها ،وال أعلم .
ومنها :لو قال :إن جاء زيد فأعتق عبدا ،فجاء زيد فبمجيئه يصل العتق ،لكن
لو جاء ثانية وثالثة فهل يتكرر العتق كلما تكرر ميئه ؟
الواب :ل يتكرر بل العتق يصل ف الجيء الول ل غي ،لن المر هنا علق
ط ليس هو علة فيه إذ ل علقة بي ميء زيد وبي العتق فل يتكرر العتق بتكرر
على شر ٍ
الجيء ،وال تعال أعلم .
(تنبيه) اعلم أن هناك بعض صيغ الشرط تدل على التكرار بوضعها اللغوي وهو
كلمة (كلما) كقولك كلما دخلت الدار فأنت طالق فهنا يتكرر الطلق بتكرر الدخول ،
ولو قال :كلما جاء زيد فأعتق عبدا فيتكرر العتق بتكرر الجيء ،وقلنا بالتكرار هنا لن
المر علق على شرط يفيد التكرار بوضعه اللغوي .
فإن قلت :قد طال الكلم فأعطنا اللصة .
فأقول :خلصة الكلم أن يقال :إذا علق المر على شرط فل يلو من ثلث
حالت :إما أن يدل الشرط على التكرار بوصفه فيفيد التكرار .
وإما أن يكون علة ف الكم فيفيد التكرار .
وإما ل هذا ول هذا فل يفيد التكرار ،وال أعلى وأعلم .
55
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعـدة السـابعـة
( الزيـادة على النـص ليسـت نسـخا )
وهذا هو الراجح وهو مذهب جهور أهل العلم رحهم ال تعال من الالكية
والشافعية والنابلة ،والراد بقولنا (الزيادة) أي من السنة الحادية ،وقولنا (على النص)
أي القرآن ،وبيان معناها أن يقال :إذا ورد حكم ف القرآن الكري ث وردت السنة
بالزيادة فيه زيادةً هي كالزء أو الشرط أي أن السنة الحادية أضافت حكما أو شرطا
على ما ثبت بالقرآن ،فهل تكون هذه الزيادة ناسخة للقرآن ؟ أو زيادة من باب البيان
فتقبل ؟ ومثال ذلك :أن حد الزان البكر ف القرآن هو أن يلد مائة جلدة ،فمائة اللدة
هذه هي حد الزان البكر ف القرآن فجاءت السنة الحادية فأضافت شيئا آخر ف حد
الزان البكر وهو التغريب عاما ،فهذه هي الزيادة على النص ،أي أن السنة الحادية
أثبتت شيئا زائدا على ما ف القرآن ،فهل هذه الزيادة نسخ أو ل ؟
فيه خلف ،ومذهب المهور كما قدمنا لك أن هذه الزيادة ليست نسخا بل هي
بيا ٌن لا ف القرآن وإضافة شيءٍ جديدٍ له وليس هذا يسمى نسخا ،وذهب النفية إل أن
هذه الزيادة نسخ للقرآن ،فل تقبل وسوف يأت دليلهم مع الواب عليه إن شاء ال تعال
إذا علمت هذا فإليك بث هذه القاعدة بالتفصيل فأقول :
إذا زادت السنة على القرآن شيئا فل يلو :إما أن ل تتعلق بالزيد عليه ،أي أن
القرآن يثبت حكما وزادت السنة حكما آخر ل تعلق له بالكم الثابت بالقرآن كأن
يثبت القرآن الصلة وتأت السنة بإثبات الج أو الصوم مثلً ،فهذه الزيادة ليست نسخا
باتفاق العلماء رحهم ال تعال ،فالسنة عند الميع تثبت أحكاما جديدة ليست ف
القرآن ،فهذه الالة ل خلف فيها ،وإنا اللف وقع ف الالة الثانية :وهي أن تزيد
السنة على القرآن زياد ًة تكون كالزء أو كالشرط لا ثبت بالقرآن ،أي أن يثبت القرآن
حكما ث تأت السنة فتثبت شرطا زائدا ف هذا الكم ،ل يتكلم القرآن عليه ،فهل هذه
الزيادة نسخ أو ل ؟ هذه هي الت وقع فيها اللف ،وقدمنا أن الراجح هو قول المهور
وهو نص هذه القاعدة وهي أن ما زادته السنة الحادية على القرآن ل يعد نسخا
للقرآن بل يري مرى البيان والدليل على ترجيح هذا القول عدة أمور :
56
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
منها :أن حقيقة النسخ عند الصوليي هو رفع الكم الثابت بطا ٍ
ب متقدم بطابٍ
متأخرٍ عنه ،وليس ف هذه السألة رفع لكم وإنا فيها إضافة شيء جديد مع بقاء الكم
الثابت بالقرآن على حاله ،فليس هناك حكم ارتفع حت نقول إنه نسخ .
ومن الدلة أيضا :أن الذي ارتفع إنا هو الباءة الصلية إذ أن الصل عدم
التكليف بذا الكم الديد الذي ثبت بالسنة أي أن الصل أن ذمة الكلف بريئة منه ،
فلما ثبت بالسنة ارتفعت هذه الباءة الصلية وعمرت الذمة به وبالتفاق أن رفع الباءة
الصلية ل يسمى نسخا لن النسخ رفع للحكم الثابت بالطاب الشرعي والباءة الصلية
إنا ثبتت بالعقل ل بالكم الشرعي فل يسمى رفعها نسخا ولن القاعدة تنص على أن
إعمال الدليلي واجب إذا أمكن ول يصار للنسخ إل مع تعذر المع ،والمع بي القرآن
والسنة الحادية يكن وهو جعل هذه الزيادة مبينة لا ف القرآن ومضيفة له حكما جديدا
فإذا أمكن المع ل يز القول بالنسخ .
ومن الدلة :أنه ل يوز إبطال شيء من كلم الشارع إذا أمكن إعماله وهنا يكن
إعماله ولن القاعدة تنص على أن إعمال الكلم أول من إهاله وعلى قول النفية فيه
إهال لكلم الشارع فإذا كان إهال كلم سائر الناس ل يوز مع إمكان إعماله فمن باب
أول أل يهمل كلم الشارع مع إمكان إعماله وذلك بعل السنة مبينة للقرآن ل
مضادة له .
فهذه هي أدلتنا على ما ذهبنا إليه .وقال النفية رحهم ال تعال :أما نن فنرى أن
الزيادة على القرآن نسخ ودليل ذلك أن الكم الذكور ف القرآن قبل الزيادة كان كافيا
ل بنفسه ،وبعد هذه الزيادة ارتفع استقلله ول يعد كافيا بفرده
للمقصود منه مستق ً
فالزيادة نسخت استقلل الكم القرآن ورفعته ورفعه هو النسخ عندنا فصارت الزيادة
على القرآن نسخ له ل لنا رفعت الكم أصلً وإنا رفعت استقلل الكم فلم يعد كافيا
لوحده كما كان قبل هذه الزيادة ،فإذا تقرر ذلك فنقول - :أي النفية – يب حينئذٍ
رد هذه الزيادة لنا آحاد والقرآن متواتر والحاد ل يقوى على نسخ التواتر ،كذا قالوا
– رحهم ال تعال – وأجاب المهور عن ذلك :بأن النسخ حقيقته رفع حكم شرعي ،
وهنا ل يرتفع بذه الزيادة حكم شرعي وإنا الذي ارتفع هو استقلل الكم الشرعي
57
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ورفع الستقلل ل يسمى نسخا ،ولن رفع الستقلل ل يقصد أصلً وإنا ارتفع تبعا ل
قصدا لن من لوازم هذه الزيادة أن يرتفع الستقلل ،فهي ل تقصد بالرفع فل يكون
رفعها نسخا لعدم القصد .
ويلزم عليهم – رحهم ال تعال – أن الصلة كانت هي الشعية الوحيدة قبل
فرض الصوم والزكاة والج وكانت هي كل الشريعة أعن من الشعائر الظاهرة ،ث لا
فرض الصوم والج رفعت استقلل الصلة بكونا كل الشريعة بعد الشهادتي ول يسم
النفية رحهم ال تعال رفع هذا الستقلل نسخا فكذلك هنا بامع رفع الستقلل ف
ك ٍل ،بغض النظر عن نوعية هذه الزيادة ،أهي تتعلق بالزيد عليه أو ل ؟ الهم أن
الستقلل رفع ف كلٍ فإذا كان رفع الستقلل ف مثالنا ل يسمى نسخا فكذلك الزيادة
على النص إذا رفعت استقلله ،فرفع الستقلل ل يسمى نسخا .
ث نرى أن الئمة النفية رحهم ال تعال يتركون هذه القاعدة ف بعض الفروع
وهي كثية لكن أعطيك مثالً واحدا وهو :أن نواقض الوضوء ف القرآن إنا هي الغائط
كما ف آية سورة الائدة والنساء فالقرآن نص على ذلك فالغائط هو الناقض الوحيد
للوضوء ف القرآن فهو مستقل بالنقض لكن نرى أن النفية جعلوا من نواقض الوضوء
القهقهة ف الصلة ويستدلون على ذلك بديث آحاد ضعيف فلو كان هذا صحيحا فإنه
يرفع استقلل الغائط بكونه هو الناقض ف القرآن فيأت رجل ويقول :ليس الغائط هو
الناقض لوحده بل والقهقهة أيضا من النواقض ،فهذا القول يرفع استقلل الكم القرآن
ومع ذلك قالوا به ول يسموه نسخا ،مع أنه زيادة على النص ،فكيف ذلك ؟ فهذا يدل
على ضعف قولم – رحهم ال رحة واسعة وغفر لم – فكم ردوا من السنن الصحيحة
بثل هذه الراء الضعيفة – فاللهم اغفر لم من أولم إل آخرهم وتاوز عنهم واجعنا بم
ف جنتك – لكن السنة أحب إلينا وأعظم ف قلوبنا من كل أحد وكل يؤخذ من قوله
ب وسنة .ويترك إل قول الشريعة من كتا ٍ
إذا علمت هذا وتبي لك ما رجحناه من أن الزيادة على النص ليست نسخا فإليك
بعض الفروع الت اختلفوا فيها بسبب خلفهم ف هذه القاعدة :
فمن الفروع :النية ف الوضوء ،ذهب المهور إل وجوب النية ف الوضوء فل
58
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
يصح الوضوء إل با مستدلي على ذلك بديث عمر الشهور " :إنا العمال بالنيات "
وذهب النفية إل أنا ليست بشرط فيه فيصح بدونا وإن جاء با فحسن ،وقالوا :إن
آية الوضوء ليس فيها تعرض للنية وإنا فيها المر بغسل العضاء الثلثة ومسح الرأس ،
فهذا هو الوضوء ف الية فلو اشترطنا النية وقلنا إنا داخلة ف مسمى الوضوء لصار ذلك
نسخا للقرآن بسنةٍ آحادية وهو باطل ،لن الزيادة على النص نسخ ،كذا قالوا ،والق
بل شك مع المهور لصحة الحاديث ف ذلك ،وأما القاعدة فصوابا هو ما تقدم لك
فل عبة بقولم لنه مصادم للنص ،هذا مع التسليم أن الية ليس فيها إشارة للنية ،وإل
فالق أن من تدبر لفظ الية لوجدها قد أشارت للنية وذلك ف قوله ِ ] :إذَا ُق ْمتُمْ إِلَى
الصّلةِ [ أي إذا أردت وقصدت القيام لا وهذه هي النية.
والعجب منهم رحهم ال تعال فإنم يشترطون النية ف التيمم ويقولون إن القرآن
صعِيدًا َطيّبا[ والتيمم هو القصد وهذا دل على النية ف التيمم وذلك ف قوله َ ] :فَتيَمّمُوا َ
هو النية ،فنقول :فهمتم الشارة إل النية هنا ول تفهموها ف أول الية مع أن فهم النية
صعِيدًا طَيّبا[ ،وعلى ف قوله ِ ] :إذَا ُق ْمتُمْ إِلَى الصّلةِ [ أوضح من قوله َ] :فَتيَمّمُوا َ
العموم فالصواب هو اشتراط النية ف كلٍ ،بل القاعدة عندنا أن النية شرط لصحة
الأمورات وشرط لترتب الثواب ف التروك ،وال أعلم .
ومنها :وجوب الترتيب بي أعضاء الوضوء ،قال الشافعية والنابلة :بأنه ركن
من أركان الوضوء ،مع اختلف مآخذهم لكن قالوا بركنيته ،واستدل النابلة على
الركنية بديث ((أبدأ با بدأ ال به)) وهذا وإن كان ف الج لكن العبة بعموم اللفظ
ل بصوص السبب وبفعله rولنه أدخل مسوحا بي مغسولي والشريعة ل تفصل بي
متماثلي إل لكمة والكمة هنا هي مراعاة الترتيب ولن فعله صار بيانا للمر القرآن
والفعل إذا اقترن بأمر قول أفاد الوجوب ،وف الديث (( حت تسبغ الوضوء كما أمرك
ال تعال )) وتوضأ النب rمرتبا وقال (( :هذا وضوء ل يقبل ال الصلة إل به ))
وغيها من الدلة .
وأما الشافعية فاستدلوا بدليل آخر وهو :أن عطف هذه العضاء الربعة برف
الواو الناسقة تفيد الترتيب عندهم كما ذكره الزنان عنهم ،وعلى كل حال فكل
59
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
60
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
نسخ ،وقال المهور :بل الطهارة شرط لصحة الطواف ،لديث عائشة مرفوعا (( غي
أل تطوف بالبيت حت تطهري )) ،وحديث (( توضأ النب rث طاف )) ،ولديث
((الطواف بالبيت صلة إل أن ال أباح الكلم فيه)) ومن شروط الصلة الطهارة وقد
جعل الطواف كالصلة ،والية وإن ل يصرح فيها بالطهارة لكن النب َ rبيّنَ ذلك بيانا
شافيا كافيا وإن سلمنا أنا زيادة على النص فإن الزيادة على النص ليست نسخا ،
واختار أبو العباس أن الطهارة للطواف مستحبة وليست شرطا ل لنه يقول بقاعدة
النفية وإنا لعدم الدليل الصريح الوجب للطهارة ،ولبحث السألة موضع آخر والهم أن
تعرف مآخذ العلماء ف اختلفهم وأنم اختلفوا ف هذا الفرع بسبب خلفهم ف هذه
القاعدة .
ومنها :الطمأنينة ف الركوع والسجود ،فقال النفية :ليست الطمأنينة شرطا ف
جدُوا [ فلم
صحتهما بل تكفي صورتما فقط ،وذلك لن ال تعال قال ] :ارْ َكعُوا وَاسْ ُ
يأمر إل با يسمى ركوعا وسجودا ،ول يتعرض للطمأنينة فلو زدنا اشتراطها على
مسمى الركوع والسجود لزدنا على القرآن والزيادة على النص نسخ .
وقال المهور :بل الطمأنينة ركن من أركان الصلة ف ركوعها وسجودها
وقيامها وقعودها على خلف بينهم ف تديدها واستدلوا على ذلك بديث السيء صلته
وهو حديث ف الصحيحي وفيه أن النب rكان قال للرجل (( :ث اركع حت تطمئن
راكعا )) وقال (( :ث اسجد حت تطمئن ساجدا )) وهذا بيان لا ف القرآن ،وإن سلمنا
أنه زيادة عليه فليست الزيادة على القرآن نسخ وهذا القول هو الراجح لصراحة الدليل
وصحته ،وال أعلم .
ومنها :زيادة التغريب على اللد ف حد الزان البكر ،فإن العلماء قد اتفقوا على
أن البكر إذا زن فإنه يلد مائة ،لقوله تعال ] :الزّانَِي ُة وَالزّانِي فَاجِْلدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد ِمْنهُمَا
مِاَئةَ جَلْ َدةٍ [ ولكن اختلفوا ف تغريبه عاما ،فقالت النفية :ل يغرب لن التغريب زيادة
على ما ف القرآن والزيادة على القرآن نسخ ،وقال المهور :بل يغرب عاما كما ف
حديث عبادة ((البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام )) ،وزيادة التغريب ليست نسخا
لن الزيادة على النص ليست نسخا ،وهذا القول هو الراجح لصحة الديث وصراحته.
61
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنها :القضاء بالشاهد واليمي ،فإن القرآن إنا أثبت ف الموال شهادة رجلي أو
رجل وامرأتي وذلك ف قوله تعال ] :وَا ْستَشْهِدُوا َشهِي َديْنِ مِنْ رِجَاِلكُمْ فَِإنْ لَ ْم َيكُونَا
رَ ُجَليْنِ فَ َرجُ ٌل وَامْ َرأَتَانِ [ فقال النفية ل يقضى بالشاهد واليمي لنا ل تذكر ف القرآن
وإنا ذكر ف القرآن ما تقدم فإثبات الكم بالشاهد واليمي زيادة على القرآن والزيادة
على النص نسخ ،وقال أكثر العلماء بإثباتا لصحة السنة با ،وهي وإن كانت زيادة
على ما ف القرآن لكن الزيادة على النص ليست نسخا عندنا ،وهذا القول هو الراجح
بل شك ،وال أعلم .
ومنها :الرقبة ف كفارة اليمي ل يرد لا تقييد باليان ف قوله تعال َ ] :ف َكفّا َرتُهُ
سوَُتهُمْ َأ ْو تَحْرِيرُ رََقَب ٍة
ط مَا تُ ْطعِمُونَ َأهْلِيكُمْ َأوْ كِ ْ
إِ ْطعَا ُم عَشَ َرةِ مَسَاكِيَ مِنْ َأوْسَ ِ
[ فالقرآن أطلق هذه الرقبة ،فقال النفية :ليس من شرط صحة العتق هنا اليان بل لو
أعتق رقبة كافرة صلح ذلك لن اليان وصف زائد على ما ف القرآن والزيادة على النص
نسخ ،وقال المهور :بل يشترط لصحتها اليان لقوله (( :فأعتقها فإنا مؤمنة)) وقياسا
على كفارة القتل فإنه اشترط فيها اليان ،ولن ترير الؤمن من الرق أمر مقصود شرعا
ولذلك شرعت السراية والسعاية وأما الكافر فل فائدة ف تريره بل بقاؤه ف الرق هو
النسب بل سبب رقه كفره ،ولعل هذا القول هو القرب ،وعلى العموم فزيادة وصف
اليان هنا لو ثبت بذه الدلة فل يكون زيادة على النص بل بيان له وإن سلمنا أنه زيادة
فالزيادة على النص ليست نسخا ،وال أعلم .
ومنها :الضمضة والستنشاق ،قال النفية :إنما سنة ف الوضوء وفرض ف
الغسل ،أما كونما سنة ف الوضوء فلن آية الوضوء ل تذكرها وإنا ذكرت العضاء
الربعة وأمّا الضمضة والستنشاق فقد ثبتا بالسنة الحادية ،فلو قلنا بأنما واجبان
كالعضاء الربعة لزدنا على القرآن والزيادة على النص نسخ ،وأيضا :يدل على أنما
سنة حديث " الضمضة والستنشاق سنة " ،وحديث " عشر من السنة " وذكر فيها
الضمضة والستنشاق ،وذهب النابلة وغيهم إل وجوبما بأدلة كثية يطول القام
بذكرها وقد استوفيتها ف شرح " أخصر الختصرات " تدل الناظر فيها أن الراجح هو
القول بوجوبما ،وأما قولم هي زيادة على آية الوضوء فل نسلمه بل ها بيان لقوله
62
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
تعال ] :فَاغْسِلُوا وُجُو َهكُمْ [ فهما من الوجه لدخولما ف حده ،وإن سلمنا أنما زيادة
فل ترد بذلك لن الزيادة على النص ليست نسخا ،وأما حديث " عشر من السنة "
فليس هكذا لفظه وإنا هو عند مسلم وغيه بلفظ " عشر من الفطرة " ،وإن سلمنا
لفظهم هذا فليس بالراد بالسنة ما تعارف عليه الفقهاء وإنا الراد به الطريقة والدي ،
والصطلحات الادثة ل تكون حاكمة على الدلة الشرعية ،وأما حديث " الضمضة
والستنشاق سنة " فقد رواه الدارقطن لكن سنده ل تقوم به حجة ،وقد ضعفه الافظ
ابن حجر وغيه ،فتبي لك بذلك أن الراجح هو القول بوجوبما وأن زيادتما إنا هي
زيادة بيانية ل ابتدائية ،والعجب كل العجب من النفية فإنم جعلوا الضمضة
والستنشاق فرضا ف الغسل فمن أين لم ذلك وليس معهم إل قوله تعال َ ] :وإِنْ ُكْنتُمْ
ُجنُبا فَاطّهّرُوا [ ففي هذه الية إنا أمر بالتطهر وليس فيه ذكر للمضمضة والستنشاق
أفليست هذه زيادة على القرآن ؟ بلى ولكن ل يردوها وردوها ف الوضوء ،مع أن المر
ف الحاديث بالضمضة والستنشاق ف الوضوء من الصراحة والصحة والوضوح ما يعرفه
من وقف عليها ،ول أعلم دليلً واحدا من السنة يأمر بالضمضة والستنشاق ف الغسل ،
ومع ذلك رد الحناف الحاديث الصحيحة الصرية بجة أنا زيادة على القرآن وأثبتوا
شيئا ليس عليه دليل ل من السنة ول من القرآن ،بل الدليل على خلفه ،فإن القول
الصحيح أن الضمضة والستنشاق ف الغسل سنة وليست فرضا لديث أم سلمة عند
مسلم " :إن امرأة أشد شعر رأسي أفأنفضه لغسل النابة " ،وف رواية " واليضة "
قال (( :ل ،إنا يكفيك أن تثي على رأسك ثلث حثيات ث تفيضي الاء عليك
فتطهرين )) ول يأمرها بما وهي جاهلة وتأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ،لكن
المر انقلب عليهم رحهم ال رحة واسعة وغفر لم وتاوز عنهم ،وال أعلم .
ولعل ما توجنا به هذه القاعدة من الفروع يكفي إن شاء ال تعال ف فهمها ،وال
أعلم وصلى ال على نبينا ممد وعلى آله وصحبه وسلم .
63
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعـدة الثـامنـة
( ل تكليف على الكلف إل مع العلم والقدرة والختيار )
وهذه تسمى " :قاعدة التكليف " ،وهي من أكب القواعد الصولية لنا تتعلق
بالتكليف الذي هو مناط المر والنهي ،ذلك لن هذه الوامر والنواهي ل تتجه إل
للمكلف وهو إذا أطلق فالراد به العاقل البالغ ،وأما الجنون والصغي الذي ل يبلغ فليسا
بكلفي ،والشريعة كلها إما أمر بشيءٍ وجوبا أو استحبابا وإما ني عن شيءٍ تريا أو
كراهة ،فل شك إذا ف أهية هذه القاعدة ،وإليك الن شيء من تفصيلها فأقول :
قوله (التكل يف) ل غة :إلزام ما ف يه كل فة .وا صطلحا :ف يه حدود أ سلمها إلزام
مقتضسى خطاب الشرع ،بعنس أن خطاب الشارع إمسا أمسر وإمسا نيس ،فخطاب المسر
الواجب له مقتضى أي يطلب شيئا ،فالتكليف هو إلزامك بذا القتضى ،وخطاب المر
الستحب إلزام لك بقتضاه وهكذا ،فليس التكليف هو عي الطاب ،وإنا التكليف هو
اللزام بقت ضى هذا الطاب أو بدللة هذا الطاب .وللتكل يف شروط تر جع للمكلف ي
وهم الثقلن ،وشروط ترجع للمكلف به أي الشيء الذي طلب منا فعله ،وهذه القاعدة
الت نن بصددها خاصة ف الشروط الت ترجع للمكلفي ،وأما الشروط الراجعة للفعل
الكلف به فلها موضع وبث آخر .
قوله (مـع العلم) هـو لغـة :الدراك ،واصـطلحا :إدراك الشيسء مطابقا للواقسع
إدراكا جازما وضده الهل الذي هو عدم الدراك وهذا هو الهل البسيط ،وأما الهل
الركب فهو إدراك الشيء على غي وجهه وواقعه .
قوله (والقدرة) هي ضد العجز وهي قوة يلقها ال ف النسان يستطيع با فعل ما
أمره به .قوله (والختيار) وضده الكراه .
إذا عل مت هذا فاعلم :أن هذه القاعدة ج عت خ سة شروط من شروط الكلف ي
حت يترتب عليهم اللزام بالوامر والنواهي ،أي ل يدخل النسان ف دائرة الكلفي إل
بمسة شروط نصت عليها هذه القاعدة الباركة نذكرها بأدلتها وأمثلتها فأقول :
الشرط الول :العقل ،وهو أول شروط التكليف وضده النون ،فالجنون ليس
بكلف للدليل الثري والنظري ،فأما الثري فقوله rف الديث السن (( رفع القلم عن
64
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ثلثة ،عن الجنون حت يفيق … )) والراد رفع قلم التكليف الذي برفعه ترتفع الؤاخذة
على ترك الأمور وف عل الحظور .وأ ما النظري فلن الق صد من التع بد بالوا مر والنوا هي
ل يس هي صورة فعل ها وإن ا الق صد الول هو تق يق المتثال وإخلص الق صد ،وهذا
ل يتصور صدوره من الجنون لعدم عقله ،وهذا شرط واضح .
الشرط الثا ن :البلوغ :وضده ال صغر ،فات فق العلماء جيعا على أن ال صغي غ ي
ف بفعل الأمور ول بترك الحظور ،واستدلوا على ذلك بالديث السابق
الميز ليس بكل ٍ
وف يه (( وعن الصغي ح ت يتلم )) واختلف العلماء ف ال صب الميز على أقوال :أولا :
أنسه مكلف .ثانيهـا :أنسه غيس مكلف .ثالثهـا :أنسه مكلف بالنواهسي دون الوامسر .
والصواب أنه ليس بكلفٍ مطلقا حت يبلغ وذلك لصراحة الديث ف تقييد رفع القلم عن
ال صغي إل البلوغ ولن تعل يق التكل يف على التمي يز تعل يق للحكام الشرع ية على ما هو
متفٍ متفاوت ل يعرف أوله ومن ربطه بالسبع سني فإنا ربطه للخروج من خفاء ابتدائه
فقال :نده بالسن ليكون أوضح لكن هذا ل يصح لوقوع التمييز عند بعض الصغار قبل
ال سبع وبعض هم ل ييزون إل ب عد ال سبع ،وذلك لن التمي يز كنور الف جر يبدو أوله ول
يكاد يرى ثس يزداد ازديادا خفيا ل تعرف درجاتسه حتس تسسفر الدنيسا فكذلك التمييسز ،
وتكليف الولياء براقبة أول التمييز تكليف با ل يطاق فوضع الشارع علمة جلية على
أول التكليف وهي البلوغ ،فإذا وجدت علمة من علمات البلوغ العروفة دخل النسان
ف حيز التكليف .
وأما وجوب الزكاة وضمان التلفات ف مال الصب والجنون فإن هذا ليس من باب
التكل يف وإن ا من باب ربط الحكام بأ سبابا تقيقا للعدل ب ي الخلوق ي ،وأ ما قوله r
((مروهم بالصلة)) فهذا يرج على أمرين :الول :أنه أمر للولياء ل الصغار ،والمر
بالمر بالشيء ليس أمرا به على الصحيح من خلف أهل الصول ،الثان :سلمنا أنه أمر
لل صغار بال صلة ولك نه أ مر ا ستحباب ليتعودوا علي ها ويعرفوا صفتها وأحكام ها وآداب ا
ل أنه أمر وجوب والصارف له هو حديث (( رفع القلم عن ثلثة )) والمع بي الدلة
هو الواجب إن أمكن ،فإن قلت فهل أمر الستحباب يعاقب عليه ؟
65
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
قلنا :نعم يعاقب عليه تعزيرا لنه أمر ليس كسائر الستحبات الت يستمر استحبابا
بل هو استحباب سينقلب بعد فترة إل واجب فعوقب عليه ليعظم قدره ف قلبه وليقر ف
قل به أ نه إن عو قب علي ها مع عدم وجوب ا عل يه فك يف إذا كلف ب ا فل شك أن العقو بة
ستكون أعظم ،فهذا التأديب على ترك الصلة داخل ف عموم قوله (( rول ترفع عنهم
ع صاك أدبا )) وال هم :أن القول ال صحيح هو أن ال صغي ل يس بكل فٍ ح ت يبلغ .فإن
قلت :ف من أ ين أخذت هذ ين الشرط ي من القاعدة قلت :أخذنا ها من قول نا (مكلف)
لن الكلف عند الفقهاء هو العاقل البالغ وال أعلم .
الشرط الثالث :هو ما نص عل يه بقوله ( مع العلم ) أي أن التكال يف الشرع ية
ل تلزم إل بعد بلوغها وفهمها ،أي إذا علمها الكلف طولب با ،وأما إذا كان الكلف
يهلهسا فإنسه ل يطالب باس ،فالهسل عذر فس سسقوط التكليسف عسن الكلف أي أن قلم
التكل يف مرفوع ع نه ف ارتكا به للمحظور وتر كه للمأمور ب سبب ال هل ،و قد دل على
ذلك أدلة أثرية ونظرية .
أما الثرية :فقوله تعال ] ل يُكَلّ فُ اللّ ُه َنفْ سًا إِل وُ ْس َعهَا [ وقال تعال ]ل ُيكَلّ فُ
حمّلْنَا مَا ل طَاَقةَ لَنَا بِ هِ[ ومطال بة الكلف اللّ ُه َنفْ سًا إِل مَا آتَاهَا[ وقال تعال ] َربّنَا وَل تُ َ
بشريعةٍ يهل ها تكل يف ب ا ل يطاق ،وقال تعال ] وَمَا ُكنّ ا ُمعَ ّذبِيَ َحتّ ى َنبْعَ ثَ رَ سُول
[ وقال تعال ] لُنذِرَ ُك ْم بِ هِ َومَ ْن بَلَ غَ [ ،وكذلك يدل عليه حديث السيء صلته فقد
كان يهل وجوب الطمأنينة ف الصلة فلما علّمه النب rوجوبا ل يأمره بإعادة ما مضى
من ال صلوات مع أن ا داخلة ف قوله (( فإ نك ل ت صل )) لن ال صلوات ال سابقة كهذه
الصلة الت حكم عليها بذا الكم بدليل قوله (( ما أحسن غيه فعلمن )) فلما ل يأمره
بإعادة مسا مضسى مسن الصسلوات دل ذلك على أنسه عذره لنسه جاهسل ل يعلم وجوب
الطمأنينة ما يدل على أن التكاليف الشرعية ل تلزم إل بالعلم .
ومنه حديث عمار ف التيمم وأنه ترغ ف الصعيد كما تتمرغ الدابة وهذا ليس هو
التي مم الشر عي فكأ نه صلى بل طهارة وع مر كان م عه ول ي صل فل ما رج عا إل ال نب r
وأ خباه ب ي ل ما الكم ال صحيح ول يأ مر عمارا بقضاء ما صله بذه الطهارة ول يأ مر
ع مر ب صلة ما فا ته م ا يدل على أن م معذورون ب سبب جهل هم وعدم علم هم بال كم
66
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
خيْ ُ
ط الشرعي .وف حديث عدي بن حات أنه لا نسزل قوله تعال َ ] :حتّى َيتََبيّ نَ َلكُ ْم الْ َ
جرِ [ ع مد إل عقال ي فوضعه ما ت ت و ساده فج عل ط الَ ْسوَ ِد مِ ْن اْلفَ ْ
خيْ ِ
ض مِ ْن الْ َ
الَْبيَ ُ
يأكسل وينظسر إليهمسا فإذا الصسبح قسد طلع أي أكسل فس نار رمضان عامدا ،ثس اسستفت
رسول ال rفأخبه بالصواب ول يأمره بقضاء هذا اليوم ما يدل على أنه معذور وسبب
عذره هسو الهسل وعدم العلم .وأيضا لاس حولت القبلة فإن بعسض النواحسي البعيدة بسل
والقري بة من الدي نة ل ي صلهم خب التحو يل إل ب عد صلواتٍ كثية إل القبلة الن سوخة ،
فإذا كان أهل قباء ل يصلهم الب إل متأخرا فما بالك بأهل مكة والسلمي ف اليمن بل
ومن ف البشة ومع ذلك فلم يأمر النب rأحدا بقضاء شيء من ذلك ما يدل على أنم
معذورون وسبب العذر عدم العلم ،والدلة كثية جدا وهي تدل على قاعدتي مهمتي :
الول :ما نن بصدده وهو أن التكاليف الشرعية ل تلزم إل بالعلم .
الثانية :أن الناسخ ل يلزم إل بالعلم .
وأ ما الدل يل النظري فإن ال ل ير يد بعباده الع سر وإن ا ير يد ب م الي سر ومطالبت هم
بشريعة ل يعلمونا هو من العسر والرج وها مرفوعان شرعا .
إذا عل مت هذا فاعلم أ نه قد أورد علي نا ب عض النبلء الفضلء سؤالً مهما قال
ف يه :ك يف تقولون إن ال هل عذر م سقط للمؤاخذة ف ف عل الحذور وترك الأمور وأن
النسان إذا فوت مأمورا جاهلً به أنه ل يلزمه تداركه ،مع أنكم قررت ف موض عٍ آخر
أن باب الأمورات ل ي سقط بال هل والن سيان ،فك يف تقولون مرة ال هل عذر م سقط
للتكليف ث تعودون فتقولون ليس الهل عذرا ف باب الأمورات ؟
فنقول :هذا سؤال مهم والواب عنه أن تفرق أيها الحب بي الهل الذي يعذر
صاحبه والذي ل يعذر به صاحبه ،وقد اختلف العلماء ف التفريق بينهما والراجح عندي
وال أعلم أن ر فع ال هل من الحكام الشرع ية ال ت مناط ها ال ستطاعة فال هل الذي ل
يعذر صاحبه هو الهل الذي عنده قدرة على رفعه بالسؤال والبحث لكنه فرط ف رفعه
وتكاسل وتثاقل عن سؤال أهل العلم أو أشغلته الدنيا عن الدين ففرط ف السؤال والبحث
فصاحب هذا الهل ل يعذر أبدا .والهل الذي يعد عذرا وم سقطا للتكليف هو ذلك
الهل الذي ل قدرة للمكلف على رفعه فهو يريد أن يرفعه لكن ل استطاعة له ف رفعه
67
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ل وإما لنه بعيد عنهم ل يقدر على الوصول إليهم .وإما لنه يظن
إما لعدم العلماء أص ً
صواب نفسه – وهو ما يسمونه الهل الركب – فهذا النوع من الهل هو الذي نعنيه
ف قول نا (ل تكل يف مع ال هل) ف من ف عل شيئا من الحرمات جاهلً حرمت ها فل إ ث
عليه ،ومن ترك شيئا من الواجبات جاهلً وجوبا فل إث عليه بل ول قضاء عليه إذا فات
وقت الواجب قبل العلم.
وأ ما قول نا (الأمورات ل ت سقط بال هل) فإن نا نع ن به ال هل الذي ل يعذر به
ل بوجوباس نن ظر إن كان جهلً يعذر به فل قضاءصاحبه ،ف من ترك ال صلة مثلً جاه ً
عليه ،وإن كان جهلً ل يعذر به فيلزمه القضاء ،والهل الذي يعذر به صاحبه هو الراد
بقول ب عض أ هل العلم ( :ومثله ي هل) فإذا قالوا هذه العبارة فاعلم أن م يعنون به ال هل
الذي يعذر به صاحبه ،وأما باب التروك فإنه أخف بكثي من باب الأمورات ولذلك قالوا
(وباب التروك يسقط بالهل) أي ولو كان ل يعذر به صاحبه وهذا من باب التخف يف
فمن فعل شيئا من الحرمات جاهلً برمتها جهلً ل يعذر به ث علم حرمتها فل إث عليه
لنه فعل الحظور جاهلً ،وهذا أحد الوجه الت با حكمنا أن باب الأمورات أشد من
باب التروك .هذا هو جواب السؤال ،فإن قلتَ :فما حكم العلم إذا ؟
قلتُ :العلم أقسام فمنه ما يكون فرضا على كل أحد ،ومنه ما يكون سنة ،ومنه
ما يكون فرضا على الكفاية ونقصد به العلم الشرعي فقط لنه هو الذي يتعلق بالتكليف
فأما الفرض منه فالضابط فيه هو كل علم يتاج إليه الكلف ف عقيدته وعبادته ومعاملته
ف هو فرض ،أي الذي ل ت صح العقيدة إل به ول ت صح العبادة إل به ،ف هو الفرض ذلك
لن طلب صحة العقيدة والعبادة واجب "وما ل يتم الواجب إل به فهو واجب" وما زاد
على ذلك فهو ف حق عموم المة فرض كفاية ،وف حق الفراد سنة ،وبذا يتبي لك
أن التكاليف الشرعية من شرط لزومها العلم وهو الشرط الثالث .
والشرط الرابع :هو ما أشار إليه بقوله (والقدرة) أي أن التكاليف الشرعية ل تلزم
إل القادر على فعلها ،وأما العاجز فل يلزمه ما عجز عنه وهذا من رحه ال تعال أن كل
ما عجزت عنه يسقط عنك ،فلله المد والنة .
68
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
69
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وأ ما الشرط الا مس ف هو ما أشار إل يه بقوله (والختيار) وضده الكراه ،أي أ نه
ل يعاقسب النسسان على ترك الأمور وفعسل الحظور إذا كان مكرها ليسس بختارٍ لذلك ،
فإذا حُمل النسان على شيءٍ من ذلك سقط عنه التكليف فيكون فعله ل حكم له .
والدليـل على ذلك أثري ونظري ،فأمـا الثري فقوله تعال ] مَن ْس َكفَرَ بِاللّهِس مِن ْس
َبعْدِ إِيَانِ هِ إِل مَ نْ أُكْرِ َه وَقَ ْلبُ ُه مُطْ َمئِنّ بِالِيَا نِ [ فأجاز ال تعال الن طق بكل مة الك فر مع
اطمئنان القلب بسبب الكراه ول يرتب عليه حكما بالكفر لن الناطق با ف هذه الالة
ليس بكلف ،وسبب نسزولا صريح ف ذلك ،وقال النب (( rإن ال تعال تاوز عن
أمت الطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وهو صحيح صريح ف الراد .
وأما النظري :فلن فعل الكرَه – بالفتح – ل ينسب ف القيقة له ،وإنا ينسب
إل الكرِه – بالكسسر – لنسه هسو الذي حله على هذا القول أو الفعسل فكيسف يعاقسب
الن سان ب ا ل يس من فعله حقي قة ،ف صار م ض العدل الربا ن أن يتجاوز عن الكلف إذا
فعل ما أُكره عليه .
إذا علمست هذا فاعلم أن الشهور عنسد النابلة هسو التفريسق بيس الكراه اللجسئ
والكراه غي اللجئ ،ول دليل على هذا التفريق بل كل ما يدخل ف مسمى الكراه يعد
عذرا من العذار السقطة للتكليف وذلك لن الدلة ل تفصّل وتفرّق بي إكراه وإكراه ،
بل وردت مطل قة والطلق ل يوز تقييده بب عض أفراده إل بدل يل ول دل يل ،ث اعلم أن
بعضهم ذكر إشكا ًل على اشتراط الختيار وقال " :بل النسان مكلف حت مع الكراه
" واستدل بديث طارق بن شهاب عند أحد بسند حسن ف قصة الذي دخل النار ف
الذباب الذي قر به لل صنم وأ نه ما قر به إل مكرها و مع ذلك د خل النار م ا يدل على أ نه
مكلف إذ لو ل يكن مكلفا لا استوجب النار .
فنقول :هذا إيراد قوي يتاج إل جواب ،و قد ف صلنا أجوب ته ف كتاب " تلق يح
الفهام " ونعيده هنا باختصار فنقول :قد ذكر العلماء عن هذا الشكال عدة أجوبة :
من ها :أن الد يث ضع يف ل نه من روا ية طارق بن شهاب و هو تاب عي ومر سل
التابعسي ضعيسف فل يكون معارضا للقرآن وصسحيح السسنة ،وتُعقّب بأن الصسحيح أن
70
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
طارق بن شهاب صحاب من صغار ال صحابة وحدي ثه مر سل صحاب ،وال صواب أن
مراسيل الصحابة مقبولة .
ومنهـا :أن الرجسل قرب الذباب للصسنم تعبدا ل فرارا مسن الكراه ،والدلة إناس
أجازت قول الكفسر وفعله بشرط ثبات القلب على اليان ،وتُعق ّب بأن هذا أمسر قلبس
ل يعلمه إل ال ،والظاهر يدل على أنه ما قرب إل لا ألزموه بذلك .
ومن ها :أن الكراه على الك فر ل يوز ف يه الف عل وإن ا القول ف قط و سبب ال ية
صريح ف ذلك وهذا الر جل ف عل الك فر و هو الذ بح ،والرخ صة إن ا جاءت ف القول ،
وتُعقّب بأن ال ية وردت ب صيغة العموم و هي وإن وردت على سببٍ خاص ل كن ال عبة
بعموم اللفظ ل بصوص السبب .
ومنهـا :أن الكراه ل يكون عذرا إل إذا كان ملجئا وأمسا غيس اللجسئ فل يكون
عذرا ،والذي قرب ذبابا ل ي صل إل حد الكراه الل جئ ،لن م قالوا له " :قرب ولو
ذبابا " أي ل يدافع هم ول ياول مع هم بل ا ستجاب ل م مباشرة ،فإكرا هه ل يس إكراها
ملجئا ،وتُعقّب بأن هذا التفريسق ل أصسل له بسل الدلة وردت مطلقسة ثس لو سسلمنا هذا
التقسيم فإن هذا الرجل علم منهم أنم صادقون ف تديدهم وسينفذون ما هددوه به إن ل
يفعل بدليل أنم قتلوا الخر لا أب التقريب ،فظاهر هذا الكراه أنه ملجئ .
ومنهـا :أن هذا الرجسل الذي دخسل النار إناس دخلهسا لكفره ل لنسه قرب ذبابا ،
وتُعقّب بأن الظاهر هو أنه كان مسلما وأنه ما دخل النار إل بسبب هذا التقريب لنه قال
(( فقرب ذبابا فدخل النار )) فقرن الكم بالفاء بعد وصفٍ ،وإذا قرن الكم بالفاء بعيد
ف فيكون هذا الوصف هو علة الكم ،لنه لو ل يكن لقوله " فقرب ذبابا " تأثي ف وص ٍ
قوله " فدخسل النار " لكان هذا التعليسق عبثا مسن الكلم ولغوا ،وكلمسه rل لغسو فيسه
ول عبث .فإن قلتَ :فما الواب ؟
أقول :إن أ سلم الجو بة ف نظري أن هذا إن ا كان ف شرع من قبل نا فالرجلن
اللذان قص النب rقصتهما ليسا من هذه المة الرحومة وإنا من المم السابقة ،فكان
من شريعت هم عدم جواز الك فر مع الكراه بل الوا جب ال صب ح ت الوت ،ث جاءت
شريعت نا بلف ذلك فأجازت الن طق بكل مة الك فر مع الكراه ،والشرائع ال سابقة شرائع
71
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
س ينسسخه ، لنسا مسا ل يرد ن سخها فس شريعتنسا ،وهذا الفرع الذكور ورد فس شريعتنسا م ا
والدل يل على ذلك أن غالب الحاد يث ال ت في ها " خرج رجلن " " خرج ثل ثة ن فر " "
كان فيمن كان قبلكم " كل هذه القصص الت يقصها النب rعلى أصحابه كانت غالبا
ف المم السابقة ،ويندر أن تكون القصة ف هذه المة ،والعبة بالكثي الشائع ل بالقليل
النادر .
وإذا ل يسلم لنا هذا الواب فنقول :سلمنا أنه ف هذه المة لكن كان ف بداية
السلم ث نسخ ،فإن الشريعة ف بدايتها كانت ل تقوم إل على أفراد قلئل فلو أجيز لم
النطق بكلمة الكفر مع الكراه لتلشت ف بدايتها لكن هذا الحذور زال بكثرة الداخلي
ف السلم .
فهذان الوابان ها أسلم الجوبة والعتراضات عليها قليلة ضعيفة ،وال أعلم .
وبذا تكون شروط الكلف ليثبت عليه التكليف إجالً خسة :العقل ،والبلوغ
والعلم والقدرة والختيار .
واعلم أن التكل يف ك ما أن له شروطا فله أيضا موا نع ،وموان عه هي بعين ها نق يض
شروطه فالعقل شرط والنون مانع ،والبلوغ شرط والصغر مانع ،والعلم شرط والهل
مانع ،والقدرة شرط والعجز وعدم الستطاعة مانع ،والختيار شرط والكراه مانع .
هذا هو م مل الكلم عن هذه القاعدة ،وأ ما فروع ها ف هي كثية جدا ل ح صر
لا ونذكر بعضها من باب التنبيه على ما ل يذكر فأقول :
منها :أصحاب الفترة ،وهم الذين وجدوا بعد خفاء شريعة النب الول وقبل بعثة
نب آخر ،كمن وجد بي عيسى وممد عليهما الصلة والسلم فإن شريعة عيسى عليه
السلم ف هذه الفترة حرفت واندثر كثي منها وكثر الهل ف الناس فما حكم من مات
ف هذه الفترة ؟ الواب :القول ال صحيح ف ح كم أ صحاب الفترة هو ما دلت عل يه
الدلة ال صحيحة من الكتاب وال سنة ،هو أ نه ل عذاب علي هم إل بالمتحان والختبار ،
لقوله تعال ] َومَا ُكنّا ُمعَ ّذبِيَ َحتّى َنبْعَثَ رَسُولً [ وهم ماتوا قبل بعثة الرسول ، rوقال
تعال ] لُنذِرَ ُك ْم بِ هِ َومَ ْن بَلَ غَ [ وهم ل تبلغهم النذارة لوتم قبل بعثة النذير ،وللحديث
ال صحيح ف احتجاج الن فر الرب عة على ال وقبول حجت هم وذ كر من هم ال نب (( rمن
72
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
مات ف الفترة )) وأنه يقول لربه (( رب ل تبعث ل رسولً )) فقبل ال حجته ،فبعث
ل م رسو ًل وأ جج ل م نارا ث يقول " ادخلو ها " ف من دخل ها ف قد أطاع و من امت نع ف قد
أ ب ،وهذا الد يث صحيح صريح ف أن م يتحنون ف عر صات يوم القيا مة ح ت تقوم
عليهم الجة .وبه تعلم أن أصحاب الفترة لم عندنا حكمان :
الول :أننا نعاملهم ف الدنيا معاملة من مات على الكفر ف عدم جواز الستغفار
لم وعدم تغسيلهم ودفنهم ف مقابر السلمي وهكذا .
الثان :أما ف الخرة فنعتقد أنم يتحنون ف عرصاتا وال أعلم با كانوا عاملي
فل نزم لح ٍد منهسم بنةٍ ول نار إل مسن شهدت الدلة له بذلك ،فممسن شهدت الدلة
أ نه من أ هل النار والد ال نب ، rفإن ال نب rقال للر جل الذي سأله عن أب يه (( أبوك ف
النار )) فول الرجل باكيا فدعاه فقال (( إن أب وأباك ف النار )) رواه مسلم .
فل عبة با يردده مرفو الصوفية الضالون من أن ال أحيا له أبويه فأسلما فإنه من
خرافاتم وموضوعاتم – قبحهم ال – ومرد القرابة ل تغن شيئا إذا ل يكن معها إيان
بال وحده وعمل صال ،فابن نوح مات كافرا ،ووالد إبراهيم مات كافرا وهو ف النار
ط ونو حٍ من أ هل النار ك ما ف سورة التحر ي ،ك ما ف الديث ال صحيح ،وزو جة لو ٍ
فقرابة الصالي ل تنفع إن ل يكن معها إيان وعمل صال .
وأ ما أ مه rفلم يأت دل يل يش هد أن ا من أ هل النار وإن ا ورد الدل يل بنه يه عن
ال ستغفار ل ا ،ومرد الن هي عن ال ستغفار ل يدل على أن ا من أ هل النار لن نا ذكر نا
سابقا أن نا نعا مل أ صحاب الفترة ف الدن يا معاملة الشرك ي فل يوز ال ستغفار ل م ،
والقصود أن أصحاب الفترة ف الخرة ل يعذبون إل بعد إقامة الجة عليهم ف عرصات
يوم القيامة ،لنه ل تكليف إل بعلم ول عقوبة إل بعد إنذار .
ومن ها :من ن شأ ف بادي ٍة بعيدةٍ عن العلم والعلماء أو أ سلم حر ب ف دار حرب
ول قدرة له على الجرة ول يعرف شرائع السسلم فترك الصسلة وشرب المسر ثس علم
بالكم بعد ذلك فإنه ل يلزمه قضاء ما فات من الصلوات ول إث عليه ول حد ف شربه
للخمر لنه يهل الكم فيها ومثله يهل ول تكليف إل بعلم .
73
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنها :اختلف العلماء مت تقوم الجة على الكلف ،هل هو ببلوغها ؟ أم ببلوغها
وفهمهسا ؟ فيسه قولن ،والصسواب منهمسا أن الجسة ل تقوم على الكلف إل بالمريسن :
ببلوغهسا وفهمهسا ،وقسد ذكرت الدلة على ترجيسح هذا القول وبينست أن اللف بينهسم
لف ظي ف كتاب " البا حث الل ية " .والراد تر يج هذا اللف على القاعدة وبيا نه أن
يقال :ان ظر ك يف اشترط العلماء لقيام ال جة على الكلف أن يعلم ال كم الشر عي م ا
يدل على أن العلم شرط ف التكليف فل تكليف إل بعلم .
ومن ها :من ف عل شيئا من الحرمات – أيّا كان هذا الحرم – و هو ي هل حرم ته
فل إث عليه ول حد ،كمن ارتكب مبطلً من مبطلت الصلة كالكلم و الكل ونوها
أو ف عل شيئا من مظورات الحرام – أيا كان – من جا عٍ أو حل قٍ أو ع قد نكا حٍ ،أو
ب ونوها ،وهو يهل الكم الشرعي ارتكب شيئا من مظورات الصيام من أكلٍ وشر ٍ
س فإنسه ل شيسء عليسه ،فالصسلة صسحيحة والصسوم صسحيح ول فديسة عليسه فس فعسل فيه ا
مظورات الحرام ،و من ف عل الحلوف عل يه جاهلً أ نه هو الحلوف عل يه ،فل ح نث
عل يه ول كفارة ،كل ذلك ل نه جا هل ل يعلم ال كم الشر عي في ها أو جاهلً بقي قة
الحلوف عليه فلم يتعمد الخالفة ،ول تكليف إل بعلم .
ومنها :اختلف العلماء هل الكفار ماطبون بالفروع أو ل ؟
والصواب أنم مكلفون با إذ ليس من شروط التكليف السلم ،بل السلم شرط
لل صحة ل للوجوب ،فالفروع ت ب عليهم ل كن ل ت صح من هم إل بال سلم ،كالصلة
تب على الكلف ولو كان مدثا لكن ل تصح منه إل بالطهارة الشرعية .
فإن قل تَ :فما علقة هذا الفرع بالقاعدة ؟ قل تُ :لن القاعدة تتكلم عن شروط
التكليسف وهسي العلم والعقسل والبلوغ والقدرة والختيار ،فإذا تققست هذه المور فس
الكافر وجب عليه التكليف ومرد كفره ل يعد مانعا من موانع التكليف ،فهذه القاعدة
تدل على رجحان القول بتكليفهم وال أعلم .
ومن ها :أن قاعدة ( ل وا جب مع الع جز ول مرم مع الضرورة ) فرع من هذه
القاعدة فكل واجبات الشريعة تسقط مع العجز كالقيام ف الفريضة والركوع والسجود
كل ذلك ي سقط إذا ع جز الن سان عن التيان به ،وإن قدر على الب عض وع جز عن
74
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
البعض سقط عنه ما عجز عنه ووجب عليه ما قدر عليه ،وقد شرحنا هذه القاعدة ف
" تلقيح الفهام " .
ومنهـا :أن الريسض الذي ل يرجسى برؤه والكسبي الذي ل يسستطيع الصسوم فإن
وجوب الم ساك ي سقط عنه ما وينقلن إل البدل و هو الطعام لن ال صوم ل ي ب إل
على القادر إذ ل تكليف إل مع القدرة .
ومن ها :إذا أكره الكلف على ب يع ماله بغ ي حق فل ي صح الب يع ل نه مكره ،ولو
أكره على طلق زوج ته وع تق عبده فل ي قع الطلق ول العتاق ل نه مكره فأقواله وأفعاله
ل ح كم ل ا ل نه ل تكل يف إل باختيار ،و من صور الكراه أن يُ سْحَ َر ليطلق ،فإن من
طلق بسبب السحر فإن طلقه ل يقع لوجود الكسراه وهسو اختيار أب العباس ابن تيمية
فإنه قال " :وإن سحره ليطلق فإكراه " .
والفروع كثية جدا وفي ما م ضى كفا ية ،وب ا تعرف أه ية هذه القاعدة الوا سعة
فعليك أن تراجعها وأن تكثر السؤال عن ما أشكل فيها لنا من أهم القواعد الصولية
على الطلق لتعلقها بالكمة من خلقنا وهو العبادة .
وال أعلم وصلى ال على نبينا ممد
75
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعـدة التاسـعة
(العبة فيما رواه الراوي ل فيما رآه عند التعارض)
76
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
منها :أن الجة إنا هي ف قول النب rوفعله ل ف قول أحدٍ من الناس وفعله مهما
كان صحابيا أو غيه ،و هو قد ن قل ل نا قول الشارع أو فعله وع مل بل فه ،فال جة
ليست ف عمله وإنا فيما نقله عن الشارع .
ومن ها :أن ال صحاب ل ا ع مل بلف ما رواه ول يبي ل نا م ستند هذا الع مل من
الدلة ،كان عمله بن سزلة ع مل الجت هد الذي ل يعارض به قول ال نب rوفعله ،إذ أن
عمل الجتهد إنا يقبل إذا كان موافقا للدلة ل مالفا لا .
ومنها :أن الصحاب ليس بعصوم فيجوز عليه الطأ والغفلة عن روايته أو نسيانا
أو اعتقاد معارضٍ راج ٍح لا ،وأما الرواية فهي خب العصوم الذي ل يوز عليه الطأ ول
الغفلة ول الضطراب ف أمور التشريع فكيف تترك الرواية عن العصوم ويُقدّم عليها عمل
غي العصوم .
ومن ها :أن نا سوف ن سأل يوم القيا مة ] :ماذا أجب تم الر سلي[ أي ك يف قابل تم
أمر هم وني هم ،ولن ن سأل عن متاب عة أحدٍ من الناس ،ولذلك سنسأل يوم القيا مة عن
متابعة الرواية ل عن متابعة الرأي ،فكيف يقدم الكلف الشيء الذي لن يسأل عنه على
الشيء الذي سيسأل عنه .
ومنهـا :أننسا مأمورون بتابعسة النسب rفس أقواله وأفعاله أمسر وجوب فس بعضهسا
واستحبابٍ ف بعضها ،ولسنا مأمورين بتابعة أحدٍ من الناس – أيا كان – إل فيما وافق
الشريعة ولذلك أقوال الجتهدين إنا يلزم متابعتها إذا كانت موافقة للشريعة ،فكيف نقدم
رأي من لسنا مأمورين باتباعه على هدي من أمرنا باتباعه والقتداء به .
ومنها :أن أقوال الصحابة وأفعالم على القول بأنا حجة كما هو القول الصحيح ،
إن ا تكون ح جة إذا ل تالف ما هو أقوى من ها من ع مل الشارع أو فعله ،فإذا خال فت
وجب اطراحها ول يوز قبولا .
ومنها :أن العلماء اشترطوا ليكون قول الصحاب أو فعله حجة أن ل يالفه صحاب
آ خر ،فإذا كان قبول قوله وفعله متوقفا على عدم معار ضة صحاب مثله فك يف إذا كان
قوله وفعله معارضا بقول رسسول ال rأو فعله ،لشسك أن قوله وفعله حينئذٍ ليسس بجةٍ
فكيف يقدم رأيه على روايته .
77
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنهـا :أن الصسحابة رضوان ال عليهسم اشتسد نكيهسم جدا على مسن خالف
الديث ،من غي تفريق بي أن يكون الخالف هو الراوي أو غيه ،والوقائع كثية جدا
ويكفيك فيها قول ابن عباس لا رأى الناس يأخذون بقول أب بك ٍر وعمر ف إنكار التعة
الت ثبتت عن العصوم باللفظ الصريح قال قولته الشهورة " :يوشك أن تنسزل عليكم
حجارة من ال سماء أقول قال ر سول ال ، rوتقولون قال أ بو بك ٍر وع مر " ،ول ا روى
بعضهسم حديسث النهسي عسن الذف لنس رآه يذف ،ثس ل ينسسزجر وخذف فقال له :
" أحدثسك عسن رسسول ال ول تنتهسي ،وال ل كلمتسك أبدا " ،ولاس حدث عمران بسن
حصي بديث (الياء خي كله) قال بشي بن سعد إننا ند ف بعض الكتب أو الكمة أن
منه سكينة ومنه ضعف ،فغضب عمران حت احرت عيناه وقال له " :أل أران أحدثك
عن رسول ال rوتعارض فيه " ،ولا حدث ابن عمر أن النب rقال (( :ل تنعوا إماء
ال مساجد ال )) قال ابنه بلل وال لنعهن ،فأقبل عليه عبد ال فسبه سبا عنيفا بسبب
هذه الخالفة وقال " :أحدثك عن رسول ال rوتعارض فيه " .
والوقائع كثية يف يد مموع ها الجاع على النكار على من خالف حد يث ر سول
ال rمن غي تفريق بي الراوي وغيه ،إذا نستفيد من هذا أن من خالف الديث فإنه
يشدد فس النكار عليسه سسواءً كان الراوي أو غيه ،ومسا أنكسر الصسحابة على الخالفيس
للحديث إل لرمة الديث وعظم مالفة السنة ،فكيف نقدم رأي الراوي على روايته .
ومن ها :أن الراوي ل ا ع مل بلف رواي ته ل يكذب رواي ته ،أي ل ي قل :إن ما
رويته ليس بصحيح ،فهو ل يتعرض لروايته بالبطال ،وعمله بلفها من غي تكذيب لا
ح فيها ،فيطلب له العذر ف مالفة روايته لكن مع بقاء روايته ،فالرواية ليست
ليس بقاد ٍ
هي الته مة ح ت نر مي ب ا ،وإن ا الت هم هو ع مل الراوي ف هو الذي يطلب له العذر .
فيقال :إنه عمل بلفها نسيانا أو غفلةً أو لظنه عدم وجوب العمل با أو لوجود معارضٍ
لا ف ظنه هو ،أو لعتقاده أنا نسخت وكل هذه الظنون والعتقادات تكون خاصة به
مزومس باس ول يلزم قبولاس ،لكسن تبقسى عندنسا روايتسه سسالة عسن جيسع
ٍ هسو tغيس
العتراضات ،قالا وهو جازم بصحتها معتقد لا ،فوجب تقديها على عمله بلفها لن
عمله يرد عل يه احتمالت كثية ،وبذا ي تبي لك صحة هذه القاعدة اله مة ،ل كن قال
78
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
النفية :ل يكن أبدا أن نظن بالصحابة ظن السوء مثلكم ،فإن الصحابة عدول مأمونون
ف عملهم ونقلهم ،ل يتصور منهم معارضة ما يروونه إل لعلمهم بوجود ناسخٍ لا رووه،
هم قد اطلعوا عليه لكنهم ل ينقلوه اكتفاءً بعملهم بلف روايتهم ،فنقلوا الرواية بالقول
ونقلوا النا سخ لاس بالع مل ،هذا هسو الواجسب ظنسه ف ال صحابة ،فإنمس عدول ل يوز
الب حث عن عدالت هم فإذا خالفوا روايت هم فل بد من هذا التخر يج وإل لرجوا عن حد
العدالة الوج بة لرد ج يع روايت هم والب حث عن العدل ل م ،كذا قالوا – ويشكرون على
هذا الظن بالصحابة – كما هي عادة النفية فإنم من أشد الناس تعظيما للصحابة ،ومن
أكثسر الفقهاء ردا للحاديسث الصسحيحة ،فجزاهسم ال خيا على الول ،وعفسا عنهسم
وسامهم ف الثانية ،و من الذي قال لكم أيها النفية الحبة والعلماء النبلء ،من الذي
قال ل كم أن ال سألة ال ت بين نا وبين كم ل ا تعلق بعدالة ال صحابة ،فإن نا وال ل شد الناس
ح فيهم إذا قلنا نعمل با ثبت عن رسول ال rالذي تزكية لم واعتقادا لعدالتهم وأي قد ٍ
نقلوه لنا هم ،أو ليس ف هذا تعظيم لروايتهم وتصديق لم وتبئة لم عن الكذب والغفلة
ف الروا ية ،فإن تقد ي روايت هم على رأي هم من أع ظم التزكيات ل م ،فإن ن سبة الغفلة
وال طأ لفعل هم أي سر بكث ي من ن سبة الغفلة وال طأ لروايت هم ،ث من الذي قال ل كم أن
عمل هم بل فه ل بد أن يكون لوجود نا سخ اطلعوا عل يه ول ينقلوه فإن هذا ف يه اتام ل م
بكتسم شيسء مسن العلم ول يكفسي نقله بجرد العمسل فكيسف تتوفسر هتسه لنقسل النسسوخ
ول تتوفر هته لنقل الناسخ مع أن المة تتاج إل معرفة الناسخ أشد من حاجتها لعرفة
ح ب عد هذا القدح ،فإن قل تم :ل عل ال صحاب غ فل عن ن قل النا سخ ، الن سوخ ،أي قد ٍ
فنقول :عالتم الزلة بعل جٍ قد فررت منه ،فإنكم قلتم :نقدم رأيه لنه ل يكن أن يغفل
عن روايته فلم يعمل با إل لوجود ناسخ ،ث قلتم ل ينقل الناسخ لنه غفل عنه ،فإذا
كنتم سترجعون للغفلة فهل قلتم من بادئ ال مر أنه عمل بلف روايته نسيانا أو غفلة
عن ها وارت تم وأرح تم ،فلماذا تعارضون ف غفل ته ون سيانه ث ترجعون تعللون عدم نقله
للناسخ بأ نه غ فل ع نه أو ظن أن غيه ينقله أو اطلع عل يه وع مل به ون سيه ؟ ما الو جب
لذلك كله ؟ وما أوقعكم ف ذلك إل لظنكم التلزم بي القدح ف الصحاب وبي العمل
بلف رواي ته ،فإن كم تعتقدون أن ال صحاب إذا ع مل بلف رواي ته فإ نه فا سق فذهب تم
79
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
تبحثون عن مرج ي فك ل كم هذا التلزم ،والواب أ نه تلزم با طل فإن مال فة الد يث
ن سيانا وغفلةً أو لعتقاد العارض الرا جح لي ست بقاد حة ف الراوي ول غيه وإن ا يكون
الف سق في من خالف الد يث عنادا بل عذ ٍر ،وهذا هو الذي نن سزه ال صحابة ع نه ،أ ما
مالفتهم ن سيانا أو لعتقاد الن سخ أو لعتقاد العارض الرا جح كل هذا موجود وله وقائع
كثية ،فلماذا حصرت أنفسكم ف أنه ما خالف روايته إل لتعمده الخالفة ث قلتم :كيف
بال صحاب أن يالف رواي ته متعمدا ؟ فقل تم :إ نه اطلع على نا سخ ل نطلع عل يه فخالف
روايتسه مسن أجله ،أمسا ننس فنقول :إن مالفتسه لروايتسه لاس عدة احتمالت منهسا واحسد
مرفوض رفضا باتا وبقية الحتمالت ورادة :
فأ ما الحتمال الرفوض :أن يكون خالف ها عنادا وت كبا وبغضا للع مل ب ا ،فهذا
والعياذ بال ل يكن أن يتصوره مسلم يؤمن بال ورسوله .
وأما الحتمالت القبولة فهي أنه خالفها غفلة عنها ،أو أنه خالفها نسيانا لا ،أو
معارضس راجسح لاس فهذه
ٍ أنسه خالفهسا لعتقاده وجود مسا ينسسخها أو خالفهسا لعتقاده
الحتمالت مقبولة واردة ،لكن ليست بقادحةٍ ف أصل الرواية بل هي باقية على حجيتها
ووجوب العمل با .
إذا تبي لك أن ال عبة والعتداد إن ا هو ف الروا ية ل ف الرأي العارض ،إذا
علمت هذا فإليك بعض الفروع على هذه القاعدة حت يتضح لك كيفية العمل با ،
ويتبي لك طريقة إنـزالا على الفروع :
فمن الفروع :ما رواه أبو هريرة مرفوعا (( إذا ولغ الكلب ف إناء أحدكم فليغسله
سبعا أول هن بالتراب )) فذ هب ا بن عباس وعروة بن الزب ي وم مد بن سيين وطاووس
وعمرو بن دينار والوزاعي ومالك والشافعي وأحد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود
وغيهم من العلماء إل أن الواجب ف غسل ناسة الكلب سبع غسلت لصحة حديث
أب هريرة وصراحته ف ذلك صراحةً ل مزيد عليها ،وذهب النفية إل أن السبع غسلت
سنة وإنا الواجب ثلث ،واستدلوا با رواه الطحاوي والدارقطن موقوفا على أب هريرة
" tأنه يغسل من ولوغه ثلث مرات " وهو الراوي لديث السبع وقد عمل بلفه فيقدم
رأيه على روايته ،فتكون ال سبع من باب الستحباب والثلث من باب الوجوب ،لكن
80
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
81
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
بغي ذلك ،وجيع الحاديث الرفوعة والوقوفة الت استدلوا با ضعيفة بل بعضها موضوع
ولول خوف الطالة لذكرتا ،والذي يعنينا هنا احتجاجهم بالقاعدة .
إذا علمت هذا فالراجح ولشك هو قول المهور وذلك لعتمادهم على الحاديث
الصحيحة الصرية ف إثبات هذه السنة .
وأما عمل ابن عمر بلف روايته فيجاب عنه بأمرين :الول :ل نسلم أنه عمل
بلف روايته بل الثابت عنه أنه عمل با فقد روى البخاري والنسائي وأبو داود عن نافع
أن ابن عمر كان إذا دخل ف الصلة كب ورفع يديه ،وإذا ركع رفع يديه ،وإذا قال سع
ال لن حده رفع يديه ،وإذا قام من الركعتي رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إل النب r
وأي صراحة غي هذه الصراحة ف أنه عمل بروايته .
الثان :سلمنا أنه عمل بلفها فإنه وإن عمل بلفها فالقدم هو الرواية ورأيه له t
لا قدمنا لك من القاعدة ،وال أعلم .
ومنها :النكاح بغي ول ،فقد ذهب جاهي أهل العلم – رحهم ال تعال – إل
أن الرأة ل يوز ل ا أن تزوج نف سها بغ ي إذن ولي ها وا ستدلوا على ذلك بد يث عائ شة
مرفوعا وهسو حديسث صسحيح (( :أياس امرأةٍ نكحست نفسسها بغيس إذن وليهسا فنكاحهسا
با طل )) وبد يث أ ب مو سى مرفوعا (( :ل نكاح إل بول )) وذ هب ال سادة النف ية –
غفر ال لم وتاوز عنهم – إل أنه يوز للمرأة أن تزوج نفسها بل ول ،واستدلوا على
ذلك بثلثة أدلة :الول :حديث (الي أحق بنفسها من وليها) أي لا أن تزوج نفسها
بدون الرجوع إليه – كذا فهموا الديث ، -الثان :قياس النكاح على الال ،فكما أن
ل ا أن تت صرف ف مال ا ب ا أرادت كيف ما أحبت بل إذن ولي ها فكذلك ل ا أن تنكح من
شاءت م ت شاءت بل إذن ولي ها ،الثالث - :و هو ب يت الق صيد – أن حد يث عائ شة
الذي رويتموه ل نقبله لن راوي ته – ر ضي ال عن ها – قد عملت بل فه فإن ا ر ضي ال
عنها ثبت عنها أنا زوجت ابنة أخيها حفصة بنت عبد الرحن بالنذر بن الزبي من غي
إذن وليها لنه كان غائبا ،فقد روى مالك ف الوطأ عن عبد الرحن بن القاسم عن أبيه
عن عائشة رضي ال عنها أنا زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحن بالنذر بن الزبي ،
وع بد الرح ن غائب بالشام ،فل ما قدم ع بد الرح ن قال :ومثلي يفتات عل يه ف بنا ته ؟
82
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
83
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
علي – إل أن رضاع الكبي معتب ينشر الرمة ،واستدلوا على ذلك بقصة سال مول أب
حذيفة .
ف عن زي نب ب نت أم سلمة قالت :قالت أم سلمة لعائ شة :إ نه يد خل عل يك الغلم
الي فع الذي ما أ حب أن يد خل عل ّي ،فقالت عائ شة :أ ما لك ف ر سول ال rأ سوة
ح سنة ،وقالت :إن امرأة أ ب حذي فة قالت :يا ر سول ال إن سالا يد خل عل يّ و هو
ر جل و ف ن فس أ ب حذي فة م نه ش يء ،فقال (( rأرضع يه ح ت يد خل عل يك )) رواه
مسلم وهذه القصة دليل على أن رضاع الكبي معتب ناشر للحرمة ،لكن أجاب المهور
عنه بأجوبة من ها :أنه من سوخ ،ومنها أنه مصوص بسال مول أب حذيفة ولذلك أ ب
سائر أزواج ال نب rقبول ذلك وإن ا كانوا يرو نه رخ صة ل سال ل تتعداه ،والراد هو أن
تعرف أمرا مهما وهو أن عائشة روت لنا حديث (( إنا الرضاعة من الجاعة وكان قبل
الفطام )) ث خال فت روايت ها برأي ها الب ن على هذه الق صة فكا نت ترى أن رضاع ال كبي
معتب ،فعندنا روايتها معارضة لرأيها ،فكان الذي ينبغي للحنفية الكرام أن يأخذوا برأيها
ويدعوا روايت ها جريا على أ صلهم ،لكن هم هذه الرة عك سوا ال مر فإن م أخذوا بروايت ها
وتركوا رأيها ،فقالوا ب ا قال به المهور من أن رضاع ال كبي ل يرم ،وعللوا مالفت هم
ل صلهم بأن م يقبلون رأي الراوي الخالف لرواي ته إذا ل يعرف لرأ يه سببا ول م ستندا ،
أما إذا عرفوا أنه خالف روايته لستن ٍد واضح فإنم ينظرون ف هذا الستند هل يصلح أن
تعارض به الرواية أو ل ؟ وهنا عائشة رضي ال عنها روت لنا النع من رضاع الكبي ث
أجازت رضاع الكبي ،فنظروا إل رأيها هذا فوجدوه مستندا لقصة سال مول أب حذيفة
فلم يروا صوابا ف هذا الرأي فتركوا رأي ها وأخذوا بروايت ها ل كن أ صلهم يعملون به إذا
ل يظهر لرأي الراوي مستند فيقولون لعله اطلع على الناسخ ،إما إذا ظهر له مستند فإنم
ينظرون ف صلحية هذا الستند.
والراجح ف هذا الفرع وال أعلم :أن الصل أن الرضاع إنا يكون قبل الفطام لكن
من تق قت ف يه ضرورة الدخول على بي تٍ آ خر وك ثر ذلك الدخول وح صل من دخوله
الرج فنقول لحداهن :أرضعيه حت ترمي عليه ،فرضاع الكبي معتب عند الضرورة ،
واختار هذا القول الش يخ ت قي الد ين والشوكا ن ،وذلك لق صة سال فتكون هذه الق صة
84
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
85
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ذلك الشعب والنخعي وغيها ،لكن لشك أن الراجح هو قول جهور أهل العلم من أن
السلم ل يقتل بالكافر وهو عام ف الذمي والرب ،وأما رأيه فيجاب عنه بأجوبة :
الول :أن سنده ضع يف فإن فيه أ با النوب ال سدي و هو ضع يف الد يث ك ما
قاله الدارقطن .الثان :أنه معارض بثله لن أمي الؤمني عليا tأفت بأن ل يقتل مسلم
بكافرٍ .الثالث :أ نه وإن سلمنا صحة رأ يه ول يس معارضا بثله فإن العت مد عند نا هو
رواي ته ل رأ يه لن رأ يه ي عد اجتهادا م نه واجتهاد ال صحاب ل يس بجةٍ إذا خالف نص
العصوم rفإذا تعارض رأي الراوي وروايته فالعتمد هو الرواية ل الرأي ،وال أعلم .
ومن ها :ال سنة ف ال سفر ق صر الرباع ية ركعت ي ،بل لو قل نا أن الق صر وا جب ل ا
أبعدنا وذلك لديث عائشة ف الصحيحي (( فرضت الصلة ركعتي فأتت صلة الضر
وأقرت صلة السفر على الول )) فإن قيل فقد ثبت عن عائشة رضي ال عنها أنا أتت
ف السفر ،قلنا :العبة ف روايتها ل رأيها ،فروايتها لعموم المة ورأيها لا وال أعلم .
ومنها :لب الفحل هل ينشر الرمة ف أقاربه أو ل ؟ وصورة السألة إذا رضعت
صبية من امرأة لا زوج هذا اللب انعقد بسببه – أي بسبب وطئه – فإنم اتفقوا على أن
هذه الرض عة أم لل صبية وأن أولد الرض عة إخوة لذه ال صبية من الرضاع ،واتفقوا أيضا
أن هذا الزوج يكون أبا لذه ال صبية من الرضاع ،ث اختلفوا هل يكون أ خو الزوج عما
لذه ال صبية من الرضاع ؟ ولو تزوج هذا الزوج امرأة أخرى غ ي ال ت أرضعت ها وجاءت
بأولد فهل يكونون إخوانا لذه الصبية من الب ؟ هذا هو الراد بقولنا " هل لب الفحل
ينشر الرمة ف أقاربه أو ل ؟ " فذهب جهور أهل العلم إل أنه ينشر الرمة أي يكون
أقارب الزوج من النسب أقارب لذه الصبية من الرضاعة ،فأخوه عمها وأبناؤه من كل
زوج ٍة إخوتا من الب ،وأبوه جدها من الرضاعة وهكذا واستدلوا بديث عائشة قالت:
إن أفلح أ خا أ با القع يس جاء ي ستأذن علي ها – و هو عم ها من الرضا عة – ب عد أن نزل
الجاب ،قالت فأبيت أن آذن له فلما جاء رسول ال rأخبتُهُ بالذي صنعت فأمرن أن
آذن له وقال :إنه عمك )) وف رواية أنا قالت :إنا أرضعتن امرأة أب القعيس )) ووجه
الدللة أن أ خا أ ب القع يس صار عما لعائ شة لن عائ شة ر ضي ال عن ها شر بت من ل ب
أخ يه أ ب القع يس و هو نص صحيح صريح .و هو الذي رو ته عائ شة ر ضي ال عن ها ،
86
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
لكن ها خال فت مروي ها هذا فكا نت ترى أن ل ب الف حل ل ين شر الر مة ،والع جب من
النفية أنم ف هذا الفرع أخذوا بروايتها وتركوا رأيها ،فقالوا با قال به المهور من أن
ل ب الف حل ين شر الر مة ،وكان النت ظر من هم أن يقولوه بأن ل ب الف حل ل ين شر الر مة
عملً بأ صلهم ف أ خذ الرأي وترك الروا ية ،ل كن خالفوا أ صلهم وأخذوا الروا ية وتركوا
الرأي ولعلهم رأوا أدلة أخرى جعلتهم يالفون أصلهم ،أما نن فالعتمد عندنا هو الرواية
ل الرأي ،فالراجح هو قول المهور لصحة حديث أب القعيس وصراحته وهذا هو آخر
الفروع وال أعلم وصلى ال على نبينا ممد .
87
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
القاعـدة العاشـرة
( أفعال الشارع للندب ما ل تقترن بقولٍ فتفيد ما أفاد القول )
والراد بالشارع :أي الصطفى ، rوقد ذكرنا ف موض عٍ آخر أن التشريع يؤخذ
من قوله rوفعله وتركه وإقراره ،وهذه القاعدة تتكلم عن المر الثان وهو أفعال النب r
فكم أنواعها ؟ وما الصل فيها ؟ وما الضابط ف الفرق بينها ؟ وماذا يستفاد منها ؟ مع
ذكر فروع فقهية مرجة ؟ وما حكم الفعل إذا كان مقرونا بنهي ؟
هذه مسائل سوف نيب عنها بعبارات متصرة فأسأل ال التوفيق للحق والصواب
فأقول :السألة الول :قسم الصوليون الفعال الصادرة عنه rإل ثلثة أقسام :
الول :أفعال فعلها على وجه التشريع وتسمى بالفعال التشريعية ،وهي الت نريد
الديث عنها ف هذه القاعدة .
الثان :أفعال خاصة أي فعلها على غي وجه التشريع ،وإنا على وجه الصوصية
وحكم هذه الفعال – أعن الاصة – عدم جواز فعلها ،بل نن نتعبد ل بتركها واعتقاد
خ صوصيتها به rوي ثل ل ا بالزواج بأك ثر من أر بع وبواز ا ستقبال القبلة وا ستدبارها ،
وو صال ال صيام يوم ي مت صلي وأك ثر بل إفطار بينه ما ،وكالزواج بل مه ٍر ،وغي ها –
وهي كثية – وقد ألفت فيها الؤلفات النافعة فلياجعها من شاء .
النوع الثالث :أفعال الطبي عة والبلة والعادة و هي ال ت فعل ها ل بقت ضى التشر يع
وإناس فعلهسا لداعسي الطبيعسة والعادة كالكسل والشرب والقيام والقعود والنوم والتخلي ،
فهذه الشياء ف ذات ا إن ا فعلت لدا عي الطبي عة والبلة والعادة ل لن ا تشر يع أ ما هيئات ا
الت أوقعت عليها فهي الت تعد من الفعال التشريعية ،فمثلً :الكل فعل وكيفية الكل
فعسل فالول جبلي والثانس تشريعسي ،وكذلك النوم فعسل وهيئة النوم فعسل فالول جبلي
والثان تشريعي ،كذلك التخلي فعل ،وهيئة التخلي فعل فالول جبلي والثان تشريعي ،
فهي أفعال جبلية لكن أوقعت على هيئا تٍ شرعية ،والكم ف هذا النوع من الفعال أن
ل يع طى حكما بالن ظر إل ذا ته مردا عن الن ية ل نه من جلة الباحات ،أ ما هيئ ته ف هي
داخلة تت النوع الول السابق ذكره وهو الفعل التشريعي .
88
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
إذا فالنواع ثلثسة :فالتشريعسي يتعبسد ل بفعله ،والصسوصي يتعبسد ل بتركسه ،
ل – أع ن بالن ظر إل ذا ته – وأع ن بذا ته أي ب غض
والبلي ل يد خل ف مال التع بد أ ص ً
النظر عن نية التقرب به وبغض النظر عن هيئته ،وال أعلم .
السألة الثانية :اعلم أن الصل ف الفعال الت فعلها النب rأنا من قبيل الفعال
التشريعية حت يدل دليل يرجها من التشريع إل الصوصية أو البلية ،فأي فعل صدر
منه rفهو التشريع إل بدليل ،والدليل على ذلك أمور :
من ها :قوله تعال َ ] :لقَدْ كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ سْ َوةٌ حَ َ
سَنةٌ [ و ال سوة أي
القدوة ،فهو قدوة لنا ف أقواله وأفعاله ،فهذا هو الصل ومن ادعى خلفه فعليه الدليل .
ومنها :أن الصل أنه بعث للناس مشرعا وهاديا لقوم السبل ،فأقواله كلها يؤخذ
من ها الشرع الذي ب عث لبل غه إل بدل يل ،وكذلك أفعاله كل ها يؤ خذ من ها التشر يع إل
بدليل .
ومنها :قوله تعال ] :قُلْ إِ نْ ُكْنتُ ْم تُ ِ
حبّو نَ اللّ هَ فَاّتِبعُونِي [ فأمر باتباعه ،والتباع
هنسا أمسر عام فيشمسل :التباع فس القوال ،والتباع فس الفعال .وهاس الدي القول ،
والدي الفعلي .
ومن ها :أ نه rث بت ع نه بال ستقراء أ نه كان يأ مر بال خذ ع نه ف أفعاله ،فقال ف
ال صلة (( :صلوا ك ما رأيتمو ن أ صلي )) ،و صلى مرة على ال نب وقال (( :إن ا فعلت
ذلك لتأتوا ب ولتعلموا صلت )) ،وكذلك أفعاله ف ال ج فكان كل ما ف عل فعلً قال :
(( خذوا عن مناسككم )) ،وكذلك لا سأله العراب عن مواقيت الصلة علمه بالفعل
ف يوم ي ث قال (( :ما ب ي هذ ين و قت )) ،و قد كان ال صحابة يقتدون به ف أفعاله
و هو يراهم ول ين كر علي هم ،وهذا كله يدل على أن ال صل ف باب الفعال النبو ية أن ا
للتشريع إل ما دل الدليل على إخراجه إل بابٍ آخر .
وفائدة هذا الصل أنه إذا أشكل عليك شيء من الفعال ،هل هو تشريعي أو من
باب الصوصية أو البلة ؟ فاعمل بالصل هذا ،وقل هو للتشريع لن الصل ف أفعاله
التشريع ،وأيضا إذا ادعى أحد أن فعله هذا من باب الصوص ،فقل له :ل نقبل قولك
هذا إل بدليل لن الصل ف فعله التشريع ،فلماذا أخرجته عن أصله ؟ ما الدليل على هذا
89
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
90
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
91
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
النسب rعلى وجسه التعبسد هسو طاعسة وقربسة ،ول تكون أبدا خارجسة عسن الوجوب أو
الندب ،أي إ ما أن تكون واج بة وإ ما أن تكون مندو بة ،والقدر الشترك بينه ما ترج يح
الفعل على الترك ،وهذه هي حقيقة الندوب .فقصد القربة يرجه عن حد الباحة ،لن
الباحة ل ترجيح فيها ل لفعلٍ ول لترك ،والقربة فيها ترجيح الفعل ،فاحتمال الباحة
فيه ل يرد ،فيبقى احتمال الوجوب والندب فهو مشترك بينهما ،والقدر الشترك هو أن
فعله خ ي من تر كه وهذا هو الندب ،و به تعرف أن الرا جح هو أن أفعاله ال ت ق صد ب ا
القربة لا حكم الندب ،ول تنسزل إل مرتبة الباحة ،ول ترتقي إل مرتبة الوجوب ،
وهذا هو الذي سوف نطنب ف ذكر فروعه إن شاء ال تعال ،وال أعلم .
(السألة الامسة) ما حكم الفعل إذا كان مالفا لنهي أو أمرٍ ،أي إذا نى النب r
عن شيء ث فعله (ل على وجه الصوصية) فما حكم هذا الفعل ؟
الواب :هذا الفعل ل يكم له بأنه سنة لنه ليس فعلً مردا ،والفعال الت قلنا
إنا للندب هي الفعال الجردة عن أمر أو ني ،لكن هذا الفعل يدخل تت قاعدة أخرى
وهي " :أن الفعل إذا خالف النهي الصريح فإنه لبيان الواز " أي لبيان أن النهي ليس
على بابه الذي هو التحري ،وإنا هو للكراهة فيكون هذا الفعل صارفا للنهي عن حقيقته
إل الكرا هة ،وهذا أول من قول بعض هم :إن الف عل يكون ف هذه الالة خا صا به ،
والنهي لمته ،ويعبون عنه بقولم :الفعل الاص به ل يعارض النهي العام للمة ،ولكن
الوا جب أن ل ي عل الف عل معارضا للن هي إذا أم كن ال مع ،وذلك م كن ب عل الف عل
صارفا للنهي من الرمة إل الكراهة ،لكن بشرط :وهو أن يكون الفعل الخالف للنهي
ق صد إظهاره ،ل نه حينئذٍ يراد به التشر يع ،أ ما الف عل الذي ل يظهره rل ن ي صل ب م
البلغ فل يعل معارضا للنهي بل يكون خاصا به ،ومن باب التوضيح نذكر شيئا من
الفروع على ذلك فأقول :
منها :ثبت عنه rأنه نى عن البول واقفا ف أحاديث كثية ،وثبت عنه أيضا أنه
خالف ذلك وبال مرةً قائما كما ف حديث حذيفة ع ند الشيخ ي ،وفعله rبحضرٍ من
حذي فة بل ل ا ابت عد حذي فة أمره أن يقترب ح ت قام ع ند عق به ح ت فرغ ،أي أ نه ق صد
إظهار هذا الفعسل ،فعلى قاعدتنسا هذه يكون هذا الفعسل صسارفا للنهسي عسن بابسه إل
92
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الكراهسة ،فالبول قائما صسرف مسن التحريس إل الكراهسة ،لن هذا الفعسل لبيان الواز ،
فيجوز البول قائما بشرطه لكن مع الكراهة ،هذا أول من أن نعلل فعله هذا بعللٍ ل دليل
عليها من أنه كان للستشفاء أو لرح ف مئبضه أو لنه كان ف سباطةٍ قو مٍ مرتفعة ،بل
الصوب أن يقال إنه فعله لبيان الواز ،وأما إنكار عائشة رضي ال عنها فلعدم علمها با
رأى حذيفة ،ومن حفظ حجة على من ل يفظ .
ومنها :ثبت عنه أنه rن ى عن الشرب قائما ف عدة أحاديث صحيحة ،وثبت
عنه rأنه خالف ذلك النهي فشرب مرةً قائما من بئر زمزم كما ف حديث علي tقال
" :فد عا ب سجلٍ من ماء زمزم فشرب م نه وتو ضأ " ،وكذلك شرب واقفا من القر بة
العلقسة وهذا الفعسل كان بحض ٍر مسن الناس .فنقول :إناس فعله rلبيان الواز أي لبيان
جواز الشرب قائما ،فالنهي إذا مصروف عن بابه إل الكراهة ،وذلك للجمع بي الدلة
لنه إذا أمكن العمل بالدليلي فهو أول ،وبه تعلم أن من قال إنا شرب قائما للزحام أو
لضرورة الوقوف لن القربة معلقة أن ا تعليلت عليلة ،بل ال صواب أن يقال :إ نه شرب
قائما لبيان الواز وأن النهي الذي صدر منه ليس للتحري وإنا للكراهة ،فالشرب قائما
جائز لكن مع الكراهة ،فقلنا بالواز :لوجود الفعل ،وقلنا بالكراهة :لوجود النهي ،
و به تتآلف الدلة ول ال مد وال نة ،وعلى ذلك ف قس .فالف عل الظ هر إذا خالف الن هي
فلبيان الواز ويكون صارفا للنهي من التحري إل الكراهة .
قلتس :لنسه ل يكون
قلتس :فلماذا اشترطست فس الفعسل أن يكون ظاهرا ُ ، فإن َ
تشريعا إل مع الظهار ،إذ ما الفائدة من تشريع يت في به rفهو مأمور أن يبلغ نا شرع
ربنا ،وكيف يصل البلغ مع الختفاء ؟ فإذا اختفى بفعل علمنا أنه ل يرد به التشريع ،
ولذلك اشترطنا أن يظهره ولو ع ند واحدٍ من الكلف ي ليح صل البلغ ،فن حن ل نطالب
بشري عة إل إذا علمنا ها ،ول ي كن أن نعلم ها إل إذا ظهرت ل نا ،فإن قل تَ :هل عندك
شيء من الفروع الفقهية على هذا ؟
فالواب :نعم ،وهو أنه rثبت عنه بالتواتر أنه نى عن استقبال القبلة واستدبارها
ف أحاديث كثية ،وثبت عنه ف حديث ابن عمر أنه رآه مستدبرا الكعبة على ظهر بيت
حفصة ،وكذلك جابر رآه يستقبل القبلة ،فهل هذا الفعل يعد صارفا للنهي عن بابه إل
93
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الكراهة ،فنقول :ل ،لن النب rل يقصد إظهار هذا الفعل ،ففي حديث ابن عمر أنه
كان على بيت حفصة ،وأي بلغ يصل للمة بفعلٍ استخفى به على بيت حفصة ول
يعلم هو با بن ع مر ،ول ي كن أن يشرع rلم ته بك شف عور ته ،وكذلك ف حد يث
جابر ل ندري أهسو رآه أو ل ؟ ففعله الخالف لنهيسه ل يظهره كمسا أظهسر الشرب قائما
والبول قائما ،ما يدل على أنه ل يريد به التشريع ،فنبقى نن على قوله الصريح الذي ل
يتطرق له الحتمال ،ونترك فعله الخالف له ونقول :إنسه خاص بسه ،وهذا هسو القول
الصحيح .واختاره شيخ السلم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وجع من الحققي ،ولذلك
اشترطنا أن يكون الفعل الخالف للنهي ظاهرا .
فهذا بالنسسبة لقاعدة الفعسل الخالف للنهسي الصسريح ،وأمسا الفعسل الخالف للمسر
ال صريح كأن تأ مر الدلة بشيءٍ ث يال فه ال نب rبفعله فل يفعله ،أي ل يت ثل هذا ال مر
ويفعل خلفه ،فهذا الفعل أيضا نقول إنه لبيان الواز وأن المر ليس على الوجوب وإنا
لل ستحباب ف قط ،إذ لو كان ال مر واجبا ل ا خال فه ،فل ما خال فه بفعله دل على جواز
الخالفة ،وعلى ذلك بعض المثلة :
من ها :أ مر ال تعال بالوضوء ع ند القيام إل ال صلة أمرا معلقا بشرط ،وتقدم لك
أن ال مر العلق على الشرط يف يد التكرار إذا كان الشرط علة له ،فيكون ال نب rو سائر
الؤمني مأمورين بتكرار الوضوء عند تكرر القيام إل الصلة ،هذا هو ظاهر الية ،لكن
ثبت ف صحيح مسلم وغيه أن النب rخالف هذا المر وصلى الصلوات المس بوضو ٍء
وا حد وقال (( :عمدا فعلته )) ،ففعله هذا مالف للمر فيدل على بيان الواز ،لكن
الستحب تكرار الوضوء وتديده ،لكن لو صلى الصلوات الكثية بوضوءٍ واحد فل بأس
،وهذا هو الصحيح ول شك .فجعلنا الفعل لبيان جواز الترك والمر القول للستحباب
.
ومنهـا :أن النسب rقال (( :اجعلوا آخسر صسلتكم بالليسل وترا )) فهذا أمسر قول
يق ضي أن يكون الو تر هو آ خر صلة الل يل ول ش يء بعده من صلة الل يل ،وث بت أن
ال نب rخالف ذلك ال مر بفعله ،فث بت ع نه أ نه صلى ب عد الو تر ركعت ي و هو جالس ،
فالف عل خالف القول ،لن هات ي الركعت ي من جلة صلة الل يل ،فيكون فعله هذا لبيان
94
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الواز ،والمر لبيان الستحباب ،فالفعل هذا صرف المر القول عن بابه إل الندب ،
فيجوز للنسان التطوع بشف ٍع بعد الوتر ،لكن الستحب أن يعل الوتر آخر صلة الليل ،
فيصلي ما شاء من الشفع ث يوتر ،لكن لو أوتر ث بدا له أن يصلي بقية الليل فله ذلك
لكن ل يعيد الوتر مرة أخرى لديث (( :ل وتران ف ليلة)) .
والفروع كثية وإنا القصود الشارة ،فنخلص من ذلك أن فعله rإذا خالف أمره
أو نيه فإنه لبيان الواز ،أي لبيان جواز الترك ف المر ،ولبيان جواز الفعل ف النهي ،
وأن فعله ُيعَدّ من جلة الصوارف للمر من الوجوب إل الستحباب ،والنهي من التحري
إل الكراهة التنسزيهية .هذا هو التحقيق ف هذه السألة .
قلتس :فمسا حكسم الفعسل إذا كان مقرونا بأمرٍ قول ؟ أقول :إذا كان فعله r
فإن َ
مقرونا بأمرٍ قول فإنه يع طى حكم هذا القول وهو الراد بقولنا ف القاعدة ( ما ل تقترن)
أي الفعال (بقول فتفيد ما أفاد القول) أي فإن كان المر القول يفيد الوجوب فإن الفعل
أيضا للوجوب ،وإن كان القول للستحباب فالفعل للستحباب .
ونذ كر لك فروعا على هذه القاعدة ،أع ن قاعدة :الف عل إذا كان مقرونا بأمرٍ
قول فيعطى حكمه .
ف من الفروع :أفعال الصسلة من قيامٍس وقعود و سجود وركوع هسي أفعال لكنهسا
اقترنت بقوله (( rصلوا كما رأيتمون أصلي)) وبأمره با للمسيء صلته ،فتكون هذه
الفعال لاس حكسم القول والقول هنسا للوجوب فتكون واجبسة أيضا لقتراناس بأمسر قول
واجب
ومن ها :أفعال النا سك من ر مي ووقوف بعر فة و مبيت بزدل فة وطواف و سعي
وحل ٍق ونوها من الناسك ،هي أفعال لكنها اقترنت بأمر قول ف قوله (( : rخذوا عن
منا سككم )) فتع طى هذه الفعال ح كم القول ،والقول ه نا للوجوب فكذلك أيضا هذه
الفعال لا حكم الوجوب ،لنا اقترنت بأمر قول واجب إل ما دل الدليل على سبيته
كطواف القدوم .
ومن ها :ث بت ع ند ا بن حبان وغيه أن ال نب rصلى ب عد غروب الش مس ركعت ي
فهذا ف عل ،ل كن هذا الف عل اقترن بأمرٍ قول وذلك ف قوله (( : rصلوا ق بل الغرب ))
95
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ثلثا ،فتعطى حكمه ،فنظرنا إل هذا القول فوجدناه للستحباب ،بدليل قوله ف آخر
الديسث ((لنس شاء)) كراهيسة أن يتخذهسا سسنة ،أي عادة وطريقسة ،فالقول يفيسد
السستحباب فكذلك أيضا الفعسل يفيسد السستحباب ،لنسه اقترن بأم ٍر قول يفيسد
الستحباب.
ومن ها :ث بت أن ال نب rق طع ي ي ال سارق وهذا ف عل لك نه اقترن بقوله تعال ] :
وَالسّا ِرقُ وَالسّارَِقةُ فَاقْ َطعُوا َأيْ ِدَيهُمَا[ وهذا القول للوجوب ،فيكون فعله أيضا للوجوب ،
فإذا سرق ال سارق و جب ق طع يي نه ،وقل نا إن الف عل ه نا وا جب ل نه اقترن بأمرٍ قول
واجب .
ومن ها :أفعال الوضوء ف قد اقتر نت هذه الفعال بأمرٍ قول ك ما ف آ ية الوضوء ،
وهذا القول له حكم الوجوب ،فكذلك أيضا الفعال تأخذ حكم الوجوب لنا اقترنت
بأمرٍ قول واجسب ،وبذلك تعرف أن الفعال إذا كانست مقرونسة بأمرٍ قول فإناس تعطسى
حك مه .فإن كان القول للوجوب ف هي واج بة ،وإن كان لل ستحباب ف هي م ستحبة ،
وال أعلم .
فإن قل تَ :قد ذكرت لنا أن النب rإذا نى عن شيء ث خالفه بفعله فيكون الفعل
ل مكروها
لبيان الواز ،أي توز الخالفة مع الكراهية ،فهل يتصور أن يفعل النب rفع ً
وهو رسول ال ؟
فأقول :إن فعل النب rالخالف لنهيه ليس بكروهٍ ف حقه خاصة لنه يلزم عليه أن
يبلغ نا به ،ففعله هذا وا جب لوجوب البلغ ،وإن ا هو مكروه ف حق نا ،فالبول قائما
مثلً مكروه ف حق نا لك نه rل ا بال واقفا فإن وقو فه هذا الذي ق صد بيان الواز ل يس
بكروه ،لنه من باب البلغ الواجب عليه .
فإن قلت :أفل بلغ نا جواز الخال فة بالقول ك ما بلغ نا الن هي بالقول ،فلماذا يبلغ نا
بالفعل ؟ فالواب :أن هذا تكم على الشارع وحجر عليه ،ول يليق هذا السؤال بأهل
الدب ،فللشارع أن يبلغ نا ب ا شاء بقوله أو فعله أو تقريره أو تر كه كل ذلك را جع إل
الصال والكم الشرعية وال أعلم .
96
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
(السألة السادسة) إذا عرفت ما مضى فلم يبق إل الفروع على القاعدة الت هي أم
الباب ،وهسي أن الفعال الجردة تفيسد السستحباب ،وفروعهسا كثية لكسن نذكسر لك
بعضها من باب التنبيه على غيها :
فمن ها :ر فع اليد ين ف ال صلة ،ف عل من الفعال ث بت بالدلة ف موا ضع ،ع ند
تكبية الحرام ،وعند الركوع ،وعند الرفع منه ،وعند القيام من التشهد الول ،وهو
للندب لنه فعل والفعال لا حكم الندب .فإن قلت :كيف ل يقترن بقو ٍل وهو فعل ف
الصلة وقد قال النب (( : rصلوا كما رأيتمون أصلي )) ؟
فأقول :هذا سسؤال جيسد وجوابسه أن يقال :إن المسر فس قوله (( :صسلوا كمسا
رأيتمو ن أ صلي)) عام ف ج يع أفعال ال صلة إل ما أخر جه الدل يل ف هو أ مر وجوب ف
الفعال الواجبسة ،وأمسر اسستحباب فس الشياء السستحبة ،والرفسع فس الواضسع الربعسة
مستحب لن النب rل يأمر به السيء صلته ،ولو كان الرفع واجبا لمره به لن تأخي
البيان عن وقت الاجة ل يوز ،فيكون الرفع داخلً ف قوله (( :كما رأيتمون أصلي)) ،
لكن ل للوجوب ،وإنا للستحباب لوجود الصارف وهو عدم أمر السيء صلته به .
ومنهـا :اللوس بيس الطبتيس ،فعسل مرد ،فهسو للسستحباب جريا على هذه
القاعدة .
ومنها :الذهاب للعيد من طريق والعودة من طريق ،من جلة الفعال فيكون سنة
لن الفعال الجردة مندوبة .
ومنها :جلسة الستراحة ،فيها خلف بي أهل العلم على أقوال :فقيل ل تسن
أصلً وهذا قول بعيد عن الصواب ،لخالفته الحاديث الصحيحة .وقيل :سنة مطلقا
أي عند الاجة لا أو عدمه .وقيل :سنة عند الاجة لا فقط ،واستدل أصحاب هذا
القول بدليلي :الول :أنا ذكرت ف بعض الحاديث ول تذكر ف بعض ،والديث
الذي ذكرت فيه هو حديث مالك بن الويرث ،وهو متأخر السلم أي بعد كب سن
النب . rالثان :أن اسها يدل على أنا ل تشرع إل عند الاجة لا .
ول كن ال صواب أن ا سنة مطلقا تف عل أحيانا وتترك أحيانا ،والدل يل على سنيتها
حديسث مالك بسن الويرث عنسد البخاري ،والصسل أن أفعال النسب rتشريعيسة ،وأمسا
97
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
تسميتها بلسة الستراحة إنا هو عند الفقهاء التأخرين ،والصطلحات الادثة ل تكون
حاك مة على الدلة الشرع ية ،فتحد يد حكمت ها بأن ا لل ستراحة ف قط ل دل يل عل يه .
فالقول الرا جح هو أن ا سنة مطلقا ع ند الا جة وعدم ها ،ول كن لي ست ب سنةٍ مؤكدة
ل تترك أبدا ،بل السنة تركها أحيانا ،لن ما ليس بسنةٍ راتبة فالفضل تركه أحيانا .
ومن ها :ر فع اليد ين بالدعاء ف موا ضع ر فع اليد ين كال ستسقاء على ال نب وفوق
ال صفا والروة ونوه ،هو من باب الفعال ف هو إذا سنة ،لن الفعال الجردة ي كم ل ا
بأنا للندب .
ومنها :التورك ف التشهد الخي ف الرباعية والثلثية ،فعل من الفعال فهو سنة.
ومنها :تقبيل الجر السود واستلمه هو والركن اليمان من جلة الفعال ،فهي
إذا سنة لذه القاعدة .
ومن ها :تأخ ي العشاء إل ن صف الل يل ،ث بت أن ال نب rفعله ور غب ف يه بقوله ،
كما ف حديث عائشة وابن عباس ،فتأخيها إذا سنة إذا ل يشق على الأمومي .
ومنها :الوضوء للطواف ،فيه خلف طويل ،والراجح أنه سنة ،لن الديث إنا
فيه " :أنه توضأ ث طاف " ،وهذا فعل والفعل الجرد يدل على السنية ،وحج معه الم
الغفيس وطافوا ول يثبست أنسه أمسر واحدا منهسم بالوضوء مسع أنمس جاءوا ليتعلموا منسه
مناسكهم .
ومنها :ذكر الدخول للخلء وللمسجد ،كل ذلك سنة لنه فعل من الفعال .
ومن ها :التثل يث ف الوضوء ،أي غ سل العضاء الغ سولة ثلثا سنة ل نه ف عل من
الفعال .
ومنها :الوضوء قبل الغسل من النابة سنة ،لن النب rكان يفعله ،والفعال لا
حكم الندب .
والفروع كثية ولعل فيما مضى كفاية لن القصود الشارة ،وال أعلم.
98
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وهذه القاعدة العظي مة مه مة جدا لطالب ال صول ،لن ا ينب ن علي ها من الفروع
الشيء الكثي ،فلبد للطالب من فهمها وإتقانا ،ومن باب تسهيلها أتكلم عليها ف عدة
مسائل :
(السألة الول) الطلق لغة :هو النفك من كل قيد حسيا كان أو معنويا .
وا صطلحا :هو الل فظ التناول لفردٍ شائ عٍ ف جن سه ،أي يدل على فردٍ واحدٍ ،
لكن هذا الفرد ليس بحددٍ ول بعي ،فليس بتميزٍ من جلة أفراد جنسه فهو شائع فيها ،
والراد بقول نا (شائع) أي غ ي متم يز ،وذلك كقول :أكرم طالبا ،فبالط بع ل تف هم أ ن
أمر تك بأن تكرم كل طالب ،وإن ا فه مت م ن ال مر بإكرام طالب واحدٍ ف قط ،ل كن
ماهية هذا الطالب وصفاته وقيوده غي مددة فهو طالب من جلة الطلبة ،فلفظة (طالبا)
لفظ مطلق لنه يدل على فرد غي متميز عن جلة حقيقته ،وقال تعال َ ] :فتَحْرِيرُ رََقَبةٍ[
وهذا أمر بإعتاق رقبة ،فهي رقبة واحدة ،لكنها مطلقة شائعة ف جنس الرقاب ل تتميز
عنهم بشيء ،فلم يدد لنا صفةً لذه الرقبة تيزها عن جنس الرقاب ،وهكذا فالطلق إذا
ل يفهم منه إل تعيي القيقة ل تعيي الفراد .وهذه القيقة الت دل عليها اللفظ مركبة
من جلة أفراد ،واللفظ الطلق عي القيقة لكن ل يتعرض للفراد بوصف ول قيد فلذلك
سي مطلقا ،لنه ذكر القيقة منفكةً عن كل قيدٍ ،فأنت عرفت بقوله تعال َ] :فتَحْرِيرُ
رََقَبةٍ[ ج نس الراد عت قه و هو الرق بة ،ل كن أي رقبةٍ هي ،وبأي ديانةٍ تكون ،و من أي
الجناس ،عرب ية أم أعجم ية ،بيضاء أم سوداء ،صغية أم كبية ،ذ كر أم أن ثى ،كل
ذلك ل يتعرض له ال نص بش يء وإن ا ذ كر لك لفظا مطلقا عن كل قيدٍ فهذا هو الل فظ
الطلق ،وأ ما الق يد :ف هو الل فظ الدال على شي ٍء مع ي با سمٍ أو صفةٍ ،كأ ساء العلم
ل أو الشارة أو العرف باللف واللم ونوهسا ،كسل ذلك يسسمى مقيدا ،لنسه يدل مث ً
99
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
على شيءٍ زائدٍ على مرد القي قة ،ف هو يذ كر لك القي قة ويق يد لك الفرد الذي يريده
منها باسه أو صفته الت تيزه عن غيه من جلة أفراد هذه القيقة ،كقوله تعال ف كفارة
حرِيرُ رََقَب ٍة ُم ْؤ ِمَنةٍ [ فإنا هنا ل تذكر مطلقة كما ذكرت ف كفارة الظهار
قتل الطأ َ ] :فتَ ْ
،بل قيدت بوصف حددها وميزها عن غيها وهو قوله ُ ] :م ْؤمَِنةٍ[ فهذا الوصف حدد لنا
الراد بالرقبة ،وإن كان قد بقي فيها بعض جوانب الطلق ،فكلمة ] ُم ْؤ ِمَنةٍ[ لفظ قيد
الرقبة وأخرجها عن إطلقها ،لنا ل تعد بعد تقييدها منفكة من القيود ،فهذا بالنسبة
لتعريفهما .وخلصته :أن اللفظ الطلق يدل على القيقة مردة عن وصفٍ زائدٍ ،والقيد
يدل على القيقة بزيادةٍ قيدٍ من اسم أو وصف ،وال أعلم .
(السألة الثانية) اعلم أن النكرة إذا وردت ف سياق الثبات فهي من اللفاظ الطلقة
كقوله تعال َ ] :فتَحْرِيرُ رََقَبةٍ [ فهنسا إثبات ،ولفسظ ]رََقَبةٍ[ نكرة فهسي إذا لفسظ مطلق ،
وكقول (أكرم ضيفا) فهذا إثبات للكرام وأم ٌر بسه ،ولفسظ (ضيفا) نكرة فهسو إذا مطلق
لن النكرة ف سياق الثبات مطل قة ،وكقول (أ عط فقيا صدقة) فهذا إثبات و(فقيا)
نكرة ،وكذلك ل فظ ( صدقة) نكرة أيضا ،فه ما نكرتان ف سياق إثبات ف هي إذا ل فظ
مطلق ،وكقوله تعال ] :وَآتُوا َحقّ هُ َيوْ مَ حَ صَا ِدهِ [ ف س ] آتُوا [ أ مر و] َحقّ هُ [ نكرة ،
فهسو إذا لفسظ مطلق ،وهكذا فأي نكرة تأتيسك فس سسياق الثبات فاعلم أناس مسن جلة
اللفاظ الطلقة .
(السألة الثالثة) اعلم – أرشدك ال لطاعته – أن الدليل الطلق يب العمل به على
إطلقه ول يوز تقييده إل بدليل صحيح ،ل بجرد الوى والذاهب وأقوال الئمة ،وأن
ع والبي نة على الد عي ،فإذا جاء بدليلٍ شر عي
الدل يل يطلب م ن اد عى التقي يد ،ل نه مد ٍ
صحيح مثبتٍ لذا القيد قبلناه ،وإل فهو مردود عليه ،وذلك لن الدليل الطلق من كلم
ال تعال ورسوله rوكلها ل يوز التحكم فيه بتقيي ٍد أو اشتراط أو تقدي أو تأخي إل
بدل يل آ خر من كلمه ما ،أما التح كم والوى والتع صب ف كل ذلك ل ي صلح أن يكون
مسستندا للعقلء ف تقييسد الطلق من كلم ال ور سوله ، rفأي حكسم ورد ف الكتاب
والسسنة مطلقا فإنسه يرى وجوبا على إطلقسه ول يقيسد إل بدليسل صسحيح ،ولن هذه
الشري عة من مقا صدها التي سي على الكلف ي ،وإن إطلق الحكام الشرع ية عن القيود
100
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
نوع من أنواع التي سي والتخف يف ،لن الق يد ف يه تكل يف زائد على التكل يف بالطلق ،
وزيادة التكليسف قسد توجسب عدم المتثال ،فورود الحكام مطلقسة مسن رحةس ال تعال
بعباده ،فل يوز لحدٍ من الناس أن يق يد الطلق بقيودٍ تر جه من ح يز التي سي إل ح يز
التع سي ك ما يفعله ب عض الفقهاء – هدا هم ال تعال – فإن بعض هم - :و هم قل يل –
أحكامس وردت فس الشريعسة مطلقسة ل قيود فيهسا ثس يشترطون فيهسا شروطا
ٍ يعمدون إل
ل دليل عليه فيضيقون على الناس ما وسعه ال عليهم حت تذهب روح التشريع من هذا
الكم فيكون ف تنفيذه من الصار والغلل بسبب هذه القيود الشيء الكثي ،ونضرب
لك أمثلة على ذلك حتس ترى كيسف أثسر هذه القاعدة أعنس قاعدة وجوب إجراء الطلق
على إطلقه فأقول :
من المثلة :ال سح على الف ي فإ نه رخ صة بإجاع أ هل ال سنة والما عة ،ح ت
ذكره بعض علماء العتقاد ف كتب هم كالطحاوي وغيه ف عقيدته ،وأ صل تشري عه إن ا
هو الرح ة وإرادة التخف يف ،وإن الدلة الدالة على جواز ال سح على الف ي والورب ي
بلغت مبلغ التواتر ،وبالنظر فيها ل أجد غالب ما يشترطه الفقهاء ف الفي ،فإنم قد
اشترطوا لواز السح عليها شروطا ل دليل عليها ،أو لا أدلة لكنها ليست بصرية فضلً
عن مالفت ها للدلة ال صحيحة وأصول الشريعة ،ف من ذلك اشتراط كونه صفيقا ل يرى
لون البشرة من تته ،فهذا قيد يقيدون به أدلة السح الطلقة ،فنقول :وأين الدليل الدال
على هذا الق يد ؟ وعلى اعتباره فإن أتوا بدل يل – وأ ن ل م به – وإل فكلم هم مردود ،
ولذلك فالراجح جواز السح على الف الشفاف الذي ترى من تته البشرة ،لن الدلة
وردت مطلقة والصل إجراء الطلق على إطلقه ول يقيد إل بدليل .
و من ذلك :اشتراط هم أن يكون ال ف سليما من الروق والفتوق ،وهذا أيضا
تقييد للمطلق فنقول :وأين الدليل الدال على هذا القيد ؟ وإل فهو قيد باطل ل ينظر إليه،
وإ نك إذا نظرت إل تعليل هم ف اشتراط كو نه سليما من الروق وجد ته عليلً وقيا سا
باطلً ،فال صواب هو جواز ال سح على ال ف الخرق مادام ا سه باقيا ،وي كن متاب عة
الشي فيه وهو اختيار أب العباس شيخ السلم .
101
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومن ذلك :اشتراطهم ف جواز السح أن يثبت الف بنفسه ،فالذي ل يثبت إل
بشده فإنه ل يوز ال سح عليه ،وهذا أيضا ق يد يتاج إل دل يل ،فأ ين الدليل الدال على
ذلك ؟ فالصسواب جواز السسح على الفس ولو ل يثبست إل بشده لن الدلة فس السسح
وردت مطلقة فل تقيد إل بدليل .
و من ذلك :اشتراط هم لواز ال سح على الف ي ف ال سفر ثل ثة أيا مٍ وليالي هن أن
يكون سفر طاعة ،وهذا قيد يتاج إل دليل لن الحاديث أثبتت جواز السح ثلثة أيا مٍ
ولياليهن للمسافر هكذا مطلقا من غي تقييد بسفرٍ دون سفر فأين الدليل الدال على هذا
الق يد ؟ ف هو إذا با طل ،فال سافر ي سح الدة القررة له شرعا من غ ي اشتراط أن يكون
سفر طاعة وهو اختيار أب العباس شيخ السلم .
وعلى العموم فإننس سسبت الشروط التس يشترطهسا الفقهاء فس السسح على الفيس
فلم أجد شيئا منها صالا للعتبار إل شرطي فقط وها :اشتراط الطهارة ،وأن يكونا
طاهر ين مباح ي ،وهذان القيدان ل ما أدلة كثية يطول القام بذكر ها و به تعرف أه ية
قاعدة إجراء الطلق على إطل قه وعدم قبول تقييده إل بدل يل شر عي صحيح ،وهذا هو
الثال الول .
الثال الثان :السح على العمامة فإن الدلة فيها وردت مطلقة إل أنك ترى بعض
الفقهاء قد اشترط فيها شروطا وقيدها بقيودٍ ل دليل عليها .
فمن ذلك :اشتراط أن تكون منكة أو ذات ذؤابة فأين الدليل على ذلك ؟
فإن بثت لم عن دليل فلم أجد إل قولم :لنا عمائم العرب ومثل ذلك ل يكون
مقيدا لكلم الشارع ولذلك فهذه القيود باطلة وال صواب أن ال سح جائز على ما ي سمى
ف كانت وعلى أي صفة كانت . عمامة بأي عر ٍ
ومـن ذلك :اشتراط الطهارة قبسل لبسسها وهذا أيضا ل دليسل عليسه وقياسسها على
الغ سول ف الوضوء كالقدم ي لل بس الف ي قياس مع الفارق فال صواب أ نه يوز ال سح
ث و هو اختيار أ ب العباس لن الدلة وردت مطل قة ول يس ف
علي ها ولو لب سها على حد ٍ
شيءٍ منها اشتراط الطهارة .
102
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
و من ذلك :توقيت ها بيو مٍ وليلة للمق يم وثل ثة أيا مٍ للم سافر كالف ي و هو تقي يد
ل دل يل عل يه ولذلك فال صواب أ نه ي سح علي ها مطلقا لن الدلة وردت مطل قة ول تق يد
السح عليها بوقت والطلق يري على إطلقه ول يقيد إل بدليل وهو اختيار أب العباس .
الثال الثالث :ال سح على خ ر الن ساء فإن الدلة ف يه وردت مطل قة فال نب rم سح
على الفي والمار ،والمار اسم لا يغطى به الرأس وكانت أم سلمة تسح على خارها
وهذه الدلة مطلقة فمن قيدها بشيءٍ فعليه الدليل ،وبه تعرف خطأ من قيد جواز السح
على المار بكونسه مدارا تتس النسك فإن هذا القيسد ل أصسل له فس كلم ال ورسسوله
فالصواب جواز السح على المار ولو ل يكن مدارا تت اللق وال أعلم .
ومـن المثلة أيضا :وجوب صسلة المعسة ،فإن الدلة دلت على وجوباس إذا
تققت الماعة ،هكذا وردت الدلة ،فمن قيد وجوبا بعد ٍد معي فعليه الدليل ،وإن
ل أعلم إل ساعت هذه دليلً صحيحا صريا ف العداد الت نص عليها الفقهاء ،فالنابلة
يشترطون الربع ي ول دل يل مع هم إل حد يث جابر (( م ضت ال سنة أن ف كل أربع ي
ف صاعدا ج عة )) وهذا ضع يف جدا ول تقوم بثله ال جة ،وبعض هم يشترط اث ن ع شر
ل وي ستدل بد يث جابر ع ند م سلم ف قدوم القافلة من الشام قال (( :فانف تل الناس
رج ً
إليها حت ل يبق معه إل اثنا عشر رجلً )) وهذا وإن كان صحيحا لكنه ليس بصريح ف
الراد وب ا أنه ل دليل يق يد وجوب ا بعد ٍد مع ي فال صل أنه إذا ت قق م سمى الماعة م ن
ت ب عل يه فإ نه ت ب علي هم وأ قل الما عة اثنان وا حد ي طب ووا حد ي ستمع ،أو على
ال قل يقال :أ قل ال مع ثلثة وا حد ي طب واثنان ي ستمعان ،وعلى كل حال فالراد أن
تعرف أن الدليل الطلق يرى على إطلقه ول يقيد إل بدليل صحيح صريح .
ومـن المثلة أيضا :ألفاظ النكاح والبيسع ونوهسا مسن سسائر العقود وردت أدلتهسا
ط معينة فعليه الدليل
ظ ل تصح إل به ،فمن قيد صحتها بألفا ظٍ وشرو ٍ مطلقة ل تقيد بلف ٍ
ولذلك فالراجح أن عقود النكاح والبيع ونوها تصح با تعارف عليه الناس ف مثلها من
قول أو فعل وهو اختيار أب العباس وال أعلم .
والق صود من هذه المثلة ال ت ذكرت ا لك أن تعرف معر فة جيدة أن الدلة الطل قة
تب قى هكذا على إطلق ها و من اد عى في ها قيدا أو شرطا زائدا على مرد حقيقت ها فعل يه
103
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الدليل فإن جاء بدليل شرعي صحيح صريح فاقبله واعتمده وإن ل يكن ثة دليل معه وإنا
هي الذا هب وأقوال الئ مة فاطرح هذا الق يد وأ بق الطلق على إطل قه ،فهذا هو الذي
أردنا إثباته ف هذه السألة وال يتولنا وإياك .
ال سألة الراب عة :و هي ب يت الق صيد ولب القاعدة و هي في ما إذا كان ل فظ مطلق
ولفظ آخر مقيد ،فما العمل ف هذه الالة ؟
والواب عن ذلك أن ف السألة تفصيلً يتاج إل فهم دقيق مع الكثار من ضرب
المثلة ،فأقول وبال التوفيق ومنه أستمد الفضل وحسن التحقيق .
اعلم – رح ك ال تعال – أ نه إذا ورد ل فظ مطلق ول فظ آ خر مق يد أ نك تن ظر ف
سبب ورودها والكم الذي يدلن عليه ،ذلك لن الدلة الت تثبت أحكاما شرعية لا
سبب وردت من أجله وحكم تريد إثباته فأنت عليك أولً أن تنظر ف سبب كل منهما
وتنظر ف حكم ك ٍل منهما وحينئذٍ إذا نظرت ف ذلك فل يلو المر من أربع حالت :
الالة الول :أن يتلفا ف السبب وال كم ،أي يكون سبب ورودها متلفا عن
سبب ال خر ،وكذلك ال كم ،فح كم الطلق يتلف تاما عن ح كم الق يد ف في هذه
الالة ل يب ن أحده ا على ال خر بل يع مل بالدل يل الطلق ف موض عه مطلقا ،ويع مل
بالدليل القيد ف موضعه مقيدا وهذا بإجاع الصوليي فيما أعلم ول المد والنة.
ونضرب لما بثالي ولن نطيل فيهما :
الثال الول :قوله تعال ف ال سرقة ] وَال سّا ِرقُ وَال سّارَِقةُ فَاقْ َطعُوا أَيْ ِدَيهُمَا [ فال يد
ه نا وردت مطل قة ول تق يد بدٍ ،فهذا الدل يل مطلق ،و سببه ال سرقة ،وحك مه وجوب
قطع ال يد ،وقال تعال ف آية الوضوء ] َوَأيْ ِديَكُ مْ إِلَى الْمَرَافِ قِ [ فاليد هنا وردت مقيدة
بالر فق ،وال سبب هو الوضوء ،وال كم وجوب الغ سل ،فه نا ذكرت ال يد ف اليت ي
مطلقة ف آية السرقة ومقيدة ف آية الوضوء ،فهل نمل الطلق على القيد ونقول إذا يد
السارق تقطع من الرفق كما أن اليد ف الوضوء تغسل إل الرفق ؟
فالواب :هو أن ننظر أولً ف سببهما وحكمهما ،فسبب الول السرقة وسبب
الثانية الوضوء ،فهما إذا متلفتان ف سببهما ،وحكم الول وجوب قطع اليد ،وحكم
الثانية وجوب غسل اليد ،والق طع يتلف عن الغسل فه ما إذا الطلق والقيد متلفان ف
104
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
105
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الالة الثان ية :أن يتف قا ف ال كم وال سبب ،أي أن يكون سببهما واحدا ،فه نا
ل شك يب ن الطلق على الق يد بإجاع أ هل العلم في ما أعلم وإن كان بعض هم ذ كر خلفا
عن النف ية ل كن ل أظ نه ي صح عن إمام هم – عل يه الرح ة والرضوان وأدخله ال ف سيح
النان – فالجاع هنا قد نص عليه كبار أئمة أهل الصول وفحوله كالقاضي الباقلن
وا بن فورك والقا ضي ع بد الوهاب والك يا ال طبي والشر يف أ ب ع بد ال التلم سان وأي
كلم مع نقل هؤلء الفحول الكبار .وابن برهان أيضا نقل ف الوسط خلف أصحاب
أبس حنيفسة فس هذا القسسم وصسحح مذهبهسم أنسه يمسل ،ونقسل أيضا أبسو زي ٍد النفسي
وأبو منصور الاتريدي عن أب حنيفة أنه يقول بالمل ف هذه الصورة ،فتحرر وال أعلم
أن السألة شبه إجاع أو إجاع .
وهذه الالة لا أمثلة كثية جدا لكن قبل الدخول فيها أود أن أوضح لك ما معن
قولنسا (يمسل) أو (يبنس) الطلق على القيسد ،ومعناه :أن نعسل هذا القيسد الوارد مقيدا
للدليل الطلق ،فالطلق ينتهي وسيتضح أكثر مع سياق الفروع الفقهية ،فأقول :
من ها :الدم ورد مطلقا وورد مقيدا ف قوله ] ُح ّرمَ ْ
ت عََلْيكُ ُم الْ َميَْت ُة وَالدّ مُ وََلحْ مُ
الْخِنسزِيرِ [ فلم يدد دما ؟ ول يصفه بشيء ،فهو دم مطلق ،وورد مقيدا ف قوله ] َأ ْو
سفُوحا [ فقيد الدم بكونه مسفوحا وسبب الول :سياق الحرمات من الطعمة ، دَما مَ ْ
وسبب الثان أيضا سياق الحرمات من الطعمة ،فهما متفقان ف السبب وحكم الول
تري الدم ،وحكم الثان أيضا تري الدم ،فهما أيضا متفقان ف الكم فالطلق والقيد
هنا متفقان ف ال كم وال سبب ،فسببهما وا حد وحكمه ما وا حد ،فيح مل الطلق على
القيد ف هذه الالة فنقول :إنا الدم الحرم هو الدم السفوح ،فالدم الطلق ف آية الائدة
مقيد بكونه مسفوحا كما ف آية النعام فانتهى الطلق بعد هذا القيد ،ولذلك فالراجح
أن الدم الذي يبقى ف العروق بعد الذبح وخروج الدم السفوح أنه دم طاهر وعليه يمل
حديث عائشة (( فنأكله وخطوط الدم على القدر )) .
وكذلك دم الرح أيضا طا هر لعدم الدل يل الدال على نا سته وال صل ف العيان
الطهارة و من ن سها فعل يه الدل يل ،ول ي ستدل عل يه بقوله تعال ] ُح ّرمَ تْ عََليْكُ ُم الْ َميَْتةُ
106
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
107
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ف ال كم فل شك ف بناء الطلق على الق يد ف هذه الالة فنقول :ل زكاة إل ف الغ نم
السائمة الول أو أكثره ،أما العلوفة فل زكاة فيها وال أعلم .
ومنها :قوله تعال ] :وَذَكَرَ ا سْمَ َربّ هِ فَ صَلّى [ فهو مطلق ف الذكر فلم يدد نوعا
دون نوع ،وقال النب (( : rتريها التكبي )) وهذا مقيد ف تديد هذا الذكر وسببهما
:ال مر بذ كر ال تعال ع ند ال صلة وحكمه ما وجوب هذا الذ كر لكنه مطلق ف الول
مقيسد فس الثانيسة فيحمسل حينئذٍ الطلق على القيسد ،فنقول :إن الراد بقوله تعال ] َوذَكَرَ
ا سْمَ َربّ هِ[ الراد به قوله (ال أ كب) لديث علي هذا فل يزئ غي ها عنها ،فال ستدلل
بالية على جواز الدخول ف الصلة بأي ذكر ليس بصحيح لنا قيدت بالتكبي وإذا قيد
الطلق بشيء فإن دللته تكون مقصورة على هذا القيد ل تتعداه إل غيه ،وال أعلم .
ومنها :رفع الصبع ف الصلة ،فإنه ورد مطلقا ومقيدا ،فورد مطلقا ف حديث
ابسن ع مر قال " :كان النسب rإذا قعسد ف الصسلة وضسع يده اليمنس على فخذه اليمنس
والي سرى على الي سرى وع قد ثلثا وخ سي وأشار بإ صبعه ال سبابة " رواه م سلم ،فر فع
الصبع هنا مطلق ف كل قعود وبذلك استدل من قال بشروعية رفع الصبع ف اللسة
ب ي ال سجدتي لن ا قعود ف ال صلة ،ل كن ورد ر فع ال صبع مقيدا ف ب عض الروايات
الصحيحة أنه رفع ف التشهد فقط ،وسببهما واحد وحكمهما واحد فالطلق هنا يمل
على الق يد ،فنقول :إن ا ال سنة ف ر فع ال صبع أن يكون ف قعود التش هد ل غيه ،لن
جيع الروايات الطلقة ف القعود قيدت بقعود التشهد ،فمن اعتقد سنية رفع الصبع ف
اللوس ب ي ال سجدتي فليأت بدل يل غ ي هذه الدلة الطل قة لن ا قد قيدت ،وإذا ق يد
الطلق فإنه ل يستدل به إل على ما قيد به فقط ،وال أعلم
ومنها :قوله تعال ف نفقة النساء ] َفَأنْ ِفقُوا عََلْيهِنّ [ فهو مطلق ف هذه النفقة لكن
قيدت هذه النف قة بقوله (( : rخذي ما يكف يك وولدك بالعروف )) و سببهما وا حد ،
وحكمهما واحد وهو وجوب نفقة النساء ،فيحمل الطلق على القيد .
فنقول :إن ا الوا جب ف النف قة هو ما قرره العرف لقوله تعال ] ول ن م ثل الذي
عليهن بالعروف [ ،فما عده الناس من النفقة الواجبة فهو واجب ،وما عدوه من النفقة
الستحبة فهو مستحب وذلك حلً للمطلق على القيد ،وال أعلم .
108
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومن ها :الرضاع فإ نه ورد مطلقا ومقيدا ،فالطلق ف قوله تعال ] وأخوات كم من
الرضا عة [ ،وقوله (( : rيرم من الرضا عة ما يرم من الن سب )) ف هو مطلق ل يدد
عددا للرضعات ال ت ب ا يكون ُمحَرّما ،لك نه ورد مقيدا ف حد يث عائ شة الشهور " ث
ن سخن بم سٍ معلومات " و سببهما وا حد وحكمه ما وا حد ،فيب ن الطلق على الق يد ،
فنقول :ل يرم الرضاع إل إذا كان بمسسسس رضعات معلومات ،حلً للمطلق على
القيد .
ومنها :قوله تعال ] :وَالسّا ِر ُ
ق وَالسّارَِقةُ فَاقْ َطعُوا أَيْ ِدَيهُمَا [ فهو مطلق ف اليد لنا
ل تدد ،لكن ورد ذلك مقيدا ف قراءة عبد ال بن عمرو ابن العاص باليمي وهي قراءة
شاذة لكن ها ح جة إذا صح سندها ،وق يد أيضا بف عل ال نب rفإ نه ق طع ي ي ال سارق
وكذلك قيد بفعل اللفاء الراشدين وبإجاع السلمي من بعدهم ،وبأن اليد إذا أطلقت
إن ا يراد ب ا ال كف ل غ ي ،ف كل ذلك ي عد مقيدا لل يد ف ال ية ،فنقول :يد ال سارق
والسارقة تقطع من مفصل الكف حلً للمطلق على القيد .
ومن ها :صيام كفارة اليم ي ،فإ نه ورد مطلقا ف قوله تعال ] :فَ ِ
صيَا ُم ثَلثَةِ َأيّا مٍ[
فلم يقيد بالتتا بع ،لكنه ورد مقيدا به ف قراءة ابن مسعود (فصيام ثلثة أيا ٍم متتابعات)
وهي قراءة شاذة لكنها حجة إذا صح سندها ،فيحمل الطلق على القيد فنقول :لبد أن
يقع صيام كفارة اليمي متتابعا ،ول يفصل إل لعذرٍ حلً للمطلق على القيد .
ومنها :صدقة الفطر عن الرقيق ،فإنا وردت مطلقة ف حديث ابن عمر ،ووردت
مقيدة بالسسلمي فس بعسض الروايات الصسحيحة ،فيحمسل الطلق على القيسد للتفاق فس
السبب والكم ،فنقول :إنا تب صدقة الفطر على الرقيق السلمي دون الكافرين لذا
القيد ،ولنا طهرة للصائم من اللغو والرفث والكافر ل طهرة له إل بالسلم .
ومنها :أحاديث جر الثوب ،فإنا وردت مطلقة ومقيدة ،فوردت مطلقة ف قوله
(( : rثلثسة ل يكلمهسم ال ول ينظسر إليهسم يوم القيامسة ول يزكيهسم ولمس عذاب أليسم
ال سبل إزاره )) الد يث ،و ف قوله (( :ما أ سفل الك عبي من الزار ف في النار )) ،
وورد مقيدا باليلء ف قوله (( : rمن جر ثو به خيلء ل ين ظر ال إل يه يوم القيا مة ))
109
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وقال لب بكرٍ (( إنك لست من يره خيلء )) وسببهما بيان حكم السبال ،وحكمهما
تري السبال ،فهما إذا متفقان ف الكم والسبب فيحمل الطلق على القيد .
فنقول :ل يرم السسبال إل إذا كان مسن باب اليلء والفخسر ،أمسا إذا كان لعذرٍ
كعي بٍ ف القدم ون و ذلك ،ول يق صد صاحبه اليلء فإ نه ل بأس به لن الحاد يث
الطل قة ف تر ي ال سبال قيدت باليلء فل يع مل ب ا ف غ ي الق يد ،وإذا نظرت فإن
الغالب من ير ثوبه إنا يره للزينة والفخر وهذا هو اليلء ،ولذلك يكثر هذا ف أرباب
الموال والنا صب نعوذ بال من حال م ،فهذه غ يض من ف يض من أمثلة الالة الثان ية ،
و هي في ما إذا ات فق الطلق والق يد ف ال كم وال سبب ،وقل نا إذا ات فق الطلق والق يد ف
الكم والسبب فإن يبن الطلق على القيد ولعلها قد اتضحت إن شاء ال تعال .
الالة الثالثة :أن يتلفا ف الكم ويتفقا ف السبب ،أي أن يكون سبب ورودها
واحدا ،لكسن حكمهمسا متلف ففسي هذه الالة ل يبنس الطلق على القيسد ،وقسد نقسل
بعضهم الجاع على هذا لكنه مدخول لثبوت اللف ،لكن الصواب هو عدم المل ف
هذه الالة لختلف الكسم فس كلٍ منهمسا ،ومثال ذلك :أن الظهار موجسب للكفارة
وكفار ته مرت بة من ثل ثة أشياء ،من تر ير رقبةٍ ق بل أن يتما سا ،فإن ل يد ها ،ف صيام
شهر ين متتابع ي من ق بل أن يتما سا ،فإن ل ي ستطيع فإطعام ستي م سكينا ،ف كل هذه
الكفارات سسببها واحسد وهسو الظهار فهسي متفقسة فس السسبب ،إل أن الكسم فس الرقبسة
والصسيام مقيسد بأن يكون قبسل السسيس ،والطعام مطلق ل يقيسد بشيسء ،فهسل يقال إن
الطعام أيضا يكون قبل السيس حلً للمطلق على القيد أو ل ؟
أقول :ف يه خلف ب ي أ هل العلم فالذ ين يقولون بأن الطلق ي مل على الطلق ف
هذه الالة قالوا :يقيد ،والذين قالوا ل يمل قالوا :ل يقيد ،وهو الصواب إن شاء ال
تعال لن ال كم متلف ،والطلق والق يد إذا اتف قا ف ال سبب واختل فا ف ال كم فإن ما
ل يتداخلن ،ومثلوا له أيضا بال يد الطل قة ف التي مم ف قوله ] :فَامْ سَحُوا ِبوُجُو ِهكُ مْ
َوأَيْدِيكُ ْم ِمنْ هُ [ فسببه القيام للصلة مع الدث ،وحكمه وجوب السح ،مع قوله تعال
ف الوضوء َ ] :وَأيْ ِدَيكُ مْ إِلَى الْمَرَافِ قِ [ ف سببه أيضا القيام لل صلة مع الدث ،وحك مه
وجوب الغسل ،فهما متفقان ف السبب إذ سبب ك ٍل منهما القيام للصلة مع الدث ،
110
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
لكنهما اختلفا ف الكم ،فحكم اليد ف التيمم السح وحكمها ف الوضوء الغسل والسح
يتلف عن الغ سل ،فل يب ن الطلق على الق يد ف هذه الالة و قد قدم ذ كر اللف ف
هذه ال سألة قبل قليل .ووضع هذا الفرع هنا أ صح عندي لن ال سبب ف اليتي وا حد
ليس بختلف ،وال أعلم .
ومثلوا له أيضا بصيام الظهار فإنه يشترط فيه التتابع كما مضى ،وأما الطعام فإنه
ل يشترط ف يه التتا بع و سببهما وا حد و هو الظهار ،ل كن ال كم متلف فهذا صيام وهذا
إطعام ،ف هل ن مل الطلق على الق يد ونقول ك ما أن ال صيام يشترط ف يه التتا بع فكذلك
الطعام يشترط التتابع ،هل نقول ذلك أو ل ؟
الواب :فيه خلف ينبن على أن الطلق هل يمل على القيد ف هذه الالة أم ل ؟
وقد رجحنا أنه ل يمل ف هذه الالة فحينئذٍ فالصواب أن الطعام ل يشترط فيه التتابع ،
وإنا التتابع ف الصوم فقط ،وال أعلم .
ط مَا ومثلوا له أيضا بقوله تعال ف كفارة اليمي ِ ] :إ ْطعَا ُم عَشَ َرةِ مَسَاكِ َ
ي مِنْ َأوْسَ ِ
س َوتُهُمْ [ فأطلق الك سوة وق يد الطعام بالو سط ،و سببهما وا حد
تُ ْطعِمُو نَ أَهْلِيكُ مْ َأوْ كِ ْ
وهو اليمي لكن حكمهما متلف ،لن هذا إطعام وهذا كسوة والطعام غي الكسوة ،
فهل يقال يمل الطلق على القيد هنا أو ل ؟
الواب :فيه خلف بي أهل العلم والفصل والراجح أنه ل يبن لختلف الكم
فل يشترط ف الكسوة أن تكون من الوسط بذا الدليل إل أنه قد وردت أدلة أخرى تنهى
عن إخراج رديء الال فالوسط ف الكسوة يستفاد من أدلة أخرى غي حل الطلق على
القيد ،وال أعلم .
وخلصة هذه الالة أنه إذا اتفق الطلق والقيد ف السبب لكن اختلفا ف الكم فإنه
ل يبن أحدها على الخر ،وال أعلم .
الالة الرابعة :وهي عكس الالة الثالثة وهي أن يتفقا الطلق مع القيد ف الكم
ويتل فا ف ال سبب ،أي يكون حكمه ما وا حد و سببهما متلف ،ف هل يب ن الطلق على
القيد ف هذه الالة أو ل ؟
111
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
112
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وأما إذا اختلفا ف الكم فل بناء سواءٌ اختلفا ف السبب أو اتفقا فيه ،فالسبب ف كل
الالت ل عبة به ،وبالتفصيل مع الختصار أقول :الالت أربع :
الول :التفاق ف الكم والسبب فيبن الطلق على القيد اتفاقا .
الثانية :التفاق ف الكم والختلف ف السبب فيبن على القول الراجح .
الثالثة :الختلف ف الكم والسبب فل يبن اتفاقا .
الراب عة :الختلف ف ال كم والتفاق ف ال سبب فل بناء على القول الرا جح .
وال أعلم .وهذه هي السألة الرابعة وهي حالت الطلق مع القيد .
السألة الامسة :إن قلت ،فما دليلك على أن الطلق يمل على القيد إذا اتفقا ف
الكم والسبب أو ف الكم فقط ؟ فأقول :قد دَلّ على ذلك عدة أمور :
ف من ذلك :أن القاعدة ت نص على وجوب إعمال الدليل ي ما أم كن والقول ب مل
الطلق على القيد فيه إعمال لكل الدليلي .
ومن ذلك :قياس الطلق مع القيد على العام مع الاص ،فكما أنه يبن العام على
الاص فكذلك يبن الطلق على القيد .
و من ذلك :تن سزيه الشري عة عن وجود التعارض فإن نا لو ل ن قل ببناء الطلق على
القيد لفضى ذلك إل وجود التعارض ف بعض الحكام واللص من ذلك يكون بأمورٍ
منهـا :بناء الطلق على القيسد ،فالقول ببناء الطلق على القيسد أصسل مسن أصسول
الشريعة ف دفع التعارض بي الدلة .
و من ذلك :أن الدل يل الطلق ساكت عن هذا الق يد و سكوته ع نه ل يس إلغاء له ،
وقسد ثبست بدليسل آخسر فيجسب اعتماده ،فهسو وإن كان زائدا على دللة الطلق لكنسه
ل يتعارض معها .
و من ذلك :أن القرآن عر ب نزل بال ساليب ال ت تتعا مل ب ا العرب وزاد علي ها ،
ومن الساليب العربية أنا تطلق ف مكا ٍن وتقيد ف مكان ،فيحمل الطلق على القيد كما
قال قيس بن الطم :
عندك راض والرأي متلف ننس باس عندنسا وأنست باس
113
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
والراد :نن با عندنا راضون ،فأطلقها ف البيت الول وقيدها ف البيت الثان ،
وال تعال أعلم .
السألة السادسة :وهي زيادة فروع فقهية على هذه القاعدة غي الت مضت لعلها
تزداد وضوحا على وضوحها فأقول :
من الفروع :قوله تعال َ ] :ومَ ْن يَ ْكفُ ْر بِالِيَا نِ َفقَدْ َحبِ طَ عَ َملُ هُ [ فهذا ف يه بيان
حكم الردة وأنا مبطة للعمل بجردها ،فحبوط العمل إذا بجرد الردة ،لكن ورد ذلك
ت َو ُهوَ
مقيدا بقيد آخر وهو الوت على الكفر ف قوله َ ] :ومَ ْن يَ ْرتَ ِد ْد ِمنْكُ ْم عَنْ دِينِهِ َفيَمُ ْ
كَافِرٌ [ فاشترط شرطا زائدا لبوط العمل وهو الوت على الردة فيحمل الطلق على القيد
،فنقول :إن مرد الردة ل ي بط الع مل التقدم إل إذا مات صاحبه ،أ ما إذا عاد لليان
فإ نه يعود له ما عمله ق بل الردة ،وينب ن على ذلك أن صلته وح جه وعمر ته و صومه
وسائر أعماله الصالة باقية له ل يلزمه إعادتا ،مثاب عليها ف الخرة ،أما إذا مات وهو
م صر على رد ته – والعياذ بال تعال – فإن كل ع مل صال عمله ف و قت إيا نه ي بط
ويكون هبا ًء منثورا .
ومنها :قوله تعال ِ ] :إنّ الّذِينَ َكفَرُوا بَعْدَ ِإيَاِنهِ ْم ثُمّ ازْدَادُوا ُكفْرا لَ ْن ُت ْقبَ َل َت ْوبَُتهُمْ
[ قال بعسض العلماء :يعنس إذا أخروا التوبسة إل حضور الوت حلً لذه اليسة على قوله
ت التّ ْوَبةُ لِلّذِي َن َيعْمَلُو َن ال سّّيئَاتِ َحتّى ِإذَا َحضَرَ أَحَ َدهُ ْم الْ َموْ تُ قَالَ إِنّي
تعال ] :وََليْ سَ ِ
ُتبْ تُ ال نَ [ ولعموم الدلة الدالة على أن من تاب قبل طلوع الشمس من مغربا وغرغرة
الروح تاب ال عليه ،وأن ال يغفر الذنوب جيعا ،فلذلك حلنا الية الول على ما إذا
أخر التوبة إل حضور الجل جعا بي الدلة بمل الطلق على القيد ،وال أعلم .
ومن ها :حد يث عائ شة ف الفوا سق ال مس ال ت تق تل ف ال ل والرم ،فإن في ها
"والغراب" هكذا مطلقا ،ل كن ورد ف ن فس الد يث ف روا ية ل سلم "والغراب الب قع"
فيح مل الطلق على الق يد ،و من اد عى أن روا ية الطلق أر جح لتفاق الشيخ ي علي ها
ل بينهما حت نرجح ،إذ المع مكن يمل الطلق على فلم يصب ،لنه ل تعارض أص ً
القيد وإذا أمكن المع فل يصار إل الترجيح ،وال أعلم .
114
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنها :قضت السنة ف الحرم أنه إن ل يد نعلي فليلبس الفي ،لكن أمر النب r
بلبس الفي مطلقا ومقيدا ،فأمر بلبسهما مطلقا أي من غي قطع ف حديث ابن عبا ٍ
س
وجابر رضي ال عنهما ،وورد لبسهما مقيدا بالقطع أي بقطعهما حت يكونا أسفل من
الكعبي ف حديث ابن عمر ،وسببهما واحد وحكمهما واحد ،فل شك ف بناء الطلق
على الق يد ه نا ،فنقول :الحرم إذا ل ي د النعل ي فله أن يل بس الف ي وليقطعه ما ح ت
يكونا أسفل من الكعبي ،وهذا المع هو الواجب بي هذه الحاديث ،وهو أصح من
مذهب من قال بأن القطع منسوخ لتأخي حديث ابن عباس وجابر وليس فيهما المر به ،
لننا نقول :قد تقرر ف الصول أنه إذا أمكن المع فل تعارض ،وهنا يكن المع بمل
الطلق على القيد وخصوصا مع التفاق ف الكم والسبب كما هنا ،ومرد تأخر الطلق
عن القيد ل يضر ،كما أنه ل يضر تأخر العام على الاص .
ومنها :ركوب الدي ،فقد ورد جواز ركوبه مطلقا كما ف حديث ((اركبها))
فقال الر جل إن ا هدي ،فقال (( :اركب ها)) فهذا ف يه جواز ركوب الدي هكذا مطلقا ،
ل كن و قع ف روا ية م سلم أن ال نب rقال للر جل (( :اركب ها بالعروف إذا ألئت إلي ها
حتس تدس ظهرا )) فهذا قيسد لواز ركوب الدي ،وهسو إذا دعست لركوبسه الاجسة
والضرورة ،فهو ق يد ل بد من اعتباره ،فنقول :يوز ركوب الدي إذا دعت له الا جة
والضرورة فحملنا الطلق على القيد للتفاق ف الكم والسبب .
وبذا ينتهسي الكلم على هذه القاعدة العظيمسة الهمسة جدا ،فالذي ينبغسي للطالب
مراجعتها وإجادة التفريع عليها ،وفق ال الميع لا يبه ويرضاه ،وال أعلم .
115
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وهي من ُملَ ِح القواعد الصولية وأيسرها ،وإنا ذكرتا هنا من باب الترويح عن
النفس ،وهي من أصول القواعد ،وذكرتا ليتعرف الطالب على أحكام الفروع الندرجة
تتها ،فقد كثر السؤال عن هذه الفروع فأحببت الجابة عنها بالكلم على هذه القاعدة
فأقول :
فأما القرآن فهو معروف وغن عن التعريف إل أن أنبه هنا إل قضية مهمة وهي أن
القرآن هو العجزة ال كبى ال ت أوتي ها نبي نا ، rوأن إعجاز القرآن م ستفاد من مموع
ألفاظه ومعان يه ل ي ستقل أحد ها عن ال خر بالعجاز ،وكل ها أع ن اللفاظ والعا ن من
ال تعال ،وعقيدتنا فيه أنه كلم ال منسزل غي ملوق منه بدأ وإليه يعود ،وهذا القرآن
له أحكام عندنا ف شريعتنا كثية ،نذكرها ف الفروع إن شاء ال تعال .
والراد بقول نا ( :للن ظم) هو العبارات الدالة على العا ن ،والراد بقول نا ( :والع ن)
أي مدلولت هذه اللفاظ .
ومعن هذه القاعدة :أن القرآن الذي أنسزله ال تعال على عبده ورسوله ممد r
مكون من أمر ين :من اللفاظ ،و من العا ن .فمجموع اللفاظ والعا ن هي القرآن ،
فليس القرآن هو اللفظ فقط ،وليس هو العن فقط ،بل هو اسم للنظم أي اللفظ والعن
معا ل يفرد أحدها عن الخر ،وهذا هو مذهب أهل السنة والماعة ،ول ينبغي عندي
– وال أعلم – أن تعل هذه السألة من مسائل الفروع الت يسوغ فيها اللف ،بل هي
ف الق من مسائل الصول ،ول أعلم خلفا ف أن القرآن اسم للنظم والعن معا إل ما
يروى عن المام أب حنيفة ،لكن خطّأ الحققون ف مذهبه هذه النسبة ورجحوا أنه يقول
ب ا يقول به أ هل ال سنة ،ول غرو فإ نه رح ه من أ هل ال سنة في ما ن سبه وح سيبه ال ،
ول ي سلم أ حد من ال طأ والع صوم من ع صمه ال ،والذ ين نقلوا ع نه غ ي ذلك إن ا
استفادوا ذلك استنباطا من بعض الفروع ل أنم نقلوا ذلك نصا عنه ،ولذلك فالصواب
عنه أنه يقول با يقول به أهل السنة ،وهذا الظن به رحه ال رحة واسعة ورضي عنه ،
116
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
117
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
جاز لكل فريق أن يقرؤه بلغتهم ولغة غيهم ،فيجوز للقرشي أن يقرأه بلغة تيم مثلً مع
كمال قدر ته على ل غة نف سه ،ولذلك أجازوا قراء ته بالفار سية ول كن هذا الذ هب ل يس
بصحيح والصواب هو ما ذهب إليه المهور لن القرآن اسم للنظم والعن معا ،والقراءة
بالفارسسية إناس حلت العنس دون اللفسظ ،وأمسا اختلف لغات العرب فهسي داخلة مسع
اختلفها تت اللسان العرب فل ترج عن قوله تعال ] بِلِسَانٍ عَ َربِيّ ُمبِيٍ [ وقوله تعال ]
قُرآنا عَ َرِبيّا َغيْرَ ذِي ِعوَ جٍ [ وأما الفارسية فهي لسان أعجمي يتلف فيه النظم عن نظم
القرآن ،ولن القرآن معجز ف لفظه ومعناه فإذا غُيّر خرج عن نظمه فلم يكن قرآنا ،وإذا
كان النسسان عاجزا عسن قراءة القرآن بالعربيسة فله أن ينتقسل إل البدل وهسو التسسبيح
والتهليل على ما هو مقرر ف حديث عبد ال بن أب أوف .
وخلصسة هذا الفرع أن قراءة القرآن فس الصسلة (الفاتةس أو غيهسا) ل يزئ بغيس
العربية لن القرآن اسم لجموع النظم والعن ،وال أعلم .
ومن ها :ح كم ترج ة القرآن ،فأ ما ترج ته ترج ة لفظ ية فل أ ظن أحدا يقدر عل يه
فكم فيه من اللفاظ والتراكيب والعجاز الذي سيختل بسبب هذه الترجة ،وأما ترجة
معانيه فهي جائزة على القول الراجح لكنها ل تكون حينئذٍ قرآنا ول تأخذ أحكام القرآن
وإن ا ترى مرى كتب التف سي و سائر ك تب العلم ال ت ل ا حر مة ل كن ل تكون كحر مة
القرآن ول تأخذ أحكام القرآن وال أعلم .
ومنها :إذا ترجت العان فهل يوز للمحدث والنب والائض مسها ؟
الواب :يب ن هذا على القول بأن القرآن ا سم للن ظم والع ن ،وهذه الترج ة إن ا
سظ فل تكون حينئذٍ قرآنا ،وإنا س الدلة دلت على أن الحدثحلت العن س دون اللفس
بقرآنس فيجوز حينئذٍ مسسها
ٍ والنسب والائض ل يسسون مسا يسسمى قرآنا وهذه ليسست
وقراءتا لم بل كراهة .
ومنها :هل يوز السفر بالترجة لرض العدو ؟
الواب :أيضا يب ن على هذه القاعدة ،و هو أن ال نب (( rن ى عن ال سفر بالقرآن
لرض العدو مافة أن تناله أيديهم)) والقرآن اسم للنظم والعن جيعا ،وهذه الترجة قد
اختل فيها النظم فليست هي بقرآن فالسفر با لبلد العدو جائز ل بأس به .
118
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومنها :اللف بالقرآن جائز عند أهل السنة باعتبار أنه كلم ال وكلمه صفة من
صفاته جل وعل يوز اللف با ،فهل إذا ترجت العان يوز اللف با ؟
الواب :يعرف من هذه القاعدة ،فالقرآن ا سم للن ظم والع ن جيعا والترج ة قد
اختل النظم فيها فل تكون قرآنا فإذا بطلت قرآنيتها فل يوز اللف با لنا ليست من
كلم ال وإن ا هي من كلم الب شر وكلم الب شر ملوق والخلوق ل يوز اللف به وال
أعلم .
ومنها :أن ادعاء وجود اللل والنقص ف الترجة ليست بكف ٍر لنا يعتريها النقص
ل أو نقصا
إذ هي من عمل البشر وليست بقرآن ولو كانت قرآنا لكفر من ادعى فيها خل ً
لكن لا ل يكفر دل على أنا ليست بقرآ ٍن وأنا ل تأخذ أحكامه ،وال أعلم .
ومنها :أن من قرأ الترجة فإنه يثاب على ما اكتسبه من العلم فقط لكن ل يأخذ
ف من ها ح سنة لن ا لي ست بقرآن ،أ ما القرآن فإن له ب كل حر فٍ ح سنة فدل
ب كل حر ٍ
ذلك على اعتبار النظم والعن معا ول يفرد أحدها عن الخر .
ومنها :أن قراءة الترجة ل يتعبد با لذاتا ،وأما قراءة القرآن فيتعبد با لذاتا فدل
على اعتبار النظم والعن معا .
ومن ها :أن ن ظم القرآن ل يوز إبداله ول الزيادة ف يه ،وأ ما الترج ة فيجوز إبدال
شيء من اللفاظ بأوضح منها والزيادة فيها أو اختصارها إذا كان العن سليما فلو كانت
قرآنا لا جاز ذلك لكنها ليست بقرآن لختلل النظم فيها ،فهذا دليل على اعتبار النظم
والعن معا .
ولعلك بذه الفروع قسد اتضسح لك مسا أريسد إثباتسه وهسو التأكيسد على أن القرآن
ل ي سمى قرآنا إل إذا تو فر ف يه الن ظم والع ن ول يفرد أحده ا عن ال خر وأ نه إذا أفرد
الع ن عن الن ظم فإ نه يرج عن م سمى القرآن فل يأ خذ أحكام القرآن وال يتول نا و هو
أعلم وأعلى .
119
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
اعلم أن عندنا مسألتي بثها علماء الصول رحهم ال تعال ف تأخي البيان :
الول :حكم تأخي البيان عن وقت العمل بالطاب .
الثانية :حكم تأخيه إل وقت الطاب .
وقاعدتنا هذه إنا تص السألة الول ل الثانية ،لن الول هي الت تشتد الاجة
لعرفتها لكثرة الفروع عليها ،أما الثانية فنشي إليها مرد إشارة مع بعض أدلتها ف آخر
الكلم على هذه القاعدة إن شاء ال تعال ،وأ ما ما أر يد ب ثه والطالة ف يه هو ال سألة
الول وهي قولنا :هل يوز تأخي البيان عن وقت الاجة أو ل ؟
فأقول :اعلم رحكس ال تعال أن العلماء قسد اتفقوا جيعا على أنسه ل يوز تأخيس
البيان عن و قت الا جة ،والراد بو قت الا جة :أي و قت الا جة إل الع مل بالطاب
الجمل ،فإذا خاطبنا ال تعال بطاب ممل وهو خطاب مثلً يأمرنا بفعلٍ ف وقت من
الوقات ،ول كن هذا الطاب م مل ف ال صفة أو القدار فإ نه ل بد إذا جاء الو قت الذي
أمرنا بإيقاع مقتضى الطاب فيه لبد أن يأت البيان لذا الجمل ،ول يكن أبدا أن يتأخر
عن و قت الا جة ،وهذا بالتفاق ول ال مد ،و قد ح كى التفاق على ذلك ج ع من
العلماء كابسن قدامسة والشيازي فس اللمسم وابسن السسمعان والباجسي والغزال وغيهسم ،
والتفاق هنا خاص بالوقوع الشرعي فإنم اتفقوا على أنه ل يقع ف الشرع ذلك ،أي ل
يؤخر بيان ف وقت الاجة إليه .
أمسا الواز العقلي أي :هسل يوز ذلك عقلً ؟ فهنسا وقسع اللف ،لكسن ل عسبة
بالع قل مع الشرع ول خ ي ف يه إذا ل ي كن م ستنيا بنوره ،ون ن نب حث ه نا ف الواز
الشرعسي ل الواز العقلي ،ونبهست على ذلك خشيسة أن يرى أحسد خلف العلماء فس
الواز العقلي فيقول :كيسف تدعون الجاع فس هذه السسألة وقسد ثبست اللف فيهسا ،
فالواب أن التفاق الذي ذكرناه إنا هو ف الوقوع الشرعي ل ف الواز العقلي .
وقد استدل العلماء على ما اتفقوا عليه بأدلة نقلية وعقلية :
120
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فمن الدلة :قوله تعال ] :ل ُيكَلّ فُ اللّ ُه َنفْسا إِل وُ ْس َعهَا [ ،وقوله تعال َ ] :رّبنَا
وَل ُتحَمّ ْلنَا مَا ل طَاَقةَ َلنَا بِهِ[ ،قال ال ( :قد فعلت) كما ف مسلم ،وقوله تعال ] :يُرِي ُد
اللّ ُه ِبكُ ُم اْليُسْ َر وَل ُيرِي ُد بِكُ ُم اْلعُسْرَ [ فهذه الدلة تفيد إفادة قطعية أن ما كان خارجا عن
وسع النفس وما ليس داخلً تت طاقتها فإنا ل تكلف به ،ومطالبتها بالعمل بالجمل
فعسل البيان خارج عسن وسسعها وطاقتهسا فل تطالب بسه ،فلبسد مسن بيانسه إذا جاء وقست
العمل ،ولن الطالبة بالعمل بالجمل قبل بيانه من العسر ،وقد نفى ال تعال إرادته بنا
فكان من مقتضى ذلك أن ل نطالب بالعمل به قبل بيانه ،فإذا جاء وقت الاجة له فلبد
من بيانه لن هذا من اليسر الذي يريده ال بنا .
و من الدلة أيضا :أن و قت الا جة و قت للداء فإذا ل ي كن مبينا تعذر الداء ،
فالداء إذا ضرورة من الضروريات ال ت ل بد من ها ،والشري عة را عت باب الضروريات
ول تترك شيئا م نه ،فإذا كان البيان ع ند و قت الا جة إل يه ضرورة ،فإ نه إذا ل بد من
وروده مراعاة لزالة هذه الضرورة .
ومن الدلة أيضا :إجاع العلماء على ذلك ،كما نقلته سابقا عن بعضهم ،فهذه
الدلة تفيدك قطعا ما قررته هذه القاعدة .
وإليك الن بعض الفروع عليها تنبيها على غيها ل حصرا .فأقول :
من ها :اختلف العلماء ف غ سل ما صاده الكلب بف مه ،فمن هم من قال بأ نه ي ب
غ سل مو ضع ف مه ،ومن هم من قال بأ نه ي ستحب ذلك ول ي ب ،وا ستدل الولون بأن
لعاب فمه نس فيتلوث الصيد به فلبد من غسله ،كما أنه لو ولغ ف الناء فلبد من
غ سله فكذلك ما باشره بف مه ي ب غ سله ،وقال الخرون :ل ي ب ذلك لن ال تعال
سكْ َن عََلْيكُ ْم وَاذْكُرُوا ا سْمَ اللّ هِ
قال ُ ] :مكَّلبِيَ ُتعَلّمُوَنهُنّ مِمّا عَلّ َمكُ مُ اللّ هُ َفكُلُوا مِمّا َأمْ َ
عََليْ هِ [ فأجاز ال كل م ا صاده الكلب العلم بشرط الت سمية وأن يكون صاد ل نا ل له ،
ول يذكسر لنسا هنسا وجوب غسسله فلو كان واجبا لذكره ،لن تأخيس البيان عسن وقست
الا جة ل يوز ،يو ضح ذلك حد يث عدي ف ال صحيحي أ نه سأل ال نب rعن صيد
الكلب وما يب فيه ،وكان جاهلً – فأخبه النب rأن (( :ما صاده بكلبه العلم وذكر
اسم ال عليه فليأكله )) ول يقل فاغسله وكل ،ول يفرق بي ما إذا صاده بفمه أو غيه
121
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فدل ذلك على أنه لو كان غسل الصيد واجبا لذكره ،فلما ل يذكر ول يبينه مع جهل
عدي بذلك و مع أ نه و قت الا جة للبيان فل ما ل يذ كر له غ سله دل على عدم وجو به ،
لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ،وهذا هو الراجح أن غسل ما صاده الكلب
بفمه ل يب وإنا يستحب فقط ،تريا على هذه القاعدة .
ومنهـا :حديسث السسيء صسلته ،ففسي الصسحيحي بسل عنسد السسبعة جيعا عسن
أب هريرة tقال " :دخل رجل السجد فصلى ث جاء فسلم على النب rفرد عليه وقال
(( :ارجع فصل فإنك ل تصل)) فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ث جاء فسلم على
ال نب rفرد عل يه وقال (( :ار جع ف صل فإ نك ل ت صل)) فر جع الر جل ف صلى ك ما كان
صلى ث جاء ف سلم على ال نب rفرد عل يه وقال (( :ار جع ف صل فإ نك ل ت صل)) فقال
الرجل والذي بعثك بالق ل أح سن غي هذا فعلم ن ،فقال (( : rإذا ق مت إل الصلة
فأسبغ الوضوء ث استقبل القبلة فكب ،ث اقرأ ما تيسر معك من القرآن ،ث اركع حت
تطمئن راكعا ،ث ارفع حت تعتدل قائما ،ث اسجد حت تطمئن ساجدا ،ث افعل ذلك
ف صلتك كلها حت تقضيها)) " فهذا الديث العظيم عمدة ف معرفة أركان الصلة ،
فهذا الرجسل جاهسل ،والنسب rفس مقام تعليسم ،فلشسك أنسه سسيعلمه جيسع الركان
والواجبات الت ف الصلة ،لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ،فل يكن أبدا أن
يكون ث ة ر كن أو وا جب تر كه ال نب rول يعل مه هذا الر جل ،وبناءً على هذا فأي أم ٍر
قول أو فعلي ل يرد ف هذا الد يث فإ نه ليس بواج بٍ إل بدل يل خاص صريح ،لنه لو
كان واجبا لبينه لذا الاهل صلته ،فلما ل يبينه دل على عدم وجوبه ،لن تأخي البيان
عن وقت الاجة ل يوز ،لكن ينبغي لك قبل أن تكم بذلك أمر مهم وهو :أن تبذل
جهدك ما استطعت ف جع روايات هذا الديث وطرقه التناثرة ،وتعرف الصحيح منها
والضع يف ح ت يكون نف يك على عل ٍم وب صية ل على جه ٍل وهوى ،و قد أفرده ب عض
أهل العلم ف رسالة مستقلة ،وقد ذكر المام الشوكان ف نيل الوطار طرفا كبيا من
طرقه ،فعليك بتتبعها وتنقيحها ،ث تعله مقياسا لا هو واجب ف الصلة أو ركن ما
ليس كذلك .
122
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
إذا علمت هذا فاعلم أن هناك أشياء كثية من أقوال الصلة وأفعالا اختلف العلماء
ف حكمها :كجلسة الستراحة ،وتكبي النتقال والتسميع ،وتسبيح الركوع والسجود
ووضع اليدين على الركبتي حال الركوع ،والسجود على العضاء السبعة ،ورفع اليدين
حال تكسبية الحرام والتشهديسن الول والثانس وغيهسا ،كسل ذلك ماس اختلف فيسه ،
والبحث فيه أولً أن تمع روايات هذا الديث التفرقة من بطون كتب الديث ث ينظر
فيها ،فما أثبتته فهو الركن أو الواجب ،وما ل فهو سنة .
ولول خوف الطالة لذكرنا اللف مع الراجح ف كل واحد ٍة منهن ،لكن نذرك
لفهمك وبثك وال خي معي وهو أعلى وأعلم .
ومنها :خلف العلماء ف انتقاض الوضوء بس الرأة ،فيه خلف بي العلماء على
أقوالٍ ،فقيل بعدمه مطلقا ،وقيل بالنقض مطلقا ،وقيل إذا كان بشهوة أما بدونا فل ،
وا ستدل القائلون بالن قض بقوله تعال ] :أو ل ستم الن ساء [ وهذا ف قراءة سبعية و هي
مفيدة أن مسس النسساء ناقسض للوضوء ،وقال الذي نفسى ذلك إن الدلة دلت على عدم
ذلك ،ف في ال صحيحي " أن ال نب rصلى و هو حا مل أما مة ب نت زي نب ،فإذا سجد
وضع ها وإذا قام حل ها " ،ول سلم " و هو يؤم الناس ف ال سجد " ،وفيه ما أيضا عن
عائشة " أنا كانت تنام قدام النب rمعترضة اعتراض النازة فكان إذا سجد غمز رجلها
فقبضتها " ،وف صحيح مسلم أنا افتقدته ليلة فبحثت عنه فوقعت يدها على قدميه وهو
ساجد يدعو .
فإن قيل :إن هذا اللمس الذكور ف الدلة كان بغي شهوة .
قلنا :والية وردت هكذا مطلقة بدون قيد فلماذا قيدتوها بالشهوة .
ونقول :و قد روى أح د وغيه عن عائ شة ر ضي ال عن ها أن ال نب rقبّ ل ب عض
نسائه ث خرج إل الصلة ول يتوضأ .
ونقول :ل يزال ال سلمون يلم سون ن ساءهم بشهوةٍ وبغ ي شهوة وهذا م ا ت عم به
البلوى ومع ذلك ل يثبت عنه rكلمة واحدة أنه أمر بالوضوء من مس النساء ،فلو كان
ذلك ناقضا للوضوء لبينه ،كما بي غيه من النواقض بيانا شافيا كافيا لسيما ومع شدة
الا جة له وكثرة الوقوع ف يه ،فل ما ل يث بت ع نه ف ذلك ش يء ل من قوله ول من فعله
123
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ول مسن إقراره دل على أنسه ليسس بشيءٍ ،لن تأخيس البيان عسن وقست الاجسة ل يوز ،
وهذا القول هو الصحيح الذي تدل عليه هذه الدلة وتؤيده هذه القاعدة ،وأما الية فإنا
س ُم النّسسَاءَ [ وهسو الماع وهسو تفسسي حسب المسةتمسل على القراءة الخرى ] َأوْ لمَس ْتُ
وترجان القرآن ،وهو الذي تؤيده الدلة السابقة .
والهسم أن تعرف كيسف ترج هذا الفرع على القاعدة ،وهسو أن يقال :إن مسس
الرأة ل ينقض الوضوء مطلقا لعدم الدليل ،إذ لو كان ناقضا لبينه النب rوخصوصا مع
شدة حا جة الناس لبيا نه لكثرة الوقوع ف يه ،فل ما ل يبينه دل على أ نه ل يس بناق ضٍ ،لن
تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ،وال أعلم .
ومنها :بعض الناس ف الج يرى وجوب غسل حصى المار ،أو استحباب ذلك
.فنقول :إن النب rلقط حصى المار ورمى با ف يوم العيد وثلثة أيام بعده ول يثبت
عنه rأنه غسلها أو أمر بذلك أو أقر عليه ،فغسلها لو كان مشروعا لبينه ،فلما ل يبينه
ف و قت الا جة لبيا نه دل على أ نه غ ي مشروع ،لن تأخ ي البيان عن و قت الا جة ل
يوز ،وال أعلم.
ومنها :اختلف العلماء ف الرأة إذا جامعها زوجها ف نار رمضان مع التفاق على
أن الرجل عليه الكفارة الغلظة العروفة ،لكن هل تب الكفارة أيضا على الرأة أو ل ؟
فيسه خلف طويسل قوي ،فقيسل :نعسم عليهسا كفارة إن كانست مطاوعسة له فس ذلك ،
واستدلوا على ذلك بأن كل حك ٍم ثبت ف حق الرجال فإنه يثبت ف حق النساء إل بدليل
والعكس كذلك ،لن النساء شقائق الرجال ،ولن الكفارة وجبت على الرجل لنتهاكه
حر مة رمضان وإف ساد صيامه ،وهذه العلة نف سها متحق قة ف الرأة ،فتقاس على الر جل
لل ستواء ف العلة ،وق يل :بل ل كفارة علي ها مطلقا وإن ا علي ها ال ث والقضاء ،وذلك
لن النب rلا جاءه الجامع ف نار رمضان يقول " :وقعت على أهلي وأنا صائم ،قال
له :هسل تدس كذا ،هسل تسستطيع كذا … ال " فأوجسب عليسه الكفارة ول يذكسر أهله
بشيء مع أن الرجل أخب أنه وقع على أهله ،فأوجب الكفارة عليه وسكت عن أهله ما
يدل على أ نه ل كفارة على امرأ ته إذ لو كا نت علي ها كفارة لبين ها ال نب rولو بالشارة
فل ما ل يبي ذلك و سكت ع نه دل على عدم الكفارة علي ها لن تأخ ي البيان عن و قت
124
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الاجة ل يوز ،وهذا القول قوي كما ترى لسيما وأن جيع روايات الديث ل يذكر
فيهسا أنسه أوجسب على أهله شيئا ،وأمسا قياسسها عليسه فهسو قياس فس كفارة والقياس فس
الكفارات منوع وهسي قاعدة خلفيسة ،ومذهسب المهور جواز القياس فس الدود
والكفارات لكن يبقى الواب عن سكوت النب rعن الرأة فإنه ل يتعرضها بشيء أبدا
وسكوته عن الشيء مع القدرة يستفاد منه تشريع فكأنه لا أوجب على الرجل الكفارة
و سكت عن الرأة دل أن هذا ال كم م تص بالر جل دون ا ،والحوط للمرأة إخراج ها
خروجا من اللف ،وليس القصود الترجيح وإنا القصود التفريع على هذه القاعدة .
ومنها :هل خروج الدم من غي السبيلي ناقض للوضوء أم ل ؟
فيه خلف بي أهل العلم والفضل رحهم ال جيعا ،فقيل بالنقض إذا كان كثيا
فاحشا عرفا ،وقيل ل ينقض مطلقا قليله وكثيه .
واسـتدل القائلون بالنقـض بأنسه خارج نسس مسن البدن فيقاس على الارج مسن
السبيلي ولن النب rأوجب على الستحاضة الوضوء لكل صلة معللً ذلك بقوله (( إنا
ذلك عرق )) والدم الارج من سائر البدن إن ا هو دم عر قٍ ،وبد يث (( من أ صابه
قلسس فلينصسرف فليتوضسأ ثس ليبس وهسو فس ذلك ل يتكلم))
قيسء أو رعاف أو مذي أو ٌ
وبد يث (( إذا أحدث أحد كم ف ال صلة فليأ خذ بيده على أن فه وليخرج )) أي ليو هم
الصلي أنه أصابه رعاف ما يدل على أنه ناقض .
وا ستدل الانعون بأدلة من ها :أن ال صل عدم الن قض إل بدل يل ول دل يل ،ولن
السلمي ل يزالون ف حروبم يصلون ف جراحاتم ودماؤهم تسيل ،ولب الرجل الذي
أصيب وهو يرس القوم وهو قائم يصلي فأت صلته ،ومثل هذا ل يفى على النب rفلو
كان ذلك ناقضا لبي فلما سكت وأقر ول يبي دل ذلك على أنه ليس بشيء لن تأخي
البيان عن وقت الاجة ل يوز وهذا القول هو القرب إن شاء ال تعال .
فأ ما قيا سه على دم ال ستحاضة فقياس مع الفارق لن النا قض ل يس مرد الدم بل
خروج الدم من أ حد ال سبيلي ،فقياس الارج من غيه ا على الارج منه ما قياس مع
الفارق ،وأبعسد مسن ذلك قياس القيسء على الباز وهذا مسن أبعسد القياس وأشنعسه ،وأمسا
125
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
حديث (( من أصابه قيء أو رعاف )) فهو حديث ضعيف ل يقوم بثله حجة فقد ضعفه
أحد وغيه ،وكذلك حديث (( فليأخذ على أنفه )) فهو ضعيف أيضا .
فالصواب إذا أن خروج الدم ل ينقض الوضوء مطلقا وال أعلم .
ومنها :اختلف العلماء ف الوضوء من شرب ألبان ال بل فقيل بالوجوب واستدلوا
بد يث (( توضؤا من أبوال ا وألبان ا )) ،وق يل :ل ي ب لن العرني ي ل ا اجتووا الدي نة
أمرهسم النسب rأن " يلحقوا بإبسل الصسدقة وأن يشربوا مسن أبوالاس وألباناس " ول يأمرهسم
بالوضوء من ها فدل على أنه غ ي نا قض ،إذ لو كان ناقضا لب ي فل ما ل يبي دل على أ نه
ليس بشيء ،لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ،وهو الراجح إن شاء ال تعال .
وأما دليلهم فهو حديث ضعيف عند أهل الصناعة .
ومنها :أكل الضب فيه شيء من اللف ،والصواب حل أكله بل كراهة ،لنه
أكل على مائدته rول ينكر ،فدل ذلك على جواز أكله ،إذ لو كان حراما أو مكروها
لبي ذلك ،فلما ل يبي دل على أنه حلل ،لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز ،
وهذا القول هو الصواب وال أعلم .
ومن ها :قضاء رات بة الف جر بعد ها ل ن فات ته ،فالقول ال صحيح جواز ذلك ،وقال
البعض ل يوز ،لكن الصواب الواز بدليل حديث الرجل الذي صلى الفجر مع النب r
ث قام ف صلى ركعت ي ،فقال ال نب (( : rأ صليت ال صبح أربعا)) فقال :ل أ كن صليت
قبل الفجر فصليتهما الن ،فسكت النب ، rفدل ذلك السكوت على جواز قضائها بعد
الفجر ،وأما أحاديث النهي فهي عامة وهذا الدليل خاص والاص مقدم على العام ،ولو
كان قضاؤ ها ف هذا الو قت ل يوز أو مكروها لب ي ال نب rذلك فل ما سكت ول يبي
دل ذلك على جواز ما فعله ذلك الصحاب ،لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز .
ومنها :أتى النبّ rحبٌ من اليهود فقال يا ممد :إنا ند ف التوراة أن ال تعال
ي ضع ال سموات على إ صبع والرض ي على إ صبع والاء والثرى على إ صبع والبال على
إصبع ث يهز بن فيقول :أنا اللك ،فضحك النب rتصديقا لا قال الب ،فهذا دليل
على أن ما قاله الب صحيح يب اعتقاده ،فنحن بذا الديث وبغيه نثبت ل تعال صفة
126
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الصابع على ما يليق بلله وعظمته ،إذ لو كان ما أخب به الب ليس صحيحا لبي ذلك
النب rلن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز .
ومن ها :من العلماء من يقول ف التي مم :إن ال سنة ف يه ضربتان ،ضر بة للو جه
وضر بة لليد ين إل الرفق ي ،وي ستدل على ذلك ب ا رواه الدارقط ن وغيه عن ا بن ع مر
يرفعه (( التيمم ضربتان ،ضربة للوجه وضربة لليدين إل الرفقي )) وقال أكثر العلماء :
بل التيمم ضربة واحدة يسح با وجهه وكفيه فقط مستدلي بأصح حديث ف التيمم وهو
حد يث عمار ف ال صحيحي وكان عمار جاهلً بالتي مم فقال له (( إن ا يكف يك أن تقول
بيديسك هكذا ،فضرب بيديسه الرض ضربسة واحدة ومسسح اليميس على الشمال وظاهسر
كفيه ووجهه )) وهذا بيان للصفة الشرعية ول يذكر فيها إل ضربة واحدة إل الكفي ،
فلو كان ما ذكر نوه داخلً ف الصفة الشرعية لبينه لعمار لنه وقت الاجة للبيان فلما
ل يبينه دل على أنه ليس بشيء لن تأخي البيان عن وقت الاجة ل يوز وهذا هو القول
الراجح إن شاء ال تعال ،وأما حديث ابن عمر فخلصة القول فيه أنه ضعيف مرفوعا
والرا جح أ نه موقوف ،وقول ال صحاب إن ث بت ع نه ح جة إذا ل يالف ن صا ول يال فه
صحاب آخر ،وهنا تقق المران ،فقد خالف حديث عمار ،وخالف ابن عمر جع من
الصحابة وال أعلم .
والفروع على هذه القاعدة أكثر من أن تذكر ،ولعل فيما مضى كفاية لن شاء ال
أن يكفيه وال تعال أعلى وأعلم .
127
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وهذه القاعدة يتوقسف فهمهسا على معرفسة صسيغ العموم ،وهسي اللف واللم
ال ستغراقية الداخلة على الفرد وال مع ،وال ساء الو صولة والنكرة ف سياق الن في أو
الن هي أو الشرط والنكرة الضا فة إل معر فة ،وأيّ ،و كل وج يع وكا فة وعا مة وأ ساء
الستفهام ،فهذه هي صيغ العموم ،فهذه الصيغ إذا وردت بيانا لكم واقعةٍ حصلت ف
العهد النبوي ،أي إذا وقعت واقعة ف العهد النبوي واحتاج الناس لبيان حكمها فنسزل
الوحي بالكم فيها لكن بلف ظٍ من ألفاظ العموم ،فهل يقال إن العبة هنا بلفظ الكم
العام ؟ أم أن ال عبة والعتداد بذه الواق عة ل بعموم الل فظ ؟ هذا هو ما ت يب ع نه هذه
الواق عة .ول كن هناك ب عض المور أن به علي ها ف هذا القام ح ت تكون عونا على ف هم
هذه القاعدة فأقول :
(المـر الول) اعلم أرشدك ال تعال أنسه ل يقسل أحسد مسن أهسل العلم إن أحكام
الشرع تصس من نزلت في هم بيسث ل يد خل في ها غي هم ،هذا ل ي قل به أ حد من
السسلمي أبدا ،كمسا حكاه أبسو العباس بسن تيميسة رحهس ال تعال ،فلم يقسل أحسد مسن
ال سلمي إن آ ية الظهار ت ص من نزلت ف يه ل ت عم غيه ،ول أن آ ية اللعان ت ص من
نزلت فيه ل تتعدى إل غيه ،بل هذه الحكام الشرعية وإن نزلت ف أسباب خاصة إل
أن حكمها يتعدى لغيهم ،لكن اللف الذي وقع بي أهل العلم إنا هو :ف أن تعدية
الكم إل غي من نزلت فيه هل هو بقتضى اللفظ العام أو بالقياس على من نزلت فيه ؟
هذا هو اللف الذي وقع بينهم .
فمنهم من قال :إن غيهم دخل معهم بقتضى اللفظ ،ومنهم من قال :بل غيهم
دخل معهم بقتضى القياس ل اللفظ ،لكن ل يقل أحد إن الية تص من نزلت فيه بيث
ل يدخل معه أحد ل بالوضع اللغوي ول بالقياس ،فهذا قول ل يقل به أحد من السلمي
فيما أعلم ،وقد نص على ذلك أئمة الصول ،فانتبه لذا فإنه بيت القصيد .
128
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
(المـر الثانـ) اعلم رحكس ال تعال ووفقسك لداه ومسا يرضيسه أنسه إمسا أن تكون
صورة ال سبب مؤثرة ف ال كم بع ن أن ل يف هم الراد بال كم إل ب عد معر فة ال سبب
وإما ل ،فإن كانت صورة السبب مؤثرة ف الكم فإنه ل ينبغي إفراد الكم عن صورة
سببه ويكون خاصا با ول يتعلق بغيها ،وأعن بصورة السبب أي الال الت بسببها نزل
ال كم ،ل أع ن أفراد ها ،وإن ا حالة أفراد ها وعلى ذلك أمثلة تبي لك ما أردت إثبا ته
فإن ل أره ف كتب الصوليي إل نادرا ،فأقول :
الثال الول :ال صوم ف ال سفر ،فإ نه قد ث بت أن ال نب rصام ف ال سفر وأجاز
الصيام ف السفر ،ففي الصحيح عن عائشة رضي ال عنها أن حزة بن عمرو السلمي
قال للنب " : rأأصوم ف السفر " -وكان كثي الصيام – فقال (( :إن شئت فصم وإن
شئت فأفطر )) فأجاز له الصيام .
و ف ال صحيح أيضا عن أ نس بن مالك tقال " :ك نا ن سافر مع ر سول ال rفلم
ي عب ال صائم على الف طر ول الف طر على الصائم " ،و عن أ ب الدرداء tقال " :خرجنا
مع رسول ال rف شهر رمضان ف حرٍ شديد حت إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه
من شدة الر وما فينا صائم إل رسول ال rوعبد ال بن رواحة " وهذا مع إخباره بشدة
الر ومع ذلك فقد صام رسول ال rوعبد ال بن رواحة ،وهذه الحاديث كما ترى
ليس فيها إنكار منه rعلى الصيام ف السفر .
لكن انظر إل حديث جابر بن عبد ال tقال " :كان رسول ال rف سفرٍ فرأى
زحاما ورجلً قد ظلل عليه ،فقال (( :ما هذا ؟)) ،قالوا :صائم ،قال (( :ليس من الب
الصيام ف السفر)) " فهنا إنكار بذه الشدة على الصيام ف السفر حت أخب أنه ليس من
الب ،مع أنه ف الحاديث ل ينكر الصوم بل قد صام وأجاز الصيام ،فلو كان الصيام ف
السفر ليس من الب ،فكيف إذا يفعله النب rوييز فعله ؟ وكيف ل يقل ((ليس من الب
الصيام ف السفر)) على عبد ال بن رواحة ومن صام معه ف سفره ؟ بل ف حديث أنس
السابق "ل يعب الصائم على الفطر ول الفطر على الصائم" ،فكل هذا يدلك أن قوله r
ظ عام ،لكن ل ينبغي إفراده عن صورة
((ليس من الب الصوم ف السفر)) وإن كان بلف ٍ
سببه ،لن الصيام ف السفر كان واقعا منه ومن أصحابه كما رأيت ف الحاديث السابقة
129
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
،ومع ذلك ل ينكر عليهم ،وإنا أنكر لا رأى حالة هذا الرجل الذي قد شق عليه الصيام
ح ت أو جب له ال سقوط والتظل يل عل يه من حر الش مس فه نا قال هذه الكل مة ،م ا يدل
على أن صورة السبب لا تأثي ف الكم بدليل صيامه هو ف السفر وعدم إنكاره على من
صام إنا أنكر الصيام ف السفر لا رأى حالة هذا الر جل ،فهذا يبي لك أن حكمه هذا
إن ا هو ل جل هذا ال مر ،فإذا قوله ((ل يس من الب ال صوم ف ال سفر)) ل بد أن ير بط
ب صورة سببه ول يفرد عن ها ،فهذا ير جح مذ هب من قال بأن أفضل ية الف طر ف ال سفر
تر بط بالش قة ،فإذا وجدت الش قة ا ستحب الف طر ،أ ما إذا ل تو جد الش قة فالف ضل
ال صيام وعلى هذا تت فق ج يع الحاد يث وتتآلف .والق صود الذي أر يد إثبا ته ه نا أ نه ل
يدخل ف قوله ((ليس من الب الصوم ف السفر)) إل من كان كحالة هذا الرجل الذي شق
عليه الصوم وأما من ل يشق عليه الصوم فل يدخل ،لن صورة السبب هي الؤثرة ف
الكم فل يدخل فيها إل هذا الرجل ومن كان بنلته وحالته وهيئته .
(الثال الثان) آية اللعان فإنا نزلت على سببٍ خاص ،فقد ثبت ف الصحيح أنا ف
عوير العجلن فيدخل فيها هو ومن كان بنسزلته ،ذلك لن صورة السبب لا تأثي ف
نزول ال ية ،فتكون مق صورة على صورة سببها ل تتعداه إل غيه ،فل يد خل في ها من
قذف أجنبية ع نه ،أو من قذف رجلً بزنا أو لواط ،وإن ا يدخل فيها من قذف زوجته
بالزنا وليس عنده شهود على بذلك ،فهذا هو صورة السبب .
(الثال الثالث) آية الظهار أيضا نزلت ف سبب خاص ،وهي بلفظٍ عام ،فقد ثبت
أن ا نزلت ف أوس بن ال صامت ل ا ظا هر من زوج ته وجاءت تش كو حال ا لل نب rو هو
يقول لا (( :اتقي ال واصبي فإنه ابن عمك)) فنسزلت هذه الية ،إذا صورة السبب
لا تأثي ف نزول الية فحينئذٍ يكون هذا الكم مقصورا على صورة السبب ل يتعداه إل
غيه ،فيدخل فيها من نزلت فيه ومن كان بنسزلته أي كل مظاهر ،فل يستدل با على
غي الظاهر ،كمن حلف على زوجته بالطلق ،أو قال :أنت عليّ حرام إن فعلتِ كذا ،
ونو هذه الصور ل يستدل عليها بآية الظهار ،لنا خاصة بذه الالة دون غيها أعن ل
يدخل فيها إل هذه الظاهر ومن كان بنسزلته ،ذلك لن صورة السبب لا تأثي ف نزول
الكم وما كان كذلك فإنه ل يتعدى صورة سببه وهكذا .
130
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فأي حكسم بلفسظ عام كانست صسورة سسببه هسي الؤثرة فس نزوله فإنسه يناط باس
ول يتعدا ها إل غي ها ،فإن قلت :ف هل هذا ينا ف قول نا :ال عبة بعموم الل فظ ،قلت :
ل ينافيها أبدا ،لكن أيضا ل يتجاوز با صورة السبب ،هذا إذا كانت صورة السبب لا
تأثي ف ورود الكم ،أما إذا كان الكم قد قرر ف مناسبات متعددة ،ث قرر مرةً أخرى
ب عد سبب خاص ،ف في هذه الالة فال عبة بعموم لف ظه مطلقا أي ل يق صر على صورة
سببه ،وذلك كقوله rلا سئل عن بئر بضاعة وأنا يلقى فيها اليض ولوم الكلم والنت
فقال (( :إن الاء طهور ل ينجسه شيء )) فهذا الكم عام مطلقا ول يص ببئر بضاعة
بل ول بغي ها من البار الماثلة ل ا ،لن طهور ية الاء قد قررت ف منا سبات متعددة ،
ف من ذلك قوله تعال َ ] :وأَنزَلْنَا مِ ْن ال سّمَا ِء مَا ًء َطهُورا [ ،وقال َ ] :وُينَزّ ُل عََلْيكُ ْم مِ نْ
ال سّمَا ِء مَاءً ِليُ َطهّرَكُ ْم بِ هِ[ ،وف حديث أب أمامة " :الاء طهور ل ينجسه شيء " ،وف
حد يث ا بن ع مر " :إذا كان الاء قلت ي ل ي مل ال بث " ،ف في منا سباتٍ كثية يقرر
الشارع طهورية الاء ،إذا ليس الكم خاصا ببئر بضاعة ،وسببها ليس مؤثرا ف ورود
الكم ،فهنا يكون الكم دليلً على غي صورة السبب ،فيكون دليلً على طهارة البار
والعيون والنار والبحار والسستنقعات الصسغية والكسبية وهكذا ،مسع أنسه ورد فس بئر
بضاعسة لكسن هسو عام فيهسا وفس غيهسا مسن سسائر أنواع الياه وهكذا ،وعلى كسل حال
فالكسم إذا ورد على سببٍ خاص فل يلو إمسا أن تكون صورة ال سبب هسي الؤثرة ف
ورود الكم وإما ل ،فإن كان الول فيكون العموم معتبا ف صورة السبب فقط ،وإن
كان الثان فيكون العموم ف مسمى اللفظ ،وال يتولنا وإياك .
إذا علمست هذا فاعلم – وفقسك ال – أن الصسواب الذي دلت عليسه الدلة هسو أن
العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب ،وإذا قلنا العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب
فنعن أن غي أفراد السبب دخل معهم بقتضى اللفظ العام ل بالقياس ،والدليل على ذلك
عدة أمور :
من الدلة :أن العبة إنا هي بلفظ الشارع ،فلفظه هو الجة ل غيه ،فإذا كان
عاما فإ نه يبس إبقاؤه على عمومسه ول يصس بسسببه ،لن الجسة ف لف ظه ل ف مرد
السباب .
131
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
132
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومن الدلة أيضا :ما رواه البخاري ومسلم أيضا من حديث علي ابن أب طالب t
أ نه rل ا أي قظ عليا وفاط مة بال صلة من الل يل قال له علي " : tإن أرواح نا ب يد ال إن
َانس النسسَانُ أَ ْكثَ َر َشيْءٍ
شاء بعثنسا ،فول رسسول ال rوهسو يضرب فخذه ويقول ] وَك َ
جَدَل[ " فهذه الية نزلت ف الكفار الذين يادلون ف القرآن ،فاستدل با النب rف هذا
القام مع أنه ليس هو سبب نزولا ،فجعل عليا باعتراضه هذا داخلً ف حكم الية ،ما
يدل على أن العبة بعموم لفظ الية ل بصوص سببها .
و من الدلة أيضا :ما ف ال صحيحي عن ع بد الرح ن بن أ ب ليلى قال :لق يت
كعب بن عجرة فسألته عن آية الفدية ،فقال :نزلت فّ خاصة وهي لكم عامة ،حلت
إل ر سول ال rوالق مل يتنا ثر على وج هي فقال (( :ما ك نت أرى ال هد بلغ بك ما
أرى)) الديث ،والشاهد هو قوله " نزلت فّ خاصة وهي لكم عامة " ،وهذا هو عي
قول نا ال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص ال سبب ،ف هي وإن كان سبب نزول ا خا صا ل كن
يدخل فيها كل من اتصف بوصف كعب . t
و من الدلة أيضا :ما رواه الترمذي وقال :حد يث ح سن صحيح عن أ ب واقدٍ
الليثي قال :خرجنا مع رسول ال rونن حدثاء عهدٍ بكفرٍ وللمشركي سدرة يعكفون
عند ها وينوطون ب ا أ سلحتهم فقل نا :يا ر سول ال اج عل ل نا ذات أنواط ك ما ل م ذات
أنواط فقال (( :ال أكب إنا السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لوسى
ج َهلُو نَ[ لتركب سنن من كان قبلكم )) ،
]ا ْجعَل َلنَا إَِلهًا كَمَا َلهُ مْ آِل َهةٌ قَالَ ِإّنكُ مْ َقوْ مٌ تَ ْ
والشاهد منه أنه rجعل قولم "اجعل لنا ذات أنواط كما لم ذات أنواط" جعله داخ ً
ل
ف عموم قول قوم مو سى لو سى ]اجْعَل لَنَا إِلَها كَمَا َلهُ مْ آِل َهةٌ[ م ا يدل على أن ال عبة
بعموم الل فظ ل ب صوص ال سبب ،فإن هذه ال ية وإن نزلت ف قوم مو سى ل كن يد خل
ل منهمفيها كل من أراد التبك بشيء يطلب خيه كما فعل أبو واق ٍد ومن كان معه جه ً
بقيقة المر ،وال الستعان .
ومن الدلة أيضا :أن المة أجعت على أن البنات لن الثلثان بدليل قوله تعال ] :
ق اثَْنَتيْ نِ َفَلهُنّ ثُُلثَا مَا
يُوصِيكُمْ اللّهُ فِي َأوْلدِكُمْ لِلذّ َك ِر ِمثْلُ حَظّ النَثَييْ نِ فَإِنْ كُنّ نِسَاءً َفوْ َ
تَرَكَ[ فأجعت المة السلمية على أن البنات إذا كن فوق اثنتي أن لما ثلثي التركة بذه
133
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
134
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ال سباب عن أحكام ها فإذا إيرادهم هذا ليس بوارد وفرض نظري م ض ل وا قع له ألبتة
فل نشتغل به .
وقالوا أيضا :لو ل ي كن لل سبب تأث ي ف ال كم ل ا تكلف الراوي ن قل ال سبب
مقرونا بكمه ولكتفى بنقل الكم فقط ول يشتغل بنقل السبب ،لكن لا نقله – أعن
السبب مقرونا بالكم – دل على أنه يرى ربط الكم بالسبب .
قلنا :وهذا أيضا كلم ل تقيق فيه وذلك لن نقل الراوي للسبب ل يلزم انصاره
فيمسا ذكرتوه بسل لرادة التوضيسح فإن الحكام يفهسم الراد منهسا إذا عرفست أسسبابا ،
وكذلك لعر فة التار يخ إذ لو أورد ال كم مباشرة ل ا علم نا التار يخ ل كن ل ا ن قل ال سبب
ات ضح ذلك و ف كث ي من ال سباب الشارة إل التار يخ أو ب عض الوقائع ال ت ي ستدل ب ا
على التاريخ ،والعلم بالتاريخ من أنفع الشياء ف معرفة الناسخ والنسوخ .وكذلك لبيان
نع مة ال على عباده بالتفر يج فالواق عة ح صلت ول يعرف ح كم ال في ها والرج حا صل
بذلك ث ين سزل ال كم فيح صل الفرج فهذا مو جب للش كر وال مد ،وغ ي ذلك من
الفوائد فلماذا تصرون فوائد نقل السبب ف الذي قلتموه فقط .
وقالوا أيضا :لو أن ال سبب ل تأث ي له ف ال كم ،فلماذا يتأ خر ال كم إل وقوع
ال سبب ولكان نزل ق بل الا جة إل يه ،ول كن ل ا تأ خر إل حدوث الواق عة ث ن سزل فهذا
التأخي مشعر بارتباطه بالسبب .
قلنا :وهذا أيضا كلم ل تقيق فيه إذ هو من باب التحكم على ال ف شرعه لاذا
س يشاء ويؤ خر
سما يؤ خر ؟ لاذا يقدم ؟ فإن أمسر تشريسع الحكام هو ل وحده يقدم منه ا
ما يشاء ] ل يُ سْئ ُل عَمّا َي ْفعَ ُل َوهُ ْم يُ سْئلُونَ [ ولو فتحنا هذا الباب لضطرب المر وكثر
التجرؤ على أحكام ال والقدح ف حكم ته وعدله ،ث أ ضف إل هذا أن من حك مة ال
تعال أنه يؤخر ال كم إل وقوع الا جة إليه ليكون ذلك أو قع ف النفس وأو ضح للف هم
فإذا ج يع ما ا ستدلوا به على قول م ك ما ترى (لو أن ،ولاذا ،ويلزم عل يه ) و كل ذلك
ل يف يد شيئا ،وأ ما القول الرا جح ف قد دلت عل يه الدلة الواض حة النا صعة من الكتاب
وال سنة والع قل ال صريح والل غة العرب ية والجاع فل ي شك عا قل ف رجحا نه ول ال مد
والنة وهو أعلى وأعلم .
135
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ول يبق إل أن يشار إل ش يء من الفروع الت تزيد الوضوح وتبي لك أثر هذه
القاعدة ف الفروع فأقول :
من ها :ف صحيح م سلم من حد يث أ ب هريرة أن ال نب rمَ ّر على صبة طعا مٍ
فأدخل يده فيها فأصابت أصابعه بللً فقال (( :ما هذا يا صحاب الطعام ؟ قال :أصابته
ال سماء يا ر سول ال ،فقال :أفل جعل ته فوق الطعام لياه الناس من غش فل يس م نا ))
وهذا ال كم عام ل نه ورد ب صيغة ( من) و هو الشرط ية وأ ساء الشرط من صيغ العموم ،
و قد ق يل على سببٍ خاص و هو ال غش ف الب يع ل كن ال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص
السبب ،فيستدل به على تري الغش ف المتحانات والعقارات والنصيحة وغيها ،بل
هذا الكلم م نه rقاعدة عا مة ف ج يع أنواع ال غش ،ف هو حرام ب سائر أنوا عه ف ج يع
الجالت لن العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب ،وال أعلم .
ومن ها :اختلف العلماء ف الدباغ هل هو مط هر للد الي تة أو ل ؟ أو ل يط هر إل
جلد الأكول دون غيه ؟ والنقاش الن مع الذ ين قالوا ل يط هر بالدباغ إل جلد الأكول
فقط فاستدلوا على ذلك بديث ابن عبا سٍ قال (( تُصدق على مولة ليمونة بشاة فماتت
فمر با رسول ال rوهم يرونا فقال :هلّ أخذت إهابا فدبغتموه فانتفعتم به ؟ فقالوا
إن ا مي تة ،قال :يطهر ها الاء والقرظ )) فهذا ال كم العام ورد على سبب خاص و هو
شاة ميمونة والشاة ما يؤكل لمها فيقصر الكم على سببه الاص ول يتعداه إل غيه ،
و ف لف ظٍ لح د (( أن داجنا ليمو نة ما تت فقال ر سول ال : rأل انتفع تم بإهاب ا أل
دبغتموه فإنسه ذكاتسه )) ولذلك قال المام مدس الديسن فس النتقسى " :وهذا تنسبيه على أن
الدباغ إنا يعمل فيما تعمل فيه الذكاة " اهس .واختاره حفيده أبو العباس – رحه ال –
و هو روا ية عن أح د ولي ست هي الشهورة ف الذ هب ،وذ هب ب عض العلماء إل أن
الدباغ مط هر للد ج يع اليوانات الطاهرة ف الياة مأكولة أو غ ي مأكولة ،و هو روا ية
ف الذهسب واسستدلوا بأدلة كثية جدا وأجابوا عسن اسستدلل أ صحاب القول الول بأن
ال كم عام وإن نزل على سببٍ خاص إل أن ال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص ال سبب ،
فلما قالوا (( إنا ميتة )) قال (( : rيطهرها الاء والقرظ )) فهذا الكم العتب فيه عمومه
بدليل أنه rحكم بطهارة جلود اليتة بالدباغ ف غي خصوص الشاة فقال ف حديث ابن
136
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
عباسس (( إذا دبسغ الهاب فقسد طهسر )) وفس حديسث أم سسلمة (( دباغ جلود اليتسة
ٍ
طهورها )) وغيها من الدلة الستوفاة ف مكا نٍ آخر ما يدل على أن حكمه على الشاة
ل يدل على ال صوصية ب ا لن ال عبة بعموم الل فظ ولن ذ كر ب عض أفراد العام ل يكون
مصصا للعموم ،وهذا هو القول الراجح ف نظري وال أعلم .
ومنها :اختلف العلماء ف الترتيب ف الوضوء هل يب أو ل ؟
على قولي :فقيل يب وهو الشهور من مذهبنا ومذهب الشافعي واستدلوا على
ذلك بأدلة منها وهو الذي يهمنا قوله (( rإبدأوا با بدأ ال به )) ول سلم (( أبدأ با بدأ
ال به )) فدل هذا على وجوب البداءة بالشيء الذي بدأ ال به ف الوضوء فقد بدأ بالوجه
ث باليدين إل الرفقي ث بسح الرأس ث بغسل الرجلي ،وقال الخرون :كيف تستدلون
بذا الكلم وقد قاله rف الج لا دنا من الصفا قال (( أبدأ با بدأ ال به )) فسببه الج
ونن ف الوضوء .
والواب :أن العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب فإن قوله (أبدأ با) صيغة من
صسيغ العموم وهسو (مسا) بعنس الذي فهسو وإن قاله فس الجس لكسن العسبة بعموم اللفسظ
ل ب صوص ال سبب ،وهذا هو القول ال صحيح – أع ن وجوب الترت يب ف الوضوء مع
القدرة – لذا الدليل ولدلة أخرى ليس هذا مال بثها ،وال أعلم .
ومنها :بيع العرايا هل يشترط فيه أن يكون لاجة أو يوز بل حاجة ؟
فيسه خلف فقال بعضهسم :يشترط الاجسة أي الاجسة إل الرطسب واسستدلوا على
ذلك با رواه الشافعي ف متلف الديث عن زيد بن ثابت أنه سى رجالً متاجي من
الن صار شكوا إل ر سول ال rول ن قد ف أيدي هم يبتاعون به رطبا ويأكلون مع الناس
وعند هم فضول قوت م من الت مر فر خص ل م ر سول ال rأن يبتاعوا العرا يا بر صها من
الت مر .قال المهور :بل ال صواب عدم اشتراط الا جة للحاد يث ال صحيحة كحد يث
زيد بن ثابت وأب هريرة ف الصحيحي فإن فيها ذكر الترخيص من غي اشتراط الاجة ،
وأما الديث الذي ذكرتوه فهو حديث ضعيف فقد أنكره ممد بن داود الظاهري على
الشافعي ،وقال ابن حزم " :ل يذكر الشافعي له إسنادا فبطل " اهس .
137
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وعلى تسسليم صسحته فيقال :إن الحاديسث الصسحيحة صسرحت بالترخيسص بلفسظ
مطلق من غ ي ق يد الا جة وال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص ال سبب ،وهذا هو القول
الراجح فالعام يرى على عمومه ول يقيد إل بدليل صحيح صريح .
ومن ها :حد يث الثعم ية وأن ا قالت :يا ر سول ال إن فري ضة ال على عباده ف
ال ج قد أدر كت أ ب شيخا كبيا ل يث بت على الراحلة أفأ حج ع نه ،قال :ن عم ح جي
عنه )) متفق عليه ،فقال بعض أهل العلم :إن هذا الديث خاص بالثعمية وأبيها دون
غيهم ،وهذا ليس بصحيح ،بل الصواب أنه عام لا ولغيها من هو ف حالة أبيها فمن
كان مريضا أو كبيا ل يثبت على الراحلة فله أن يقيم عنه من يج ويعتمر ،لعموم قوله
(( فاقضوا ال فال أحق بالوفاء )) فإن قيل إنه نزل على سبب خاص وهو سؤالا ،قلنا :
إن العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب كما مرضى ترجيحه .
ومنها :رضاع الكبي هل ينشر الرمة أم ل ؟ قد قدمنا لك ذلك الفرع ف قاعدة
" مالفة الراوي لا روى " ونعيده هنا لنه داخل تت هذه القاعدة أيضا فأقول :
ففي قصة سال مول أب حذيفة أنه كان يدخل على امرأة أب حذيفة فتغيت نفس
أب حذيفة فرفعت المر إل النب rفقال لا (( أرضعيه حت يدخل عليك )) والديث
عند مسلم وغيه فهذا الديث له سبب خاص ،ولفظه عام ،فهل العبة بعموم اللفظ أم
بصوص السبب ،هنا وقع اللف بي العلماء ،فقال جلة من أزواج النب rوهو قول
المهور أيضا إنسه خاص بسسال ل يتعداه لغيه ،وقالت عائشسة :الكسم للمسة فرضاع
الكبي مرم سواءً كانت حالته موافقة لالة سال أو ل .وقال بعض أهل العلم :بل العبة
بالة السبب ذلك لن السبب له تأثي ف الكم وإذا كان السبب له تأثي ف الكم فإنه
يناط بال ته ،وإذا نظر نا إل حالة سال وأ ب حذي فة وامرأ ته وجدنا هم قد تأذوا بتكرر
دخول سال عليهم و هم مضطرون لدخوله ،فأرضعته الرأة ليكون ابنا ل ا ،ف من كانت
حال ته م ثل حالة أ ب حذي فة وامرأ ته من تكرر دخول رجلٍ علي هم و هم متاجون لدخوله
فللمرأة أن ترضعسه ليحرم عليهسا ،وهذا القول فيسه إعمال للدلة كلهسا وهسو اختيار أبس
العباس – رحه ال – وهو القول الراجح ف نظري ول يالف أحاديث الولي لنا عامة
وقضيسة سسال خاصسة والاص مقدم على العام ،ول ينبغسي إبطال شيسء مسن السسنة مادام
138
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
إعمال ا مكنا ،وأ ما مال فة أمهات الؤمن ي فمعارض بقول عائ شة وقول ال صحاب ل يس
بجة إجاعا إذا خالفه صحاب آخر ،وال أعلم .
ومنها :آية اللعان فإنا نزلت ف عوير العجلن وزوجته لكن العبة بعموم اللفظ
فيدخل فيها من كان بنسزلتهم .
ومن ها :آ ية الظهار فإن ا نزلت ف أوس بن ال صامت وزوج ته ل كن ال عبة بعموم
اللفظ فيدخل فيها من كان بنسزلتهم .
ومنهـا :حديسث عبسد ال بسن أبس أوفس tقال :جاء رجسل إل النسب rفقال :
يا ر سول ال إ ن ل أ ستطيع أن آ خذ شيئا من القرآن فعلم ن ما يزئ ن ع نه فقال rقل
سسسبحان ال والمسسد ل ول إله إل ال وال أكسسب ول حول ول قوة إل بال العلي
العظ يم …)) الد يث فهذا الد يث وإن كان له سبب خاص ل كن ال عبة بعموم الل فظ
فيد خل ف يه هذا الر جل و من كان بن سزلته م ن يعجزون عن أ خذ شيءٍ من القرآن وهذا
القول هو الصواب .
ومنها :قوله تعال ] وَ َسيُ َ
جّنُبهَا ا َلْتقَى * الّذِي ُي ْؤتِي مَالَ ُه َيتَزَكّى [ ذكر غي واحدٍ
من الف سرين أن ا نزلت ف أ ب ب كر ال صديق ، tبل ذ كر بعض هم الجاع على ذلك .
فنقول :نعم إنا نزلت فيه لكن العبة بعموم اللفظ ل بصوص السبب ،أي يدخل ف
هذه الية صديق المة tومن كان بنسزلته من التصاف بالتقوى والكرم والود والبذل
للمال ف طاعة ال ونصرة الرسول ، rبل القاعدة عندنا أن الية الت لا سبب خاص إن
كا نت مدحا أو ذما أو أمرا أو نيا فإ نه يد خل في ها من نزلت ف يه و من كان بن سزلته
ذكره أبو العباس رحه ال تعال ف مقدمة التفسي وال أعلم .
ومنها :إذا طلق الرجل امرأته ثلثا فإنه ل تل له حت تنكح زوجا غيه ،ويذوق
ال خر ع سيلتها لقوله (( rل ح ت تذو قي ع سيلته ويذوق ع سيلتك)) فهذا ال كم وإن
كان له سبب خاص وهو ما روته عائشة قالت :جاءت امرأة رفاعة القرظي إل النب r
فقالت (( :ك نت ع ند رفاعة فطلق ن فبت طل قي فتزو جت بعده ع بد الرح ن بن الزب ي
وإنا معه مثل هدبة الثوب فقال :أتريدين أن ترجعي إل رفاعة ل حت تذوقي عسيلته
139
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ويذوق عسسيلتك )) فهسو وإن كان قيسل فس لشخسص خاص فخطاب الشارع للواحسد
خطاب للمة كلها .
ومنها :أن من َقتّر عليها زوجها بالنفقة فل يعطيها ما يكفيها وولدها فلها أن تأخذ
من ماله بغ ي عل مه ما يكفي ها وولد ها بالعروف لد يث ه ند امرأة أ ب سفيان ف هو وإن
كان على سببٍ خاص لك نه خطاب ل كل من كا نت مثل ها ،في ستدل به على من كان
كحالتها .
ومنها :من فوت الصلة أو الصوم لعذرٍ فإنه يقضي ف قول عامة أهل العلم للدلة
الصرية الصحيحة ف ذلك ،لكن من فوتما لغي عذر – أي ترك الصلة عمدا أو أفطر
عمدا – فهل يقضي أو ل ؟
ف يه خلف ،فق يل يق ضي لعموم قوله (( rفاقضوا ال فال أ حق بالوفاء )) ،وقال
بعضهم :بل ل يصح قضاؤه لنا عبادة مؤقتة بوقت والعبادة الؤقتة بوق تٍ تفوت بفوات
وقتهسا مسن غيس عذرٍ والدلة دلت على قضاء العذور ،وأمسا التعمسد فيمنسع مسن القضاء
حرمانا ل تفيفا ،وأما قوله (( فاقضوا ال فال أحق بالوفاء )) فهو فيمن فاته الج لوتٍ
أو مرضٍ ونوه ،لنه قيل ف الج فل يستدل به على غيه .
قال الولون :ن عم سلمنا أ نه ق يل ف ال ج ل كن ال عبة بعموم الل فظ ل ب صوص
السبب ،ولنه يفهم الراد منه بنفسه من غي معرفة سببه ،ولبحث السألة موضع آخر
وإنا القصود التفريع على هذه القاعدة .
ولعله قد اتضحت القاعدة إن شاء ال بذه الفروع فعليها فقس وال أعلى وأعلم .
140
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
141
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
حيِيهَا
تعال ] وَضَرَ بَ لَنَا َمَثلً َونَ سِيَ َخ ْلقَ هُ قَا َل مَ ْن يُحْ يِ اْلعِظَا مَ َوهِ يَ َرمِي مٌ * قُ ْل يُ ْ
الّذِي أَنشَأَهَا َأوّ َل مَ ّر ٍة َو ُهوَ ِبكُلّ خَ ْل ٍق عَلِي مٌ [ فن صوص العاد وب عث الج ساد ف القرآن
كثية ومسع ذلك ل يزالون فس أقيسستهم الفاسسدة ،وكقوله فس معرض أمرهسم بالنفقسة
ومعارضتهم ذلك بالقياس ] وإذا قِيلَ َلهُ مْ أَن ِفقُوا مِمّا رَزََقكُ مْ اللّ هُ قَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا لِلّذِي نَ
آ َمنُوا أَنُ ْطعِ ُم مَ نْ َل ْو يَشَاءُ اللّ هُ َأ ْطعَمَ هُ إِ نْ َأنْتُ مْ إِل فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ [ وغ ي ذلك ف آيا تٍ
كثية ،وما ذلك إل لنه ل ينبغي القياس ف معارضة النص ،بل النص مقدم على غيه
وال أعلم
ومن الدلة أيضا :أن الصحابسة رضسوان ال عليهسم على كثسسرة اجتهادهم
وفتاويهم ل ينقل عنهم أنم قاسوا إل مع عدم النص ،وكانوا يتساءلون عن النصوص فإذا
وجدوها ل يعدلوا عن ها بل كان الوا حد من هم يف ت برأ يه زمنا ث يأت يه ال نص فيترك رأ يه
وقياسه ويأخذ بالنص ما يدل على أن النص مقدم عندهم وأنه ل يعارض برأ يٍ ول قياس
وذلك بإجاعهم رضي ال عنهم .
فمن ذلك :أن عمر tلا ذكر له خب حل بن النابغة ف غرة الني قال عمر (لو
ل نسمع هذه لقضينا بغيه) فكان النص مانعا له من القياس العارض فترك قياسه من أجل
النص .
و من ذلك :أ نه tكان ل يورث الرأة من د ية زوج ها فل ما أ خبه الضحاك بن
سفيان الكِلب tأن النب rكتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضباب من دية زوجها لا
بلغه ذلك رجع عن رأيه إل النص ما يدل على عدم اعتباره الرأي مع النص .
و من ذلك :أ نه كان ل يأ خذ الز ية من الجوس اجتهادا وقيا سا على غي هم من
سائر الشرك ي وأن م ل يس ل م كتاب معروف فلي سوا من أ هل الكتاب ،فل ما أ خبه
عبد الرحن بن عوف أن النب rأخذ الزية من موس هجر كتب عمر إل عماله على
البلد بأخذ الزية منهم فترك رأيه من أجل النص .
ومن ذلك :أن عثمان tكان يقول " :إن التوف عنها زوجها ل سكن لا " حت
جاءه خسب الفريعسة بنست مالك أن زوجهسا خرج فس طلب أعبدٍ له فقتلوه ول يكسن ترك
142
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
سكنا تلكه ول نفقة قالت :فقال رسول ال (( rامكثي ف بيتك حت يبلغ الكتاب أجله
،قالت :فاعتددت أربعة أشهرٍ وعشرا )) فلما علمه عثمان اتبعه وقضى به وترك رأيه .
ومن ذلك :أن عمر tكان يفت بأن دية الصابع على حسب منافعها حت جاءه
خب معاوية tأن النب rقال (( هذه وهذه سواءٌ )) فرجع عن رأيه واتبع السنة.
فهذه الصور حصلت بحض ٍر من الصحابة ول ينكرها أحد فكان ذلك إجاعا .
و من الدلة أيضا :اتفاق ال صحابة وال سلف ال صال وأئ مة الد ين على ذم من ترك
النصوص الصرية الصحيحة وتتبع القيسة الباطلة ،وكلمهم ف ذلك مشهور معروف ،
وال أعلم .
و من الدلة :أن القياس إن ا هو ح جة ين سب للشري عة ويكون دليلً من أدلت ها إذا
كان قياسسا صسحيحا ومسن شرط صسحته أن ل يالف نصسا ،فأمسا إذا خالف نصسا فإن
الشريعة بريئة منه وإنا ينسب إل صاحبه .
فوا عجبا من يقدم قول البشر على وحي رب البشر .فهذه الدلة تفيد إفادة قطعية
أن ال جة إن ا هي ال نص ل القياس العارض ،وأن هذا القياس ال صادم لل نص ي ب على
العال إطراحه ،فالنص هو القدم على كل شيء وال أعلم .
هذا شرح القاعدة من ناحية التنظي لكن بقي شرحها من ناحية التفريع وفروعها
ف الق كثية لكن أقتصر على أشهرها ،فغيها يعرف با فأقول :
اعلم – أرشدك ال لطاعته – أن أول من قاس قياسا فاسد العتبار إبليس فإنه إمام
لكل قائس قياسا يالف به النص ،وذلك أن ال تعال لا أمره بالسجود لدم عليه السلم
بقوله ] ا سْجُدُوا لدَ مَ [ وهو نص صريح ل يتمل الناقشة ،عارض عدو ال هذا النص
القاطع بأقيسةٍ فاسدة ،فقاس عنصره على عنصر آدم فرأى أن النار أقوى من الطي وأنه
أقدم م نه ف اللق فكا نت نتي جة قيا سه الفا سد أن قال ] أَنَا َخيْ ٌر ِمنْ هُ َخَل ْقتَنِي مِ نْ نَارٍ
وَخََل ْقتَ هُ مِ ْن طِيٍ [ فأ ب ال سجود وقدم قيا سه الفا سد على ال نص ال صريح ،وقيا سه هذا
قياس باطل ولشك ،ووجه بطلنه ثلثة أمور :
الول :أنه ف معارضة النص ،والقياس ف مقابلة النص باطل .
143
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الثان :منع القياس أصلً فإن النار ليست خيا من الطي ،فإن النار طبيعتها الفة
والطيش والفساد والتفريق ،وأما الطي فطبيعته الرزانة والصلح والعمار فإنك تعطيه
ال بة فيعطيك ها سنبلة ،وتعط يه النواة فيعطيك ها نلة وهكذا ،و به تع مر البيوت فك يف
تكون النار خيا من الطي .
الثالث :سلمنا جدلً أن النار خ ي من الط ي فإن شرف ال صل ل ي ستلزم شرف
الفرع فإبل يس فرع من النار فإذا قل نا أ صل النار خ ي فإ نه ل يلزم من ذلك أن كل فروع
النار خي ،فكم من أصل رفيع وفرعه وضيع ،كما قال الشاعر :
قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا إذا افتخرت بآبا ٍء لم شرف
والقصود :أن قياس إبليس هذا قياس ف مقابلة النص فهو قياس باطل .
و من الفروع أيضا :ذ هب النف ية – رح هم ال تعال وغ فر ل م – أن الرأة يوز
لا أن تتول عقد نكاحها بنفسها قياسا على جواز تصرفها ف مالا با شاءت ،فكما أنا
تتصرف ف مالا كيفما شاءت ول تفت قر إل الول فكذلك ف النكاح أيضا ل ا أن تزوج
نفسها من شاءت ول تفتقر إل الول .
قال المهور :هذا قياس فا سد ل نه قياس ف مقابلة ال نص فإن الن صوص دلت على
أنه ل يصح النكاح إل بول وذلك ف قوله (( rأيا امرأة نكحت نفسها بغي إذن وليها
فنكاحها باطل )) وحديث (( ل نكاح إل بول )) وحديث (( ول تزوج الرأة نفسها ))
وهذه النصوص بجموعها صحيحة ثابتة فإذا صح النص فل قياس ،لن القياس ف مقابلة
النص باطل ولشك أن القول الصحيح مع المهور .
و من الفروع :ذ هب ب عض أ هل العلم إل سنية ا ستلم سائر أركان الب يت أ ما
الركنان اليمانيان فبال نص وأ ما الخران فبالقياس عليه ما ،وذ هب أك ثر العلماء إل عدم
ال سنية إل ف اليماني ي لثبوت ال نص ب ما ،وأ ما الخران فل ا ستلم ول تقب يل وقيا سهم
هذا ف مقابلة النص ،ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر tقال (( :ل أر رسول ال
rيستلم من البيت غي الركني اليمانيي )) وأنكر ابن عباس على معاوية استلمه أركان
البيت جيعها فقال معاوية " :ليس شيء من البيت مهجورا " فقال ابن عباس " :أما لك
ف رسول ال rأسوة حسنة " فسكت معاوية لقبوله الق رضي ال عنه وأرضاه كما هو
144
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
طبع أصحاب رسول ال rبأب هم وأمي ،ولن القياس ف العبادات منوع عند الكثر ،
ولن الصسل فس العبادات الظسر والتوقيسف ،ولن الركنيس الخريسن ليسسا على قواعسد
إبراهيم كما قال أهل العلم – رضي ال عن الميع – وهذا هو الصواب ،فالسنة إنا هي
استلم الركن اليمان والجر السود ،ويذكرن هذا بن قال :السنة تقبيل الركن اليمان
قياسا على تقبيل الجر السود ،وهذا أيضا قياس ف مقابلة النص فإن النب rكان يستلم
الركن اليمان ول يقبله فهو إذا قياس باطل وال الستعان.
ومنها :قال بعض أهل العلم :يشرع للنسان إذا أت السعي بي الصفا والروة أن
يصلي ركعتي قياسا على صلة ركعتي بعد الطواف حول البيت ،وهذا قياس ف مقابلة
النسص لنسه rسسعى بيس الصسفا والروة ول يصسل بعده شيئا فلو كان مشروعا لفعله ،
فقياسهم هذا قياس باطل لنه ف مقابلة النص .فالصواب إذا عدم مشروعيتها .
ومن ها :قال النف ية – ر ضي ال عن هم – ل يوز للر جل تغ سيل امرأ ته إذا ما تت
لنقطاع حبل النكاح بينهما قياسا على الجنبية ،وقال أكثر العلماء بالواز وهو الصحيح
ف عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت (( :ر جع ر سول ال rمن جنازةٍ بالبق يع وأ نا أ جد
صداعا ف رأسي وأقول وارأساه ،فقال :بل أنا وارأساه ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك
وكفنتك ث صليت عليك ودفنتك )) رواه أحد وابن ماجه ،وهو نص ف الوضوع ،وف
حد يث أ ساء ب نت عم يس قالت ( :غ سلت أ نا وعلي فاط مة ب نت ر سول ال ) rرواه
الا كم والبيه قي وح سنه الا فظ ا بن ح جر ،واشتهرت هذه الق صة فلم تن كر فكا نت
إجاعا ،ول يقال :إن عليا غ سلها من باب ال صوصية لن عقده علي ها ل ينق طع لن ا
زوجته ف الخرة ،لننا نقول :إن مثل هذا ل يثبت إل بدليل ول أعلم دليلً يثبت مثل
هذا ف الكتب ال ت نظرت فيها ،و به تعلم أن قياس النفية ومن وافق هم قياس ف مقابلة
النص فيكون باطلً لن القياس ف مقابلة النص فاسد العتبار .
ومن ها :ذ هب ب عض أ هل العلم إل أن الحرم يوز له ع قد النكاح وا ستدلوا على
ذلك بالقياس فقالوا :ك ما أ نه يوز شراء ال مة للو طء و هو مرِم فكذلك يوز له ع قد
ل منه ما يق صد به الو طء وو سيلة من و سائله ،وذ هب
النكاح و هو مرِم با مع أن ك ً
المهور إل أنه ل يوز عقد النكاح للمحرم وهو الصحيح لديث عثمان tعند مسلم
145
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وغيه أن النسب rقال (( :ل ينكسح الحرم ول ينكسح ول يطسب )) فهسو نسص صسحيح
صريح الدللة على النع من ذلك ،فقياسهم إذا قياس ف مقابلة النص فهو باطل والنص
مقدم عليه ،وال أعلم .
ومنها :ذهب بعض الشافعية إل أنه يوز قطع أغصان شوك الرم قياسا على جواز
قتل الدواب المس الفواسق بامع وجود اليذاء ف كلٍ ،ونقول :الصواب أنه ل يوز
ابتداء قطعه لديث أب هريرة ف الصحيحي (( ول يتلى شوكها )) وقياسهم هذا قياس
ف مقابلة النص والقياس إذا صادم النص فهو باطل .
ومنهـا :ذهسب بعسض أهسل الفضسل والعلم – رحهسم ال تعال – إل أن اللبس فس
الصسراة عنسد الرد يضمسن بلبس مثله ،لنسه مثلي فيضمسن بثله كسسائر الثليات ،وذهسب
الكثر إل ضمانه بصاعٍ من تر لديث أب هريرة tقال :قال رسول ال (( rل تصروا
البل والغنم فمن ابتاعها فهو بي النظرين بعد أن يلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها
وصاعا من تر )) متفق عليه ،وهذا هو الصواب ولشك لثبوت الديث به كما ترى ،
وأ ما قيا سهم الل ب على سائر الثليات ف هو قياس با طل ل نه قياس ف مقابلة ال نص ،وال
أعلم .
ومنها :ف باب العتقد فقد ذهب المثلة إل إثبات الساء والصفات ل تعال على
وج هٍ يا ثل صفات الخلوقات وذلك لن التفاق ف ال ساء ي ستلزم التفاق ف ال صفات
ولقياس الغائب على الشاهسد بامسع التفاق فس السسم فقاسسوا ال بلقسه ،جسل وعل ،
وقياسهم هذا من أبطل القياس وأشنعه وذلك لنه ف مصادمة النص ف قوله تعال ] ليس
كَ ِمثْلِ ِه َشيْءٌ َو ُه َو ال سَمِي ُع البَ صِيُ [ وقوله ] وَلَ ْم َيكُ نْ لَ هُ ُكفُوًا أَحَدٌ [ وقوله ] فَل َتضْ ِربُوا
جعَلُوا لِلّ هِ أَندَادًا َوَأنْتُ ْم َتعْلَمُو نَ [ وغيها من النصوص القاطعة لِلّ ِه ا َلمْثَالَ [ وقوله ] فَل تَ ْ
لدابر الشابة بي الخلوق والالق ،لكنهم أثبتوا التشبيه بالقياس وقياسهم هذا باطل لنه
ف مقابلة النص فل اعتبار به ،ولم أجوبة أخرى لكن هذا ما يهمنا لفهم القاعدة .
ومن ها :ما رواه م سلم من حد يث صال بن أ ب صال المدا ن قال :حضرت
الش عب وجاءه ر جل من أ هل خرا سان فقال :يا أ با عمرو ،إن من قبل نا ناس من أ هل
خراسان يقولون إن الرجل إذا أعتق أمته ث تزوجها فهو كالراكب بدنته ،فقال الشعب :
146
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
حدثنا أبو بردة بن أب موسى عن أبيه عن النب rأنه قال (( ثلثة يؤتون أجرهم مرتي –
الد يث – وفيه ور جل كا نت عنده أ مة فغذاها فأح سن غذاء ها وأدب ا فأح سن أدب ا ث
أعتقها فتزوجها فله أجران )) فأهل خراسان هنا قاسوا من تزوج أمته بعد عتقها كمن
ركب بدنته بامع القبح ف كلٍ ،لكنه قيا سٌ فاسد لنه ف مقابلة النص ،والصواب أن
هذا العمل جليل يثيب ال عليه بأجرين ،وأما قياسهم فباطل ،فل قياس مع ثبوت النص.
ومنها :قياس ما ف النة من النعيم على ما ف الدنيا بامع التفاق ف السم وهذا
قياس باطل لنه مصادم لقوله rف الديث مرفوعا إل ربه جل وعل (( أعددت لعبادي
ال صالي ما ل ع ي رأت ول أذن سعت ول خ طر على قلب ب شر )) وقال ا بن عباس :
ليس ف الدنيا ما ف النة إل الساء ،وصدق رضي ال عنه .
ومنهـا :اختلف العلماء – رحهسم ال تعال – فس السسلم فس اليوان هسل يصسح
أو ل ؟ على قول ي فق يل ل ي صح لن ال سلم ل ي صح إل في ما تنض بط صفاته واليوان
تتلف صفاته ول يكن ضبطها فالسلم يؤدي إل اللف قياسا على سائر ما ل تنضبط
صفاته ،وقال بعضهم :بل السلم ف اليوان صحيح لديث أب رافع عند المام مسلم
رحه ال تعال قال (( :استسلف النب rبكرا من رجل فجاءت إبل الصدقة فأمرن أن
أوف الرجل فقلت :ل أجد إل رباعيا ،فقال :أعطه إياه فإن خيكم أحسنكم قضاءً ))
أو ك ما قال ، rولد يث ع بد ال بن عمرو بن العاص قال :أمر ن ال نب rأن أج هز
جيشا فنفدت البل فكنت آخذ البعي بالبعيين من إبل الصدقة )) فهذا دليل على جواز
السلم ف اليوان وهو الصواب إن شاء ال تعال .
وأمسا اشتراط انضباط الصسفات فمسن الذي اشترطسه ،وإناس الشترط العلم بالكيسل
والوزن فيما يكال ويوزن وكذلك العلم بالجل وتسليم رأس الال ف ملس العقد ،حت
ولو سلمنا اشتراطه فإن اليوان يكن ضبطه بالصفات من نوعه وجنسه ومقداره ،وعلى
كل حال فالنص دل على الواز ول قياس مع النص فقياسهم فاسد العتبار وال أعلم .
ومنهـا :قال النفيسة – رحهسم ال تعال – إن الرتدة ل تقتسل قياسسا على الكافرة
الصلية فهي ل تقتل ولديث (( نى النب rعن قتل النساء )) وذهب المهور إل أنا
تق تل ب عد ا ستتابتها و هو ال صحيح لعموم حد يث ا بن عباس (( من بدل دي نه فاقتلوه ))
147
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ولق صة أم رومان أو أم مروان أن ا ارتدت فا ستتابا ال نب rثلثا فلم ت تب فقتل ها ،وق تل
أ بو ب كر امرأة ارتدت ب عد ا ستتابتها ثلثا ،وقيا سهم هذا يكون قيا سا ف مقابلة ال نص
والقاعدة تقول القياس ف مقابلة النص باطل ،وال أعلم .
ومنهـا :أن بعسض أهسل العلم قال بسسنية الدعاء بعسد رمسي المرة الثالثسة فس أيام
التشريق قياسا على الوقوف للدعاء عند المرتي الول والثانية ،وذهب أكثر العلماء إل
أن السنة عدم الوقوف وهو الق لديث ابن عمر عند البخاري وغيه أن النب rوقف
يدعو طويلً عند المرة الول والثانية وفيه (( ث رمى جرة العقبة ول يقف عندها)) وأما
قياسهم فهو قياس ف مقابلة النص والقياس ف مقابلة النص باطل ،وال أعلم .
ومن ها :ذ هب قل يل من أ هل العلم إل مشروع ية الذان ل صلة الع يد قيا سا على
الفري ضة أو النداء ل ا ب س (ال صلة جام عة) وقال بعض هم :ال سنة أن يق يم ل ا ،وذ هب
جاه ي أ هل العلم إل أن ال سنة أن ت صلى الع يد بل أذان ول إقا مة و هو ال صحيح لد يث
جابر بن سرة عند مسلم (( أن النب rصلى العيد بل أذان ول إقامة )) وأما قياسهم فهو
قياس ف مقابلة النص والقياس ف مقابلة النص باطل ،وال أعلم .
ومن ها :قول بعض أن الشروع ف التي مم أن يبلغ به إل الرفق ي وا ستدلوا بدليل ي
بد يث ا بن ع مر (( التي مم ضربتان ضر بة للو جه ،وضر بة لليد ين إل الرفق ي )) رواه
الدارقط ن ،والثا ن قيا سا على غ سل اليد ين ف الوضوء ،وقال بعض هم إن الشروع هو
مسح الكفي فقط وهو الق لديث عمار بن ياسر وفيه (( إنا يكفيك أن تقول بيديك
هكذا وضرب بكفيسه الرض ضربسة واحدة ومسسح الشمال على اليميس وظاهسر كفيسه
ووجهه )) متفق عليه ،وأما حديث ابن عمر فهو ضعيف مرفوعا ،وأما قياسهم فهو ف
مقابلة النص والقياس ف مقابلة النص باطل ،وال أعلم .
ومنها :ذهب بعض أهل العلم أن الن نس واستدلوا بالقياس على الذي بامع أن
كل منهما يرج بسبب الشهوة ،وذهب الكثر إل طهارته وهو الراجح لديث عائشة
قالت (( كان ر سول ال rيفرك ال ن من ثو به فركا ث ي صلي ف يه )) رواه م سلم ،و ف
رواية (( لقد كنت أحكه يابسا بظفري من ثوبه )) ومعلوم أن الك ل يزيل عينه بالكلية
148
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ولديث ابن عباس (( إنا هو بنسزلة الخاط والبصاق فيكفيك أن تسحه عنك برقة أو
بإذخره )) وأما قياسهم فهو قياس ف مصادمة النص وقياس مع الفارق وال أعلم.
ومن ها :قال ب عض الغفل ي بواز حلق اللح ية قيا سا على إزالة سائر شعور البدن
بامع أن كل منهما شعر ،وذهب من يعتد بقوله إل تري حلقها وهو الصحيح بل شك
للحاديسث الصسحيحة الصسرية الواردة فس ذلك كحديسث ابسن عمسر (( حفوا الشوارب
وأعفوا الل حى )) وغيه ،وأ ما قيا سهم فقياس ف مقابلة ال نص والقياس ف مقابلة ال نص
باطل وال أعلم .
ومنها :قياس الشركي جواز الربا على جواز البيع فإن كل منهما فيه مبادلة منفعة
ك ِبَأّنهُ مْ قَالُوا ِإنّمَا اْلبَيْ ُع ِمثْلُ الرّبَا َوأَحَلّ اللّ ُه اْلبَيْ َع وَ َحرّ مَ الرّبَا [
قال ال جل وعل ] ذَلِ َ
فهذا نسص يقضسي على جيسع أنواع الربسا بختلف أشكالاس ويقضسي على جيسع القيسسة
الفاسدة الت تلحق الربا بالبيع وال أعلم .
ومنها :ذهب بعضهم أن من أتى بيمة طبق عليه حد الزنا قياسا على الزنا بالدمية
با مع أن كل منه ما إيلج ف فرج أ صلي ،وذ هب بعض هم أن عقوب ته الق تل لد يث
ا بن عباس (( من أ تى بي مة فاقتلوه واقتلو ها )) وأقول إن صح هذا الد يث فإ نه ي ب
ال خذ به ويترك ما عداه من القياس لن هذا القياس حينئ ٍذ يكون فا سد العتبار لقابل ته
للنص ،لكن نتاج أولً للبحث ف سند هذا الديث وطرقه وال أعلم .
ومن ها :ذ هب النف ية إل عدم وجوب الت سبيع والتتر يب ف غ سل نا سة الكلب
واستدلوا بأدلة منها :قياس ولوغ الكلب على العذرة فالعذرة أشد وأغلظ ناسة منه ومع
ذلك ل يبس التسسبيع فس غسسلها فكذلك ناسسة الكلب ،فإذا كانست العذرة مسع غلظ
ناستها ل يب فيها التسبيع فمن باب أول ولوغ الكلب ،قال المهور :هذا قياس ف
مقابلة النص الصحيح الصريح وهو حديث أب هريرة ف ولوغ الكلب والقياس ف مقابلة
النص فاسد العتبار .
ومن ها :ذ هب ب عض العلماء إل جواز التداوي بال مر وقا سوها على جواز ال كل
من اليتة للمضطر عند الضرورة ،وذهب جاهي الئمة إل حرمة التداوي با واستدلوا
على ذلك بقوله (( rول تتداو برام )) وقد ثبت ف الصحيح عن النب rأنه سئل عن
149
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
150
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
151
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
روى شيئا زائدا على مسا رواه الثقات فل يلو إمسا أن تكون هذه الزيادة مالفسة لاس رووه
وإما ل ،فإن كانت مالفة فالق إلغاؤها والخذ برواية الثقات والقتصار عليها لن هذه
الزيادة حينئ ٍذ تكون من قبيل الشاذ ،والشاذ قسم من أقسام الضعيف .
ط أو صفةٍ أو حكمٍ أو حرفٍ وأما إذا كانت موافقة لا رووه لكن بزيادة قيدٍ أو شر ٍ
يتغيسبسه العنس فهذه الزيادة هسي التس نعنيهسا بذه القاعدة وهذا القيسد أيضا مهسم جدا ،
فصارت القاعدة بذا لا شرطان ،أي أن ما زاده الثقات فإنه ل يقبل إل بشرطي :
الول :أن تكون من ثقة فتخرج زيادة من عداه .
الثانـ :أن ل تكون هذه الزيادة مالفسة لروايسة الثقات ،فإذا تقسق هذان الشرطان
و جب قبول ا واعتماد ها ل ا يأ ت من الدلة إن شاء ال تعال ،ون ن ه نا ل نتكلم عن
الديث الستقل الذي ينفرد به الثقة وإنا نتكلم عن الديث الذي يرد به الثقات عن شيخٍ
ث ينفرد أحد هم بزيادة شيءٍ ل يذكره سائر الثقات من إخوا نه ،فهذه الزيادة ال ت انفرد
با هذا الثقة هي الت نتكلم عن حكمها ،فهل تقبل أو ل ؟
أقول :القاعدة ت نص على أن ا تق بل بشرط ها و هو ما قدم ته لك ق بل قل يل ،إذا
علمت هذا فاعلم أنه قد دل على وجوب قبولا عدة أدلة :
منها :أن الثقة إذا انفرد برواية حديث كامل ،فإنه يب قبول روايته فكذلك من
باب أول إذا انفرد بكلمةٍ أو حر فٍ عن سائر الثقات وهذا قياس صحيح مستوفٍ لميع
أركا نه ،فال صل رواي ته للحد يث ا ستقل ًل وانفراده به ،والفرع رواي ته لذه الزيادة ،
والعلة وجوب القبول والكم ،كما أنه يب قبول روايته إذا انفرد با فكذلك يب قبول
زيادته النفرد با .
و من الدلة أيضا :أن العدل الضا بط مأمون صادق فإذا أ خب بشيءٍ ي كن وقو عه
فإنه يب قبول خبه ،وهذه الزيادة قد أخب با الثقة العدل الأمون الصادق وهي ف شي ٍء
يكن وقوعه ول يالف با الثقات فإذا شروط القبول فيها مستوفاة فما الداعي لردها وما
الجة ف عدم قبولا .
و من الدلة أيضا :أن العادة ل ت نع أن ينفرد الث قة بشيءٍ دون الثقات فل يس ذلك
بستحيلٍ شرعا ول عرفا ،بل هو واقع والوقوع دليل الواز .
152
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
153
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
العدول الثبات ،فهل نسيانه لذا الديث يقدح ف رواية عمار له ؟ بالطبع ل ،ولذلك
فل غرابة أن يفظ بعض الثقات ما ل يفظه الخر .
ومـن ذلك أيضا :أن بعسض الثقات قد يكون ألزم للشيسخ من غيه من الثقات ،
في سمع ما ل ي سمعون وي ضر مال يضرون وي فظ ما ل يفظون كحال أ ب هريرة t
ك ما روى البخاري من حد يث ا بن شهاب عن العرج عن أ ب هريرة أ نه قال " :إن
إخوان نا من الهاجر ين كان يشغل هم ال صفق بال سواق ،وإن إخوان نا من الن صار كان
يشغلهم العمل ف أموالم وإن أبا هريرة كان يلزم رسول ال rيشبع بطنه ويضر ما ل
يضرون وي فظ ما ل يفظون " وهذا معروف بالتجر بة فإن الشا يخ ل ي ستوي الطلب
عندهم غالبا ،بل من الطلب من يكون كظل الشيخ ومن الطلب من ل يرى الشيخ إل
ف الل قة ف قط ،في سمع الول ما ل ي سمع الثا ن ،و من الذي ين كر هذا ،فل عل هذه
الزيادة سعها ذلك الثقة ف وقتٍ انفرد به مع الشيخ ،وهذا متصور كما ذكرنا .
و من ذلك أيضًا :أن ب عض الثقات حر يص على الضور للحل قة من أول الدرس
وبعضهم قد يتأخر حضوره فيسمع الول ما ل يسمعه الثان ،فيوي الثان ما سعه ويزيد
الول عليه ما فات الثان ،وهذا متصور ،بل قد وقع ف العهد النبوي كما ف صحيح
مسسلسسم وسسنن أبس داود والترمذي والنسسائي مسن حديسث عقبسة بسن عامرٍ tقال " :
كانت علينا رعاية البل فجاءت نوبت فروحتها بعشي فأدركت رسول ال rقائما يدث
الناس فأدركت من قوله (( :ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ث يقوم يصلي ركعتي
يقبل عليهما بقلبه ووجهه إل وجبت له النة)) ،فقلت :ما أجود هذا ،فإذا رجل بي
يدي يقول :الت قبلها أجود ،فنظرت فإذا عمر بن الطاب tقال ( :ما منكم من أح ٍد
يتوضأ فيسبغ الوضوء ث يقول أشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا عبده ورسوله إل فتحت
له أبواب النسة يدخسل مسن أيهمسا شاء) فهذا عمسر سسع شيئا ل يسسمعه عقبسة رضسي ال
عنهما ،لتأخر عقبة عن الضور .
و من ذلك أي ضا :أن يكون الش يخ حدث بالد يث ف مل سي فحدث بالد يث
مرة ف ملس فسمعه بعض الثقات ،ث حدث به ف ملس آخر بزيادةٍ عن الجلس الول
لكن ل يضر جيع من كان ف الجلس الول وإنا بعضهم فيحفظ الخرون ف الجلس
154
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الثان ما ل يفظه الولون ف الجلس الول ،وهذا متصور وذلك كحديث أب سعيدٍ t
ح يث روى حد يث الذي ين يه ال بال نة فيتم ن ح ت تنق طع الما ن فقال ال له (( :أل
ترضى أن تكون لك الدنيا ومثلها معها )) ،وكان أبو هريرة يزيد على أب سعيد فيقول :
(( فإن لك ما تن يت وعشرة أمثاله م عه )) فكان أ بو سعيدٍ ين كر ذلك ويقول :ل أ سعه
من النب ، rوأبو هريرة يقول :قد سعته أنا ،وكلها صادق بأب ها وأمي رضي ال
عنه ما .فهذا يت مل أن يكون ال نب rقد حدث بالزيادة ال ت روا ها أ بو هريرة ف ملس
آخر ل يكن فيه أبو سعيد .
فإذا كل هذه الدلة تفيدك أنه ل استحالة ف أن ينفرد الثقة بشيءٍ عن سائر الثقات،
ومن منعه فإنه ليس معه إل الهل ومالفة الس والعادة .فهذه الزيادة الت انفرد با الثقة
هي من هذا القبيل فل وجه لردها مع احتمالا وإمكانا والذي أخب با ثقة ول يالف با
الثقات ،فالصواب إذا بل شك هو قبولا واعتمادها والكم بقتضاها – هذا ما ندين ال
جل وعل به – ولكن كما ذكرت لك سابقا أن النتفع بذه القاعدة حق النتفاع هو من
يرص على ج ع الطرق وتتبع الروايات ،وخصوصا الحاديث الت لا وقع ف الحكام
كحديث السيء صلته ،وحديث جابر ف صفة الج ،وحديث أنس الطويل ف أنصبة
الزكاة وغيها من سائر أحاديث الحكام ،فطوب لن اشتغل با ث طوب ،ويا ليت ف
الوقت متسع حت نتمكن من ذلك ،لكنها دعوة لن وسع ال عليه ف علم الديث ورزقه
صبا على تت بع روايا ته وج ع طر قه ،وأ ما أ نا فبضاع ت مزجاة ،ومراج عي قليلة وال
الستعان ول حول ول قوة إل بال .
والقصود :أن زيادة الثقة مقبولة لا ذكرته من الدلة وقد خالف ف ذلك قوم لكن
ل دليل معهم إل اليالت الت ل ورد لا ول صدر ،فل نشتغل بالواب عنها ويكفيك
معرفة القول الراجح بدليله .ول يبق إل ذكر الفروع حت يتم فهمها وترى كيف أثرها
ل أو
ف الترج يح ب ي القوال ،و سوف أذ كر لك من الفروع ما يضر ن فإن رأ يت خل ً
تاوزا فليكن حسن الظن مقدما على ضده فأقول وبال التوفيق :
فمن الفروع :اعلم رحك ال تعال أن النب rقد علم أبا مذورة الذان ولشك
وعلمه فيه الترجيع ،لكن روى مسلم حديث أذان أب مذورة وذكر أن التكبي ف أوله
155
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
156
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
" :إذا أراد" زيادة مسن الثقسة ول يالف باس الثقات ،والزيادة مسن الثقسة مقبولة ،فانظسر
وفقك ال – كيف أزالت هذه الزيادة الشكال وأماطت اللثام ،وال أعلم .
ومنها :اختلف أهل الفضل والعلم هل يب ف الستجمار استيفاء ثلثة أحجار أو
الراد النقاء ،فلو حصل بواح ٍد أو اثني كفى .
أقول :مذهب المهور هو اشتراط استيفاء الثلث وذلك للدلة الكثية التواترة ف
ال مر بالثل ثة وال مر يقت ضي الوجوب ،وذهب النف ية إل عدم اشتراط الثلث بل الراد
النقاء فلو ح صل بأ قل لك فى وا ستدلوا – رح هم ال تعال – بد يث ا بن م سعود ع ند
البخاري وغيه " أن ال نب rأ تى الغائط فأمر ن أن آت يه بثل ثة أحجار فوجدت حجر ين
والتمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة فأتيته با ،فأخذ الجرين وألقى الروثة وقال :
((هذا ركس))" فقال النفية :لو أن استيفاء الثلثة شرط لطلب النب rثالثا ،لنه رمى
الروثة وإنا هي حجران فقط .
والواب :هو أن هذا الد يث رواه أح د والدارقط ن بزيادة مفيدة جدا و هي أن
ظ ع ند الدارقط ن ((ائت ن بغي ها))
ال نب rقال (( :هذا ر كس ،ائت ن بجرٍ)) ،و ف لف ٍ
وهي زيادة صحيحة من قبل سندها ،وقال الافظ عنها ف الفتح :ورجاله ثقات أثبات .
فإذا كان المر كذلك فل يستقيم استدلل النفية بالديث ،فإن هذه الزيادة تقضي على
مسا قالوه ،وعلى هذا فمذهسب المهور هسو الصسواب أن اسستيفاء ثلث مسسحات شرط
لصحة الستجمار ولو حصل النقاء بدونا ،وال أعلم .
ومنها :استدل بعض الفضلء من أسيادنا أهل العلم – رحهم ال تعال – على أن
الروث جيعه نس بديث ابن مسعود التقدم ووجه الشاهد أن النب rقال ف الروثة :
((إنا ركس)) وف رواية ((إنا رجس)) والرجس النجس ،لكن هذا الذهب ل يالفه
ال صواب ،ذلك لن هذه الرو ثة ال ت أ تى ب ا ا بن م سعود ورد الف صاح عن حقيقت ها ف
زياد ٍة رواها ابن خزية ف صحيحه من طريق عبد الرحن بن السود عن علقمة عن ابن
م سعود وف يه "فأتي ته بجر ين ورو ثة حار" ،و هي زيادة صحيحة لن ا من ث قة فحق ها
القبول ،فل ي تم إذا تنجيس ج يع الروث من كل اليوانات ،بل الدلة ال صحيحة دلت
على جواز الصسلة فس مرايسض الغنسم ول تلو غالبا مسن روثهسا ،وأجازت شرب بول
157
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
158
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
159
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
قلنا :نعم فيه زيادة لكنها من طريق ضعيف فإن عامر بن شقيق السدي الكوف
هذا ضع فه ا بن مع ي وقال أ بو حا ت :ل يس بالقوي ول يس من أ ب وائل ب سبيل ،وقال
ضعّ فْ) فم ثل هذا ف القي قة
الا فظ ف التقر يب ( :ل ي الد يث) وقال الذ هب ( صدق ُ
زيادته هذه ل تقبل لنه ليس بثقة ،ونن نتكلم عن زيادة الثقة ،بل حت لو كان عامر
هذا ث قة فإن زياد ته هذه ل تق بل أيضا ل نه خالف الثقات ،فإن ج يع الثقات الذ ين رووا
حديث عثمان ذكروا التثليث ف جيع العضاء إل الرأس فاتفاقهم هذا دليل على أنه ليس
بحفوظ ،فعلى تضعيفه تكون زيادته منكرة ،وعلى توثيقه تكون شاذة ،وال أعلم .
قال الشافع ية :ورو يت زيادة التثل يث أيضا ع ند الدارقط ن من طر يق صال بن
عبد البار حدثنا ممد بن عبد الرحن بن البيلمان عن أبيه عن عثمان بن عفان أنه توضأ
بالقاعد فذكر الديث ،فذكر فيه التثليث ف جيع العضاء .
قلنـا :نعسم فيسه زيادة التثليسث لكسن مسن طريسق كله ظلمات ،قال ابسن القطان :
" صال بن ع بد البار ل أعر فه إل ف هذا الد يث و هو مه سول الال " اه س ،وأ ما
ممد بن عبد الرحن البيلمان هذا فقال عنه يي بن معي " ليس بشيء " وقال أبو حات
والبخاري والن سائي " من كر الد يث ،وقال أ بو حا ت " مضطرب الد يث " ،وقال ف يه
أحدس بسن عدي :وكسل مسا يرويسه ابسن البيلمانس فالبلء فيسه منسه " اهسس ،وأمسا أبوه
عبد الرحن بن البيلمان فضعيف الديث أيضا ،قال عنه أبو حات :لي الديث ،وقال
البزار :له مناكي ،وقال الدارقطن :ضعيف ل تقوم به حجة إذا وصل الديث فكيف
با يرسله ،وذكره ابن الوزي ف الضعفاء ،وقال الافظ ف التقريب " ضعيف " .
قلت :فإذا هذه الزيادة ليست من الثقات بل من طريق الجاهيل والضعفاء فحقها
الطراح لننا نبحث ف زيادة الثقات .
قال الشافع ية :ورو يت زيادة التثل يث أيضا ع ند الدارقط ن من طر يق أ ب يو سف
القاضي عن أب حنيفة عن خالد بن علقمة عن عبد خي عن علي أنه توضأ فغسل يديه
ثلثا فذكر الديث وفيه (ومسح رأسه ثلثا).
قلت :نعم فيه زيادة التثليث لكنها زيادة ل تقوم با الجة لمرين :
160
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الول :لنا من طريق المام أب حنيفة وهو حجة ف الفقه والرأي وبر ل يشق له
موج ،وفقيه ل يارى ،وعال نرير ،لكنه ف هذه الزيادة قد خالف من هو أوثق منه ،
فإن جيع الثقات رووه بالرة الواحدة كزائدة بن قدامة وسفيان الثوري وشعبة وأب عوانة
وشر يك وأ ب الش هب جع فر بن الارث وهارون بن سعد وجع فر بن م مد وأبان بن
تغلب وعلي بن صال وحازم بن إبراه يم وحسن بن صال وجع فر الح ر فهؤلء كل هم
رووه عن علقمة بلفظ (ومسح رأسه واحدة) قاله المام الدارقطن ،ورواه أبو حنيفة عن
علقمة فقال (ومسح برأسه ثلثا) فلشك أن هذه الزيادة شاذة لن أبا حنيفة مع توثيقه
ف قد خالف الثقات ،ومال فة الثقات شذوذ ،وأ ما مع القول ال خر فزيادته هذه منكرة ،
وعلى كل القول ي ف هي زيادة ضعي فة وف يه طرق أخرى م ستوفاة ف ك تب الد يث ل كن
جيع الطرق ل تلو من مقال ،فالق القيق هو كما قاله الشوكان ف النيل فإنه قال :
(والن صاف أن أحاديث الثلث ل تبلغ إل درجة العتبار ح ت يلزم التمسك با ل ا فيها
من الزيادة فالوقوف على ما صح من الحاديث الثابتة ف الصحيحي وغيها من حديث
عثمان وعبد ال بن زيد وغيها هو التعي لسيما بعد تقييده ف تلك الروايات السابقة
بالرة الواحدة … ال) .
وهذا هو القول الرا جح إن شاء ال تعال و هو اختيار ش يخ ال سلم أ ب العباس بن
تيمية رحه ال تعال ،وال أعلم .
ومنها :روى البخاري ف صحيحه من طريق مالك عن أب الزناد عن العرج عن
أبس هريرة قال " :إن رسسول ال rقال (( :إذا شرب الكلب فس إناء أحدكسم فليغسسله
سبعا))" فأ نت ترى أ نه اقت صر على ال مر بالغ سل سبعا من غ ي بيا نٍ لش يء آ خر ،فل
ندري هل هي سبع بالاء جيع ها أم م عه غيه ،فبحث نا فوجد نا المام م سلم روى ف
صحيحه قال " :حدثنا زهي بن حرب حدثنا إساعيل بن إبراهيم عن هشام بن حسان عن
ممد بن سيين عن أب هريرة قال :قال رسول ال (( : rطهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه
ت أول هن بالتراب))" وهذه زيادة مفيدة جدا و هي من ا بن الكلب أن يغ سله سبع مرا ٍ
سيين رحه ال تعال وفيها بيان لمرين :أن السبع فيها غسله بالتراب ،وأن هذه الغسلة
هي الول ،و هي زيادة من ثقةٍ ول يالف ب ا الثقات ،والزيادة من الث قة مقبولة ،ث
161
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وجد نا زيادة أخرى ف صحيح م سلم فروى ف صحيحه قال " :حدث ن علي بن ح جر
سهِر أخبنا العمش عن أب رزين وأب صال عن أب هريرة
ال سعدي حدثنا علي بن مُ ْ
قال :قال رسول ال (( : rإذا ولغ الكلب ف إناء أحدكم فليقه ث ليغسله سبع مرات))"
والزيادة ف قوله (فليقه) وهي أمر بإراقة هذا الاء وهي من طريق الثقات والزيادة من الثقة
مقبولة ،فقلنا :تب إراقة هذا الاء عملً بذه الزيادة .
سسوّار بسن عبسد ال
قلتس :قسد روى المام الترمذي فس جامعسه قال :حدثنسا َ
فإن َ
الع نبي حدث نا العت مر بن سليمان قال سعت أيوب يدث عن م مد بن سيين عن
أب هريرة عن النب rأنه قال (( :يغسل الناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولهن أو
آخر هن بالتراب ،وإذا ول غت ف يه الرة غ سل مرة)) وقال أ بو عي سى هذا حد يث ح سن
صحيح أه س ،فهذا الد يث هو الد يث الذي رواه المام عن م مد بن سيين عن
أبس هريرة لكسن روايسة الترمذي هذه وقسع فيهسا زيادتان :الول :أنسه قال (أولهسن أو
آخرهن) وليس ف رواية مسلم إل قوله (أولهن) فماذا يقال ف زيادة الترمذي هذه ؟
فأقول :إن هذه الزيادة ل كلم لنسا فس إسسنادها فإنمس ثقات أثبات جيعهسم لكسن
الكلم ف متن ها فكل مة (أو) ف الل غة تت مل أمورا من أه ها :التخي ي ،هذا إذا كا نت
مرفوعة أي أن النب rخي ف غسلة التراب فإن شئت فاجعلها الول وإن شئت فاجعلها
الخية ،وهذا فيه توسيع على الكلفي .
وإن كانت (أو) للشك فإنا تنسب لراويها أي أن الراوي عن ابن سيين شك هل
قال :أولهن أو آخرهن ،وحينئذٍ فلبد من الترجيح بي الروايتي ،ولشك أن النصف
يرجح رواية (الول) وسبب الترجيح أمور :
من ها :أن أك ثر الرواة عن ا بن سيين روو ها بل فظ (أول هن) جازم ي ب ا ،قال
الافظ ف الفتح :وهي رواية الكثر عن ابن سيين أهس .
ومنها :أنم أحفظ أي رواة (أولهن) أحفظ من رواة الشك .
ومنهـا :مسن حيسث العنس فإنسك إن جعلت التراب الول أزاله مسا بعده مسن
الغسلت ،لكن إن جعلتها الخية اقتضى ذلك الحتياج إل غسلةٍ أخرى لتنظيفه .
162
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
إذا علمست هذا فالقرب عندي وال أعلم أن (أو) فس روايسة الترمذي للشسك وأن
روا ية (أول هن) أر جح من روا ية (أخر هن) فنقول :إذا ولغ الكلب ف الناء فإ نه ي ب
إراقته وغسله سبعا الول بالتراب ،هذا هو ما تفيده هذه الزيادات .
الزيادة الثانية ف رواية الترمذي ((إذا ولغت فيه الرة غسل مرة)) فهذه الزيادة طعن
فيهسا بعسض الفاظ فقال :إناس ليسست مسن كلم النسب rوإناس هسي مدرجسة مسن كلم
أبس هريرة tورفعهسا وهسم مسن بعسض الرواة ،والحفوظ أناس موقوفسة ،قال البيهقسي :
والصحيح أنه ف ولوغ الكلب مرفوع وف ولوغ الر موقوف أهس .وقد رواه الدارقطن
ف سننه من حديث قرة بن خالدٍ عن ابن سيين عن أب هريرة موقوفا ووافقه عليه جاعة
مسن الثقات ،فعلى هذا تكون هذه الزيادة مسن قول الصسحاب ،أي مسن قبيسل الوقوف ،
ول تعلق لا ببحثنا لننا نبحث ف الزيادات الت لا حكم الرفع وسيأت الكلم على قول
الصحاب إن أمَدّ ال ف العمر إن شاء ال تعال .
وأيضا على جعلهسا مسن قبيسل الرفوع فإن المسر بغسسل ولوغ الرة يعطسى حكسم
السستحباب ل الوجوب لن سؤرها ظا هر لديسث أبس قتادة أن ال نب rقال ف الرة :
س إن ا من الطوافي عليكم والطوافات )) و هو حديث صحيح ،وال((إن ا لي ست بنج ٍ
تعال أعلى وأعلم .
ومنها :حديث السيء صلته ،وهو حديث عظيم جدا قد أخرجه السبعة وغيهم
،وفيسه زيادات جيلة جدا تلس كثيا مسن الشكالت الفقهيسة وهسو عمدة فس معرفسة
واجبات الصلة ،وأرى أن الكلم عليه يطول ،فهل أحد من طلبة العلم جعه لنا بطرقه
ف مستقل فإنه وال عمل ضخم نافع جليل وفوائده ج ٌة ل تعد ول تصى ،فأسأل ف مؤل ٍ
ال تعال أن ييسسر له مسن ييسط اللثام عنسه ،ويلم أطرافسه ،ويؤبسد شوارده إنسه ول ذلك
والقادر عليه ،فإن فيه من الزيادات ما هو ف غاية الهية وال الستعان .
ومنهـا :روى المام مسسلم بسسنده عسن عمسر tأنسه قال " :قال رسسول ال : r
(( ما منكم من أح ٍد يتوضأ فيسبغ الوضوء ث يقول :أشهد أل إله إل ال وأن ممدا عبده
ورسوله إل فتحت له أبواب النة الثمانية يدخل من أيها شاء ))" فالديث إل هذا الد
ل زيادة فيه ،لكن وجدنا زيادة عن المام الترمذي فقال ف جامعه " :حدثنا جعفر بن
163
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ممد بن عمران الثعلب الكوف ،حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صال عن ربيعة بن
يزيد الدمشقي عن أب إدريس الولن وأب عثمان عن عمر – به – وفيه زيادة (اللهم
اجعلن من التوابي واجعلن من التطهرين)" فما القول ف هذه الزيادة ؟
فأقول :هذه الزيادة خطأ ،مالفة لرواية الثقات ،وذلك لن أبا عثمان وأبا إدريس
ف سند الترمذي قد رفعا الديث مباشرة إل عمر بن الطاب ، tوهذا الرفع فيه خطأ
ل كن ل أ ظن ال طأ إل من الترمذي أو من شي خه وإل فجم يع من فوق شي خه قد رووا
الديث عن عقبة بن عامرٍ عن عمر رضي ال عنهما بدون هذه الزيادة ،فقد رواه أحد
ومسلم وابن خزية من طريق معاوية بن صال عن ربيعة بن زيد عن أب إدريس الولن
عن عق بة ،وكذلك رواه أح د وا بن خزي ة وأ بو داود من طر يق معاو ية بن صال عن
أب عثمان عن جبي بن نفي عن عقبة ،وكل هذه الطرق ليس فيها ذكر زيادة الترمذي ،
فال كم على هذه الزيادة بالشذوذ هو ال صواب ،لن الترمذي وشي خه ثقات ول شك ،
لكنهسسم خالفوا بذه الزيادة روايات الثقات والثقسسة إذا خالف الثقات فحديثسسه شاذ ،
فالصواب إن شاء ال تعال أن هذه الزيادة شاذة وال الوفق والادي .
فإن قلت :قد روى أ بو داود ف سننه قال :حدث نا ال سي بن عي سى ،حدث نا
عبد ال بن يزيد القرئ عن حيوه بن شريح عن أب عقيل عن ابن عمه عن عقبة بن عامر
الهن عن النب rنوه ،ول يذكر أمر الرعاية ،قال عند قوله (فأحسن الوضوء) ث رفع
بصره إل السماء أهس .فأنت ترى أن ف هذا الطريق زيادة (ث رفع بصره إل السماء)
فهل هي زيادة مقبولة أو ل ؟
قلت :ل ،ل تقبسل وذلك لناس ليسست عسن ثقسة فإن ابسن عسم عقيسل هذا مهول
ل يعرف ،فالزيادة هذه منكرة ،لنسه خالف باس الثقات وننس قسد اشترطنسا فس الزيادة
القبولة شرطي :أن تكون عن ثقةٍ ،وألّ يالف با الثقات ،وال أعلم .
ومنها :حديث طلق بن علي tعند أحد وأهل السنة وغيهم قال :قال النب : r
(( إذا فسا أحدكم ف الصلة فلينصرف فليتوضأ )) فهذا الديث فيه المر لن أحدث ف
الصلة أن ينصرف ويتوضأ لكن إذا توضأ هل يبن على ما مضى من صلته أو يستأنف
صلة جديدة ؟ ف يه خلف ،فقال الب عض :يب ن على صلته لد يث عائ شة ر ضي ال
164
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
عنها ( :من أصابه قيء أو رعاف أو قلسٍ أو مذي فلينصرف وليتوضأ ث ليب على صلته
وهو ف ذلك ل يتكلم) رواه ابن ماجه ،وقال الكثر :بل صلته الت أحدث فيها بطلت
فيسستأنف صسلة جديدة ،والدليسل على ذلك هسو الديسث الذكور فس أول الفرع لكسن
بزيادة (وليعد الصلة) فإنه قد تفرد با جرير بن عبد الميد ول يضر تفرده با لنه إمام
ثقة والزيادة من الثقة مقبولة وهي نص ف مل الناع .
وأما حديث عائشة الذي ذكروه فهو حديث ل تقوم بثله حجة فهو منكر ل يصح
رفعه للنب rكما صرح بذلك أئمة هذا الشأن كالمام الشافعي وأحد وأب زرعة وممد
بن ي ي الذهلي وا بن عدي وأ ب حا ت والدارقط ن ،فهذا ل يوز أن يث بت بثله ح كم
شرعي فترجح ما قلناه وال أعلم .
ومن ها :حد يث جابر ف ال صحيحي وغيه ا قال :قال ال نب (( rأعط يت خ سا
ل يعطهسن أحسد مسن النسبياء قبلي … فذكسر منهسا (( :وجعلت ل الرض مسسجدا
س مسن التراب والرمسل والدار وطهورا )) فكلمسة (الرض) عامسة لاس تصساعد على وجهه ا
والصى ونوها ،وبذا استدل من قال بواز التيمم با صعد على وجه الرض .
ول كن روى م سلم من حد يث حذي فة (( وج عل تربت ها ل نا طهورا )) فهذه الزيادة
خصت الطهورية بالتراب ،ومثلها ما رواه أحد بسنده عن عبد ال بن ممد بن عقيل عن
ممد بن علي عن علي بن أب طالب tبلفظ (( وجعل التراب لنا طهورا )) وبذه الزيادة
استدل من قال بأنه ل يستعمل ف التيمم إل التراب .
قلت :وهي زيادة مقبولة ولشك لنا من ثقة وزيادة الثقة مقبولة ،لكن ل تصلح
لتخصسيص العموم فس قوله (( وجعلت ل الرض مسسجدا وطهورا )) وذلك لن التراب
بعض أفراد الرض وذكر بعض أفراد العام بك ٍم يوافق حكم العام ل يكون تصيصا وإنا
يف يد الهتمام ف قط ،بع ن أن الرض كل ها مطهرة والتراب مط هر ،فتخ صيص التراب
بالذ كر ل يس من قب يل التخ صيص لن الاص ل بد أن يالف ح كم العام ،أ ما إذا ات فق
الاص والعام ف الكم – كما هو هنا – فل تصيص .فالصواب أن التيمم يوز بكل
ما عل على الرض من ر مل و ترا بٍ ونوه ا وذلك ل يس لن نا ل نق بل الزيادة بل هي
مقبولة لكن لنا ل تصلح أن تكون مصصة للعام لوافقتها له ف الكم وال أعلم .
165
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
166
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
167
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
168
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فإذا ل يبق إل مرج واحد وهو أن يقال إنم سعوه من النب ، rوهذا هو الخرج
ال صحيح فل ها إذا ح كم الر فع ،فن حن وإن قل نا :إن ا لي ست بقرآ نٍ لكن ها تري مرى
الخبار الرفوعسة ،فلبسد مسن هذا الزم ،والذي جعلنسا نقول ذلك هسو عدالة الصسحابة
جيعا وأفرادا فهذه الكلمة الزائدة على الرسم العثمان لا حكم الرفع فهي بنسزلة السنة
القوليسة ،ولذلك قال بعسض النصسفي مسن أهسل العلم :إن هذه الزيادات غالبا تكون فس
قراءة ابن مسعو ٍد وعبد ال بن عمرو بن العاص وها من كتاب الوحي ،فربا أن النب r
كان يلي عليهم ما أنزل عليه من ربه وهم يكتبون ث سكت ث قال هذه الزيادة من باب
التفسي ل أنا قرآن فكتبها بعضهم ظنا منه أنا قرآن فكان يقرأ با جازما بأنا قرآن لنه
سعها من فّ ال نب ، rفإذا اتفق نا وإيا كم على أن ا لي ست بقرآن فإن ا ل ت قل عن مرت بة
ال سنة الحاد ية ،وتقدم ل نا أن أخبار الحاد ح جة إذا صح سندها ول تن سخ ،وبذلك
تعلم أن تطويلت بعض الصوليي فيها ورده لا ل وجه له .
والقصسود :أن القول الراجسح إن شاء ال تعال أن القراءة الشاذة حجسة إذا صسح
سسندها ول تنسسخ ،هذا هسو شرح القاعدة مسن باب التنظيس ،وبقسي شرحهسا مسن باب
التفريسع فأقول :إن فروعهسا قليلة لكنهسا مؤثرة فس الفقسه واللف ولذلك سسأذكر منهسا
ما يضرن الن فأقول وبال التوفيق :
من ها :اختلف العلماء رح هم ال تعال ف صوم الكفارة – أع ن كفارة اليم ي –
هل يب فيه التتابع أو ل ؟ على قولي ،منهم من قال يب ذلك ومنهم من قال ل يب
والر جح إن شاء ال تعال الوجوب وذلك لقراءة ا بن م سعود وأ ب بن ك عب أن ما كا نا
يقرآن ] :ف صيام ثل ثة أيا مٍ متتابعات [ و قد صح سندها ،ف قد أخرج ها ا بن جر ير من
طريق قزعة بن سويد عن سيف ابن سليمان عن ماهد قال :ف قراءة عبد ال ] فصيام
ثلثة أيامٍ متتابعات [ .ولا طريق آخر عن ماهد عند البيهقي من طريق سعيد بن منصور
عن سفيان عن ابن أب نيح عن عطاء عن ماهدٍ به ،وقال السيوطي ف الدر النثور عن
هذا الديث " :وأخرج عبد الرزاق وابن أب شيبة وعبد بن حيد وابن جرير وابن النذر
وابن النباري وأبو الشيخ والبيهقي عن طر قٍ عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها ] فصيام
ثلثة أيا مٍ متتابعات [ " اهس ،وقد صححها العلمة الحدث اللبان رحه ال تعال فإذا
169
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
صحت فب قي القول بقتضا ها فيكون التتا بع واجبا ف صيام كفارة اليم ي ،وهكذا شأن
الصيام ف الكفارات ككفارة الظهار والقتل والماع ف رمضان ،ولن التتابع فيه خروج
من اللف ،ولن القراءة الشاذة حجة على الراجح إذا صح سندها ،وال أعلم .
ومن ها :اختلف العلماء -رح هم ال تعال -ف تف سي قوله تعال ] :ثَلَثةَ قُرُوءٍ[
على قول ي ،واللف قد ي من ع صر ال صحابة فقالت عائ شة وغي ها القرء هو الط هر ،
وقال ن فر من أ صحاب ال نب rالقرء هو ال يض ،وا ستدل من قال إن القرء هو الط هر
بقوله تعال ] :فَطَّلقُوهُنّ ِلعِ ّدِتهِنّ[ وهذا نص ف أن عدة الرأة هو الطهر ،لن اليض ل
يوز إيقاع الطلق فيه ،ويؤيد ذلك حديث ابن عمر حي طلق امرأته وهي حائض فأمره
رسول ال rأن يراجعها حت تطهر ث يطلقها طاهرا من غي جاع ث قال(( :فتلك العدة
الت أمر ال أن يطلق لا النساء)) وهذا نص ف السألة :أن العدة هي الطهر ل اليض .
واستدل الخرون بأدلة تدها ف موضعها ومن هذه الدلة :أن الية الذكورة أعن قوله
تعال ] :فَ َطّلقُوهُنّ ِلعِ ّدِتهِنّ[ وردت فيها قراءة شاذة بينت الراد با وهي قراءة ابن عبا سٍ
وابن ع مر ] يا أي ها الذين آمنوا إذا طلق تم الن ساء فطلقو هن ف ُقبُ ِل عدت ن [ و قد روا ها
مسلم ف صحيحه ،فلشك ف صحة سندها وقد صححها الشيخ أحد شاكر ف تعليقه
على الر سالة للمام الشاف عي ،و هي قراءة شاذة لخالفت ها للر سم العثما ن ل كن سندها
صحيح ،والقراءة الشاذة ح جة إذا صح سندها و هي تفيد نا أن الراد بال ية :أي بع ن
طلقو هن ف ا ستقبال عدت ن وإذا أ مر ال نب rأن يكون طلق الرأة ف طهرٍ ل ي سها ف يه
وأبان أن هذا هو الطلق الذي أذن ال بإيقا عه وأن ذلك هو العدة ال ت أ مر ال أن يطلق
ل ا الن ساء فل تكون العدة الط هر أبدا ،فل تكون إل ال يض ل نه أ مر بالطلق لت ستقبل
الرأة عدتا ،لن الطهر الذي أوقع الطلق فيه ل تستقبله الرأة إنا تستقبل ما بعده والذي
بعده هسو اليسض فيكون اليسض هسو العدة ،وهذا هسو الراجسح أن العدة هسي اليسض ل
الطهار فهذه القراءة أزالت الشكال ووضحست الراد فل يبقسى لمس فيهسا حجسة ،فإن
قالوا :إنا ليست بقرآن ،قلنا :نعم لكن هي خب آحاد صحيح وأخبار الحاد الصحيحة
يب العمل با .
170
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
171
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
والكذب والي شيء واحد ،وقد نص إمام النحاة سيبويه على جواز قول القائل :
مررت بأخيسك وصساحبك ،ويكسن الصساحب هسو بعينسه الخ .إذا فالواو هنسا لعطسف
الصسفات .وقال بعضهسم :على تسسليم التعارض بيس القراءة وبيس الحاديسث السسابقة
فلشك أن حديث علي وابن مسعودٍ أرجح منها سندا وأصرح منها ف الدللة .
وقال بعضهم :بل إن هذه القراءة منسوخة أعن زيادة (( وصلة العصر )) والدليل
على أن ا من سوخة حد يث الباء التقدم فإ نه صرح بن سخها بلف ظٍ صريح فإ نه قال :ث
ت وَالصّل ِة الْوُسْطَى [ وهذا الواب هو أصح
نسخها ال فنسزلت ] حَافِظُوا عَلَى ال صَّلوَا ِ
الجوبسة عندي لصسراحة هذا الدليسل ولعدم التكلف فيسه ،وقسد رواه مسسلم كمسا ذكرنسا
فتكون زيادة ] وصلة الع صر [ من سوخة ل كن اعلم أن هذا ما ن سخ لف ظه وبقي حك مه
وهو جائز وواقع كآية الرجم والدليل على بقاء حكمها الحاديث الصرحة بأن الوسطى
هي العصر ،فإن قلتَ :كيف تقول عائشة إذا " :سعتها من رسول ال " ؟
قلتُ :نعم صدقت وال الذي ل إله غيه ،لقد سعتها من النب rوقد كانت قرآنا
يتلى ،بل قال الباء " :فقرأناها ما شاء ال " وف رواية مسلم أيضا " فقرأناها مع النب r
زمانا " لكنهسا نسسخت وعائشسة وحفصسة ل تعلمسا بأناس نسسخت ،فالباء حفسظ القراءة
والنسخ وها حفظا القراءة فقط ،ومن حفظ حجة على من ل يفظ ،وهذا القول هو
الذي تتآلف به الدلة ول المد والنة فل إشكال وبال التوفيق وهو أعلم وأعلى .
172
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
وهذه القاعدة وإن كانست أصسولية لكنهسا عقديسة أيضا ،وهسي مفيدة جدا لطالب
العلم فبها يعرف الفرق بي مشروعية الصل ومشروعية الوصف ،وهل يتطلب الوصف
دليلً زائدا على دليل الصل أو يستدل له بدليل الصل ؟
هذا ما ستعرفه إن شاء ال تعال ف هذه القاعدة فأقسول :
إن الصل ف العبادات الطلق عن ثلثة أشياء :عن الصفة والزمان والكان ،أي
أن ال تعال كلفنا باعتقاد مشروع ية هذه العبادة ف قط من غ ي تعرض لصفتها ول لزمان ا
ول لكان ا ،ث ب عد ذلك وردت الدلة مددة الزمان والكان وال صفة ،وذلك م ثل قوله
تعال ] َوأَقِيمُوا ال صّلةَ [ إن ا هو دل يل على وجوب إقامت ها ف قط ،فل ي ستفاد م نه صفة
إقامت ها ول زمان إقامت ها ول مكان إقامت ها ،وكذلك قوله تعال ] وَلِلّ هِ عَلَى النّا سِ حِجّ
الَْبيْ تِ [ إن ا ي ستفاد م نه وجوب ال ج ف قط ،ل كن ل ي ستفاد م نه صفة ال ج ول زما نه
ول مكا نه ،وهكذا ال صيام ف قوله تعال ] ُكتِ بَ عََلْيكُ ُم ال صّيَامُ [ ي ستفاد م نه وجوب
الصوم فقط ،لكن ل يستفاد منه صفة الصوم ول زمانه ول مكانه ،فهذا دليل على أن
هذه الدلة إنا تثبت أصل شرعية العبادة فقط ،وأن صفة العبادة وزمانا ومكانا لبد له
من دليل آخر غي أدلة إثبات أصل الشروعية .
إذا صدق قولنا :الصل ف العبادات الطلق ،أي الصل أن كل عبادة مطلقة عن
الصفة والزمان والكان والطلق ل يوز تقييده إل بدل يل صحيح صريح ،ف من ق يد عبادة
بصفةٍ معينة أو مكا ٍن معي أو زمانٍ معي فهذا التقييد لبد له من دليل صحيح صريح وإل
فيكون من التشريع ف دين ال ما ل يأذن به ال تعال .
فالعبادات ي ب أن تب قى هكذا مطل قة ح ت يرد الدل يل الق يد ،وهذا الدل يل الق يد
لبد أن يكون دليلً غي الدليل الذي يثبت أصل الشروعية ،لن الدليل الذي يثبت أصل
الشروع ية ل يتعرض ل لو صفٍ ول لزما ٍن ول لكا نٍ ون ن إن ا نطلب الدل يل الث بت لذه
الصفة وهذا الزمان وهذا الكان .
173
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فإذا دليل الصل ل يصلح للستدلل به على إثبات الصفة ول الزمان ول الكان ،
و به تعلم أ نه ل بد من دل يل آ خر غ ي الدل يل الول ،فاح فظ فإ نك تق ضي به على بد عٍ
كثية واعتقادات باطلة يظن أهلها أنا مشروعة ويستدلون عليها بالدلة الت تثبت أصلها
ك ما ستراه ف الفروع إن شاء ال .فإذا ل يس كل ش يء مشروع بأ صله يكون مشروعا
بوصفه ،بل قد تكون العبادة مشروعة من أصلها لكنها منوعة بسبب وصفها .
وإذا ل تفهم هذا فإليك بعض الفروع حت يتضح لك المر إن شاء ال تعال فأقول
منها :الذكر الماعي ف أدبار الصلوات وف بعض الناسبات الذي يفعله كثي من
ال صوفية ،فإ نك إذا سألتهم عن دل يل ذلك قالوا :دليل نا قوله تعال ] اذْ ُكرُوا اللّ هَ ذِكْرا
َاتس [ وقولهّهس َكثِيا وَالذّاكِر ِِينس الل َ
َسسبّحُو ُه بُكْ َر ًة َوأَصسِيلً [ وقوله ] وَالذّاكِر َ
َكثِيا * و َ
] الّذِي َن يَذْكُرُو نَ اللّ هَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوِبهِ مْ [ ،وقال ال نب (( rل يزال ل سانك
رطبا بذ كر ال )) فترا هم ي ستدلون ب ثل هذه الدلة فحينئذٍ قل ل م :إن هذه الدلة على
الع ي والرأس لكن ها تث بت أ صل مشروع ية الذ كر أي أن نا ن ستفيد من ها مشروع ية الذ كر
ت منغ مة وأوقا تٍ معلو مة وأمكنةٍ
إجالً ل كن أن تم توقعون الذ كر ب صفاتٍ معي نة وإيقاعا ٍ
مر سومة ،فأ ين الدل يل على هذا التقي يد .فأ نا ل أطلب الدل يل على أ صل الذ كر ل كن
أطالب كم بالدل يل على إيقا عه على هذه ال صفة العي نة ،فأ ين الدل يل الث بت لذه ال صفة ؟
ذلك لن الصفة أمر زائد على أصل الذكر تتاج إل دليل زائد على مرد دليل الصل ،
لن شرعية الصل ل تستلزم شرعية الوصف ،فأنا ل أناقش ف (( سبحان ال والمد ل
ول إله إل ال وال أ كب )) بل أنا قش ف إيقاع ها على صفة معي نة ،و ف زمان مع ي .
فأ نت إذا قلت ذلك تكون قد ألقمت هم حجرا فل يدون جوابا ،ل كن لو ل تعرف هذا
الصل لعسر عليك الواب ،وبال التوفيق .
ومنها :الحتفال بالولد النبوي ،وهو ما ابتلي به السلمون ف هذه الونة ،وقد
حصسل أن ناقشست بعسض هؤلء فقلت له :أنتسم تتفلون بولد الصسطفى rوتتعبدون ل
بذلك الحتفال وترجون ثوابه يوم القيامة ،فهو عندكم عبادة من أعظم العبادات ،وقربة
من أج ّل القربات ،وقد تقرر عند أهل السلم أن العبادات مبناها على الظر والتوقيف
فل يشرع منهسا إل مسا عليسه دليسل صسحيح صسريح ،فأيسن الدليسل الدال على مشروعيسة
174
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
الحتفال بالولد النبوي ؟ فقال ل :نن نب رسول ال rأكثر من آبائنا وأبنائنا بل ومن
أنف سنا و قد قال (( rل يؤ من أحد كم ح ت أكون أ حب إل يه من ولده ووالده والناس
أجعي )) وقال ربنا جل وعل ] ِلُت ْؤ ِمنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ َوُتعَزّرُوهُ َوُتوَقّرُوهُ [ ،وقال ل :إن
ح به rفرض على كل م سلم ،بل ل ي صح اليان إل إذا كان rأ حب إلي نا م ا سواه ،
قال النب (( rثلث من كن فيه وجد بن حلوة اليان أن يكون ال ورسوله أحب إليه
م ا سواها )) فقلت له :ن عم إن ج يع ما قل ته حق حق يق ل تنب غي مالف ته ،ل كن هذه
الدلة الذكورة إن ا تدل على وجوب أ صل الح بة ،لكن أي الدل يل الدال على مشروعية
إيقاع هذه الحبة على هذه الصفة العينة وف هذا الزمان العي ؟ لنكم عبت عن مبتكم
لرسول ال rبالحتفال بولده سنويا ف يو مٍ معي ،فأين الدليل على ذلك ؟ وليس لك
أن تتج بالدلة الدالة على وجوب مبته فهذه الدلة ل تثبت جواز الحتفال بولده مع ما
يكون فيه من القصائد الكفرية والختلط السافر وتضييع الصلوات فبهت الرجل وقال :
أنتم ل تبون رسول ال ، rفقلت له :إن الحبة الصادقة مصداقها التباع ل البتداع ،
فالتعبي عن مبته rل يكون بكل شيء ،فليس لكل أح ٍد يعمل ف دينه ما يشتهي ،بل
حِببْكُ مُ
حبّو نَ اللّ هَ فَاّتبِعُونِي يُ ْ
التعبي عن مبته يكون بتابعته كما قال تعال ] ُقلْ إِ نْ ُكْنتُ مْ تُ ِ
اللّ ُه َوَي ْغفِرْ َلكُ مْ ُذنُوَبكُ ْم وَاللّ ُه َغفُورٌ َرحِي مٌ [ والق صود هو أن أدلة إثبات الح بة له rل
تك في لل ستدلل ب ا عن شرع ية الحتفال بالولد النبوي لن شرع ية ال صل ل ت ستلزم
شرعية الوصف وال أعلم .
ومنهـا :الطواف حول قبور الولياء والصسالي والعتقاد فيهسم أنمس يلبون خيا
ويدفعون شرا والنذر لم ونو ذلك ما يفعل عند قبورهم ،إذا قلت لن يفعل ذلك :ما
دليلك على مشروعية هذا ؟ قال لك :إن ال جل سبحانه قال ف كتابه الكري ] أَل ِإنّ
ح َزنُونَ [ وقال تعال ] ُأوْلَئِكَ ِحزْبُ اللّهِ أَل إِنّ ِحزْبَ
ف عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم يَ ْ
َأوْلِيَاءَ اللّهِ ل َخوْ ٌ
اللّ ِه هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ [.
قلنا :خبتم وخسرت وأخطأت طريقة الستدلل حيث أخرجتم الشرك الذي تفعلونه
عند قبور من تسمونم بالولياء والصالي ف ثوب الحبة والتقدير وإنزالم منازلم وأن
هذا من حقهم عليكم ،فشاهت الوجوه – ونعوذ بال منكم ومن حالكم – ول يكفكم
175
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ذلك حت استدللتم على شرككم بأدلة الشريعة الت جاءت بإنكار الشرك وماربة أهله –
ظلمات بعض ها فوق ب عض – فهذه الدلة في ها إثبات الول ية وإخبار عن حال أولياء ال
ال صالي ،فأ ين دللت ها على الطواف حول قبور هم والنذر ل م والذ بح ع ند أضرحت هم
وتقبيلهسا وغيس ذلك ،فإن هذه الشركيات التس تفعلوناس ل تدل عليهسا اليسة مطابقةً
ول تضمنا ول التزما ،ذلك لن شرعيسة الصسل ل تسستلزم شرعيسة الوصسف ،ويعنس
بالصل هنا إثبات الولية وحال الولياء ،ونعن بالوصف ما تفعلونه عند الولياء أو عند
قبورهم ،فالية إنا أثبتت المر الول فإثباتا للمر الول ل يستلزم منه إثبات المر الثان،
بل المر الثان يتاج إل دليل آخر ،وال أعلم.
ومن ها :اعتقاد تأ كد ال سواك ع ند الدخول للم سجد ،فإن ب عض الناس أو أحد هم
قال :ويسستحب السسواك عنسد دخول السسجد ثس شرع يسستدل على ذلك بالدلة الثبتسة
ل صل مشروع ية ال سواك كقوله (( : rال سواك مطهرة لل فم مرضاة للرب)) ،وقوله ((ل
زال جبيل يأمرن بالسواك حت خشيت أن أحفي مقدم فمي)) ،وقوله ((أربع من سنن
الرسلي – وذكر منها -والسواك)) ،وقوله ((لول أن أشق على أمت لمرتم بالسواك
ع ند كل صلة)) وكذلك ((ع ند كل وضوء)) هكذا قال ،وخل صة ال مر أ نه ي ستدل
على ما ذهب إليه من استحباب الستياك عند دخول السجد ،يستدل عليه بالدلة الدالة
على استحباب السواك ف الملة ،فهي تثبت شرعية الصل ،وهي يريد إثبات الفضلية
ف زمن معي وهو دخول السجد .
فنقول له :إن ال سواك مشروع ف كل و قت ،وال صل ف يه الطلق عن الزمان
والكان ف من اعتقسد اسستحباب فس زمانٍس دون زمان أو مكانٍس دون مكان فهذا التفضيسل
يتاج إل دليلٍ شرعي صحيح صريح ،ول يكتفى بالدلة الدالة على مشروعية السواك ،
لن الراد إثبا ته ل يس هو مشروع ية ال سواك وإن ا الراد إثبا ته هو اعتقاد فضيل ته ف هذا
الزمان بعينه فأين الدليل على ذلك ؟ أما أدلة الصل فهي للصل ويبقى الوصف متاجا
لدليل آخر غي أدلة مشروعية الوصف ،وال أعلم .
ومنها :تصيص صيام يو مٍ من أيام السنة أو الشهر بل دلي ٍل بعينه داخل تت هذا
الباب ،فبعض الناس يصص يوما بصومٍ ،فإذا سألته عن دليله على هذا التخصيص قال
176
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
لك :أل ت سمع قول ال نب rفي ما يرو يه عن ر به عز و جل " :كل ع مل ا بن آدم له إل
الصوم فإنه ل وأنا أجزي به وللوف فم الصائم عند ال أطيب من ريح السك و للصائم
فرحتان … ال " فيجاب عنه :بأن هذا يثبت أصل مشروعية الصوم وثوابه عند ال تعال
وفضله من غي تعر ضٍ لشي ٍء زائد ،وأنت توقعه بصف ٍة معينة ،والدليل الذي نطلبه منك
هو الدليل الثبت لذه الصفة فأين هو ؟ ذلك لن أدلة الصل ل تثبت شرعية الوصف ،
بل لبد للوصف من دليلٍ زائدٍ على أدلة الصل ،وال أعلم .
ومنهـا :بعسض البتدعسة الطغام تراه إذا شيسع النازة يتصسدق على هذا وعلى هذا
ويطعم الطعام ف القبة وقت الدفن بل وبعده أيضا ،فإذا سألته عن دليله قال :هذا من
الصدقة عن اليت وقد قال النب (( : rإذا مات النسان انقطع عمله إل من ثلث صدقة
جارية …)) فيقال له :نعم إن الصدقة عن اليت مشروعة ول شك ول منازعة ف ذلك،
لكن أنت توقع هذه الصدقة على صف ٍة معينة ،فما دليلك على هذه الصفة ،فإن دليلك
الذي قلته إنا يدل على أصل مشروعية الصدقة عن اليت ،ونن ل نتلف أن الصدقة عن
اليت مشروعة لكن الذي نالف فيه ونطلب عليه الدليل هو هذه الصفة العينة ،والدليل
تضمنس ول التزام ،ومرد مشروعيسة الصسل
ٍ الذي ذكرتوه ل يدل عليهسا ل بطابقسة ول
ل تستلزم شرعية الوصف ،وال أعلم .
وعلى ذلك فقس ،وال أعلى وأعلم .
177
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
178
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
{الش يء} لك نه ل يد خل ف عموم قوله تعال ] َوأُوِتيَ تْ مِ نْ كُ ّل َشيْءٍ [ والذي أخر جه
من العموم هو الس والشاهدة ،فإذا أول الخصصات الس .
ومـن الخصـصات أيضا العقـل :فإذا ورد الدليسل العام واقتضسى العقسل السسليم
ت صيص شيءٍ م نه فإ نه ي صلح أن يكون م صصا ،وهذا هو مذ هب جهور ال صوليي
وذلك كقوله تعال ] اللّ هُ خَالِ قُ كُ ّل َشيْءٍ [ فيق ضي هذا العموم أ نه خالق ج يع الشياء ،
لكن ال سبحانه وتعال بصفاته ليس بخلوق جل وعل بل هو الالق وما سواه ملوق ،
ف هو خارج من عموم ] كُ ّل َشيْءٍ [ وذلك بالع قل ،فالع قل يق ضي ذلك قضاءً جازما ،
وبا أن القرآن كلم ال وكلم ال صفة من صفاته فالقرآن ل يدخل ف هذا العموم أيضا
و من الخ صصات أيضا الدل يل الشر عي :ويد خل ت ت ذلك ت صيص الكتاب
بالكتاب ،بعنس أن الدليسل العام والاص كلهاس مسن القرآن ،ومثال ذلك قوله تعال
سهِ ّن ثَلَثةَ قُرُوءٍ [ فهذا ل فظ عام يد خل ف يه ج يع الطلقات ، ] وَالْمُ َطّلقَا تُ يَتَ َربّ صْ َن ِبأَنفُ ِ
ضعْنَ حَ ْمَلهُنّ [ وهذا خاص ،فالطلقة
لكن قال ال تعال ] َوُأوْلتُ الَحْمَالِ أَجَُلهُنّ أَ ْن يَ َ
الا مل خر جت من العموم بذا الدل يل فعدت ا و ضع حل ها ل ثل ثة قروء ،وأيضا قوله
تعال ] وَل تَنكِحُوا الْمُشْرِكَا تِ َحتّ ى ُي ْؤمِنّ [ فهذا عام ف ج يع الشركات ،ل كن قوله
ت مِ ْن الّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا بَ مِ نْ َقبِْلكُ مْ [ أخرج الشركة الكتابية فيجوز
صنَا ُتعال ] وَالْمُحْ َ
الزواج ب ا ،فهذا ت صيص كتا بٍ بكتاب ،وهذا هو مذ هب جهور العلماء رح هم ال
تعال .ويد خل ت ته أيضا ت صيص الكتاب بال سنة أي أن يكون الدل يل العام من القرآن
والدل يل الاص من ال سنة سواءً كا نت متواترة وهذا بالتفاق أو آحاد ية وهذا هو على
القول الصحيح وهو مذهب المهور ،وعلى ذلك أمثلة :
ُمس [ فهذا عام فس جيسع الولد فمنهـا :قوله تعال ] يُوصسِيكُمُ الل ُ
ّهس ف ِي َأوْلدِك ْ
ذكورهم وإناثهم ،صغارهم وكبارهم ،مسلمهم وكافرهم ،وكذلك الولد القاتل نعم
فالولد الكافر والقاتل داخل ف عموم هذه الية لكن قال النب (( rل يرث السلم الكافر
ول الكافر السلم)) فهذا الدليل من السنة خصص عموم الكتاب فأخرج الولد الكافر فإنه
ل حق له ف مياث ال سلم ،وكذلك قوله (( rل يرث القا تل من القتول شيئا)) أخرج
الولد القاتل فإنه ل حق له ف الياث ،فإذا السنة أخرجت الكافر والقاتل .
179
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
ومـن المثلة أيضا :قوله تعال ] الزّاِنَيةُ وَالزّانِسي فَاجِْلدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد ِمْنهُمَسا مِاَئةَ
جَ ْل َدةٍ [ فهذا عام ف الزناة ذكور هم وإناث هم ،والح صن وغ ي الح صن ،ن عم الح صن
دا خل ف هذا العموم ،ل كن ل ا ر جم ال نب rماعزا والغامد ية وقال لن يس (( وأ غد يا
أنيس إل امرأة هذا فإن اعترفت فارجها )) دل ذلك على أن الزان الحصن ل يدخل ف
عموم الية والذي أخرجه السنة .
ومن المثلة أيضا :قوله تعال ] فَِإذَا ان سَلَ َخ ا َل ْشهُ ُر الْحُرُ مُ فَا ْقتُلُوا الْمُ ْ
شرِكِيَ َحيْ ثُ
ُمس [ فهذا قضاء جازم بقتسل جيسع الشركيس صسغارهم وكبارهسم ،ذكورهسم وَجَ ْدتُمُوه ْ
وإناثهم ،لكن جاءت السنة بالنهي عن قتل الرأة والشيخ الفان والطفل الصغي ،فقال
عليه الصلة والسلم ((ول تقتلوا وليدا)) وقال لا رأى مقتولة ف أحد غزواته ((ما كان
ينبغي لثل هذه أن تقتل)) فخرج هؤلء من عموم القرآن بالسنة .
وكذلك :قوله تعال ] يُو صِيكُمُ اللّ هُ فِي َأوْلدِكُ مْ [ خرج منها أولد النبياء بقوله
(( rنن معاشر النبياء ل نورث ما تركناه صدقة)) .
وكذلك :قوله تعال ] َوأُحِلّ َلكُ مْ مَا وَرَاءَ ذَِلكُ مْ [ أي أن جيع النساء حلل لكم
ماعدا الذكورات ف اليسة التس قبلهسا ،ف ما عداهسن حلل لكسم ،لكسن هذا ليسس على
عمومه فقد أخرجت السنة الصحيحة التفق عليها نكاح البنت على عمتها وعلى خالتها
فقال (( rل تنكح الرأة على عمتها ول على خالتها )) فهذا مصص لعموم الية فهو من
تصيص القرآن بالسنة .
ومـن ذلك أيضا :قوله تعال ] وَقَاتِلُوا الْمُ ْ
شرِكِي َ كَاّفةً [ فهسو حكسم عام بقتال
ج يع الشرك ي ،ل كن ال سنة أخر جت الجوس وذلك بقوله (( rسنوا ب م سنة أ هل
الكتاب))
وم نه :قوله تعال ] وَال سّا ِرقُ وَال سّارَِقةُ [ فهذا عام ف كل سارق من غ ي تقد ير
لكن هذا مصوص بقوله (( rل قطع إل ف ربع دينار فصاعدا )) .
ومنه :قوله تعال ] يأيها الذين آمنوا ِإذَا نُودِي لِل صّل ِة مِ ْن َيوْ مِ الْ ُ
ج ُم َعةِ فَا ْس َعوْا إِلَى
ذِ ْكرِ اللّ هِ [ هو عام للذكور والناث والحرار والعب يد ،ل كن حد يث طارق بن شهاب
(( الم عة حق وا جب على كل م سلم إل أرب عة امرأة و صب وملوك ومر يض )) على
180
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
181
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
] َحتّى ُيعْطُوا الْجِ ْزَي َة عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ صَاغِرُونَ [ فالقرآن أخرج أهل الكتاب إذا أعطوا الزية
من عموم المر بالقتال .
ومنه أيضا :قوله (( : rخذوا عن خذوا عن قد جعل ال لن سبيل البكر بالبكر
جلد مائة وتغريسب عام ،والثيسب بالثيسب جلد مائةٍ والرجسم )) فهذا عام فس الزناة سسوا ًء
الحرار أو العب يد ،ل كن خر جت ال مة من هذا العموم بقوله تعال ] :فَإِذَا أُحْ صِنّ فَإِ نْ
ت مِ ْن اْلعَذَا بِ [ والعذاب هنا يراد به اللد صنَا ِ
شةٍ َفعََلْيهِنّ نِ صْفُ مَا عَلَى الْمُحْ َ
َأتَيْ َن ِبفَاحِ َ
لنه يكن تصنيفه ،أما الرجم فل يكن فيه ذلك ،فهذا الدليل القرآن الاص أخرج المة
الحصنة من عموم قوله ((الثيب بالثيب)) فهذا تصيص سنةٍ بقرآن .
ومنه أيضا :قوله (( : rما أبي من حيّ فهو كميتته )) فهو عام ف جيع ما يبان
مسن اليوان حال حياتسه شعرا كان أو صسوفا أو وبرا أو سسناما أو إليسة ونوهسا ،لكسن
َصسوَاِفهَا
ِنس أ ْ
خرجست إبانسة الصسوف والشعسر والوبر مسن هذا العموم بقوله تعال َ ] :وم ْ
َوَأوْبَارِهَا َوَأشْعَارِهَا َأثَاثا َو َمتَاعا إِلَى حِيٍ [ أي أن هذه الشياء تق طع من البهي مة و هي
حية وينتفع با ،فهذا تصيص سنةٍ بقرآن وغي ذلك .
ف صارت الق سام أرب عة :ت صيص الكتاب بالكتاب ،وت صيص الكتاب بال سنة ،
وت صيص ال سنة بال سنة ،وت صيص ال سنة بالكتاب ،ف كل ذلك دا خل ت ت التخ صيص
بالدليل الشرعي ،فالدليل الشرعي العام يص بالدليل الشرعي الاص .
ومـن الخصـصات أيضا :التخصسيص بالجاع :وهسو جائز باتفاق العلماء العتسد
بقولمس ،ودليله الوقوع ،فمسن ذلك قوله تعال ] :الزّاِنَيةُ وَالزّانِسي فَاجِْلدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد
ِمنْهُمَا مِاَئةَ جَ ْل َدةٍ [ فهذا عام ف الحرار والرقاء ل كن خص م نه الع بد إذا ز ن فإ نه يلد
خ سي جلدة ،وهذا التخ صيص و قع عل يه الجاع ،وم ستند هذا الجاع قياس الع بد
على المة ف تنصيف الد بامع الرق .
ومن ذلك أيضا :قوله تعال َ ] :أ ْو مَا َمَلكَتْ َأيْمَاُنهُمْ [ فإنه نص ف أن ما ملكت
يينسك مسن الماء فإناس حلل لك أن تسستمتع باس ،لكسن وقسع الجاع على أنسه ل يوز
ال ستمتاع بأخ تك من الرضاع إذا كا نت ملكا لك ،وهذا بالجاع و هو م صص لقوله
ُمس [ وهذا الجاع له مسستند وهسو قوله تعال فس ذكسر
َتس َأيْمَاُنك ْ
تعال َ ] :أ ْو م َا مََلك ْ
182
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
183
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
حديث ابن عمر " إذا كان الاء قلتي ل يمل البث " فيفهم أنه إذا بلغ قلتي حل البث
،فهذا الفهوم خصصنا به عموم قوله ((إن الاء طهور ل ينجسه شيء)) وقد تكلمنا على
هذه السألة ف مكانٍ آخر ،وال أعلم .
ومـن الخصـصات أيضا :القياس الصسحيح ،وبسه قال جهور أهسل العلم وهسو
ال صواب ،ل كن يشترط أن يكون قيا سا صحيحا ،وي ثل له بقوله تعال ]الزّاِنَيةُ وَالزّانِي
فَا ْجلِدُوا كُلّ وَا ِح ٍد ِمنْهُم َا مِاَئةَ جَ ْل َدةٍ[ فكلمسة ]الزانس[ عام فس الذكور أحرارا كانوا أو
عبيدا ،لكن خرج العبيد من العموم بالقياس على المة الزانية ،فإن القرآن نص على أن
عليها ن صف ما على الرة من العذاب ،فقاسوا العبد عليها وهو قياس صحيح والامع
بينهما الرق ،فالقياس هو الخصص لذا العموم .
و من المثلة أيضا :قوله تعال َ ] :ومَ نْ َدخَلَ هُ كَا نَ آمِنا [ فهذا نص عام ف كل
من د خل حدود الرم أ نه آ من ولو كان قد أحدث حدثا ث ل أ إل الرم ،فإن ال ية
بعموم ها تق ضي أ نه ل يقام عل يه ال د ح ت يرج ل كن القياس أخرج هذا ،أي أن من
ف أو سرق ٍة أو غيها ث لذ بالرم أنه يقام عليه الد ولو كانأحدث حدثا من قتلٍ أو قذ ٍ
ف الرم ،وقاسوا هذا على من أحدث حدثا وهو ف الرم فإنه يقام عليه الد ف الرم.
فإن العلماء قالوا :من ج ن جنا ية ف دا خل الرم فإ نه يقام عل يه ال د ف الرم ،
ويقاس عليه من جن جناية خارج الرم ث دخل الرم بامع وجود الناية منهما ،وهذا
هو ال صحيح و هو مذ هب المهور ،ولن سد الذرائع مطلوب ف قد يؤدي القول بعدم
إقا مة ال د ف الرم إل اتاذه ذريعة للجناية ث دخول الرم فتضيع حقوق الناس ،ولن
هذا الا ن ظال معتدٍ والظال والعتدي ل حر مة له ،ولن إقا مة ال د على هذا الا ن ف
الرم هو من باب الخذ بالق وإقامة العدل وهذا مأمور به شرعا .
فالقياس ال صحيح يقضي أن من ج ن خارج الرم ث لذ بالرم أ نه يقاد منه قياسا
على القادة من جن داخل الرم ،فإن قلت :لقد قدمت سابقا ف القاعدة الامسة عشر
أن القياس إذا خالف النص فهو فاسد العتبار أي أنه مردود ،فكيف تقول هنا إن القياس
يصص النص ،فقياسك العبد على المة ف تنصيف الد أليس يعارض عموم الية ؟ فإن
الع بد يد خل في ها والقياس ير جه ،فلماذا عملت بالقياس ه نا وأبطل ته هناك وهذا الذي
184
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
جن خارج الرم ث لذ بالرم أليس يدخل ف عموم قوله تعال ] َومَ نْ دَخَلَ هُ كَا نَ آ ِمنًا[
والقياس ير جه ،فعملت بالقياس ،ف ما الفرق ب ي القياس ه نا والقياس هناك ح ت تعمله
هنا تبطله هناك ؟
قلت :هذا وال سؤال ج يد يتاج إل جواب مرر ول أر ف ك تب ال صول من
ذكر الشكال أصلً فضلً عن ذكر الواب عليه ،وإن أجيب عليه مستعينا بال الصمد
الي القيوم ،مفتقرا إليه أن يوفقن لداه وأن يلهمن الق والصواب فأقول :
إن القياس الاص إذا أخرج ب عض أفراد ال نص العام ل يكون ذلك من التعارض ف
شيء ،بل نص العام بالاص فيخرج هذا الفرد الذي أخرجه القياس وتبقى سائر الفراد
يع مل ب ا ف عموم ها ،فال نص العام معمول به ب عد إخراج هذا الفرد ،فالع مل بالقياس
ل يبطل العمل بالنص أصلً وإنا أخرج فردا من أفراده فقط وهذا هو الراد بقولنا :من
الخصصات القياس .
أ ما القياس الفا سد العتبار ف هو القياس الاص إذا عارض ن صا خا صا بع ن أن نا إن
عملنا بالقياس تركنا الع مل بالنص ،وإن عملنا بالنص تركنا الع مل بالقياس فهنا ح صل
التعارض ب ي القياس وب ي ال نص ،فيكون القياس فا سد العتبار .ولو رج عت إل المثلة
الت ذكرناها ف القاعدة الامسة عشر لوجدت أن جيع القيسة الذكورة فيها عارضت
نصوصا خاصة ل نصوصا عامة .
وخل صة الواب :أن القياس الاص هو الذي ي ص به عموم ال نص ،أ ما ال نص
الاص فهذا ل يدل على أفرا ٍد كثية حت يتطرق إليه التخصيص ،بل هو يدل على شيءٍ
وا حد إذا جاء القياس معارضا له ف دلل ته تعار ضا فل بد من إبطال أحده ا ،وال نص
الشرعي ل يوز إبطاله فلم يبق إل القياس فيكون فاسد العتبار .وهذا هو ترير الواب
والمد ل على الفهم والتوفيق وهو أعلى وأعلم .
فإن قلت :أليسس النفيسة رحهسم ال تعال قالوا :إن الرتدة ل تقتسل وأخرجوهسا
بالقياس من عموم (( من بدل دي نه فاقتلوه )) وهذا النص ب عد إخراج الرتدة منه بالقياس
ل يبطل بل يعمل به ف غي الرتدة ،فقياسهم هذا ل يبطل النص وإنا أخرج بعض أفراده
185
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فقط وبقي معمولً به ف الباقي وقد جعلته قياسا فاسد العتبار لنه ف مقابلة النص ،
فكيف نمع بي هذا وبي كلمك قبل قليل ؟
قلت :وهذا أيضا سؤال جيد يتاج إل جواب مرر ،والواب عليه من وجهي :
الول :ل نسلم أن هذا القياس ل يالف نصا خاصا بل قياسهم هذا عارض نصا
خا صا و هو ما رواه جابر tأن أم مروان ارتدت فأ مر ال نب rبأن يعرض علي ها ال سلم
فإن ثابت وإل قتلت )) أخرجه الدارقطن والبيهقي ،وضعفه الافظ ،وأخرجه البيهقي
من وج هٍ آ خر ضع يف أيضا عن عائ شة (( أن امرأة ارتدت يوم أ حد فأ مر ال نب rأن
تسستتاب فإن تابست وإل قتلت )) وأخرج الدارقطنس والبيهقسي أن أبسا بكرٍ اسستتاب امرأة
يقال لا أم قرفة كفرت بعد إسلمها فلم تتب فقتلها ،فهذه الدلة – إن سلمنا الحتجاج
با – تدل بصوصها على قتل الرتدة ،فقياس النفية عارض نصا خاصا .
وإن ل ي سلم هذا فالو جه الثا ن :أن القياس الذي ي ص به العموم ل بد أن يكون
قياسا صحيحا مستوفيا لميع أركانه ،وقياسهم هذا قياس باطل لنه مع الفارق والقياس
مع الفارق با طل ،فإن م قا سوا الرتدة على الكافرة ال صلية وهذا قياس مع الفارق فإن
الكافرة الصلية ل تب على السلم ،تقر ف بلدنا على كفرها ،وأما الرتدة فإنا تب
قهرا على السلم عندنا بالقتل وعندهم بالبس واللد ،وقياسهم هذا يوجد أيضا قياس
الر تد على الكا فر ال صلي لن الكا فر ال صلي ل يق تل عند نا وعند هم فكذلك الر تد ،
فالتفريق بي الرتد والرتدة ف هذا قياس ل وجه له ،فالقياس إذا فاسد لوجود الفارق بي
ال صل والفرع ،فال صل هو الكافرة ال صلية والفرع هو الرتدة ،و من شروط صحة
القياس وجود التفاق ف العلة بي الفرع والصل ،ول علة تمع بينهما هنا وال أعلم.
وعلى كل حالٍ فالقول ال صحيح هو أن القياس ال صحيح ي صلح أن ي صص ال نص
العام كما هو مذهب المهور وال أعلى وأعلم .
ومن أمثلة التخصيص بالقياس أيضا :قوله rف حجة الوداع (( بثل هذه فارموا
)) ور مى ر سول ال rوقال (( خذوا ع ن منا سككم )) فهذه الن صوص عا مة ف الر مي
للرجال والن ساء وال صغار والكبار من الجاج ،ل كن ال نص أخرج ال صغار فيجوز الر مي
عنهم ،وقسنا عليهم النساء والرضى إذا عجزوا عن الرمي ف الليل كما هو الال الن ي
186
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
هذه الزمنسة فإن فيهسا مسن الزحام مسا يصسل إل درجسة اللك ،حتس إن فحول الرجال
القوياء يضعفون عنه فما بالك بالنساء والضعفة ،و قد رخصت الشريعة لم الرمي ليلً
ل كن الن ح ت الر مي بالل يل ف يه زحام شد يد جدا ،فالر يض الذي ل ي ستطيع الزاح ة
والرأة الا مل والعجوز ال كبية ونو هم يوز ل م التوك يل ف الر مي قيا سا على ال صبيان
با مع الع جز ف كلٍ ،فهذا القياس أخرج هؤلء من ال نص العام فهذا ت صيص بالقياس
وال أعلم .
فهذه جلة الخ صصات ال ت تر جح بالدل يل أن ا م صصة وب قي ماعدا ها ف يه نقاش
واسع مله كتب الصول الطولة ،والقصود من ذكر الخصصات أن يعرف طالب العلم
ما الذي يصلح به التخصيص وما ل يصلح به ذلك ،فليس لحدٍ أن يتحكم ف النصوص
ص ول تقييدٍ إل وعلى ذلك دليل صحيح صريح . بتخصي ٍ
وإليك الن بعض الفروع الفقهية الهمة الندرجة تت هذه القاعدة ،وقد ذكرنا
طرفا كبيا منها ف الخصصات لكن نزيدها هنا ليزداد الوضوح فأقول :
منها :اختلف العلماء ف اشتراط النية للوضوء والغسل ،فقال المهور :هي شرط
ل تصح الطهارة إل با ،وقال النفية :بل هي سنة وليست بشرط ،واستدل المهور
لذهبهم بقوله (( : rإنا العمال بالنيات )) والطهارة عمل فهي معلقة بالنية ،وهذا عام
ف كل عم ٍل والعام يب إجراؤه على عمومه ول يص بدليل ،وقال النفية :هي وسيلة
لل صلة والو سائل ل تفت قر إل ن ية ،ل كن ال صواب مع المهور ول شك ،لن الدل يل
عام ،و من جلة العمال الطهارة ف هي داخلة ت ت عمو مه ول يأت ما يو جب إخراج ها
منه فتبقى على هذا العموم ،لن البقاء على العموم هو الصل .
ومنها :اختلف العلماء ف وجوب الطهارة لصلة النازة ،فذهب جاهي السلف
واللف على القول باشتراطها لصحة صلة النازة ،وقال الشعب :ل تشترط لنا دعاء
ليس فيها ركوع ول سجود ،فل تمل مسمى الصلة الشرعية الت تب لا الطهارة ،
وا ستدل ال سلف بد يث (ل يق بل ال صلة أحد كم إذا أحدث ح ت يتو ضأ) و هو نص
صحيح صريح عام ،فإن النكرة الضا فة إل معر فة ت عم فيد خل ف ذلك كل ما ي سمى
صلة فإ نه ل يق بل إل بالطهارة ،و صلة النازة ت سمى شرعا وعرفا ول غة ،أ ما شرعا
187
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فلحديسث ( :صسلوا على صساحبكم) وقال الراوي (( :صسلى النسب على النجاشسي)) وفس
الديث فقال (( :دلون على قبها فدلوه فصلى عليها)) فسماها النب rصلة ،فإذا ثبت
أنا صلة فإنا تدخل تت هذا العموم ول ترج إل بدليل ول دليل يرجها ،فالواجب
إذا هو البقاء على العام حت يرد الخصص ،فالصواب إذا ول شك هو قول جهور المة
،وال أعلم
ومنهـا :قوله (( : rتداووا عباد ال ول تتداووا برام )) فقوله (برام) نكرة فس
سياق النهي ،والنكرة ف سياق النهي تعم ،فيدخل ف ذلك جيع الحرمات الشرعية ،
فإ نه ل يوز جعل ها علجا يتداوى به و من جوز التداوي برام مع ي فعل يه الدل يل ،لن
ال صل هو البقاء على العام ح ت يرد الخ صص ،و به تعلم أن التداوي بال مر مرم ،مع
ورود النسص الاص باس بعينهسا ،وكذلك التداوي بشحسم النيسر أيضا مرم كذلك ،
وكذلك بالعقاقي الخدرة ،ومن أجاز ذلك فعليه الدليل لن الصل هو البقاء على العموم
حت يرد الدليل الخصص ،وإذ ل دليل هنا فنبقى على العموم ،هذا هو الواجب .
ومنهـا :قوله (( : rمسن بدل دينسه فاقتلوه )) هسو نسص عام فس الرتديسن ذكورا
وإناثا ،وأخرج النفيسة الرأة الرتدة ،والصسواب عدم إخراجهسا لعدم الدليسل الصسحيح
الصريح ف تصيصها ،وليس مع النفية إل مرد الوهام والقيسة الضاربة للنصوص ،
وإذ ل دليل يصها من إفراد العام فالواجب هو البقاء على العام وهذا هو الصحيح أعن :
مذهب المهور ،وقد تقدم طرف من أدلة هذه السألة قبل قليل ،وال تعال أعلى وأعلم
ومنها :قال (( : rأيا امرأة نكحت نفسها بغي إذن وليها فنكاحها باطل )) وقال
عليسه الصسلة والسسلم (( :ل نكاح إل بول)) وقال (( :ول تزوج الرأة نفسسها)) فهذه
الن صوص عا مة ف كل الن ساء ف الرائر والماء ،ل كن أخرج النف ية الرة فأجازوا ل ا
تزويسج نفسسها بغيس ول وهذا تصسيص للعام بل دليسل وليسس معهسم إل مضس القياس
الفا سد ،والعام ي ب إبقاؤه على عمو مه ول ي ص إل بدل يل صحيح صريح ،والرا جح
بل شك قول المهور عملً بعموم هذه الدلة ،وال أعلم .
ومن ها :قوله (( : rإذا د بغ الهاب ف قد ط هر )) وقال (( :أي ا إهاب د بغ ف قد
طهر )) فهذا نص عام ف جيع اللود من غي فرق بي مأكو ٍل وغي مأكول ،فمن أخرج
188
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
جلدا من اللود من هذا العموم فعل يه الدل يل ،لن العام ي ب إجراؤه على عمو مه ح ت
يرد الخصص ،فالقول الراجح ف هذه السألة هو القول بطهارة جيع اللود الطاهرة ف
فرقس بيس مأكو ٍل وغيس مأكول ،وأمسا اللود النجسسة فس الياة فإناس
الياة ،مسن غيس ٍ
ل تط هر بال لن نا ستها عين ية ،والدباغ و سيلة للتطه ي ف هو يع يد اللد إل حال ته ف
الياة والنجاسة العينية ل تطهر بال ،وال أعلم .
ومن ها :اختلف العلماء رح هم ال تعال ف ح كم حيوانات الب حر ،فقال النف ية:
يرم أكسل مسا سسوى السسمك ،وقال المام أحدس :يؤكسل مسا فس البحسر إل الضفدع
والتمساح ،وقال ابن أب ليلى ومالك :يباح كل ما ف البحر ،وذهب جاعة إل أن ماله
نظي من الب يؤكل نظيه من حيوان البحر مثل :بقر الاء ونوه ،ول يؤكل ما ل يؤكل
نظيه ف الب مثل :كلب الاء وخنير الاء .
والرا جح :هو حل ج يع ميتات الب حر ال ت ل تع يش إل ف يه على متلف أشكال ا
ع ونوع ،والدل يل على ذلك قوله rف الب حر : وتبا ين أنواع ها من غ ي تف صيل ب ي نو ٍ
ح ِر َو َطعَامُ هُ مَتَاعا
صيْ ُد الْبَ ْ
(( هو الطهور ماؤه ،الل ميتته )) ،وقال تعال ] :أُ ِحلّ َلكُ مْ َ
سّا َرةِ [ فهذه النصسوص عامسة يدخسل تتهسا جيسع أنواع ميتات البحسر وطعامسه َلكُم ْس وَلِلسّي
و صيده ،ف من أخرج شيئا من ها فعل يه الدل يل ،لن العام ي ب إجراؤه على عمو مه ح ت
يرد الخصص .وأما الهواء وأقوال الذاهب فدعك منها فإنا ل تؤثر ف عموم الكتاب
وال سنة .وإليك هذان الضابطان ف هذا الوضوع وه ا قولنا :ال صل ف اليوانات برية
كا نت أو بر ية ال ل والبا حة إل بدل يل ،ف من ح كم على شيءٍ من ها بالتحر ي فعل يه
الدليل ،وال أعلم .
ومنها :اختلف أهل العلم ف تية السجد الرام ،هل هي ركعتان كسائر الساجد
أو هسي الطواف على أقوال ،والصسواب عندي وال أعلم أنسه كسسائر السساجد فتحيتسه
ركعتان لعموم قوله (( : rإذا د خل أحد كم ال سجد فل يلس ح ت ي صلي ركعت ي ))
فيدخل تت هذا العموم جيع الساجد ومنها السجد الرام ،وأما قولم " :تية البيت
الطواف " فهذا ليس بديث ول سند له ،بل هو من قول الفقهاء ويقصدون به من يريد
الطواف ل اللوس فأول ش يء يبدأ به الطواف ،ل أ نه ت ية ل كل دا خل ،فهذا ل دل يل
189
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
عليه ،بل عموم الديث السابق يقضي أن تية السجد الرام هي تية سائر الساجد ،
وال أعلم .
ومنها :قوله (( rأفضل صلة الرء ف بيته إل الكتوبة )) فقوله " صلة الرء " عام
لن الفرد الضاف يعم فهو نص عام يقضي أن كل صلة يصليها الرء فالفضل له فعلها
ف بيته إل الكتوبة ،وهذا حت ف السجد الرام والسجد النبوي ،والسجد القصى ،
فالفضل للنسان ف الصلة مطلقا ف غي الكتوبة فعلها ف بيته ،فيدخل ف ذلك النوافل
الؤكدة القبل ية والبعد ية والو تر وقيام الل يل والنذورة ونو ها ،كل ذلك فعله ف الب يت
أف ضل ح ت مع شرف البق عة كال سجد الرام وغيه ،ف من أخرج شيئا من ذلك فعل يه
الدليل وال أعلم .
ومنها :قوله تعال ] َوأَحَلّ اللّ هُ الَْبيْ عَ [ هو نص عام ،لن البيع دخلت عليه اللف
واللم الفيدة لل ستغراق ،ف كل ما ي سمى بيعا ف هو حلل ،ف من أخرج نوعا من أنواع
البيع من هذا العموم فعليه الدليل ،وبه تعلم خطأ بعض الفقهاء ف تري بعض العاملت
بل دل يل ،وهذا ل يوز ،لن ال صل هو بقاء العموم على عمو مه ول ي ص إل بدل يل
صحيح وال أعلم .
ومن ها :اختلف العلماء ف الذي يقوله ال ستمع إذا قال الؤذن ف ال صبح " ال صلة
خ ي من النوم " على قول ي ،فمن هم من قال يقول " صدقت وبررت " ومن هم من قال
يقول مثل ما يقول الؤذن ،وهذا هو الصحيح ،وذلك لعموم قوله (( rإذا سعتم الؤذن
فقولوا مثل ما يقول )) فقوله (ما) هي بعن (الذي) وهي صيغة من صيغ العموم فتشمل
ج يع الذي يقوله الؤذن إل ما ورد الدل يل بل فه ،ول يرد الدل يل إل ف اليعلت ي أ نه
يقول فيهما ( ل حول ول قوة إل بال ) لديث عمر عند مسلم .
وأما صدقت وبررت فلم تثبت من طر يق صحيح ،والعام يب قى على عمومه ح ت
يرد الخصص وال أعلم .
وصلى ال على نبينا ممد ،وأستغفر ال من الزلل والطأ .
190
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
فهـرس الوضـوعــات
الصفحـة الوضـوع
القدمـة1 .....................................................................
القاعـدة الولـى
خب الحاد الصحيح حجة مطلقا7 ..............................................
القاعـدة الثانيـة
خب الحاد معتمد فيما تعم به البلوى15.......................................
القاعـدة الثالثـة
المر الجرد عن القرائن يفيد الوجوب22 ......................................
القاعـدة الرابعـة
المر بعد الظر يفيد ما كان يفيده قبل الظر32................................
القاعـدة الامسـة
المر التجرد عن القرائن يفيد الفور ل التكرار34 ..............................
القاعـدة السـادسـة
المر العلق على شرطٍ أو صفة ها علته يتكرر بتكررها50 .....................
القاعـدة السابعـة
الزيادة على النص ليست نسخا54 .............................................
القاعـدة الثامنـة
ل تكليف على الكلف إل بالعلم والقدرة والختيار62 ..........................
القاعـدة التاسـعة
العبة فيما رواه الراوي ل فيما رآه عند التعارض74 ............................
القاعـدة العاشـرة
أفعال الشارع للندب ما ل تقترن بقو ٍل فتفيد ما أفاد القول86 ...................
191
تحرير القواعـد ومجمع الفرائـد
192