You are on page 1of 5

‫أساس بناء المجتمع‬

‫جمعه أمين‬

‫إن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمد على معانى‬


‫الخوة وعمل على تحقيقها وجلعاها من الوسائل المهمة‬
‫فى بناء المجتمع السلمى والدولة السلمية ‪ ,‬وإن أهمية‬
‫هذا الساس تظهر فى الجوانب التالية ‪:‬‬

‫‪ -1‬إن دولة ليمكن أن تنهض وتقوم إل على أساس من‬


‫وحدة المة وتساندها‪ .‬ول يمكن لكل من الوحدة والتساند‬
‫أن يتم بغير التآخى والمحبة المتبادلة ‪ ,‬فكل جماعة ل‬
‫تؤلف بينها آصرة المودة والتآخى الحقيقة ‪ ,‬ل يمكن أن‬
‫تتحد حول مبدأ ما وما لم يكن التحاد حقيقة قائمة فى‬
‫المة أو الجماعة ‪ ,‬فل يمكن أن تتألف منها الدولة ‪.‬‬

‫على أن التآخى ل بد أن يكون مسبوقا بعقيدة يتم اللقاء‬


‫عليها واليمان بها ‪ ,‬فالتآخى بين شخصين يؤمن كل منهما‬
‫بفكرة أو عقيدة مخالفة للخرى خرافة ووهم‪ .‬خصوصا إذا‬
‫كانت تلك الفكرة أو العقيدة مما يحمل صاحبها على‬
‫سلوك معين فى الحياة العملية ‪ .‬ومن أجل ذلك فقد جعل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أساس الخوة التى جمع‬
‫عليها أفئدة أصحابه ‪ :‬العقيدة السلمية التى جاء بها من‬
‫عند الله تعالى والتى تضع الناس كلهم فى مصاف‬
‫العبودية الخالصة لله تعالى دون العتبار لى فارق الفارق‬
‫التقوى والعمل الصالح ‪ ,‬إذ ليس من المتوقع أن يسود‬
‫الخاء والتعاون واليثار بين أناس شتتتهم العقائد والفكار‬
‫المختلفة فأصبح كل منهم ملكا لنانيته وأهوائه ‪.‬‬

‫‪ -2‬إن المجتمع – أى مجتمع – إنما يختلف عن طائفة ما‬


‫من الناس منتشرة متفككة ‪ ,‬بشئ واحد هو قيام مبدأ‬
‫التعاون والتناصر فيما بين أشخاص هذا المجتمع ‪ ,‬وفى‬
‫كل نواحى الحياة وموقوماتها ‪ ,‬فإن كل هذا التعاون‬
‫والتناصر قائمين طبق ميزان العدل والمساواة فيما‬
‫بينهم ‪ ,‬فذلك هو المجتمع الظالم المنحرف ‪.‬‬

‫وإذا كان المجتمع المسلم إنما يقوم على أساس من‬


‫العدالة فى الستفادة من أسباب الحياة والرزق ‪ ,‬فما‬
‫الذى يضمن سلمة هذه العدالة وتطبيقها على خير وجه ؟‬

‫إن الضمانة الطبيعية والفطرة الولى لذلك ‪ ,‬إنما هى‬


‫التآخى والتألف ‪.‬‬
‫‪ -3‬إن تحقق مبادئ العدالة والمساواة بين الفراد ليتم‬
‫ما لم تقم على أساس من التآخى والمحبة فيما بينهم ‪ ,‬بل‬
‫إن هذه البادئ ل تعدو أن تكون حينئذ مصدر أحقاد‬
‫وضغائن تشيع بين أفراد ذلك المجتمع ‪ ,‬ومن شأن الحقاد‬
‫والضغائن أن تحمل فى طيها بذور الظلم والطغيان فى‬
‫أشد الصور والشكال ‪.‬‬

‫من أجل هذا ‪ :‬اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫من حقيقة التآخى الذى أقامه بين المهاجرين والنصار‬
‫أساسا لمبادئ العداله الجتماعية التى قام على تطبيقها‬
‫أعظم وأروع نظام اجتماعى فى العالم ‪.‬‬

‫ولقد تدرجت مبادئ هذه العدالة فيما بعد فى شكل‬


‫أحكام وقوانين شرعية ملزمة ‪.‬‬

‫ولكنها كلها إنما تأسست وقامت على تلك " الرضية "‬
‫الولى ‪ ,‬أل وهى الخوة السلمية ‪ ,‬ولول هذه الخوة‬
‫العظيمة التى تأسست بدورها على حقيقة العقيدة‬
‫السلمية لما كان لتلك المبادئ أى اثر تطبيقى وإيجابى‬
‫فى شد أزر المجتمع السلمى ودعم كيانه ‪.‬‬

‫لم يكن ما أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم بين‬


‫أصحابه من مبدأ التآخى مجرد شعار فى كلمة أجراها على‬
‫ألسنتهم ‪ ,‬وإنما كان حقيقة علمية تتصل بواقع الحياة‬
‫وبكل أوجه العلقات القائمة بين النصار والمهاجرين ’‪,‬‬
‫ولذلك جعل النبى صلى الله عليه وسلم من هذه الخوة‬
‫مسؤلية حقيقه تشيع بين هؤلء الخوة‪ ,‬وكانت هذه‬
‫المسئولية محققة فيما بينهم على خير وجه ‪ ,‬لقد كانت‬
‫رابطة الخوة بين الصحابة الكرام من أسباب قوتهم‬
‫ونصرة الله لهم ‪.‬‬

‫إن مناط الخوة وأساسها ‪ ,‬إنما هو رابط السلم‬


‫وعقيدته الصحيحة ‪ ,‬وهى من أهم أسباب وحدة الصف‬
‫وقوة البنيان بين أفراد المة المسلمة ‪ ,‬التى تسعى‬
‫لتحكيم شرع الله تعالى ‪ ,‬كم ل ننسى أن من أسباب‬
‫وحدة صفوف المة‪,‬العلم النافع ‪ ,‬والخلص ‪ ,‬وغير ذلك‬
‫من السباب المعنوية التى جاءت فى كتاب الله وسنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم لتوحيد صفوف المة ‪.‬‬

‫إن التحابب بين المسلمين والحرص على روابط الخوة‬


‫المستمدة من اليمان والعقيدة سر قوة المة ‪ ,‬ومفتاح‬
‫نجاحها بالتعاون فيما بينها )) وتعاونوا على البر والتقوى‬
‫ول تعاونوا على الثم والعدوان (( " المائدة ‪ "2 :‬ذلك لن‬
‫تحقيق الوحدة ل يكون إل بهذه العقيدة التى تجمع ول‬
‫تفرق )) ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما‬
‫جاءهم البينـت وأولئك لهم عذاب عظيم (( " آل عمران ‪" 105 :‬‬

‫فلماذا كان عقد الخوة بعد عقد اليمان ؟ لن إقامة‬


‫دولة السلم بشمولها وعمومها وسموها وكمالها ودوامها‬
‫ل تقوم إل بهذين العقيدين ‪ :‬عقد اليمان فى القلوب‬
‫لتتحق العبودية لله رب العالمين أول ‪ ,‬ولذلك أول أمر‬
‫اهتم به الرسول صلى اله عليه وسلم بعد هجرته كان بناء‬
‫المسجد ‪ ,‬لن فى هذا البيت يخرج الرجال الذين يذكرون‬
‫اسم الله كثيرا ويسبحونه بكرة وأصيل و فهم يحبون أن‬
‫يتطهروا قبل أن يطالبوا غيرهم بهذه الطهارة ليصبح‬
‫الرباط اليمانى قويا ‪ ,‬ثم يأتى من بعد ذلك عقد الخوة‬
‫فيتماسك الصف ويتوحد فإذا بالرباط التنظيمى يقوى‬
‫ويشتد فتتكون الجماعة ذات التصورات الواحدة والهداف‬
‫الواحدة و للوصول إلى الغاية الواحدة )) الذين إن مكناهم‬
‫فى الرض أقاموا الصلة (( " الحج ‪"41 :‬‬
‫وهكذا تتكون القاعدة الصلبة التى تحمى المنهج من‬
‫التغيير والتبديل كما تحميه من العداء الذين يريدون أن‬
‫يستأصلوا شأفة السلم ‪.‬‬

You might also like