You are on page 1of 462

‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.

com‬‬

‫قصة الروب الصليبية‬


‫د‪ .‬راغب السرجان‬
‫الشرف على موقع قصة السلم‬

‫‪1‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهرس الحتويات‬
‫فهرس المحتويات‪2..................................................................................................................‬‬
‫مقدمة الكتاب‪3........................................................................................................................‬‬
‫قصة الصراع بين النصرانية والسلم‪10.......................................................................................‬‬
‫العالم السلمي قبيل الحروب الصليبية‪18......................................................................................‬‬
‫أوربا قبل الحروب الصليبية‪27....................................................................................................‬‬
‫الدعوة للحملة الصليبية الولى‪35.................................................................................................‬‬
‫الطريق إلى بلد المسلمين‪47......................................................................................................‬‬
‫الصدام مع السلجقة الروم‪61.....................................................................................................‬‬
‫حصار أنطاكية‪73...................................................................................................................‬‬
‫الطريق إلى بيت المقدس‪96........................................................................................................‬‬
‫وقفة للتحليل بعد سقوط بيت المقدس‪119........................................................................................‬‬
‫النجدة الصليبية‪131.................................................................................................................‬‬
‫نور من شمال العراق!!‪156.......................................................................................................‬‬
‫قصة مودود‪188.....................................................................................................................‬‬
‫وقفة وتحليل بعد استشهاد مودود‪211.............................................................................................‬‬
‫أصول عماد الدين زنكي‪241......................................................................................................‬‬
‫نشأة عماد الدين زنكي‪250.........................................................................................................‬‬
‫عماد الدين زنكي وبناء المة‪274.................................................................................................‬‬
‫عماد الدين زنكي‪ ..‬وحدة وجهاد!‪281............................................................................................‬‬
‫عماد الدين زنكي وفتح الرها‪350.................................................................................................‬‬
‫نهاية القصة‪373.....................................................................................................................‬‬
‫خاتمة‪389.............................................................................................................................‬‬
‫مصادر الدراسة‪390................................................................................................................‬‬
‫القرآن الكريم‪390............................................................................................................‬‬
‫التوراة والنجيل‪390........................................................................................................‬‬
‫الحاديث والثار‪390......................................................................................................‬‬
‫كتب التخريج‪391............................................................................................................‬‬
‫كتب التاريخ والتراجم‪391.................................................................................................‬‬
‫المراجع الجنبية‪394.......................................................................................................‬‬
‫فهرس اليات‪397...................................................................................................................‬‬
‫فهرس الحاديث‪408................................................................................................................‬‬
‫فهرس العلم‪419..................................................................................................................‬‬
‫فهرس الماكن‪430..................................................................................................................‬‬
‫فهرس القلع والحصون‪441......................................................................................................‬‬
‫فهرس المعارك الحربية‪452.......................................................................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مقدمة الكتاب‬
‫ل يفى على من يقرأ القرآن الكري أن أسلوب القصة ُيعَدّ من الساليب الرئيسية لتوصيل‬
‫فكرة أو تفهيم معن‪ .‬ول يفى على قارئ القرآن الكري أيضًا أن ال َقصَص فيه ل يذكر إل متبوعًا‬
‫بعِبْرة أو درس أو فائدة‪ ،‬وأنه قد بُنِي بصورة تعل القصة قريبة جدّا إل التطبيق الواقعي ف حياتنا‪،‬‬
‫حت لكأنك ترى الحداث رأي العي‪ ،‬وحت لكأنك تعلم هؤلء الشخاص‪ ،‬وتعايشهم ف حياتك‬
‫الشخصية‪ ،‬ولكن بأساء متلفة؛ فهذا يفعل مثلما كان فرعون يفعل ف القصة‪ ،‬وهذا يشبه قارون‪،‬‬
‫وآخر يسي على خُطَا طالوت‪ ،‬ورابع ياكي ذي القرني ف سيته‪ ،‬وهؤلء يشبهون قوم بن إسرائيل‬
‫ف مرحلة معينة من مراحل حياتم‪ ،‬وآخرون يعيشون حياة قوم ثود‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫إن كل النماذج الت نراها ف حياتنا لا أمثلة متشابة ف القرآن الكري‪ ،‬حت أصبح القرآن‬
‫دليلً واضحًا لطريقة الياة الت ينبغي أن نكون عليها‪ ،‬وكل ذلك من خلل القصة؛ ولذلك يأمر ربنا‬
‫ص القصة‪ ،‬ورواية الرواية‪ ،‬يقول تعال‪( :‬فَا ْقصُصِ اْل َقصَصَ َل َعلّ ُهمْ‬
‫سبحانه وتعال الؤمني بق ّ‬
‫يََتفَ ّكرُونَ‪.)1‬‬
‫وتاريخ النسانية كنٌ عظيم‪ ،‬فيه من التجارب والبات ما ل يُقدّر بثمن‪ ،‬وخطأٌ كبي أن‬
‫يقع الكيم فيما وقع فيه السابقون‪ ،‬وذنبٌ عظيم أن نتوه ف الدروب‪ ،‬وف أيدينا دليل النجاة‪ .‬ولقد‬
‫ضلت أمتنا كثيًا لنا أهلت تاريها وتاريخ البشر‪ ،‬بل ‪ -‬وللسف الشديد ‪ -‬فإنا عندما قرأتْ‬
‫تاريها قرأته على يد مبدّلي ومغيّرين زوّروا الكثي من الصفحات‪ ،‬وشوّهوا العديد من الرموز‪،‬‬
‫وبدّلوا القصص‪ ،‬وقلبوا أحداثها؛ فصار الصالُ طالًا‪ ،‬وأصبح الفسد حكيمًا‪ ،‬وبذا ضاعت ال ِعبَر‪،‬‬
‫واختفت الدروس‪ ،‬وَفقَد السلمون أحد أهم كنوزهم‪.‬‬
‫لذا كان لزامًا علينا أن نقوم بملة دراسة شاملة لدراسة التاريخ السلمي من كل جوانبه؛‬
‫فنصحّح كل هذه التجاوزات‪ ،‬ونعيد المور إل نصابا‪ ،‬وبالتال نستطيع الستفادة من هذا الكن‬
‫الائل‪.‬‬
‫وبي أيدينا ماولة لذا التصحيح ف موضوع من أهم الوضوعات التاريية‪ ،‬وهو قصة‬
‫الروب الصليبية‪ ،‬وهي قصة ف غاية الهية‪ ،‬ودراستها حتمية ل َفهْم كثيٍ من المور‪ ،‬سواء ف‬
‫التاريخ أو ف الواقع؛ فدراسة هذه القصة مهمّة لفهم التاريخ السلمي‪ ،‬وهي كذلك مهمة لفهم‬
‫واقعنا الذي نعيش فيه الن‪.‬‬
‫وقد وقع اختيارنا على هذه القصة لعدة أسباب‪ ،‬كان منها‪:‬‬

‫‪( 1‬العراف‪.)176 :‬‬

‫‪3‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أولً‪ :‬فترة طويلة من التاريخ السلمي بل والنسان‬


‫إنا أكثر من مائت سنة‪ ،‬أي ما يثّل ‪ 7\1‬التاريخ السلمي‪ ،‬فإن كنا نرى للتاريخ السلمي‬
‫أهية‪ ،‬فل شك أن دراسة هذه الفترة أمر ف غاية الهية‪.‬‬
‫وليست دراسة هذه الفترة مهمة للمسلمي فقط‪ ،‬بل اهتم با الوربيون وغيهم من مفكري‬
‫العال وعلمائه؛ فقد ظلت الروب الصليبية مسيطرة على الفكر الورب وعقلية الدباء والشعراء‬
‫وعموم الناس أكثر من ثلثة قرون متصلة‪ ،‬وذلك من سنة (‪488‬هـ) ‪1095‬م حي بدأت هذه‬
‫الروب وحت سنة (‪802‬هـ)‪1400‬م بعد انتهائها بقرن كامل‪ ،‬بل وظل الهتمام با مستمرّا ف‬
‫كل جامعات ومعاهد أوربا وأمريكا إل الن‪ ،‬حت إنه ف دراسة قام با الؤرخ نورمان كانتور وجد‬
‫أن الادث الوحيد الذي يعرفه الريج العادي من الامعات المريكية فيما يتعلق بتاريخ العصور‬
‫الوسطى هو الملة الصليبية الول‪ ،‬ووجد أيضًا أن انطباعات هؤلء الريي عن هذه الملة إيابية‬
‫جدّا‪.1‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ولن هذه الفترة طويلة فإننا نستطيع أن نرصد فيها اليدلوجيات الختلفة للطراف‬
‫التصارعة‪ ،‬فإن أفكار الجتمع الغرب وأهداف مركي الموع واليوش وواضعي السياسيات والنظم‬
‫قد تكون شاذة عن الألوف لو كانت عابرة أو مؤقتة‪ ،‬ولكن ثبات هذه اليدلوجيات عشرات السني‬
‫أو مائتي من السني يؤكد أن هذه اليدلوجيات عقائد ثابتة راسخة‪ ،‬وليس مرّد فكرة طارئة‬
‫خرجت من ذهن متهوّر أو جاهل‪.‬‬
‫وبذا سنفهم خلفيات الغرب الورب ف حربه للمسلمي‪ ،‬وهي اللفيات الت حكمت‬
‫الصراع قديًا بي السلمي والنصارى من الدولة الرومانية‪ ،‬كما سنفهم خلفيات الجاهدين السلمي‬
‫وطرقهم ف الرب‪ ،‬وف العاهدة‪ ،‬وف التعامل مع غي السلمي‪ ،‬ومناهجهم ف التغيي‪.‬‬
‫إنا دراسة رائعة ف نفسيات البشر‪ ،‬وأدبيات الصراع بي القوى الختلفة‪ ،‬خاصةً إذا كان‬
‫السلم طرفًا ف القضية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يبز احتياجنا لدراسة الروب الصليبية بدرجة أكب عند رؤية التشابه العجيب بي هذه‬
‫القبة القدية الت م ّر عليها أكثر من تسعة قرون‪ ،‬وبي زماننا العاصر الذي نعيش فيه الن‪.‬‬
‫فكما قامت قوات التحالف الغرب بغزو العال السلمي‪ ،‬وكما رأينا التكاتف بينهم لرب‬
‫واحدة‪ ،‬وكما رأينا التعاون بي الساسة والربيي ورجال الدين وأهل القتصاد والعلوم لمضاء هذه‬
‫الرب وإنفاذها‪ ،‬فإننا نرى الن نفس هذا التكاتف والتعاون والتنسيق لرب العال السلمي ف أكثر‬
‫من بقعة‪.‬‬
‫‪ 1‬نورمان كانتور‪ :‬التاريخ الوسيط‪ :‬قصة حضارة – البداية والنهاية ‪.2/392،391‬‬

‫‪4‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكما رأينا غزو الصليبيي للشام وفلسطي وأجزاء من تركيا ومصر بل والجاز‪ ،‬نرى الن‬
‫الجمات الستمرة‪ ،‬والهود التتالية الت نحت ف أماكن كثية من العال السلمي مثل فلسطي‬
‫والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمي والبوسنة وكوسوفو‪ ،‬ونراها تطط برص وتدبي ف السودان‬
‫والصومال ولبنان وسوريا‪ ،‬وليست مصر أو إيران أو باكستان أو تركيا ببعيدة عن الطر‪.‬‬
‫وكما رأينا كيانًا غريبًا يُزرع ف فلسطي عُرف بعد ذلك بملكة بيت القدس الصليبية‪،‬‬
‫ورأينا هذا الكيان يستمر عشرات السني‪ ،‬ورأيناه يُمَدّ بكل أنواع الساعدة من الغرب الصليب‪ ،‬رأينا‬
‫أيضًا الن الكيان اليهوديّ يُزرع ف نفس الرض‪ ،‬ف فلسطي‪ ،‬ويُمد بكل أنواع الساعدة من الغرب‬
‫الصليب أيضًا‪.‬‬
‫وكما رأينا الفكر الستيطان الذي كان من مركي الروب الصليبية‪ ،‬وكيف أنم جاءوا‬
‫برجالم ونسائهم وأطفالم ل لينتصروا ف معركة ويعودوا بغنائم‪ ،‬ولكن ليعيشوا ويستقروا ويتلكوا‬
‫وينسوا تامًا روابطهم القدية وجذورهم الصلية؛ كما رأينا ذلك رأينا الن اليهود يقومون بنفس‬
‫الشيء ويهاجرون إل الرض الباركة بكل عائلتم ليستقروا بل عودة‪.‬‬
‫وكما رأينا التخاذل من كثي من زعماء العرب والسلمي‪ ،‬وظهور ناذج مزية ف تاريخ‬
‫الروب الصليبية تفسّر النيارات الروعة الت حدثت ف مقاومة السلمي للمدّ الصليب‪ ،‬نرى الن‬
‫نفس التخاذلت وبنفس الروح‪ ،‬وبصورة تكاد تتطابق‪ ،‬فل يهب جيشٌ ول زعيم لنصر الكروبي ف‬
‫بلد العال السلمي الحتل‪.‬‬
‫وكما رأينا حرصًا من أعداء المة على منع الوحدة بي وليات الشام‪ ،‬وعلى منع الوحدة‬
‫بي مصر والشام‪ ،‬وعلى منع الوحدة بي أي زعيمي مسلمي؛ لن ف هذا بقاء لم أطول وأعظم‪،‬‬
‫رأينا نفس الرص من الغرب الصليب ف زماننا‪ ،‬وقد نحوا ف ذلك أيّما ناحٍ؛ فل تكاد ترى قطرين‬
‫مسلمي متجاورين إل وبينهما صراع ونزاع‪.‬‬
‫وأوجه التشابه أكثر من أن تصى‪ ،‬وعند دراسة القصة بشكل تفصيلي سنشعر وكأننا ل‬
‫نقرأ صفحات من تاريخ مضى‪ ،‬ولكن نقرأ واقع حياتنا‪ ،‬وقصة متمعاتنا الت نعيش فيها الن‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬يظهر أيضًا بلء ف قصة الروب الصليبية الختلف الفكري والفقهي‬
‫والعقائدي ف قضية حسّاسة جدّا داخل كيان المة السلمية‪ ،‬وهي قصة= السّنّة والشّيعة‪،‬‬
‫وذلك أن الحداث تدور ف منطقت الشام ومصر‪ ،‬وها واقعتان تت سيطرة سلجوقية سُنّيّة من‬
‫جهة‪ ،‬وعبيديّة فاطمية شيعية من جهة أخرى‪ ،‬وهذا أفرز مواقف كثية تعي على فهم دقائق‬
‫المور ف زماننا الن‪ ،‬وكذلك مستقبلً‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫خامسًا‪ :‬دراسة الصراع مع الصليبيي ليس أمرًا مفيدًا لواقعنا فقط‪ ،‬بل هو مفيد لستقبلنا‬
‫أيضًا؛ فمن الواضح أنه لن يأت زمانٌ تندثر فيه هذه الصراعات وتلك الصدامات‪ ،‬ولكنها قد تدأ‬
‫أحيانًا وتنشط أحيانًا أخرى‪ ،‬ولكنها على كل حال ستستمر إل يوم القيامة‪ .‬وف ذلك جاءت‬
‫أحاديث متلفة لرسول ال ‪ ،‬وهي أحاديث صحيحة تؤكد استمرار هذه الصورة الادّة من‬
‫قَالَ‪" :‬لَ َتقُومُ السّا َعةُ‬ ‫العلقة؛ ومن هذه الحاديث مثلً‪ :‬عَنْ َأبِي ُهرَْي َرةَ‪ ،‬أَ ّن رَسُولَ اللّه‬
‫ش مِنَ الْ َمدِيَنةِ مِنْ خِيَارِ َأهْلِ ا َل ْرضِ‬
‫خرُجُ إِلَ ْي ِهمْ جَ ْي ٌ‬
‫حَتّى َي ْنزِلَ الرّومُ بِالَعْمَاقِ َأوْ ِبدَابِقٍ‪ ،‬فَيَ ْ‬
‫سلِمُونَ‪:‬‬
‫َي ْومَِئذٍ‪َ ،‬فِإذَا َتصَافّوا قَاَلتْ الرّومُ‪َ :‬خلّوا بَيْنَنَا وََبيْنَ اّلذِينَ سََبوْا مِنّا ُنقَاِت ْل ُهمْ‪ .‬فََيقُولُ الْمُ ْ‬
‫خلّي بَيْنَ ُك ْم وَبَيْ َن إِ ْخوَانِنَا‪ .‬فَُيقَاِتلُوَن ُهمْ فَيَ ْن َه ِزمُ ُث ُلثٌ َل يَتُوبُ ال ّلهُ َعلَ ْي ِهمْ أََبدًا‪،‬‬
‫َل وَال ّلهِ لَ نُ َ‬
‫ح الّث ُلثُ لَ ُيفْتَنُونَ َأَبدًا فََيفْتَتِحُو َن قُسْطَنْطِينِّيةَ‪،‬‬
‫ش َهدَاءِ عِ ْن َد ال ّلهِ‪ ،‬وََيفْتَتِ ُ‬
‫وَُيقْتَلُ ُثلُُث ُهمْ َأ ْفضَلُ ال ّ‬
‫ح فِي ِهمْ الشّيْطَانُ‪ :‬إِنّ الْمَسِيحَ‬
‫فَبَيْنَمَا ُهمْ َيقْتَسِمُونَ اْلغَنَاِئ َم َقدْ َع ّلقُوا سُيُو َف ُهمْ بِالزّيْتُو ِن ِإذْ صَا َ‬
‫خرُجُونَ َو َذِلكَ بَاطِلٌ‪َ ،‬فِإذَا جَاءُوا الشام َخرَجَ‪ ،‬فَبَيْنَمَا ُهمْ ُي ِعدّونَ‬
‫َقدْ َخ َلفَ ُكمْ فِي َأ ْهلِي ُكمْ‪ .‬فَيَ ْ‬
‫صفُوفَ ِإذْ ُأقِي َمتْ الصّلَ ُة فَيَ ْنزِلُ عِيسَى ابْ ُن َمرَْيمَ َفأَ ّم ُهمْ‪َ ،‬فإِذَا رَآهُ َع ُدوّ‬
‫سوّونَ ال ّ‬
‫ِل ْلقِتَالِ يُ َ‬
‫ح فِي الْمَاءِ‪َ ،‬فلَوْ َترَ َكهُ لَْنذَابَ حَتّى َي ْهلِكَ‪َ ،‬ولَكِنْ َيقُْت ُلهُ ال ّلهُ بَِيدِهِ‬
‫ال ّل ِه ذَابَ كَمَا َيذُوبُ الْ ِملْ ُ‬
‫فَُيرِي ِهمْ َد َمهُ فِي َحرْبَِتهِ"‪.1‬‬

‫سادسًا‪ :‬من الدوافع الهمة لدراسة هذه القبة الطية من تاريخ المة‪ ،‬التزوير الذي‬
‫حدث ف القصة‪ ،‬وبصورة مكثفة؛ وذلك لثراء القصة أدبيّا‪ ،‬وولع الكتّاب والؤلّفي والدباء با‪،‬‬
‫سواء من السلمي أو الغربيي‪.‬‬
‫ول يفى على أحد أن الديب ل يهتم كثيًا بصحة الوقائع التاريية‪ ،‬ولكن يروي ما‬
‫يراه يدم القصة‪ ،‬بل قد يترع شخصيات وهية‪ ،‬أو يترع قصصًا وهية لشخاص حقيقيي‬
‫لتأييد معن‪ ،‬أو ترسيخ فكرة‪ ،‬وهذا يشوّش على الناس الكثي من القائق‪ ،‬ويصبح الستمع أو‬
‫القارئ رهينة لفكر الؤلف أو الديب‪ ،‬هذا فوق التزوير الغرض والتحريف التعمد الذي‬
‫استهدف ف الساس تشويه الرموز السلمية وتعظيم النوايا الصليبية‪ ،‬وإظهار الوضوع بشكل‬
‫مغاير تامًا للحقيقة‪ .‬ولعل من أكب التزويرات ف تاريخ الروب الصليبية هو إطلق هذا السم‬
‫عليها! فالروب الصليبية ل تكن معروفة بذا السم طيلة الفترة الت حدثت فيها‪ ،‬بل والت‬
‫تبعتها‪ ،‬ول يعرف هذا السم إل ف القرن الثامن عشر اليلدي وما بعده‪ ،‬وكان الميع يطلق‬
‫على الروب الصليبية أساء أخرى مثل‪ :‬الملة‪ ،‬أو رحلة الجاج‪ ،‬أو الرحلة للراضي القدسة‪،‬‬
‫‪ 1‬مسلم‪ :‬كتاب الفت وأشراط الساعة‪ ،‬باب ف فتح قسطنطينية (‪ ،)2897‬والاكم (‪ ،)8486‬وابن حبان (‪.)6813‬‬

‫‪6‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أو الرب القدسة‪ .‬أما لاذا اشتهر هذا السم فلكونه يمل معن الرب النبيلة‪ ،‬ويُوحِي‬
‫بالشجاعة والتضحية‪ ،‬ويعبّر عن الفداء الذي يبه النصارى‪ ،‬وهي جيعًا صفات ل توجد البتّة ف‬
‫هذه الروب‪ ،‬بل كانت حروبًا تسّد كل معان القسوة والعنف والظلم والجرام‪ ،‬ولكن‬
‫النطباع العام عند الوربيي والمريكان أنا كانت حرب نبيلة تدف إل غايات سامية‪،‬‬
‫واستعملت وسائل شريفة؛ وهذا يفسّر الكلمة= الت قالا جورج بوش رئيس الوليات التحدة‬
‫المريكية وهو يصف الرب المريكية على العراق بأنا "حرب صليبية"‪ .‬فهو ل يعن بذه‬
‫الكلمة أيّة ميولٍ عدوانية‪ ،‬إنا هو يسترجع الوروث الثقاف عنده وعند الشعوب النصرانية‬
‫المريكية وغيها‪ ،‬ومن ثَمّ يوجه رسالة مباشرة وغي مباشرة إل كل هذه الشعوب أن هذه‬
‫الرب نبيلة وشريفة‪ ،‬وتضحّي فيها أمريكا من أجل سعادة النسانية‪.‬‬
‫ومع هذا اللط الشديد ف مصطلح الروب الصليبية إل أن الروج منه أصبح صعبًا جدّا‪،‬‬
‫وخاصةً أن الجيال الخية من الؤرّخي السلمي درست ف معظمها على أيدي العلماء الوربيي‪،‬‬
‫وبالتال تبنّوا دون مقاومة نظرياتم وتليلتم وتقسيماتم للتاريخ ومصطلحاتم ف وصفه‪ ،‬ول يعُدْ‬
‫يدي هنا أن نتحدث عن الملة الستعمارية الول‪ ،‬أو عن حلة أوربا الغربية‪ ،‬أو عن حروب‬
‫النصارى أو غي ذلك من الصطلحات؛ لنا كلها ستصرف الذهن حتمًا إل شيء آخر غي ما نعنيه‬
‫من معارك وأحداث؛ ولذا جاء اسم الكتاب (قصة الروب الصليبية) مع رفضنا التام لذه التسمية‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬من أهداف دراسة الوضوع أيضًا تليل الهداف والبواعث الت كانت وراء هذه‬
‫الجمة الصليبية الشراسة‪ ،‬وذلك أن الؤرّخي والحلّلي انقسموا ف ذلك إل فرق شت؛ فمنهم من‬
‫يؤكّد الدافع الدين‪ ،‬وآخرون يؤكدون الدوافع القتصادية‪ ،‬وفريق ثالث يؤكد الدوافع السياسية‪،‬‬
‫وفريق رابع يؤكد البعاد الخلقية لذه الرب‪ ،‬وفريق خامس يمع عاملي أو ثلثة‪ ،‬أو يمع كل‬
‫العوامل مع تقدي وتأخي‪ ،‬وحذف وإضافة‪.‬‬
‫فهذا موضوعٌ أعملَ فيه الكث ُي والكثي فكرهم وذهنهم وجهدهم‪ ،‬واختلفت فيه التفسيات‬
‫بسب اللفيات العقلية والعلمية والدينية لكل ملّل أو دارس‪.‬‬
‫ثامنًا من أسباب هذه الدراسة أيضًا إيضاح الصفحات الشرقة لهاد الكثي من أعلم‬
‫السلمي وماهديهم؛ فإن معظم من تناولوا هذا الدث قصروا الهد كله على صلح الدين اليوب‬
‫رحه ال‪ ،‬وهو وإن كان ماهدًا من أعظم الجاهدين ف تاريخ السلمي إل أنه ليس الوحيد الذي‬
‫حل راية الهاد ف قصة الصليبيي‪ ،‬فهناك الكثي من سبقوه‪ ،‬وكذلك من لق به‪ ،‬ومع ذلك ل‬
‫يسمع بم معظم السلمي‪ ،‬وإل فمن يعرف مودودًا؟! ومن يعرف سقمان بن آرتق؟! ومن يعرف آق‬

‫‪7‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سنقر؟! وغيهم وغيهم من الجاهدين العظماء‪ ،‬بل مَن يعرف تفاصيل حياة الشهورين من أمثال‬
‫عماد الدين زنكي‪ ،‬ونور الدين ممود‪ ،‬ونم الدين أيوب‪ ،‬وغيهم من أبطال السلم؟!‬
‫فهذه الدراسة ستثبت لنا أن الهد الذي بذل لتحرير بلد السلم إنا هو جهد أمة وليس‬
‫جهد أفراد‪ ،‬وأن هناك من التقياء الخفياء ف تارينا ما ل يتخيله إنسان‪ ،‬وأن المة ل تزال ‪ -‬ولن‬
‫تزال ‪ -‬بي إل يوم القيامة‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬أغفل الكثي من الحللي أيضًا دور العلماء ف ترير بلد السلمي من الصليبيي‪ ،‬فل‬
‫يوجد لم حديث إل عن القوّاد والقاتلي‪ ،‬وليس هناك تفصيل إل ف العارك العسكرية‪ ،‬والصدامات‬
‫الربية‪ .‬وهذا مالف لطبيعة الشياء‪ ،‬ولسنن التغيي ف هذه المة‪ ،‬الت ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقضية‬
‫العودة إل ال وتطبيق الشرع‪ ،‬والرص على اللل‪ ،‬ونبذ النكر والرام‪ ،‬وهذه أدوار يقوم با‬
‫العلماء الخلصون‪ ،‬وهم ف قصة الروب الصليبية كُثُر‪ ،‬ولكن ل يركز عليهم إل قليل القليل من‬
‫الؤلّفي والحلّلي‪ ،‬مع أنه بغي َفهْم دورهم والتركيز عليه‪ ،‬لن نستطيع أن نفهم طريقة البناء‪ ،‬ول‬
‫أسلوب الروج من الزمة‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬وندرس الروب الصليبية أيضًا لن الثار الناجة عنها آثار هائلة ضخمة‪ ،‬ل تكن‬
‫مدودة بفترة الائت سنة الت وقعت فيها هذه الروب ولكنها امتدت بعد ذلك طويلً‪ ،‬وليس لعدة‬
‫سنوات بل لعدة قرون‪ ,‬بل إننا ما زلنا إل لظتنا هذه نعان من آثار هذه الروب الريرة‪ .‬ولعل من‬
‫أبرز الثار الباشرة لذه الروب هو توقّف الد الضاري السلمي العظيم‪ ،‬الذي كان ف أوج‬
‫عظمته‪ ،‬وأبلغ مظاهره‪ ،‬حت جاء الصليبيون فشغلوا طاقات المة وجهودها ف حروبم‪ ،‬وبالتال‬
‫استنفت كل الطاقات‪ ،‬وتبدّدت كل الهود‪ ،‬ووقفت السية الالدة الت حل السلمون رايتها عدة‬
‫قرون متتالية‪.‬‬
‫ث إنه من الناحية الخرى ‪ -‬وبعد هذه الروب الصليبية الشرسة ‪ -‬أخذ الصليبيون‬
‫التراث العلمي السلمي العظيم من بلد السلمي‪ ،‬وخاص ًة الندلس وصقلية‪ ،‬وأحيانًا من بلد‬
‫الشام‪ ،‬ث بدءوا بشغفٍ واهتمام يترجونه ويعكفون على دراسته وتطبيقه‪ ،‬وكان هذا ‪ -‬ل شكّ‬
‫‪ -‬نوا ًة للحضارة الوربية الت قامت ف القرن الامس عشر وما بعده‪.‬‬
‫ف واندار‪ ،‬وقاد أمة‬ ‫فكما نرى‪ ،‬فإن هذا تغيٌ موري ف مسية البشرية‪ ،‬قاد أمة إل تل ٍ‬
‫أخرى إل علوّ وازدهار‪َ .‬نعَ ْم ليس هذا هو العامل الوحيد لذه الزمة الت مرت با المة‬
‫ك أنه من أهمّ العوامل‪.‬‬
‫السلمية‪ ،‬ولكن ل ش ّ‬
‫ولعل هذا يرّنا إل الديث والتعليق على الفتوح السلمية‪ ،‬ومقارنتها بالروب‬
‫الصليبية‪ ،‬وشتّان‪ ،‬فالدوافع والوسائل والنتائج كلها متلفة تام الختلف‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فالدوافع السلمية كانت رفع الظلم عن كواهل الشعوب‪ ،‬والتعريف بدين السلم‬
‫دون قهر أو إجبار‪ ،‬ث إنا كانت ‪ -‬ف كثيٍ من الحيان ‪ -‬دفاعًا عن تع ّد صارخ من القوى‬
‫الختلفة الحيطة بالسلمي‪.‬‬
‫والوسائل السلمية ف الروب كانت ف منتهى الرقي‪ ،‬ولعل المة السلمية هي‬
‫الوحيدة الت عرفت معن أخلق الروب‪ ،‬وأهم ما ييّز هذه الروب هو البعد تامًا عن إيذاء‬
‫الدنيي‪ ،‬وكذلك حسن العاملة للسرى‪ ،‬بل والتعامل النبيل الشهم مع قادة العدوّ عند التمكّن‬
‫منهم‪.‬‬
‫ونتائج الروب السلمية كانت متلفة كذلك عن نتائج حروب الخرين‪ ،‬فبينما جعل‬
‫الخرون من همهم هدم الضارة‪ ،‬ووقف مسية النسانية‪ ،‬جعل السلمون من همهم نشر‬
‫العلم والفضيلة‪ ،‬والخذ بأيدي الشعوب إل أسى معان الرقي والتقدم‪.‬‬
‫ولينظر كل منصف إل الندلس قبل السلم وبعده‪.‬‬
‫ولينظر إل مصر قبل السلم وبعده‪.‬‬
‫ولينظر إل الغرب قبل السلم وبعده‪.‬‬
‫ولينظر إل بارى وسرقند ومدن الشام واليمن وغيهم قبل السلم وبعده‪.‬‬
‫لقد كانت نقلة حضارة إنسانية بكل القاييس‪.‬‬
‫وهذا ل نره أبدًا ف الروب الصليبية‪ ،‬ول ف أيّ حروب ل تتكم إل دين صحيح أو‬
‫ُخلُق قوي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫قصة الصراع بي النصرانية والسلم‬

‫قبيل بعثة النبوة كانت القوة السيحية مثّلة أساسًا ف الدولة البيزنطية (خريطة ‪ )1‬أو ما يعرف‬
‫بالمباطورية الرومانية الشرقية‪ ،‬وذلك بعد سقوط المباطورية الرومانية الغربية سنة ‪476‬م (قبل‬
‫ميلد الرسول بائة سنة تقريبًا)‪.‬‬
‫وكانت الدولة الرومانية الشرقية تسيطر على شرق أوربا بكامله‪ ،‬إضاف ًة إل الناضول‪ ،‬وفوق‬
‫ذلك فإنا كانت تتل بلد الشام ومصر وشال إفريقيا‪ ،‬فصارت بذلك أعظم دولة ف العال‪ ،‬ولقد‬
‫عرف البحر البيض التوسط ببحر الروم لن الملك الرومانية كانت تيط به من كل جانب‪.‬‬
‫وكان السيحيون ف خارج الدولة البيزنطية ل يثّلون كيانًا كبيًا إل ف بقاع متفرقة‪:‬‬
‫‪‬غرب أوربا‪ :‬إنلترا‪ ،‬فرنسا‪ ،‬إسبانيا‪ ،‬ألانيا‪،‬‬
‫إيطاليا‪.‬‬
‫‪‬إفريقيا‪ :‬البشة أساسًا‪.‬‬
‫‪‬الزيرة العربية‪ :‬نصارى الشام من العرب‬
‫(الغساسنة\ تغلب\‪ ،)...‬نصارى اليمن‬
‫ونران‪.‬‬
‫‪‬آسيا‪ :‬ل يكن فيها َنصَارى تقريبًا‪.‬‬
‫ث ظهرت الدعوة السلمية ف بدايات القرن السابع اليلدي‪ ،‬وهي دعوة للناس كافة‪.‬‬
‫يقول ال تعال‪َ ( :‬ومَا َأرْ َسلْنَا َك إِلّ كَافّةً لِلنّاسِ بَشِيًا وََنذِيرًا‪.)1‬‬
‫صةً‪ ،‬وَُبعِ ْثتُ ِإلَى النّاسِ عَا ّمةً"‪.2‬‬
‫‪" :‬وَكَانَ النّبِيّ يُ ْب َعثُ إِلَى َق ْومِهِ خَا ّ‬ ‫ويقول الرسول‬
‫استلزم ذلك أن يُرسِل رسول ال الرسائل إل ملوك وأمراء العال‪ ،‬وذلك ف بدايات العام‬
‫السابع الجري بعد صلح الديبية‪ .‬وأههم‪ :‬هرقل قيصر الروم‪ ،‬وكذلك‪ :‬النجاشي ملك البشة‪،‬‬
‫والقوقس زعيم مصر‪.3‬‬

‫‪( 1‬سبأ‪.)28 :‬‬


‫‪ 2‬البخاري‪ :‬أبواب الساجد‪ ،‬باب قول النب "جعلت ل الرض مسجدًا وطهورًا" عن جابر بن عبد ال (‪ )427‬واللفظ له‪،‬‬
‫ومسلم‪ :‬كتاب الساجد ومواضع الصلة (‪ ،)521‬وأحد (‪ ،)14303‬والدرامي (‪ ،)1389‬وابن حبان (‪.)6398‬‬
‫‪ 3‬انظر ابن أب شيبة‪ :‬الصنف ف الحاديث والثار ‪.7/347‬‬

‫‪10‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومع يقي هرقل بصدق النبوة كما سيظهر من حواره مع أب سفيان إل أنه ل يؤمن‪1‬؛ وذلك‬
‫حفاظًا على ملكه‪ ،‬بل سنراه بعد ذلك يهّز اليوش لرب السلمي عدة سنوات‪ .‬كذلك حدثت‬
‫تطورات خطية ف العلقة السلمية السيحية‪ ،‬عندما قُتل بعضُ رسل رسول ال إل زعماء‬
‫النصارى‪ ،‬وتديدًا الارث بن عُمَيْر الزديّ الذي قتله ُشرَحْبِيل بن عمرو الغسّان‪2‬؛ ما أدى إل‬
‫الصدام العسكري الول بي السلمي والسيحيي ف موقعة مؤتة سنة ‪8‬هـ‪ ،‬الت انتهت بانتصار‬
‫السلمي وتراجع الرومان‪ ،‬وكذلك انسحاب خالد بن الوليد باليش مكتفيًا بزوال هيبة اليش‬
‫النورمان العملق‪.3‬‬
‫وأتبع ذلك ببوادر صدام ضخم ل يتم‪ ،‬وكان ذلك ف تبوك سنة ‪9‬هـ؛ حيث انسحبت‬
‫اليوش الرومانية ول يدث قتال‪ ،‬وإن كان ظهر للعيان قوة الدولة السلمية الناشئة‪.4‬‬
‫ول تكن كل العلقة السلمية السيحية علقة حروب‪ ،‬بل كانت هناك علقات أخرى‬
‫كثية من التعايش والتعاهد‪ ،‬مثلما حدث مع البشة ونصارى نران ونصارى أيلة وغي ذلك‪.‬‬
‫ولكن وضح ف الصورة أن الدولة البيزنطية ستحمل لواء الصراع مع السلمي ف السنوات‪،‬‬
‫بل القرون القبلة‪.‬‬
‫ث كان الصدام مباشرًا وقويّا أيام خلفة الصديق ‪ ،‬ث عمر ‪ ،‬وكانت العارك الشهية‬
‫الت انتصر فيها السلمون مثل أجنادين وبيسان‪ ،5‬ث موقعة اليموك الكبى‪ ،‬ث فتح دمشق وحص‬
‫وحاة‪ ،‬ث سقوط بيت القدس ف أيدي السلمي‪ ،‬وبالتال فتح كل مدن فلسطي ولبنان وسوريا‬
‫وأجزاء من تركيا‪ ،‬كل ذلك ف غضون سبع سنوات فقط؛ حيث بدأت هذه العارك ف (‪12‬هـ)‬
‫‪633‬م‪ ،‬وسقطت قيصريّة سنة (‪19‬هـ) ‪640‬م‪ ،‬وهي آخر معاقل الدولة البيزنطيّة جنوب جبال‬
‫طوروس‪.6‬‬
‫ث تطوّر الصدام ليكسب السلمون جولة ثانية مهمة جدّا بعد الشام وفلسطي وهي مصر؛‬
‫حيث انتصر السلمون على جيوش الرومان الت كانت تتل مصر أكثر من تسعمائة سنة‪ ،‬فكان الفتح‬

‫)‪ ،‬ومسلم‪ :‬كتاب الهاد والسي‪،‬‬ ‫‪ 1‬انظر القصة ف البخاري‪ :‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إل رسول ال ‪(7‬‬
‫باب كتاب النب إل هرقل (‪ ،)1773‬وأحد (‪.)2370‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬ابن حجر‪ :‬الصابة ف تييز الصحابة ‪.1/589‬‬
‫‪ 3‬انظر غزوة مؤتة‪ :‬ابن هشام‪ :‬السية النبوية ‪.2/378:373‬‬
‫‪ 4‬انظر غزوة تبوك‪ :‬ابن هشام‪ :‬السية النبوية ‪.2/515‬‬
‫‪ 5‬الطبي‪ :‬تاريخ المم واللوك ‪.359 ،2/347‬‬
‫‪ 6‬الطبي‪ :‬تاريخ المم واللوك ‪.511 ،448 ،335 /2‬‬

‫‪11‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫السلمي لصر بقيادة عمرو بن العاص ف سنة (‪20‬هـ) ‪641‬م‪ ،‬ث وصلت الفتوح إل برقة بليبيا‬
‫سنة (‪22‬هـ) ‪643‬م‪.1‬‬
‫وف جولة جديدة‪ ،‬وحلقة أخرى من حلقات الصراع وصل السلمون إل شال إفريقيا ف‬
‫زمن اللفة الموية أيام معاوية بن أب سفيان ‪ ،‬حيث قام عقبة بن نافع بفتح تونس سنة (‪43‬هـ)‬
‫‪664‬م‪ ،‬ودارت حروب شت بي السلمي والدولة البيزنطية مشتركة مع الببر‪ ،‬انتهت بضم كل‬
‫شال إفريقيا للدولة السلمية‪ ،‬ودخول الببر بأعداد كبية ف السلم‪.2‬‬
‫ث فتحت ف سنة (‪92‬هـ) ‪711‬م جبهة جديدة لرب الصليبيي‪ ،‬حيث فتحت الندلس‬
‫بقيادة موسى بن نصي وطارق بن زياد‪ ،3‬وأتّ السلمون السيطرة عليها ف غضون ثلثة سنوات‬
‫ونصف‪ ،‬بل وتاوزوها إل فرنسا‪ ،‬ودارت هناك مواقع كثية اقتسم فيها الفريقان النصر‪ ،‬وإن كان‬
‫النصر ف فرنسا ف النهاية كان للصليبيي ف موقعة بلط الشهداء سنة (‪114‬هـ) ‪732‬م‪( 4‬خريطة‬
‫‪ ،)2‬الت أوقفت الد السلمي ف أوربا‪ ،‬ونشأت بعض المالك النصرانية ف شال الندلس‪ ،‬أهها‬
‫ليون وقشتالة وأراجون ث البتغال بعد ذلك‪ ،‬ودارت بينهم وبي السلمي حروب متعددة على مدار‬
‫عدة قرون‪.‬‬
‫وعلى هذا فقد صار هناك جبهتان للصراع بي المة السلمية وبي نصارى أوربا؛ أما‬
‫البهة الول فهي بي الدولة السلمية ف الشرق متمثلة ف اللفة الموية‪ ،‬ث العباسية ضد الدولة‬
‫البيزنطية‪.‬‬
‫وأما البهة الثانية فكانت بي الدولة السلمية ف الغرب وهي الندلس‪ ،‬وبي المالك‬
‫النصرانية ف شال الندلس متعاونة كثيًا مع فرنسا‪ ،‬وأحيانًا مع إنلترا وألانيا وإيطاليا‪.‬‬
‫وحيث كانت اللفة الموية تتخذ من بلد الشام مركزًا لا‪ ،‬فإن الروب بينها وبي الدولة‬
‫البيزنطية كانت كثية‪ ،‬بل كانت هناك ماولت حقيقية لفتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية‪،‬‬
‫ولكن كلها ل تفلح‪.5‬‬
‫وف عهد الدولة العباسية الذي بدأ من سنة (‪132‬هـ) ‪750‬م‪َ ،‬خ َفتَ إل حد كبي حدة‬
‫الصراع بي الدولة السلمية والبيزنطية؛ وذلك لن اللفة العباسية اتذت من بغداد والعراق مركزًا‬
‫لا‪ ،‬وبالتال صار قلب العال السلمي بعيدًا نسبيّا عن الدولة البيزنطية‪ ،6‬وإن كانت الروب ل‬
‫‪ 1‬الطبي‪ :‬تاريخ المم واللوك ‪.534 ،2/512‬‬
‫‪ 2‬ابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.8/45‬‬
‫‪ 3‬ابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.9/83‬‬
‫‪ 4‬ابن عذارى‪ :‬البيان الغرب ف أخبار الندلس والغرب ‪ ،2/27‬وابن عبد الكم‪ :‬فتوح مصر والغرب ص ‪.217،216‬‬
‫‪ 5‬الطبي‪ :‬تاريخ المم واللوك ‪.4/61‬‬
‫‪ 6‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/48،47‬‬

‫‪12‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫تتوقف‪ ،‬وكان ميدانا ف غالب الحيان أرض آسيا الصغرى‪ ،‬ومن أشهر الصدامات تريب الدولة‬
‫البيزنطية لدينة زبطرة‪ 1‬مسقط رأس الليفة العباسي العتصم‪ ،‬وذلك ف سنة (‪223‬هـ) ‪838‬م‪ ،‬ث‬
‫بعدها حدث النتصار السلمي الكبي بفتح عَمّورِيّة مسقط رأس المباطور البيزنطي ثيوفيل سنة (‬
‫‪223‬هـ) (‪838‬م) ‪( 2‬خريطة ‪.)3‬‬
‫ث شهدت الدولة العباسية ابتداءً من منتصف القرن الثالث الجري (منتصف القرن التاسع‬
‫اليلدي) تدهورًا ملحوظًا‪ ،‬وظهرت ال ّدوَيلت التفرقة بداخلها‪ ،‬ومنها على سبيل الثال‪ :‬الدولة‬
‫الغزنوية‪ ،‬والدولة السامانية‪ ،‬والدولة الزيارية‪ ،‬والدولة المدانية‪ ،‬والدولة البويهية‪ ،‬والدولة‬
‫الخشيدية‪ ،‬وغيهم‪.3‬‬
‫وهكذا ضعفت الشوكة‪ ،‬وأدى ذلك إل أن بدأت الدولة البيزنطية تقف موقفًا حازمًا من‬
‫السلمي‪ ،‬حت إنا ف بداية القرن الرابع الجري (العاشر اليلدي) ضمت معظم مدن الزيرة تت‬
‫السيطرة البيزنطية‪ ،‬ث سقطت الزر الت كان السلمون قد سيطروا عليها ف البحر البيض التوسط‬
‫مثل كريت وقبص وذلك ف سنة (‪350‬هـ) ‪961‬م؛ ما أعاد للساطيل البيزنطية السيطرة من‬
‫جديد على البحر البيض التوسط‪ ،‬ث حدث أمر كبي ف سنة (‪358‬هـ) ‪969‬م حيث سقطت‬
‫أنطاكية‪ ،‬وهي من أهم الدن ف يد البيزنطيي‪ ،‬وكان لذا دويّ هائل ف العالي السلمي‬
‫والسيحي‪.4‬‬
‫ث حدث أمر ضخم ف المة السلمية حيث سقطت مصر تت سيطرة الدولة العبيديّة‬
‫الشيعية العروفة بالفاطمية‪ ،‬وذلك ف سنة (‪358‬هـ)‪969‬م‪ ،5‬وبذلك انقسم العال السلمي إل‬
‫قسمي كبيين وها‪ :‬اللفة العباسية السّنّية الضعيفة الت وقعت تت سيطرة دولة بن بويه الشيعية‪،‬‬
‫والدولة الفاطمية الشيعية الت تسيطر على شال إفريقيا ومصر وأجزاء من الشام‪ .‬وهكذا ازدادت المة‬
‫السلمية ضعفًا وفُرقة‪ ،‬وهذا أعطى للدولة البيزنطية الفرصة لكي تزداد جرأة ف حربا للمة‬
‫السلمية‪ ،‬فكان النصف الثان من القرن الرابع الجري (النصف الثان من القرن العاشر اليلدي)‬

‫‪ 1‬زبطرة‪ :‬من الثغور الزرية‪ ،‬بينها وبي ملطية أربعة فراسخ وهي حصن منيع كثي الهل قدي رومي‪ ،‬فتحه حبيب بن مسلمة الفهري‬
‫وكان قائما إل أن أخربته الروم أيام الوليد بن يزيد‪ ،‬فبن بناء غي مكم فهدمته الروم ف فتنة مروان‪ ،‬فأعاده النصور فهدمته الروم فبناه‬
‫الرشيد وشحنه‪ ،‬فطرقته الروم ف خلفة الأمون وأغاروا على سرح أهله فأمر الأمون بتحصينه‪ .‬انظر‪ :‬الروض العطار ‪.1/285‬‬
‫‪ 2‬الطبي‪ :‬تاريخ المم واللوك ‪.5/235‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/50‬‬
‫‪.Schlumberger: Un Empereur Byzantin au Dixieme Sieclm, Nice – phore phocas, 7234‬‬

‫‪ 5‬انظر‪ :‬ابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.11/266‬‬

‫‪13‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ميدانًا واسعًا للبيزنطيي‪ ،‬اجتاحوا فيه أعال الشام والعراق‪ ،‬حت وصل المر إل أن دفعت الوصل‬
‫وميافارقي وديار بكر‪ ،‬بل وحص ودمشق الزية للمباطور البيزنطي حنا ششقيق (تزمستكيس)‪.1‬‬
‫ومن الدير بالذكر أن هذه الملة الخية للمباطور البيزنطي كانت تستهدف بيت‬
‫القدس إل أنه ل يستطع الوصول له‪ ،‬وكانت تفيض من كلماته ورسائله العبارات الدينية الت تؤكد‬
‫الروح الصليبية الت كان مشحونًا با ف حربه‪.2‬‬
‫وهذا الوجود البيزنطي ف بلد الشام وأنطاكية سيفسّر لنا الناع الستقبلي الذي سيدور‬
‫بينهم وبي الصليبيي الغربيي حول الق الشرعي ف امتلك هذه الراضي والدن‪.‬‬
‫أما القرن الامس الجري (الادي عشر اليلدي) فقد شهد نوّا للدولة الفاطمية‪ ،‬وتراخيًا‬
‫من الدولة البيزنطية؛ نتيجة انشغالم برب البلغار‪ ،‬وأيضًا لنشغالم بضم بملكة أرمينية النصرانية‪،‬‬
‫الت كانت قد بلغت حدّا مغريًا من الرخاء والتقدم‪ ،‬شجّع البيزنطيي على بذل الهد لضمها‪ ،‬وهذا‬
‫أدى إل أن بسطت الدولة الفاطمية سيطرتا على معظم الشام باستثناء حلب وأنطاكية‪.‬‬
‫وف هذا القرن الامس الجري أيضًا ظهرت دولة السلجقة السلمية العظيمة‪ ،‬وكان لا‬
‫دور كبي ف الصراع السلمي النصران‪ ،‬وسوف نفرد لا صفحات كثية ف هذا الكتاب للحديث‬
‫عن مواقفها ف هذا الصراع‪.‬‬
‫كان هذا هو الوضع ف الشرق السلمي من بداية البعثة النبوية إل أواخر القرن الامس‬
‫الجري (خسة قرون متتالية من الروب الستمرة بي الدولة السلمية والدولة البيزنطية)‪.‬‬
‫وعلى الصعيد الخر كانت الروب كذلك مستمرة ف غرب العال السلمي بي مسلمي‬
‫الندلس والدول النصرانية الغربية (شال إسبانيا وفرنسا ف الساس)‪ ،‬وكانت اليام دُولً بي‬
‫الفريقي؛ فيوم للمسلمي ويوم للصليبيي‪ ،‬إل أن القرن الامس الجري (الادي عشر اليلدي) كان‬
‫ف معظمه للصليبيي‪ ،‬وهو العصر الذي ُعرِف ف التاريخ بعهد ملوك الطوائف‪ ،‬حيث تفرقت جدّا‬
‫كلمة السلمي؛ ما أدى إل اجتياح صليب لقطاع كبي من شال الندلس‪ ،‬وخاصةً ف زمن ألفونسو‬
‫السادس ملك ليون وقشتالة‪ ،‬الذي أسقط ف سنة (‪478‬هـ) ‪1085‬م مدينة طليطلة العتيدة؛ ما‬
‫ل ف العالي السلمي والسيحي‪.3‬‬ ‫أحدث دويّا هائ ً‬
‫غي أن ناية هذا القرن الامس الجري (الادي عشر اليلدي) كانت سعيدة للمسلمي؛‬
‫حيث ظهرت دولة الرابطي القوية بالغرب وغرب إفريقيا‪ ،‬وعبت إل بلد الندلس‪ ،‬وأنزلت‬
‫بالصليبيي هزية فادحة ف موقعة الزّلّقَة سنة (‪479‬هـ) ‪1086‬م‪ ،‬أي بعد عام واحد من سقوط‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.11/271‬‬


‫‪.Grousset: Hist, de lP`Armenie, p484. & Cam. Med Vol. 4,p. 1482‬‬
‫‪ 3‬ابن الكردبوس‪ :‬تاريخ الندلس ص ‪.85‬‬

‫‪14‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫طليطلة‪ ،‬وبسطت دولة الرابطي سيطرتا على أجزاء كبية من الندلس‪ ،‬إل أنم فشلوا ف استرجاع‬
‫طليطلة‪.1‬‬
‫وكتقييم عام للموقف ف ناية القرن الامس الجري (ناية القرن الادي عشر اليلدي)‪،‬‬
‫فإن العال السلمي كان منقسمًا بي اللفة العباسية تت سيطرة السلجوقيي وبي الدولة الفاطمية‬
‫ومقرها القاهرة‪ ،‬وكانت نايات القرن الامس الجري تثّل ضعفًا وفُرقة واضحي ف الشرق‬
‫السلمي‪ ،‬بينما كانت ناية القرن الامس الجري ف الندلس تمل قوة بارزة للمسلمي بظهور‬
‫دولة الرابطي الفتيّة تت قيادة القائد الف ّذ يوسف بن تاشفي رحه ال‪.‬‬
‫ومن ثَمّ فإنه عند ظهور الركة الصليبية ف غرب أوربا ف هذا التوقيت ‪ -‬على نو ما‬
‫سنشرح ف الصفحات القادمة بإذن ال ‪ -‬فكّروا ف غزو الشرق السلمي الضعيف‪ ،‬وهذا للمرة‬
‫الول ف تاريخ غرب أوربا‪ ،‬بدلً من النطلق إل الندلس القوية تت زعامة الرابطي‪ .‬وهكذا‬
‫بدأت الروب الصليبية من نايات القرن الامس الجري وحت نايات القرن السابع الجري (أكثر‬
‫من مائت سنة؛ من ناية القرن الادي عشر إل ناية القرن الثالث عشر اليلدي)‪.‬‬
‫استمرت هذه الروب الشرسة فترة اللفة العباسية ودولة السلجقة‪ ،‬وكذلك الدولة‬
‫الزنكية فاليوبية فدولة الماليك‪ ،‬وانتهت بطرد الصليبيي الغربيي وعودة الراضي السلمية‬
‫للمسلمي‪ ،‬كما ذكرنا ف أواخر القرن السابع الجري‪.‬‬
‫وعلى الناحية الخرى فإنه على الرغم من هزية الصليبيي من دولة الوحدين الت ورثت‬
‫دولة الرابطي ف موقعة الرك سنة (‪591‬هـ) ‪1194‬م فإن أوائل القرن السابع الجري شهد ف‬
‫الندلس تقدمًا ملحوظًا للصليبيي‪ ،‬حيث انتصروا على دولة الوحدين ف موقعة العقاب سنة (‬
‫‪609‬هـ) ‪1212‬م (خريطة ‪ ،)4‬ث توال سقوط العاقل السلمية الكبى‪ ،‬مثل قرطبة وإشبيلية‪،2‬‬
‫ول يتبقّ للمسلمي ف ناية القرن السابع الجري إل ملكة غرناطة الصغية ف جنوب الندلس‪ ،‬الت‬
‫قُدّر لا أن تعيش حوال قرني ونصف القرن من الزمان‪.3‬‬
‫وكانت نايات القرن السابع الجري قد شهدت أيضًا ظهورًا لدولة العثمانيي‪ ،‬الذين حلوا‬
‫راية الهاد ضد الدولة البيزنطيّة‪ ،‬وذلك بعد رحيل الصليبيي الغربيي‪.‬‬
‫وف القرن الثامن الجري (الرابع عشر اليلدي) كانت الفتوحات العثمانية السلمية ف‬
‫منطقة آسيا الصغرى مستمرة‪ ،‬بينما استقرت أوضاع الندلس أو غرناطة نسبيّا‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الكردبوس‪ :‬تاريخ الندلس ص ‪ ،94،34‬حسن أحد ممود‪ :‬قيام دولة الرابطي ص ‪.276‬‬
‫‪ 2‬القري‪ :‬نفح الطيب ‪.Cam. Med Vol. 6,p. 410 ،4/383‬‬
‫‪ 3‬ممد سهيل طقوش‪ :‬التاريخ السلمي الوجيز ‪ ،264‬لي بول‪ :‬العرب ف إسبانيا ص ‪.185،184‬‬

‫‪15‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أما القرن التاسع الجري (الامس عشر اليلدي) فقد شهد استمرارًا لروب العثمانيي ضد‬
‫البيزنطيي‪ ،‬وُتوّجت هذه الروب بانتصار مهيب‪ ،‬حيث فتحت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية‬
‫ف عام ‪857‬هـ\ ‪1453‬م؛ ما فتح الطريق للمسلمي لينساحوا ف شرق أوربا‪.1‬‬
‫ومع هذا السرور العظيم الذي َنعِمَ به العال السلمي على البهة الشرقية للناع بي‬
‫السلمي والنصارى‪ ،‬إل أن القرن التاسع الجري (الامس عشر اليلدي) شهد حادثًا مؤسفًا جدّا‪،‬‬
‫وهو سقوط غرناطة آخر معاقل السلمي ف الندلس‪ ،‬وبالتال خروج السلمي بالكُلّيّة من الندلس‬
‫بعد أكثر من ثانية قرون‪ ،‬وذلك ف سنة (‪897‬هـ) ‪1491‬م‪.2‬‬
‫ورغم ماولت الدولة العثمانية لنجدة السلمي ف الندلس إل أن ماولتهم باءت بالفشل؛‬
‫لنشغال العثمانيي بالروب مع شرق أوربا من جهة‪ ،‬والصفويي الشيعة ف إيران من جهة أخرى‪.3‬‬
‫أما القرن العاشر الجري (السادس عشر اليلدي) فكان عثمانيّا خالصًا؛ إذ وصلت‬
‫الفتوحات العثمانية السلمية إل منتصف أوربا تقريبًا‪ ،‬واستطاع العثمانيون ف عهد سليم الول‬
‫وسليمان القانون أن يضما معظم أملك الدولة البيزنطية إل السلمي‪ ،‬وبذلك دخلت اليونان وألبانيا‬
‫ويوغوسلفيا والجر وبلغاريا ف نطاق الدولة السلمية‪ ،‬ووصلت اليوش السلمية إل فيينا عاصمة‬
‫النمسا‪ ،‬وقَبِل ملك النمسا آنذاك أن يدفع الزية للمسلمي‪.‬‬
‫وف هذا القرن حاول السبان والبتغال احتلل دول شال إفريقيا إل أن الحاولت ل تكن‬
‫ناجحة ف الغلب‪ ،‬اللهم إل ناح السبان ف انتزاع سبتة ومليلة من الغرب سنة (‪987‬هـ)‬
‫‪1580‬م‪ ،‬وبقائهما تت الحتلل حت الن‪ .‬وف القرن الادي عشر الجري (السابع عشر‬
‫اليلدي) بدأ التقلص العثمان ف أوربا‪ ،‬واستطاعت بعض الدول الوربية النتصار على الدولة‬
‫العثمانية ف عدة لقاءات‪.‬‬
‫وعلى الساحة الغربية كان التفوق السبان والبتغال ملحوظًا‪ ،‬وإن كان التفوق الولندي‬
‫كان أشدّ وأكثر‪.‬‬
‫أما القرون الثلثة التالية وهي القرن الثان عشر والثالث عشر والرابع عشر الجري (الثامن‬
‫عشر والتاسع عشر والعشرون اليلدي)‪ ،‬فقد كان التفوق الصليب واضحًا‪ ،‬وبدأت الدولة العثمانية‬
‫ف التقلص التدريي تت ضربات إنلترا وفرنسا من ناحية‪ ،‬وروسيا من ناحية أخرى‪ ،‬وسقطت‬
‫معظم دول العال السلمي تت الحتلل النليزي والفرنسي والروسي والصين والندي‪ ،‬وكذلك‬
‫اليهودي ف فلسطي بساعدة النليز (خريطة ‪.)5‬‬

‫‪ 1‬عبد العزيز العمري‪ :‬الفتوح السلمية عب العصور ص ‪.380‬‬


‫‪ 2‬القري‪ :‬نفح الطيب من غصن الندلس الرطيب ‪..4/383‬‬
‫‪ 3‬نبيل عبد الي‪ :‬جهود العثمانيي لنقاذ الندلس ص ‪.125‬‬

‫‪16‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ث شهد منتصف القرن الرابع عشر الجري (منتصف القرن العشرين) موجة ترر واسعة‬
‫النطاق ف العال السلمي‪ ،‬بدأت ف لبنان سنة (‪1360‬هـ)‪1941‬م‪ ،‬ث سوريا (‪1362‬هـ)‬
‫‪1943‬م‪ ،‬ث ليبيا (‪1370‬هـ) ‪1951‬م‪ ،‬ث مصر (‪1371‬هـ) ‪1952‬م‪ .‬وهكذا تتابعت الدول‬
‫السلمية ف التحرر حت ل يبق إل فلسطي‪ ،‬وسبتة ومليلة ف الغرب‪ ،‬هذا فضلً عن الدول الحتلة‬
‫من دول غي نصرانية‪ ،‬كالدول الحتلة من التاد السوفيت أو الصي أو الند‪.‬‬
‫ث كانت الجمة الصليبية الخية على العال السلمي؛ حيث احتلت الصرب البوسنة سنة (‬
‫‪1412‬هـ) ‪1992‬م‪ ،‬ث تررت سنة (‪1415‬هـ)‪1995‬م‪ ،‬ث احتلت أمريكا أفغانستان سنة (‬
‫‪1421‬هـ) ‪2001‬م‪ ،‬ث العراق سنة (‪1422‬هـ) ‪2003‬م (خريطة ‪.)6‬‬
‫وهكذا رأينا أنه منذ أيام البعثة النبوية الول وحت أيامنا هذه ل تتوقف أبدًا حلقات الصراع‬
‫السلمي‪ -‬النصران‪ ،‬ول يكن هناك َعقْد ‪ -‬فضلً عن قرن ‪ -‬خل من معارك ونزال‪ ،‬وهذا أمر ليس‬
‫مستغربًا؛ حيث قال تعال ف كتابه الكري‪( :‬وَلَنْ َت ْرضَى عَ ْنكَ الَْيهُو ُد وَلَ الّنصَارَى حَتّى تَتّبِعَ‬
‫ِملَّتهُمْ‪ .)1‬وقال أيضًا‪( :‬وَلَ َيزَالُونَ ُيقَاِتلُونَ ُكمْ حَتّى َي ُردّو ُكمْ عَ ْن دِينِ ُكمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا‪.)2‬‬
‫وهكذا باستعراض هذه اللقات نعرف أن قصة الروب الصليبية الت نن بصددها ليست‬
‫قصة مستغربة‪ ،‬بل إن الستغرب فيه حقيقة أل توجد فترة فيها تصادم وتصارع‪ .‬ومع عدم رغبتنا ف‬
‫الصدام أو الصراع إل أنه سنةٌ من سنن الكون‪ ،‬ذكرها ربّنا سبحانه وتعال ف كتابه حي قال‪:‬‬
‫سدَتِ اْلَأ ْرضُ وََلكِنّ ال ّل َه ذُو َفضْلٍ َعلَى اْلعَالَمِي‪.)3‬‬
‫ض ُهمْ بَِبعْضٍ َلفَ َ‬
‫( َوَلوْلَ َدفْعُ ال ّلهِ النّاسَ َبعْ َ‬

‫‪( 1‬البقرة‪.)120 :‬‬


‫‪( 2‬البقرة‪.)217 :‬‬
‫‪( 3‬البقرة‪.)251 :‬‬

‫‪17‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫العال السلمي قبيل الروب الصليبية‬

‫ف القرن الرابع الجري وف النصف الول من القرن الامس الجري‪ ،‬كان العال السلمي‬
‫كله إل قليل القليل‪ ،‬واقعًا تت سيطرة الذهب الشيعي (خريطة ‪.)7‬‬
‫ففي منطقة العراق كانت هناك اللفة العباسية السّنية‪ ،‬ولكنها دخلت ف طورٍ شديد من‬
‫أطوار الضعف؛ ما جعلها تقع فريسة للسيطرة الشيعية من بن بويه‪ ,‬الذين كانوا يسيطرون على فارس‬
‫(إيران) ف ذلك الوقت‪ ،‬واستمرت هذه السيطرة حت منتصف القرن الامس الجري‪.‬‬
‫وإل الشرق من اللفة العباسية وإيران حيث أقاليم آسيا الوسطى‪ ،‬كان السامانيون‬
‫يسيطرون على شرق إيران ومنطقة أفغانستان وجنوب روسيا وما حولا‪.‬‬
‫أما الزيرة العربية فكانت تت حكم القرامطة‪.‬‬
‫ث ف وسط العال السلمي وغربه كانت الدولة الفاطمية العبيدية الشيعية الساعيلية تسيطر‬
‫على أرجاء واسعة؛ حيث سيطرت على مصر سنة (‪358‬هـ) ‪969‬م‪ ،1‬وظلت مسيطرة عليها قرابة‬
‫قرني كاملي من الزمان‪ ،‬وامتدت سيطرتا بعد ذلك لتشمل أرض فلسطي والشام والزيرة العربية‪.2‬‬
‫وف أوائل القرن الامس ظهرت قوة جديدة على الساحة السلمية‪ ،‬هي قوة التراك السّنّة‬
‫القادمي من وسط آسيا‪ ،‬وهم أكثر من قبيلة‪ ،‬وإن كان يمعهم العرق التركي‪.‬‬
‫وكان أبرز هذه القبائل هي قبيلة الغزنويي التراك‪ ،‬الذين استغلوا حالة الضعف الت اعترت‬
‫دولة بن بويه وكذلك آل سامان‪ ،‬فبدأت تنتشر وتسيطر على مناطق شرق إيران وأفغانستان والند‪.‬‬
‫ث ظهرت قبيلة أخرى من قبائل التراك هي قبيلة السلجقة (نسبة إل جَدّهم سلجوق بن‬
‫دقاق)‪ ،‬وتوغلت هذه القبيلة ف إقليم خراسان‪ ،‬وصارت تت تبعية الغزنويي فترة من الزمان‪ ،‬إل‬
‫أنم ف النهاية قاموا بالثورة عليهم‪ ،‬واستقلوا بإقليم خراسان (شرق وشال إيران) تت قيادة طغرل‬
‫بك‪ ،‬وكان ذلك ف (‪428‬هـ) ‪1037‬م‪ ،3‬ث أخذ السلجقة ف التوسع على حساب القوى‬
‫السلمية الحيطة‪ ،‬وكذلك على حساب الدولة البيزنطية الت كانت قد دخلت ف القرن الامس‬
‫الجري (الادي عشر اليلدي) ف طور من أطوار ضعفها‪ ،‬وبذلك شلت دولة السلجقة مساحات‬
‫واسعة من فارس وشال العراق وأرمينية وآسيا الصغرى‪ .4‬ث حدث تطور خطي ف سنة (‪447‬هـ)‬
‫‪1055‬م‪ ،‬حيث استنجد الليفة العباسي القائم بأمر ال بطغرل بك لينجده من سيطرة بن بويه‬

‫‪ 1‬ابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.11/266‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Setton: A Hist of the Crusades, vol. l. pp. 85-86.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،12-11 ،8/6‬وابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.12/48‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،126،125 /8‬وابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.12/50‬‬

‫‪18‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الشّيعة‪ ،‬وبالفعل دخل طغرل بك بغداد ف سنة ‪447‬هـ‪ ،1‬ليبدأ عهد السيطرة السلجوقية على‬
‫اللفة العباسية‪ ،‬ول شكّ أن هذا أعطى مكانه كبية لطغرل بك ف العال السلمي السّن؛ ما أدى‬
‫إل توحيد أجزاء كبية من العال السلمي تت سيطرته‪ ،‬خاصةً فارس والعراق وأجزاء من الشام‬
‫وآسيا الصغرى‪ ،‬وكانت هجمات السلجقة متوالية على منطقة آسيا الصغرى خاصّةً‪2‬؛ ما أزعج‬
‫الدولة البيزنطية جدّا‪ ،‬على الرغم من أن هذه الجمات ل تكن منظمة بشكل كبي‪ ،‬ول تكن‬
‫تستهدف الستقرار ف آسيا الصغرى‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وف سنة (‪455‬هـ) ‪1063‬م تُوفّي طغرل بك ليخلفه القائد السلمي الف ّذ ألب أرسلن‪،‬‬
‫الذي غيّر كثيًا من سياسة السلجقة ف آسيا الصغرى‪ ،‬حيث أصبحت تستهدف البقاء والسيطرة‬
‫على الراضي البيزنطية والرمينية‪ ،‬وأدى ذلك إل نشوب معركة كبى بي السلجقة والدولة‬
‫البيزنطية‪ ،‬وذلك ف سنة (‪463‬هـ) ‪1071‬م‪ ،‬وهي معركة ملذكرد (مانزكرت)‪ ،‬وهي من أقوى‬
‫العارك ف تاريخ السلمي‪ ،‬حيث استطاع السلجقة بقيادة ألب أرسلن وبيش قوامه عشرون ألفًا‬
‫فقط‪ ،‬أن يهزموا جيش الدولة البيزنطية الكوّن من أكثر من مائت ألف جندي بقيادة رومانوس الرابع‬
‫إمباطور الدولة البيزنطية‪.‬‬
‫وكان جيش الدولة البيزنطية مكوّنًا من خليط من النود البيزنطيي والنود النورمان‬
‫اليطاليي الرتزقة‪ ،‬وكذلك من جنود غربيي مرتزقة‪ ،‬إضافةً إل فرق من التركمان السيويي‪ ،‬وقد‬
‫سُحِق اليش البيزنطي ف هذه العركة‪ ،‬وقُتل منه عشرات اللف‪ ،‬وأسر رومانوس الرابع نفسه‪ ،‬وتّ‬
‫فداؤه بليون دينار‪ ،‬إضاف ًة إل إطلق سراح كل أسرى السلمي لدى الدولة البيزنطية‪4‬؛ وانارت‬
‫الدولة البيزنطية ف منطقة آسيا الصغرى‪ ،‬وأصبح دورها ف حاية البوابة الشرقية لوربا دورًا‬
‫مشكوكًا فيه؛ ما أقلق النصارى ف غرب أوربا جدّا‪ ،‬ولعل هذا من المور الت مهّدت للحروب‬
‫الصليبية بعد ذلك (بعد ‪ 25‬سنة فقط من ملذكرد)‪.‬‬
‫وانشغل ألب أرسلن بتثبيت دعائم دولته الكبى‪ ،‬واهتم بالنطقة الشرقية بصورة أكب‪،‬‬
‫ولكن سرعان ما ُقتِل ف أحد معاركه ف بلد ما وراء النهر بعد ملذكرد بسنة واحدة ف (‬
‫‪464‬هـ) ‪1072‬م‪ ،‬ليخلفه ابنه ملكشاه الذي حكم من سنة ‪ 465‬إل سنة ‪485‬هـ (‪1072‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/323،322‬وابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.12/66‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Cam. Med. Hist., vol. 4. p. 304.‬‬
‫‪ 3‬ابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.12/90،89‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/389،388‬‬

‫‪19‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إل ‪1092‬م)‪ ،‬ووصلت دولته من الصي شرقًا إل بر مرمرة غربًا‪ ،‬وهي الدولة الت عرفت بدولة‬
‫السلجقة الكبى‪.1‬‬
‫وعلى الرغم من هذا التساع الضخم إل أنه ‪ -‬للسف ‪ -‬فإن القاعدة الصيلة تقول‪ :‬إنه‬
‫عند انفتاح الدنيا واتّساع الملك‪ ،‬يدث التصارع والتنافس بي الخوة؛ وهذا مصداق حديث‬
‫رسول ال ‪َ " :‬فوَال ّلهِ مَا اْل َف ْقرَ أَخْشَى َع َليْ ُكمْ‪ ،‬وَلَكِنّي أَخْشَى أَنْ ُتبْسَطَ َعلَيْ ُكمْ الدّنْيَا كَمَا بُسِ َطتْ‬
‫َعلَى مَنْ كَا َن قَ ْبلَ ُكمْ‪ ،‬فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا‪ ،‬وَُت ْهلِكَ ُكمْ كَمَا َأ ْهلَكَ ْت ُهمْ"‪.2‬‬
‫وقد حدث التنافس بي أبناء البيت السلجوقي؛ ما أدى إل انقسام الدولة إل خسة أجزاء‪،‬‬
‫بل وكان ف داخل كل جزء عدة انقسامات أخرى‪ ،‬ما أعطى طابع الفُرقة والتشتّت ف أواخر القرن‬
‫الامس الجري (أواخر القرن الادي عشر اليلدي)‪ ،‬وهي الفترة الت شهدت الركة الصليبية‬
‫الغربية‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فبالنظر إل حال المة السلمية ف هذا التوقيت ندرك يقينًا أن المة ستقع ف‬
‫أزمة كبية‪ .‬وتعاَلوْا نلقي نظرة سريعة على المارات والدويلت الوجودة ف ذلك الوقت‪ ،‬لنفهم بعد‬
‫ذلك‪ ،‬لاذا اختار الصليبيون هذا التوقيت خصوصًا لغزو العال السلمي؟ ولاذا اختاروا هذه البقاع‬
‫خاصّةً؟‬
‫لقد حدث صراع كبي بي السلجقة الذين كانوا يعيشون ف منطقة الناضول (آسيا‬
‫الصغرى) بقيادة سليمان بن قتلمش‪ ،‬وبي السلجقة الذين يعيشون ف الشام بقيادة تتش بن ألب‬
‫أرسلن ويعاونم سلجقة فارس‪ ،‬وكان هذا الصراع ف سنة (‪478‬هـ) ‪1086‬م‪ ،‬ونتج عن هذا‬
‫الصراع مقتل سليمان بن قتلمش‪ ،‬وهو أقوى ملوك السلجقة الروم‪3‬؛ ما أدى إل فراغ سياسيّ‬
‫ضخم ف آسيا الصغرى‪ ،‬خاص ًة أنه ترك ولدًا صغيًا على ولية عهده هو قلج أرسلن بن سليمان بن‬
‫قتلمش‪ ،‬وبالتال تفككت منطقة آسيا الصغرى إل عدة دويلت صغية منفصلة‪ ،‬بل ومتناحرة‪.‬‬
‫وكان من الثار السيئة الخرى لذا الصراع أن َفقَد سلجقة الروم وسلجقة الشام أي ثقة‬
‫ف التعاون والتاد‪ ،‬وكان لذا أشد الثر ف انيار القاومة أمام الصليبيي بعد ذلك‪.4‬‬
‫وهكذا صار ملك السلجقة مو ّزعًا على الصورة التية ف ناية القرن الامس الجري (ناية‬
‫القرن الادي عشر اليلدي) (خريطة ‪:)8‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/395‬‬


‫‪ 2‬البخاري‪ :‬كتاب الرقاق باب ما يذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها (‪ ،)6061‬ومسلم‪ :‬كتاب الزهد والرقائق (‪ ،)2961‬والترمذي‬
‫(‪ ،)2462‬وابن ماجه (‪ ،)3995‬وأحد (‪.)17273‬‬
‫‪ 3‬النويري‪ :‬ناية الرب ‪.27/93‬‬
‫‪ 4‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/90،89‬‬

‫‪20‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أولً‪ :‬دولة السلجقة الكبى وهي الت خلفها ملكشاه الول‪ ،‬وظلت تكم أقاليم واسعة‬
‫أهها العراق وإيران‪ ،‬وكانت لا السيطرة الباشرة على اللفة العباسية‪ ،‬وهذه كان با صراعات‬
‫داخلية‪ ،‬وإن كانت ظلت متماسكة إل حدّ ما‪ ،‬وكان يكمها خلفًا للكشاه ابنه الكب بركياروق‪،‬‬
‫وقامت ضده عدة ثورات من أقاربه وأعمامه‪ ،‬ولكنه ظل حاكمًا حت وفاته (‪498‬هـ) ‪1104‬م‪.1‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بيت سلجقة كرمان (جنوب إيران ومنطقة باكستان)‪ ،‬وهم عشية قاروت بك بن‬
‫داود بن ميكائيل بن سلجوق‪ ،‬وهو أخو القائد الكبي ألب أرسلن‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬سلجقة عراق العجم وكردستان (ف شال العراق)‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬سلجقة الشام‪ ،‬وهم بيت تتش بن ألب أرسلن‪ ،‬وهؤلء انقسموا على أنفسهم عدة‬
‫انقسامات‪ ،‬وفتّتوا الشام إل عدة إمارات‪ ،‬سنأت لتفصيلها بإذن ال‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬سلجقة الروم بآسيا الصغرى‪ ،‬وهم بيت قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق‪ ،‬والذي‬
‫كان أكبهم سليمان بن قتلمش أقوى ملوكهم‪ ،‬الذي قُتل سنة (‪478‬هـ) ‪1086‬م كما بينا‪.‬‬
‫ونتيجة هذه الصراعات التتالية صار الوضع مزريًا قبيل دخول اليوش الصليبية إل أرض‬
‫السلمي‪.‬‬
‫ففي أرض الشام صارت حلب إمارة مستقلة تت زعامة رضوان بن تتش‪ ،‬وصارت دمشق‬
‫أيضًا إمارة مستقلة تت حكم دقاق بن تتش‪ ،‬أما فلسطي فقد كانت تت حكم سقمان وإيلغازي‬
‫أولد أرتق التركمان‪ ،‬وهو أحد القادة الذين كانوا يتبعون تتش بن ألب أرسلن‪.2‬‬
‫ث إن الدولة العبيدية (الفاطمية) ‪ -‬الت كانت تكم مصر آنذاك ‪ -‬كانت متفوقة ف أسطولا‬
‫البحري عن السلجقة؛ ما مكّنها من السيطرة على موانئ الشام‪ ،‬وأهها صور وصيدا وعكا وجبيل‪،‬‬
‫غي أن ميناء طرابلس كان إمارة مستقلة تت حكم ابن عمار أب طالب‪ ،‬وهو من الزعماء الشيعة‬
‫النشقّي عن الدولة العبيديّة‪.3‬‬
‫فكان هذا هو حال الشام! وهي النطقة الت ستوجّه إليها الملت الصليبية القادمة‪.‬‬
‫ول يكن حال آسيا الصغرى بأفضل من حال الشام‪ ،‬وخاصةً بعد مقتل سليمان بن قتلمش‬
‫سنة (‪478‬هـ) ‪1086‬م‪ ،4‬وكان السلطان ملكشاه قد أخذ ابن سليمان بن قتلمش وهو قلج‬
‫أرسلن إل فارس تت رقابته‪ ،5‬غي أنه عند وفاة ملكشاه وولية ابنه بركياروق أطلق سراح قلج‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،164 ،12/150‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.127‬‬
‫‪ 2‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪ ،1/96‬وعماد الدين خليل‪ :‬المارات الرتقية ف الزيرة والشام ص ‪.66،65‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/425،424‬‬
‫‪ 4‬النويري‪ :‬ناية الرب ‪.27/93‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬سبط ابن الوزي‪ :‬مرآة الزمان ص ‪.443‬‬

‫‪21‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أرسلن ليصبح بذلك زعيم السلجقة الروم‪ ،1‬وإن ل يتمكن من السيطرة على كل آسيا الصغرى‪.‬‬
‫ول يفى على أحد أنه كان ل يتلك البة الكافية لذه الهمة الكبية‪ ،‬وهي قيادة منطقة توج‬
‫بالشاكل والفت‪ ،‬سواء من السلمي أو من غي السلمي؛ فالشاكل الداخلية بي التراك‪ ،‬والشاكل‬
‫مع سلجقة الشام كانت مستمرة ومستعرة‪ ،‬إضافةً إل وجودها إل جوار الدولة البيزنطية العدو‬
‫اللدود والتقليدي للمسلمي على مدار خسة قرون متتالية‪.‬‬
‫ث إن آسيا الصغرى ل تكن وحدة واحدة‪ ،‬فأزمي مثلً كانت تت إمرة زاخارس‪ ،‬بينما‬
‫كانت هناك إمارة الدانشمند‪ ،‬وهي إمارة أسسها أمي تركمان اسه أحد غازي‪ ،‬وكانت تشغل‬
‫الشمال الشرقي من آسيا الصغرى‪ ،‬وكانت على خلف مستمر مع السلجقة ف آسيا الصغرى‪،‬‬
‫ومن ثَمّ كان التحالف بينهما نادرًا ما يدث‪ ،‬وف ظروف ضيقة جدّا‪.2‬‬
‫وليس هذا فقط‪ ،‬فقد شهدت سنة (‪490‬هـ) ‪1095‬م تو ّسعًا بيزنطيّا ف غرب آسيا‬
‫الصغرى‪ ،‬واستولت على الهات الساحلية ف نيثنيا وأبونيا‪ ،3‬وما زاد الوقف تعقيدًا ف آسيا الصغرى‬
‫وجود أعداد كبية من الرمن كانوا يعيشون ف دولتهم ف هذه النطقة منذ فترات طويلة‪ ،‬لكن‬
‫الدولة البيزنطية ضمت أرمينيا إل أملكها ف القرن الرابع الجري (العاشر اليلدي)‪ ،‬لكن مع توسع‬
‫السلجقة ف القرن الامس الجري ف آسيا الصغرى على حساب أملك الدولة البيزنطية اجتاح‬
‫السلجقة الكثي من أقاليم أرمينيا؛ ما جعل الرمن يهاجرون إل النوب الشرقي من آسيا الصغرى‬
‫حيث الطبيعية البلية الصعبة ف إقليم قليقية‪ ،‬كما تركزوا ف ثلث مناطق أخرى متفرقة هي ملطية‬
‫والرّها وأنطاكية‪ ،4‬مع العلم أن هذه الناطق الثلثة الخية كانت تمعات بيزنطية قدية‪ ،‬ومن ثَمّ‬
‫أصبحت خليطًا من الرمن الكاثوليك والبيزنطيي الرثوذكس‪ ،‬غي أن سليمان بن قتلمش استطاع‬
‫ضم أنطاكية لكم السلجقة سنة(‪477‬هـ) ‪1085‬م‪ ،‬وتسرب إليها السلمون ليعيشوا فيها جنبًا‬
‫إل جنب مع البيزنطيي والرمن‪ ،5‬وكذلك الرها فقد سيطر عليها ملكشاه‪ ،‬لكنه أقر على حكمها‬
‫أحد الرمن وهو ثوروس مع دفع الزية‪ ،6‬ونفس المر حدث ف ملطية فقد سيطر عليها أحد رجال‬
‫الرمن يُدعى جبيل‪ ،‬وكان كذلك يعلن الولء للسلجقة‪.7‬‬

‫‪ 1‬زامباور‪ :‬معجم النساب والسرات الاكمة ف التاريخ السلمي ص ‪.215‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades l, L Vll – Llll.‬‬
‫‪ 3‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/100‬‬
‫‪4‬‬
‫‪lorga: L`Armenie Cilicienne, pp. 7-88.‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/294‬وسبط ابن الوزي‪ :‬مرآة الزمان ص ‪.422‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Chalandon: Hist. de la Premiere Croisad, p. 175.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Setton, op cit l, p. 299.‬‬

‫‪22‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومن هنا نرى أن هذا الوجود الرمن الكثف جعل المور غي مستقرة وغي آمنة ف هذه‬
‫الناطق الثلثة‪ ،‬إضافةً إل إقليم قليقية ف النوب الشرقي من آسيا الصغرى‪ ،‬وهذا كله سيكون له‬
‫آثار مباشرة ف ناح الملة الصليبية الول كما سيتضح لنا‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن التركيبة السكانية الصعبة ف آسيا الصغرى والكوّنة من سلجقة وأرمن‬
‫وبيزنطيي‪ ،‬والتفتّت الواضح ف مراكز الكم‪ ،‬والعلقات السلبية بي الطوائف الختلفة‪ ،‬والتوتر‬
‫الشديد مع الناطق الحيطة‪ ،‬كل هذا أدّى إل وضع معقد جدّا ف هذه الناطق‪ ،‬لعله يفسّر القتحام‬
‫الصليب الرتقب لنطقة آسيا الصغرى وما حولا‪.‬‬
‫كان هذا هو الوضع ف شرق العال السلمي‪ ،‬وهو ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬وضعٌ ل ينذر بي‪،‬‬
‫سواء ف مناطق آسيا الصغرى والشام وفلسطي أو ف مناطق العراق وفارس‪.‬‬
‫ول يكن الوضع ف بقية بلد العال السلمي طيّبًا‪ ،‬اللهم إل ف بعض البقاع التفرقة‪ ،‬ولعل‬
‫أهم الناطق الت تعنينا ف هذه القصة هي منطقة مصر لقربا من الحداث‪ ،‬بل ولتعرضها لبعض‬
‫الملت الصليبية كما سيتبي لنا‪.‬‬
‫وكانت مصر ف هذه الثناء تت حكم العبيديي (اللقّبي بالفاطميي)‪ ،‬وقد بدأ حكمهم ف‬
‫مصر سنة (‪358‬هـ) ‪969‬م بعد عدة ماولت لحتللا على مدار أكثر من خسي سنة سابقة‪ ،‬ث‬
‫آلت لم ف النهاية مع شال إفريقيا‪ ،‬بل وامتد حكمهم إل الشام والجاز‪.‬‬
‫والعبيديون طائفة متطرفة جدّا من الشيعة‪ ،‬يقولون بكل عقائد الشيعة وأكثر‪ ،‬ويرّفون‬
‫تريفاتم وأشد‪ ،‬وهم يدّعون النسب إل فاطمة رضي ال عنها بنت رسول ال ‪ ،‬وكذبوا ف ذلك‪،‬‬
‫بل نسبهم إل أحد اليهود الذين عاشوا ف الغرب‪ ،‬وقد سيطروا على الغرب سنة (‪296‬هـ)‬
‫‪908‬م‪ ،‬ث انتشروا ف شال إفريقيا‪ ،‬وأقاموا ما يسمونه باللفة الفاطمية‪ ،‬وهي ليست ف الصل‬
‫خلفة ول فاطمية‪ ،‬إنا هي دولة خبيثة قامت على قتل علماء السّنّة واضطهادهم‪ ،‬وأذاقت الناس‬
‫العذاب ألوانًا‪ ،‬وأظهرت من الفسق والفجور والنكرات‪ ،‬وتغيي العقائد والخلق ما ل يتخيل‪،‬‬
‫وكانوا جيعًا من طائفة الساعيلية‪ ،‬وهي إحدى الطوائف النشقة عن الشيعة والنتسبة إل إساعيل بن‬
‫جعفر الصادق‪1‬؛ يقول الساعيلية‪ :‬إن المام السابع هو ابنه إساعيل‪ .‬بينما يقول الشيعة الثنا عشرية‪:‬‬
‫إن المام السابع هو موسى الكاظم البن الخر للمام جعفر الصادق‪ .‬ويقول الساعيلية أيضًا‪ :‬إنه‬
‫كان بعد المام إساعيل خسة أئمة مستورين‪ ،‬ث المام الثالث عشر هو الهدي مؤسس الدولة‬
‫العبيدية‪ .‬ويدّعون ف أئمتهم أشياء عجيبة وخوارق منكرة‪ ،‬ووصل المر إل ادّعائهم أن ال حلّ‬

‫‪ 1‬وهو المام السادس عند الشيعة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ف أئمتهم ‪ -‬تعال ال عما يقولون علوّا كبيًا ‪ -‬ولذلك فهناك منهم من ادّعى اللوهية وليس النبوة‪،‬‬
‫ومن أشهرهم الاكم بأمر ال الذي كان زعيمًا لدولتهم ف مصر‪ ،‬وهو الذي خاطبه الشاعر بقوله‪:‬‬
‫ما شئتَ ل شاءت القدار *** فاحكمْ فأنتَ الواحد القهارُ‬
‫وأنشأ هؤلء الفُسّاق الامع الزهر ف مصر لينشر سومهم وأفكارهم التطرفة‪ ،‬ولكن ردّ ال‬
‫كيدهم ف نورهم‪ ،‬فأصبح الامع الزهر على مدار عدة قرون من مراكز إشعاع السّنة ف العال‪.‬‬
‫ب الصحابة بل والنبياء‪ ،‬بل ورسول ال ؛ ومن ذلك ما كان ينادي به القائم بن‬ ‫وكانوا يُظهِرون س ّ‬
‫الهدي ف السواق‪" :‬العنوا عائشة وبعلها‪ ،‬العنوا الغار وما حوى"‪ .‬وكانوا يضربون عنق من أظهر‬
‫ب أب بكر أو عمر‪ ،‬ويقطعون لسان من قال ف الذان (حي على الفلح)؛ لنم يستبدلون با‬ ‫ُح ّ‬
‫(حي على خي العمل)‪ ،‬ومنكرات أخرى كثية مطولة مسجلة ف كتب التاريخ‪.1‬‬
‫لقد كانت هذه الدولة البيثة هي الت تكم مصر ف ذلك الوقت‪ ،‬بل وإنا انقسمت على‬
‫نفسها ف سنة (‪487‬هـ) ‪1094‬م‪ ،‬عندما تُوفّي خليفتهم الستنصر‪ ،‬وتكوّنت فرقتان كبيتان؛‬
‫الول هي الت تقطن بصر وتكمها‪ ،‬وهي الستعلية (نسبة إل الستعلي بن الستنصر)‪ .‬أما الفرقة‬
‫الثانية فهي أشد شرّا من كل ما سبق وهي فرقة النارية‪ ،‬وهي النتسبة إل نزار بن الستنصر أخي‬
‫الستعلي بن الستنصر‪ ،‬وهذه الطائفة ألغت الشعائر الدينية‪ ،‬وامتنعوا عن إقامة الفرائض‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ظلوا يدّعون السلم‪ ،‬وهم الذين عرفوا ف التاريخ باسم الباطنية‪ ،‬وهم يُظهِرون شيئًا ويبطنون أشياء‬
‫أخرى‪ ،‬وكان من هّهم الكب قتل علماء السّنة وماهديهم‪ ،‬وسيكون لم أثر سلب شديد على‬
‫حركات الهاد الت تدف إل إخراج الصليبيي من أرض السلمي‪ ،‬وكان هؤلء الباطنية أهل حرب‬
‫وحصون وقلع‪ ،‬وبأس شديد ف القتال‪ ،‬وكانوا يشنّون حروب العصابات على القرى المنة‪ ،‬وعاثوا‬
‫ف الرض فسادًا‪ ،‬وكانوا أشدّ على السلمي من الروم والصليبيي‪.‬‬
‫أما الطائفة الت كانت تكم مصر ف أواخر القرن الامس الجري‪ ،‬أيام قدوم الملة‬
‫الصليبية فكانت طائفة الستعلية الساعيلية‪ ،‬وكانوا قد فقدوا السيطرة تامًا على مناطق شال غرب‬
‫إفريقيا‪ ،‬ول يعُ ْد لم ف ملكهم إل مصر‪ ،‬وكانت لم أطماع كبية ف الشام وفلسطي؛ ولذلك فإنم‬
‫كانوا ف حروب مستمرة مع السلجقة السّنة‪ ،‬ول يكونوا يانعون أبدًا ف التحالف مع الروم‬
‫البيزنطيي تارة‪ ،‬ومع الصليبيي أنفسهم تارة أخرى ف سبيل القضاء على السلجقة‪ ،‬واقتطاع جزء‬
‫من أرض الشام وفلسطي‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر أخبارهم ف‪:‬الكامل ف التاريخ لبن الثي‪ ،‬والبداية والنهاية لبن كثي‪ ،‬والروضتي ف أخبار الدولتي النورية والصلحية لب‬
‫شامة القدسي‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد كان الوضع مؤسفًا حقّا! وكان اليش الصري آنذاك ‪ -‬وعماده ف الساس العبيديون‬
‫الساعيلية ‪ -‬شوكةً ف حلق المة السلمية‪ ،‬وظل كذلك فترة من الزمان حت ظهر نور الدين‬
‫ممود وصلح الدين اليوب‪ ،‬كما سيتضح لنا من مريات الحداث بإذن ال‪.‬‬
‫إذن كانت هذه هي الال ف مناطق آسيا الصغرى والشام والعراق ومصر‪ ،‬وكلها كما رأينا‬
‫كان سيّئًا لسبب أو لخر‪ ،‬ول يكن الال ف بقية أطراف العال السلمي بأفضل من ذلك‪.‬‬
‫فقد كان الغزنويون يسيطرون على أفغانستان والند‪ ،‬ولكنهم ‪ -‬للسف الشديد ‪ -‬كانوا قد‬
‫دخلوا ف وقت أفولم‪ ،‬وبالتال ضعفت قوتم جدّا عن نصرة بلد الشام‪ ،‬فضلً عن بُعد مسافاتم عن‬
‫هذه الراضي‪.‬‬
‫وكانت اليمن مقسّمة بي ثلث طوائف هم‪ :‬بنو ناح‪ ،‬والصليحيون‪ ،‬وبنو زريع؛ وكانت‬
‫الروب بينهم مستمرة‪ ،‬وكان يغلب على معظمهم التشيّع‪ ،‬وكانوا يدينون بالولء للدولة العبيديّة ف‬
‫مصر‪.‬‬
‫وكانت تونس تت حكم آل زيري‪ ،‬وكانوا أيضًا قد دخلوا ف طور من الضعف؛ ما أدى‬
‫إل َفقْد ثغر من أعظم الثغور السلمية‪ ،‬وهي جزيرة صقلية‪ ،‬حيث استطاع اليطاليون النورمانيون‬
‫أن يسيطروا عليها تامًا سنة (‪484‬هـ) ‪1091‬م‪ ،‬وزال نفوذ آل زيري عنها‪ ،‬وبالتبعية زال وجود‬
‫السلمي من الزيرة بعد حكم دام مائتي وسبعي سنة متصلة‪.1‬‬
‫أما الكان الوحيد الذي كان يشهد قوة إسلمية ف ذلك الزمن‪ ،‬فكان بلد الغرب العرب‬
‫وغرب إفريقيا والندلس؛ حيث كانت هذه الناطق تابعة لدولة الرابطي العظيمة تت قيادة قائدهم‬
‫الف ّذ يوسف بن تاشفي رحه ال‪ ،‬وهو من أعظم القادة ف تاريخ السلم‪ ،‬وهو الذي أنزل بالصليبيي‬
‫القادمي من شال إسبانيا وفرنسا الزية الساحقة ف معركة الزّلّقة سنة (‪479‬هـ) ‪1086‬م ف‬
‫وسط بلد الندلس‪.‬‬
‫وهذه الدولة الكبية ‪ -‬على قوتا ‪ -‬ل تكن تستطيع أن تساعد بلد الشرق ف حروبم ضد‬
‫الملت الصليبية‪ ،‬ل لبُعد السافة فقط ولكن لنشغالم الشديد ف حرب الصليبيي شال الندلس‪،‬‬
‫والوثنيي ف غرب إفريقيا ووسطها‪.‬‬
‫فهذه كانت نظرة عامة على بلد العال السلمي ف أواخر القرن الامس الجري (أواخر‬
‫القرن الادي عشر اليلدي)‪ ،‬وهو الوضع الذي مهّد لدخول الصليبيي إل معاقلنا‪ ،‬وليس دخول‬
‫الصليبيي ‪ -‬كما سنتبي ‪ -‬راجعًا إل قوتم‪ ،‬ولكنه يرجع ف الساس لضعفنا‪ ،‬وفرقة صفّنا‪ ،‬وتشتت‬
‫قوتنا‪ ،‬وبُعدنا عن ديننا‪ ،‬وهي عوامل مهلكة ل تفى على لبيب‪ ،‬ول ينكرها عاقل‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن خلدون‪ :‬تاريخ ابن خلدون ‪.6/155‬‬

‫‪25‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كان هذا هو وضع بلد العال السلمي قبيل الروب الصليبية‪ ،‬فكيف كان وضع أوربا ف‬
‫هذه الونة؟ هذا ما سنتعرف عليه ف الفصل القادم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أوربا قبل الروب الصليبية‬

‫لن نستطيع أن نفهم حقيقة الروب الصليبية ول دوافعها وبواعثها بدون اطّلع دقيق على‬
‫الياة الت كانت تعيشها أوربا ف ذلك الوقت‪ ،‬ول ينبغي أن يكون ذلك على الستوى السياسي‬
‫فقط‪ ،‬بل يب أن يشمل أيضًا الستوى القتصادي والدين والجتماعي؛ لنأخذ فكرة كاملة عن‬
‫الحوال هناك‪ ،‬ومن ثَ ّم نفقه هذا التوجّه الورب الشامل لغزو العال السلمي الشرقي‪.‬‬
‫أولً‪ :‬اللفية الدينية‪:‬‬
‫ف هذه القبة التاريية وف القرون الت سبقت الروب الصليبية‪ ،‬وخاصةً القرن التاسع‬
‫والعاشر اليلدي‪ ،‬وكذلك الادي عشر الذي تت فيه الروب الصليبية‪ ،‬كان للكنيسة سيطرة كبية‬
‫على مريات المور ف أوربا‪ ،‬ول تكن هذه السيطرة فكرية ودينية فقط‪ ،‬بل كانت سياسية‬
‫واقتصادية وعسكرية أيضًا‪.1‬‬
‫لقد كان ف إمكان الكنيسة أن تسحب الثقة من اللوك والمراء‪ ،‬فتنقلب عليهم الوضاع‪،‬‬
‫ويرفضهم الاصّة والعامّة‪ ،‬ومن َثمّ فالميع ينظر إل رأي الكنيسة بقدرٍ كبي من الرهبة والتبجيل‪،‬‬
‫ويكفي للدللة على قوة البابا ف ذلك الوقت أن نذكر موقفًا للبابا جريوري السابع مع المباطور‬
‫اللان هنري الرابع‪ .‬لقد كان المباطور اللان هو أقوى ملوك أوربا ف زمانه‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫غضب عليه البابا ف أحد الواقف‪ ،‬ورفض المباطور العتذار للبابا‪ ،‬فقام البابا بسحب الثقة منه‪،‬‬
‫وأعلن حرمانه من الرضا الكنسي‪ ،‬وبالتال حرمانه من النة كما يزعم! وبدأ الناس يرجون عن‬
‫طوعه‪ ،‬بل وكاد أن يفقد ملكه‪ ،‬فنصحه مقربوه بالعتذار الفوري للبابا‪ ،‬فماذا يفعل المباطور‬
‫اللان الكبي؟! لقد قرر أن يأت من ألانيا إل روما ماشيًا حاف القدمي! وذلك حت يظهر ندمه‬
‫الشديد على إغضابه للبابا‪ .‬ث كانت الفاجأة أن البابا رفض أن يقابله لدة ثلثة أيام كاملة‪ ،‬فبقي‬
‫المباطور خارج الكنيسة ف الطر والبد الشديد حت سح له البابا بالقابلة‪ ،‬فما كان من المباطور‬
‫إل أن ارتى على الرض ُيقّبل قدمي البابا ليصفح عنه‪!!2‬‬
‫لقد كان هذا هو الل الوحيد أمام المباطور العظيم ليحتفظ بلكه!‬
‫وكانت الكنيسة الكبى هي كنيسة روما‪ ،‬والبابا يستطيع أن يتحكم ف كل كنائس أوربا‬
‫الكاثوليكية‪ ،‬ومن ثَ ّم يستطيع السيطرة على الحداث ف البلد الختلفة‪ ،‬ول تكن الكنيسة مكان‬
‫عبادة أو معلّم للمور الدينية فقط‪ ،‬إنا كانت مؤسّسة ضخمة تُؤدّى إليها سنويّا الموال الغزيرة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Cambridge Medievel History, Vol. 5 P. 273.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ephraim Emerton, The correspondence of Pope Gregory Vll. Selected letters from‬‬
‫‪the Registum pp. 111 – 112.‬‬

‫‪27‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومن ثَمّ فإنا كانت تلك القطاعيات الكبية ف أوربا‪ ،‬بل وكانت تلك الفرق العسكرية الت تدافع‬
‫عن هذه القطاعيات‪ ،‬وكانت الكنيسة تتحالف مع فرق عسكرية أخرى عند الاجة‪ ،‬ومن هنا‬
‫أصبحت الكنيسة تثّل الاكم القيقي لعظم دول أوربا الغربية‪ ،‬وإن ل يكن هناك اتاد بالعن‬
‫الفهوم بي هذه الدول‪.‬‬
‫ومع كون الكنيسة تتل ف هذا الوقت هذه الكانة الكبية إل أن القساوسة كانوا على‬
‫درجة كبية من الهل والتخبط‪ ،‬ول يكن لم ف الغالب أي كفاءة دينية أو إدارية أو قيادية‪ ،1‬ول‬
‫يكن هذا فقط‪ ،‬بل إن معظم البابوات ف القرن التاسع والعاشر اليلدي كانوا على درجة كبية من‬
‫الفساد الخلقي‪ ،‬سواء ف قضايا الال أو ف قضايا النساء‪ ،2‬وكثي منهم قُتل ف حوادث أخلقية‬
‫ملّة‪ ،3‬مع أنم جيعًا كانوا يدّعون الرهبانية‪ ،‬ويعلنون اعتزالم مُتَع الياة‪ ،‬ويشيعون الزهد ف الدنيا‪،‬‬
‫ويتنعون عن الزواج‪ ،‬ث يرتكبون بعد ذلك أبشع جرائم السرقة‪ ،‬وكذلك الزنا؛ وصدق ال إذ‬
‫يقول ف كتابه واصفًا هذا التحريف والتبديل الذي أضافه هؤلء القساوسة ف دينهم فشقوا على‬
‫أنفسهم‪ ،‬وما استطاعوا اللتزام با فرضه بعضُهم على بعض‪ ،‬يقول تعال‪َ ( :‬و َرهْبَانِّيةً ابَْتدَعُوهَا مَا‬
‫ضوَانِ ال ّل ِه فَمَا رَ َع ْوهَا حَ ّق رِعَايَِتهَا‪.)4‬‬
‫كَتَبْنَاهَا َعلَ ْي ِهمْ إِ ّل ابِْتغَاءَ رِ ْ‬
‫وليس خافيًا على أحدٍ ما حدث منذ عدة سنوات عندما أمسكوا بيمي سواجارت‪ 5‬مع‬
‫بعض العاهرات ف أحد فنادق نيوأورليانز المريكية‪ ،‬وكان جيمي سواجارت قسيسًا من الذين‬
‫يقيمون الناظرات مع الداعية السلمي الكبي أحد ديدات‪ 6‬رحه ال‪ ،‬ث َأبَى ال إل أن يكشف‬
‫أوراقه أمام الميع‪ ،‬فل ير أح ٌد الن على الفندق الذي أمسكوه به إل ويتذكر قصة هذا الدعيّ‬
‫جيمي سواجارت‪.‬‬
‫ومع هذا الوضع السيئ للبابوات والقساوسة إل أنم كانوا يسيطرون على الوضاع ف‬
‫أوربا‪ ،‬وكان يساعدهم ف ذلك السطحية والهل والتخلف عند معظم شعوب أوربا آنذاك‪ ،‬وكذلك‬

‫‪ 1‬كانتور‪ :‬التاريخ الوسيط ‪.1/108:303‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Barraclough, The Med. Papacy, p. 63.‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.79‬‬
‫‪( 4‬الديد‪.)27 :‬‬
‫‪ 5‬جيمي سواجارت قس أمريكي يلك مطة للتلفزيون يستخدمها للتبشي بعتقده ولغراض أخرى فضحته النيابة العامة عند إلقاء‬
‫القبض عليه واتمته بسوء خلقه فظهر على كبيات الحطات التليفزيونية الدولية ليعترف تفصيليا بعلقته النسية مع إحدى البغايا‬
‫الداعرات‪ .‬هو صاحب ملة ‪ the evangelist‬و له مناظرة مشهورة مع الداعية السلمي الشيخ أحد ديدات‪ .‬موقع ويكبيديا‪.‬‬
‫‪ 6‬ولد الشيخ أحد ديدات بالند ث هاجر وهو ف سن التاسعة إل جنوب إفريقيا‪ ،‬برع ف دراسته وفاق أقرانه إل أنه ل يستطع إتام‬
‫دراسته بسبب حالته القتصادية فاته إل العمل‪ ،‬وتزود بالقراءة‪ ،‬وتصدى للرساليات التبشيية ف إفريقيا حت غدا من أكب الناظرين‬
‫لم‪ ،‬وله مناظرات عدة أشهرها مناظرته مع القس سواجارت‪ ،‬ومن مؤلفاته‪ :‬القرآن معجزة العجزات‪ ،‬وكانت وفاته أغسطس‬
‫‪.2005‬‬

‫‪28‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مفهوم الدين عند هذه الجتمعات البدائية‪ ،‬حيث كان الدين عندهم قائمًا على الرافات والباطيل‪،‬‬
‫وكانت تسيطر عليهم فكرة الشباح والرواح والوارق مثلما يدث ف متمع ريفي بسيط‪ ،‬وكان‬
‫هذا الوضع التدن يساعد البابوات والقساوسة ف السيطرة على عقول الناس عن طريق نشر‬
‫الشاعات والوهام‪ ،‬وعمليات غسيل الخ الت تحو كل فرصة للتفكي عند الشعوب‪.1‬‬
‫ومن الفكار الهمة الت أشاعها البابوات والقساوسة ف القرن الادي عشر ‪ -‬أي قبيل‬
‫الروب الصليبية بقليل ‪ -‬أن الدنيا على وشك النتهاء‪ ،‬وأن يوم القيامة قد اقترب جدّا‪ ،‬وأن هذا‬
‫مرتبط برور ألف سنة على ناية عهد السيح ‪ ،‬أي أن هذه الشاعة بدأت تنتشر ف سنة (‬
‫‪424‬هـ) ‪1033‬م تقريبًا وما بعدها‪ ،‬وكانوا يفسّرون كل الظواهر الكونية والطبيعية ف ذلك‬
‫الوقت على أنا أدلة على صدق الشاعة‪ ،‬ومن ذلك مثلً ثورة بركان فيزوف ف إيطاليا‪ ،‬أو حدوث‬
‫بعض الصواعق أو الزلزل‪.2‬‬
‫وكان لنتشار مثل هذه الشائعات الثر ف إحداث حالة من الوجل والرعب واللع عند‬
‫عموم الناس‪ ،‬وخوفهم الفرط من ذنوبم‪ ،‬وبروز دور البابوات والقساوسة والكنيسة بصفة عامة‬
‫لنقاذ الناس من هذه الضغوط‪ ،‬ومساعدتم على التخلص من هذه الذنوب‪ ،‬وضرب رجال الدين‬
‫على هذا الوتر بشدة‪ ،‬واستغلوه ف توجيه الناس إل ما يريدون‪ ،‬وقد كان من أهم الوسائل للتخلص‬
‫من هذه الذنوب دفع الموال للكنيسة‪ ،‬وهو المر الذي تطور بعد ذلك إل صكوك الغفران‪ ،‬الت ثار‬
‫عليها بعد ذلك بقرون مارتن لوثر‪ 3‬مؤسّس البوتستانتية‪.4‬‬
‫غي أن هناك وسيلة أخرى أشاعها البابوات والقساوسة للتخلص من الذنوب لا علقة كبية‬
‫بوضوعنا‪ ،‬وهو التشجيع على رحلت الج إل أرض فلسطي مهد السيح‪ ،5‬وذلك للتكفي عن‬
‫الذنوب‪ ،‬وكانت رحلت الج التكفيية هذه تستغرق من الناس جهدًا كبيًا ووقتًا طويلً‪ ،‬قد يصل‬
‫إل سبع سنوات‪ ،‬وكانت هذه الرحلت بديلً عن دفع الال الكثي للكنيسة‪ ،6‬ومن ثَ ّم رغب فيها‬
‫الفقراء الذين ل يستطيعون شراء رضاء الكنيسة‪ ،‬ومن هنا توالت رحلت الج لفلسطي‪ ،‬والتبك‬

‫‪1‬‬
‫‪Boase, Kingodoms and Stronghlds of the Crusaders, pp. 16-17; Bishop, op. cit., p.‬‬
‫‪105; Wolff The Awarkening of Europ, p. 202; Coulton, The MedIeval Scene, pp. 33-‬‬
‫‪34.‬‬
‫‪ 2‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.19‬‬
‫‪ 3‬مارتن لوثر‪ :‬إنه الرجل الذي ثار على الكنيسة الكاثوليكية الرومانية‪ ،‬واستهل بذلك مرحلة الصلح الحتجاجي على الكنيسة – أي‬
‫صاحب نظرية البوتستانتية – وكان احتجاجه على الكنيسة الكاثوليكية لعدة أمور منها‪ :‬تارة صكوك الغفران‪ ،‬وبقاء الراهب أعزب‬
‫مدى الياة؛ ولذلك تزوج من راهبة وأنبا ستة أطفال‪ ،‬ول تسترح الكنيسة إل ثورته فأدانته واتمته باللاد‪.‬‬
‫‪ 4‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.38،23‬‬
‫‪5‬‬
‫‪John Wilkinson (ed.), Jerusalem Pilgrims before the Crusades, p. 42.‬‬
‫‪ 6‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.40‬‬

‫‪29‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بالثار هناك‪ ،‬وأصبحت هذه الرحلت ثقافة عامة عند الناس؛ ولذلك انتشر اسم فلسطي‪ ،‬وصار‬
‫متداولً بي عموم الناس‪ .‬ول شك أن هذا مهّد نفسيّا لقبول فكرة الروب الصليبية بعد ذلك‪ ،‬فهي‬
‫تذهب إل مكان مألوف مبوب سع الناس كثيًا عنه‪ ،‬بل وشُجّعوا على الذهاب إليه‪ ،‬بل إن فلسطي‬
‫صارت حُلمًا لكثي من يريد الذهاب للتخلص من ذنوبه قبل انتهاء الدنيا‪ ،‬غي أنه يفتقد الطاقة البدنية‬
‫أو الالية ليقوم بالرحلة‪ ،‬وكل هذا ‪ -‬ل شكّ ‪ -‬أدى إل تضخيم حجم فلسطي ف عيون الغربيي‪.1‬‬
‫وتشي الكثي من الصادر والوثائق أن استقبال السلمي الذين يكمون الشام وفلسطي‬
‫لؤلء الجاج كان استقبالً طيبًا جدّا‪ ،‬ول يثبت أي ماولت تضييق عليهم كما ياول البابوات أن‬
‫يشيعوا؛ لكي يسوّغوا فكرة الجوم على فلسطي لتسهيل رحلت الج لنصارى أوربا‪ .2‬فهذه‬
‫اللفيات الدينية العقدة من رغبة حثيثة للكنيسة للسيطرة على عقول الناس وأموالم‪ ،‬ومن خوف‬
‫مطّرد عند الشعوب من فناء الدنيا وكثرة الذنوب‪ ،‬ومن حبّ جارف لذه الرض الت وُلد با‬
‫السيح‪ ،‬والت بسبب الرحلة إليها ستُغفر الذنوب‪ .‬كل هذا وغيه مهّد لفكرة الروب الصليبية وغزو‬
‫فلسطي‪.‬‬
‫ولعل اللفيات الت يب أن تضاف إل هذه المور السابقة‪ ،‬والت تفسّر ولع الغرب بقضية‬
‫فلسطي خصوصًا والشرق عمومًا‪ ،‬هي ظهور رغبة عند بعض بابوات روما لضم الكنيستي الغربية‬
‫الكاثوليكية والشرقية الرثوذكسية تت سقف واحد‪ ،‬يكمه الكاثوليكيون بالطبع‪ ،‬وكان الذي تبنّى‬
‫هذا الشروع بقوة هو البابا جريوري السابع‪ ،‬وهو البابا السابق مباشرة للبابا أوربان الثان الذي‬
‫وقعت ف عهده الروب الصليبية‪ .‬وكان من ضمن الطوات الت أخذها البابا جريوري السابع‬
‫لتام هذه الطوة الفريدة أن بدأ يسّن من علقاته مع المباطور البيزنطي ألكسيوس كومني‪ ،3‬وهو‬
‫المباطور الذي سيعاصر الروب الصليبية؛ ما جعل الراسلت بينهما مستمرة‪ ،‬وما حدا ‪ -‬بعد‬
‫ذلك ‪ -‬بالمباطور البيزنطي أن يستغيث بالغرب الكاثوليكي لنصرته ضد السلجقة السلمي‪ ،‬وذلك‬
‫مع شدة كراهية هذا المباطور الرثوذكسي لكل بابوات وملوك وشعوب أوربا الكاثوليكية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Bradford, The Sword of the Sage of the Crusades, pp. 13 – 14, Michaud, Histoire de‬‬
‫‪Crisades, 1, p. 14; Runciman, "The Pilgrimages to Palestin before 1095", in Setton‬‬
‫‪(ed). A Hist. of the Crusades, vol. pp. 74-75.‬‬
‫‪ 2‬عرفت هذه الذكرة باسم (مفكرة بكنائس القدس)‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Commeroratorium of the Churches of Jerusalem, in: Palestine Pilgrims, pp. 138-139.‬‬
‫ولزيد من التفاصيل عن حركة الج حت القرن العاشر اليلدي انظر‪:‬‬
‫‪Runciman, A. History of the Crusades, vol., 1, pp.39 – 44.‬‬
‫‪ 3‬عن هذا الوضوع‪ ،‬انظر‪ :‬إسحاق عبيد‪ :‬روما وبيزنطة – من قطيعة فوشيوس حت الغزو اللتين قنسطنطي ‪1204-869‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.39:25‬‬

‫‪30‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ولعل اللفيات الت ذكرناها سابقًا تفسّر بوضوح الميّة التناهية الت كانت عند الغرب‬
‫للمشاركة ف الملت الصليبية‪ ،‬ومع ذلك فليست اللفية الدينية هي اللفية الوحيدة عند الشعوب‬
‫الوربية آنذاك‪ ،‬ولكن كانت هناك عوامل أخرى مؤثرة جدّا‪ ،‬مثل العوامل القتصادية والسياسية‬
‫والجتماعية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اللفية القتصادية‪:‬‬
‫عاشت أوربا عدة قرون تعان من أزمات اقتصادية طاحنة‪ ،‬فمع خصوبة الرض إل أنا مليئة‬
‫بالغابات‪ ،1‬واستصلح الراضي وزرعها يتاج إل فنّ وجهد وتقنية‪ ،‬ول يكن هذا متوفرًا ف هذه‬
‫البيئات الاهلة‪ ،‬وخاصةً ف الناطق الشمالية ذات الصقيع القارس‪ ،‬هذا فوق ضعف الواصلت‬
‫وانقطاع الطرق؛ ما كان ينع وصول الغذاء من مكان إل مكان ولو بغرض التجارة‪ ،‬ومن ثَمّ فإن‬
‫نقص النتاج الحلي من الغذاء كان يعن ببساطة الجاعة القاتلة! وكانت هذه الجاعات تستمر‬
‫أحيانًا سنوات‪ ،‬ما يؤدّي إل فناء قرى ومدن‪ ،‬وكان انتشار المراض وانعدام العلج يساهم ف موت‬
‫الزيد والزيد‪ ،‬وكل هذه المور جعلت الفقراء والفلحي يضيقون ذرعًا بياتم‪ ،‬ويشعرون بالحباط‬
‫الدائم واليأس الستمر‪ ،‬فإذا أضفت لكل ذلك الضرائب الباهظة الت كان يدفعها الفلحون أدركت‬
‫مدى العاناة الت كانوا يعيشونا‪.‬‬
‫وف أخريات القرن الادي عشر‪ ،‬وخاصةً ف السنوات العشر الت سبقت الروب الصليبية‬
‫حدثت ماعات رهيبة قاتلة‪ ،‬خاصةً ف شال فرنسا وغرب ألانيا‪ ،‬ولعل هذا يفسّر خروج الكثي من‬
‫اليوش من هذه الناطق‪ ،‬الت كان ل بد لا من أن ترب إل أي مكان به طعام وشراب‪ ،‬ولو كان‬
‫هذا الكان على بُعد مئات وآلف الميال‪ ،‬فلن يكون أسوأ من الوت جوعًا‪!2‬‬
‫وعلى النقيض من هذه الصورة‪ ،‬كانت هناك صورة مغايرة تامًا عند بعض القتصاديي ف‬
‫أوربا‪ ،‬وخاصةً ف النوب الورب وعلى سواحل البحر البيض التوسط‪ ،‬فقد ازدهرت التجارة‬
‫البحرية ف ذلك الوقت وأفاد تّار النوب الورب من وجودهم على السواحل ف التجارة مع حوض‬
‫البحر البيض التوسط بكامله‪ ،‬بل تاوزوه إل داخل آسيا وإفريقيا‪ .‬وكان من أبرز الوانئ الت‬
‫ظهرت ف الفترة الت سبقت الروب الصليبية موانئ إيطاليا‪ ،‬وخاص ًة جنوة وبيزا‪ ،‬فكانت هذه الوانئ‬
‫تثّل قوة اقتصادية مؤثرة ف هذا الوقت‪ ،‬وكانت القوة القتصادية النافسة الوحيدة هي قوة القتصاد‬
‫السلمي‪ ،‬وكانت لذه القوة مراكزٌ مهمة ف الشام ومصر والغرب‪ ،‬وكذلك ف الندلس‪ ،‬وكان‬
‫هذا التنافس دافعًا للموانئ اليطالية أن تتربص بالسلمي قدر استطاعتها‪ ،‬ودفعها ذلك إل تهيز‬
‫‪1‬‬
‫‪Pianter, "westem Europ", pp. 5-6; Coulton, The Medieval Scene, pp. 33-34.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Maurice Keen, The Pelican History of the Middle Agws, p. 123; The Mayer, The‬‬
‫‪Crusades, p. 22; Marc Bloch, feudal Socity, pp. 72-73; Cohn "The Appeal of the‬‬
‫‪Crusades", p. 36.‬‬

‫‪31‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الملت العسكرية لخراج السلمي من صقلية‪ ،‬وتّ لم ذلك كما مر بنا‪ ،‬وخرج السلمون خروجًا‬
‫نائيّا من صقلية سنة (‪484‬هـ) ‪1091‬م بعد حكم مائتي وسبعي سنة‪ ،‬وهذا يسبق الروب‬
‫الصليبية بسبع سنوات فقط‪ ،‬ول شك أن هذا جعل الطريق البحري آمنًا إل حد كبي‪.1‬‬
‫ومن هنا حرص تار إيطاليا على دعم الملت الصليبية التجهة للشرق‪ ،‬فهم بذلك‬
‫سيقضون على منافسهم الوحيد‪ ،‬ومن ناحية أخرى سيفتحون سوقًا هائلً لتجارتم ف هذه البقاع‬
‫السلمية‪.‬‬
‫وهكذا كان هناك شبه اتفاق بي الطحوني الكادحي الائعي‪ ،‬وبي القتصاديي والثرياء‬
‫التخمي لغزو العال السلمي والشاركة ف الروب الصليبية!‬
‫ثالثًا‪ :‬اللفية السياسية‪:‬‬
‫ف القرن الامس اليلدي‪ ،‬وبالتحديد ف سنة ‪476‬م‪ ،‬سقطت المباطورية الرومانية الغربية‬
‫العتيدة‪ ،‬وذلك تت الضربات الوجعة للقبائل الرمانية الشمالية‪ ،‬وهي قبائل هجية عنيفة ل تنظر‬
‫بأي عي من العتبار للحضارة الرومانية التميزة‪ ،‬بل سعت إل التدمي والبادة‪ .‬وف غضون قرني‬
‫من الزمان‪ ،‬كانت القبائل الرمانية قد انتشرت ف كل أوربا‪ ،‬وكان هذا النتشار مصحوبًا بنشر‬
‫الفكار الرمانية العنيفة‪ ،‬والسلوك الجرامي عند عامة الناس‪.2‬‬
‫ث شهد القرنان التاسع والعاشر اليلدي ‪ -‬قبل الروب الصليبية بقرن من الزمان ‪ -‬عدّة‬
‫هجمات ضارية على أوربا‪ ،‬سواء من الفايكنج القادمي من إسكندينافيا أو من السلمي القادمي من‬
‫الندلس أو الشمال الفريقي‪ ،‬وهذا ساعد ف زيادة الروح القتالية عند عموم الناس‪ ،‬وتول الوربيون‬
‫إل الشكل العسكري‪ ،‬حت صارت صورة الشخص النبيل العظيم هي صورة الفارس القاتل‪.3‬‬
‫ونتيجة نو هذا الفكر العسكري داخل أوربا‪ ،‬كان ل بد للقوى الختلفة أن تصطدم معًا‪،‬‬
‫فبدأ الصراع بي الدول الوربية الختلفة بغية التوسع والسيطرة‪ ،‬ث قُسّمت الدول إل إقطاعيات‬
‫منفصلة متصارعة فيما بينها‪ ،‬وعلى كل إقطاعية أمي قد يدين بالولء أو ل يدين للملك العام على‬
‫الدولة‪ ،‬وكوّن كل أمي ميليشيات عسكرية خاصة به‪ ،‬وعمّت الفوضى كل أرجاء أوربا؛ ما أدى إل‬
‫َفقْد الكنيسة السيطرة على هذه القوى الكثية والتناحرة‪.4‬‬
‫وكان الوضع أشد ما يكون ترديًا ف فرنسا‪ ،‬حيث فقد ملك فرنسا السيطرة كُلّيّ ًة على‬
‫البلد‪ ،‬وصار الكم فيها لمراء القطاعيات‪ ،‬وتفتّتت الدولة إل إمارات متعددة‪ ،‬كلّ منها له جيشه‬
‫‪1‬‬
‫‪Heyd: Hist du Commerce l, 132 – 133.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Robert S. Hoyt and Stanley Chodorow. Europe in the middle Ages, pp. 55 – 38.‬‬
‫‪ 3‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪،43،42‬‬
‫‪Mayer, The Crusades, pp. 15 – 16.‬‬
‫‪ 4‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.73،74‬‬

‫‪32‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ي هو هنري الثالث‪ ،‬ث ابنه‬‫الاص‪ .1‬أما الوضع ف ألانيا فكان أفضل حالً‪ ،‬حيث ظهر فيها ملك قو ّ‬
‫هنري الرابع‪ ،‬وذلك ف القرن الادي عشر وقبيل الروب الصليبية مباشرة؛ وهذا أدى إل تاسك‬
‫الوضع نسبيّا ف ألانيا‪ ،2‬وإن كان هناك خلف خطي نشأ بي هنري الرابع والبابا ف روما كما مر‬
‫بنا‪ ،3‬كان له توابع سنراها مع سي الحداث‪.‬‬
‫وف إنلترا ظهر ملك قوي أيضًا هو وليم الفاتح‪ ،‬ولكن وضع إنلترا القتصادي كان سيئًا‬
‫جدّا؛ ما جعلها مشغولة تامًا بنفسها‪ .4‬أما الدويلت النصرانية ف شال الندلس‪ ،‬فكانت تبذل كل‬
‫طاقتها ف حرب السلمي هناك‪.5‬‬
‫وتأت القوة العسكرية الخية ف غرب أوربا متمثلة ف إيطاليا‪ ،‬وكانت ف الواقع قوة كبية‪،‬‬
‫خاص ًة ف الناطق الت يسيطر عليها النورمانديون ف جنوب إيطاليا‪ ،‬وبالذات بعد ظهور زعيم قوي‬
‫جدّا هناك هو روبرت جويسكارد‪ ،‬الذي كانت له أحلم توسعية هائلة وصلت إل حروب مباشرة‬
‫مع الدولة البيزنطية العتيدة‪ ،6‬وقد استطاع هذا القائد أن يُسقِط البلقان البيزنطية تت سيطرته‪ ،‬بل‬
‫وبذل أول الحاولت لحتلل أنطاكية الت كانت ف حوزة البيزنطيي ث السلمي‪ ،‬وكان الذي‬
‫يبذل هذه الحاولت هو ابنه شخصيّا‪ ،‬وهو المي بوهيموند‪ ،‬الذي سيكون بعد ذلك أحد أمراء‬
‫الملة الصليبية الول‪.7‬‬
‫كما صاحب ظهور هذه القوة اليطالية التنامية نو سريع لسطول بري عسكري ليناء‬
‫البندقية اليطال‪ ،‬وصار له أثر مباشر ف تغيي سي الحداث ف حوض البحر البيض التوسط‬
‫بكامله‪.8‬‬
‫إذن فالوضع السياسي ف أوربا كان يضم عددًا كبيًا من العسكريي التصارعي‪ ،‬والتنافسي‬
‫على تقسيم البلد عليهم‪ ،‬ولا كانت أوربا ضيقة وطبيعتها البلية والثلجية معوّقة‪ ،‬كان التفكي ف‬
‫التوسع خارج أوربا‪ ،‬كما فكر ف ذلك روبرت جويسكارد زعيم النورمانديي اليطاليي‪ ،‬كما‬
‫سيحدث بعد ذلك ف الروب الصليبية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬اللفية الجتماعية‪:‬‬
‫‪ 1‬كانتور‪ :‬التاريخ الوسيط ‪.1/282:272‬‬
‫‪ 2‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.74‬‬
‫‪ 3‬عن الناع بي البابوية والمباطورية حول التقليد العلمان انظر‪:‬‬
‫‪Hoyt and Chodorow, Europ in the Middle Ages, pp. 292–302: barraclough The‬‬
‫‪Medival Papacy, pp. 77-39.‬‬
‫‪ 4‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.57‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Benjamin W. Wheeler,"The Reconquest of Spain", pp. 31-40.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Charanis, op. cit., p. 188.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Ostrogorsky: op. cit., p. 317.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Bishop, op. cit., p. 46.‬‬

‫‪33‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ل تكن الشعوب الوربية ف ذلك الوقت شعوبًا مستقرة‪ ،‬بل كانت تعيش حياة البدو‬
‫الرّحّل‪ ،‬حيث ينتقلون من مكان إل مكان سعيًا وراء الطعام أو المن؛ وهذا أدى إل عدم وجود‬
‫روح الستقرار والتمسّك بأرض معينة‪ .‬ولعل هذا سهّل كثيًا على الناس أن يتركوا أوربا بكاملها‪،‬‬
‫ويتجهون إل فلسطي بثًا عن نظام حياة أفضل وأسعد‪.1‬‬
‫وكان الفلحون ف أوربا يعانون بطش أمراء القطاع‪ ،‬ول يكن للفلحي أدن حقوق‪ ،‬بل‬
‫كانوا يباعون مع الرض‪ ،‬ويستغلون تام الستغلل للب الرفاهية لالك القطاعية‪ ،‬وهذا ولّد عندهم‬
‫شعورًا بالقد تاه ملّك الراضي وملّكهم‪ ،‬ولكن ل يكن لم فرصة ول حت حُلم ف الروج من‬
‫أزمتهم‪.2‬‬
‫وفوق هذا السى الذي كان يعيشه معظم الشعوب فإن الهل كان مُطِبقًا على الميع‪،‬‬
‫وكانت المية طاغية‪ ،‬ول يكن هناك أي ميل للعلوم‪ ،‬وهذه الالة التخلفة جعلت من السهل جدّا‬
‫السيطرة عليهم بأية أفكار أو دوافع‪ ،‬ول يكن عندهم من القدرة العقلية والذهنية ما يسمح لم‬
‫بتحليل الفكار العروضة عليهم‪ ،‬أو ما يكّنهم من الختيار بي رأيي متعارضي‪ ،‬وهذا كله ‪ -‬ول‬
‫شك ‪ -‬سهّل مهمة إقناعهم بترك كل شيء‪ ،‬والتوجه للحرب ف فلسطي‪!3‬‬
‫هذه اللفيات الت بثناها‪ ،‬وضحت لنا أن الجتمع الورب كان مكوّنًا من طوائف شت‪:‬‬
‫دينية وسياسية واقتصادية وشعوبية‪ ،‬وكل هذه الطوائف لا أهدافها ومطامعها‪ ،‬تصغر أو تكب بسب‬
‫حجمها‪ ،‬وسيكون من العجيب حقّا أن تظهر شخصية تمع أهداف هذا الشتات ف هدف واحد‪،‬‬
‫وتدفعهم جيعًا على اختلف مستوياتم الادية والعقلية ف اتاه واحد‪ ،‬فيخرج الميع‪ ،‬كلّ يبحث‬
‫عن غايته‪ ،‬وكلّ يسعى لتحقيق سعادته‪.‬‬
‫تُرى من هي هذه الشخصية؟ وكيف جعت هذا الشتات؟ وما هي البواعث القيقية‬
‫للحروب الصليبية؟ وهل هي حرب سياسية أم اقتصادية أم دينية؟ هذا ما سنعرفه بإذن ال ف الفصل‬
‫القادم‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/36‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Boissonade: Life and Work in Med Europe, p. 85.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Boase, Kingodoms and Stronghlds of the Crusaders, pp. 16-17; Bishop, op. cit., p.‬‬
‫‪105; Wolff The Awarkening of Europ, p. 202; Coulton, The MedIeval Scene, pp. 33-‬‬
‫‪34.‬‬

‫‪34‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الدعوة للحملة الصليبية الول‬

‫تول الكرسي البابوي ف سنة (‪480‬هـ) ‪1088‬م رجل من الرجال الهمي ف الكنيسة‬
‫الغربية‪ ،‬وكان لوليته الثر ف تغيي عدة صفحات متتالية من التاريخ‪ ،‬بل ولعل الثار الت أحدثها هذا‬
‫الرجل ما زالت موجودة إل الن‪ .‬وهذا الرجل هو أوربان الثان الذي تول الكرسي البابوي ف روما‬
‫إحدى عشرة سنة‪ ،‬وذلك من سنة (‪480‬هـ) ‪ 1088‬إل سنة (‪492‬هـ) ‪1099‬م‪ ،‬وكان هو‬
‫الخذ لقرار الروب الصليبية على الشرق السلمي‪.1‬‬
‫وكان أوربان الثان رجلً ذكيّا سياسيّا لبقًا‪ ،‬وكان خطيبًا مف ّوهًا‪ ،‬وكان أيضًا جريئًا حاسًا‪،‬‬
‫وكان مطلعًا على أحوال العال العاصر له‪ ،‬وفوق كل ذلك كان يُكِنّ حقدًا كبيًا على السلمي‪،‬‬
‫سواء ف بلد الشرق حيث يكمون أرض السيح ‪ ،‬أو ف الندلس حيث يكمون قطعة أوربية‬
‫مهمّة على مدار أربعة قرون متتالية حت زمان تولّيه البابوية‪ .‬ث إنه كان رجلً ذا طموح كبي‪،‬‬
‫وأحلم واسعة بأن يكون هو الزعيم الكب والوحد للمسيحيي جيعًا ف العال‪ ،‬وذلك بتوحيد‬
‫الكنيستي الغربية والشرقية؛ استكمالً لهود البابا الذي سبقه وهو جريوري السابع‪.2‬‬
‫وكانت العلقات كما ذكرنا قبل ذلك قد تسنت نسبيّا بي البابا السابق جريوري السابع‬
‫والمباطور البيزنطي ألكسيوس كومني‪ ،‬ولقد طلب هذا الخي الساعدة قبل ذلك من جريوري‬
‫السابع لنصرته ضد السلجقة السلمي‪ ،‬ولكن حركة جريوري السابع ل تكن بالقوة الناسبة‪ ،‬ومن‬
‫ثَ ّم فلم يكن هناك ترك يُذكر لساعدة البيزنطيي‪.3‬‬
‫غي أن المباطور البيزنطي كرّر الحاولة مرة ثانية‪ ،‬وأرسل وفدًا جديدًا إل إيطاليا ف مارس‬
‫سنة (‪487‬هـ) ‪1095‬م لقابلة البابا أوربان الثان‪ ،‬وتديد طلب الساعدة منه‪.4‬‬
‫فكر البابا أوربان الثان ف المر‪ ،‬ووجد أنه لو استجاب لطلب المباطور البيزنطي‪ ،‬وعلى‬
‫نطاق واسع‪ ،‬فسوف يقّق عدة أهداف ف غاية الهية‪ ،‬وف ضربة واحدة‪.‬‬

‫‪ 1‬ممد مؤنس‪ :‬الروب الصليبية العلقات بي الشرق والغرب ص ‪.65،63‬‬


‫‪ 2‬ممد مؤنس‪ :‬الروب الصليبية العلقات بي الشرق والغرب ص ‪.66‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Vasiliev: op. l, p. 358.‬‬
‫‪AOL, tom. ll, pp. 101-105‬‬ ‫‪ 4‬انظر نص الطاب ف‪:‬‬
‫وأيضًا انظر‪ :‬قاسم عبده قاسم‪ :‬اللفية اليدلوجية ص ‪ ،116،115‬وعن حقيقة الساعدة العسكرية الت طلبها ألكسيوس من البابا‬
‫انظر‪.Duncalf, "The Councils", pp. 227-228 :‬‬

‫‪35‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهو أولً‪ :‬سيعيد إبراز دور الكنيسة ف حياة الوربيي‪ ،‬حيث سيحمل البابا من جديد دعوة‬
‫تمّ كل الشعوب الوربية‪ ،‬وهي دعوة ستحمل بي طياتا الغفران الذي يبحث عنه الناس آنذاك بي‬
‫يدي البابا‪.1‬‬
‫وثانيًا‪ :‬سيقوم البابا بملة عسكرية تشمل التنسيق بي مالك وإمارات أوربا الختلفة‪،‬‬
‫وسيحتفظ بالقيادة ف يده‪ ،‬فهو بذلك سيستعيد سلطان الكنيسة العسكري والسياسي على كامل‬
‫أوربا؛ وحيث إن القضية ذات طابع دين‪ ،‬فالذي سيفض قد يعاقب بالرمان‪ ،‬وسحب الثقة‪ ،‬وقد‬
‫يؤدّي ذلك إل زلزلة عرشه‪ ،‬وبالتال يصبح البابا هو الشخصية الول ف أوربا سياسيّا كما هو‬
‫دينيّا‪.2‬‬
‫وثالثًا‪ :‬لن يتحسن وضع البابا دينيّا وسياسيّا فقط‪ ،‬بل سيتحسن اقتصاديّا أيضًا‪ ،‬فالبلد الت‬
‫ستفتح ستدر أموالً كثية‪ ،‬والوربيون الذين لن يستطيعوا الشاركة سيدفعون للكنيسة الموال؛‬
‫تكفيًا عن امتناعهم عن الذهاب لفلسطي‪.‬‬
‫ورابعًا‪ :‬الثروات الت ستأت من فلسطي والشام‪ ،‬ستحل الشاكل القتصادية الطاحنة الت‬
‫تعان منها أوربا؛ وبذلك ستستقر الوضاع الضطربة ف أوربا‪.3‬‬
‫وخامسًا‪ :‬ستنصرف طاقات أوربا العسكرية إل حرب خارجية ُيبِزون فيها قدراتم‬
‫ويستنفون فيها رغباتم العنيفة‪ ،‬وذلك بدلً من التصارع الداخلي بي المارات والقطاعيات‪.4‬‬
‫سادسًا‪ :‬ستشن أوربا الصليبية حربًا على العدو التقليدي لم وهم السلمون‪ ،‬وهي حرب ف‬
‫نظر البابا ل ناية لا‪ ،‬ولن يرضى من السلمي بشيء إل بتغيي الدين‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬سيقوم البابا بذلك بنجدة آلف الفقراء الذين يوتون ف أوربا سنويّا نتيجة الوع‬
‫والرض والبد‪ ،‬وسيشعر الميع بذلك بالرضا نوه‪.‬‬
‫وثامنًا‪ :‬ستتاح للبابا الكاثوليكي الفرصة الذهبية ليضم الكنيسة الشرقية الرثوذكسية إل‬
‫كنيسته الكاثوليكية‪ ،‬وذلك تت سيطرته هو‪ ،‬فهو الذي جاء من أقصى البلد لينقذ النصارى‬
‫الشرقيي من السلمي‪.‬‬
‫وتاسعًا‪ :‬سيحقّق حُلمًا عاطفيّا دينيّا قديًا‪ ،‬بالسيطرة على الرض الت وُلد فيها السيح‬
‫وعاش‪.5‬‬

‫‪ 1‬ول ديورانت‪ :‬قصة الضارة ‪ ،15/16،15‬وقاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪Chalandon: Hist. de la،85‬‬
‫‪.Premiere Croisade, p.p. 44 – 45‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p.p. 108 – 109.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michaud: op cit. Tome 1, p.p. 105 – 106.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Fulcher de Chartres, pp. 67; Baudri, pp. 14-15; Guibert le de Nogent, p. 11.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Fulcher de Chartres, pp. 65-66; Robert le Moin. pp.2-3.‬‬

‫‪36‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وعاشرًا وأخيًا‪ :‬قد ل تتكرر بعدُ ذلك الفرصة الناسبة الت تبر للشعوب هذه الروب‬
‫الضخمة والتضحيات الائلة‪ ،‬فالن النصارى الشرقيون يستغيثون‪ ،1‬ومن ثَمّ فهناك مسوّغ أن تنفق‬
‫الموال‪ ،‬وتُزهَق الرواح لنجدتم‪ ،‬وستصبح صورة الرب نبيلة‪ ،‬وستسكت الشعوب الوربية عن‬
‫مساءلة البابا عن الثمن الباهظ الذي سيدفعه ف هذه الروب‪ ،‬بينما لو كان البر للقتال ليس واضحًا‬
‫فقد َيفْقد البابا عرشه إذا خسرت أوربا كثيًا ف حربا‪ ،‬وذلك مثلما حدث مع رومانوس الرابع‬
‫إمباطور الدولة البيزنطية‪ ،‬الذي خُلع من منصبه بعد الزية الساحقة من السلجقة ف موقعة‬
‫ملذكرد‪ .2‬فالبابا سيحقق كل الكاسب باستغلل هذه الفرصة‪ ،‬ولن يسر شيئًا لو حدث مكروه‬
‫للجيوش؛ لنه ف النهاية يارب من أجل أهداف نبيلة فيما يبدو للناس‪.‬‬
‫فتلك عشرة كاملة!!‬
‫ومن هنا فإن البابا تمّس كثيًا للطلب الذي طلبه الوفد البيزنطي الرثوذكسي‪ ،‬بل إنه جعل‬
‫الوفد يقابل الجمع الكنسي الجتمع ف إيطاليا آنذاك؛ ليعرض صورة الوضع ف الشرق‪ ،‬وذلك يكون‬
‫أبلغ ف التأثي ف القساوسة‪ ،‬وينفي عن البابا شبهة التخطيط النفرد للحملة ودون سبب واضح‪ .‬وقد‬
‫تمس الضور للفكرة‪ ،‬وتكلم البابا مؤيدًا لكلم الوفد البيزنطي‪ ،‬وقرر أن ُيعِدّ العدة لخذ التدابي‬
‫اللزمة لغزو الشرق السلمي‪.‬‬
‫ماذا فعل البابا؟!‬
‫لقد قرّر أن يعقد ملسًا كنسيّا كبيًا يضم القساوسة من أطراف أوربا الغربية‪ ،‬وذلك لبحث‬
‫أحوال الكنيسة التردية‪ ،‬ث ف ناية هذا الجلس الكنسي يعقد مؤترًا موسعًا يدعو إليه أمراء‬
‫القطاعيات الختلفة‪ ،‬وكذلك اللوك إن أمكن‪ ،‬بل ويدعو إليه عامّة الشعب؛ ليصبح مؤترًا جاهييّا‬
‫مؤثرًا‪ ،‬وف هذا الؤتر سيدعو إل التوجّه عسكريّا إل فلسطي‪.‬‬
‫ولكن بقي السؤال‪ :‬أين سيعقد هذا الؤتر الكبي؟‬
‫كان البابا على خلف مع معظم ملوك أوربا‪ ،‬وخاص ًة هنري الرابع ملك ألانيا‪ ،‬ولكنه كان‬
‫على علقة طيبة مع أمراء القطاعيات‪ ،‬وخاصةً ف فرنسا؛ ولذلك قرر البابا أن يستفيد من علقاته‬
‫هذه مع المراء ف فرنسا فيعقد الؤتر هناك‪ ،3‬وخاصةً أن الكثافة السكانية ف فرنسا كبية‪ ،‬إضاف ًة إل‬
‫الجاعة الكبية الت ضربت شال فرنسا وشرقه ف السنوات العشر الخية‪ ،‬ما أثّر ف الظروف‬

‫‪1‬‬
‫‪Chalandon: Hist. de la Premiere Croisade. p.p. 37-41.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Vasiliev, op. cit., 1, p. 356.‬‬
‫‪ 3‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.70‬‬

‫‪37‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القتصادية‪ ،‬وبالتال سيكون قبولم لفكرة الروب ضد الشرق السلمي فكرة مقبولة لخراجهم من‬
‫أزماتم الكثية‪.1‬‬
‫ومن ثَمّ قرر البابا أن يعقد مؤتره الامع ف مدينة كليمون‪ 2‬الفرنسية وذلك ف (‪488‬هـ)‬
‫‪ 27‬من نوفمب سنة ‪1095‬م (خريطة ‪ ،)9‬وقد آثر أن يكون الوقت متأخرًا نسبيّا؛ ليكون هناك‬
‫فرصة لتبليغ الدعوة ف أطراف فرنسا‪ ،‬وليحضر أكب عدد من الفرنسيي‪ .‬كما آثر أل يكون الؤتر ف‬
‫باريس؛ لكي ل يصطدم مع فيليب الول ملك فرنسا‪ ،‬الذي كان على خلف مع البابا‪ ،‬وأيضًا على‬
‫خلف مع أمراء القطاعيات الذين يعتمد عليهم البابا ف مهمته‪.‬‬
‫كان البد شديدًا ف ذلك اليوم‪ ،‬ومع ذلك فقد لبّت جوع هائلة دعوة البابا‪ ،‬واجتمعوا ف‬
‫أحد القول الفسيحة ف كليمون‪ ،‬بل وامتلت القرى والدن الجاورة لكليمون بالقادمي من كل‬
‫مكان لسماع الطبة الهمة الت كان البابا يرتّب لا منذ سبعة أشهر كاملة‪.3‬‬
‫خطب البابا خطبة طويلة عصماء‪ ،‬وكان بليغًا مفوهًا‪ ،‬وصبت الموع ف البد الشديد‪ ،‬بل‬
‫وتفاعلت تفاعلً كبيًا مع كلمات البابا‪ ،‬الذي ضرب على أكثر من وتر ف خطبته؛ وذلك ليؤثّر ف‬
‫كل الضور على اختلف نوعياتم وظروفهم وأهدافهم‪.‬‬
‫وقد جاءت خطبة البابا ف أكثر من رواية من الروايات الوربية الت صوّرت الدث‪،‬‬
‫واستخدم فيها أكثر من وسيلة لقناع الضور بضرورة التوجه إل فلسطي لنجدة النصارى‬
‫الشرقيي‪ ،‬ولماية الجاج السيحيي الذين يعانون ‪ -‬كما يصور البابا ‪ -‬من ظلم وبطش الكفار‬
‫(وهو يقصد السلمي) ‪.4‬‬
‫وكان من الؤثرات الت استخدمها البابا ف خطبته أنه ل يتكلم ف هذه الطبة نيابة عن‬
‫نفسه‪ ،‬وإنا يتكلم نيابة عن السيح نفسه‪ ،‬فقال مثلً‪" :‬ومن ثَ ّم فإنن لست أنا‪ ،‬ولكن الرب هو‬
‫الذي يثكم باعتباركم وزراء السيح أن تضوا الناس من شت الطبقات"‪ .5‬واستخدم فيها نصّا من‬
‫إنيل لوقا فيه‪" :‬ومن ل يمل صليبه‪ ،‬ويأت ورائي فل يقدر أن يكون ل تلميذًا"‪.6‬‬

‫‪ 1‬انظر رواية روبي الراهب الذي كان من بي حضور ممع كليمون‪:‬‬


‫‪Robert de Rheims, "Historia lherosolimitana", RHC, Occ., 111, pp.727-30.‬‬
‫‪ 2‬تقع ف جنوب فرنسا‪ ،‬على بُعد ‪ 330‬كيلو مترًا تقريبًا من باريس‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪H. Hagenmeyer, "Chronologi de la Premiere Croisade 1094-1100", ROL V1, p. 225.‬‬
‫وعن الولة الت قام با البابا ف النوب الفرنسي‪ ،‬وإعداده لجمع كليمون‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Dunculf, "The Councils of piacenza and Clermont", in Setton, vol. 1, pp. 234-237.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Fulcher de Chartres, pp. 65-66; Robert le Moin. Pp.2-3.‬‬
‫وأفضل دراسة لطبة البابا ف كليمون قام با مونرو‪ ،‬عن طريق مقارنة نصوص الؤرخي اللذين أوردوها‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪D.C.Munro, "The Speech of Pope Urban ll at Clemont", pp. 231-242.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Robert le Noin, p. 4: Baudri de Bourgueil, p.7: William of Tyre, vol. 1, p. 39.‬‬
‫‪ 6‬إنيل لوقا ‪.27 :14‬‬

‫‪38‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكان من الؤثرات أيضًا أنه وعد الشاركي ف الملة بالغفران‪ ،‬وهو مطلب جاهيي ف‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬خاص ًة مع شعور الناس أن الدنيا ستفن قريبًا كما وضحنا قبل ذلك‪ ،‬وكان من كلم‬
‫البابا ف هذه النقطة أنه قال‪" :‬إن أخاطب الاضرين‪ ،‬وأعلن لولئك الغائبي‪ ،‬فضلً عن أن السيح‬
‫يأمر بذا‪ ،‬أنه سوف يتم غفران ذنوب كل أولئك الذاهبي إل هناك‪ ،‬إذا ما انتهت حياتم بأغللا‬
‫الدنيوية‪ ،‬سواء ف مسيتم على الرض‪ ،‬أو أثناء عبورهم البحر‪ ،‬أو ف خضم قتالم ضد الوثنيي‬
‫(يقصد السلمي)‪ ،‬وهذا الغفران أمنحه لكل من يذهب بقتضى السلطة الت أعطان الرب إياها"‪.‬‬
‫وهو ف هذا القام يقول للجميع أنكم ف كل الحوال مققون للفائدة والي‪ ،‬فحت لو وصل المر‬
‫لدّ الوت‪ ،‬فإن الشارك سيموت وهو مغفور الذنب‪.1‬‬
‫وكان من الؤثرات أيضًا أنه استفاض ف تصوير مدى الل والعاناة الت يشعر با الجاج‬
‫النصارى ف فلسطي‪ ،‬وهذا كله من الكذب والزور‪ ،‬ولكنه صوّر القضية كقضية إنسانية مؤثرة‪.2‬‬
‫وكان من الؤثرات أيضًا أنه لوّح بوضوح بالثراء الذي عليه بلد الشرق‪ ،‬بل إنه ذكر لم ما‬
‫جاء ف النيل عن أرض فلسطي حيث قال‪" :‬ووهبنا هذه الراضي الت تفيض لبنًا وعسلً"‪ .3‬يقصد‬
‫فلسطي‪ ،‬وبذلك حرّك عواطف الفقراء والمراء معًا؛ فالفقي يبحث عن الياة‪ ،‬والمي يبحث عن‬
‫التوسع والتملك‪.‬‬
‫وكان من الؤثرات أيضًا أنه نبّه الفرسان إل وجود ميدان خصب لستعراض قوتم‪ ،‬وإبراز‬
‫كفاءتم بد ًل من التصارع معًا‪ ،‬وإخلل المن ف داخل أوربا‪.‬‬
‫وكان من الؤثرات أيضًا امتداح شجاعة الفرنسيي وقدراتم القتالية‪ ،‬وأيضًا امتداح تاريخ‬
‫أسلفهم‪ ،‬وتميلهم تبعات سيادة أوربا وريادتا‪.4‬‬
‫وكان من الؤثرات أيضًا جذب الديون بوضع الدّين عنه إذا شارك ف القتال أو تقسيطه على‬
‫فترات طويلة‪ ،‬وإعفاء أملك اللّك من الضرائب أثناء القتال‪ ،5‬وإعفاء الجرمي من العقاب على‬
‫جرائمهم إنْ هم شاركوا ف الملة‪.6‬‬
‫ولقد صاغ البابا أوربان الثان كل هذه الؤثرات بأسلوب بديع‪ ،‬وكلمات مؤثرة‪ ،‬وحجج‬
‫مقنعة حت دخلت كلماته قلوب كل الضور‪ ،‬وأشعلت ‪ -‬رغم البد الشديد ‪ -‬حاسة كل‬
‫السامعي‪ ،‬حت إنه بجرد النتهاء من كلمته استجاب الضور استجابة هائلة‪ ،‬وقاموا يطلقون صيحة‬

‫‪1‬‬
‫‪Fulcher de Charts, pp. 61-63.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Chalandon: Hist. de la Premiere Croisade. p.p. 37-41.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Fulcher de Charts, pp. 65-66.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Fulcher de Chartres, p. 67; Baudri, pp. 14-15; Guibert de nogent, p. 11.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Mayer, The Crusades, pp. 41-42; Runciman, A Hist. 1, p. 109.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Thompson: op. cit., vol. 1, p. 302.‬‬

‫‪39‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫واحدة‪ ،‬يقولون فيها‪" :‬الرب يريدها" ‪ ،Deus lo volt‬وهي الصيحة الت صارت شعارًا للحرب‬
‫بعد ذلك‪.1‬‬
‫ومن الدير بالذكر أن البابا أوربان الثان نفسه ل يكن يتوقع هذه الستجابة الائلة من‬
‫الناس‪ ،‬بل إن هذه الستجابة الضخمة أقلقته؛ لنه كان يريد العتماد على الفرق النظامية واليوش‬
‫الدربة وليس العوام من الناس‪ ،‬ولكن العامّة وجدوها فرصة للهروب من أزماتم ومشاكلهم وديونم‬
‫وجوعهم ومرضهم‪ ،‬وبالتال ل يكن هناك فرصة للتراجع‪.2‬‬
‫لقد كانت ثورة حقيقية ف فرنسا‪ ،‬ومنها انتقلت إل كل غرب أوربا‪ .3‬وف هذا الؤتر أعلن‬
‫البابا أوربان الثان أنه على كل من قرّر الروج إل هذه الملة أن ييك صليبًا من قماش أحر ليضعه‬
‫على كتفه؛ إشارةً إل دينيّة الملة‪ ،‬ونبل القصد‪.4‬‬
‫غي أن البابا ل يكتف بالماسة الطاغية ف الؤتر‪ ،‬إنا أتبع ذلك بطة عمل مكمة تضمن‬
‫استمرارية الماسة‪ ،‬وقوة التفاعل؛ ولذلك فقد قام البابا بعدة خطوات مؤثرة‪ ،‬كان منها ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬الرص على وجود الغطاء الكنسيّ‪ ،‬واليمنة البابوية على الملة من بدايتها الول؛‬
‫ولذلك عيّن ف يوم مؤتر كليمون السقف أديار دي مونت أسقف لوبوي ‪ Le Puy‬قائدًا عامّا‬
‫رُوحيّا للحملة‪ ،‬وكان بنلة نائب البابا ف هذه الرحلة‪.5‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تواصل البابا مع كل الجامع الدينية ف أوربا الغربية؛ ليأخذوا على عاتقهم مهمة‬
‫تميس الناس ف مدنم وقراهم‪ ،‬وبذلك تنتشر الدعوة إل الرب ف كل مكان‪.6‬‬
‫ثالثًا‪ :‬قام البابا بتكليف أحد رهبان اميان‪ ،‬وكان يُدعى بطرس الناسك‪ ،‬بالقيام بولت‬
‫مكثفة ف أوربا لتحميس الناس‪ ،‬وجع القاتلي لغزو فلسطي‪ ،‬وكان بطرس الناسك هذا رج ً‬
‫ل‬
‫موهوبًا ف الطابة‪ ،‬وكان يلبس اللبس الرّثّة‪ ،‬ويشي حاف القدمي‪ ،‬ويركب حارًا أعرجَ‪ ،‬فأخذ‬
‫القضية بنتهى الدية‪ ،‬وبدأ ف التجول ف أناء فرنسا‪ ،‬وخاصةً ف الشمال الشرقي منها‪ ،‬وكان له‬
‫فعل السحر ف الناس‪ ،7‬فكانوا يتبعونه بالعشرات والئات واللف‪ ،‬واستطاع ف غضون شهور قليلة‬
‫أن يمع خسة عشر ألف رجل‪ ،‬غي نسائهم وأطفالم‪ ،8‬وكان جُلّ من انضم إليه من عوام الناس‬
‫الفقراء‪ ،‬ومن الجرمي الارجي على القانون‪ ،‬كما انضم إليه عدد قليل من الفرسان وأمراء‬

‫‪1‬‬
‫‪Robert le Moin, pp. 4-5; Fulcher de Charts, p. 68.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Riley – Smith op, cit, pp. 39-40.‬‬
‫‪ 3‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪ ،110‬الملة الصليبية الول نصوص ووثائق تاريية ص ‪.17‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mayer, The Crusades, pp. 41-42; Runciman, A Hist. 1, p. 109.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cam. Med. Hist. vol. 5 p. 273.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Runciman, A Hist. of the Crusades, 1, pp. 108-109; Maver, The Crusades, pp. 42-43.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grouset: Hist. des Croisades, 1, p. 50‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Michaud: op. cit. Tome 1, p.p. 105-106.‬‬

‫‪40‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القطاعيات‪ .‬وعُرفت الجموعة الت كوّنا بطرس الناسك بملة الرعاع أو حلة العامة؛ لنا ل تكن‬
‫لا صبغة اليش أو اليليشيات‪ ،‬إنا كانت عبارة عن مموعات ضخمة من العوام غي النظمي‪.1‬‬
‫وكما قام بطرس الناسك بولته هذه‪ ،‬قام راهب آخر يدعى (والتر) ويلقّب بالفلس‪،‬‬
‫واستطاع هو الخر أن يمع عددًا كبيًا من التطوعي الراغبي ف الذهاب مع الملة‪.2‬‬
‫رابعًا‪ :‬ل يشأ البابا أن يترك المور هكذا مفتوحة دون تديد حت ل يطول أمد التجميع‬
‫والتجهيز‪ ،‬فحدّد موعدًا معينًا ومكانًا معينًا لجتماع اليوش والفرق من شت البلدان؛ فأما الوعد‬
‫فكان (‪ 23‬شعبان سنة ‪489‬هـ) ‪ 15‬من أغسطس سنة ‪1096‬م‪ ،‬وأما الكان فكان ف‬
‫القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية‪ ،‬وكان هذا الوعد متأخرًا ليأخذ الفرصة لمع اليوش‪ ،‬وكذلك‬
‫لتجميع الحاصيل ف أول الربيع‪ ،3‬ث تتحرك اليوش مباشرة حيث ستقضي ف الطريق ثلثة أشهر‬
‫تقريبًا‪ .‬وكان الكان الختار للتجمع هو القسطنطينية؛ لنا آخر مطة تقريبًا قبل دخول الراضي‬
‫السلمية ف آسيا الصغرى‪ ،‬حيث كان من الخطط أن يارب الصليبيون السلجقة هناك ث ف‬
‫الشام‪ ،‬وذلك قبل النتقال إل الدف الخي وهو فلسطي‪ ،‬وخاص ًة بيت القدس‪ .‬ومن جانب آخر‬
‫فإنه كان ل بد من لقاء المباطور البيزنطي ألكسيوس كومني؛ وذلك لترتيب سبل التعاون معه‬
‫لتسهيل أمور الملة الصليبية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬قام البابا بعدة مراسلت مع ملوك وأمراء أوربا ليحثهم على الروج معه ف الملة‪،‬‬
‫ول يقق ف هذا الجال ناحًا يُذكر مع اللوك‪ ،‬ولكن حقق ناحًا كبيًا مع المراء‪ ،‬وعلى رأس‬
‫هؤلء المراء ريون الرابع كونت تولوز وبروفانس‪ ،‬وهو من المراء الكبار الذي كان مهتمّا جدّا‬
‫برب السلمي‪ ،‬حيث حاربم قبل ذلك ف الندلس‪ ،‬كما ذهب أيضًا للحج ف بيت القدس‪ ،4‬وكان‬
‫يرى ف نفسه الكفاءة لقيادة اليوش بكاملها‪ ،‬واستغل البابا حاسته هذه وعقد معه عدة اجتماعات‪،‬‬
‫بل صحبه ف ممع نيم ف يوليو ‪1096‬م‪5‬؛ وذلك لتحميس أكب عدد من الناس للمشاركة ف‬
‫الملة‪.‬‬
‫وغي ريون الرابع فقد استجاب عدد آخر من المراء‪ ،‬وسيأت تفصيل ذكرهم عند الديث‬
‫عن تقسيم اليوش الصليبية إل مموعات قبل الروج‪.‬‬

‫عن حلة بطرس الناسك وأحداثها التفصيلية‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Albert D`Aix, in Peters (ed.), The First Crusade, pp. 96-99; William of Tyre, 1, pp. 99-106; Chronique‬‬
‫‪de Zimmern, A OL, ll, pp. 23-24; Anna Comnena, Alexiade, pp. 310-311; Runciman, A Hist. of the‬‬
‫‪crusades, 1, pp. 123-127; Duncalf, "Clermont to Constantinople:, p. 260-262.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Vasiliv: op. cit., vol ll, p. 404.‬‬
‫‪ 3‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.108‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michel Le Syrien: (Rec. Hist. Cr Doc. Arm), 1. p. 372.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 273.‬‬

‫‪41‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سادسًا‪ :‬ل يكتف البابا براسلة اللوك والمراء فقط‪ ،‬بل راسل أيضًا العسكريي‬
‫والقتصاديي ف ميناء جنوة اليطال للمساعدة بأسطول بري يسهّل مهمة الملة الصليبية‪ ،‬وقد‬
‫استجاب النويون لنداء البابا‪ ،‬وأعدوا اثنت عشرة سفينة برية‪ ،‬وناقلة كبية للجنود‪ ،‬وذلك ف مقابل‬
‫امتيازات كبية ف بلد الشام عند احتللا‪.1‬‬
‫سابعًا‪ :‬ل يقتصر البابا على الراسلت الكثفة الت أرسلها لكل رءوس الدول والمارات‪ ،‬إنا‬
‫أخذ يتجول بنفسه ف مدن كثية وقرى عديدة‪ ،‬داعيًا لنفس الهمة‪ ،‬فعقد ممعًا ف ليموج‬
‫‪ Limoges‬ف ديسمب ‪1095‬م بعد الؤتر الول بأقل من شهر‪ ،‬ث ف عام ‪1096‬م قام بعدّة‬
‫جولت ف أنرز ومان وتورز وبواتييه وبوردو وتولوز ونيم‪ ،‬وهذا كان ف الفترة من يناير إل يوليو‬
‫‪1096‬م‪.2‬‬
‫وقد أسفرت هذه الهود عن تميع عدد كبي من النود ُجلّهم من فرنسا‪ ،‬وإن كان هناك‬
‫جنود جاءوا كذلك من إيطاليا وإنلترا وإسبانيا‪ ،‬بل ومن بعض البلد البعيدة مثل إسكتلندا‬
‫والدنارك‪.3‬‬
‫ثامنًا‪ :‬هدّد البابا بأن كل من يقرّر الشاركة ويمل شارة الصليب ث يتخلف عن الروج‬
‫فإنه سيعاقب بعقوبة الرمان‪4‬؛ وقد فعل ذلك لكي يتجنب خطورة الماسة الطارئة الت ما تلبث أن‬
‫تفتر‪ ،‬فيجد أن العداد الكبية ل تصب معه على الروج ما ينذر بطر كبي‪ .‬وهو بذلك التهديد قد‬
‫ضمن أن كل من عرض الروج سيخرج؛ وبذلك يستطيع أن يبن حساباته على أرقام صحيحة‪.‬‬
‫لقد كان جهدًا كبيًا ومنظمًا بذل فيه الكثي من الوقت والفكر والال‪ ،‬وجعت فيه جهود‬
‫أوربا الغربية ف قضية واحدة‪ ،‬وهذا ل يدث منذ عدة قرون‪ ،‬ومنذ سقوط المباطورية الرومانية‬
‫القدية‪.‬‬
‫بعد ذلك الستعراض للفية أوربا التاريية‪ ،‬وللفية البابا الفكرية‪ ،‬وللجهود الت بذلت‪،‬‬
‫وللجموع الت استجابت للدعوة نستطيع أن ندرك البواعث القيقية لذه الملة الصليبية‪.‬‬
‫إن كثيًا من الؤرخي يعل الباعث وراء الملة الصليبية سببًا معينًا واحدًا أو رئيسيّا‪ ،‬وينكر‬
‫ما دونه من أسباب ودوافع‪ ،‬وهذا يناف الواقع الذي رأيناه‪ ،‬ويناف خروج هذا الشتات من الناس‪،‬‬
‫حيث يثّلون عدة طبقات من الجتمع الورب‪ ،‬وعدة بلد متلفة‪ ،‬وعدة أمراء وزعماء‪ ،‬وعدة لغات‬
‫ولجات‪ ،‬وعدة مستويات اجتماعية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Heyd. : Hist. du Commerce 1, p. 133; Setton: op. cit, 1, p. 252.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Hagenmeyer, "Chronologin", ROL, V1, pp. 224-225, p. 226,243; AOL, 1, pp. 109-110,116,119.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 112.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p.p. 108-109.‬‬

‫‪42‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن هذا التنوع العجيب يثبت ‪ -‬با ل يدع مالً للشك ‪ -‬أنه ليس هناك دافع واحد جع‬
‫كل هذا الشتات‪ ،‬إنا كانت الدوافع متلفة‪ ،‬والبواعث متعددة‪ ،‬وأفلح البابا أوربان الثان ف الضرب‬
‫على كل وتر؛ حت يقنع الميع بالروج ف رحلة واحدة وهدف واحد‪.‬‬
‫ونستطيع بلحظة تاريخ أوربا قبل الملة الصليبية‪ ،‬وبلحظة طرق التحميس‪ ،‬وبلحظة‬
‫خط سي الملة‪ ،‬والواقف الت تت ف رحلة الذهاب إل أرض الشام‪ ،‬ث بلحظة الحداث الت‬
‫رأيناها أثناء الروب الفعلية ف آسيا الصغرى والشام وفلسطي‪ ،‬نستطيع بلحظة كل هذه المور أن‬
‫ندّد البواعث الت دفعت هذه الموع الختلفة أن تتمع للخروج ف الملة الصليبية‪ ،‬وهذه البواعث‬
‫تضم ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬الباعث الدين‪:‬‬
‫وهذا الباعث يشكّل أحد الدعامات الرئيسية لذه الملة‪ ،‬وإن ل يكن كما ذكرنا الدافع‬
‫الوحيد‪ ،‬ونن نعلم من القرآن الكري‪ ،‬وكذلك من السّنّة الطهرة أن الرب أبدية بي السلم ومن‬
‫يرفضه‪ ،‬ولن يقنع الكثي من الناس بالتعايش السلمي مع السلم حت لو مدّ السلم يده بالتصافح‬
‫والتحابّ؛ لذلك فليس مستغربًا أن يسعى البابا أوربان الثان لرب السلمي حت دون وجود‬
‫مبرات معينة تدفع لذه الرب‪ ،‬فهم مسلمون وهذا ف ح ّد ذاته يكفي أن يكون سببًا ف حربم‪.‬‬
‫وقد تكررت ف كلماته ألفاظ توحي بعدم اعترافه بالسلم أصلً‪ ،‬كإطلق لفظ الكفار أو الوثنيي‬
‫على السلمي‪ ،‬وعلى ذلك فالدافع الدين واضح عند البابا‪ ،‬ول شك أنه واضح أيضًا عند بعض‬
‫القساوسة والرهبان‪ ،‬كما أنه واضح أيضًا عند بعض المراء والقوّاد‪.‬‬
‫وفوق كل ذلك فالدف الدين هو الدف العلن للحملة‪ ،‬وإنقاذ الدولة البيزنطية من‬
‫السلمي كان السبب التداول بي الناس‪ ،‬إضافةً إل ادّعاء البابا أن السلمي يضطهدون الجاج‬
‫السيحيي‪ ،‬وإن كان واضحًا أن هذا الدّعاء ما ذكر إل للستهلك الحلي ف أوربا فقط‪،1‬‬
‫ولتحميس اليوش والشعوب النصرانية؛ لنه ل يثبت أبدًا أن السلمي اضطهدوا الجاج النصارى‪،‬‬
‫وقد ذكر أحد كبار الؤرخي الوربيي وهو غيورغي فاسيلييف أن السيحيي بوجه عام تتعوا بقسط‬
‫وافر من الرية الدينية وغي الدينية ف ظل الكم السلمي‪ ،‬فلم يسمح لم فقط بالحتفاظ‬
‫بكنائسهم القدية‪ ،‬وإنا سح لم أيضًا بتشييد كنائس وأديرة جديدة‪ ،‬جعوا ف مكتباتا كتبًا دينية‬
‫متنوعة ف اللهوت‪ .2‬ويقول تومبسون ‪ -‬وهو مؤرخ ‪" :-‬إن السيحيي الذين خضعوا لكم‬
‫السلجقة صاروا أسعد حالً من إخوانم الذين عاشوا ف قلب المباطورية البيزنطية ذاتا"‪.3‬‬

‫‪ 1‬سعيد عاشور الركة الصليبية ‪.1/30‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Vasiliev: Byzantine Empire p.393.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Thomson: Economic& Social history of the middle age vol. 1.p.391.‬‬

‫‪43‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بل إن كلم بطريرك القدس ثيودسيوس شخصيّا ف إحدى رسائله إل بطريرك القسطنطينية‬
‫سنة (‪255‬هـ) ‪869‬م امتدح السلمي‪ ،‬وأثن على قلوبم الرحيمة‪ ،‬وتسامهم الطلق‪ ،‬حت إنم‬
‫سحوا للمسيحيي ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل ف شئونم الاصة‪ ،‬وقد ذكر بطريرك‬
‫القدس ف رسالة حقيقية مهمة حي قال‪" :‬إن السلمي قوم عادلون‪ ،‬ونن ل نلقى منهم أي أذى أو‬
‫تعنت"‪.1‬‬
‫هذه الكلمات والشهادات وغيها تثبت ‪ -‬با ل يدع مالً للشك ‪ -‬أن كلم البابا أوربان‬
‫الثان عن اضطهاد السلمي للحجاج السيحيي ما هو إل ِفرْية ل أصل لا‪ ،‬وتغطية مكشوفة على‬
‫الدوافع القيقية وراء هذه الملة العنيفة‪.‬‬
‫وفوق هذا فإننا ل َنرَ ف سلوك الحاربي ف هذه العارك ‪ -‬سواء ف رحلتهم إل بيت‬
‫القدس أو ف أثناء حروبم ‪ -‬أيّ علمات للزهد أو الورع الذي يتصف به التدينون‪ ،‬بل كانوا ف‬
‫غاية السفاهة والمق‪ ،‬وبلغوا الذروة ف الشر والجرام‪ ،‬بل إنم ل يتصفوا بذلك فقط عند تعاملهم‬
‫مع السلمي‪ ،‬بل كذلك عند تعاملهم مع النصارى الشرقيي‪ ،‬وسنرى طرفًا من هذا السلوك القيت‬
‫ف أكثر من موضع من مواضع هذه القصة‪ ،‬سواء مع نصارى الجر والنمسا وبلغاريا أو مع نصارى‬
‫القسطنطينية ذاتا‪ ،‬الت زعموا أنم جاءوا لنقاذها‪!2‬‬
‫إذن كان الباعث الدين موجودًا‪ ،‬ولكنه ليس هو الدافع الوحيد‪ ،‬بل ل ينبغي أن يُضخّم‬
‫كثيًا؛ فعموم الملة الصليبية ل يكن يعنيهم الدين ل من قريب ول من بعيد‪ ،‬وإن كانوا جيعًا‬
‫يضعون شارة الصليب على أكتافهم‪ ،‬ويدّعون أنم يريدون الغفرة!!‬
‫ثانيًا‪ :‬الباعث القتصادي‪:‬‬
‫وهذا الباعث أيضًا من أهم البواعث ف هذه الملة الصليبية‪ ،‬فالموع الائلة من العامة‬
‫خرجت لحباطها التام من الصول على أي قسط من رغد الياة ف أوربا‪ ،‬فخرجوا يبحثون عنها ف‬
‫فلسطي‪ ،‬وهم لن يسروا شيئًا‪ ،‬فحت الوت أفضل من حالتهم البائسة تت ني القطاعيي واللوك‪.3‬‬
‫والمراء القطاعيون ما خرجوا إل بغية الثراء والتملك‪ ،‬وقد كانت الرب ف فلسطي فرصة‬
‫للكثيين من أمراء أوربا لتحقيق طموحات استحال عليهم تقيقها ف أوربا؛ لن القانون الورب‬
‫آنذاك كان ينع تقسيم الياث على كل البناء‪ ،‬بل كانت تنتقل القطاعية بكاملها إل البن الكب‬
‫بعد وفاة الب المي‪ ،‬وذلك حت ل تتفتت الثروة وتقلّ الرض‪ ،‬وبالتال تسقط اليبة والكلمة‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Thomson: Economic& Social history of the middle age vol. 1.p.385.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪William of Tyre, 1, p. 105-106, Hagenmeyer, "Chronologie", p. 243, 245-246; Anna Comnena,‬‬
‫‪Alexiade, pp. 311‬‬
‫‪ 3‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/36‬‬
‫‪ 4‬سعيد عاشور‪ :‬أوربا ف العصور الوسطى ‪.2/263‬‬

‫‪44‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وهذا الوضع خلق جيلً من المراء ل أمل عندهم ف التملّك‪ ،‬فلما فتحت أمامهم أبواب الرب ف‬
‫فلسطي سارعوا جيعًا للحصول على أي ملكية؛ لينافسوا بذلك إخوانم الكبار‪.‬‬
‫وكان هذا الباعث القتصادي واضحًا أيضًا عند تّار الوانئ اليطالية‪ ،‬وأشهرها البندقية‬
‫وبيزا وجنوة‪ ،‬وكذلك تّار مرسيليا الفرنسية‪ ،‬وغيهم من تار أوربا؛ فقد رأى هؤلء التجار أن‬
‫الفرصة لتحقيق الصال الذاتية لم‪ ،‬ولو على حساب البابوية والكنيسة‪ ،1‬وكان تبادل الصال واضحًا‬
‫جدّا بينهم وبي الكنيسة‪ ،‬فالصليبيون لن يستطيعوا الستغناء أبدًا عن معونة الساطيل البحرية‪،‬‬
‫ل سخيّا نظي هذه العونة‪ ،‬وهذا القابل كان عبارة عن امتيازات خاصة‬ ‫والتجار سوف يأخذون مقاب ً‬
‫تُعطَى للجمهورية الت تساهم ف هذه الروب التواصلة‪ ،‬ول تكن المتيازات تشمل فقط حرية‬
‫التجارة ف البلد الفتوحة‪ ،‬بل كانوا ُيعْطَون ف كل مدينة تُفتح شارعًا وسوقًا وفندقًا به حام ومبزًا‬
‫خاصّا‪ ،‬وكان التنافس بي المهوريات اليطالية ف هذا الجال كبيًا جدّا‪ ،‬بل كان التصارع‬
‫والتقاتل‪ ،‬وما لبثت مرسيليا أن سارت على نجهم‪ ،‬وتنافست معهم‪ ،‬وأخذت امتيازات قوية ف بيت‬
‫القدس ذاته‪.2‬‬
‫ول يفى على أحد أن النوايا الدينية ل تشغل أبدًا أذهان هؤلء التجار الشعي‪ ،‬وكانت‬
‫كنوز الشرق وأراضيه هي الباعث الكب لم على بذل كل الهد لناح الملة الصليبية‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الباعث السياسي‪:‬‬


‫وهذا الباعث الذي يهدف إل توسيع النفوذ وقهر النافسي‪ ،‬كان باعثًا رئيسيّا عند البابا‬
‫أوربان الثان شخصيّا‪ ،‬وكذلك عند ملوك أوربا‪ ،‬وهؤلء اللوك ل يكن طموحهم يقف عند شيء‪،‬‬
‫وكانت قوة كل ملك فيهم ترتبط بالساحة الت يسيطر عليها‪ ،‬وهذا دفعهم بعد ذلك للمشاركة بقوة‬
‫ف الملت الصليبية عندما شاهدوا النجاحات الت حققتها الملة الول‪.‬‬
‫كما أن ملوك أوربا كانوا يرون أن الدولة البيزنطية دخلت طورًا واضحًا من أطوار الضعف‪،‬‬
‫ولو سقطت فإن هذا يعن فتح الباب الشرقي لوربا لقوات السلمي العسكرية‪ ،‬سواء من السلجقة‬
‫أو من غيهم‪ ،‬وهذا قد يضعهم بي فكي كماشة‪ ،‬أي السلمي القادمي من الشرق والسلمي ف‬
‫أرض الندلس؛ لذلك رأينا أنه برغم التباطُؤ الذي رأيناه من اللوك ف بداية الملت إل أنم‬
‫تسارعوا بعد ذلك للمشاركة‪ ،‬بل ذهب بعضهم بنفسه إل أرض فلسطي أو مصر على قيادة‬
‫جيوشه‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الباعث الجتماعي‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Heyd: Hist su commerce I, 132- 133.‬‬
‫‪ 2‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ص ‪.34 ،33‬‬

‫‪45‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مرّ بنا عند الديث عن الالة ف أوربا قبيل الروب الصليبية‪ ،‬الالةُ الزرية الت كان يعيشها‬
‫الفلحون والعبيد ف أوربا؛ ففضلً عن قلة القوات وانعدام الطعام والشراب‪ ،‬كانت العاملة ف غاية‬
‫السوء‪ ،‬ول يكن لم حقوق بالرّة‪ ،‬بل كانوا يباعون مع الرض‪ ،‬ول يسمح لم بأي نوع من اللكية‪،‬‬
‫والنسان قد يصب على الوع أحيانًا لكن المتهان النفسي والذى العنوي‪ ،‬قد يكون أشد ألًا من‬
‫الوع والعطش؛ ولذلك رأى العوام الفلحون ف أوربا أن هذه فرصة لتغيي نظام حياتم‪ ،‬والروج‬
‫الحتمل من قيود العبودية الذلّة؛ ولذلك خرج الفلحون بنسائهم وأولدهم‪ ،‬وحلوا معهم متاعهم‬
‫القليل البسيط‪ ،‬لقد كان خروجًا بل عودة‪ ،‬وتغييًا كاملً للوضاع‪ ،‬وثورة حقيقية على حياة التعاسة‬
‫والستغلل؛ لذلك سنرى أثناء الحداث أن هذه الموع البائسة ما صبت حت تكتمل اليوش‬
‫وتنتظم‪ ،‬بل خرجت بفردها مسرعة‪ ،‬وكأنا ترب من أسرٍ طويل!‬
‫ولقد شارك هؤلء البائسي فريقٌ آخر من الجرمي والارجي على القانون الذين كانوا‬
‫يعانون أحكامًا قضائية أو مهددين بذلك‪ ،‬وقد وجدوا الروج ليس فرصة للنجاة من الحكام‬
‫وحسب‪ ،‬ولكنه فرصة أيضًا لزاولة السلب والنهب والقتل والغتصاب كما اعتادوا ذلك ف حياتم؛‬
‫وهذا سيعطي الملت الصليبية صبغة إجرامية ل يكن تاهلها أبدًا‪.‬‬
‫كانت هذه هي البواعث الت من أجلها تركت أوربا لغزو العال السلمي‪ ،‬والسيطرة على‬
‫أرضه ومقدراته وشعوبه‪.‬‬
‫تُرى عن أي شيءٍ أسفرت هذه الهود والعدادات؟ وكيف كانت الصورة عندما خرجت‬
‫أول الموع إل الشام؟ وماذا فعلت هذه اليوش الكثيفة مع ملك القسطنطينية قبل أن تعب إل‬
‫أراضي السلمي؟ هذا ما سنعرفه ف الفصل القادم بإذن ال‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الطريق إل بلد السلمي‬

‫تركت جوع الفلحي الوربيي بنشاط لتهرب من الواقع الليم الذي تعانيه‪ ،‬ول تستطع‬
‫أن تصب حت اكتمال تهيز اليوش النظامية‪ ،‬فقررت أن ترج بنفسها إل بلد السلمي مغترة‬
‫بأعدادها ومفتونة بماسها‪ ،‬وإن كانوا جيعًا من ل يسنون القتال والروب‪ ،‬بل لعلهم ل يملوا‬
‫سيفًا طيلة حياتم (خريطة ‪.)10‬‬
‫تول قيادة الموع المجية والتر الفلس‪ ،‬وكان فارسًا شرسًا من بواسي ‪ ،Poissy‬ول يكن‬
‫ف هذه الملة إل ثانية فرسان فقط‪!1‬‬
‫خرجت هذه الملة من فرنسا واخترقت ألانيا‪ ،‬وهي تمع ف طريقها النصار والتحمسي‪،‬‬
‫وإن كان يبدو عليهم بوضوحٍ عدم البة وانعدام التنظيم‪.‬‬
‫ث عبت هذه الموع إل الراضي الجرية ث البيزنطية‪ ،‬وف هاتي الرحلتي الخيتي‬
‫ظهرت بوضوح طبيعة هذه الملت العدوانية؛ فقد نظرت هذه الموع إل أعدادها وقوتا‪،‬‬
‫واسترجعت تاريها ف الرمان والفاقة‪ ،‬فنسيت الدف العلن الذي خرجوا له‪ ،‬وهو نصرة السيحيي‬
‫الشرقيي‪ ،‬ومن َثمّ قرروا الجوم على القرى والدن المنة الت ف الطريق‪ ،‬وكلها آهلة بالسكان‬
‫النصارى الذين من الفترض أنم جاءوا لنصرتم‪!!2‬‬
‫لقد كانت وصمة ف تاريخ أوربا حيث بدأ السلب والنهب والعتداء على الرجال والنساء‬
‫وسرقة الموال والديار!‬
‫ُدهِش المباطور البيزنطي من هذه العمال الت ارتكبت ف دولته من هذه الموع الت ل‬
‫تفقه شيئًا ل ف الدين ول ف السياسة ول ف الرب؛ فانعدام الدين عندهم واضح لكونم يقتلون‬
‫إخوانم النصارى دون أدن مبر‪ ،‬وانعدام السياسة واضح أيضًا لنم يفعلون ذلك ف أراضي الدولة‬
‫البيزنطية غي مقدرين القوة العسكرية الضخمة لذه الدولة العتيدة‪ ،‬كما أنم ل يفقهون شيئًا ف‬
‫القتال والنال‪ ،‬كما هو واضح من أشكالم وتنظيمهم وطريقة حربم‪ ،‬ومع ذلك فإن المباطور‬
‫البيزنطي ألكسيوس كومني تذرّع بالصب‪ ،‬ول يشأ أن يهاجم هذه الموع فيفنيها؛ لنه كان يريدها‬
‫لرب السلمي‪ ،‬ومن ثَ ّم ل يتعرض لملة والتر الفلس بسوء‪ ،‬وإن كان ل يأمنهم على القسطنطينية؛‬
‫فأنزلم خارج أسوارها لينتظروا بقية الملت والنود‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert D`Aix, in Peters (ed)., The First Crusades, pp. 95-96.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Vasiliv: op. cit., vol.ll, p. 404.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Chalandon: Permiere Croisade, p. 61-62; Cam. Med. Hist. vol. 5,p.p. 275-276.‬‬

‫‪47‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وف هذه الثناء كان بطرس الناسك قد جع أعدادًا غفية من الفلحي البؤساء رجالً ونساءً‬
‫وأطفالً‪ ،‬وانضم لم جع كبي من الفّاقي والجرمي وبنات الوى‪ ،1‬وكان تمعهم ف حوض نر‬
‫الراين بألانيا‪ ،‬ث غادروا الراضي اللانية ف (‪489‬هـ) ‪ 20‬من إبريل ‪1096‬م‪ ،‬ول يكن ف هذه‬
‫الموع إل عدد قليل من الفرسان يتقدمهم بطرس الناسك على حاره العرج‪.2‬‬
‫وكما كانت رحلة والتر الفلس إجرامية إرهابية‪ ،‬كانت أيضًا رحلة بطرس الناسك؛ إذ إنا‬
‫بجرد دخولا للراضي الجرية حت بدأت تفسد ف الرض‪ ،‬وبشكل أكب وأوسع؛ لن أعدادهم‬
‫كانت أكب‪ ،‬وطبيعتهم كانت أفسد‪ ،‬وظهرت بوضوح ف هذه الرحلة النوايا البيثة لبطرس الناسك‬
‫الذي ل يكن يتورع عن إزهاق الرواح النصرانية وسلب الموال والمتلكات‪ ،‬مع أنه كان يطلق‬
‫على جيشه جيش الرب!‬
‫وتفاقمت الأساة وبلغت ذروتا عند مدينة سلي ‪ Semlin‬الجرية‪ ،‬حيث هجم بطرس‬
‫الناسك ومن معه على الدينة النصرانية‪ ،‬فأحدثوا فيها مزرة بشعة كان ضحيتها أربعة آلف نصران‬
‫جلة واحدة‪!!3‬‬
‫وانتبه اللك الجري كولومان للمصيبة‪ ،‬ول يكن يتوقعها من أناس يرفعون الصليب شعارًا‬
‫لم‪ ،4‬فجمع قوته وهاجهم‪ ،‬فتفرقوا ف الغابات الجرية‪ ،‬وقتل منهم البعض‪ ،‬وفر الباقون إل الراضي‬
‫البيزنطية الجاورة ليستكملوا مسية الفساد ف الرض‪.‬‬
‫وف الراضي البيزنطية تمعت قوتم من جديد‪ ،‬ورصدتم عيون الخابرات البيزنطية‪،‬‬
‫وتركتهم عمدًا يتحركون صوب القسطنطينية؛ وذلك لللتقاء مع جوع والتر الفلس‪ .‬غي أن هذا‬
‫الدوء من الدولة البيزنطية أغرى الموع الفسدة بواصلة السلب والنهب‪ ،‬فتكررت مأساة سلي ف‬
‫مدينة نيش البيزنطية‪ ،‬حيث قتل بطرس الناسك ومن معه أعدادًا كبية من النصارى الرثوذكس‬
‫وأحرقوا الديار بأهلها‪ ،‬وهنا ل تعب اليوش البيزنطية‪ ،‬بل هجمت على جوع بطرس الناسك‪ ،‬وقتلت‬
‫منهم عددًا كبيًا‪ ،‬كما استولت على الموال والتبعات الت جعها بطرس الناسك قبل ذلك من‬
‫الغرب الورب‪ ،‬ومع ذلك فلم يشأ اليش البيزنطي أن يفن الموع الفسدة؛ لنه كان يريد‬
‫توجيههم لرب السلمي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪William of Tyre, p. 105; Hagenmeyer, "Chronolgie", p. 243.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Setton: op. cit. 1, pp. 263-265.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Albert d` Aix: Rec. Hist. cr) Hist. Occid., 1V ,p. 279.‬‬
‫‪4‬‬
‫;‪Ekkhrad D` Aura, in Petes (ed), pp. 100-101; Albert d` Aix, pp. 100; William of Tyre, p. 112‬‬
‫‪"Clermont to Constantinople", pp. 262-265.‬‬

‫‪48‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وعند مدينة صوفيا أرسل لم المباطور البيزنطي وفدًا يذرهم من عواقب هذه المجية‪،‬‬
‫ويأمرهم بعدم البقاء أبدًا ف أي مدينة بيزنطية أكثر من ثلثة أيام‪ ،‬ث تول فريق من البيزنطيي قيادة‬
‫هذه الموع إل أسوار القسطنطينية لقابلة فرقة والتر الفلس هناك‪.1‬‬
‫إن الناطر لحوال هذه الموع الفسدة قد يتعجب‪ ،‬ولكن الحلّل للتاريخ بدقة سيجد أن‬
‫هذا أمرٌ طبيع ّي جدّا‪ ،‬وكثي التكرار ف كل مراحل التاريخ؛ إنا القوة الت نزعت منها الرحة‬
‫والخلق والدين‪ ،‬وأي قوة ل تُجمّل بذه الداب فإنا ‪ -‬ل شك ‪ -‬ستكون طاغية مفسدة‪ .‬لقد‬
‫فعلت اليوش الفارسية الشيء نفسه وهي ف طريقها لرب السلمي ف موقعة القادسية‪ ،‬حيث‬
‫أغارت على عدة مدن وقرى فارسية ف طريقها‪ ،‬وهذه الدن والقرى ل يقطن فيها إل الفارسيون‬
‫الذين تربطهم بذا اليش علقات الدم والدين‪ ،‬ومع ذلك عاث النود الفارسيون ف الرض فسادًا‪،‬‬
‫وذبوا أهلها‪ ،‬ونبوا أموالم وديارهم‪ ،‬واعتدوا على نسائهم وأطفالم!‬
‫واليوش البيزنطية ذاتا الت تأمر الن الموع الفسدة بأن تلك أعصابا ول تقتل إخوانا‪،‬‬
‫هي ذاتا الت أذاقت أهل الشام النصارى العذاب ألوانًا‪ ،‬وفرضت عليهم الضرائب الباهظة‪ ،‬وحوّلت‬
‫كل الحاصيل والغلل إل الدولة الرومانية‪ ،‬وفعلت ذلك وأكثر ف مصر‪ ،‬مع أن الميع ف النهاية‬
‫ينتمي إل الذهب الرثوذكسي!‬
‫واليوش اللانية النازية‪ ،‬ماذا فعلت عندما شعرت بقوتا؟!‬
‫إن كل الشعوب الت ذاقت ويلت اللان كانت شعوبًا نصرانية مثل اللان‪ ،‬بل إن اليوش‬
‫السلمية إن ل تكن إسلمية إل بالسم فقط‪ ،‬وفرغت من اللق القوي واللتزام الشديد بقواعد‬
‫الدين وأصوله؛ فإنا هي الخرى جيوشٌ إرهابية يعان منها السلمون قبل غي السلمي‪ ،‬وهذا‬
‫نشاهده كثيًا ف اليوش السلمة الت تتبع مناهج علمانية بعيدة كل البعد عن السلم‪.‬‬
‫إن هذا الستعراض لرحلة والتر الفلس أو بطرس الناسك يوضّح لنا بلء طبيعة الملت‬
‫الصليبية‪ ،‬وأنا ‪ -‬وإن رفعت الصليب شعارًا ‪ -‬ما جاءت إل للسلب والنهب والستحواذ والتملّك‪.‬‬
‫ول تكن حلت والتر الفلس وبطرس الناسك هي الملت الشعبية الوحيدة‪ ،‬بل خرجت‬
‫حلت أخرى من غرب أوربا مثل‪ :‬حلة فولكمار ‪ ،Volkmar‬وحلة جوتشوك ‪،Gottschock‬‬
‫وحلة إميخ ‪2Emich‬؛ وكان شعار كل هذه الملت الفساد ف الرض‪ ،‬وقد قامت حلة إميخ‬
‫بقتل اثن عشر يهوديّا ف مدينة سبي ‪ Spier‬ف وادي الراين‪ ،‬ث أتبعوهم بقتل خسمائة يهودي ف‬

‫‪1‬‬
‫‪William of Tyre, p. 105; Hagenmeyer, "Chronolgie", p. 243.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Setton: op.city. 1.pp.263-265.‬‬

‫‪49‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مدينة وُرمز ف وادي الراين‪ ،‬وذلك ف ‪ 20‬من مايو ‪1096‬م‪ ،1‬ث زاد المر أكثر ف مدينة مين‬
‫حيث قُتل ألف يهودي‪.2‬‬
‫وقامت حلة فولكمار أيضًا بقتل عدد آخر من اليهود ف مدينة براغ‪ ،3‬وكان من الواضح ف‬
‫هذه الملت العنصرية الفجّة‪ ،‬فهم ف البلد الكاثوليكية يقتلون اليهود‪ ،‬وف البلد الشرقية يقتلون‬
‫الرثوذكس‪ ،‬وسوف يسعون بعد ذلك لقتل السلمي‪.‬‬
‫غي أن هذه الملت الخية‪ ،‬وخاص ًة حلة إميخ وفولكمار‪ ،‬تعرضت لصدمة قاسية ف‬
‫الطريق‪ ،‬حيث ترصّد لا ملك الجر كولومان‪ ،‬وخاف من تكرار مأساة والتر الفلس‪ ،‬وبطرس‬
‫الناسك؛ ومن ثَمّ حاصر هذه الملت الخية‪ ،‬وأبادها تامًا‪ ،‬فلم يكن لا أي دور ف الشاركة مع‬
‫والتر وبطرس ف الرب الصليبية‪.‬‬
‫لقد كانت ناية تعيسة لموع تعيسة هربت من حياة الضنك لتُقتل ف غابات الجر‪ ،‬وتقتل‬
‫معها أحلم العيش السعيد ف بلد الشرق السلمة!‬
‫نعود إل أسوار القسطنطينية حيث وصل إليها بطرس الناسك ف أوائل أغسطس (‪488‬هـ)‬
‫‪1096‬م‪ ،‬ليلتقي مع والتر الفلس وفرقته‪ ،‬ليصبح التجمع الصليب كبيًا جدّا‪ .‬وتتلف الروايات ف‬
‫تقدير عدد هؤلء الفلحي والغامرين‪ ،‬حيث تقدرهم بعض الروايات بمسة وعشرين ألفًا‪ ،‬بينما‬
‫تصل بم بعض الروايات إل مائة ألف صليب‪ ،‬هذا بلف النساء والطفال‪.4‬‬
‫وعند قدوم بطرس الناسك استقبله المباطور البيزنطي ألكسيوس كومني استقبالً حسنًا‪،‬‬
‫وإن كان متعجبًا لذه الموع المجية الت أرسلتها أوربا لنجدته من السلمي‪ ،‬غي أنه أدرك أن هذه‬
‫الموع ما هي إل مقدّمة للجيوش الصليبية الدربة؛ ومن هنا نصح المباطور بطرس الناسك ومن‬
‫معه بانتظار اليوش النظامية‪ ،‬وعدم التهوّر بقابلة اليوش السلجوقية الدربة‪ .‬غي أن الموع‬
‫النصرانية ما لبثت أن كررت الفساد ف القرى والضّياع الحيطة بالقسطنطينية‪ ،‬وكادت السيطرة‬
‫تفلت من أيدي اليش البيزنطي‪ ،‬ما دفع المباطور البيزنطي إل سرعة نقل هذه الموع الفسدة‬
‫عب مضيق البسفور إل آسيا الصغرى حيث السلجقة السلمي؛ وذلك ليؤمّن منطقة القسطنطينية‬
‫وما حولا‪ .‬ومع غضبه الشديد إزاء هذه العمال التهورة إل أنه أمدّهم بالنصح والرشاد‪ ،‬وساعدهم‬
‫بالسفن البيزنطية‪ ،‬وأعطاهم بعض السلح‪ ،‬وأرسل معهم بعض العيون والباء‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cam. Med. Hist. vol5. p.277‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d' Aix Iv, pp.292-293‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runcumian: Op. City. 1.pp 134- 141‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ostrogorsky: op. cit., p. 321.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪William of Tyre, 1, pp. 105-106; Anna Comnena, Alexiade, pp. 311; Duncalf, "Clermont to‬‬
‫‪Constantinople:, p. 259-262; Hagenmeyer, "Chronolgie", pp. 245-246.‬‬

‫‪50‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫دخلت الموع الصليبية إل آسيا الصغرى‪ ،‬ول يطيقوا الصب حت تأت جيوشهم الحترفة‪،‬‬
‫فقاموا بالغارة على بعض القرى السلمة‪ ،‬وقتلوا وسلبوا ونبوا‪ ،‬وزادهم هذا إغراءً فتمادوا ف الغيّ‪،‬‬
‫وهم ل يدركون أنم أصبحوا على بُعد عدة كيلو مترات فقط من مدينة نيقية قاعدة السلطان قلج‬
‫أرسلن بن سليمان بن قتلمش‪ ،‬سلطان السلجقة ف آسيا الصغرى آنذاك‪.1‬‬
‫دبّر السلطان قلج أرسلن مكيدة حربية‪ ،‬واستطاع اليقاع بالموع الساذجة ف فخّ مكم‪،‬‬
‫وحاصرت اليوش السلجوقية جوع الصليبيي‪ ،‬ودارت معركة سريعة ظهر فيها الهل الواضح لذه‬
‫الموع الشعبية‪ ،‬لينطلق السلجقة ف قتل معظم هذه الموع‪ ،‬حت كادت تُباد عن آخرها‪ ،‬لول أن‬
‫المباطور البيزنطي سع بأنباء الكارثة‪ ،‬فأرسل سفنًا حربية وبعض النود البيزنطيي الذين استطاعوا‬
‫إنقاذ ثلثة آلف صليب فقط‪ ،‬بينما ُدمّر الباقي تامًا ف الكمي السلجوقي‪ .‬وكان من قتل ف هذا‬
‫الصدام والتر الفلس‪ ،‬بينما نا بطرس الناسك الذي كان ف مقابلة مع المباطور البيزنطي وقت‬
‫وقوع الموع الصليبية ف الكمي السلجوقي‪.2‬‬
‫كانت صدمة قاسية جدّا للمباطور البيزنطي‪ ،‬وبطبيعة الال لبطرس الناسك‪ ،‬واحتفظ‬
‫المباطور بالبقية الباقية من هذه الموع وقائدهم بطرس الناسك ف مدينة القسطنطينية؛ ليكونوا ف‬
‫انتظار اليوش الصليبية الحترفة‪.‬‬
‫وهكذا كانت النهاية الأساوية لكل الملت الشعبية‪ ،‬سواء على يد ملك الجر كولومان أو‬
‫على يد السلجقة السلمي؛ ليدفع فقراء أوربا وفلحوها ثن الغرور الذي مل رجال دينهم وأمراءهم‬
‫وإقطاعياتم‪ ،‬وهكذا دومًا تدفع الشعوب الغلوبة على أمرها ثن هوانا وذلتها!‬
‫وبينما كان الال كذلك مع هذه الملت الشعبية كان العمل يري على قدم وساق ف‬
‫أوربا الغربية وخاص ًة فرنسا؛ لتجميع اليوش النظامية وبأعداد ضخمة ل تسبق ف تاريخ أوربا‪ ،‬بل‬
‫لعلها ل تسبق ف تاريخ العال أجع!‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 8.‬‬
‫‪ 2‬عن ناية الملة الشعبية انظر‪:‬‬
‫‪Albert D`Aix, in Peters (ed.),. 108-112; William of Tyre, 1, pp. 106-109; Anna Comnena, Alexiade, pp.‬‬
‫‪311-313; Gesta Francorum, pp. 2-4; Hagenmeyer, "Chronolgie", pp 245. 251-254; Runcumian,‬‬
‫‪"Cinstaninople to Antioch", in setton, 1, pp. 281-284; Bradford, The Sword, pp. 38-39.‬‬
‫قاسم عبده قاسم‪ :‬اللفية اليدلوجية ص ‪ 165‬وما بعدها‪ ،‬جوزيف نسيم‪ :‬العرب والروم واللتي ص ‪ ،170:158‬زابوررف‪:‬‬
‫الصليبيون ف الشرق ص ‪.95:57‬‬

‫‪51‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫العداد العسكري للحملة الصليبية الول‬

‫ل تعرف أوربا الغربية ف هذا الوقت الوحدة بأي شكل من الشكال‪ ،‬ول يدث منذ‬
‫سقوط المباطورية الرومانية العظمى ف سنة ‪476‬م ‪ -‬أي منذ أكثر من ستة قرون ‪ -‬أن تمعت‬
‫جيوش الدول الوربية الغربية ف معركة واحدة‪ ،‬اللهم إل الساعدات الت كانت تقدمها هذه الدول‬
‫‪ -‬وخاص ًة فرنسا ‪ -‬للممالك النصرانية ف شال الندلس ف حروبم ضد مسلمي الندلس‪.‬‬
‫بل ل تعرف الدول ذاتا ف ذلك الوقت الوَحْدة الداخلية‪ ،‬فكانت كل دولة أو ملكة مقسمة‬
‫لعدة إقطاعيات‪ ،‬وعلى كل إقطاعية أمي يكمها فيما يشبه الكم الذات‪ ،‬وإن كان يدين بالولء‬
‫للملك الذي يمع القطاعيات معًا‪ ،‬وإن كان هذا الولء كثيًا ما يكون ولءً شكليّا ل واقعيّا‪.‬‬
‫إن وضعنا هذه اللفية ف أذهاننا‪ ،‬فإننا سندرك أن تميع هذه القطاعيات التعددة ف جيش‬
‫واحد منظم سيكون أمرًا صعبًا جدّا‪ ،‬بل إنه يكاد يكون مستحيلً‪ ،‬وهذا سيعن أن الملة الصليبية‬
‫غالبًا ستكون مكوّنة من عدة جيوش منفصلة‪ ،‬على رأس كل جيش أمي له أحلمه الاصة‪ ،‬وله‬
‫ولءاته الاصة أيضًا‪ ،‬وقد يدث التعاون بي هذه اليوش التعددة ف بعض الواقف‪ ،‬ولكنه ‪ -‬ل‬
‫شك ‪ -‬سيحدث أيضًا التعارض والتشاحن بي نفس اليوش‪ ،‬خاصةً أن الكثي من شارك ف هذه‬
‫الملة الصليبية الول كان متنافسًا مع أمراء آخرين شاركوا ف نفس الملة؛ ما سيفرز مواقف ذات‬
‫طابع خاص‪ ،‬كلها يثبت ف النهاية أن الطامع الشخصية والهواء الاصة كانت هي الدافع الوحيد‬
‫لروجهم ‪ -‬أو على القل لروج معظمهم ‪ -‬ول يكن ف اعتبارهم أبدًا الدين أو الكنيسة أو‬
‫الصليب‪.‬‬
‫وبالنظر إل اليوش الت كوّنت الملة الصليبية الول ند أنا عبارة عن خسة جيوش‬
‫مستقلة (خريطة ‪.)11‬‬
‫‪ -1‬كان اليش الول بقيادة الفرنسي جودفري دي بوايون ‪GODFREY DE‬‬
‫‪ Bouillon‬وهو أمي لوثرتيا جودفري البولون‪ ،‬وكان بصحبته أخوه المي بلدوين‪ ،1‬كما التحق‬
‫بيشه عدة أمراء آخرين معظمهم من فرنسا‪ ،‬وقد أعطت كثرة المراء ف هذا اليش صبغة خاصة‬
‫من الهية له‪ ،2‬وكانوا ف العظم من منطقة اللورين شال فرنسا‪ ،‬وكان ف هذا اليش أيضًا بعض‬
‫اللان‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Michaud: nHist. Des Coisades, 1, pp. 146-147.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit., 1, p. 147.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪William of Tyre 1, pp. 116-120.‬‬

‫‪52‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫والمي جودفري بوايون وإن كان فرنسيّا إل أنه كان يدين بالولء للمباطور اللان القوي‬
‫هنري الرابع‪ ،‬ول يكن يدين بالولء للملك الفرنسي الضعيف آنذاك فيليب الول‪ ،1‬وكان جودفري‬
‫بوايون يرص على أن يكون قائدًا عامّا لكل الملة الصليبية‪ ،‬يؤيده ف ذلك كثرة المراء ف جيشه‬
‫خاصة‪.‬‬
‫‪ -2‬أما اليش الثان فكان جيشًا مهمّا أيضًا؛ إذ كان على رأسه المي ريون الرابع كونت‬
‫تولوز والبوفنسال‪ ،‬وهو اليش القادم من جنوب فرنسا‪ ،‬وكان هذا اليش يكتسب أهية خاصة‬
‫لكون المي ريون يعتب نفسه ‪ -‬كما كان جودفري بوايون ‪ -‬أهمّ قواد الملة الصليبية‪ .‬وكان‬
‫المي ريون أكب المراء سنّا‪ ،‬كما أنه كان من أوائل الذين استجابوا لدعوة البابا أوربان الثان‪ ،‬بل‬
‫إنه صاحبه ف أكثر من مؤتر لمع الحاربي‪ ،‬وهو الذي قبل ذلك شارك ف حرب السلمي ف بلد‬
‫الندلس‪ ،‬وكان صاحب صبغة دينية واضحة‪ ،‬وكان مقربًا من البابا حت إن البابا جع َل ف جيشه هو‬
‫دون غيه مث َل الكنيسة أديار أسقف لوبوي‪ ،2‬وفوق كل ذلك فإن جيشه كان أكب اليوش‬
‫الصليبية؛ كل هذه القومات جعلت المي ريون الرابع يطمع ف أن تكون إمارة اليوش العامة معه‬
‫هو‪ ،‬وليس مع غيه‪.3‬‬
‫‪ -3‬وأما اليش الثالث فكان بقيادة المي روبرت دوك نورماندي ‪Robert Duke‬‬
‫‪ Normandy‬الذي كان يصطحب معه زوج أخته ستيفن كونت بلوا ‪ ،Stephen Blois‬وكان‬
‫هذا اليش من غرب فرنسا ف الساس‪ ،‬إضافةً إل جيش نورماندي مع الكثي من الفرسان النليز‪.4‬‬
‫‪ -4‬وكان اليش الرابع فرنسيّا أيضًا‪ ،‬ولكنه كان جيشًا صغيًا‪ ،‬ويبدو أنه كان تثيلً شرفيّا‬
‫للك فرنسا فيليب الول‪ ،‬حيث كان على قيادة اليش شقيق اللك شخصيّا‪ ،‬واسه هيو‪ ،‬وكان‬
‫كونت قرماندو ‪.5Hugh count vermanois‬‬
‫‪ -5‬أما اليش الامس والخي فكان جيشًا خطيًا ومهمّا‪ ،‬وهو اليش اليطال القادم من‬
‫جنوب إيطاليا‪ ،‬والكوّن من القاتلي النورمان الشداء‪ ،‬وكان على قيادته المي الطموح بوهيموند‬
‫ابن روبرت جويسكارد‪ ،6‬وكان هذا المي يطمح ‪ -‬كما كان جودفري بوايون وريون الرابع‬
‫يطمحان ‪ -‬إل قيادة اليوش متمعة‪ ،‬وكان يؤيّده ف ذلك أن جيشه هو أقوى اليوش تنظيمًا‪،‬‬
‫وأكفأهم عسكريّا‪ ،‬وأشدهم قتالً‪ .7‬ث إنه ابن روبرت جويسكارد‪ ،‬وكان من أقوى أمراء أوربا‬

‫‪1‬‬
‫‪Cam. Med Hist vol. 5, p. 281.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, pp. 24-25; Runciman, Hist. of the Crusaddes, 1, p. 142.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 136.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Raymond d` Aguilers, in Peters (ed)., The first Crusade, pp. 181-211. William of Tyre 1, pp. 139-140.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Anna Comnena, p. 314: AOL, 1, pp. 121-122, 145: Hagenmeryer "chronologie", p. 248.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Gesta Francorun, pp. 6-13; Anna Comnena, pp. 326-329.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 157.‬‬

‫‪53‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مطلقًا‪ ،‬وهو الذي استطاع إخضاع البلقان لسيطرته بعد أن هزم الدولة البيزنطية ذاتا‪ ،1‬كما أن‬
‫لبوهيموند خبة سابقة ف حصار أنطاكية سنة ‪1081‬م‪ ،‬ومواجهة الدولة البيزنطية هناك‪ .‬وكان‬
‫بصحبة بوهيموند ابن أخته المي تانكرد‪ ،‬وهو من المراء الشداء الطموحي أيضًا‪ ،‬كما اصطحب‬
‫أيضًا عددًا من المراء النورمان الكفاء‪.2‬‬
‫وهكذا ند أن اليوش الصليبية ل تمعها قيادة موحّدة‪ ،‬بل كان القواد من البداية‬
‫يتصارعون على القيادة العامة‪ ،‬كما أن كل واحد منهم كانت أحلمه الاصة تراوده ف التوسع‬
‫والتملك‪.‬‬
‫وكان أول اليوش تركًا ووصولً إل الدولة البيزنطية هو اليش الرابع الصغي‪ ،‬ولكنه كان‬
‫تعيس الصي؛ إذ سلك الطريق البحري‪ ،‬وأصابته عاصفة شديدة بالقرب من سواحل المباطورية‬
‫البيزنطية‪ ،‬فهلك الكثي منه‪ ،‬وأنقذت فرقة من البحرية البيزنطية بقية اليش‪ ،3‬وقابل المي هيو‬
‫المباطور البيزنطي ألكسيوس كومني‪ ،‬ول يكن عجيبًا ف مثل هذه الظروف أن يُقسِم المي يي‬
‫الولء والتبعية للمباطور البيزنطي‪ ،4‬كما أقسم على أنه سيبذل كل جهده لتحرير البلد الت أخذها‬
‫السلمون من سلطان الدولة البيزنطية‪.‬‬
‫ول يكن هذا اليش ‪ -‬كما هو واضح ‪ -‬مؤثرًا بشكل من الشكال ف خط سي الحداث‪.‬‬
‫أما اليش الذي وصل بعد ذلك فكان اليش الول‪ ،‬وهو جيش جودفري بوايون‪ ،‬ونتاج‬
‫إل وقفة مهمة مع هذا اليش (خريطة ‪.)12‬‬
‫لقد سلك هذا اليش الطريق البيّ الذي سلكه قبل ذلك بطرس الناسك ووالتر الفلس‬
‫وبقية الملت الشعبية‪ ،5‬وبالتال فسيمر على الجر وغيها من الناطق الت تمل ذكريات مؤلة‬
‫للوربيي الغربيي‪ ،‬وقد تصطدم هذه اليوش مع ملك الجر القوي كولومان؛ ما قد يعطّل مسيتا‬
‫ويبدّد قوتا؛ لذلك قرّر جودفري بوايون ف ذكاء شديد أن يعقد اجتماعًا مهمّا مع ملك الجر على‬
‫الدود اللانية الجرية وقبل أن يدخل الراضي الجرية؛ ليعقد معاهدة مع هذا اللك يضمن فيها عدم‬
‫الساس بأية متلكات‪ ،‬وعدم إيقاع الضرر بأي إنسان مريّ‪ ،‬ولكي يطمئن ملك الجر إل وفاء المي‬
‫جودفري فإنه قرر أن يترك أخاه المي بلدوين رهينة عند ملك الجر لي عبور اليش الصليب‪ ،‬كما‬
‫أصدر جودفري الوامر الشددة ليشه بعدم القيام بأي عمليات سلب أو نب ف النطقة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ostrogorsky: op. cit. ll, p. 381.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Chalandon: Premiere Croisade, p. 132.‬‬
‫‪ 3‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.118‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Anna Comnena, p. 315; Fulcherde Chartres, p. 72.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 12.‬‬

‫‪54‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وهكذا عب اليش الصليب الول ملكة الجر بأمان‪ ،‬ث عندما دخل إل الراضي البيزنطية‬
‫قابل وفدًا للمباطور البيزنطي‪ ،‬وذلك فيما بي بلجراد ونيش‪ ،‬وتعهد لذا الوفد أيضًا بعدم الساس‬
‫بأية متلكات بيزنطية‪ ،‬وف القابل تعهدت المباطورية البيزنطية بتقدي كل ما يلزم اليش الكبي من‬
‫توين ومساعدات حت وصولم إل أرض السلمي‪.1‬‬
‫ث أكمل اليش الصليب طريقه حت وصل إل شاطئ بر مرمرة عند مدينة سليمبيا‬
‫‪ Selymbria‬البيزنطية‪ ،‬وذلك ف (‪489‬هـ) منتصف ديسمب ‪1096‬م‪ ،‬وهناك َفقَد جودفري‬
‫بوايون السيطرة على جيشه الذي ل يستطع أن يتمالك نفسه أمام ثراء الدينة‪ ،‬فقام النود بسلب‬
‫الدينة ونبها‪.2‬‬
‫وكانت هذه الادثة علمة إنذار واضحة للمباطور البيزنطي تيفه من هذه النود الت أتت‬
‫من غرب أوربا‪ ،‬ووقف المباطور البيزنطي يلّل الوقف بدقة‪.‬‬
‫إنه ل يأت بؤلء النود إل هذا الكان‪ ،‬ول يستنجد بالبابا إل ليدفع خطر السلمي‪ ،‬ويعيد‬
‫امتلك ما أخذ منه على مدار السنوات القادمة‪ ،‬وعلى هذا فالذي كان ف حساباته أن هذه اليوش‬
‫ستكون كالنود الرتزقة الذين تعوّدت المباطورية البيزنطية على استيادهم قبل ذلك‪ ،‬فهم‬
‫سيقومون بهمة ث يأخذون أجرهم‪ ،‬وينتهي بذلك دورهم‪.‬‬
‫أما ما رآه المباطور البيزنطي من آثار الملت الصليبية السابقة‪ ،‬ومن جيش جودفري‬
‫بوايون الن فشيء يدعو إل القلق العميق؛ لن هذه الموع الت جاءت بنسائها وأولدها جاءت‬
‫لتستقر‪ ،‬كما أنا ل تسب حسابًا للدولة البيزنطية العظمى‪ .‬ث إن اليوش الصليبية النظامية كبية‬
‫وقوية‪ ،‬وهذا اليش الول بقيادة جودفري جيش مترف‪ ،‬وله بأس وقوة‪ ،‬فكيف إذا اجتمعت‬
‫اليوش الصليبية كلها؟! ث إن المباطور البيزنطي استرجع بذاكرته قصة الغامر النورماندي رسل‬
‫دي باليل ‪ Roussel de Bailleul‬الذي كان من النود الرتزقة الأجورة مع فرقته اليطالية لدى‬
‫المباطورية البيزنطية‪ ،‬ث ما لبث أن أعلن عصيانه سنة (‪465‬هـ) ‪1073‬م على الدولة البيزنطية‬
‫وحاربا وأنزل با ضررًا بالغًا‪ ،‬ول تنته قصته إل ب َفقْد عدد مهم من الدن البيزنطية أخذها السلجقة‬
‫السلمون بعد التفاق مع المباطور البيزنطي على التخلص من رسل باليل ف مقابل أخذ ما‬
‫يسيطرون عليه من الدن‪ ،‬وإذا كان رسل باليل قد أحدث كل هذا الضرر بثلثة آلف مرتزقة كانوا‬
‫معه‪ ،‬فكيف سيكون الال مع جيش كجيش جودفري‪ ،‬أو الصيبة الكبى لو اجتمعت اليوش‬
‫الصليبية كلها على أمر واحد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d` Aix, 1v. pp. 299-305.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Idem, p.p. 304-305.‬‬

‫‪55‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لذلك قرر المباطور الحنك ألكسيوس كومني أن يتعامل بالزم من أول المر مع‬
‫جودفري‪ ،‬كما حرص كل الرص على إناء مشكلته قبل أن يأت جيش صليب آخر فتزداد الشكلة‬
‫تعقيدًا‪.1‬‬
‫فماذا فعل المباطور البيزنطي؟!‬
‫لقد طلب من جودفري بوايون أن يقسم الولء للمباطور البيزنطي‪ ،‬وهذا يعن أنه سيقسم‬
‫أن يكون تابعًا للمباطور البيزنطي ف الراضي الت يتلكها السلمون الن‪ ،2‬وبالتال فإن جودفري‬
‫لو نح ف أخذها فسيأخذها لصال المباطور البيزنطي ل لصال نفسه‪ ،‬وبذلك يتحدد الوضع‬
‫القانون للبلد منذ البداية‪ ،‬ويتفظ المباطور بكل القوق للدولة البيزنطية‪.‬‬
‫وكان هذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬طلبًا قاسيًا‪ ،‬وشرطًا ف غاية الصعوبة!‬
‫إن جودفري بوايون يدين بالولء لمباطور آخر قد تتعارض أهدافه وأوامره مع المباطور‬
‫الول‪ ،‬ث إن جودفري جاء بناءً على دعوة الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬فكيف يُعطِي ولءه للمباطور‬
‫الذي يرعى الكنيسة الرثوذكسية! ث فوق ذلك وقبل كل ذلك إنه يريد لنفسه السيطرة واللك‪،‬‬
‫وليس ف اعتباراته أيّ حقوق ماضية أو وقائع تاريية‪ .‬إنه يتعامل بأسلوب القراصنة‪ ،‬ول يتاج لبر‬
‫كي يستول على أملك غيه‪!!3‬‬
‫ونتيجة لذه العوامل فإن جودفري قرر أن يُسوّف ف الستجابة لطلب المباطور البيزنطي‪،‬‬
‫وذلك حت تأت بقية اليوش الصليبية‪ ،‬ومن ثَمّ يستطيعون أخذ موقف موحّد يمي أحلمهم‪ ،‬ول‬
‫يورّطهم فيما ل يريدونه‪.‬‬
‫غي أن المباطور البيزنطي ل يعجبه هذا السلوك وأدرك أهداف جودفري؛ ولذلك فقد قرر‬
‫عدم النتظار‪ ،‬وأخذ قرار قطع التموين الغذائي عن جيش جودفري‪ ،‬فما كان من اليش الصليب إل‬
‫أن ردّ بسلب ونب الضياع والقرى الحيطة بالقسطنطينية‪ ،‬وتأثر المباطور البيزنطي وقرر العدول‬
‫عن رأيه‪ ،‬وأعاد التموين للجيش الصليب‪ ،‬بل واستضاف اليش الصليب ف ضاحية بيا ‪( Pera‬وهي‬
‫من ضواحي القسطنطينية)‪ ،4‬ولكنه ظل مطالبًا جودفري بأن يقسم له بالتبعية والولء‪ ،‬ولكن‬
‫جودفري ماطل من جديد‪ ،‬وظل على هذه الماطلة ثلثة أشهر كاملة من يناير إل آخر مارس سنة‬
‫‪1097‬م‪ ،‬بل إنه رفض أن يقابل المباطور البيزنطي أصلً‪.‬‬
‫لكن ف أوائل إبريل ‪1097‬م علم المباطور البيزنطي أن اليش النورماندي اليطال (وهو‬
‫اليش الامس) قد قارب الوصول إل القسطنطينية‪ ،‬وكان يعلم قوة هذا اليش وبأسه‪ ،‬ول يرد له‬

‫‪1‬‬
‫‪Chalandon: Premiere Croisade, p.p. 119-121.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit., p. 149‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 281.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Brehier, op. cit., p 113; Chalandon: Alexis Comnene, p.p. 178-179.‬‬

‫‪56‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أن يلتقي مع جيش جودفري إل بعد النتهاء من مشكلة جودفري؛ لذلك قرر من جديد أن يستثي‬
‫جودفري بقطع المدادات عنه‪ ،‬فردّ جودفري بهاجة بيا وَنهْبها ث إحراقها‪ ،‬بل قام بهاجة أسوار‬
‫القسطنطينية نفسها‪ ،1‬وهنا اضطر المباطور البيزنطي أن يرج اليش البيزنطي بكامل عدته وقوته‪،‬‬
‫ل أمامه‪ ،‬وأدرك حجمه القيقي؛ ومن ثَمّ قرر ف بساطة أن يغيّر‬ ‫فلم يستطع جودفري الصمود طوي ً‬
‫مبادئه وولءه‪ ،‬ويقسم يي التبعية للمباطور البيزنطي‪!!2‬‬
‫وهكذا عقدت اتفاقية ف أوائل إبريل ‪1097‬م‪ ،‬أقسم بوجبها جودفري بوايون بالولء‬
‫والتبعية للمباطور البيزنطي‪ ،‬وسُجّل ف هذه التفاقية أن كل الراضي الت كانت ملوكة للدولة‬
‫البيزنطية قبل موقعة ملذكرد ستعود ملكيتها للدولة البيزنطية ف حال تريرها على يد جودفري‬
‫وجيشه‪ ،‬وهذا يعن أن طموح الدولة البيزنطية ل يقف على آسيا الصغرى فقط‪ ،‬بل يشمل أيضًا مدن‬
‫أعال الشام والعراق مثل أنطاكية والرها‪ ،‬بل إن بعض التفسيات البيزنطية للتفاقية شلت بيت‬
‫القدس نفسه على اعتبار أنه كان ملوكًا للدولة البيزنطية أيام المباطور جستنيان (حكم من ‪527‬‬
‫إل ‪565‬م)؛ وهذا سيؤدي إل صراع طويل بي البيزنطيي والصليبيي طوال القرن التال لذه‬
‫التفاقية‪.3‬‬
‫وبعد هذه التفاقية أظهر المباطور البيزنطي ال ُودّ الكبي لودفري‪ ،‬ومنحه كمّا هائلً من‬
‫الدايا القيمة‪ ،4‬غي أنه بسرعة نقله إل آسيا الصغرى ليتجنب لقاءه مع جيش بوهيموند النورماندي؛‬
‫وبذلك يستطيع أن يُملِي شروطه على بوهيموند بفرده‪.5‬‬
‫وما إن عب جودفري بيشه إل آسيا الصغرى حت وصل بوهيموند النورماندي! وكان هذا‬
‫اليش قد ركب البحر من إيطاليا‪ ،‬ونزل عند مدينة أفلونا ‪ Avlona‬ف ألبانيا‪ ،‬ليخترق البلقان ف‬
‫طريقه إل القسطنطينية‪ .6‬وقد أفزع هذا اليش المباطور البيزنطي‪ ،‬ل لقوته وبأسه فقط ولكن‬
‫لتذكيه با فعله رسل باليل النورماندي‪ ،7‬وكذلك ذكريات حصار القسطنطينية (‪473‬هـ)سنة‬
‫ش أضعاف اليش القدي‪ ،‬إضافةً‬ ‫‪1081‬م على يد المي بوهيموند نفسه‪ ،‬الذي يأت على رأس جي ٍ‬
‫إل اليوش الصليبية الخرى‪.8‬‬
‫كانت هذه ماوف المباطور البيزنطي‪ ،‬غي أن بوهيموند قرر سلوك أسلوب آخر يضمن له‬
‫الكاسب العظيمة؛ لقد أدرك بوهيموند قوة المباطورية البيزنطية‪ ،‬وأدرك أيضًا أن اليوش الصليبية‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d` Aix, p.p. 307-308.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit., p. 151.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guillaman: de tyr, 1, p.p. 87-88; Grousset: op. cit. 1, p. 19.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michaud: Hist. des Croisades, 1, p. 179.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Chalandon: Alexis Comnene, p. 138.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Setton : op., p. 155; Runciman: op. cit. 1, 155.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Schomberger: Racit de Byzance et des Croisades. Vol ll, p. 82.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Cam. Med. Hist vol. 5 p. 282.‬‬

‫‪57‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لن تستطيع احتلل البلد السلمية دون مساعدة البيزنطيي‪ ،1‬وأدرك ثالثة اللف الذي حدث بي‬
‫المباطور البيزنطي وجودفري‪ ،‬وكيف انتهى هذا اللف بقسم جودفري بعد أن َفقَد هيبته‪.‬‬
‫أدرك بوهيموند من البداية ذلك‪ ،‬وبالتال قد تتاح له فرصة أن يتزعم الميع إذا ناصره ف‬
‫ذلك المباطور القويّ‪ ،‬وعليه فقد أمر بوهيموند جنوده بالسلوك السن أثناء سيهم ف الراضي‬
‫البيزنطية‪ ،2‬وتوجّه مباشرة إل القسطنطينية‪ ،‬وعلى أسوارها ترك تانكرد ابن أخته على رئاسة اليش‪،‬‬
‫وتوجّه هو إل مقابلة المباطور ليعلن بي يديه دون مقاومة قسمه بالولء والتبعية للمباطور‬
‫البيزنطي‪!3‬‬
‫ولكنه ف ذات الوقت ل يعلن هذا القسم دون مطالب‪ ،‬فقد طلب صراحة أن ينحه‬
‫المباطور البيزنطي إقطاعية كبى ف منطقة أنطاكية‪ ،‬وقد وافق المباطور على هذا الطلب لتصبح‬
‫هذه التفاقية بنلة اليلد الول لمارة أنطاكية النورماندية فيما بعد‪ ،4‬وفوق ذلك فقد طلب‬
‫بوهيموند من المباطور البيزنطي أن يعله قائدًا عامّا لكل اليوش الشاركة ف الروب‪ ،‬غي أن‬
‫المباطور رفض هذا المر‪ ،5‬ولعله رفض ذلك لكي ل يُرضِي جيشًا على حساب آخر‪ ،‬وبذلك تظل‬
‫كل الفاتيح ف يده هو دون أن يثي حفيظة أحد عليه‪.‬‬
‫وبعد هذه التفاقية نقل المباطور البيزنطي اليش النورماندي إل آسيا الصغرى ليحتل‬
‫موقعه إل جوار جيش جودفري بوايون‪ ،‬وكان ذلك ف ‪ 26‬من إبريل سنة ‪1097‬م‪.6‬‬
‫وكان اليش الثان ف الوصول هو جيش جنوب فرنسا والبوفنسال تت قيادة المي ريون‬
‫الرابع أمي تولوز والبوفنسال‪ ،‬والذي سلك طريقًا بريَّا‪ ،‬ووصل إل القسطنطينية ف أواخر إبريل سنة‬
‫‪1097‬م بعد أن قام ببعض التجاوزات ف الطريق؛ ما حدا باليش البيزنطي أن يردعه ف بعض‬
‫الواقف‪ .7‬وعند وصول هذا اليش إل القسطنطينية طلب المباطور البيزنطي من المي ريون الرابع‬
‫أن يذو حذو المراء السابقي‪ ،‬ويقسم له بالتبعية والولء‪ ،‬ولكن هذا الطلب جاء متعارضًا تامًا مع‬
‫أحلم ريون الرابع الذي كان يريد قيادة كل اليوش بكم أنه البعوث الرسي للبابا الكاثوليكي‪،‬‬
‫وف جيشه أديار الندوب البابوي‪ ،‬فكيف يقسم الن لراعي الكنيسة الرثوذكسية‪ .‬ث إنه رأى أن‬
‫منافسه اللدود بوهيموند النورماندي قد أصبح صديقًا حيمًا للمباطور‪ ،‬وهذا يعن أن ريون إن‬
‫أقسم بالولء للمباطور فقد يعله تت سيطرة إمرة بوهيموند‪ ،‬وهذا ما ل يقبله ريون أبدًا؛ لذلك‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset : Hist des Croisades, 1, p. 21.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Chalandon: Premiere Croisade, p.p. 133-136.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Chalandon: Premiere Croisade, p. 132.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Iorga: Breve Hist. des Croisades, p. 51.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Brehier: op. cit., p. 311.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cam. Med. Hist vol. 5 p. 281.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, p.p. 24-25.‬‬

‫‪58‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أعلن ريون الرابع رفضه تامًا لذا القسم‪ ،1‬وأعلن أنه ما جاء إل هنا إل للمحاربة من أجل السيد‬
‫السيح ل من أجل المباطور البيزنطي‪ ،‬لكن المباطور أصرّ على هذا الطلب ما أنذر بصدام مسلح‬
‫قريب‪ ،2‬وزاد الطينة بلة أن بوهيموند أراد الصيد ف الاء العكر‪ ،‬وذلك بإعلنه أنه ف حال الصدام‬
‫بي ريون الرابع والمباطور البيزنطي‪ ،‬فإنه سينضم بقواته النورماندية القوية إل المباطور البيزنطي!‬
‫وهنا تدخل جودفري بوايون وأقنع ريون الرابع أن يرضخ للمباطور لقرب مواقع السلمي‪ ،‬وأن‬
‫احتمال هجومهم على الصليبيي قريب‪ ،‬فوافق ريون على حلّ وسط يفظ له ماء وجهه‪ ،‬وهو أن‬
‫يقسم على احترام حياة المباطور وشرفه‪ ،‬وأل يرتكب أمرًا يغضب المباطور‪ .3‬وإزاء هذه الزمة‬
‫َقبِل المباطور بذا الل‪ ،‬بل إنه اجتمع بريون الرابع اجتماعًا خاصّا ذكر له فيه بدهاء أنه ل يطمئن‬
‫لعطاء بوهيموند إمارة اليوش كلها‪ ،‬ولقد أتت هذه التصريات أُكُلها‪ ،‬وهدأت نفس ريون‪ ،‬وقرّر‬
‫أن يتحالف بقوة مع المباطور البيزنطي‪.4‬‬
‫أما اليش الخي وهو جيش روبرت أمي نورمانديا ومعه ستيفن أمي بلوا‪ ،5‬فقد وصل‬
‫متأخرًا عن بقية اليوش‪ ،‬وكان قد جاء عن طريق إيطاليا ث ركب البحر إل البلقان‪ ،‬ومنها اخترق‬
‫الدولة البيزنطية إل القسطنطينية‪ ،‬ول يُسبّب أية مشكلة ف طريقه‪ ،6‬ول يانع زعيمَا هذا اليش ف‬
‫القسم بالتبعية والولء لمباطور الدولة البيزنطية‪ ،‬ومن ثَمّ ت إغداق الدايا عليهما‪ ،‬ث ساعدها‬
‫المباطور ف عبور البسفور إل آسيا الصغرى ليلحق هذا اليش باليوش الت سبقت‪.7‬‬
‫بذا تكون اليوش المسة قد وصلت‪ ،‬ول تسر ف الطريق شيئًا تقريبًا من قواتا‪ ،‬اللهم إل‬
‫ما حدث للجيش الرابع من هلكة ف البحر إثر العاصفة البحرية‪ ،‬ولكنه كان جيشًا صغيًا غي مؤثّر‪،‬‬
‫وبذا وصلت العداد الغفية إل آسيا الصغرى بلد السلمي!‬
‫ومن الهم الن أن نذكر أن أقل تقدير للمقاتلي الرجال ف هذه الملة الائلة كان ثلثائة‬
‫ألف مقاتل‪ ،‬بينما يصطحبون معهم نساءهم وأطفالم بأعداد ضخمة وصلت بالملة إل مليون‬
‫إنسان! وقوم جاءوا معهم بسبعمائة ألف امرأة وطفل جاءوا ليستوطنوا ل ليحاربوا قومًا ث يعودوا!‬
‫أما بالنسبة للمباطور البيزنطي فإنه رفض عرضًا من الصليبيي بقيادة اليوش بنفسه‪ ،‬وآثر‬
‫أن يبقى ف القسطنطينية الصينة ملقيًا باليوش الصليبية ف التجربة‪ ،‬غي أنه حرص على إمداد‬

‫‪1‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 136.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Raymond d`Aigles: Hist. Occid. 111, p. 238.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cam. Med. Hist vol. 5 p. 283; Anna Comnena, pp. 239-231; Gesta Francorun, p. 13; Raymond‬‬
‫‪d`Agueiler, in Petrs (ed.), pp. 140-142; William of Tyre: 1, pp. 139-146.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 164.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Michaud: Hist. des Croisades Croisades, 1. p. 178.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Foucher de Chartres (Hist. Occid. 111), p.p. 331-332.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Chalandon: alexis Comnene, p.p. 188-189.‬‬

‫‪59‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫اليوش الصليبية بالؤن اللزمة‪ ،‬وبالعيون والدِلّء البية‪ ،‬وأيضًا ببعض الضباط البيزنطيي أصحاب‬
‫البة ف حروب السلمي‪ ،‬وهكذا صار الصدام بي الصليبيي والسلمي قاب قوسي أو أدن‪.8‬‬

‫‪8‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 27.‬‬

‫‪60‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الصدام مع السلجقة الروم‬

‫كان قلج أرسلن سلطان السلجقة ف آسيا الصغرى يتخذ من مدينة نيقية الصينة عاصمة‬
‫له‪ ،‬ومن ثَ ّم فالقوة الرئيسية ليشه كانت با؛ ولذا فقد قرّر الصليبيون أن يبدءوا بذه الدينة لكي ل‬
‫يتركوا خلفهم هذه القوة الكبية‪ ،‬ولكي ل يقطعوا على أنفسهم خطوط المداد البيزنطية‪ .‬ومن ثَمّ‬
‫توجهت اليوش الصليبية الغفية‪ ،‬ومعها فرقة صغية من اليش البيزنطي لصار الدينة السلمة‪ ،‬وقد‬
‫أمدّ المباطور البيزنطي اليوش الصليبية ف هذه الوقعة بآلت الصار الضخمة وكثي من السلح‪،‬‬
‫وبدأ التوجه إليها ف (‪490‬هـ) أواخر إبريل سنة ‪1097‬م‪.1‬‬
‫أين كان قلج أرسلن الول ف ذلك الوقت؟!‬
‫إنه يدر بنا قبل أن نعرف مكانه أن نأخذ فكرة عن شخصيته ومكانته!‬
‫إنه واحد من أهم السلجقة ف تاريخ آسيا الصغرى‪ ،‬ل لشخصيته ومكانته فقط‪ ،‬ولكن‬
‫للحداث الضخمة الت حدثت ف عهده وغيّرت خريطة النطقة تغييًا جذريّا‪ ،‬إنه ابن سليمان بن‬
‫ُقتُلْمِش أعظم سلجقة الروم ومؤسّس دولتهم‪ ،‬وقد ورث قلج أرسلن عن أبيه شدة البأس ف القتال‬
‫وحسن التخطيط ف الدارة والعارك؛ ولذلك استطاع مع صغر سنّه عند تولّيه الكم ‪ -‬فلم ي ِزدْ على‬
‫السابعة عشرة من عمره ‪ -‬أن يصبح الشخصية الول ف منطقة آسيا الصغرى بكاملها‪ ،‬ومع هذه‬
‫الكفاءة الدارية والعسكرية إل أننا ل نلمح ف حياته توجهًا إسلميّا واضحًا‪ ،‬أو رغبة حقيقية ف‬
‫توحيد صفّ السلمي‪ ،‬إنا كان هّه الول هو توسيع الرقعة الت يكمها‪ ،‬وتكثي التباع له؛ لذلك‬
‫نده ل يتردد كثيًا ف حرب الناوئي له‪ ،‬وإن كانوا من السلمي‪ ،‬أو حت من نفس عائلته التركية‬
‫الكبى‪ ،‬أو السلجوقية نفسها! وهذا الب للتوسع كان أحيانًا يعمي بصره عن رؤية الخطار على‬
‫حقيقتها‪ ،‬فيهمل أحيانًا خطرًا ساحقًا‪ ،‬ويهتم أحيانًا بشكلة بسيطة‪ ،‬ما يستغرب جدّا من رجل مثله‬
‫له كفاءة معلومة كما ذكرنا‪ ،‬وليس هذا إل لنه ل يكن ‪ -‬فيما يبدو ل ‪ -‬ينظر إل مصلحة‬
‫السلمي‪ ،‬ولكن إل مصلحته هو ف القام الول‪.‬‬
‫أين كان إذن قلج أرسلن الول وقت تدفق القوات الصليبية الائلة صوب مدينة نيقية‬
‫العاصمة؟!‬
‫لقد كان خارج مدينته‪ ،‬بل وعلى بُعد أكثر من تسعمائة كيلو متر إل الشرق من الدينة! لقد‬
‫كان ياصر مدينة ملطية ذات الكثافة الرمينية‪ ،‬حيث قام بينه وبي الزعيم السلم غازي بن‬
‫ع كبي‬ ‫الدانشمند (وهو أحد التراك السلمي الذين كانوا يكمون شال شرق آسيا الصغرى) نزا ٌ‬

‫‪1‬‬
‫‪Cam. Msd. Hist., vol. 5, p. 285.‬‬

‫‪61‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫حول ملكية هذه الدينة‪ .‬وهذه الرغبة الامة للتوسع ف مناطق جديدة جعلته ل يصرف كثي اهتمام‬
‫إل مسألة الصليبيي على خطورتا‪ ،‬بل إنه عندما علم بقدوم اليوش الصليبية مؤخرًا إل القسطنطينية‬
‫ظنّ أنا مثل جوع العامة الذين جاءوا قبل ذلك‪ ،‬ومن ثَمّ توقع أن يقضي عليهم بفرقة من جيشه‬
‫بسهولة‪ ،‬كما فعل مع جوع بطرس الناسك ووالتر الفلس‪ .1‬إضاف ًة إل أنه خُدِع بكيدة دبّرها‬
‫المباطور الداهية ألكسيوس كومني‪ ،‬حيث أرسل بعض جواسيسه إل قلج أرسلن الول يُصوّرون‬
‫له اللف الذي كان بي المباطور البيزنطي وزعماء الملة الصليبية على أنه مستحكم ل حلّ له‪،‬‬
‫وبالتال فلن يسمح المباطور البيزنطي لؤلء الصليبيي بالعبور إل آسيا الصغرى‪ ،‬وهذا الداع‬
‫خدّر قلج أرسلن‪ ،‬وجعله يترك حامية صغية نسبيَّا ف مدينة نيقية العاصمة‪ ،‬ويتوجه بيشه الرئيسي‬
‫لصار ملطية البعيدة‪ .‬وما يؤكد أنه كان مدوعًا أنه ترك زوجته وولديه وكل أمواله وكنوزه ف‬
‫الدينة‪ ،‬ولو كان يشعر بأيّ خطر ناحيتها ما فعل ذلك أبدًا‪.2‬‬
‫تدفقت اليوش الصليبية الضخمة حول الدينة الصينة‪ ،‬وبدأ الصار يوم (‪ 21‬من جادى‬
‫الول ‪490‬هـ) ‪ 6‬من مايو ‪1097‬م‪ ،‬وكان الصار من الهات الثلثة للمدينة باستثناء الهة‬
‫الغربية الت كانت تطل على بية طولا اثنا عشر ميلً‪ ،‬ول يكن مع اليوش الصليبية قوة برية‬
‫تسمح لم بإغلق هذا النفذ‪ ،3‬وبعد أسبوع من الصار بدأ الصليبيون ف قصف أسوار الدينة‬
‫وأبراجها بالجانيق الت أمدهم با المباطور البيزنطي‪ .‬صمدت الدينة ف بادئ المر‪ ،‬وبادلت اليش‬
‫الصليب إطلق السهام السمومة‪ ،‬وألقت عليهم الكلليب الحمومة‪ ،‬وأحدثت إصابات بالغة ف‬
‫الصليبيي‪ ،‬غي أنا ل تستطع فك الصار‪ ،4‬وبالتال أرسلت رسالة عاجلة إل قلج أرسلن تطلب‬
‫النجدة السريعة! أدرك قلج أرسلن خطورة المر‪ ،‬فتحرك بسرعة صوب عاصمته بعد أن رفع‬
‫الصار عن ملطية (خريطة ‪ ،)13‬ولكن طول السافة ووعورة الطريق حالت دون وصوله بسرعة‪.5‬‬
‫ف هذه الثناء أرسل المباطور الداهية ألكسيوس كومني مندوبًا سريّا إل داخل الدينة‪ ،‬وهو القائد‬
‫العسكري بوميتس‪ ،‬ليتفاوض مع الامية السلمة ليسلموا له الدينة بدلً من سقوطها ف يد الصليبيي‪،‬‬
‫وخوّفهم أن الصليبيي ف غاية التوحّش‪ ،‬وسوف يقومون بقتل كل من ف الدينة عند سقوطها‪ .‬وهذا‬
‫ف الواقع أمر صحيح رأيناه ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬ف بيت القدس وغيه من الدن الت أسقطها الصليبيون‪.6‬‬
‫أما لاذا حاول المباطور التفاوض مع الامية السلمة دون علم الصليبيي؛ فلنه كان يتوقع‬
‫الغدر منهم‪ ،‬وعدم اللتزام باتفاقية القسطنطينية الت تقضي بتسليم كل الدن الت كانت تت سيطرة‬
‫‪1‬‬
‫‪Setton: op. cit 1, p.p. 288-289.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman, op. cit. 1. p.p. 176-177.‬‬
‫‪ 3‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ العمال النجزة فيما وراء البحار ‪ ،1/232،231‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.1/265،264‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, p. 29.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Gesta Francorum, p. 37.‬‬
‫‪ 6‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ العمال النجزة فيما وراء البحار ‪.1/243،242‬‬

‫‪62‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الدولة البيزنطية سابقًا إل المباطور البيزنطي حي سقوطها‪ .‬والواقع أن الامية السلمة بدأت تفكر‬
‫ف عرض المباطور جديّا‪ ،‬وخاصةً أنه وعد بفظ دماء السلمي وعدم نب البلد‪ ،‬وحايتها من‬
‫الصليبيي‪ .‬ث إنه أقدم على خطوة أخرى ماكرة تقّق النفعة للمباطورية من وجهتي؛ وهو أنه سح‬
‫عن طيب خاطر للمدادات السلمة أن تصل عن طريق البحرية إل الدينة الحاصرة‪ ،‬وكان قادرًا على‬
‫منعها باستخدام السطول البيزنطي القوي‪ ،‬وإنا فعل ذلك ليقنع الصليبيي من جهة أنم ل يستطيعون‬
‫الستغناء عنه ف حروبم‪ ،‬ومن جهة أخرى لتطمئن الامية السلمة أنه سيفي بعهده لم إ ْن هم سلّموا‬
‫له الدينة‪ .‬وبينما تفكر الامية السلمة ف المر إذْ وصل قلج أرسلن الول بيشه‪ ،‬وذلك ف (‬
‫‪490‬هـ) يوم ‪ 21‬من مايو ‪1097‬م‪ ،‬واشتبك بجرّد وصوله مع اليوش الصليبية لفتح طري ٍق إل‬
‫داخل الدينة‪ ،‬ولكنه ‪ -‬للسف ‪ -‬ل يستطع‪ ،‬وأدرك أنه لن يفلح ف فك الصار‪ ،‬بل إنه يَئِس من‬
‫معركة يومٍ واحد‪ ،‬وانسحب بعيدًا ليترك مدينته تلقى مصيها‪ ،1‬وهي واقعة بي شقي الرّحَى‪:‬‬
‫الصليبيي من ناحية‪ ،‬والدولة البيزنطية من ناحية أخرى!‬
‫أكمل المباطور البيزنطي لعبته بأن أخرج سفنه القوية لتمنع المداد البحري عن الدينة‬
‫السلمة‪ ،‬وبدأت الدينة تشعر بالذى الشديد وتتوقع اللكة القريبة‪ ،‬وخفّت مقاومتها جدّا‪ ،‬وأدرك‬
‫الصليبيون أهية المباطور البيزنطي‪.‬‬
‫وأدركت الامية السلمة أيضًا أهية هذا المباطور الداهية‪ ،‬فأسرعت الامية قبل السقوط‬
‫بقبول عرض المباطور الذي سعد بذلك جدّا وأسرع بالوافقة‪ ،‬ومن ثَمّ فوجئت اليوش الصليبية‬
‫بعد خسة أسابيع من الصار با َلعْلم البيزنطية ترتفع فجأة على أبراج الدينة كلها‪ ،‬وليأت مندوب‬
‫المباطور ليعلن أن الدينة أصبحت بيزنطية‪ ،‬وليمنع اليوش الصليبية من دخول الدينة خوفًا من‬
‫نبها‪ 2،‬وليوضع بوتوميتس قائدًا عسكريّا على الدينة‪ .‬وقرر المباطور أن يتم عهده ويفظ دماء‬
‫السلمي‪ ،‬بل إنه أعلن أنه على استعداد لعادة زوجة قلج أرسلن وأخته وولديه إل قلج أرسلن‬
‫دون مقابل‪.3‬‬
‫أثار ذلك حنق الصليبيي وشعروا أنم قد خُدعوا‪ ،‬وغضبوا جدّا للتسامح الذي أبداه‬
‫المباطور مع أهل الدينة‪ ،‬وكانوا يريدونا عبة لكل الدن‪ ،‬لكنهم ل يستطيعوا فعل شيء بعد أن‬
‫علموا أنم يتعاملون مع قائد قويّ منك صاحب خبة طويلة‪ ،‬ويقود دولة تضرب جذورها ف‬
‫أعماق التاريخ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Aix, p.p. 320-321.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Brehier: op. cit., p. 312.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman, op. cit., p. 180-182; Alexiad: pp 273-275.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Chalandon: Premiere Croisades, p. 167.‬‬

‫‪63‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أما المباطور البيزنطي فقد حفظ وعده بالفعل‪ ،‬ول أعتقد ‪ -‬كما يلّل بعض الؤرخي ‪-‬‬
‫أنه فعل ذلك حبّا ف الخلق الميدة‪ ،‬ولكن الذي يبدو ل ويستقيم مع سيته وقصة حياته أنه يريد‬
‫أن يستغل هذه الادثة ليقاع بقية الدن السلمية ف آسيا الصغرى‪ ،‬فلو كانت اليوش الصليبية‬
‫تقدّم الترهيب فهو يقدّم الترغيب‪ ،‬ولو تعاون الصليبيون مع الرمن الكاثوليك‪ ،‬فسيتعاون هو مع‬
‫السلمي! إنا حرب الصال‪ ،‬ومباراة الستحواذ‪ .‬والذي يثبت ذلك أنه بعد السيطرة على قونية أخذ‬
‫زوجة قلج أرسلن وولديه وتوجه إل أقاليم مسيا ‪ Mysia‬وأيوينا ولسيديا ف غرب آسيا الصغرى‪،1‬‬
‫وبدأ يساوم الدن هناك على التسليم ف مقابل دمائهم ودماء زوجة قلج أرسلن وولديه‪ .‬وقد نحت‬
‫خطته وسلّمت تلك الدن بسهولة‪ ،‬وما هي إل فترة بسيطة حت صارت كل مدن غرب آسيا‬
‫الصغرى تابعة للدولة البيزنطية‪ .‬إنه كان واضحًا أن المة السلمية ف طور ضعفٍ شديد‪ ،‬وتتهاوى‬
‫بسرعة‪ ،‬وكان السباق ممومًا بي الصليبيي والدولة البيزنطية لقتسام الياث الضخم‪ :‬مياث‬
‫السلمي!‬
‫ومع أن سقوط نيقية كان سقوط مدينة واحدة إل أن الثار الترتبة على سقوطها كانت‬
‫هائلة‪:‬‬
‫أولً‪ :‬ارتفعت جدّا معنويات اليش الصليب‪ ،‬وزالت من النفوس أزمة سحق حلة الموع‬
‫الشعبية بقيادة بطرس الناسك ووالتر الفلس‪ ،‬ومن ثَمّ ظهر التصميم عند القادة والنود ف غزو العال‬
‫السلمي‪ ،‬على الرغم من الصابات البالغة الت لقت باليش ف أثناء حصار نيقية‪ ،‬أو ف أثناء‬
‫القتال مع قلج أرسلن‪.2‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ارتفعت جدّا العنويات ف أوربا بعد الحباط الذي عانت منه بعد مصيبة الملت‬
‫الشعبيّة‪ ،‬وأدى هذا الرتفاع ف العنويات إل تميس جوع أخرى‪ ،‬وبالتال ازداد تدفق اليوش‬
‫الصليبية من أوربا إل آسيا الصغرى والشام‪ ،‬وبدأت الوانئ اليطالية تفكر جديّا ف الشاركة ف‬
‫الملت بصورة أساسية‪.3‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ارتفعت أيضًا معنويات الدولة البيزنطية‪ ،‬حيث كان سقوط نيقية يثّل أول ثأر لكرامة‬
‫الدولة البيزنطية بعد هزية ملذكرد الشهية سنة (‪463‬هـ)‪ ،‬أي منذ أكثر من ‪ 27‬سنة‪ ،‬وهذا رفع‬
‫جدّا من أسهم المباطور الداهية ألكسيوس كومني‪.4‬‬
‫رابعًا‪ :‬نتيجة ارتفاع معنويات الدولة البيزنطية تركت بقوة مستغلّة اضطراب السلجقة‪،‬‬
‫وبالتال ضمت معظم أراضي غرب آسيا الصغرى إل حوزة المباطورية البيزنطية‪ ،5‬كما بدأت‬
‫‪1‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 31.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cam. Med. Hist. vol 5, p. 285.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman, op. cit., 1, p.p. 182-183; setton: op. cit. 1, p. 201.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, pp 42-43.‬‬
‫‪5‬‬
‫;‪Grousset: Hist, des Croisades, 1, pp. 41-43‬‬

‫‪64‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫المباطورية ف مهاجة عدة مدن أخرى ف شال آسيا الصغرى وعلى ساحل البحر السود‪ .‬ولقد‬
‫ظل غرب الناضول بيزنطيّا لدة تزيد على ثلثة قرون بعد موقعة نيقية‪!1‬‬
‫خامسًا‪ :‬ف مقابل هذا الرتفاع الواضح ف معنويات الصليبيي والبيزنطيي على حدّ سواء‪،‬‬
‫كان هناك هبوط حاد ف معنويات السلمي‪ :‬جيشًا وشعبًا‪ ،‬وقادةً وجنودًا؛ فهذا سقوطٌ لحصن مدن‬
‫آسيا الصغرى‪ ،‬ما يعن أن سقوط الدن الخرى سيكون أسهل‪ ،‬ث إن هذا اتاد بي عملقي‬
‫كبيين‪ :‬الصليبيي الغربيي والبيزنطيي الشرقيي‪ ،‬ما يعن أن اليام الفادمة أصعب من الت مرت!‬
‫سادسًا‪ :‬من الثار الهمة لذه الوقعة ازدياد الرواسب النفسية السيئة بي الصليبيي‬
‫والبيزنطيي‪ ،‬ما سيكون له أبلغ الثر ف خط سي الملت بعد ذلك؛ فهذا المباطور يتصرف ف‬
‫سرية بعيدًا عن زعماء الصليبيي لصاله الاصة‪ ،‬وهؤلء الزعماء ينقون على المباطور ويتوجسون‬
‫منه خيفة‪ ،‬وكان من الواضح أن هناك نارًا شديدة تت الرماد‪ ،‬وهذا الذي دعا المباطور البيزنطي‬
‫إل الصرار على أن يتمع زعماء الصليبيي بعد الوقعة وقبل استكمال الغزو‪ ،‬وأن يعيدوا القسم له‬
‫بالتبعية والولء‪ ،‬وقد فعلوا جيعًا ذلك مرغمي‪ ،‬وإن كان بوهيموند قد أسرع لذلك دون تردد؛‬
‫ليستمر ف كسب صداقة المباطور‪ ،‬غي أن ريون الرابع أصرّ على عدم القسم بالولء والتبعية‪،2‬‬
‫ولكنه كرّر قسمه بتعظيم حياة المباطور‪ ،‬أيضًا ل يقسم تانكرد ابن أخت بوهيموند‪ ،‬حيث ل‬
‫يُقسِم من البداية مكتفيًا بقسم خاله بوهيموند‪ ،‬وهذا سيكون له آثار فيما بعد على قراراته وتركاته‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬حدث نشاط أرمن ملحوظ نتيجة الزية الت مُن با السلجقة‪ ،‬وأيضًا نتيجة دخول‬
‫الصليبيي الكاثوليك القريبي من الرمن على عكس البيزنطيي الرثوذكس؛ ومن هنا سيظهر تعاون‬
‫ملحوظ بي الرمن وبي الصليبيي‪ ،‬وظهرت دعوات من الدن ذات الكثافة الرمينية تدعو الصليبيي‬
‫إل القدوم إليها‪ ،‬وخاصةً ف النوب الشرقي من آسيا الصغرى‪ ،‬وهذا سيؤثر ف خط سي الملت‬
‫الصليبية‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬عسكريّا فإن الطريق فُتح إل وسط آسيا الصغرى‪ ،‬حيث كانت نيقية هي العقبة‬
‫الكبى ف الطريق‪ ،‬وبالتال فإن فرصة الصليبيي أصبحت كبية للوصول إل عمق آسيا الصغرى‪ ،‬بل‬
‫وبلوغ بلد الشام‪.3‬‬
‫تاسعًا‪ :‬بعد سقوط نيقية أسرع قلج أرسلن إل مدينة قونية‪ ،‬واتذها عاصمة جديدة له‪ ،4‬أو‬
‫إن شئت فقل‪ :‬قاعدة عسكرية جديدة له ينطلق منها ف حربه ضد الصليبيي‪ ،‬وهي مدينة على بُعد‬

‫‪ 1‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/139‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Chalandon: Alexis Comnene, p. 193.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Oman: vol 1 p 279.‬‬
‫‪ 4‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.1/278‬‬

‫‪65‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أربعمائة كيلو مترٍ من نيقية إل النوب الشرقي منها‪ ،‬وهي وإن ل تكن ف نفس حصانة نيقية إل أنا‬
‫كانت حصينة أيضًا‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬قرر قلج أرسلن زعيم السلجقة الروم وغازي بن الدانشمند زعيم التركمان تناسي‬
‫خلفاتما مؤقتًا‪ ،‬وتشكيل جبهة متحدة لرب الصليبيي‪ ،1‬وهذا التاد وإن كان نقطة إيابية إل أنه‬
‫كان هشّا؛ لعمق اللفات بي الفريقي وقدمها‪ ،‬ولغياب الدافع السلمي الواضح للوَحْدة أو للقتال‪،‬‬
‫وإنا كان اتادها لغرض الفاظ على أملكهم ل حية للدين‪.‬‬
‫ولعلنا إن أردنا أن نلّل أسباب هذه الزية القاسية للمسلمي‪ ،‬فإننا سنلحظ بعض السباب‬
‫الت ستتكرر ف كل الواقع الت سيخسر فيها السلمون؛ لن هذه سُنّة ثابتة ف كل الزمان‪ .‬ومن أهم‬
‫السباب الت تظهر لنا‪:‬‬
‫أولً‪ :‬غياب التوجّه السلمي والميّة الدينية عند القاتلي السلمي‪ ،‬وشتان بي مَن يقاتل‬
‫لتكون كلمة ال هي العليا‪ ،‬ومن يقاتل من أجل مصلحته وحياته الاصة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الصراعات الستحكمة بي السلمي‪ ،‬وتفرّق كلمتهم‪ ،‬والناع الدائر بينهم على معظم‬
‫صِبرُوا إِ ّن ال ّلهَ مَعَ‬
‫ب رِيُ ُكمْ وَا ْ‬
‫شلُوا وََت ْذ َه َ‬
‫البهات‪ ،‬وال يقول ف كتابه‪( :‬وَ َل تَنَازَعُوا فََتفْ َ‬
‫الصّاِبرِينَ‪ .)2‬فالتنازع ‪ -‬كما هو واضح من الية ‪ -‬سببٌ رئيسي من أسباب الفشل وذهاب الريح‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عدم اكتراث السلمي ف الشام والعراق وشرق العال السلمي ومصر بالدث‪ ،‬وترك‬
‫سلجقة آسيا الصغرى يواجهون المر بفردهم‪ ،‬وهذا سيكون له الردود السلب على الميع بعد‬
‫ذلك‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬غياب الستعداد العسكري الناسب‪ ،‬حيث كانت مابرات السلجقة ضعيفة ل تدرك‬
‫كل هذه التحركات الصليبية إل بعد فوات الوان‪ ،‬بينما بذل الصليبيون والبيزنطيون الهد كله ف‬
‫العداد لذا اليوم‪ ،‬ول بد لن بذل أن يد نتيجةً لهده وإعداده‪.‬‬
‫كانت هذه مموعة من أهم السباب الت أدت إل هزية نيقية وسقوطها‪ ،‬وهي أسباب إن‬
‫ك أنه سيعان من نفس الزية‪ ،‬وسيقع ف نفس الشكلت والزمات‪.‬‬ ‫وجدت ف أي جيل فل ش ّ‬
‫ماذا فعل الصليبيون بعد سقوط نيقية؟!‬
‫لقد قرر الصليبيون النطلق مباشرة بعد راحة أسبوع واحد‪ ،‬وذلك ف التاه النوب‬
‫الشرقي صوب قونية العاصمة الديدة لقلج أرسلن‪ ،‬وقد قسّم الصليبيون جيشَهم إل نصفي؛ أما‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/186‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.134‬‬
‫;‪Gesta Francorum, pp. 19-22; Fulcher de Chartres, pp. 83-87; William of Tyre, 1, pp. 169-173‬‬
‫‪Runciman, "Constantinople to Antioch", pp. 293-294; mayer, The Crusades, pp. 50-51.‬‬
‫‪( 2‬النفال‪.)46 :‬‬

‫‪66‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫النصف الول فكان نورمانيّا خالصًا حيث كان يضم نورمان إيطاليا‪ ،‬وعلى رأسهم بوهيموند‬
‫وتانكرد‪ ،‬وأيضًا نورمان فرنسا بقيادة روبرت وستيفن‪ ،‬وكانت الرئاسة العامة لذا النصف مع‬
‫بوهيموند‪ ،‬وقد صحبت هذا القسم فرقة من اليش البيزنطي‪ ،‬عليها القائد البي تاتيكيوس‪ .‬أما‬
‫القسم الثان من اليش الصليب فكان مكوّنًا من جنوب فرنسا بقيادة ريون الرابع‪ ،‬وأيضًا جنود شال‬
‫فرنسا واللورين بقيادة جودفري‪ ،‬وكانت القيادة العامة ف هذا القسم لريون الرابع‪ .‬وسارت اليوش‬
‫بشكل متوازٍ يفصل بينهما حوال عشرة كيلو مترات‪ ،‬على أن يكون اللقاء ف منطقة خرائب مدينة‬
‫دوريليوم‪ ،1‬وهي على بُعد حوال مائة كيلو متر من نيقية ف اتاه النوب الشرقي‪.‬‬
‫وقد انقسم اليش الصليب إل نصفي لعدة أهداف؛ منها أن هذا أفضل ف توين اليش‬
‫حيث يعتمد اليش على الغذاء من الحاصيل الوجودة ف الزارع بالطريق‪ ،‬وأيضًا يعتمد اليش على‬
‫الاء ف العيون والبار الوجودة بالنطقة‪ .‬ومنها سلسة الركة وسرعتها حيث ل تستوعب الطرق‬
‫الوجودة ‪ -‬مهما اتسعت ‪ -‬لعداد القاتلي الائلة‪ .‬ومنها القضاء على جيوب فرق السلجقة التناثرة‬
‫هنا وهناك‪ .2‬ومنها التمويه على الخابرات السلجوقية‪ ،‬حيث من المكن أن تتصدى لحد القسمي‬
‫على اعتبار أنه اليش بكامله‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬سيؤدّي إل خلل كبي ف خطة القتال‪ ،‬وهو ما‬
‫حدث بالفعل مع هذه اليوش العملقة‪.‬‬
‫وصل أحد اليشي الصليبيي ‪ -‬الذي كان برئاسة بوهيموند ‪ -‬إل منطقة دوريليوم (خريطة‬
‫‪ )14‬حيث وجد اليش السلمي منتظرًا ف هذه السهول والرتفعات؛ واليش السلمي كان عبارة‬
‫عن جيش قلج أرسلن التّحِد مع جيش غازي بن الدانشمند‪ .‬وكما توقع الصليبيون فقد ظ ّن اليش‬
‫السلمي أن جيش بوهيموند هو كل اليش الصليب‪ ،‬على القل ف هذه النطقة‪ ،‬ودارت معركة‬
‫كبية بي اليشي ف (‪490‬هـ) ‪ 1‬من يوليو ‪1097‬م‪ ،‬ودارت َرحَى العركة ف بداية المر على‬
‫اليش الصليب‪ ،‬وتوقع السلمون أن يتم لم النصر بعد لظات‪ ،‬لول ظهور جيش ريون الرابع‬
‫وجودفري دي بوايون فجأةً واشتراكه الباشر ف العركة؛ ما أدى إل انقلب الوضاع‪ ،‬وتبدّل‬
‫الال‪ ،‬وسيطرة الصليبيي على مريات القتال‪ ،‬على الرغم من إصابة بوهيموند النورمان‪ .‬وما هي إل‬
‫لظات حت ظهر الضعف على اليش السلمي‪ ،‬وحلت به الزية ا ُلرّة‪ ،‬وانسحب قلج أرسلن‬
‫بسرعة إل داخل الناضول‪ ،‬مّلفًا وراءه كمّا هائلً من الؤن والغنائم‪ ،‬ليتحقق للصليبيي نصر ثانٍ‬
‫كبي‪ ،‬يُعرف ف التاريخ بوقعة دوريليوم‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫;‪Alexiad: p. 279; Oman: vol, 1, p.272; Gesta Francorum, pp. 19-22; Fulcher de Chartres, pp. 83-87‬‬
‫‪William of Tyre, 1, pp. 169-173; Runciman, "Constantinople to Antioch", pp. 293-294; mayer, The‬‬
‫‪Crusades, pp. 50-51.‬‬
‫‪ 2‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/134‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset. Op cit., 1, p. 35.‬‬

‫‪67‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وهكذا تعمقت آثار سقوط نيقية بعد هزية دوريليوم‪ ،‬وارتفعت معنويات الصليبيي‬
‫والبيزنطيي والرمن أكثر وأكثر‪ ،‬وهبطت معنويات اليش السلمي للحضيض‪ ،‬حت إ ّن قلج‬
‫أرسلن ما َجرُؤ بعد ذلك على مواجهة اليش الصليب وجهًا لوجه‪ ،‬بل إنه أخلى كل الدن والقرى‬
‫الت ف الطريق‪ ،‬حيث واصل الصليبيون زحفهم ليتسلموا الناطق الواسعة دون قتال يُذكر (خريطة‬
‫‪ ،)15‬بل الدهى من ذلك أن الصليبيي وجدوا مدينة قونية ‪ -‬الت كان قلج أرسلن قد اتذها‬
‫عاصمة جديدة بعد سقوط نيقية ‪ -‬خالي ًة تامًا من السكان اللهم إل بعض الرمن‪ ،1‬فاحتلوها ف‬
‫يسرٍ‪ ،‬ث تاوزوها إل مدينة هرقلة‪ ،‬فاحتلوها أيضًا‪ ،2‬ث اتهوا إل الشمال الشرقي ليحتلوا مدينة‬
‫قيصرية‪ ،3‬ث اجتازوا مموعة من سلسل جبال طوروس ليصلوا إل مدينة َم ْرعَش (وهي مدينة غالب‬
‫سكانا من الرمن)‪ ،‬فاستقبلوا الصليبيي بفاوة‪ ،‬وتسلّم الصليبيون الدينة ف (‪490‬هـ) ‪ 13‬من‬
‫أكتوبر ‪1097‬م‪.‬‬
‫ومن الدير بالذكر أنه حت هذه اللحظة فإن اليوش الصليبية كانت تسلّم الدولة البيزنطية‬
‫كل ما يُفتح من الدن‪ ،‬وهو ما اتفق عليه قبل ذلك ف اتفاقية القسطنطينية‪ ،4‬وإن كان من الواضح أن‬
‫هذا ل يكن عن طيب خاطر‪ ،‬ولكن لضطرارهم إل البة البيزنطية وآلت الصار والدِلّء‪ ،‬وما‬
‫إل ذلك من وسائل مساعدة‪ .‬وكان من الواضح أيضًا أن الصليبيي سينتهزون فرصة قريبة للخروج‬
‫من هيمنة الدولة البيزنطية‪ ،‬فهم ل يقطعوا كل هذه السافات‪ ،‬ول ينفقوا كل هذه الموال والرواح‬
‫حبّا ف النصارى الرثوذكس‪ ،‬أو رغبة ف ردّ كرامة المباطورية البيزنطية‪ ،‬إنا كان الدف ف‬
‫الساس هو المتلك الشخصي لكل أمي من أمراء الملة‪ ،‬والتمتّع بثروات الشرق‪ ،‬وهذا ما سيظهر‬
‫ف الطوات القادمة من حركة الملة الصليبية‪.‬‬
‫ولعل أول مظاهر هذه الرغبة التوسعية ظهرت عندما انفصل تانكرد النورمان ابن أخت‬
‫بوهيموند‪ ،‬ومعه بلدوين أخو جودفري بوايون‪ ،‬ليقوما بغزو إقليم قليقية صاحب الكثافة الرمينية‪،5‬‬
‫وكانت بداية انفصال هاتي السريتي من جيش الصليبيي ف (‪490‬هـ) ‪ 14‬من سبتمب ‪1097‬م‪،‬‬
‫وتوجها مباشرةً إل مدينة طرسوس وذلك ف (‪490‬هـ) ‪ 21‬من سبتمب ‪1097‬م‪.‬‬
‫وكانت سرية تانكرد أسرع ف الوصول إل مدينة طرسوس‪ ،‬واشتبكت ف صراع مع الامية‬
‫التركيّة ف داخل الدينة‪ ،‬وصبت الامية التركية لول ظهور جيش بلدوين‪ ،‬فأدركت الامية أن‬
‫المل ضعيف ف القاومة‪6‬؛ لذلك أخلت الدينة ودخلها تانكرد أولً‪ ،‬ورفع أعلمه عليها متناسيًا‬
‫‪1‬‬
‫‪Gesta Francorum, pp. 55-57.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Setton: op cit., vol. 1, p. 295.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gesta Francorum, pp. 61.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cam.Med. Hist, vol. 5, p. 287.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Chalandon: premiere Croisades, p. 172.‬‬
‫‪ 6‬فوشيه الشارتري‪ :‬تاريخ الملة إل بيت القدس ص ‪،52،51‬‬

‫‪68‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫اتفاقية القسطنطينية الت تقضي بتسليم الدينة إل المباطورية البيزنطية‪ ،‬واستقبله السكان الرمن‬
‫ع مع تانكرد‪ ،‬ول‬ ‫بالترحاب‪ ،1‬ولكن بلدوين ل يعجبه هذا المر فثار وغضب‪ ،‬وكاد يدخل ف صرا ٍ‬
‫يكن غضبه لصال الدولة البيزنطية بالطبع‪ ،‬وإنا كان غضبه لنفسه؛ فقد كان يريد الدينة له ل‬
‫لتانكرد‪ .‬وف النهاية قَبِل تانكرد أن يترك الدينة لبلدوين‪ ،‬واته هو إل مدينة أخرى هي‬
‫موبسواسطيه‪ ،‬ورفع بلدوين أعلمه على الدينة طامعًا أن تكون ملكًا شخصيّا له‪.2‬‬
‫وف هذه الثناء حدث أمران غيّرا من سي الحداث ف منطقة طرسوس؛ أما المر الول فهو‬
‫أن بوهيموند كان قد أرسل ثلثائة من النود ندةً إل تانكرد ابن أخته‪ ،‬فوصل هؤلء النود ليلً‬
‫إل مدينة طرسوس‪ ،‬فوجدوا أن تانكرد قد غادرها‪ ،‬والدينة أصبحت بيد بلدوين‪ ،‬فطلبوا البيت إل‬
‫الصباح ف داخل الدينة‪ ،‬ولكن بلدوين رفض دخولم وأجبهم على البيت خارج الدينة‪ ،‬فناموا ف‬
‫العراء فدهتهم فرقة من التراك وأبادوهم عن آخرهم‪ .3‬ووصل هذا المر إل اليوش الصليبية‪،‬‬
‫فحنقت أشد النق على بلدوين الذي كان سببًا ف هلك هذه الفرقة‪.4‬‬
‫وأما المر الثان فهو أن أحد الرمن القرّبي من بلدوين نصحه أن يترك هذه الدينة‬
‫الحدودة‪ ،‬ويتجه إل مدينة الرها على شاطئ الفرات؛ لنا أخصب وأوسع وأعظم كثيًا من‬
‫طرسوس‪.‬‬
‫طمع بلدوين ف نصيحة الرمن‪ ،‬وترك الدينة متجهًا ناحية الشرق‪ ،‬وف الطريق وجد تانكرد‬
‫على أبواب مدينة موبسواسطيه‪ ،‬فدار بينهما قتال بسبب الفرقة اليطالية الت هلكت خارج أسوار‬
‫طرسوس‪ ،5‬ث تصالا ف النهاية وأكمل الطريق للقاة اليش الصليب الرئيسي التجه إل أنطاكية‪.‬‬
‫ولكن عند وصولم إل اليش الصليب اجتمع زعماء الملة الصليبية على لوم وتقريع بلدوين‬
‫با فيهم أخوه جودفري بوايون‪ ،‬واستغل بلدوين هذا اللوم والعتاب ليغضب وينسحب بيشه من‬
‫اليوش الصليبية الرئيسية متجهًا ناحية الرها ف الشرق‪ ،6‬متناسيًا تامًا قصة بيت القدس والجيج‬
‫النصارى‪ ،‬فلم يكن له همّ إل تأسيس ملكة خاصّة به‪ ،‬وإن كانت بعيدة كل البعد عن بيت القدس‬
‫وطريق الجيج‪.‬‬
‫وبالفعل خرج بلدوين من اليش واته إل الرها‪ ،‬وف الطريق سلّمت له كل الدن دون‬
‫قتال‪ ،‬وغالبية سكانا كانت من الرمن‪ ،‬ث وصل إل الرها‪ ،‬واستقبله أهلها الرمن بالترحاب‪ ،‬وكان‬

‫‪Grousset: vol 1 p 46.‬‬


‫‪1‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 41.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 288.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Albert d`Alix, (Hist Occid) 1V, p.p. 346-347.‬‬
‫‪ 4‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/143‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 288.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Albert d`Alix, (Hist Occid)III XX VII..‬‬

‫‪69‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫هذا على غي رغبة أميها اليونان ثوروس ‪ ،Thoros‬الذي كان يدفع الزية قبل ذلك للمسلمي‪،1‬‬
‫وكان يأمل أن يستقلّ بالدينة لنفسه ليصبح تابعًا للدولة البيزنطية ل لبلدوين‪ ،‬غي أن المي تعامل مع‬
‫المر ف واقعية‪ ،‬وقرر أن يأخذ حلّ وسطًا‪ ،‬وهو أن يعرض على بلدوين أن يصبح بنلة ابنه ‪ -‬وكان‬
‫هذا المي مسنّا ‪ -‬ومن ثَمّ يُصبح الوريث الشرعي له على مدينة الرها وما حولا من مدن وقرى‪،2‬‬
‫وهي منطقة غنية خصبة‪ ،‬فوافق بلدوين على ذلك‪ ،‬ودخل الدينة‪ ،‬ث إنه اتفق مع بعض الرمن ف‬
‫الدينة على الغدر بثوروس‪ ،‬وبالفعل قتلوه‪ ،‬ليتسلم بلدوين مقاليد الكم ف الدينة‪ ،‬وليؤسّس أول‬
‫إمارة صليبية ف العال السلمي‪ ،‬وهي إمارة الرها‪ ،‬وذلك ف (‪491‬هـ) مارس سنة ‪1098‬م‪.3‬‬
‫ولا كانت الامية الصليبية ف منطقة الرها صغية‪ ،‬والشعب بكامله من الرمن تقريبًا‪ ،‬فقد‬
‫اتذ بلدوين عدة خطوات لتثبيت أركان إمارته‪ ،‬وعدم السماح بدوث قلقل أو اضطرابات‪.‬‬
‫كان من هذه الطوات التزاوج بي الصليبيي الغربيي والرمن‪ ،‬وبدأ بلدوين بنفسه حيث‬
‫تزوج من المية الرمينية أردا ‪ ،Arda‬وهي ابنة أحد زعماء الرمن‪.4‬‬
‫وكان من هذه الطوات أيضًا توسيع رقعة إمارة الرها‪ ،‬وذلك على حساب العدو اللدود‬
‫للرمن وهم التراك‪ ،‬فاته بيش مشترك من الصليبيي والرمن إل مدينة سُمَيْساط‪ ،‬وهي على بُعد‬
‫مسية يوم من الرها (‪ 45‬كيلو مترًا شرقي الرها)‪ ،‬وكان على رأسها أحد السلجقة التراك‪ ،‬الذي‬
‫أدرك من الوهلة الول أنْ ل طاقة له برب اليش الصليب الرمن‪ ،‬وخاصةً بعد الزائم التتالية‬
‫للسلجقة ف آسيا الصغرى‪ ،‬وعدم اهتمام سلجقة فارس أو الشام بالمر حت هذه اللحظة‪ ،‬وهذا‬
‫الحباط دفعه إل فعل شنيع؛ إذ طلب من بلدوين أن يقبل بشراء سيساط بالال‪ ،‬ويوفّر على نفسه‬
‫القتال والرب‪ ،‬وطلب المي التركي مبلغ عشرة آلف دينار ذهب مقابل تسليم الدينة بشعبها‪،‬‬
‫ووافق بلدوين على الفور‪ ،‬فقد كانت خزينة الزعيم الراحل ثوروس مليئة بالموال‪ ،‬ودفع البلغ‬
‫الطلوب‪ ،‬وتسلّم الدينة السلمة دون قتال‪!!5‬‬
‫ول شك أن وجود مثل هؤلء القادة الفرطي‪ ،‬والبائعي لكل شيء ف مقابل الال كتفسيٍ‬
‫واضح لذا الجتياح الصليب للبلد السلمة!!‬
‫ول يكتف بلدوين بضم سيساط ولكن أتبعها بعد ذلك بضم سروج ث البية لتتسع رقعة‬
‫إمارة الرها‪ ،6‬وتصبح مُرضيّة لغرور المي الفرنسي بلدوين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Guibert de Nogent. 111. p. 156.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse (Doc. Ar.) 1, p. 35; Runciman: op. cit. 1, p. 204.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, 1, pp. 37-38.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 402.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, p. 159.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Albert d`Aix (Hist. Occid. 1v). pp. 356-357. 445-446; Grousset: L`Empire du Levant, p. 402.‬‬

‫‪70‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومن خطوات بلدوين أيضًا لتثبيت أقدامه ف إمارة الرها أنه كان حريصًا عند ضم الدن‬
‫السلمية أن يرّر السرى الرمن من السجون التركية‪ ،‬وخاصة ف سيساط‪ ،‬وإرجاع هؤلء‬
‫السرى إل عائلتهم الرمينية دون مقابل؛ ما أكسبه مودة الشعب الرمن وتعاطفه‪.‬‬
‫وكان من الطوات الرئيسية الت اتذها بلدوين أنه أنكر تبعيته للمباطور البيزنطي‪ ،‬وتلّل‬
‫صراحةً من اتفاقية القسطنطينية‪ ،1‬وضرب بذا عصفورين بجر واحد؛ فهو حقق أحلمه بتكوين‬
‫إمارة يصبح هو القائد الوحيد لا دون تبعيته لحد‪ ،‬ث إنه أرضى الشعب الرمن جدّا حيث إن‬
‫الرمن التعصبي لذهبهم كان ينقون بشدة على الذهب الرثوذكسي‪ .‬والدير بالذكر أن الذهب‬
‫الرمن أقرب إل الكنيسة الغربية منه إل الرثوذكس‪ ،‬ولكنه ليس متطابقًا معها‪ ،‬ومع ذلك فقد سح‬
‫بلدوين بالرية العقائدية ف إمارة الرها‪ ،‬ول يضغط مطلقًا على الرمن لتقليد الذهب الكاثوليكي‬
‫الغرب‪ ،‬ول شكّ أن هذا وافق قبو ًل عامّا عند الشعب الرمن‪.2‬‬
‫أما بالنسبة للمباطور البيزنطي فإنه ل يستطع أن يفعل شيئًا؛ لن الرها كانت بعيدة عن‬
‫مركز قوته‪ ،‬وكان تركيزه الساسي على غرب آسيا الصغرى‪ ،‬ومدن منطقة قليقية‪ ،‬وعلى رأسها‬
‫طرسوس وأذنة والصيصة‪ ،‬كما كان مشغولً جدّا بأمر مدينة أنطاكية الهمة‪ ،‬الت يتجه إليها اليش‬
‫الصليب الن‪.3‬‬
‫أما بالنسبة لبلدوين فإنه ل يكتف بقبول الشعب الرمن له‪ ،‬فإنه يدرك كقائد منك أن‬
‫هؤلء ما استقبلوه بالترحاب إل هربًا من التبعية البيزنطية من ناحية‪ ،‬وهربًا من السيطرة التركية من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬وأنم مت توفرت لم القوة فسوف يستقلون بكمهم‪ ،‬ويطردون بلدوين وجيشه؛‬
‫لذلك بدأ بلدوين يسعى ف تغيي التركيبة السكانية ف إمارة الرها لصال الصليبيي‪ ،‬ففعل مثلما يفعل‬
‫اليهود الن ف فلسطي‪ ،‬حيث بدأ يرسل إل أوربا يستقدم الصليبيي الغربيي‪ ،‬وخاصة من فرنسا‬
‫للقدوم والستيطان الكامل ف إمارة الرها‪ ،‬فهو ل يكن يستقدم النود الرتزقة‪ ،‬ولكن كان يستقدم‬
‫العائلت الوربية برجالا ونسائها وأطفالا‪ ،‬وكان يستقدم أيضًا أصحاب الوجاهة والمراء ف مقابل‬
‫مبالغ مالية كبية من الال‪ ،‬وإغراءات كثية تشمل إعطاء إقطاعيات خارج أسوار مدينة الرها تبلغ‬
‫مساحات كبية‪ .‬وهكذا حوّل بلدوين إمارة الرها إل قطعة من الغرب الورب‪ ،‬فيها النظام القطاعي‬
‫العروف هناك‪ ،‬حيث صار الصليبيون على رءوس القطاعيات‪ ،‬بينما الرمن يعملون ف الزراعة‬
‫والتجارة تت اليمنة الصليبية‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Runciman: op. cit., 1, p. 206.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit., 1, p. 211.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 304.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michaud: op. Cit. 1, p. 235; Runciman: op. cit., 1, p. 211.‬‬

‫‪71‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ول شك أن هذه الوضاع أثارت بعض الرمن‪ ،‬فقاموا ببعض الثورات على حكم بلدوين‪،‬‬
‫ع صارم؛ ما أدى إل هدوء الوضاع بعد ذلك ف المارة‬ ‫ولكن بلدوين قابلها بقسوة بالغة وبرد ٍ‬
‫بكاملها‪.1‬‬
‫وهكذا بالترغيب والترهيب‪ ،‬والتواصل مع الشعب الرمن‪ ،‬والتعاون الوثيق مع نصارى‬
‫غرب أوربا استطاع بلدوين أن يتمكن من حكم هذه المارة ف عمق العال السلمي‪ ،‬وكانت هذه‬
‫المارة هي حاجز الصدّ الول ضد سلجقة فارس وشرق العال السلمي لوقوعها ف الطريق بينهم‬
‫وبي منطقة الشام وبيت القدس‪ ،‬حيث ستكون هناك بقية المارات والمالك الصليبية‪ ،‬وهي لكونا‬
‫قريبة جدّا من إمارة الوصل وديار بكر والزيرة (وهي مناطق إسلمية صرفة من ناحية التركيبة‬
‫السكانية)‪ ،‬فإنا كانت أشد المارات الصليبية إيذاءً للمسلمي‪ ،‬غي أنا من الناحية الخرى كانت‬
‫أضعف المارات الصليبية لبُعدها عن بقيّة المارات الصليبية ف الشام‪ ،‬ولعدم قدرتا على الفادة من‬
‫الساطيل اليطالية ف البحر البيض التوسط‪ ،2‬ولكونا تكم شعبًا من الرمن له أطماعه الاصة‪ ،‬ث‬
‫لقربا من الوصل الت ستشهد ‪ -‬مستقبلً ‪ -‬نض ًة إسلمية جهادية سيكون لا أثرٌ ف حياة إمارة‬
‫الرها‪.‬‬
‫ولنعُدْ بعد هذه الرحلة ف مدينة الرها وما حولا إل اليوش الصليبية‪ ،‬وهي تقطع الطرق‬
‫الوعرة ف آسيا الصغرى من خلل طبيعة البال القاسية‪ ،‬وندرة الاء ف بعض الماكن‪ ،‬وحدوث ما‬
‫يكن أن نسمّيه برب العصابات من التراك التفرقي هنا وهناك‪ ،‬إل أنم ف النهاية وصلوا إل الدينة‬
‫الهمة جدّا‪ :‬مدينة أنطاكية‪ ،‬وكان وصولم هذا ف (‪490‬هـ) ‪ 21‬من أكتوبر ‪1097‬م‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 443, & Guillaume de Tyr. 285.‬‬
‫‪ 2‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ سلجقة الروم ف آسيا الصغرى ص ‪.92‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Raymond d`Agueiler, in peters, pp. 160. ff; William of Tyre, 1, pp. 204-220.‬‬

‫‪72‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫حصار أنطاكية‬
‫ُتعَدّ مدينة أنطاكية من أهم الدن ف منطقة الشام وآسيا الصغرى‪ ،‬بل ل نبالغ إن قلنا أنا‬
‫كانت من أهم مدن العال القدي بأسره‪ ،‬وذلك لميزات خاصّة تفوقت با هذه الدينة على غيها‪.‬‬
‫فهي أولً‪ :‬مدينة رئيسية منذ قدي الزمان‪ ،‬كانت تتخذها الدولة البيزنطية قديًا عاصمة لنطقة‬
‫الشام بكاملها ولعدة قرون‪.‬‬
‫وثانيًا‪ :‬هي مدينة دينية من الطراز الول‪ ،‬حيث يعظّم النصارى شأنا جدّا‪ ،‬فهي أول مدينة‬
‫أطلق فيها على أتباع السيح اسم السيحيي‪ ،‬وذلك كما جاء ف ِسفْر أعمال الرسل‪" :‬ودُعي التلميذ‬
‫مسيحيي ف أنطاكية أولً"‪ .1‬وف هذه الدينة أسّس القديس بطرس أول أسقفية له‪.2‬‬
‫وثالثًا‪ :‬وصل الفتح السلمي إل هذه الدينة مبكرًا جدّا‪ ،‬ففتحت بالسلم ف سنة (‬
‫‪15‬هـ) ‪636‬م على يد الجاهد الليل أب عبيدة بن الراح ‪ ،‬فهي إسلمية منذ أكثر من ‪460‬‬
‫سنة‪.3‬‬
‫ويرجع الفضل ف تويلها إل منطقة إسلمية واضحة العال إل الصحاب الليل معاوية بن‬
‫أب سفيان ‪ ،‬الذي لحظ تكرار الجمات البيزنطية على هذه الدينة بالذات‪ ،‬فقرر أن يُعطِي فيها‬
‫و َحوْلا إقطاعاتٍ ضخمة لن ينتقل إليها من السلمي؛ فرحل إليها السلمون من دمشق وحص‬
‫ولبنان‪ ،‬بل ومن العراق‪ ،‬ليستوطنوا ف هذه النطقة‪ ،‬وبالتال تغيت التركيبة السكانية ف النطقة لصال‬
‫السلمي‪ ،‬وصارت الدينة إسلمية آمنة‪ ،‬خاصةً بعد تثبيت القدام السلمية ف الدن الت تقع ف‬
‫شالا مثل مرعش وطرسوس وملطية وغيها‪.4‬‬
‫ورابعًا‪ :‬فهذه الدينة صاحبة تاري ٍخ تاريّ عظيم‪ ،‬فهي من أهم الراكز القتصادية ف النطقة‪،‬‬
‫بل إنا كانت من مراكز التبادل التجاري الشهورة بي الدولة السلمية والدولة البيزنطية ف الفترات‬
‫الت كان السّلم يغلب فيها على العَلقة بي الدولتي‪.5‬‬
‫وخامسًا‪ُ :‬تعَدّ هذه الدينة من أحصن مدن الشام‪ ،‬بل من أحصن مدن العال آنذاك‪ ،‬وكانوا‬
‫يقارنون حصانتها بصانة القسطنطينية أحصن مدن العال القدي‪.6‬‬

‫‪ 1‬سفر أعمال الرسل‪.11/62 :‬‬


‫‪ 2‬ممد حامد الناصر‪ :‬الهاد والتجديد ص ‪،79‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 213‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،2/495،494‬وابن خلدون‪ :‬العب وديوان البتدأ والب ‪ ،2/105‬وياقوت الموي‪ :‬معجم البلدان‬
‫‪.1/269‬‬
‫‪ 4‬البلذري‪ :‬فتوح البلدان ص ‪.160‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 213.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, p. 72.‬‬

‫‪73‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ولعلنا إذا نظرنا نظرة سريعة إل جغرافيتها ندرك مدى الصانة الطبيعية الت وهبها ال‬
‫لذه الدينة‪ ،‬فضلً عن القلع والصون؛ فالدينة ماطة بالبال العالية من جهت النوب والشرق‪،‬‬
‫ويدها من الغرب نر العاصي‪ ،‬وهي ماطة أيضًا من الشمال بستنقعات وأحراش‪ .‬وفوق هذه‬
‫الماية الطبيعية فهي ماطة بأسوارٍ عالية من كل جانب‪ ،‬وعلى هذه السوار ثلثائة وستون برجًا‬
‫للمراقبة وإطلق السهام والرماح والقذائف الشتعلة‪ ،‬فضلً عن قلعة حصينة جدّا من الصعب أن‬
‫تُقتحم!‬
‫سادسًا‪ :‬تقع هذه الدينة على أول طريق الشام للقادمي من آسيا الصغرى‪ ،1‬وعلى ذلك‬
‫فسقوطها يعن فتح الطريق للشام‪ ،‬كما أن بقاءها با فيها من جنود وحامية يعل تاوزها دون‬
‫إسقاط أمرًا ف غاية الطورة؛ لذلك ل يكن هناك بُدّ للصليبيي من التوقف أمامها‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬هذه الدينة وإن كانت مدينة داخلية غي ساحلية إل أنا على مقربة جدّا من البحر‬
‫البيض التوسط وموانئ السويدية واللذقية‪ ،‬ما يعل وصول الؤن إليها عن طريق البحر أمرًا مكنًا‬
‫بل ميسورًا‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬التركيبة السكانية ف داخل أنطاكية كان لا طابع خاص جدّا‪ ،‬فعلى الرغم من قدم‬
‫توطّن السلمي فيها إل أنه كان با أعدادٌ كبية من النصارى الرثوذكس‪ ،‬وأيضًا من النصارى‬
‫الرمن؛ وذلك للهية الدينية لذه الدينة عندهم‪ ،‬وقد عاشوا قرونًا طويلة مع السلمي ف هذه الدينة‬
‫ف تعايش جيل‪ ،‬ل يعكر صفوه على مدار السني فتنة طائفية ول اضطهاد عنصري‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬التاريخ القريب لذه الدينة شهد بعض التغيات الت أضافت بعض التعقيدات إل‬
‫القصة‪ ،‬فهذه الدينة سقطت ف أيدي الدولة البيزنطية ف (‪358‬هـ) أول نوفمب سنة ‪969‬م‪ ،‬ف‬
‫عهد المباطور نقفور فوقاس‪ ،2‬وأحدث سقوطها دويّا هائلً ف العالي السلمي والسيحي‪ ،‬فهي‬
‫وقت سقوطها كان قد مرّ عليها أكثر من ثلثة قرون بأيدي السلمي‪ ،‬وهي ف نفس الوقت الدينة‬
‫الدينية العظّمة عند عموم العال السيحي بشقيه الرثوذكسي والكاثوليكي‪ ،‬كما أن الدولة البيزنطية‬
‫بعد سقوطها قتلت الكثي من أهلها‪ ،‬وأخرجت الباقي‪ ،‬وهجّرتم خارجها‪ ،‬واستقدمت جوعًا هائلة‬
‫من السيحيي ليعيشوا فيها‪ ،‬وظل الوضع على هذه الصورة إل العقد الثامن من القرن الادي عشر‪،‬‬
‫أي بعد موقعة ملذكرد الشهية سنة (‪463‬هـ) ‪1071‬م؛ حيث شهدت منطقة أنطاكية هجرة‬
‫مزدوجة من السلجقة والرمن‪ ،‬ما أدى إل تغيّر الريطة السكانية من جديد‪ ،‬بل إن العنصر الرمن‬
‫غلب على التوزيعة الديدة‪ .‬وقد أدى النيار البيزنطي أمام السلجقة إل سعي الدولة البيزنطية إل‬
‫التعاون مع الرمن ‪ -‬على كراهيتها لم ‪ -‬لقاومة السلجقة؛ وهذا أدى إل رسوخ قدم أكب ف‬
‫‪1‬‬
‫‪Chalandon: Premiere Croisade, p. 181.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.2/495،494‬‬

‫‪74‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫النطقة‪ ،‬بل تطاول الرمن أكثر وأكثر‪ ،‬وخرجوا عن تبعية الدولة البيزنطية‪ ،‬وحاصر أحد أكب قادتم‬
‫وهو فيلريتوس مدينة الرها‪ ،‬واستول عليها من البيزنطيي‪ ،‬وذلك ف سنة (‪469‬هـ) ‪1077‬م‪ ،‬ث‬
‫ف السنة التالية مباشرة (‪470‬هـ) ‪1078‬م استطاع فيلريتوس أن يستول على أنطاكية ذاتا بعد‬
‫قتل آخر حاكم بيزنطي لا‪.1‬‬
‫غي أن الرمن ل يكموا أنطاكية إل سبع سنوات فقط‪ ،‬حيث سقطت ف يد سليمان بن‬
‫قُتلمش مؤسّس دولة سلجقة الروم‪ ،‬وذلك ف سنة (‪477‬هـ) ‪1085‬م‪ ،2‬ليبدأ فيها حكمًا إسلميّا‬
‫من جديد بعد غياب ‪ 119‬سنة متصلة‪ .‬ومن جديد بدأ السلجقة وعموم السلمي يتزايدون ف‬
‫الدينة‪ ،‬وذلك جنبًا إل جنب مع النصارى الرثوذكس على َأتْباع الذهب البيزنطي‪ ،‬والرمن الذين‬
‫تكاثروا ف السنوات الخية‪ .‬وهذا التاريخ القريب ‪ -‬كما نرى ‪ -‬أعطى تعقيدًا واضحًا للموقف‪،‬‬
‫ع عليها بوضوح من الطوائف الثلثة‪ :‬السلمي بقيادة السلجقة‪ ،‬والدولة البيزنطية‬ ‫فأنطاكية متناز ٌ‬
‫والرمن‪ ،‬إضافةً إل القوة الديدة القادمة من أوربا الغربية!‬
‫عاشرًا وأخيًا‪ :‬أنطاكية بالذات حلم كبي ف ذهن بوهيموند‪ ،‬الزعيم النورماندي الشرس‪،‬‬
‫فهو ل ينسى أنا كانت ُأمْنيّة أبيه روبرت جويسكارد زعيم النورمان اليطاليي الشهي‪ ،‬وأن أباه‬
‫أرسل جيشًا قبل ذلك بسبعة عشر عامًا‪ ،‬وبالتحديد ف سنة (‪473‬هـ) ‪1081‬م لسقاط أنطاكية‪،‬‬
‫وكان على رأس هذا اليش بوهيموند نفسه‪ ،‬ولكن هذا اليش فشل ف إسقاط الدينة الصينة‪،‬‬
‫والفشل ف ُعرْف هؤلء القراصنة عار كبي‪ ،‬فهم ل يعيشون إل على السلب والنهب والسرقة‬
‫والقنص؛ ولذلك فإن بوهيموند ل ينس أنطاكية أبدًا‪ ،‬ويأخذ القضية كثأر قدي‪ ،‬ويضحّي بكل شيء‬
‫من أجل استحواذها‪ ،‬وليس ف ذهنه دين ول صليب‪ ،‬ول يتحرك قلبه لقدس أو حجيج‪ ،‬ول يشى‬
‫ف ذلك إمباطور الدولة البيزنطية الذي تظاهر بالصداقة له‪ ،‬ول زعماء الملة الصليبية الذين‬
‫يصاحبونه ف هذه العمليات الجرامية‪ .‬إن السألة عنده مسألة شخصيّة تامًا‪ ،‬وسيبيع كل شيء‬
‫ويشتري أنطاكية!‬
‫هذه أمور عشرة جعلت قضية أنطاكية قضية معقدة جدّا‪ ،‬وهي مطّ أنظار الميع‪ ،‬وعليها‬
‫سيكون التنافس بي كل القوى الوجودة ف النطقة‪.‬‬
‫مَن الذي يكم أنطاكية ف ذلك الوقت؟‬
‫كان يكمها أحد العسكريي التركمان الشداء‪ ،‬وهو ياغي سيان‪ ،‬ومن خلل استعراض‬
‫قصته سنجد أنه كان من الزعماء السياسيي والعسكريي التميزين‪ ،‬وكانت له حكمة بالغة ف‬
‫التراتيب الدارية‪ ،‬والواقف السياسية‪ ،‬والقتال الرب‪ ،‬وإن ل يكن متحليًا بالخلق السلمية‬
‫‪ 1‬حامد غنيم أبو سعيد‪ :‬البهة السلمية ف مواجهة الخططات الصليبية ص ‪.91‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.10/139،138‬‬

‫‪75‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الرفيعة‪ ،‬فليس عنده مبدأ معي‪ ،‬فقد يصادق إنسانًا ويعاديه ف يوم آخر لتعارض الصال‪ ،1‬وهو ف‬
‫قتاله ل يقاتل لتكون كلمة ال هي العليا‪ ،‬ولكن يقاتل من أجل حب البقاء‪ ،‬وحب التملك‬
‫والسيطرة‪ ،‬وحب الكرسيّ‪ ،‬وما إل ذلك من أمور الدنيا‪.‬‬
‫وهذه النوعية من الكام ‪ -‬مع كفاءَتا السياسيّة والعسكريّة ‪ -‬ل تصلح للحفاظ على هيبة‬
‫السلمي طويلً‪ ،‬فهم ‪ -‬ل شكّ ‪ -‬يسقطون وتسقط معهم الشعوب الت قبلت بم‪ ،‬وتسقط كذلك‬
‫الدن والدول الت يكمونا‪ .‬إن النصر ف الفهوم السلمي ل يكون إل من عند ال‪ ،‬وال ل ينصر‬
‫صرُ‬
‫صرُوا ال ّلهَ َي ْنصُرْ ُك ْم وَيُثَّبتْ َأ ْقدَامَ ُكمْ‪ .)2‬ويقول أيضًا‪َ ( :‬ومَا الّن ْ‬
‫إل من نصره‪ ،‬يقول تعال‪( :‬إِنْ تَ ْن ُ‬
‫إِ ّل مِنْ عِ ْندِ ال ّلهِ‪.)3‬‬
‫وهذا الذي ل يضع نصر ال ف حساباته ل ينصره ال أبدًا‪ ،‬وإن قعد ف كرسيّه عشرات‬
‫السني‪ ،‬وإن تعلّم علوم الرب والسياسة‪ ،‬وَفقِه ف أمور القيادة والدارة‪.‬‬
‫ولعلنا إذا راجعنا قصة ياغي سيان نفهم طبيعته‪ ،‬ومن ثَمّ نفهم قصة حصار أنطاكية‪.‬‬
‫لقد كان ياغي سيان قائدًا من القوّاد الهرة للسلطان السلجوقي الشهي ملكشاه بن ألب‬
‫أرسلن الذي قاد دولة السلجقة العظام‪ ،‬وهي الت كانت تسيطر على فارس والعراق وأجزاء من‬
‫الشام من سنة ‪464‬هـ إل سنة ‪485‬هـ (من ‪ 1072‬إل ‪1092‬م)‪ ،‬وكان أخو ملكشاه وهو‬
‫تتش بن ألب أرسلن يكم الشام‪ ،‬وحدث قتال بي تتش وسليمان بن قتلمش زعيم سلجقة الروم‬
‫الذي حرّر أنطاكية بعد احتلل دام ‪ 119‬سنة من الدولة البيزنطية‪ ،‬وذلك ف سنة (‪477‬هـ)‬
‫‪1085‬م‪ ،‬وكانت نتيجة قتال تتش وسليمان أن قُتل سليمان‪ ،‬وذلك ف سنة (‪478‬هـ) ‪1086‬م‪،‬‬
‫وهكذا صارت أنطاكية من أملك تتش‪ ،4‬غي أن ملكشاه نزع أنطاكية من ملك أخيه وأعطاها إل‬
‫ياغي سيان‪ ،‬وذلك ف سنة (‪479‬هـ) ‪1087‬م‪ .5‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬أوغر صدر تتش تاه ياغي‬
‫سيان‪ ،‬ولكن قوّة ملكشاه منعت تتش من اتاذ أي موقف تاه ياغي سيان‪ ،‬ومرت السنوات ومات‬
‫ملكشاه ف سنة (‪484‬هـ) ‪1092‬م‪ ،‬أي بعد خس سنوات من ولية ياغي سيان على أنطاكية‪،‬‬
‫ومع أننا توقعنا صدامًا قويّا بي تتش وياغي سيان على أنطاكية‪ ،‬إل أن ياغي سيان استطاع بكمته‬
‫وسياسته أن يتقرب إل تتش ما جعله ُي ِقرّه على أنطاكية‪ ،‬بل وبدأ ياغي سيان يطب لتتش ف‬
‫أنطاكية‪ ،6‬ث اشترك ياغي سيان مع تتش سنة (‪488‬هـ) ‪1095‬م ف حرب بركياروق بن ملكشاه‬
‫‪ 1‬علي الصلب‪ :‬دولة السلجقة ص ‪.469‬‬
‫‪( 2‬ممد‪.)7 :‬‬
‫‪( 3‬آل عمران‪.)126 :‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.6/300‬‬
‫‪ 5‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/19‬‬
‫‪ 6‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/108‬‬

‫‪76‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ابن أخي تتش! وانذل ياغي سيان أثناء القتال؛ ما أدى إل هزية تتش وقتله ف سنة (‪488‬هـ)‬
‫‪1095‬م‪ ،1‬ليعود ياغي سيان إل حكم أنطاكية منفردًا‪ ،‬ويتول أولد تتش حكم الشام بالتقاسم‪،‬‬
‫فيأخذ رضوان بن تتش حلب‪ ،‬ويأخذ دقاق بن تتش دمشق‪.2‬‬
‫وكعادة هذا الزمان دار الصراع بي الخوة بغية التوسع والتملك‪ ،‬وأسرع كل زعيم يضم‬
‫إليه ما حوله من مدن‪ ،‬وطمع رضوان زعيم حلب ف أنطاكية القريبة‪ ،‬فحدث بينه وبي ياغي سيان‬
‫شقاق وصراع‪ ،‬انتصر فيه ياغي سيان وبقي متفظًا بأنطاكية‪ ،‬ث دارت حرب مباشرة بي رضوان‬
‫زعيم حلب ودقاق أخيه زعيم دمشق وذلك ف سنة (‪489‬هـ) ‪1096‬م‪ ،‬وللعجب الشديد فإن‬
‫ياغي سيان انضم إل رضوان! وحاول رضوان احتلل دمشق ولكنه فشل ف ذلك‪ .3‬ث مرت اليام‬
‫وأراد دقاق أن يغزو حلب‪ ،‬فانضم ياغي سيان ف هذه الرة إل دقاق ف الرب ضد رضوان‪ ،‬غي‬
‫أنم ل يتمكنوا من غزو حلب‪!!4‬‬
‫إنه كان يعيش حياة النود الرتزقة الذين يقاتلون ف جيشٍ بغية درهم أو دينار‪ ،‬فإذا دفع‬
‫الطرف الخر أكثر انضم إليه ونسي ولءَه الول‪.‬‬
‫إنّ هذه القصة ل تعطينا فقط انطباعًا عن طبيعة حاكم أنطاكية ياغي سيان‪ ،‬بل تعطينا‬
‫انطباعًا أوسع وأشل عن طبيعة ذلك الزمن بأسره‪ ،‬فهؤلء هم الكام ف منطقة الشام يوم غزو‬
‫اليوش الصليبية‪.‬‬
‫وليست الشكلة ف الكام فقط‪ ،‬فهؤلء الزعماء ل يقاتلون بفردهم ف الروب‪ ،‬إنا‬
‫يقاتلون بيوش‪ ،‬ومن وراء اليوش شعوب‪ ،‬ول شك أن هذه اليوش الت ل تعرف لا قضية‪ ،‬وهذه‬
‫الشعوب التافهة الغيّبة تستحق ما يدث لا من نكبات وأزمات‪.‬‬
‫وهكذا عندما جاءت اليوش الصليبية حول أنطاكية ف أكتوبر سنة (‪460‬هـ) ‪1097‬م‪،‬‬
‫كان ياغي سيان حاكمًا للمدينة منذ عشر سنوات كاملة‪ ،‬وعلى خلف وشقاق كبي مع أقرب الدن‬
‫إليه وهي حلب‪ ،‬والعلقة بينه وبي الدن الخرى عَلقات فاترة ل تقوم إل على الصال والنافع‬
‫الدنيوية‪.‬‬
‫وجاء الصليبيون بدّهم وحديدهم! وأحكموا قبضتهم حول الدينة!‬
‫وقف اليش النورمان اليطال بقيادة بوهيموند أمام الهة الشمالية للمدينة عند باب بولس‪،‬‬
‫ووقف جيش جودفري بوايون ف الهة الشمالية الغربية ف مواجهة باب النينة‪ ،‬ووقفت بقية اليوش‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.3/111‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،10/245،244‬وابن العدي زبدة حلب ‪.2/120‬‬
‫‪ 3‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.132‬‬
‫‪ 4‬أبو الفدا‪ :‬الختصر ف تاريخ البشر حوادث سنة (‪491‬هـ)‬

‫‪77‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وعلى رأسها روبرت وستيفن وهيو والمي ريون الرابع كلهم من الناحية الغربية أمام باب الكلب‪،1‬‬
‫وكما ذكرنا قبل ذلك فإن الناحية الشرقية والنوبية كانت ماطة بالبال العالية؛ ولذلك ل يكن‬
‫عندها جيوش‪.2‬‬
‫وغن عن البيان أن الدولة البيزنطية كانت تشارك ف هذا الصار بسرية بيزنطية على رأسها‬
‫قائد مترف هو تاتيكيوس ‪Tatikios‬؛ وذلك لكي يفظ حق الدولة البيزنطية ف الدينة بعد‬
‫سقوطها‪.‬‬
‫وكان بالدينة ‪ -‬كما مرّ بنا ‪ -‬عددٌ كبي من النصارى الرثوذكس والرمن؛ تقول الرواية‬
‫اللتينية أنم خرجوا من الدينة بجرّد قدوم اليوش الصليبية‪ ،‬وأمدوهم بأسرار كثية عن مداخل‬
‫الدينة ومارجها ووسائل الدفاع وكميات الؤن وأعداد القاتلي‪ ،‬وما إل ذلك من معلومات تسهّل‬
‫فتح الدينة‪.3‬‬
‫وكان ياغي سيان قد أعدّ الؤن الكثية الت تكفي الياة الدنية لدة طويلة من الزمن‪،4‬‬
‫وكذلك استعد الصليبيون بكميات من الؤن جعوها من القرى الجاورة عن طريق السلب والنهب‪،5‬‬
‫كما وصل إل ميناء السويدية عند مصب نر العاصي (وهو ميناء قريب جدّا من أنطاكية) أسطولٌ‬
‫جنويّ يمل إمدادات مهمة للصليبيي‪.6‬‬
‫وفوق ذلك فميناء اللذقية القريب أيضًا كان قد وقع تت سيطرة القرصان البولون ونار‪،7‬‬
‫وكان يد الصليبيي با يتاجونه من مؤن‪ .‬وهكذا أغلق الصليبيون الطرق الؤدية إل أنطاكية‬
‫وسيطروا على الوانئ الغربية‪ ،‬ول يعد أمام السلمي الحاصَرين إل ما هو داخل الدينة من مؤن‬
‫وسلح‪.‬‬
‫ومن داخل الدينة الحاصَرة أرسل ياغي سيان رسائل تطلب النجدة من زعماء المارات‬
‫السلمية الجاورة‪ .‬وما من شك أنه ل يستطع أن يرسل رسالة إل رضوان أمي حلب نظرًا للخيانة‬
‫القريبة الت فعلها ياغي سيان بانضمامه إل دقاق بعد أن كان مالفًا لرضوان؛ لذلك أرسل ياغي سيان‬
‫إل دقاق ملك دمشق‪ ،‬وجناح الدولة أمي حص‪ ،‬وها يقعان على بُعد أكثر من مائة وأربعي كيلو‬
‫مترًا من الدينة‪ ،‬بل إنه أرسل إل كربوغا أمي الوصل الت تقع على بُعد سبعمائة كيلو متر‪ ،‬وكذلك‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillaume de Tyr 1, pp. 174-175.‬‬
‫‪ 2‬ياقوت الموي‪ :‬معجم البلدان‪ ،‬مادة أنطاكية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gesta Francourn. P.69.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciaman, op. Cit., 1, p. 215.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Raymond d`Agueiler, in Peters, pp. 160 ff; William of Tyre, 1, pp. 204-220; Hagenmeyer,‬‬
‫‪"Chronologie", pp. 514-516, 529-530.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Raymond d`Agiles (HIst. Occid. Lll), p. 242 & Carfo (Hist., Occid V), p. 50.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Heyd: Hist. du Commerce, 1, p. 133.‬‬

‫‪78‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إل بركياروق سلطان سلجقة فارس وهو أبعد وأبعد‪ ،1‬ول يتمكّن كما ذكرنا من طلب الساعدة‬
‫من حلب الت تقع على مسافة أقل من ستي كيلو مترًا من أنطاكية!!‬
‫ومرت اليام ثقيلة على الطرفي؛ فالدينة الحاصَرة ل يصل إليها أي إمداد خارجي‪ ،‬وكذلك‬
‫الصليبيون يرون بأزمة واضحة؛ إذ إن اليوش هائلة‪ ،‬والؤن ليست كافية ف هذه النطقة الحدودة‪،‬‬
‫وهم ل يستطيعون البتعاد كثيًا عن أنطاكية؛ لكي ل يعطوا فرصة للمحاصَرين أن يرجوا‪ .‬وقد‬
‫حدث ذات مرة أن ابتعدت بعض اليوش الصليبية للغارة على بعض القرى‪ ،‬فخرج ياغي سيان‬
‫لقتال اليوش التبقية‪ ،‬وكاد ينتصر عليهم لول مهارة بوهيموند وسيطرته على الوقف حت عودة بقية‬
‫اليوش‪ .2‬وهكذا صار الصار صعبًا على الصليبيي كما كان صعبًا على السلمي‪ ،‬غي أنه كان على‬
‫الصليبيي أشق وأصعب‪ ،‬وخاصةً أن الصار بدأ ف (‪490‬هـ) ‪ 21‬من أكتوبر ‪1097‬م‪ ،‬وقد‬
‫دخلت الشهر الباردة‪ ،‬وهم ف العراء يعانون الوع والبد‪.‬‬
‫وبعد مرور أكثر من شهرين على الصار جاءت ندة إسلمية من دمشق على رأسها دقاق‬
‫السلجوقي‪ ،‬ومن حص وعلى رأسها جناح الدولة حسي بن ملعب‪ ،‬والتقوا مع اليش الصليب ف‬
‫منطقة جنوب أنطاكية عند البارة‪ 3‬ف آخر ديسمب (‪490‬هـ) ‪1097‬م‪ ،4‬وكان اليش الصليب‬
‫يبحث ف هذا الكان عن إمدادات غذائية‪ ،‬ودارت معركة ظهر فيها تفوق السلمي وإن ل يقّقوا‬
‫نصرًا حاسًا‪ ،5‬ومع ذلك فقد قرر دقاق النسحاب والعودة إل دمشق ليؤمّن مدينته‪ ،‬ويدرس الوقف‬
‫من جديد! وف هذه الثناء أرسل له الصليبيون رسالة يسكّنونه فيها ويدّرونه‪ ،‬إذ قالوا له أنم ما‬
‫جاءوا إل هذه الناطق إل لتحرير الدن الشمالية الت كانت ملكًا للدولة البيزنطية مثل الرها‬
‫وأنطاكية‪ ،‬وأنم ليس لم حاجة ف دمشق ما دامت ل تقاتلهم‪ .‬وقد أقنعت هذه الكلمات دقاق فترك‬
‫أنطاكية تواجه مصيها‪ ،‬وسكن ف مدينته‪!!6‬‬
‫وهكذا عاد الوقف صعبًا من جديد‪ ،‬ولكن مع بدايات السنة اليلدية الديدة ودخول شهر‬
‫يناير (‪491‬هـ) ‪1098‬م‪ ،‬واشتداد البد وقلة الزاد بدأت الزمة تتفاقم جدّا ف العسكر الصليب‪،‬‬
‫بل نشأت الفوضى بي الند‪ ،‬وظهرت العتراضات هنا وهناك‪ ،‬بل ظهرت دعوات بفك الصار‪ ،‬بل‬
‫وأشد من ذلك بدأت تظهر حالت هروب من النطقة بكاملها‪ ،‬وكانت الفاجأة أنه كان على رأس‬
‫الاربي بطرس الناسك الذي كان يُجمّع اليوش ف فرنسا قبل ذلك‪ ،‬ما يؤكّد عدم وجود البُعد‬

‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.134‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Idem. P. 202.‬‬
‫‪ 3‬البارة‪ :‬بليدة ف منطقة أريا مافظة أدلب السورية‪ ،‬كان با حصن‪ ،‬ما زالت خرائب شاهدة على عظم ماضيها‪ .‬معجم البلدان‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Setevenson: op. cit., p. 26.‬‬
‫‪ 5‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/132‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/15‬‬

‫‪79‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الدين تامًا ف رؤيته‪ ،‬ولقد ج ّد تانكرد ف إثره حت عثر عليه وهو ف طريقه للقسطنطينية‪ ،‬وأجبه‬
‫على العودة للبقاء مع اليش الصليب‪ ،1‬وكانت عودته عودة مزية مشينة‪ ،‬وضّحت أهداف الملة‬
‫الصليبية تامًا‪.‬‬
‫كان بوهيموند النورمان يرقب كل هذه الوضاع‪ ،‬وياول أن يوظّف الظروف لدمة مآربه‬
‫الاصة‪ ،‬ومطامعه الكبية ف الصول على أنطاكية لصاله هو‪ ،‬وكان يعلم أن المراء الصليبيي‬
‫سينافسونه فيها‪ ،‬كما أن صديقه المباطور البيزنطي لن يسمح له بأخذ أنطاكية‪ ،2‬الت تعتب من أهم‬
‫الطامع البيزنطية ف النطقة‪ .‬فماذا يفعل بوهيموند إزاء هذا الوضع؟!‬
‫لقد كان داهيةً على أعلى مستوى‪ ،‬وكان ماكرًا إل أبعد حدود الكر!‬
‫لقد أعلن بوهيموند ‪ -‬وهم ف هذه الرحلة الرجة من الصار ‪ -‬أنه ما عاد يطيق البقاء ف‬
‫هذه الظروف‪ ،‬وأن عنده ارتباطات كبية خاصّة بملكته ف إيطاليا‪ ،‬ومن ثَمّ فهو سيسحب جيشه‬
‫من الصار‪ ،‬ويقفل راجعًا إل إيطاليا‪!3‬‬
‫لقد كانت هذه كارثة بالنسبة للجيوش الصليبية! فالميع يعلم أن أقوى الفرق مطلقًا هي‬
‫فرقة بوهيموند‪ ،‬ولعله هو أمهر القادة وأقدرهم على وضع الطط الربية وأصبهم على القتال‪،‬‬
‫وعودة بوهيموند إل إيطاليا كانت تعن بالنسبة لم فشل الملة الصليبية‪ ،‬وضياع كل الكاسب‬
‫التحققة والرجوة‪ ،‬وضياع كل ما جرى إنفاقه حت هذه اللحظة من أموال وأرواح وأوقات‪.‬‬
‫لقد كان تديدًا يمل كارثة للصليبيي‪ ،‬وكان بوهيموند القائد الاكر يعلم قيمته ف اليش‪،‬‬
‫ول يكن ف قرارة نفسه يفكر ف العودة‪ ،‬فإنه ما جاء إل هذه البلد نصرة للرب‪ ،‬ول حاية للحجيج‪،‬‬
‫ول صداقة للمباطور البيزنطي‪ ،‬إنا جاء من أجل أنطاكية‪ ،‬وأنطاكية فقط‪ ،‬فموقفه هذا ل يكن إل‬
‫لعبة سياسية خطية‪ ،‬ولكنه لعبها بدرجة عالية من الحتراف!‬
‫دبّ اللع ف قلوب زعماء اليوش الصليبية‪ ،‬والتفوا حول بوهيموند يتوسلون إليه أل‬
‫يتركهم‪ ،‬ث اجتمعوا على منحه أنطاكية له خالصة دون مشاركة ف حال سقوطها‪ ،‬فتحقق له ما‬
‫يريد؛ ومن هنا قرر البقاء والعمل معهم بكل طاقته!! وهكذا سيطر بوهيموند على الوقف مع زعماء‬
‫الملة الصليبية‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gesta Francorum, pp. 77-79.‬‬
‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.135‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, p. 70.‬‬
‫‪ 4‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪،1/317،316‬‬
‫‪Chalandon: Alexis Comnene, p. 201 & Premiere Croisade p. 193.‬‬

‫‪80‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لكن بقيت له مشكلة‪ ،‬وهي وجود السرية البيزنطية بزعامة تاتيكيوس‪ ،‬واتفاقية القسطنطينية‬
‫الت تقضي بتسليم أنطاكية إل الدولة البيزنطية‪ ،‬ويي الولء والتبعية الذي أقسمه لذا المباطور قبل‬
‫ذلك‪.1‬‬
‫ماذا يفعل ف هذه اللتزامات؟!‬
‫لقد بدأ بوهيموند ف استفزاز القائد البيزنطي تاتيكيوس‪ ،‬وبدأ ينكر أي جهود بيزنطية ف‬
‫الساعدة‪ ،‬بل بدأ يفعل ما هو أخطر إذ أشاع أن هناك تنسيقًا سريّا بي تاتيكيوس والتراك السلمي‪،‬‬
‫وأن هناك خيانة للقضية الصليبية‪ ،‬وهذا قد حدث قبل ذلك عند إسقاط نيقية‪ ،‬فلماذا ل يدث الن؟‬
‫أثارت هذه الشاعات غضب تاتيكيوس‪ ،‬فأسرع إل الزعماء الصليبيي يشكو لم‪ ،‬غي أنم‬
‫وجدوها فرصة للتخلص من اللتزامات تاه الدولة البيزنطية‪ ،‬وقالوا أن الدولة ل تساعدهم ف أزمتهم‬
‫بشيء يُذكر‪ ،‬ومن ثَمّ فهي البادئة بنقض التفاقية‪ ،‬وف هذا مبر للصليبيي أل يلتزموا باتفاقيتهم‪.‬‬
‫وهنا شعر تاتيكيوس بالطر على نفسه‪ ،‬فانتهز الفرصة وهرب ليلً إل قبص عن طريق ميناء‬
‫السويدية‪ .2‬وهكذا تقق هدف بوهيموند ف إبعاد الدولة البيزنطية عن الساحة على القل عند‬
‫لظات سقوط أنطاكية‪ ،‬وبذلك يضمن أن تكون له ل لغيه! وبدأ بوهيموند من جديد ينسق‬
‫اليوش‪ ،‬ويرسل الفرق هنا وهناك للتيان بالؤن والغذاء‪ ،‬وأخذ يبثّ الماسة ف قلوب النود‬
‫الصليبيي وزعمائهم‪.3‬‬
‫ف هذه الثناء وف (‪491‬هـ) يناير سنة ‪1098‬م حدث أمر غيّر كثيًا ف سي الحداث‪،‬‬
‫وأضاف قوة ملموسة إل العسكر الصليب؛ لقد جاءت سفارة من دولة مصر تعرض التفاهم‬
‫والتفاوض مع اليش الصليب لتحقيق مصال مشتركة!!‬
‫لقد كانت مصر ف ذلك الوقت تت حكم العبيديي العروفي بالفاطميي‪ ،‬وهم كما ذكرنا‬
‫من الشيعة الساعيلية‪ ،‬وكانوا على خلف كبي مع السلجقة السّنّة‪ ،‬وكذلك مع اللفة العباسية‬
‫السّنّيّة؛ ففكر هؤلء العبيديون ف التعاون مع الصليبيي لرب السلجقة السنة!! وكان الليفة‬
‫العبيديّ ف ذلك الوقت هو الستعلي بال‪ ،‬وإن كانت المور كلها ف يد الوزير الفضل بن بدر‬
‫المالّ‪ .‬وكان عرض الدولة العبيدية يشمل التفاق مع الصليبيي على تقسيم الشام بينهما‪ ،‬فيأخذ‬
‫الصليبيون أنطاكية ومدن الشمال‪ ،‬بينما يأخذ العبيديون بيت القدس‪ .‬وكان العبيديون بالفعل‬
‫يسيطرون على بيت القدس حيث قاموا باحتلله سنة (‪491‬هـ) ‪1097‬م‪ ،‬حينما كان السلجقة‬
‫مشغولي برب الصليبيي ف آسيا الصغرى‪.4‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Brehier: op. cit., p. 213.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Setton: op cit., pp. 313-314; Runciaman, op. Cit., 1, p. 224.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michaud: op. Cit., 1, p. 304.‬‬
‫‪ 4‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.135‬‬

‫‪81‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد كانت هذه السفارة تمل البشريات للجيش الصليب‪ ،‬بينما كانت طعنة نافذة ف صدر‬
‫‪ -‬بل ف ظهر ‪ -‬المة السلمية!!‬
‫لقد كان لا من الثار السلبية ما يرج عن ح ّد التخيل‪:‬‬
‫فأولً‪ :‬رفعت هذه السفارة جدّا من معنويات اليش الصليب؛ إذ علموا أنم يتعاملون مع أمّة‬
‫ضائعة‪ ،‬ليس لا من همّ إل التملك والثروة‪ ،‬وأنم على استعداد لبيع بعضهم البعض‪ ،‬ولو كان‬
‫الشتري هم الصليبيون‪.‬‬
‫وثانيًا‪ :‬سيؤدّي هذا الهد العبيديّ إل تشتيت السلجقة السّنّة‪ ،‬وإحداث الضطراب بي‬
‫صفوفهم؛ فالصليبيون سيهاجون من الشمال‪ ،‬والعبيديون من النوب‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬سيأمن الصليبيون من هجوم الدولة الصرية الت كانت تلك جيشًا كبيًا‪ ،‬إضافةً إل‬
‫أسطول بري قوي‪ ،‬كان من المكن أن يغيّر الوقف ف أنطاكية وغيها لو كان يلكه ملصون‬
‫للمسلمي‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬وهو أمر مهم جدّا أن هذه السفارة تعن العتراف من الدولة الصرية لذا الكيان‬
‫الديد القادم على أرض السلمي‪ ،‬وأن له الحقية الشرعية ف أرض أنطاكية‪ ،1‬وعندها ل يوز‬
‫للمسلمي أن يطالبوا بذه الرض‪ ،‬فقد أعطوها ف مقابل أرض بيت القدس‪ ،‬وسينسى الناس بعد‬
‫ذلك أن كلتا الرضي مسلم!!‬
‫لقد كانت خيانة بكل القاييس!‬
‫ولقد أظهر الصليبيون الترحاب بالسفارة مع أنم يعزمون تامًا على أخذ بيت القدس‪ ،‬بل‬
‫ويعلنون ذلك جهرةً ف كل مافلهم‪ ،‬ولكنهم قبلوا بذا الطرح مؤقتًا‪ ،2‬وسوف يتجاهلونه مستقبلً‬
‫كما تاهلوا وعودهم للدولة البيزنطية‪ ،‬وهو ما يسمى ف أعرافهم سياسة‪ ،‬ولكنها ‪ -‬للسف ‪-‬‬
‫سياسة ل تنجح إل مع الغبياء أو العملء! ولقد كان كثي من زعماء السلمي ف ذلك الوقت من‬
‫أحد هذين الصنفي أو منهما معًا!‬
‫كان هذا هو موقف الدولة العبيدية الشيعية‪.‬‬
‫وماذا كان موقف رضوان بن تُتش حاكم حلب؟!‬
‫إن موقفه خطي جدّا؛ فهو وإن كان على خلف مع ياغي سيان إل أنه يعتب أنطاكية من‬
‫متلكاته الشخصية‪ ،3‬وأن ياغي سيان استول عليها‪ ،‬ومن ثَمّ فالصليبيون الن يأخذون جزءًا من‬
‫مياثه‪ ،‬فوق أنم قريبون جدّا منه‪ ،‬وقد يتوجّهون إل حلب بعد سقوط أنطاكية؛ لذلك انتهز رضوان‬

‫‪ 1‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/163‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/418‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 315.‬‬

‫‪82‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فرصة قدوم طلب ندة من ياغي سيان بعد أن يَئِس ياغي سيان من دقاق وغيه‪ ،‬فأسرع بتجهيز‬
‫جيش للقاة الصليبيي‪ ،‬وصاحبه ف حلته أمي حاة وبعض القوات من ديار بكر‪ ،1‬واجتمعت كل‬
‫القوات ف حارم على بُعد ثلثي كيلو مترًا شرق أنطاكية‪.‬‬
‫إنم ل يرجوا ليحفظوا دين السلم وأرضه وأعراض السلمي!!‬
‫بل خرجوا حفظًا لملكهم‪ ،‬أو ذرّا للرماد ف العيون‪.‬‬
‫وهذه النوعية من اليوش ل تُنصر عادةً!‬
‫ت التفاق بي رضوان من ناحية وياغي سيان من ناحية أخرى على الروج ف وقت متزامن‬
‫من حارم وأنطاكية لرب الصليبيي من الشرق والغرب‪ ،‬فيقع بذلك الصليبيون ف كمي بي‬
‫الفريقي‪.2‬‬
‫الطة مكمة‪ ،‬لكن القلوب مريضة والجساد عليلة!‬
‫تسربت أنباء الطة عن طريق نصارى حلب إل اليش الصليب‪ ،3‬فخرج بوهيموند بنفسه‬
‫صرًا لنطاكية‪ ،‬والتقى‬
‫على رأس فرقة صغية من الفرسان تبلغ سبعمائة فارس فقط‪ ،‬وترك جيشه ما ِ‬
‫بوهيموند بذه الفرقة الصغية مع جيوش حلب وحاة وديار بكر عند بية العمق ف شرق أنطاكية‪،4‬‬
‫وللسف الشديد فإن كثرة اليوش السلمية ل تغنِ عنها شيئًا‪ ،‬وإذا بالقلة الصليبية تسيطر على‬
‫الوقف بسرعة‪ ،‬وأسرعت اليوش السلمية بالفرار‪ ،5‬وقُتل منهم عدد كبي‪ ،‬وقطّع بوهيموند‬
‫رءوسهم‪ ،‬وحلها على أ ِسنّة الرماح‪ ،‬وعاد مسرعًا إل أنطاكية‪ .‬ف هذه الثناء كان ياغي سيان قد‬
‫خرج لرب اليوش الصليبية بعد ابتعاد بوهيموند‪ ،‬إل أنه ‪ -‬للسف ‪ -‬هُزم هو الخر فدخل مسرعًا‬
‫إل حصونه‪ ،‬ث جاء بوهيموند وألقى بالرءوس القطّعة داخل أسوار أنطاكية؛ ليسل رسالة رعب إل‬
‫ياغي سيان وشعبه‪!6‬‬
‫استمر حصار أنطاكية‪ ،‬بل وبدأ الصليبيون ف بناء قلعة ماورة على تل قريب من أسوار‬
‫أنطاكية لستخدامها ف قصف أسوار أنطاكية‪ ،‬والتحصن بداخلها من السهام السلمة‪ .7‬وأثناء بناء‬
‫القلعة‪ ،‬وف (‪491‬هـ) ‪ 4‬من مارس سنة ‪1098‬م وصل أسطول إنليزي إل ميناء السويدية يمل‬

‫‪ 1‬ابن العدي زبدة اللب ‪.2/129‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 86.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, p. 194.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Chalandon: Premiere Croisade pp. 195.‬‬
‫‪ 5‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.1/347‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, p. 196.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Gesta Francorum. pp. 80-86.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Cam. Med Hist. vol. 5, p. 291.‬‬

‫‪83‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كميات كبية من الزاد والسلح وآلت الصار؛ ما رفع معنويات اليش الصليب جدّا‪ ،‬ث ّت لم بناء‬
‫القلعة ف (‪491‬هـ) ‪ 19‬من مارس ‪1098‬م‪ ،‬وبذلك صار الصار مشددًا بشكل أكب وأخطر‪.1‬‬
‫جدد ياغي سيان استغاثته بسلطان سلجقة فارس بركياروق‪ ،‬وكذلك بواليه على الوصل‬
‫كربوغا‪ ،2‬وقد استجاب كربوغا لنداء ياغي سيان‪ ،‬وجهّز جيشًا كبيًا‪ ،‬ولكنه ‪ -‬للسف ‪ -‬قرر أن‬
‫ياصر الرها وياول إسقاطها قبل أن يأت إل أنطاكية‪ ،‬والذي دفعه إل ذلك قرب إمارة الرها ‪-‬‬
‫وعلى رأسها الداهية بلدوين ‪ -‬من إمارة الوصل‪ ،‬فخَشِي كربوغا إن أخذ جيشه وذهب إل أنطاكية‬
‫(وهي على بُعد أكثر من سبعمائة كيلو متر من الوصل) أن يهجم بلدوين على الوصل الالية من‬
‫اليوش‪ .‬وهكذا أضاع هذا المر عدة أسابيع من كربوغا‪ ،3‬وهو ف ماولة فاشلة لسقاط الرها‪ ،‬ول‬
‫يتحرك ف اتاه أنطاكية إل ف (‪491‬هـ) أواخر شهر مايو ‪1098‬م‪.‬‬
‫أثار قدوم كربوغا ف الطريق إل أنطاكية الفزع ف اليش الصليب‪ ،‬فالخبار تقول أن جيشه‬
‫كبي‪ ،‬والصليبيون قد تعبوا من طول الصار‪ ،‬فقد مرت عليهم حت الن أكثر من سبعة أشهر‪ ،‬وهم‬
‫مرابضون أمام أسوار أنطاكية‪ ،‬وف هذه الالة السيئة وف يوم ‪ 2‬من يونيو ‪1098‬م قرر ستيفن دي‬
‫بلوا النسحاب من العركة ليأسه من فتح أنطاكية‪ ،‬وأخذ معه عدد كبي من الفرنسيي‪ ،‬واته إل‬
‫ميناء السكندرونة ليقفل عائدًا إل فرنسا‪!4‬‬
‫لقد تأزم الوقف جدّا على الفريقي!‬
‫لكن ف هذه الثناء لعبت اليانة دورها؛ لقد ظهر ف أنطاكية رجل أرمن الصل تظاهر‬
‫بالسلم اسه نيوز أو فيوز‪ ،‬وتبادل الرسائل السرية مع الرمن الوجودين ف اليش الصليب‪ ،‬وكان‬
‫كثي من الرمن من أهل أنطاكية خرجوا من الدينة عند بدء الصار وانضموا إل اليش الصليب‪،5‬‬
‫وقال هذا الرجل الرمن‪ :‬إنه يعلم أسرارًا قد تسهّل فتح حصون أنطاكية‪ .‬لقد كان هذا الرجل مقربًا‬
‫من ياغي سيان‪ ،‬وكان ياغي سيان يوليه حراسة عدد من أبراج أنطاكية الهمة‪ .‬وصلت هذه‬
‫العلومات إل بوهيموند شخصيّا‪ ،‬فتكتمها عن بقية الزعماء الصليبيي‪ ،‬وتراسل مع هذا الرمن الذي‬
‫طلب مالً وإقطاعًا ف البلد بعد سقوطها‪ ،‬فأقره بوهيموند على ذلك‪ .6‬جع بوهيموند زعماء الملة‬
‫الصليبية وأعاد على أساعهم خطورة الوقف‪ ،‬وتيقن مرة ثانية من أنم سيسلمونه أنطاكية إذا ت‬
‫فتحها‪ ،7‬ث بدأ يدّد لظة الجوم وساعة الصفر‪ ،‬وكانت ف (‪491‬هـ) صباح يوم ‪ 3‬من يونيو‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillaum de Ttr, 1, p. 198.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Michaud: op. cit., pp. 264-267.‬‬
‫‪ 3‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ العمال النجزة ف ما وراء البحار ‪ ،1/319،318‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.1/346‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman, op. cit., 1, p. 238.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Gesta Francorunm, p. 69.‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/168‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/134‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Gesta Francorunm, p. 100.‬‬

‫‪84‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪1098‬م أي بعد يوم واحد من رحيل ستيفن دي بلوا ومن معه من الفرنسيي‪ .‬فتح نيوز الرمن‬
‫البواب ف برجه وف بعض البراج الجاورة‪ ،‬بل إن بعض الروايات تذكر أنه قتل أخًا له؛ لكي ل‬
‫يكشف قصة الؤامرة‪ ،‬وهكذا انسابت اليوش الصليبية الائلة داخل الدينة مع الساعات الول من‬
‫الصباح‪ .‬أسرعت الرمن ف داخل الدينة بالنضمام إل الصليبيي‪ ،1‬وأدرك ياغي سيان الؤامرة بعد‬
‫فوات الوان‪ ،‬وقرر الروب ف مموعة من التراك‪ ،‬غي أن الرمن من أهل أنطاكية أحاطوا به‬
‫وقتلوه‪ ،‬وحلوا رأسه إل الصليبيي‪2‬؛ لتسقط بذلك كل عزية عند الشعب السلم والنود على حد‬
‫سواء‪.‬‬
‫وسادت موجة من الذعر هائلة ف داخل أنطاكية‪ ،‬وانطلق الصليبيون يستبيحون الدينة بعد‬
‫الصار الطويل‪ ،‬وقتل من الرجال والنساء والطفال ما يرج عن حد الحصاء‪ ،‬وسبيت أعداد هائلة‬
‫من النساء والطفال‪ ،3‬وسرعان ما ارتفعت أعلم بوهيموند النورمان على أسوار أنطاكية وأبراجها‪.‬‬
‫لقد كان سقوطًا مروعًا هزّ العال السلمي بأسره‪ ،‬كما هزّ العال السيحي‪.‬‬
‫إنا الدينة القدية الميلة الصينة الت تمل تاريًا إسلميّا مسيحيّا طويلً‪ ،‬ث إنه السقوط‬
‫الروع بعد حصار أكثر من سبعة أشهرٍ متصلة‪ ،‬ث إنا الذبة الائلة الت سقط فيها عشرات اللف‬
‫من السلمي‪!4‬‬
‫وأسرع الصليبيون لدفن الثث التراكمة؛ لئل تنتشر الوبئة ف الدينة فتُهلِك اليش بأكمله‪،‬‬
‫وبدءوا أيضًا ف النتشار ف الصون والبراج‪ ،‬وسيطروا سيطرة كاملة على مداخل الدينة‬
‫ومارجها‪.5‬‬
‫وف هذه الثناء كان كربوغا يتحرك بيشه من الرها بعد أن يَئِس من إسقاطها‪ ،‬ث توقف ف‬
‫مرج دابق على بُعد ‪ 650‬كيلو مترًا تقريبًا من أنطاكية‪ ،‬حيث عقد اجتماعًا مع بعض رءوس‬
‫المارات من المراء واللوك ليكوّن جيشًا كبيًا لنقاذ أنطاكية‪ ،‬وكان جيش كربوغا هذا مرسَلً من‬
‫قِبل بركياروق سلطان السلجقة وأقوى الشخصيات السلجوقية ف ذلك الوقت؛ لذلك أذعن‬
‫لكربوغا عدد كبي من المراء منهم دقاق صاحب دمشق‪ ،‬وأرسلن تتش صاحب سنجار‪ ،‬وجناح‬
‫الدولة أمي حص وغيهم‪ ،‬غي أن رضوان صاحب حلب رفض الروج ف جيش فيه أخوه دقاق‬
‫عدوه اللدود‪!!6‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/417‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/134‬‬
‫‪ 3‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.135‬‬
‫‪ 4‬قدرت الصادر الصليبية عدد السلمي الذين ذبهم الصليبيي ف أنطاكية بعشرة آلف‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Michaud: op. cit., 1, 292.‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/418‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/156‬‬

‫‪85‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وهكذا خرج اليش السلجوقي الكبي إل أنطاكية‪ ،‬ووصل إليها بعد حوال ستة أيام من‬
‫سقوطها‪ ،‬وحاول كربوغا اقتحام الدينة ولكنه فشل لصانتها‪ ،1‬فقام بضرب الصار حولا‪ ،‬لتنقلب‬
‫الية؛ فالصليبيون داخل أنطاكية مصورون‪ ،‬والسلمون من خارجها مُحاصِرون لا! وقد بدأ هذا‬
‫الصار ف ‪ 8‬من يونيو ‪1098‬م‪.2‬‬
‫وعاش الصليبيون معاناة حقيقية‪ ،‬فالدينة كانت قد خلت تقريبًا من الغذاء بعد حصار‬
‫السلمي با مدةَ سبعة أشهر متصلة‪ ،‬وشعر الصليبيون بالندم لقدومهم إل الشرق‪ ،‬وقد صاروا على‬
‫أبواب ماعة مهلكة‪ ،‬وقد اضطروا إل أكل اليتة وورق الشجر‪!3‬‬
‫ماذا يفعل الصليبيون ف هذا الوقف العصيب؟‬
‫لقد فكّر الصليبيون ف الستعانة بالمباطور البيزنطي؛ إنا حياة الصال‪.‬‬
‫إنم يتاجون إليه الن‪ ،‬فل مانع عندهم من التزلف مرة ثانية‪ ،‬والتملق‪ ،‬والنفاق!‬
‫ووجدها المباطور البيزنطي فرصة لمتلك أنطاكية الحبوبة‪ ،‬فخرج بنفسه على رأس‬
‫جيش كبي مترقًا آسيا الصغرى صوب أنطاكية‪ ،‬لكنه ف الطريق وصلته أنباء بكب حجم اليش‬
‫السلجوقي‪ ،‬وبكونه مؤّلفًا من أكثر من إمارة‪ ،‬فخاف على نفسه وسلطانه‪ ،‬وقال‪ :‬إن حاية‬
‫القسطنطينية والبيزنطيي أعظم عنده ألف مرة من حاية أنطاكية والصليبيي‪ .‬فقرر الرجوع فجأة‪،‬‬
‫وعبثًا حاول رسل الصليبيي إثناءه عن رأيه‪ ،‬ولكنهم فشلوا‪!4‬‬
‫إن القضية ليست دينية أبدًا!‬
‫إن كل زعيم من هؤلء ل يهتم إل بلكه وعرشه!‬
‫وساء وضع الصليبيي أكثر؛ وبعد ‪ 4‬أيام فقط من الصار بدأ الصليبيون يتركون مواقعهم‬
‫المامية ف القاومة من الجهاد والتعب‪ ،‬ويتجهون إل البيوت ف داخل الدينة‪ .‬وهذا يوضّح روح‬
‫اليأس والحباط الت سيطرت على الصليبيي‪ ،‬وواجه بوهيموند الوقف بصلبة نادرة‪ .‬إنه يرى حُلمه‬
‫ينهار‪ ،‬ويرى أنطاكية الميلة تضيع من يده بعد كل هذا الهد‪ ،‬بل يرى حياته وحياة جنده على‬
‫مقربة من النهاية‪ ،‬فماذا فعل بوهيموند؟! لقد أحرق الدور والبيوت الداخلية‪ ،‬وذلك ف (‪491‬هـ)‬
‫يوم ‪ 12‬من يونيو ‪1098‬م؛ ليجب النود على تركها والعودة إل مواقعهم المامية‪.5‬‬
‫لقد كان قائدًا من طراز عجيب! ومع ذلك فالقبضة السلمية مكمة حول أنطاكية‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/136‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Cam. Med Hist. : vol. 5 , p. 292.‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/137‬‬
‫‪Runciman, op. cit., 1, p. 238.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Gesta Francorun, pp. 147-148.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, p. 255.‬‬

‫‪86‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكان من المكن أن تكون ناية جيوش الصليبيي بكاملها‪ ،‬لول الحداث الؤسفة الت‬
‫حدثت ف داخل اليش السلمي!! ليتيقن السلمون من القيقة القائلة‪" :‬إن أعداءنا ل يُنصرون علينا‬
‫بقوتم‪ ،‬ولكن بضعفنا!"‪.‬‬
‫ماذا حدث ف اليش السلمي؟!‬
‫لقد شعر كربوغا أن جيشه وإن كان كبيًا إل أن جيوش الصليبيي أكب‪ ،‬ولو حدث وخرج‬
‫الصليبيون للقتال فقد تدور الدائرة على السلمي إن طال الصار‪ ،‬ففكر كربوغا أن أفضل طريقة‬
‫لتقوية اليش السلمي هي إعادة فتح التفاوض مع رضوان بن تتش أمي حلب لينضم إليهم بيشه؛‬
‫فجيش حلب كبي‪ ،‬ورضوان نفسه كفاءة عسكرية معروفة‪ ،‬والهم من ذلك أن حلب مدينة قريبة‬
‫وغنية جدّا‪ ،‬وتستطيع إمداد اليش السلمية بالؤن اللزمة والسلح وأدوات الصار‪ .‬كانت هذه‬
‫فكرة كربوغا‪ ،‬وهي فكرة صائبة ل شك‪ ،‬لكنها ل تصلح مع هذه الزعامات الفارغة‪ .‬إن المر وصل‬
‫إل إثارة قلق دقاق نفسه‪ ،1‬وغضب من كربوغا‪ ،‬وحدث الشقاق واللف ف اليش السلم‪ ،‬وأعلن‬
‫دقاق عن رغبته ف العودة إل دمشق‪ ،‬وخاص ًة أنه كان ياف من توسع العبيديي ف جنوب الشام‪،2‬‬
‫وهذا ‪ -‬ول شك ‪ -‬خلق جوّا من التوتر ف اليش السلمي‪ .‬وأضاف إل هذا التوتر خوف جناح‬
‫الدولة حسي بن ملعب أمي حص من انتقام يوسف بن أبق أمي الرّحبة ومَنْبِج الذي كان مواليًا‬
‫لرضوان‪ ،‬فاعتب جناح الدولة وجوده ف اليش السلمي عداءً لرضوان وحلفائه‪ ،‬ومن ثَ ّم عاش ف‬
‫توتر كبي أثّر ف معنويات اليش بكامله‪.3‬‬
‫لقد ذاق السلمون ثرات الوَحْدة الؤقتة الت حدثت بينهم‪ ،‬وانكمش الصليبيون داخل‬
‫أنطاكية‪ ،‬وكانوا على أبواب اللكة‪ ،‬والن ها هم يتفرقون ليذوقوا ويلت التشتّت والتشرذم! يقول‬
‫تعال‪( :‬وَ َل تَكُونُوا كَاّلذِينَ َت َف ّرقُوا وَاخَْت َلفُوا مِنْ َبعْ ِد مَا جَا َء ُهمُ الَْبيّنَاتُ وَأُولَِئكَ َل ُهمْ َعذَابٌ‬
‫عَظِيمٌ‪.)4‬‬
‫ث زاد الطينة بلة‪ ،‬وعظمت الكارثة بظهور فتنة عنصرية ف اليش‪ ،‬حيث نشأ خلف بي‬
‫العنصر التركي والعنصر العرب ف اليش‪ ،‬وكان على رأس التراك كربوغا قائد اليوش وأمي‬
‫الوصل‪ ،‬وكان على رأس العرب أمي اسه وثاب بن ممود الرداسي‪ ،‬وثارت فتنة زكّاها رضوان من‬
‫بعيدٍ برسائله الحفزة للتركمان ضد العرب‪ !5‬يقول رسول ال ‪:‬‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/136‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Runciman, op. cit., 1, p. 249.‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/136‬‬
‫‪( 4‬آل عمران‪.)150 :‬‬
‫‪ 5‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/136‬‬

‫‪87‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫خ َرهَا بِالبَاءِ‪ُ ،‬مؤْمِنٌ َتقِ ّى َوفَا ِجرٌ َشقِىّ‪،‬‬


‫َقدْ َأ ْذ َهبَ عَنْ ُكمْ عُبّّيةَ اْلجَا ِهلِّيةِ َوفَ ْ‬ ‫"إِنّ ال ّل َه‬
‫خ َرهُمْ ِبرِجَالٍ َأ ْو لَيَكُونَ ّن َأ ْهوَنَ ِع ْندَ ال ّل ِه مِنْ‬
‫وَالنّاسُ َبنُو آ َدمَ وَآ َدمُ مِنْ ُترَابٍ‪َ ،‬ليَنَْتهِيَنّ َأ ْقوَا ٌم فَ ْ‬
‫جعْلَنِ الّتِى َت ْدفَعُ ِبأَْن ِفهَا النّتَنَ"‪.1‬‬
‫ِعدِّت ِه ْم مِنَ الْ ِ‬

‫كان هذا هو الوضع ف اليش السلمي!‬


‫ونعود إل داخل أسوار أنطاكية؛ لقد شعر بوهيموند ‪ -‬رغم عناده وإصراره ‪ -‬بقرب‬
‫النهاية‪ ,‬فأرسل ف يوم ‪ 27‬من يونيو ‪1098‬م ‪ -‬بعد تسعة عشر يومًا من الصار ‪ -‬سفارة إل‬
‫كربوغا من رجلي أحدها بطرس الناسك‪ ،‬يعرض عليه فك الصار وتأمي اليوش ف سبيل‬
‫رحيلها‪ .2‬وعلى الرغم من التفكك الذي كان ف جيش كربوغا إل أنه خاف أولً من خيانة‬
‫بوهيموند وهي خيانة متوقعة‪ ،‬ث إنه شعر بضعف الصليبيي فطمع ف القضاء عليهم تامًا ف معركة‬
‫فاصلة‪ .‬ويبدو أنه ل يقدر مدى الضعف الذي يسيطر على جنود اليوش السلمية وقادتا‪ .‬وهكذا‬
‫رفض كربوغا السفارة‪ ،‬ومن ثَمّ ل يعد أمام بوهيموند إل قرار الرب‪ ،‬والرب السريعة قبل أن‬
‫يهلك اليش الصليب من الوع‪.‬‬
‫نظر بوهيموند ف جيشه فوجد حالتهم النفسية ف الضيض‪ ،‬فأراد أن يرفع من معنوياتم‪،‬‬
‫ويرسخ عندهم مفهوم النصر الكيد ف العركة القادمة‪ ،‬فماذا فعل؟!‬
‫لقد أشاع بواسطة كاهن من أهل مرسليا اسه بطرس برتولون أن القديس أندراوس الرسول‬
‫ظهر لذا الكاهن ف اللم ثلث مرات ليدله على مكان ف كنيسة القديس بطرس بأنطاكية‪ ،‬دفنت‬
‫فيه الربة الت طعن با السيح عليه السلم‪ ،‬وأنم إذا حفروا ووجدوا الربة فإنم يملونا أمام‬
‫جيوشهم‪ ،‬وهذا اليش يتحقق له النصر ل مالة!‬
‫ث كان من بوهيموند أن أمر الكاهن وبعض الرهبان بالفر للبحث عن الربة الزعومة‪ ،‬ث‬
‫لفْر‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن هذه معجزة‪ ،‬وإن هذا اليش منصورٌ‪!3‬‬‫أخرجوا حربة من ا َ‬
‫وبالطبع فإن هذه قصة لفّقها بوهيموند وأتباعه لتحميس جيشه‪ ،‬ول ُي ِقرّ عامة الؤرخي‬
‫بصدق هذه الادثة‪ ،‬ول غرابة فهؤلء القساوسة الذين لفّقوا الكاية يكتبون الكتاب بأيديهم ث‬

‫‪ 1‬أبو داود‪ :‬كتاب الدب‪ ،‬باب ف التفاخر بالحساب (‪ ،)5116‬وأحد (‪ ،)8721‬والبيهقي ف سنه الكبى (‪ ،)20851‬وقال‬
‫اللبان‪ :‬حديث حسن (‪ )1787‬انظر‪ :‬صحيح الامع‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Chalandon: Premiere Croisade, p. 220.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/16،15‬وزابوراف‪ :‬الصليبيون ف الشرق ص ‪،107:93‬‬
‫‪Raymond d`Aguiler, in Peters (ed.), The First Crusades, pp. 166-168, 174-175, 178-185, 189-194.‬‬

‫‪88‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫يقولون هذا من عند ال‪ .‬وعندنا ف عقيدتنا يقيٌ أن السيح عليه السلم ل يُقتل أصلً‪ ،‬يقول تعال‪:‬‬
‫صلَبُو ُه وَلَكِنْ شُّبهَ َل ُهمْ)‪.1‬‬
‫( َومَا قََتلُوهُ َومَا َ‬
‫فهذه الربة ‪ -‬ول شك ‪ِ -‬فرْية أرادوا با رفع معنويات القاتلي الصليبيي‪ ،‬وقد تقق لم‬
‫مرادهم‪ ،‬وعادت لكثيٍ من الند الماسة‪ ،‬وقرروا الروج من اليوم التال مباشرة لرب السلمي‪.‬‬
‫وف صبيحة اليوم التال ‪ 28‬من يونيو ‪1098‬م بدأ الصليبيون ف الروج من الدينة للقتال‪،‬‬
‫وأشار السلمون على كربوغا أن يبدأ ف قتالم قبل أن يكتمل خروجهم‪ ،‬إذ كانوا يرجون ف‬
‫جاعات صغية‪ ،‬غي أنه رفض وأصرّ على اكتمال خروجهم ث يبدأ بقتالم؛ يقول بعض الؤرخي‪:‬‬
‫إن هذا ضيّع عليه فرصة قتالم منفردين‪ .‬ولكن يبدو أنه كان يريد خروجهم بالكامل حت ل يبقى‬
‫أحد منهم بداخل الدينة متحصنًا‪ ،‬فخشي إن قاتل الماعات الصغية الت ترج أن يتنع بقية اليش‬
‫من الروج‪ ،2‬ومن الواضح أن كربوغا كانت تلؤُه الثقة بالنفس والعتزاز بالعداد الت معه‪ ،‬وأغراه‬
‫حالة البؤس الت كانت عليها اليوش الصليبية بعد الصار الطويل‪ ،‬وأيضًا طلبهم منه أن يرفع‬
‫الصار‪ .‬كل ذلك أدى إل تركه لم حت اكتمل عددهم‪ ،‬ورتبوا صفوفهم تت قيادة كل زعمائهم‪،‬‬
‫وكان ريون الرابع يتقدمهم وهو رافع للحربة الزعومة‪.‬‬
‫ودارت معركة شرسة جدّا أمام أسوار أنطاكية‪ ،‬وكانت الغلبة ف البداية للمسلمي‪ ،‬لكنّ‬
‫الصليبيي كانوا يقاتلون قتال حياة أو موت‪ ،‬وعلى العكس كان السلمون يقاتلون للحفاظ على‬
‫ملكهم وثرواتم‪ ،‬ومَن قاتل على هذه النوايا فهو ل يريد أن يوت‪ ،‬وهي نوايا ل تصلح أبدًا ليش‬
‫مسلم يريد النتصار‪ .‬وما أعظم ما قاله رسول ال وهو يفز جيشه ليلة بدر على القتال ف صبيحة‬
‫اليوم التال! فكان يقول لم‪" :‬وَاّلذِي َن ْفسُ مُحَ ّمدٍ بَِي ِدهِ لَ ُيقَاِت ُل ُهمْ الَْي ْومَ رَجُ ٌل فَُيقْتَلُ صَاِبرًا‬
‫مُحْتَسِبًا‪ُ ،‬مقْبِلً َغ ْيرَ ُمدِْبرٍ إ ّل َأدْ َخلَهُ ال ّلهُ الْجَّنةَ"‪.3‬‬
‫إنه ف هذا الوقف ل يشجعهم على الفاظ على حياتم‪ ،‬لكن يشجعهم على بذلا ف سبيل‬
‫ال‪ ،‬ول يعل ههم غنائم العدو أو بلده‪ ،‬ولو كانت هذه البلد هي مكة الكرمة‪ ،‬ولكن يعل ههم‬
‫دخول النة‪ .‬وشتّان بي كل ما رأيناه من رسول ال ف ليلة بدر‪ ،‬وما حدث ف يوم ‪ 28‬من يونيو‬
‫‪1098‬م؛ إذ ما لبث الزعماء السلمون أن تزعزعوا‪ ،‬وبدأ كل منهم ياول النّأْي بنفسه وجيشه‪،‬‬
‫وكان من أوائل الذين فروا التركمان با فيهم دقاق ملك دمشق‪ ،‬وثبت جناح الدولة فترة ث أسرع‬

‫‪( 1‬النساء‪.)157 :‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/137‬‬
‫‪ 3‬ابن هشام‪ :‬السية النبوية ‪ ،627 /1‬ابن سيد الناس‪ :‬عيون الثر ‪ ،338 /1‬ابن كثي‪ :‬السية النبوية ‪ ،420 /2‬السهيلي‪ :‬الروض‬
‫النف ‪.71 /3‬‬

‫‪89‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بالفرار هو الخر‪ ،‬ث فرّ ف النهاية كربوغا نفسه‪ ،1‬وأسرع السلمون ف كل اتاه‪ ،‬وكانت الوامر‬
‫من قادة الصليبيي أل يلتفت اليش إل السلب والغنائم وإنا يتتبعون السلمي‪ ،‬وهكذا تت‬
‫مطاردة شرسة لسافة ثلثة كيلو مترات شرق أنطاكية حت حصن حارم‪( 2‬صورة ‪ ،)1‬قُتل فيها عدد‬
‫كبي من السلمي‪ ،‬ث عاد الصليبيون ليجمعوا ما ل يصى من الغنائم والؤن والسلح‪ ،‬ووصل‬
‫كربوغا ف فراره إل الوصل‪ ،‬وكذلك دقاق إل دمشق‪.‬‬
‫لقد كانت مأساة حقيقية لذا التجمّع السلمي!‬
‫وما أشد الشّبه بي هذه التجمعات الفاشلة الت رأيناها‪ ،‬وبي تمع اليوش العربية لرب‬
‫اليهود ف سنة (‪1367‬هـ) ‪1948‬م ف فلسطي‪ ،‬فاليوش ل ترج ل‪ ،‬ول ترج لتكون كلمة ال‬
‫هي العليا‪ ،‬ول تعرف قرآنًا ول سنة‪ ،‬إنا خرجت لذ ّر الرماد ف العيون‪ ،‬أو للحفاظ على مُلك بائدٍ‪،‬‬
‫أو لخذ نصيب من الرض‪ ،‬ومَن كانت هذه نواياه فل يتحقق له نصر أبدًا‪.‬‬
‫ولنا ف التاريخ عبة!‬
‫صارت أنطاكية بذلك مدينة صليبية‪ ،‬ويَئِس السلمون آنذاك من تريرها‪ ،‬لكن الصليبيي‬
‫وجدوا أنفسهم أمام عدة مشاكل ضخمة ف أنطاكية‪ ،‬منعتهم من التقدم مباشرة صوب بيت القدس‪،‬‬
‫الذي كان الدف الول من هذه الملة‪.‬‬
‫‪ -1‬فمن الشاكل الضخمة الت واجهت الصليبيي هو تناقص عددهم بصورة ميفة؛ فلقد‬
‫واجهوا السلجقة منذ لظة نزولم ف آسيا الصغرى‪ ،‬ومنذ موقعة نيقية ف (‪490‬هـ) مايو‬
‫‪1097‬م ‪ -‬أي أكثر من سنة ‪ -‬ف عدة معارك‪ ،‬وقُتل من الصليبيي عدد كبي‪ ،‬ث إن الكثي منهم‬
‫ف أو ماء‪ ،‬وهلك منهم عدد آخر ف الصار‬ ‫هلكوا ف السافات الكبية الت قطعوها دون غذاء كا ٍ‬
‫الطويل لدينة أنطاكية‪ ،‬سواء ف الرحلة الول الت حاصروا فيها السلمي‪ ،‬أو ف الرحلة الثانية الت‬
‫حاصرهم السلمون داخل الدينة‪ ،‬ث هلك منهم عدد آخر ف الوقعة الخية ضد كربوغا‪ ،‬وأخيًا‬
‫هلك عدد ضخم ف الوبئة الت انتشرت ف أنطاكية نتيجة كثرة القتلى‪.‬‬
‫لقد تناقصت بشدة أعداد الصليبيي إل الدرجة الت صعب معها السيطرة على كل البراج‬
‫ف السوار الطويلة لنطاكية‪ ،3‬فكيف بإعداد العدة للزحف نو بيت القدس‪ ،‬هذا فضلً عن أن الذي‬
‫بقي من الصليبيي يعان من العياء والجهاد الشديد‪ ،‬ول َي ْقوَى على قطع السافة الكبية من‬
‫أنطاكية إل بيت القدس (‪ 600‬كيلو متر تقريبًا)‪ ،‬فضلً عن أنم قد يقاتلون هناك الدولة العبيدية‬
‫بكل مقدرات اليش الصري آنذاك‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/16‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Gesta Francorum, p. 159.‬‬
‫‪ 3‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/173‬‬

‫‪90‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫هذه الزمة الكبية جعلتهم يفترون عن الزحف إل بيت القدس‪ ،‬ول يكن هذا الفتور ليام‬
‫معدودات‪ ،‬إنا استمر ستة أشهر كاملة‪.1‬‬
‫‪ -2‬وهذه الزمة أيضًا دفعتهم إل عدم القدرة على إعلن العصيان الباشر للدولة البيزنطية‪،‬‬
‫فهم مع كونم من البداية يكرهون المباطور البيزنطي التسلط عليهم بقرارته والخالف لم ف‬
‫العقيدة‪ ،‬ومع كونم يشعرون أنه ل يشارك معهم بدية ف حصار أنطاكية‪ ،‬ومع كونم ينقون عليه‬
‫أشد النق لعدم ندتم ف حربم ضد كربوغا ف (‪491‬هـ) يونيو سنة ‪1098‬م‪ ،‬إل أنم يدركون‬
‫أنم قد يتاجون إل إمكانيات الدولة البيزنطية ف أي لظة‪ ،2‬وهذا الشعور جعلهم يتحفظون ف‬
‫التعامل مع مشكلة أخرى كبية قابلتهم بعد إسقاط أنطاكية‪ ،‬وهي اكتشافهم أن بداخلها أعدادًا‬
‫كبية من النصارى الرثوذكس‪ ،‬وكان الصليبيون ل يثقون بم‪ ،‬ويعرفون أنم يدينون بالولء للدولة‬
‫البيزنطية قلبًا وقالبًا‪ ،‬ومع ذلك فإن الصليبيي ما استطاعوا أن يعلنوا هذه الخاوف‪ ،3‬بل إنم عظموا‬
‫جدّا من شأن بطريرك الرثوذكس حنا الرابع‪ ،‬ووضعوه على رأس كنيسة أنطاكية‪ ،‬ول يعزلوا‬
‫القساوسة الرثوذكس من أماكنهم‪ ،‬واكتفوا بوضع قساوسة كاثوليك على بعض الكنائس الشاغرة‪،4‬‬
‫وكل هذا كنوع من التقارب مع الدولة البيزنطية‪ ،‬وشراء ودّها إل اللحظات الخية‪.‬‬
‫‪ -3‬وكان من الشاكل الضخمة الت واجهتهم أيضًا خلوّ مازن الدينة من الغلل والؤن‬
‫على عكس ما توقع الصليبيون‪ ،5‬فطول مدة الصار وانشغال الناس ف الرب ضيّع ثروات البلد‪ ،‬ول‬
‫يبق شيء يعتمد عليه ف مازنا‪ .‬وعلى هذا ففي اليام القادمة ل بد أن يدبر اليش الصليب حاله‪ ،‬إما‬
‫عن طريق المدادات الارجية من أوربا أو الدولة البيزنطية‪ ،‬وإما عن طريق الغارة على الدن‬
‫والقرى الجاورة‪ ،‬وإل سيقع اليش ف أزمة اقتصادية طاحنة‪.‬‬
‫غي أن أعظم الشاكل الت واجهت الصليبيي‪ ،‬هي مشكلة من الذي يب أن يكم‬
‫أنطاكية‪6‬؟!‬
‫فبوهيموند كما وضحنا كان يعل هذه قضية مصيية ف حربه من البداية‪ ،‬وما خرج هذا‬
‫الدف من ذهنه منذ غادر إيطاليا‪ ،‬وحت اللحظة الت دخل فيها أنطاكية‪ ،‬واشترط بوضوح على‬
‫زعماء الملة الصليبية أن يعلوا أنطاكية خالصة له إذا بقي معهم للقتال‪.7‬‬
‫هذه كانت أحلم بوهيموند!!‬

‫‪1‬‬
‫‪Gesta Francorum, p. 74-82; William of Tyre I, pp. 298-315.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Brehir, op. cit., 314.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman: op. cit., 1, p. 236.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 433.‬‬
‫‪ 5‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/174‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cam. Med. Hist. vol 2, pp. 294-295.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Chalandon: Alexis Comnene, p. 201 & Premiere Croisade p. 193.‬‬

‫‪91‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهل كانت هي الحلم الوحيدة ف القصة؟!‬


‫لقد نازعه ف حلمه هذا زعيم صليب آخر ف غاية الطموح هو ريون الرابع كونت تولوز‪،‬‬
‫فهذا الزعيم ‪ -‬وإن كان ف بادئ القصة يتظاهر بالتدين والورع واتّباع رأي البابا‪ ،‬وإعلن أنه ل‬
‫يستطيع أن يقسم بالتبعية لمباطور بيزنطة لنه يتبع السيح! وحله للحربة الزعومة أمام اليش‬
‫الصليب ‪ -‬أظهر عند سقوط أنطاكية مشاعر متلفة تامًا! لقد ثار ريون الرابع على بوهيموند‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ل زائدًا عن بقية الزعماء‪ ،‬وتنكّر لواقفه السابقة بإعطاء أنطاكية لبوهيموند حال‬ ‫إنه ل يستحق فض ً‬
‫سقوطها‪ .‬ول يكن اعتراض ريون باللسان فقط‪ ،‬ولكن كان بالسلح أيضًا! إذ أخذ جيشه وسيطر‬
‫على بعض البراج والبواب‪ ،‬ورفض التسليم لبوهيموند‪ ،‬واشتعل الدال ف أنطاكية بي مؤيد‬
‫ومعارض‪.1‬‬
‫ول يكن ريون هو الوحيد الذي ينازع بوهيموند إمارة أنطاكية‪ ،‬فهناك المباطور البيزنطي‬
‫الذي يد أنطاكية حقّا دينيّا وتارييّا وجغرافيّا للدولة البيزنطية‪ ،‬وفوق ذلك فهناك اتفاقية‬
‫القسطنطينية الت عقدت سنة ‪1097‬م‪ ،‬وتقضي بتسليم الدن البيزنطية القدية وعلى رأسها أنطاكية‬
‫للدولة البيزنطية‪.2‬‬
‫فلمن يكون حكم أنطاكية؟!‬
‫إن هذا الصراع ليدلنا بأقوى الدلة أن هؤلء الزعماء ما خرجوا خدمة للدين ول حاية‬
‫للصليب‪ ،‬ول طمعًا ف إرضاء السيح عليه السلم‪ .‬إننا رأينا من الميع ‪ -‬تقريبًا ‪ -‬رغبة حيمة ف‬
‫تقيق الجد الشخصي‪ ،‬بصرف النظر عن الواجب الدين الذي خرجوا من أجله‪.‬‬
‫فهاهو المباطور البيزنطي الذي طلب النجدة من البابا وصوّر حال الجيج النصارى‬
‫بشكل بائس‪ ،‬ها هو ل يمل هّا سوى توسيع سيطرته على الدن الت أخذها السلجقة قبل ذلك‪،‬‬
‫وعند أول اختبار حقيقي لشجاعته وت ّردِه أثناء حصار أنطاكية إذا به يتقاعس‪ ،‬ويرفض القدوم تاركًا‬
‫الملة الصليبية تواجه مصيها‪ ،‬مع أنا من الفترض أنا جاءت لساعدته!‬
‫وها هو بلدوين ينعزل عن اليش ويقنع بإمارة الرها‪ ،‬ول يفكر ف إكمال الرحلة إل بيت‬
‫القدس!‬
‫وها هو بوهيموند يقنع كذلك بإمارة أنطاكية‪ ،‬ويتحايل على الميع لكي يضمن لنفسه‬
‫ملكًا‪ ،‬بصرف النظر عن قضية القدس‪ ،‬وبصرف النظر عن حقوق غيه وأطماعهم!‬
‫وها هو بطرس الناسك يهرب من حصار أنطاكية الصعب‪ ،‬ويبه تانكرد على الرجوع‬
‫ذليلً مهينًا!‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 274.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Chalandon: Alexis Comnene, p. 201 & Premiere Croisade p. 203-205.‬‬

‫‪92‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وها هو تانكرد من قبل يتصارع مع بلدوين على طرسوس حت رفعوا السلح على بعضهم‬
‫البعض!‬
‫وها هو كذلك ستيفن دي بلوا يترك المل با حل‪ ،‬ويأخذ جيشه ويقفل عائدًا إل فرنسا‬
‫ف اللحظات الخية من الصار‪ ،‬عندما أدرك أن أحلمه ف اللك تبددت!‬
‫إن جيع الحتلي يرفعون شعارات برّاقة خادعة للسيطرة على عقول شعوبم وجيوشهم‪،‬‬
‫وأيضًا لتخدير الشعوب الحتلة وتسكيتها؛ فهذا يقاتل من أجل السيح‪ ،‬وذاك يدافع عن الجيج‪،‬‬
‫وهؤلء يريدون استقرار الديوقراطية‪ ،‬وأولئك يدافعون عن حقوق النسان‪.‬‬
‫وهكذا تبدو حروبم من أجل الفضيلة‪ ،‬والصل أنا ل لشيء إل للماد الشخصية‬
‫والطماع الذاتية!‬
‫ماذا يفعل الزعماء الصليبيون إزاء هذه الشكلة العظمى؟!‬
‫لقد عقد الزعماء الصليبيون اجتماعًا مهمّا ف أوائل يوليو ‪1098‬م يقررون فيه مصيهم‬
‫ومصي أنطاكية ومصي بيت القدس‪ .‬إن طاقتهم الن هزيلة عن بلوغ بيت القدس‪ ،‬وخاصةً أنم‬
‫سيحاربون هناك جيشًا مستريًا مستقرّا‪ ،‬وهم ل غن لم عن الدولة البيزنطية ف هذه العركة القادمة‪،‬‬
‫ومن ثَمّ فهم سوف يطلبون طلبًا صريًا من المباطور البيزنطي أن يساندهم ف هذا الشروع‪ ،‬لكن‬
‫المباطور البيزنطي لن يقبل بالساعدة إل إذا أخذ أنطاكية‪ ،‬ومن هنا اتفق الزعماء با فيهم بوهيموند‬
‫وريون على تسليم أنطاكية إل المباطور البيزنطي‪ ،‬بشرط أن يأت بنفسه على رأس جيش كبي‬
‫يشاركهم ف احتلل بيت القدس‪ .‬ول يستطع بوهيموند أن يعترض ف هذا التوقيت؛ لنه كان يعلم‬
‫أن قوتم قاصرة عن إتام هذه الهمة وهم ف هذه الالة الواهنة‪ ،‬وعلى ذلك فإذا جاء المباطور‬
‫البيزنطي فسوف يساعدهم ف تقيق أحلم أوسع‪ ،‬وإذا ل يأتِ ل يسلموا له أنطاكية‪ ،‬وعندها‬
‫‪1‬‬
‫يفتحون ملف أنطاكية من جديد ليوا من أحق الزعماء با‪.‬‬
‫استقر على ذلك المراء الصليبيون‪ ،‬وأرسلوا رسالة إل المباطور البيزنطي يطلبون منه فيها‬
‫أن يأت لتسلّم أنطاكية بشرط الساعدة ف احتلل بيت القدس‪.‬‬
‫ماذا كان ردّ فعل المباطور البيزنطي لذه الرسالة؟!‬
‫لقد كان المباطور ألكسيوس كومني نفعيّا إل أقصى درجة‪ ،‬فهو يريد أن ين ثار دون‬
‫تضحية‪ ،‬ث إنه كان خبيثًا يريد أن يسك بكل أطراف اللعبة ف يده‪ ،‬وليس عنده مانع أن يتحالف مع‬
‫عدو أو أن يون صديقًا!‬
‫لقد أراد المباطور أن يستغل اليش الصليب ف كسر القاومة السلمية دون أن يعطيهم‬
‫شيئًا‪ ،‬وقد َخبُرهم ف آسيا الصغرى‪ ،‬ورأى أنم سلموه كل الدن‪ ،‬وهم وإن كانوا يطمعون ف‬
‫‪1‬‬
‫‪Gesta francorum, p. 161, Guillaume de Tyr, p. 277.‬‬

‫‪93‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أنطاكية الن فإنم لن يستطيعوا الصمود طويلً بعيدًا عن بلدهم‪ .‬إنه أراد أن يستنفزهم لقصى‬
‫درجة‪ ،‬فيقتلون السلمي ويقتلهم السلمون‪ ،‬حت إذا خلت النطقة من القوياء تقدم المباطور‬
‫ليتسلم كل الياث بهد يس ٍي أو دون جهد!‬
‫إنا خطة خبيثة تقوم با الكثي من الدول الستعمارية ذات البة الطويلة ف الؤمرات‬
‫والكائد! إنا تدفع فريقًا ليحارب فريقًا آخر‪ ،‬وقد تدل كل فريق على عورات الخر‪ ،‬حت إذا فنيت‬
‫القوتان دخلت هي لتجمع كل الثمرات‪.‬‬
‫ومن هنا فكر المباطور أن يتريث ف المور‪ ،‬ول يرفض رفضًا باتّا؛ لكي ل يوغر صدور‬
‫الصليبيي‪ ،‬ول يقدم قدومًا سريعًا فيوغر صدور العبيديي السيطرين على بيت القدس الن؛ ولذلك‬
‫فقد قرر المباطور أن يتجاهل الرد على الرسالة حت ير بعض الوقت‪ ،‬وتزداد الزمة اشتعالً‪!1‬‬
‫من جانب الصليبيي فقد وجدوا أن المباطور ل يرد طلبهم‪ ،‬وهم ل يستطيعون البقاء فترة‬
‫طويلة دون النتهاء من مهتمهم؛ ولذلك قرروا تديد موعد لغزو بيت القدس بصرف النظر عن‬
‫موافقة المباطور‪ ،‬وكان هذا الوعد ف (‪491‬هـ) نوفمب ‪1098‬م‪ ،‬بعد أن تف درجة الرارة‪.2‬‬
‫أما المباطور البيزنطي ألكسيوس كومني فلم يكتف باللعب بزعماء الصليبيي‪ ،‬ولكن أراد‬
‫أن يتعامل مع الهة الخرى أيضًا‪ ،‬فتراسل مع العبيديي بصر وهو يعرض عليهم صورة من صور‬
‫التعاون! ولكن لسوء حظّه وقعت رسالته إل العبيديي ف قبضة الصليبيي‪ ،‬فأدركوا أنه يلعب بم‪.3‬‬
‫هنا قرّر زعماء الملة الصليبية أن يرجوا بفردهم إل بيت القدس ولكن بعد الستعداد‬
‫الكاف عن طريق جع الؤن‪ ،‬وتثبيت القدام ف أنطاكية وما حولا؛ ولذلك أمضى زعماء الصليبيي‬
‫شهري أغسطس وأكتوبر ف بعض الملت ف الناطق الحيطة بأنطاكية‪ ،4‬وف هذه الثناء كان‬
‫بوهيموند ياول أن يظهر دائمًا ف صورة أمي أنطاكية الوحد‪.5‬‬
‫وف يوم ‪ 5‬من نوفمب ‪1098‬م عقد الصليبيون اجتماعًا قرروا فيه الزحف صوب بيت‬
‫القدس‪ .6‬ومن جديدٍ برزت مشكلة إمارة أنطاكية‪ ،‬وتنازع الزعيمان بوهيموند وريون المرَ‪ ،‬وأعلن‬
‫بوهيموند العصيان الباشر على إمباطور الدولة البيزنطية‪ ،‬وأكد ذلك بعزل حنا الرابع من الكنيسة‬
‫الرثوذكسية؛ ليصبح بذلك أميًا لنطاكية وغي متقيد مطلقًا بالقسطنطينية‪ ،7‬غي أن المي ريون‬
‫وجد أنه لكي يستول على أنطاكية فإنه يب أن يوال المباطور ألكسيوس كومني ليتغلب على‬
‫بوهيموند‪ ،‬وهكذا أدت الصال إل اختلف الولءات اختلفًا بيّنًا!! فهذا بوهيموند الذي كان أقرب‬
‫‪1‬‬
‫‪Grousset: Alexis Comnene, pp. 204-205.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 250.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Chalandon: Alexis Comnene, p. 207.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cam. Med Hist vol. 5, p. 295. and Michaud: op. cit., 1, p. 333& Gesta Fran- corum pp. 162-165.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Heyd: op. cit., Tome 1, p. 134.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Michaud, op. cit., pp. 346-347.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Coisades 1, p. 250.‬‬

‫‪94‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الصدقاء إل المباطور البيزنطي يعلن العصيان ليتملك أنطاكية‪ ،‬ناسيًا يينه الذي أقسمه بالتبعية‬
‫للمباطور‪ ،‬وهذا ريون الذي رفض أن يقسم بالتبعية للمباطور يعلن أنه يقف إل جواره‪!!1‬‬
‫وتعالت الصوات‪ ،‬وكاد السلح يعلو أيضًا بي الزعيمي الصليبيي!‬
‫واستاء بقية الزعماء جدّا وأيضًا الند‪ ،‬وحدثت ثورة عجيبة ف أنطاكية‪ ،‬حيث قرر الزعماء‬
‫والند معهم أن يهدموا أسوار أنطاكية إذا ل يكفّ الزعيمان عن حربما‪ ،‬وساعتها سيتركونم‬
‫مكشوفي للبيزنطيي والسلمي على حدّ سواء‪ ،‬وسوف يتجه اليش بكامله إل بيت القدس‪.2‬‬
‫هنا شعر بوهيموند وريون بالوف الشديد أن ينفذ الصليبيون تديدهم‪ ،‬فجلسوا ف هدوء‬
‫ل للموضوع‪ ،‬ولكي يقطعوا الوقت ويشغلوا الناس حت الوصول إل حلّ قرروا الروج‬ ‫ليبحثوا ح ّ‬
‫جيعًا ف حلة إل معرة النعمان‪ ،‬وهي إل النوب الشرقي من أنطاكية‪ ،‬وهي من أعمال اللب‪،3‬‬
‫وحاصرها الصليبيون بالفعل‪ ،‬واستعانت أهلها برضوان ملك حلب إل أنه ل يعرهم اهتمامًا يذكر‪،4‬‬
‫وكان أن استسلمت الدينة ف (‪492‬هـ) ‪ 11‬من ديسمب ‪1098‬م للصليبيي بعد أن أعطوهم‬
‫المان‪ ،5‬لكن ‪ -‬للسف ‪ -‬بعد سقوط الدينة ل يلتزم الصليبيون بعهدهم‪ ،‬وأجروا فيها مذبة‬
‫عظيمة‪ ،‬وسلبوا كل شيء‪ ،‬وأحرقوا الدينة عن آخرها‪.6‬‬
‫ث تنافس المراء من جديد ف قضية الناع بي بوهيموند وريون‪ ،‬ووجد ريون أن عامة‬
‫المراء يرجحون كفة بوهيموند‪ ،7‬فآثر أن يرج بشيء‪ ،‬فعرض أن يقود الملة الصليبية إل بيت‬
‫القدس‪ ،‬ويصبح هو بذلك القائد العلى‪ ،‬فوافق المراء لتحل الشكلة‪ ،‬ويبقى بذلك بوهيموند أميًا‬
‫على أنطاكية‪ .‬وهكذا فضّل بوهيموند أن يتخلف عن حلة بيت القدس‪ ،‬ناسيًا قصة الجيج ليقنع‬
‫بإمارته الت كانت حلمًا قديًا له‪!!8‬‬
‫ولبس ريون ملبس الجاج‪ ،‬وخرج حاف القدمي يقود اليوش ف رحلة دينية لحتلل‬
‫بيت القدس‪ ،9‬وكان ذلك ف (‪492‬هـ) ‪ 13‬من يناير ‪1099‬م‪ ،‬بعد أكثر من سبعة أشهر من‬
‫سقوط أنطاكية‪ ،‬وقد حاول أن يقنع الميع أنه يتحرك إرضاءً للمسيح‪ ،‬ولكن من الواضح أن تثيليته‬
‫أصبحت مكشوفة‪ ،‬وهكذا كل التمثيليات لمثال هؤلء النفعيي من الزعماء!!‬

‫‪1‬‬
‫‪Brehir:op. cit. p. 314.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gesta Francoum, p. 171.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Stevensos: op. cit; p. 30.‬‬
‫‪ 4‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/142،141‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Albert d`Aix p. 268 & Gesta Francocrum p. 175.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Chalandon: Premire Croisde, p. 249.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Gesta Francocrum p. 279.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Michaud, op cit. 1, pp. 345-347.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Mayer, The Crusades, pp. 58-59.‬‬

‫‪95‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الطريق إل بيت القدس‬

‫ف يوم ‪ 13‬من يناير ‪1099‬م (‪492‬هـ) ترّكت اليوش الصليبية ناحية الدف الرئيسي‬
‫الت خرجت من أجله وهو احتلل بيت القدس‪ ،‬وتفاوتت الروايات ف تقدير عدد اليش الصليب‬
‫الذي خرج من أنطاكية وما حولا لغزو فلسطي‪ ،‬فالقلّل يصل إل ستة آلف مقاتل فقط‪ ،1‬والكثّر‬
‫يصل به إل ثاني ألفًا من الصليبيي‪ ،‬وهو ف الالتي بعيدٌ جدّا عن الرقام الت عرَفناها عند نزولم‬
‫أرض السلم؛ إذ كان النود ف أقلّ تقدير ثلثائة ألف مقاتل‪.‬‬
‫وهذا النقص الادّ ف العدوّ إنا كان للمعارك التتالية‪ ،‬وللموت أثناء النتقال والصار‬
‫وفترات الوع الطويلة‪ ،‬وكذلك لنفصال جيش بلدوين ف الرها وبوهيموند ف أنطاكية‪ ،‬ولترك‬
‫حامية صليبية ف كل مدينة يتلونا بدءًا من نيقية وانتها ًء بعرّة النعمان جنوب أنطاكية؛ غي أنّي‬
‫ُأرَجّح أن اليش كان ف حدود ثاني ألفًا أو نوها؛ لن السافة الت اخترقها اليش داخل أراضي‬
‫سوريا ولبنان وفلسطي كبية يصعب فيها أن يتحرّك ستة آلف جندي فقط دون حاية‪ ،‬كما أنه لو‬
‫ل يتبقّ من الثلثائة ألف إل ستة آلف فقط لكان قرارهم ‪ -‬دون أدن شكّ ‪ -‬هو الرجوع إل أوربا‬
‫والنجاة بالنفس‪ ،‬فضلً عن أن معظم العارك الت اشترك فيها الصليبيون كان النصر حليفهم‪ ،‬ول‬
‫نسمع عن قتلى بذه العداد الضخمة‪ ،‬سواء ف صفّهم أو ف صف السلمي الهزومي‪.‬‬
‫ترّكت اليوش بقيادة ريون الرابع‪ ،‬وهو وإن كان يرتدي ملبس الُجّاج وُيعْلِن خدمة‬
‫الربّ إلّ أنه كان ف منتهى الغيظ والنق لعدم حصوله على إمارة حت هذه اللحظة كزميليه بلدوين‬
‫وبوهيموند‪ ،‬وهذا أّثرَ ف قراراته كما سيَتبَيّن لنا من رحلته للقدس‪.‬‬
‫سار الصليبيون جنوبًا‪ ،‬وهم يقتربون من الساحل أحيانًا‪ ،‬ويتعمّقون ف الداخل أحيانًا أخرى‪،‬‬
‫وكانوا ف طريقهم يرّون بدن إسلمية صرفة‪ ،‬ومع ذلك فقد كان ردّ فعل هذه الدن ف منتهى‬
‫الزي!‬
‫لكّام والهال ف هذه الدن بتقدي الدايا الثمينة والؤن‪ ،‬بل والدِلّة للجيش‬ ‫لقد أسرع ا ُ‬
‫الصليب ُبغْيَة الصول على رضاه‪ ،‬وتنّب وحشيته‪ ،2‬وكانت أخبار مذبت أنطاكية ومعرّة النعمان قد‬
‫وصلت إل مكانٍ‪ ،‬ففعلت فعلها ف إرهاب الشعوب حت تفقد كلّ أمل ف القاومة‪ ،‬ويصبح كلّ‬
‫هّها البحث عن لظات حياة أطول‪ ،‬ولو كانت هذه اللحظات تعيسة أو َمهِينَة‪ ،‬تامًا كما فعلت‬

‫‪1‬‬
‫‪Chalandon: Premiere Croisade p 253.‬‬
‫‪ 2‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.127‬‬

‫‪96‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مذبة دير ياسي الت قام با اليهود سنة (‪1367‬هـ) ‪1948‬م لتسهيل مهمّة احتلل فلسطي‪،‬‬
‫والتاريخ يتكرّر!!‬
‫فمن المثلة الشاذّة الت رأيناها ما حدث من أمي شيزر عندما تعهّد لريون ألّ يعترض طريق‬
‫الصليبيي أثناء اختراقهم إقليم شيزر‪ ،‬وأن ُيقَدّم لم ما يتاجون إليه من الغذاء والئُونة‪ ،‬بل وقدّم لم‬
‫دليلَيْنِ أرشدوا الصليبيي ف أثناء عبورهم إقليم العاصي‪!1‬‬
‫وكذلك رأينا أمي حص جناح الدولة حسي بن ملعب ‪ -‬الذي كان يقاتل الصليبيي منذ‬
‫شهور مع كربوغا ‪ -‬يُرسِل وفدًا ممّلً بالدايا الثمينة يطب ودّ الحتلي؛ لكي ل يتعرّضوا لمارته‬
‫بسوء‪.2‬‬
‫لقد كانوا يكمون إمارات غي صالة للستقلل أبدًا‪ ،‬فالساحات صغية والشعوب ضعيفة‬
‫والمكانيات هزيلة‪ ،‬ولكنهم َيقَْنعُون با ليحتفظوا بالعرش‪ ،‬ولو كان عرشًا زائفًا ل قيمة له!!‬
‫ث مرّ اليش الصليب على مدينة طرابُلُس اللّبنانيّة‪ ،‬وكانت هذه الدينة مقرّ حُكم أحد‬
‫العائلت الشيعيّة‪ ،‬وهي عائلة بن عمّار‪ ،‬وحاكمها ف ذلك الوقت هو فخر اللك أبو عليّ‪ ،‬ومع‬
‫كونا شيعيّة إلّ أنا كانت منشقّة عن الدولة العبيدية بصر‪ ،‬وكانت هذه الدينة تُسيطر على عدّة‬
‫مدن وقرى ماورة مكوّنة بذلك إمارة واسعة نسبيّا‪ ،‬تكم عدّة مناطق ف لُبنان وسوريا‪.‬‬
‫قرّر فخر اللك أبو علي بن عمار أن ُيهَادن الصليبيي‪ ،‬فرفع أعلمهم على أسوار مدينته‬
‫دللة تبعيته لم‪ ،‬وأقرّ بدفع جزية لم‪ ،‬وأرسل إليه ريون الرابع بعض رسله للتفاوض فدخلوا مدينته ث‬
‫عادوا إل ريون بالخبار السعيدة‪ :‬إن الدينة شديدة الثراء‪ ،‬عظيمة المال‪ .3‬وسال لُعاب ريون‬
‫الرابع‪ ،‬ونسِيَ قضية القدس‪ ،‬وتاهل ملبس الجاج‪ ،‬ووجد ف طرابلس الفرصة لتحقيق حلم المارة‬
‫الاصّة به!‬
‫فكّر ريون ومن معه من القادة أن يضغطوا عسكريّا على الدينة أو أعمالا لكي يَزيدوا ف‬
‫الزية العروضة أو أن يُسقطوا الدينة تامًا‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شكّ ‪ -‬أفضل‪.4‬‬
‫توجّه ريون لصار مدينة تسمى ِعرْقَةَ شرق طرابلس (صورة ‪ ،)2‬وهي تتبع طرابلس‪ ،‬وف‬
‫ذات الوقت هي مدينة غنية بياهها وثرواتا الطبيعية‪ ،‬واته جودفري وروبرت لصار مدينة جبلة‪،‬‬
‫وهي مدينة ساحلية سوريّة جنوب اللذقيّة تتبع أيضًا طرابلس‪ ،‬وسرعان ما أعلنت جبلة استسلمها‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillame de Tyr, p. 265 & Gesta Fancorum, p. 181 & Raymond d`Agiles, pp. 272-273.‬‬
‫ول يشر ابن الثي عن هذه التفصيلت بل اكتفى بقوله "وراسلهم منقذ‪ ،‬صاحب شيزر‪ ،‬فصالهم عليها" الكامل ف التاريخ ‪.9/16‬‬
‫‪ 2‬الؤرخ الجهول‪ :‬أعمال الفرنة وحجاج بيت القدس ص ‪ ،274‬ول يذكر ابن الثي عن ذلك شيئًا واكتفى بقوله "وساروا إل‬
‫حص وحصروها‪ ،‬فصالهم صاحبها جناح الدولة" الكامل ف التاريخ ‪.9/16‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Raymond : op. cit., p. 31.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Crousset : Hist. des Crosiades, 1, pp. 132-133.‬‬

‫‪97‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بعد حصار تسعة أيام من ‪ 2‬إل ‪ 11‬مارس ‪1099‬م‪ ،‬وأقرّت بدفع جزية وفية من الال واليول‪،1‬‬
‫غي أن ِعرْقَةَ صمدت‪ ،2‬وكانت مدينة حصينة فشل ريون ف إسقاطها‪.‬‬
‫اضطر ريون أن يستنجد بودفري وروبرت لسقاط ِعرَْقةَ فجاءا إليه واشتركا معه ف‬
‫الصار‪ ،3‬وهذه الستغاثة من ريون رفعت من أسهم جودفري وقلّلت من أسهمه هو؛ فقد صار‬
‫الصليبيون ينظرون إل جودفري على أنه القائد العامّ وليس ريون الرابع‪.‬‬
‫واستمرّ الصار حول ِعرْقَةَ فترة طويلة‪ ،‬وبدا للصليبيي أنم سيُ َك ّررُون مأساة أنطاكية‪ ،‬وف‬
‫هذه الثناء وف ‪ 10‬من إبريل ‪1099‬م وصلت رسالة من المباطور البيزنطي تعرض عليهم أن‬
‫ينتظروه إل آخر يونية‪ ،‬وسوف يأت بيش كبي للشتراك معهم ف غزو بيت القدس‪ ،‬وسيتحمّل‬
‫تكاليف الملة كلها‪ ،4‬والواضح أن المباطور البيزنطي كان يعمل على كل الهات‪ ،‬ويتعامل‬
‫برفيّة عالية جدّا مع المور‪ ،‬ويعرف احتياج الصليبيي إل الساعدة‪.‬‬
‫اجتمع الصليبيون لناقشة رأي المباطور‪ ،‬ول شك أنم كانوا ف أزمة‪ ،‬خاصةً أن أدهار ‪-‬‬
‫الندوب البابوي ‪ -‬كان قد مات ف أنطاكية بعد سقوطها بعدة أيام‪ ،‬وافتقد اليش الصليب الزعامة‬
‫الرّوحيّة الجمّعة‪ ،‬وصار كقوات التحالف الت ل يربطها رباط وثيق‪ ،‬فقد يقوم المباطور بذا‬
‫الرباط‪ ،5‬فوق أنه ستحمل تبعات خطية سواء ف الموال أو ف الرواح‪ ،‬فكانت هذه إيابيات‬
‫واضحة‪ ،‬لكنها ل تكن بل سلبيات‪ ،‬فالمباطور مادع‪ ،‬وقد يكون هذا مرّد تدير للجيش الصليب‪،‬‬
‫وقد تركهم قبل ذلك لصيهم ف حرب كربوغا مع أنه وعدهم بالقدوم لنُصرتم‪ ،‬ث هو يتعامل مع‬
‫العبيديي الذين كانوا يكمون بيت القدس الن‪ ،‬هذا كله إضافةً إل أن قدومه سيجعل بيت القدس‬
‫حقّا خالصًا له‪ ،‬وهم ‪ -‬أي الزعماء الصليبيي ‪ -‬يريدونه لم ل للمباطور‪.‬‬
‫ماذا رأى الزعماء الصليبيون؟!‬
‫تزعّم ريون الرابع رأيًا يُنادي بانتظار المباطور‪ ،‬وهذا الرأي ل يكن بالطبع لصلحة اليوش‬
‫الصليبيّة إنا كان لصلحته هو‪ ،‬فالنتظار سيعطيه فرصة أكب لتحقيق حلمه بتكوين إمارة له ف‬
‫طرابلس‪ ،‬وقد تساعده ف ذلك القوات البيزنطية‪ ،‬وسوف يعلم المباطور البيزنطي القوي أن ريون‬
‫الرابع كان مناصرًا له‪ ،‬وهذا قد يساعده كثيًا ف استقرار أوضاعه‪.6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gesta Fancorum, p. 187 & Albert d`Alix, p. 453.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/16‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gesta Fancorum, p. 187 & Albert d`Alix, p. 453.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 307.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Chalandon: Alexis Comnene, pp. 214-215.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Grousset: Hist, des Croisades, 1, p. 138.‬‬

‫‪98‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أمّا جودفري بوايون فقد رأى رأيًا آخر‪ ،‬لقد رأى أن انتظار المباطور تضيي ٌع للوقت‬
‫وللجهد‪ ،‬وِبنَاء لقصور من الرمال‪ ،‬وأنه من الصلح أن تتوجّه اليوش مباشرة إل بيت القدس‪،1‬‬
‫خاصّة أن القاومة السلميّة منعدمة ف هذه الناطق حت الن‪.‬‬
‫وتَنَازَعَ الزعيمان‪ ،‬وظهر التوتّر بينهما‪ ،‬والقضية ل تكن خالصة للربّ؛ فريون له أطماع ف‬
‫طرابلس‪ ،‬وجودفري له أطماع ف بيت القدس‪ ،‬والطماع متعارضة وإن كان اليش واحد!!‬
‫وقف الزعماء جيعًا مع رأي جودفري بوايون‪ ،‬وهذا رفع أسهمه أكثر وأكثر‪ ،‬وصار فعليّا‬
‫القائد العلى للجيوش الصليبيّة‪ ،2‬وعاند ريون وأصرّ على استكمال حصار ِعرَْقةَ حت إسقاطها‪ ،‬على‬
‫الرغم من مرور أكثر من شهرين على حصارها دون فائدة‪.3‬‬
‫وتأزّم الوقف ومرّت اليام!!‬
‫وأخيًا‪ ،‬وف (‪492‬هـ) ‪ 13‬من مايو ‪1099‬م‪ ،‬وبعد حصار ثلثة أشهر ونصف‪ ،‬اضطر‬
‫ريون لرفع الصار لفشله ف إسقاط الدينة الصغية عِرقة‪ ،4‬ول شكّ أن إسقاط طرابلس ذاتا‬
‫سيكون أصعب وأصعب‪ ،‬ونزل ريون على رأي جودفري وبقية الزعماء وقبلوا بزية فخر اللك بن‬
‫عمّار‪ ،5‬وأكملوا الطريق إل بيت القدس‪ ،‬بعد أن فقدوا وقتًا غاليًا‪ ،‬خاصّة أن شهور الصيف قد‬
‫قاربت على البدء‪ ،‬وهكذا بدأ الصليبيون ف الستعداد للرحيل‪ ،‬إل أنم فوجئوا بسفارة عبيدية مصرية‬
‫تأتيهم عند أسوار طرابلس!!‬
‫ماذا يُريد العبيديون؟!‬
‫لقد جاءت السفارة ممّلة بالموال الغزيرة والدايا الثمينة لكل قائد من قوّاد الملة‪ ،‬وبعرضٍ‬
‫من الدولة العبيدية أن تسهّل ح ّج الصليبيي وكل النصارى إل بيت القدس (الحكوم حت هذه‬
‫اللحظة بالدولة العبيدية)‪ ،‬على أن يدخل الجاج إل القدس غي مسلّحي‪ ،6‬وسوف تقرّ الدولة‬
‫العبيدية الصليبيي على ما تت أيديهم من بلد‪ ،‬سواء ف آسيا الصغرى أو سوريا أو لبنان‪.‬‬
‫هكذا!!‬

‫‪1‬‬
‫‪Michaud: op. cit., p. 361.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d`Alix, pp. 455 & Raymond d`Agiles, p. 289.‬‬
‫‪ 3‬الؤرخ الجهول‪ :‬أعمال الفرنة وحجاج بيت القدس ص ‪ ،276‬وذكر ابن الثي أن الصار دام أربعة أشهر الكامل ف التاريخ‬
‫‪.9/16‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Stevenson: op. cit p. 32.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Raymovd d`Agiles, p. 285 & Guilaume de Tyr, pp. 308-309.‬‬
‫الؤرخ الجهول‪ :‬أعمال الفرنة وحجاج بيت القدس ص ‪.277‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Michaud: op. cit. 1, pp. 362-363.‬‬

‫‪99‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ولك ّن الصليبيي فاجئوا السفارة بالردّ الساخر‪ ،‬أنم سيتمكّنون من أداء الج كما يريدون‬
‫ولكن ليس بساعدة الدولة العبيدية‪ ،‬وهذا يعن إعلنًا مباشرًا للحرب‪ ،1‬إذ كيف سيدخلون البلد‬
‫دون ساح حُكّامها؟!‬
‫ل لنعرف شيئًا عن الدولة العبيدية‪،‬‬‫والقّ أن الوقف يتاج إل نظرة وتدبّر‪ ،‬وعودة للوراء قلي ً‬
‫وعن تاريخ بيت لقدس ف هذه الفترة‪.‬‬
‫إن بعض الؤرّخي ‪ -‬سواء من القدامى أو من الحدثي ‪ -‬يتعجّبون من ردّ فعل الدولة‬
‫العبيدية تاه الملة الصليبية‪ ،‬ومن حالة العاملة الفجّة الت ظهرت ف أقوالم وأفعالم‪ ،‬ومن بعض‬
‫الواقف الت ل تُوصَف بأقل من أنا مزية ومشينة‪ ،2‬ومع ذلك فالذي ُيرَاجِع التاريخ يد أنه ل عجب‬
‫مطلقًا فيما رأيناه من ردّ فعلٍ للدولة العبيدية تاه الروب الصليبية‪.‬‬
‫لقد كان من أهداف الدولة العبيدية الرئيسية منذ قامت هي أن ُتحَارِب السلمي السّنّة ف‬
‫كل مكان‪ ،‬فقد حاربت أهل السّنّة ف الغرب‪ ،‬وقتلت العلماء والعُبّاد‪ ،‬وكان ذلك ف سنة‬
‫‪296‬هـ‪ ،‬ث جعلت من هّها أن تارب الدولة السُنّيّة ف الندلس‪ ،‬بل وتعاونت مع الصليبيي ف‬
‫شال الندلس ضد دولة عبد الرحن الناصر رحه ال‪ ،‬ث اجتاحت شال إفريقيا‪ ،‬واحتلت مصر سنة‬
‫‪358‬هـ\ ‪969‬م‪ ،‬وفعلت بعلمائها السّنّة مثلما فعلت ف الغرب‪ ،‬ث توسّعت ف نفس السنة ف‬
‫الشام‪ ،‬واحتلت بيت القدس وكذلك دمشق‪ ،3‬ودام هذا الحتلل أكثر من مائة سنة‪ ،‬لقد بقِيَ‬
‫العبيديون ف بيت القدس حت حرّرها ألب أرسلن رحه ال عن طريق قائده أتسز (القسيس)‪،‬‬
‫ك تتش بن ألب أرسلن سنة (‪47‬‬ ‫وذلك ف سنة (‪463‬هـ) ‪1071‬م‪ ،4‬ث دخل بيت القدس ف مُ ْل ِ‬
‫‪1‬هـ) ‪1079‬م‪ ،5‬وتولّى المارة حينئذ أرتق بن أكسب‪ ،‬ث ابنه سكمان بن أرتق سنة (‪485‬هـ)‬
‫‪1091‬م تت ولية دقاق بن تتش مَِلكِ دمشق‪.6‬‬
‫سلّموا بضياع بيت القدس وفلسطي من أيديهم؛ ولذلك رحبوا بقدوم‬ ‫ولكن العبيديي ل يُ َ‬
‫الصليبيي إل آسيا الصغرى والشام لكي يشغلوا التراك السّنّة وينفردوا هم ببيت لقدس وفلسطي‪7‬؛‬
‫ولذلك فقد استغلّ العبيديون فرصة انشغال التراك ف حرب الصليبيي‪ ،‬ووجّهوا قوتم لغزو بيت‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, pp. 305-306.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/14،13‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،7/309‬وابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.11/266،267‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪8/390‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/418‬‬
‫‪ 6‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.135‬‬
‫‪ 7‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/191‬‬

‫‪100‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القدس سنة (‪490‬هـ) ‪1097‬م‪ ،‬واستوَلوْا عليه بالفعل‪ ،1‬بل ول يتورّعوا عن القيام بفاوضات مع‬
‫الصليبيي لقرارهم على الشام ف مقابل إقرار الصليبيي لم على فلسطي كما وضّحْنَا‪.2‬‬
‫إنه تاريخ طويل من اليانة والعمالة والطعن ف ُظهُورِ السلمي السّنّة‪.‬‬
‫أمّا الصليبيون فقد أخذوا قرار احتلل فلسطي‪ ،‬وخاصّ ًة بيت القدس (خريطة ‪ ،)16‬فل‬
‫مال عندهم الن للتفاوض مع العبيديي‪ ،‬ومن ثَمّ كان ردّهم الساخر على سفارتم‪.‬‬
‫وهكذا ترك الصليبيون طرابلس ووصلوا إل بيوت فصيدا ث صور‪ ،‬والسلمون ف كل ذلك‬
‫يتجنّبونم بالدايا والموال لكيل يتعرضوا لليذاء‪ ،‬ث اخترقوا لبنان إل فلسطي‪ ،‬وعبوا نر الكلب‪،‬‬
‫وهو الدّ الفاصل آنذاك بي أملك السلجقة وأملك الدولة العبيدية‪ ،‬فمرّوا بعكا فقام أميها العبيديّ‬
‫بتمويلهم بالطعام والؤن‪ ،‬ووعد بالدخول ف طاعتهم بعد سقوط بيت القدس‪!3‬‬
‫ث مرّ الصليبيون بقَْيسَارِيَة ث ُأرْسُوف ‪ 5،4‬ث غيّروا طريق الساحل‪ ،‬وشقّوا البلد شرقًا إل‬
‫الداخل صوب بيت القدس‪ ،‬واحتلّوا ف طريقهم ال ّرمْلَة‪ ،‬وهي مدينة صغية‪ ،‬ولكنها تسيطر على‬
‫الطريق الواصل من بيت القدس إل ساحل البحر البيض التوسط‪ ،‬فسيطر عليها الصليبيون ليؤمّنوا‬
‫طريقهم بعد ذلك إل البحر‪6‬؛ حفاظًا على إمدادات السفن والساطيل الوربية‪ ،‬وف هذه الدينة‬
‫(الرملة) توقّف الصليبيون ليعقدوا اجتماعًا مهمّا لتحديد خطوات الغزو‪ ،‬وكان ذلك ف (‪492‬هـ)‬
‫أوائل يونيو ‪1099‬م‪.‬‬
‫لقد بث الصليبيون ف هذا الجتماع نقطة مهمة ُتفَسّر خطوات مستقبليّة ف الملت‬
‫الصليبيّة‪ ،‬لقد ناقشوا قضيّة غزو القاهرة وإسقاط مصر‪!!7‬‬
‫لقد فهم الصليبيون ف ذلك الوقت التقدّم أن مفاتيح بيت القدس موجودة ف القاهرة‪ ،‬ول‬
‫يكن هذا فقط لن العبيديي يُسيطرون على بيت القدس الن؛ فقد اتضح للصليبيي مدى هلعهم من‬
‫قوّة الصليبيي‪ ،‬ولكن للُبعْدِ الستراتيجي الهمّ لذا البلد الكبي مصر‪ ،‬والذي ي ّد فلسطي من جنوبا‬
‫وغربا‪ ،‬والذي به طاقة بشريّة ضخمة‪ ،‬وإمكانيات اقتصاديّة عالية‪ ،‬وشعور فطريّ بالتقارب مع‬
‫فلسطي‪ ،‬وخاصّة فيما يتعلق ببيت القدس‪ ،‬وبه السجد القصى؛ لذلك فكّر الصليبيون ف هذا‬

‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.135‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Setton: op. cit., vol. 1, p. 316.‬‬
‫‪ 3‬توديبو‪ :‬تاريخ الرحلة إل بيت القدس ص ‪ ،299:294‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ العمال النجزة ف ما وراء البحر ‪ ،1/358‬والؤرخ‬
‫الجهول‪ :‬أعمال الفرنة وحجاج بيت القدس ص ‪.277‬‬
‫‪ 4‬أرسوف‪ :‬مدينة على ساحل بر الشام بي قيسارية ويافا‪ .‬ياقوت الموي‪ :‬معجم البلدان ‪.1/151‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Aِlbert d`Alex, p. 460.‬‬
‫‪ 6‬الؤرخ الجهول‪ :‬أعمال الفرنة وحجاج بيت القدس ص ‪ ،277‬فوشيه الشارتري‪ :‬تاريخ الملة إل القدس ص ‪ ،70‬وليم‬
‫الصوري‪ :‬تاريخ العمال النجزة ف ما وراء البحر ‪.1/400‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Raymond d`Alx. P. 299; Chalandon:p. 267; Grousset: 1, pp. 150-151.‬‬

‫‪101‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الجتماع ف قضية غزو مصر‪ ،‬غي أنم وجدوا أن قوتم غي كافية لذه الطوة الريئة‪ ،‬خاصة أن‬
‫عليهم إذا فعلوا ذلك أن يتازوا حاجزًا صحراويّا صعبًا وهو صحراء سيناء‪ ،‬وقد تلك فيه القوة‬
‫الصليبية؛ ولذلك عدلوا عن هذا الرأي‪ ،‬وقرّروا التوجّه مباشرة إل بيت القدس‪ ،‬لكن هذا الجتماع‬
‫أظهر فكرة ظلّت مسيطرة على عقول قادة الروب الصليبية وخلفائهم‪ ،‬والت ُوضِعت بعد ذلك‬
‫موضع التنفيذ ف الملتي الامسة والسابعة من الملت الصليبية‪ ،‬حيث ّت غزو مصر غزوًا صريًا‪.1‬‬
‫والسؤال‪:‬‬
‫أين اليوش السلميّة ف طول هذه السافة الت قطعها اليش الصليب من أنطاكية إل بيت‬
‫القدس‪ ،‬وهي مسافة تزيد على ستمائة كيلو متر؟!‬
‫أليس ف هذه الناطق كلها رجل رشيد؟!‬
‫لقد افتقد السلمون ف هذه الونة لقوّمات رئيسية من مقومات قيام ا ُلمّة؛ لذلك قَِبَلتْ‬
‫حثّ هذه القدام النجسة على طريقها إل مسرى رسول ال ‪ ،‬وأُولَى القبلتي‬ ‫جوع السلمي أن تَ ُ‬
‫وثالث الرمي‪ ،‬وإل الرض الباركة‪ ،‬دون أن يتحرّك لم ساكن؛ ولذلك ُحصِر السلمون ف بيت‬
‫القدس!‬
‫لقد عان السلمون ف هذا الوقت من أمراضٍ شتّى‪.‬‬
‫لقد عاَنوْا من ُبعْدٍ عن الدين‪ ،‬وغياب للحميّة السلميّة‪ ،‬وافتقاد للنخوة الستندة إل عقيدة‬
‫قويّة صحيحة‪.‬‬
‫وعانوا كذلك من فُرقة مؤلة‪ ،‬وتشتّت فاضح‪ ،‬حت صارت كل مدينة إمارة مستقلة‪ ،‬ودويلة‬
‫منفصلة‪ ،‬بل ومتصارعة مع جيانا السلمي‪.‬‬
‫وعانوا أيضًا من افتقار لزعامة ملصة متجرّدة‪ ،‬تمع الشتات ف كيان واحد‪ ،‬وترغب ف‬
‫رفعة هذه المة دون نظر إل مصال الذات ورغبات النفس‪.‬‬
‫كما عان السلمون فوق ذلك من رؤية واضحة للواقع الذي يعيشونه‪ ،‬وللخطار الحدقة‬
‫بم‪ ،‬وعانوا أيضًا من نقص حادّ ف الدراية السياسية أو الكفاءة العسكريّة‪.‬‬
‫لقد كانت ا ُلمّة ترّ فعلً بأزمة مركّبة معقدة!‬
‫لكن إن كنا نتعجب من موقف المة وتاذلا‪ ،‬فإن العجب يأخذنا وبشكل أكب من موقف‬
‫الصليبيي! كيف َأمِنُوا على أنفسهم أن يوضوا كل هذه السافات ف عمق العال السلمي‪ ،‬وهم ل‬
‫يشعرون بوفٍ ول وَ َجلٍ؟! إنم يتوغلون ف كثافة بشريّة عالية جدّا‪ ،‬ومصورون بي عدة إمارات‬
‫حقُوا‪ ،‬وليس لم‬ ‫توي عدّة جيوش مسلمة‪ ،‬والسافة بينهم وبي أوطانم بعيدة هائلة‪ ،‬فلو ُهزِمُوا ُس ِ‬
‫مهرب ول منجى!‬
‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 292.‬‬

‫‪102‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كيف استطاعوا أن يتغلّبوا على الوف الفطريّ للبشر‪ ،‬وقَِبلُوا بذه الغامرة الطية؟!‬
‫إن الجابة بأنم خرجوا من ظروف صعبة جدّا ف أوربا ‪ -‬كما فسرْنَا ف أوّل الكتاب ‪-‬‬
‫َجعَلَت الياة هناك أقرب إل الوت‪ ،‬وجعلت طموحهم ف ترك واقعهم الليم يطغى على أية رغبة‬
‫أخرى‪ ،‬وجعلت الوت ف أرض فلسطي ل يفترق كثيًا عن الياة ف أوربا الفقية آنذاك‪ .‬إن هذه‬
‫الجابة فقط ل تشفي الغليل‪ ،‬ول تفسّر عدم الرهبة‪ ،‬وقلّة الكتراث الذي رأيناه ف اليوش الصليبية؛‬
‫فالروح عزيزة على النفس‪ ،‬وخاصّةً إن ل يكن اليان باليوم الخر والنة وازعًا قويّا يدفع إل الوت‪.‬‬
‫فما تفسي هذه العادلة الصعبة؟‬
‫ولاذا بدت الشجاعة ف قلوب الصليبيي واضحة جليلة؟!‬
‫إن هذا يفسره لنا حديث رسول ال الذي رواه ثوبان ‪ ،‬وبه يفسّر الوضاع وكأنه يراها‬
‫رأي العي؛ قال رسول ال ‪" :‬يُو ِشكُ أَنْ َتدَاعَى َعلَ ْي ُكمْ ا ُل َممُ مِنْ كُلّ ُأفُقٍ كَمَا َتدَاعَى الَ َك َلةُ‬
‫صعَِتهَا"‪ .‬قَالَ‪ :‬قُ ْلنَا‪ :‬يَا رَسُو َل الّلهِ‪َ ،‬أمِ ْن قِلّةٍ بِنَا َي ْومَئِذٍ؟ قَالَ‪" :‬أَنُْتمْ َي ْومَِئذٍ كَثِيٌ‪ ،‬وَلَكِ ْن تَكُونُونَ‬
‫َعلَى قَ ْ‬
‫جعَ ُل فِي ُقلُوبِ ُكمْ اْل َوهْنَ"‪ .‬قَالَ‪ُ :‬قلْنَا‪َ :‬ومَا‬
‫غُثَاءً َكغُثَاءِ السّيْلِ‪ ،‬يَنَْتزِعُ الْ َمهَاَبةَ مِ ْن ُقلُوبِ َع ُدوّ ُكمْ‪ ،‬وَيَ ْ‬
‫حيَا ِة وَ َكرَاهَِيةُ الْ َم ْوتِ"‪.1‬‬
‫اْل َوهْنُ؟ قَالَ‪ُ " :‬حبّ الْ َ‬
‫إن المم الغربيّة الت تداعت من فرنسا وإيطاليا وإنلترا وألانيا ل تأتِ بذه القوة والشجاعة‬
‫إلّ لنّ ال نزع الرهبة من قلوبا من جوع السلمي‪ ،‬فصاروا ل يكترثون بم ول بأعدادهم‬
‫وحصونم وسلحهم‪ ،‬ورأينا اجتماعات الصليبيي ل ُتعَبّر أبدًا عن خوف ف صدورهم‪ ،‬أو عن قلق‬
‫من مقاومة السلمي‪ ،‬إنا يتحرّكون هنا وهناك برية تامّة‪ ،‬وباطمئنان كامل!!‬
‫لوَر‪ ،‬فيتعبون لرؤية النود‬
‫والسلمون على الانب الخر أُلقى ف قلوبم ال َوهْن والضعف وا َ‬
‫الصليبيي‪ ،‬ولو كان الصليبيون أقلّ منهم ف العدد‪ ،‬وأضعف منهم ف العُدّة‪.‬‬
‫ولنا مع الديث وقفتان‪ ،‬وإن كانت وقفاته كثية‪:‬‬
‫أمّا الوقفة الول‪ :‬فهي أن ال هو الذي ينع الرهبة مِنّا من قلوب أعدائنا‪ ،‬وهو الذي‬
‫يلقي ف قلوبنا الوهن! وقد يقول قائل‪ :‬ولاذا يفعل ربنا ذلك‪ ،‬مع أننا ف النهاية مؤمنون‪ ،‬وهم‬
‫كافرون؟! فنقول‪ :‬إن ال أَبَى أن ُي ِعزّ السلمي إل إذا ارتبطوا بالسلم‪ ،‬والتزموا بالقرآن والسّنّة‪،‬‬
‫ص َرهُم وهم ُي ْفرِطون ف الشرع لصارت فتنة عظيمة؛ إذ سيقول الناس‪ :‬إننا لسنا ف حاجة‬ ‫ولو َن َ‬
‫صرْنَا بغيه؛ لذلك تدث مثل هذه الواقف العجيبة ليلتفت السلمون إل دينهم‪،‬‬ ‫للسلم‪ ،‬فقد ُن ِ‬
‫وليضع السلمون أيديهم على مفاتيح النصر القيقيّة‪.‬‬
‫‪ 1‬أبو داود‪ :‬كتاب اللحم‪ ،‬باب ف تداعي المم على أهل السلم (‪ ،)4297‬وأحد (‪ )22450‬واللفظ له‪ ،‬والطيالسي (‪،)992‬‬
‫وابن أب شيبة ف مصنفه ‪ ،7/463‬والبيهقي ف شعب اليان (‪ ،)10372‬وأبو نعيم ف اللية ‪ ،1/182‬وقال اللبان‪ :‬صحيح (‬
‫‪ )8183‬صحيح الامع‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أما الوقفة الثانية‪ :‬فإنا مع السبب الذي من أجله حدثت كل هذه التداعيات الؤلة‪ ،‬إنّ‬
‫وصف الدث والأساة أخذ كلمات كثية‪ ،‬ولكن السبب وراء كل ذلك ل يأتِ إلّ ف جُمْلَتي‬
‫قصيتي‪ُ :‬حبّ الدنيا‪ ،‬وكراهية الوت‪.‬‬
‫إن السلمي تعلّقوا بالدنيا تعّلقًا غي مقبول‪ ،‬حت صاروا يكرهون الوت ف سبيل ال‪ ،‬وُأمّة‬
‫ترهب الوت ل ُبدّ أن ُت ْقهَر‪ ،‬وُأمّة تعشق الدنيا ل بُدّ أن تذلّ‪ ،‬والدنيا ملعونة كما ذكر رسولنا ‪،‬‬
‫والتمسّك با يهلك‪ ،‬ليس هذا فقط بل وتضيع منه الخرة‪.‬‬
‫إن هذا السبب ُيفَسّر لنا التخاذل الرهيب الذي رأيناه من جوع السلمي الت كانت ترج‬
‫إل الصليبيي وهي تمل الدايا النفيسة‪ ،‬والموال الطائلة‪ ،‬لكي يتركونم "يعيشون"! مرّد حياة‪ ،‬أيّا‬
‫كانت هذه الياة‪ ،‬وهذا ‪ -‬وال ‪ -‬هو الوان بعينه‪.‬‬
‫هكذا ُحصِرَ السلمون التمسّكون بدُنياهم ف بيت القدس‪ ،‬وراقب السلمون البعيدون عن‬
‫القدس الوقف ف سكون‪ ،‬ينتظرون اليوم الذي ستدور عليهم فيه الدوائر!!‬
‫غادر الصليبيون الرملة ف (‪492‬هـ) ‪ 6‬من يونيو ‪1099‬م‪ ،‬ووصلوا حول أسوار بيت‬
‫القدس ف (‪492‬هـ) ‪ 7‬من يونيو ‪1099‬م‪ .‬لقد وصلوا إل الحطّة الخية ف الُطّة الت وضعها‬
‫البابا أوربان الثان ف كليمون بفرنسا قبل هذا الوقف بأكثر من ثلث سنوات ونصف‪.‬‬
‫ويفيض هنا الؤرخون الوربيون ف وصف مشاعر الصليبيي عندما رأوا الدينة القدسة‪!1‬‬
‫وليس هذا إ ّل لتجميل الوجه القبيح للغزو الصليب البشع‪ ،‬فهذه الموع كثيًا ما تردّدت ف الوصول‬
‫إل هذا الكان؛ لنم قََنعُوا ف الطريق بمالك أخرى‪ ،‬وهذه الموع تنازعت كل أنواع الدنيا من‬
‫مال وأسلب وأملك وزعامة‪ ،‬وهذه الموع أقسمت الَيْمان ث غدرت‪ ،‬وهذه الموع سترتكب‬
‫ف داخل الدينة القدسة ما تجل منه النسانية جيعًا!!‬
‫بدأ الصار الحكم حول الدينة ف يوم ‪ 7‬من يونيو ‪1099‬م‪.‬‬
‫ول ُيضَيّع الصليبيون وقتًا‪ ،‬بل أخذوا يقصفون الدينة معتمدين على عدد كبي من آلت‬
‫الصار كانوا يصحبونا معهم‪ ،2‬ول يْلِك السلمون ف داخل الدينة إلّ ماولة القاومة اليائسة‪،‬‬
‫والطاولة قَ ْدرَ ما يستطيعون‪.‬‬
‫وف يوم ‪ 15‬من يونيو ‪1099‬م‪ ،‬وبعد أسبوع من الصار وصلت إل ميناء يافا بعض‬
‫السفن النويّة تمل الؤن والسلح وبعض النود‪ ،‬واستطاعت هذه السفن القليلة أن تُسيطر على‬
‫ميناء يافا بسهولة؛ لن السكان هجروا الدينة بعد أن اقترب الصليبيون من ُأرْسُوف ! وكان لذه‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 318.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gesta Fancorum, p. 195.‬‬

‫‪104‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫المدادات أكب الثر ف تثبيت أقدام الصليبيي‪ ،1‬ومن ثَمّ ازداد الصار ضراوة وقوة‪ ،‬ومرّت اليام‬
‫الصعبة‪ ،‬والعال السلمي يُشاهِد الرية ف صمت‪ ،‬ومرّ شهر كامل والدينة ماصَرة‪ ،‬وأصبح الوقف‬
‫صعبًا على الفريقي؛ إذ بدأت حرارة الصيف تُلهب رءوس الصليبيي‪ ،‬فهذا شهر يوليو بشمسه اللهبة‬
‫وترامت بعض الخبار أن العبديي أخرجوا جيشًا من مصر لنقاذ الدينة الحاصَرة‪ ،‬فأسرع‬
‫الصليببيون الطوات لكي يُسقطوا الدينة القدسة قبل أن يتعرضوا للمشاكل الت عانوا منها ف حصار‬
‫أنطاكية‪ ،2‬وصنع الصليبيون بُرجي خشبيي للرتفاع فوق أسوار الدينة‪ ،‬وقد ت صنع هذين البجي‬
‫باستخدام خشب السقف من النازل ببيت لم بعد هدمها‪ ،‬وبدأ الجوم باستخدام البراج‪ ،‬وأحرق‬
‫السلمون البج الول باستخدام السهام الشتعلة‪ ،3‬غي أن الصليبيي استطاعوا الضغط على الدينة‬
‫باستخدام البج الثان‪ ،‬وعب النود الصليبيون فوق السوار إل داخل الدينة‪ ،4‬واستطاعوا فتح‬
‫البواب من الداخل‪ ،‬ومن ثَمّ تدفّق الصليبيون بغزارة داخل الدينة القدسة!! وكان ذلك ف يوم‬
‫المعة ‪ 22‬من شعبان سنة ‪492‬هـ الوافق ‪ 15‬من يوليو سنة ‪1099‬م‪ ،‬وهو من اليام الحزنة‬
‫الت ل تُْنسَى ف تاريخ ا ُلمّة‪.5‬‬
‫ول يكن للمسلمي الحاصرين ف داخل القدس من هَمّ إلّ الفِرار من وجه النود الصليبيي‬
‫الذين كانت تبدو عليهم علمات الوحشيّة والببريّة‪.‬‬
‫وتساؤل مهمّ‪:‬‬
‫أين كانت الامية العسكريّة العبيديّة‪ ،‬وقائد الدينة العبيديّ افتخار الدولة؟‬
‫لقد تركوا الشعب وذهبوا إل مراب داود واعتصموا به ثلثة أيام‪ ،‬ث ف ظروف غامضة ت‬
‫إخراجهم بواسطة الصليبيي ف أمان تامّ‪ ،‬حيث نُقلوا إل عسقلن ومنها إل مصر دون أن يلحقهم‬
‫أذى!! ما يؤكّد أنم اتفقوا مع الصليبيي على تسليم الدينة مقابل المان لم‪!6‬‬
‫وُترِكَت الدينة بل جيش!‬

‫‪ 1‬الؤرخ الجهول‪ :‬أعمال الفرنة وحجاج بيت القدس ص ‪ ،279،278‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ العمال النجزة ف ما وراء البحر‬
‫‪.1/424:421‬‬
‫‪Heyd: Hist. du Commerce 1, pp. 134-135 & Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 258.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, pp. 283-284.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/19‬‬
‫‪ 4‬أبو الحاسن‪ :‬النجوم الزاهرة ‪5/149،148‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/19‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/19‬‬

‫‪105‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وانطلق الصليبيون المج ليستبيحوا الدينة الستسلمة‪ ،‬ول يد السكان الذعورون أملً ف‬
‫النجاة إل ف العتصام بالسجد القصى؛ لعل الصليبيي يترمون قدسيّة الكان‪ ،‬أو حُرمة دُور العبادة‪،‬‬
‫لكن هذه العان ل تشغل عقول الصليبيي‪ ،‬ل من قريب ول من بعيد‪!7‬‬
‫وذُبح ف السجد القصى سبعون ألف مسلم‪ ،‬ما بي رجل وامرأة وطفل!! وهؤلء هم كل‬
‫ت تامًا‪ ،‬ول ينجُ منها إل الامية العسكريّة العبيديّة‪!2‬‬‫صفَّي ْ‬
‫سكان الدينة تقريبًا‪ ،‬فقد ُ‬
‫هذه هي الملة الدينيّة الت جاءت من أجل الربّ‪ ،‬وخدمة للمسيح عليه السلم!‬
‫وصمة عار حقيقية ف جبي أوربا ل تُنْسَى على مرّ العصور!‬
‫لقد ذكر وليم الصوري ‪ -‬وهو أحد مؤرّخي الرب الصليبية ‪ -‬أن بيت القدس شهد عند‬
‫دخول الصليبيي مذبة رهيبة‪ ،‬حت أصبح البلد مَخَاضَة واسعة من دماء السلمي‪ ،‬أثارت الرعب‬
‫والشئزاز‪.3‬‬
‫بل وذكر مؤرّخ معاصر للحروب الصليبية أنه عندما زار الرم الشريف غداة الذبة الرهيبة‬
‫الت أحدثها الصليبيون فيه‪ ،‬ل يستطع أن يشقّ طريقه وسط أشلء السلمي إلّ ف صعوبة بالغة‪ ،‬وأن‬
‫دماء القتلى بلغت ركبتيه‪!4‬‬
‫والدير بالذكر أن القتل ف هذا اليوم ل يكن خاصّا بالسلمي فقط‪ ،‬بل عان منه اليهود‬
‫أيضًا‪ ،‬فلقد جع الصليبيون اليهودَ ف الكَنِيسِ ث أحرقوه عليهم‪!5‬‬
‫لقد كانت مزرة تَ َطهّر عرقيّ بعن الكلمة‪.‬‬
‫ومع وصول الب إل كل بقاع العال السلمي سادت موجة كئيبة من الزن والكمد‪،‬‬
‫ولكنه ‪ -‬للسف ‪ -‬كان حزنًا سلبيّا‪ ،‬بل كان حزنًا مُقعِدًا شلّ السلمي عن الركة‪ ،‬فلم نسمع عن‬
‫حركة جيش لتحرير القصى والقدس وفلسطي‪ ،‬كما ل نسمع آنذاك نداءً شعبيّا يُطالِب الكام‬
‫بمل السئولية‪.6‬‬
‫لقد كانت أزمة دينيّة أخلقية‪ ،‬شلت الشعوب جيعًا بكّامها ومكوميها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪Gesta Francorum. Pp. 203-205.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/19‬ول يقتصر المر على ابن الثي فقد ذكر هذه الواقعة بعض الؤرخي السيحيي الشرقيي مثل‬
‫ابن العبي الذي قال‪" :‬ولبث الفرنج ف البلد أسبوعا يقلون فيه السامي‪ ،‬وقتل بالسجد القصى ما يزيد على سبعي الفا‪ "...‬ابن‬
‫العبي‪ :‬تاريخ متصر الدول ص ‪ ،197‬وكذلك ذكر مت الرهاوي‪ :‬أن عدد من قتلهم الصليبيون من السلمي زاد على خسة وستي‬
‫ألف‪.Doc. Arm, 1, p. 45 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guillam e de Tyr, 1, p. 354.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Raymond d`Aigles, p. 300.‬‬
‫‪ 5‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.137‬‬
‫‪ 6‬ابن تغري بردي‪ :‬النجوم الزاهرة ‪.5/150‬‬

‫‪106‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وف نفس الوقت عمّت الفرحة أرجاء العال السيحي؛ فبيت القدس ل يُحكم بالنصارى منذ‬
‫خروج الدولة النورمانية منذ العام ‪16‬هـ\ ‪637‬م‪ ،‬أي منذ أكثر من أربعمائة وسبعي سنة‪ ،‬وبيت‬
‫القدس كان الدف الرئيسي الُعلَن للحملة الصليبية‪ ،‬ومعن هذا أن هذا هو أدلّ برهان على ناح‬
‫الملة وخطتها‪ ،‬وناح البابا أوربان الثان فيما خطط له‪ ،‬لكن من الدير بالذكر أن البابا أوربان ل‬
‫يسعد بسماع أخبار سقوط بيت القدس ف أيدي جنوده‪ ،‬فقد مات ف ‪ 29‬من يوليو ‪1099‬م‪ ،‬أي‬
‫بعد سقوط بيت القدس بأسبوعي‪ ،‬لكن الب ينتقل من القدس إل روما ف وقت أطول من هذا‬
‫بكثي‪ ،‬ومن ثَمّ فقد ترك الدنيا دون أن يعرف أن ثرة جهده على وجه التحقيق‪ !1‬وما نسب أنه‬
‫كان سيحزن للمذابح الت ارتكبت باسم السيح ف بيت القدس؛ لنه شاهد قبلها مذابح أنطاكية‬
‫جرِ ول يتحرك‪ ،‬كما أن البابا الذي‬ ‫ومعرّة النعمان ول يتكلم‪ ،‬بل وشاهد مذبة سلي ضد نصارى ال َ‬
‫تول مكانه ‪ -‬وهو باسكال الثان ‪ -‬ل ُيعَلّق على المر مطلقًا‪ ،‬بل ول ُيعَلّق عليه أيّ من البابوات‬
‫على مر التاريخ‪ ،‬مع اعتراف جيع الؤرخي بأن هذه الادثة البشعة راح ضحيتها عشرات اللف‬
‫من الدنيي البرياء‪ ،‬ومع أنّ بعض البابوات اعتذروا لليهود عن مذابح هتلر لم‪ ،‬بل ورفعوا من على‬
‫اليهود إث تمة قتل السيح ‪ ،‬مع قناعة السيحيي ‪ -‬على خلف عقيدتنا ‪ -‬أنه قُتل‪.‬‬
‫لقد صار السكوت على هذه الرية النكرة أمرًا مطّردًا وكأنه عقيدة يتوارثها الناس‪ ،‬وهذا‬
‫إن دلّ على شيء فإنا يد ّل على أن الروح الصليبية القاسية الت قادت اليوش إل مثل هذه الفعال ما‬
‫زالت تسري ف أجساد كثي من القادة‪ ،‬سواء القادة الدنيي أو العسكريي أو الفكريي‪.‬‬
‫ونعود إل بيت القدس!‬
‫بعد أن خدت الركة تامًا ف بيت القدس‪ ،‬واختفى السلمون كُلّيّة من الدينة‪ ،‬دخل زعماء‬
‫الملة الصليبيّة ف مساء يوم سقوط القدس إل كنيسة القيامة لُيصَلّوا للربّ على توفيقهم ف هذا‬
‫العمل‪ ،2‬فل شك أن كلّ منهم كان ُيصَلّي للربّ أيضًا أن ُيوَفّقه ف "حُكْمِ" الدينة القدسة!! ودليل‬
‫ذلك ما حدث بعد يومي من السيطرة على الدينة‪ ،‬وتديدًا ف ‪ 17‬من يوليو ‪1099‬م حيث اجتمع‬
‫الزعماء التناحرون الطموحون لتنازع سلطة حكم بيت القدس‪!3‬‬
‫من يكم بيت القدس؟‬
‫إن القضية شائكة جدّا‪ ،‬والطراف التنازِعة عليها كبية وكثية‪ ،‬وليس الغراء ف قصّة بيت‬
‫القدس إغراء ثروة ومُ ْلكٍ فقط‪ ،‬بل هو إغراء شرف ورفعة كذلك؛ فالذي سيحكم بيت القدس‬
‫سيُصبح ِقبْلَة النصارى من مشارق الرض ومغاربا‪ ،‬وسينال وضعًا خاصّا ف الكنيسة العاليّة‪ ،‬سواء‬

‫‪ 1‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.131‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Guillam e de Tyr, 1, p. 357.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michaud, op. cit. 1, p. 428-429.‬‬

‫‪107‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كانت الغربيّة أو الشرقيّة أو الرمينيّة أو غيها‪ ،‬وسيحفر اسه ف التاريخ كلّه‪ ،‬فالقدس مطّ أنظار‬
‫كلّ الديانات‪ ،‬وُيعَظّمها السلمون والنصارى واليهود‪.‬‬
‫ص جدّا‪ ،‬لعلّه ل يتكرّر مع أي مدينة أخرى ف العال‪.‬‬‫إنا مدينة ذات طابع خا ّ‬
‫مَن هم التنازعون على حكم بيت القدس؟‬
‫هناك زعماء الملة الصليبيّة الذين ل يغنموا بُ ْلكٍ بعدُ‪ ،‬ول يصلوا على ما حصل عليه‬
‫بلدوين ف الرها أو بوهيموند ف أنطاكية‪.‬‬
‫هناك جودفري بوايون أمي اليش الذي خرج من شال فرنسا واللورين وألانيا‪ ،‬وكان من‬
‫بداية خروجه وهو يأخذ طابعًا مّيزًا يرفعه فوق بقيّة القوّاد؛ وذلك لنضمام عدد كبي من المراء‬
‫تت قيادته‪ ،‬ومعظم هؤلء المراء أقوياء‪ ،‬بل إن هناك بلدوين الذي كان تت قيادته‪ ،‬وهو يكم‬
‫ي هنري‬ ‫الن إمارة مستقلّة هي الرها‪ .‬وكان جودفري بوايون يتبع ف ولئه للمباطور اللان القو ّ‬
‫سعًا‬
‫الرابع‪ ،‬وهذا يُعطِيه قوةً أكب‪ ،‬ث إنه كان مبوبًا من بقيّة زعماء الملة‪ ،‬حيث كان صدره متّ ِ‬
‫لرائهم‪ ،‬وكانت له الكثي من الراء الكيمة ف أثناء سي الملة ومعاركها‪1‬؛ وعلى هذا ففرصته ف‬
‫ولية المر ف بيت القدس كبية‪.‬‬
‫ل دينيّا‪،‬‬ ‫ضفِي على نفسه شك ً‬
‫وهناك أيضًا ريون الرابع الذي حاول منذ بداية الرحلة أن ُي ْ‬
‫وأن يعل من نفسه وكأنه قائد الملة بكاملها؛ لنه صديق للبابا أوربان الثان‪ ،‬ويتكلّم كثيًا عن‬
‫الصليب والسيح‪ ،‬ومن ثَمّ فهو يعتب نفسه أول الناس بزعامة هذا الكان القدّس‪ ،‬ث إن ريون كان‬
‫ُيبَالِغ ف تقدير إمكانيات نفسه‪ ،‬وكان هذا يبدو ف شكل غطرسة وتكبّر جعلت مكانته ف قلوب‬
‫بقية الزعماء تقلّ‪ ،2‬وجعلهم يرغبون ف مالفته ل لشيء إل لثبات وجودهم وعدم رغبتهم ف اتّبَاعه‪.‬‬
‫وهناك أيضًا بقيّة الزعماء‪ ،‬وإن كانت فرصهم أقلّ‪ ،‬مثل تانكرد النورمان ابن أخت‬
‫بوهيموند الذي رفض البقاء مع خاله ف أنطاكية؛ لن لتانكرد أطماعه الاصّة‪ ،‬ول يريد أن يكون‬
‫تابعًا لحد‪ ،‬بل يطمع ف أن يكون أميًا على إمارة خاصّة به‪ ،‬وظهر ذلك منذ أوّل أيام الملة‬
‫الصليبية ف منطقة آسيا الصغرى‪ ،‬عندما كان يتنازع مع بلدوين على إمارة َطرَسُوس وغيها‪.‬‬
‫أمّا روبرت أمي الغرب الفرنسي فكان يُ ْدرِك أن إمكانياته أقلّ من السابقي؛ ولذلك كان‬
‫قانعًا بكونه قائدًا تابعًا لغيه‪ ،‬ل مستقلّ بذاته‪.‬‬
‫فهؤلء هم زعماء الملة الصليبية والرشّحون لولية الكرسيّ الهمّ ف بيت القدس‪.‬‬
‫لكن هل هم فقط الذين يطمعون ف هذا الكرسيّ؟!‬

‫‪ 1‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/204‬‬


‫‪ 2‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصيبية ‪.1/203‬‬

‫‪108‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن هناك دون أدن شكّ أطماع الكنيسة الكاثوليكيّة‪ ،‬فالملة خرجت من الساس بتوجيه‬
‫من البابا أوربان الثان‪ ،‬والكنيسة كما ذكرنا قبل ذلك ل تكن َشرَِفيّة فقط ف هذه اليام‪ ،‬إنا كانت‬
‫قوّة مؤثّرة‪ ،‬لا إقطاعياتا وجيوشها وأموالا‪ ،‬والبابا له أطماع حكم كعامّة اللوك والمراء بل أشدّ‪،‬‬
‫وهذا بيت القدس‪ ،‬وولية الكنيسة عليه أمر منطقي تامًا‪ ،‬لكنّ الكنيسة مُِنَيتْ ف اليام الخية‬
‫بضربتي كبيتي؛ أما الول فوفاة الندوب البابوي الصاحب للحملة أدهار‪ ،‬الذي ُتوُفّيَ ف أنطاكية‬
‫منذ عام واحد تقريبًا‪ ،1‬ولو كان موجودًا لكان تسلّمه بيت القدس أمرًا منطقيّا تامًا‪ .2‬والضربة الثانية‬
‫كانت وفاة أوربان الثان الذي حرّك الموع لذه الرب‪ ،‬ول شكّ أن حيّته للقضية كانت أشدّ من‬
‫حيّة البابا الديد باسكال الثان‪ ،3‬ومن ثَ ّم فإن مساحة حرّيّة الركة عند المراء ستكون أوسع ف‬
‫ظلّ الوضع الديد‪.‬‬
‫ولقد كان الناع قديًا ف أوربا بي العلمانيي اللدينيي وهم هنا طبقة المراء‪ ،‬والكنسيي‬
‫وهم البابوات والساقفة والقساوسة‪ ،‬ول شكّ أن ف الظروف الت وصفناها صارت فرصة العلمانيي‬
‫لولية بيت القدس أكب وأعظم‪.4‬‬
‫غي أن هناك قوّة أخرى كانت تطمع ف ولية بيت القدس‪ ،‬وهي قوّة الدولة البيزنطيّة‪ ،‬ومن‬
‫سوْنَ‬
‫الؤكّد أن أطماع ألكسيوس كومني ل تقف عند آسيا الصغرى‪ ،‬ومن الؤكّد أيضًا أنا ل ين َ‬
‫تاريًا قديًا كانوا يكمون فيه فلسطي بكاملها با فيها بيت القدس‪ ،‬والدولة البيزنطيّة الن ترى‬
‫القوة السلميّة الناِفسَة لا تتهاوى‪ ،‬وفرصة استعادة الملك القدية واردة‪ ،‬والميع ف هذه الملة ‪-‬‬
‫باستثناء ريون ‪ -‬كان قد أقسم يي الولء للمباطور البيزنطي‪ ،‬وحت ريون نفسه كان قد أقسم‬
‫بماية شرف المباطور‪ ،‬كما أنه بالغ ف تضخيم دور المباطور ف اليام الخية وأثناء حصار‬
‫طرابلس‪.5‬‬
‫هذا كله يعن أن المباطوريّة البيزنطيّة من التوقّع أل تسكت على السيطرة الصليبيّة على‬
‫بيت القدس؛ ولذلك كان من الضروري للصليبيي أن يتاروا زعيمًا بسرعة ُيرَتّب الوضاع‪ ،‬وينظّم‬
‫اليوش‪ ،‬ويستعدّ لليام القادمة‪ ،‬خاصّةً أن الدولة العبيديّة قد تُحَاول استرداد بيت القدس بعدما‬
‫ظهرت لا أطماع الصليبيي بوضوح‪ ،‬كما أن السلمي ف الشرق وف اللفة العباسيّة قد يكون لم‬
‫دور ف اليام القبلة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 289.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Setton: op. cit. 1. p. 338.‬‬
‫‪ 3‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ‪.131‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ السلجقة ف بلد الشام ص ‪.246‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset: Hist, des Croisades, 1, p. 138.‬‬

‫‪109‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫من التحليل السابق يظهر أن التنافس مصور بي القائدَيْ ِن العسكريي جودفري بوايون‬
‫وريون الرابع‪ ،‬ولكي ل تدث مشاحنات بي الزعي َميْنِ اجتمع عموم الزعماء ليختاروا مَ ْن يتولّى‬
‫زعامة بيت القدس‪ ،‬وكان هذا ف ‪ 17‬من يوليو ‪1099‬م‪.1‬‬
‫ومع أن المي ريون كان أغزر مالً وأعظم ثروة‪ ،‬ومع أنه كان أكثر طموحًا ف التملّك‪،2‬‬
‫إلّ أن المراء اجتمعوا على اختيار جودفري بوايون ليكون حاكمًا لبيت القدس؛ لنم ف وجوده‬
‫سيكون لم رأي وأطماع‪ ،‬على العكس من ريون الذي يتصلّب ف رأيه‪ ،‬ول يقبل أحدًا معه ف‬
‫الكم‪.3‬‬
‫وهكذا أصبح جودفري بوايون زعيمًا لبيت القدس!‬
‫وقد حاول جودفري بوايون عند وليته لبيت القدس أن يُْبدِي شيئًا من التواضع يتناسب مع‬
‫الهمّة الدينيّة الزعومة الت خرجوا من أجلها‪ ،‬فقال ف البداية أنه يرفض هذه الولية؛ لن هذا شرف‬
‫كبي ل يستحقّه ليعطي النطباع الكاذب أنه ل يأتِ إل هذه البلد طمعًا ف ُم ْلكٍ‪ ،‬ول حُبّا ف‬
‫سيادة‪ ،‬ث قَبِل بعد ذلك ‪ -‬بالطبع ‪ -‬عندما أصرّ المراء عليه‪ ،‬ث رفض لقب أمي أو ملك‪ ،‬واختار أن‬
‫يُلقّب بلقب دين يد ّل على تواضعه‪ ،‬وهو "حامي بيت القدس"‪ ،4‬كما رفض أن يَ ْلَبسَ تاجًا من‬
‫الذهب والجوهرات ف بلدٍ َلِبسَ فيه السيح تاجًا من الشوك‪!5‬‬
‫لقد كانت تثيليّة متقنة لقناع العال أن الصليبيي ما جاءوا إل هذا الكان إ ّل نصرة للدّين‪،‬‬
‫وأن زعماء هذه الملة طيّبون ملصون متواضعون!‬
‫ولقد تعجّبت كثيًا عندما قرأت لبعض الؤلّفي السلمي الذين كتبوا عن الروب الصليبيّة‬
‫من مراجع غربيّة صليبيّة‪ ،‬عندما وجدتم يقولون‪ :‬إن اختيار جودفري بوايون كان يرجع إل طيبته‪،‬‬
‫وكذلك إل تواضعه وتقواه!!‬
‫سوْنَ أن هذا الختيار له كان ف يوم ‪ 17‬من يوليو ‪1099‬م‪ ،‬أي‬ ‫يقولون هذا الكلم وين َ‬
‫بعد يومي فقط من ذبح سبعي ألف مسلم مدن من الرجال والنساء والطفال‪ ،6‬وقَْبَلهُ ذبح أهل‬
‫أنطاكية ومعرّة النعمان كما مرّ بنا‪.‬‬
‫إنا أزمة النقل الرف عن الؤرّخي الغربيي دون إعطاء فرصة للعقل أن يتدبّر أو يفهم!‬

‫‪ 1‬وليم الصوري‪ :‬العمال النجزة وراء البحار ‪،446-1/444‬‬


‫‪Chalandon: pp 278-279; Grousset: 1, p. 165-168.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 291.‬‬
‫‪ 3‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/204‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 292-293.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Michaud: op. cit. 1, p. 436.‬‬
‫‪ 6‬ابن العبي‪ :‬تاريخ متصر الدول ص ‪ ،199‬وابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/19‬‬

‫‪110‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن التفسي النطقي لذه التصرفات من جودفري بوايون هو ماولة كسب ودّ وتعاطف بقيّة‬
‫الزعماء ليتمكّن من السيطرة على ال ِفرَقِ التباينة والختلِفة ف داخل الملة الصليبيّة‪ ،‬والذي ُيفَسّر‬
‫اختياره ِلَل َقبِ "حامي بيت القدس"‪ ،‬وهو التقرّب والتزلّف للكنيسة لَت ْقبَل به حاكمًا على بيت‬
‫القدس‪ ،‬فالتنافس بصفة عامّة بي اللوك والمراء وبي الكنيسة على الناصب والقطاعات والسلطات‬
‫كان كبيًا ومشتهرًا ف أوربا‪ ،‬فإذا أضفنا إل ذلك أن التنافَس عليه الن هو مدينة القدس القدّسة‪،‬‬
‫وإذا أضفنا أن الحرّك للجموع الصليبية والدبّر لكلّ تفصيلت الملة كان أح َد البابوات الهمي ف‬
‫تاريخ أوربا وهو أوربان الثان‪ ،‬إذا أدركنا كلّ ذلك عرفنا أنّ الميع كان يتوقّع قيادة كنيسة بيت‬
‫القدس‪ ،‬وهذا يفسّر ماولة جودفري بوايون الظهور بشكلِ الرجل ا ُلتَدَيّن جدّا ليجمع بي صفات‬
‫اللوك وصفات القساوسة!‬
‫وُي َعضّد هذا ويؤكّده ما فعله الصليبيون الزعماء‪ ،‬وف مقدّمتهم جودفري‪ ،‬حي قاموا باختيار‬
‫شرّف‪ ،‬بل إنّ هناك طعوناتٍ كثيةً ف‬ ‫بطريرك جديد للقدس‪ ،‬فاختاروا رجلً ضعيفًا ليس له تاريخ مُ َ‬
‫أخلقه بصفة عامّة‪ ،‬وف سلوكه أثناء الملة الصليبيّة بوجه خاصّ‪ ،‬وهذا الرجل هو أرنولف‬
‫مالكورن‪ ،‬وهذا حت ل يكون له أطماع ف قيادة بيت القدس‪ ،‬وسنرى ف مستقبل الحداث أنه ما‬
‫إن يأت رجل قوي يُمْسِك بزمام الكنيسة إل وستكون له أطماع واضحة ف حكم هذه الدينة‬
‫القدّسة‪.1‬‬
‫هذا ما يكن أن يقال عن تواضع جودفري بوايون قائد الملت الصليبيّة!‬
‫ث إنه بناسبة الديث عن الكنيسة ف بيت القدس‪ ،‬فإنه يب أن نعرف أن الصليبيي غيّروا‬
‫الوضاع تامًا ف الدينة‪ ،‬فاستبعدوا القساوسة الرثوذكس من كنيسة القيامة‪ ،‬مّا أثار استياء‬
‫السيحيي الحلّيّي‪ ،2‬لكن ل يكن لم يَدٌ ف التغيي‪ ،‬كما أَجْبَر جودفري القساوسة الرثوذكس على‬
‫إعادة صليب الصّلبوت ‪ -‬أو الصليب العظم ‪ -‬وكانوا قد أ ْخ َف ْوهُ‪ ،‬وهو الصليب الذي يزعمون‬
‫كَذِبًا أن السيح قد صُِلبَ عليه‪ ،3‬ول َيعُدْ أمام الرثوذكس ف بيت القدس ِسوَى َقبُول هذا‬
‫الوضع بعد فقدانم المل ف تعيي بطريرك أرثوذكسي؛ ليفتقد السيحيّون الشرقيّون جزءًا كبيًا من‬
‫الريّة الت كانوا َيْنعَمُون با ف ظ ّل حُكْمِ السلمي‪!4‬‬
‫والن؛ وَبعْدَ سقوط بيت القدس‪ ،‬هل تقّق حُلم الصليبيي وهدفهم‪ ،‬ومن ثَ ّم يَ ُكفّون عن‬
‫التوسّع والحتلل؟!‬

‫‪1‬‬
‫‪Raymond d` Aigles, p. 302.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 294.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Raymond d` Aigles, p. 302‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michaud: op. cit. 1, p. 438.‬‬

‫‪111‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ب دومًا التملّك والتكاثر؛ يقول ال ‪( :‬أَْلهَا ُكمُ التّكَاُثرُ‪ ،)1‬ويقول‬


‫ح ّ‬
‫إنّ َن ْفسَ النسان تُ ِ‬
‫رسول ال ‪َ" :‬لوْ كَانَ لبْنِ آ َد َم وَادِيَا ِن مِنْ مَالٍ لبَْتغَى ثَالِثًا‪ ،‬وَ َل يَمْلُ َج ْوفَ ابْنِ آ َدمَ إِلّ‬
‫الّترَابُ"‪ .2‬فهذه َرغَبَات النسان بصفة عامّة‪ ،‬فما بالُكم برغبات قُسَاة القلب‪ ،‬غلظِ الطّباع كهؤلء‬
‫المج الذين جاءوا من غرب أوربا؟!‬
‫لقد بدأ الصليبيون فورًا ف النظر إل ما حولم من مدن وُقرًى ليتوسّعوا أكثر وأكثر‪ ،‬والُجّة‬
‫هي تأمي الدينة القدّسة‪ ،‬وحاية الطرق الؤدّيَة إليها!!‬
‫والواقع الليم الذي كانت تعيشه ا ُلمّة جعل هذه الحلم الصليبيّة مؤلة‪ ،‬فالسلمون هنا‬
‫وهناك افتقروا إل زعامة ملِصة تمعهم على الكتاب والسّنّة‪ ،‬وافتقروا إل وَحْ َدةٍ تمع شلهم‪،‬‬
‫وافتقروا أيضًا إل رُوحٍ جهاديّة و ُحبّ للموت ف سبيل ال‪ ،‬فأذهلتهم مذاب ُح القدس‪ ،‬وق ّررُوا فعل أي‬
‫شيء ليتجنّبُوا الوت‪ ،‬ومن ثَمّ أُ ْطِل َقتْ أيدي الصليبيي ف فلسطي‪.‬‬
‫وكانت أوّل الدن الفلسطينيّة سقوطًا بعد القدس هي مدينة ناُبلُس‪ ،‬الت تقع على ُبعْدِ‬
‫خسي كيلو مترًا فقط شال القدس‪ ،‬وكان سقوطها مزريًا؛ حيث جاء أهلها بأنفُسُهم لتسليم الدينة‬
‫للصليبيي‪ ،‬فَتسَلّ َمهَا تانكرد ف (‪492‬هـ) أواخر يوليو ‪1099‬م‪.3‬‬
‫وف الرابع من أغسطس عام ‪1099‬م ‪ -‬أي بعد سقوط بيت القدس بعشرين يومًا ‪َ -‬وصَل‬
‫سقَلن لقتال الصليبيي‪ ،4‬واكتشف الصليبيون أمر اليش وهو ما زال‬ ‫اليش العبيديّ إل ميناء عَ ْ‬
‫باليناء‪ ،‬فأسرعت القوّات الصليبيّة من كل مكان‪ ،‬وحدث قتال كبي بي اليشي‪ ،‬وخاصّة أنّ كلّ‬
‫منهما يقوده الزعيم الكب ف كل جيش؛ فجيش الصليبيي على رأسه جودفري بوايون‪ ،‬وجيش‬
‫العبيديي على رأسه الفضل شاهنشاه بن بدر الَمَالِيّ‪ ،5‬وهو الوزير الوّل ف مصر والتحكّم ف‬
‫المور با‪ ،‬وهو أعلى سلطةً وأَجَلّ من الليفة العبيديّ نفسه‪.‬‬
‫دارت الوقعة ف (‪492‬هـ) الثان عشر من أغسطس عام ‪1099‬م‪ ،‬وما هي إلّ لظات‬
‫لمَالِيّ مع بعض مقرّبيه على‬ ‫قليلة حت تشتّت شل العبيديي‪ ،‬وقُتِلَ منهم العددُ الكبي‪ ،‬وف ّر الفضلُ ا َ‬
‫سفينة راجعًا إل مصر‪ ،‬وكانت هذه العركة خاتة للمحاولت الادّة من الدولة العبيديّة لسترداد‬
‫الفقود من أرض فلسطي‪.6‬‬

‫‪( 1‬التكاثر‪.)1 :‬‬


‫‪ 2‬البخاري‪ :‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب ما يتقى من فتنة الال (‪ .)6072‬ومسلم‪ :‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب لو أن لبن آدم واديي لبتغى ثالثًا (‬
‫‪ ،)1048‬والترمذي (‪ ،)2337‬وأحد (‪ ،)12250‬والدارمي (‪.)2778‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gesta Francorum, p. 209 & Guibert de Nogent, p304.‬‬
‫‪ 4‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.137‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Gesta Francorum, p. 209.‬‬
‫‪ 6‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.137‬‬

‫‪112‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سقَلن‬ ‫ث إننا ِنبّ أن نتوقّف وقفة مع ما حدث بعد ذلك من الصليبيي تاه مدينة عَ ْ‬
‫سلِمَة؛ لنرى طبيعة العَلقة بي زعماء اليش الصليب وأهداف القتال والغزو‪ ،‬ولنعرف أيضًا طبيعة‬ ‫الُ ْ‬
‫السلمي ف ذلك الوقت‪.‬‬
‫سقَلن مستغِّليَ الالة العنويّة العالية لنودهم‪ ،‬والحباط‬ ‫لقد حاصر الصليبيون فورًا مدينة عَ ْ‬
‫سلِ ِميَ‪َ ،‬فهُمْ ل طاقة لم بودفري وجنوده‪ ،‬فماذا‬ ‫الذي ُأصِيبَ به السلمون‪ ،‬وقد ُأ ْسقِطَ ف َيدِ الُ ْ‬
‫يفعلون؟!‬
‫سقَلن أ ّن الذي أخرج الامية العبيديّة من داخل بيت‬ ‫لقد ترامت النباءُ إل داخل أسوار عَ ْ‬
‫القدس بأمان هو العهد الذي أعطاه إيّاهم ريون الرابع أثناء عملية الغزو‪ ،1‬ولعلّه قد ترامى إليهم أيضًا‬
‫أنّ هناك خلفًا بي جودفري وريون على زعامة الصليبيي‪ ،‬وقد يكون ريون أعطى قبل ذلك المان‬
‫لنود الامية نكايةً ف جودفري‪ ،‬وكنوع من إثبات الوجود ف داخل اليش الصليب‪ ،‬ومن ثَمّ فقد‬
‫رأى أهل عسقلن أنم لو طلبوا المان من ريون الرابع فإنّ هذا سيكون أوقع‪ ،2‬حيث سََيتَحَمّس‬
‫سقَلن‪ ،‬فهو رجل يبحث عن إمارة له‪ ،‬فلماذا ل‬ ‫ريون لعارضة جودفري‪ ،‬ولكسب يَ ٍد عند أهل عَ ْ‬
‫تكون عَسْقلن هي إمارته‪ ،‬إذا كان سُيعْطيهم وعدًا بالياة!‬
‫هكذا فكّر أهل عسقلن!‬
‫ولقد صدق حَدْسُهم!‬
‫سقَلن‪ ،‬وتناقش فورًا مع جودفري لفكّ الصار عن‬ ‫لقد تمّس ريون لقضيّة أهل عَ ْ‬
‫عسقلن‪ ،‬لكن جودفري أيقن أ ّن ريون ل يريد رفع الصار عطفًا على أهل عسقلن‪ ،‬أو رغبة ف‬
‫إظهار ماسن الخلق‪ ،‬إنا أراد ذلك لتكون عسقلن إمارة له‪ ،‬وهذا يتعارض مع أهداف جودفري‬
‫نفسه‪ ،‬فهو يريد ليناء عسقلن أن يكون تابعًا لبيت القدس‪ ،‬حت يكون له مرجٌ كبي على البحر‬
‫البيض التوسط يستوعب المدادات البشريّة والعسكريّة والغذائيّة القادمة لدينة القدس الداخليّة‪،‬‬
‫كما يُريد موانئ ِتجَارِيّة تُْن ِعشُ اقتصاديّات بيت القدس؛ لذلك رفض جودفري صراحة أ ْن ُيعْطِيَ‬
‫ب بنوده من الصار‪ُ ،‬مفَضّلً أن تبقى‬ ‫ح َ‬
‫عسقلن لريون‪ ،‬وغضب ريون جدّا لدرجة أنه قرّر أنْ َينْسَ ِ‬
‫عسقلن ف يَدِ السلمي على أ ْن يأخذها جودفري بوايون‪!!3‬‬
‫وهذا ما حدث بالفعل!‬
‫لقد ضعفت قوّة الصار عن الدينة بعد انسحاب ريون‪ ،‬بل إ ّن ريون أسرع إل مدينة‬
‫أخرى هي ُأرْسُوف ؛ ليقوم معها بنفس الهمّة آملً أن تكون ُأرْسُوف هي إمارته‪ ،‬فأسرع خلفه‬

‫‪1‬‬
‫‪Setton: op. citn1. p.837.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 297.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Raoul de cam (Hist. Occid 111), p. 703.‬‬

‫‪113‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سقَلن‪ ،‬وكرّر نفس الوار مع ريون‪ ،‬فجودفري ‪ -‬الطيب كما يدّعون‪ ،‬والتقيّ‬ ‫جودفري تاركًا عَ ْ‬
‫كما يصفون ‪ -‬يُريد ُلرْسُوف أيضًا أن تكون تابعة له‪!1‬‬
‫واشت ّد غضب ريون‪ ،‬وإن كان ل يستطع أن يفعل شيئًا‪ ،‬كذلك َش َعرَ بقيّة المراء أ ّن هذا‬
‫الفكر الستحواذي الذي يتعامل به جودفري سيمنعهم من تنفيذ أي طموح‪ ،‬أو امتلك أي شيء‪،‬‬
‫وخاص ًة أنم أضعف من ريون؛ ولذلك فقد قرّر الميع أن يتركوا الساحة خالية لودفري!‬
‫أما ريون فقد توجّه إل الشمال ف مناطق ُلبْنَان والشام؛ ليبحث له عن ُم ْلكٍ بوار أنطاكية‪،‬‬
‫وأمّا بقيّة المراء ‪ -‬وعلى رأسهم روبرت النورمان‪ ،‬وروبرت دي فلندر فقد قرّروا العودة إل‬
‫فرنسا‪ ،2‬ول شكّ أنم حُمّلوا ف عودتم بكَمّيّات هائلة من الموال والغنائم ُي َعوّضهم عن ترك‬
‫الساحة بكاملها لودفري وجنوده‪ ،‬وهكذا ل يب َق مع جودفري من زعماء الملة الصليبيّة إل تانكرد‬
‫النورمان‪ ،‬الذي آثر أن يبقى مع جودفري ول يذهب إل خاله بوهيموند؛ حيث يُمْكِنُ له ف فلسطي‬
‫أنْ يستحوذَ على إمارة هنا أو هناك‪ ،‬ولو تت حكم جودفري العامّ‪ ،‬بينما سيكون الُكْمُ ف أنطاكية‬
‫مقصورًا على خاله فقط!! إنا الصال الشخصيّة فقط هي الت تكم تصرّف كل زعيم من زعماء‬
‫الملة الصليبيّة!‬
‫للِيل‪ ،‬فإن ُوفّق ف ذلك كان واليًا‬ ‫خيّب جودفري ظنّ تانكرد‪ ،‬إذ َأمَ َرهُ أنْ يت ّل إقليم ا َ‬‫ول يُ َ‬
‫عليه‪ ،‬وتمّس تانكرد جدّا للمهمّة‪ ،3‬ول تكن مسألةً صعبةً‪ ،‬فهو مع قلّة رجاله‪ ،‬وضعف إمكانياته‬
‫بعدَ رحيل العديد من المراء والنود إلّ أنّ أهل القليم كانوا أضعف‪ ،‬حت إنّه احتلّه ف فترة‬
‫وجيزة‪ ،4‬وأيضًا احت ّل مدينة طبية ف سهولة بعد أن هرب منها أهلها‪ ،5‬وَفعَلَ الشيء نفسه ف مدينة‬
‫للِيل تابعًا للصليبيي وتت إمارة‬ ‫بيسان ف النوب الشرقي لقليم الَلِيل‪ ،‬وهكذا صار إقليم ا َ‬
‫ل بذاته‪.6‬‬
‫تانكرد‪ ،‬على أن هذا القليم صار تابعًا لبيت القدس وليس مستق ّ‬
‫وهكذا صارت عدّة مُدُنٍ من مُدُن فلسطي تت سيطرة الصليبيي‪ ،‬منها بيت القدس ويافا‬
‫واللّدّ والرملة ونابُلُس وبَْيسَان وطبية‪ ،7‬وف نفس الوقت ل يستطع الصليبيون ف هذه الرحلة أن‬
‫سقَلن أو ُأرْسُوف ‪ ،‬ول يستطيعوا دخول ُلبْنَان ‪ ،‬حيث بقِيَت طراُبلُس وَبْيرُوت‬ ‫يتلّوا عكّا أو عَ ْ‬
‫وصيدا ف أيدي السلمي‪.8‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Alix, p. 498.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Setevenson: op. cit., p. 36.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Raoul de Caen p. 703 & Guillaume de Tyr, 1, p. 384.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 304.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Albert d`Aix, pp. 217-218.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, p. 384.‬‬
‫‪ 7‬قاسم عبده قا‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.130‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 181 & Albert d`Aix, pp. 507-511.‬‬

‫‪114‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومن الدير بالذّكر أنْ نعلم أ ّن القوّة الصليبيّة ف كل هذه الدن الفلسطينيّة الحتلّة ‪ -‬با فيها‬
‫بيت القدس ‪ -‬كانت ضعيفة جدّا؛ لَت َفرّقِ الاميات الصليبيّة بي هذه الدن الكثية‪ ،‬ولرجوع أعداد‬
‫لنْدِ إل فلسطي‪ ،‬وأيضًا لنسحاب ريون بيشه إل الشمال بعيدًا عن فلسطي وعن نفوذ‬ ‫كبية من ا ُ‬
‫جودفري‪ ،1‬وعلى الرغم من هذا الضعف إلّ أنّ القاومة السلميّة آنذاك كانت أضعف؛ حيث ُه ِزمَ‬
‫السلمون نفسيّا قبل أن ُي ْه َزمُوا عسكريّا‪ ،‬وشعروا أنّ قتال الصليبيي ضربٌ من الستحيل‪ ،‬وهذا أدّى‬
‫إل استقرار الصليبيي على الرغم من قلّة أعدادهم!‬
‫وقبل أن تتعجّب لعلّك ينبغي أنْ ُتفَ ّكرَ ف بقاء اليهود ف زماننا الن بأعدادهم القليلة جدّا‬
‫وسط هذا الكمّ الضخم الائل من السلمي؛ لندرك جيعًا أن القضيّة ليست قضيّة أعداد وعُدّة‪،‬‬
‫ولكنها قضيّة دين وعقيدة وفكر ورُوح‪.‬‬
‫ولكن ينبغي أيضًا أن َنقِفَ وقفة مع جودفري وسياسته ف السيطرة على الوضاع ف‬
‫فلسطي‪ ،‬على الرغم من قلّة أعداد جنوده واتساع الساحة الحتلّة‪ ،‬لقد سلك جودفري عدّة ُطرُق‬
‫ف معها بتدبّر؛ فالتاريخ يتكرّر!‬ ‫لتأمي الناطق الت يتلّها‪َ ،‬يحْسُنُ بنا أن َنقِ َ‬
‫ح ِريّ الوحيد حت هذه‬ ‫أوّلً‪ :‬عَمِ َل جودفري على تقوية وتصي ميناء يافا‪ ،2‬وهي ا َلْنفَذ البَ ْ‬
‫اللحظة لبيت القدس‪ ،‬وهي ِشرْيَان الياة الذي ينبغي أن يَظَلّ مفتوحًا وقويّا‪ ،‬ولقد َقوِي شأ ُن يافا‬
‫تِجَارِيّا وعسكريّا حت أثّرت ف كل الوانئ الحيطة با فيها موانئ مصر كالسكندريّة و ِدمْيَاط‪.3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التفاق مع المهوريّات اليطاليّة على إمداد بيت القدس بالساطيل التّجاريّة‬
‫والعسكريّة؛ وذلك لماية الشواطئ الفلسطينية‪ ،‬ولقد كانت المهوريّات اليطاليّة ف ذلك الوقت‬
‫وخاصّ ًة بيزا وجنوة والبندقيّة تتلك أقوى أساطيل البحر البيض التوسط‪ ،4‬وهكذا سيطر اليطاليّون‬
‫خَبتْ جذوة الوانئ السلميّة كثيًا‪ ،5‬بل إ ّن اليطاليي كانوا يهاجِمُون‬ ‫فعلً على مريات المور‪ ،‬ف َ‬
‫السفن القادمة من مصر؛ فيستولون على تارتا ويقتلون تُجّارَها‪ ،6‬ومع مرور الوقت ضعفت موانئ‬
‫سهّل بعد ذلك احتللَهم‪.‬‬ ‫عكّا وُأرْسُوف وغيها‪ ،‬مّا سيُ َ‬
‫ح ِدثُ آثارًا إعلميّة ضخمة‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫ثالثًا‪ :‬سياسة الرهاب والبطش والذابح البشعة الت تُ ْ‬
‫مثلً ما فعلوه مع بعض الزارعي من ُأرْسُوف الذين أمسك بم الصليبيّون أثناء خروجهم من‬

‫‪ 1‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/212‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/43‬‬
‫‪ 3‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/215‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Heyd: op. cit 1, pp. 134-136.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 183 & Heyd: op. cit. 1, p. 136.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Albert d`Aix p. 516.‬‬

‫‪115‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫حصونم لرعاية أراضيهم الزراعيّة‪ ،‬حيث ل َيكْتَفِ الصليبيّون بقتلهم بل وقطعوا أنوفهم وأي ِديَهم‬
‫وأرجلَهم؛ لبثّ ال ّرعْب ف قلوب السلمي‪.7‬‬
‫رابعًا‪ :‬حرص الصليبيون على طريقة خبيثة تُ َمكّ ُن لم السيطرة على البلد‪ ،‬وف نفس الوقت‬
‫تضمن لم أنْ تسيَ المور بصفة عامّة على ما ُيرَامُ‪ ،‬فسياسة الرهاب وحدها لن ت َؤدّيَ إل النتائج‬
‫الر ُجوّة‪ ،‬حيث قد يُسيطر الصليبيون على الوضاع أمنيّا‪ ،‬لكنهم سيتأثّرون سلبًا تاريّا ومدنيّا‪ ،‬فأعداد‬
‫الصليبيي قليلة‪ ،‬ومن ثَمّ فهم يتاجون إل الفلحي السلمي ليزرعوا الراضيَ الواسعة‪ ،‬ويتاجون‬
‫إل العُمّال السلمي ليقوموا بأعمال البناء والتشييد وتهيد الراضي‪ ،‬بل وِبنَاءِ القلع والصون‪ ،‬وهم‬
‫ف نفس الوقت يتاجون إل الشعب السلم هناك لكي يتعامل ِتجَارِيّا مع البضائع اليطاليّة والغربيّة‪،‬‬
‫وإلّ فَت َوقّف التّجارة سيؤدّي إل نفور السفن اليطاليّة عن البقاء ف هذا الكان‪ ،‬ومن ثَمّ ستضعف‬
‫حرِيّة لبيت القدس‪.‬‬ ‫القوّة البَ ْ‬
‫من أجل ذلك كلّه حرص جودفري على اتّباع سياسة جديدة حقّقت مصال جّة للصليبيي‪،‬‬
‫وهي سياسة مباحثات السلم!!‬
‫حقّق مصال هائلة له‪ ،‬ودون أن يسر شيئًا‪،‬‬ ‫لقد فكّر جودفري ف هذه السياسة الاكرة الت تُ َ‬
‫لقد عرض على الدن السلميّة الت ل تسقط بعدُ أن َتعْقِد معه اتفاقيّات سلم‪ ،‬يبقى فيها الُكْمُ ف‬
‫يَ ِد الاكم السلم‪ ،‬ول تدخل حامية صليبيّة ف داخل الدينة‪ ،‬وهذا الُكْ ُم الذاتّ سُيعْطِي الاكمَ‬
‫السلم ما يرغب فيه من قوّة تَسَلّطِيّة‪ ،‬ومن وضع اجتماعيّ‪ ،‬وسيُعطي الشعب المانَ الذي يُريده‪،‬‬
‫والستقرارَ القتصاديّ الذي يتمنّاه‪ ،‬ولكن ما هو القابل الذي سيأخذه جودفري؟!‬
‫إنه ليس من أدن شكّ أنّ أحلم جودفري التوسّعيّة لن تتوقّف‪ ،‬فلماذا َيقْبَلُ بثل هذه‬
‫الباحثات السّلْمِيّة‪ ،‬وهو الذي مَسَح منذ َأمَدٍ كلمة (السلم) من قاموسه؟!‬
‫إنا الصال الائلة التحقّقَة‪ ،‬وهي واضحة لك ّل مُحَلّلٍ ومدقّق ف الحداث‪ ،‬إ ّل مَ ْن عَ ِمَيتْ‬
‫بصيته‪ ،‬أو َأ ْغفَلَ النظرَ عمدًا؛ خيانةً منه للوطن وال ِع ْرضِ والدّين!!‬
‫وبعض هذه الصال يتلخّص فيما يلي‪:‬‬
‫أوّلً‪ :‬ولعلّ هذه أهمّ الصال مطلقًا‪ ،‬وهي "العتراف بدولة بيت القدس الصليبيّة"‪ ،‬أي‬
‫العتراف أن بيت القدس من حقّ الصليبيي‪ ،‬وليس للمسلمي أن يُطَاِلبُوا به ف يوم من اليام‪،‬‬
‫وُتصْبِحُ الفاوضات هي التوثيق الطبيعي لذا الكيان الصليب‪ ،‬وهذا سُيعْطِي شرعيّة قانونيّة للصليبيي‬
‫ضدّ السلمي‪ ،‬وأيضًا للبيزنطيي‪.‬‬
‫وهذا العتراف وإنْ كان شكليّا ف الوقت الاضر إلّ أ ّن آثارَه ف الستقبل ستكون ُم َعقّدة‬
‫جدّا‪ ،‬وسُيصْبِح من الصعب على البناء والحفاد أن يُطالِبوا بقّ فرّط فيه الباء والجداد‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 182.‬‬

‫‪116‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الصليبيون يُعانُون من نقص ف العداد‪ ،‬وهم وإن كانوا يس َعوْنَ الن لستقدام الفواج‬
‫النصرانيّة من أوربا ليستوطنوا ف فلسطي‪ ،‬إلّ أنم ف حاجة شديدة لليدي العاملة‪ ،‬ونقص اليدي‬
‫العاملة سيؤدّي إل بوار الرض وقلّة الغذاء‪ ،‬وعدم القدرة على بناء الستوطنات والصون‪ ،‬فلو‬
‫كانت هناك عَلقة سلم حقيقيّة لرج السلمون البسطاء ليعملوا ف الملك الصليبيّة‪ ،‬وحي يكثُر‬
‫الصليبيون القادمون من أوربا سُي ْطرَد السلمون من أعمالم‪ ،‬وقد يُ ْطرَدون من البلد بكاملها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التّجّار اليطاليّون سيجدون مشَْترِين لبضائعهم‪ ،‬وطريقًا مفتوحًا لبلد الشرق بكاملها‪،‬‬
‫ول شكّ أنّ هذا إغراءٌ كبي للجمهوريّات اليطاليّة يضمن بقاءها ف النطقة‪ ،‬وهي ضروريّة جدّا‬
‫لتأمي الصليبيي‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ست َؤدّي هذه الباحثات إل تقطيع الوشائج والعَلقات بي أهل فلسطي وبقيّة أقطار‬
‫العال السلمي‪ ،‬فهذه القطار َسَترَى أنّ العَلقة أصبحت سلميّة بي العد ّو والشعب الحتلّ‪،‬‬
‫وسيقولون أنّ أهل البلد قد ارتضوا ضياعه‪ ،‬وف ظلّ غياب ال َفهْ ِم السلمي الصحيح لن يُ ْدرِكَ‬
‫السلمون ف أقطار العال السلمي أنّ القضيّة ليست فلسطينية ملّيّة‪ ،‬بل هي إسلميّة عامّة‪ ،‬ول يقّ‬
‫لهل فلسطي ‪ -‬حت إذا أرادوا ذلك برغبتهم ‪ -‬أ ْن يبيعوا البلد لعداء السلمي‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬سيحدث انقسام خطي ف الجتمع الفلسطين‪ ،‬وكذلك ف الجتمع السلمي‬
‫كَكُلّ؛ فهناك فريق سَي ْرضَى بالتصال مع الصليبيي من أجل الياة‪ ،‬وسيضى بالتعايش السلمي مع‬
‫الحتلّ‪ ،‬وسيقبل بالمر الواقع ولو كان مُرّا‪ ،‬وهناك فريق آخر سيفع راية الهاد ف سبيل ال‪،‬‬
‫ويرفض الظلمَ‪ ،‬ويأب أن يبيع دينه وأرضه‪ ،‬وليس بُسَْتْبعَدٍ أبدًا أن يتناحر الطرفان ويتصارعان‪ ،‬بل قد‬
‫يصل المر إل القتال بالسلح‪ ،‬وهذا ما حدث تامًا؛ إذ كان ِلزَامًا ف وقت من الوقات على‬
‫الجاهدين ف سبيل ال أنْ ُيقَاتِلوا أولئك الذين َفرّطُوا ف كل شيء من َأجْلِ كرس ّي أو صفقة أو‬
‫سلِم‪ ،‬وَثَبَاتِ‬
‫أمان‪ ،‬ول يفى على أحد أنّ حدوث مثل هذا التصارع سيؤدّي إل فشل الصفّ الُ ْ‬
‫الحتّليَ ف الرض‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬ولع ّل من أخطر نتائج هذه الباحثات هي أنا ُت َؤدّي مع مرور الوقت إل تسكي‬
‫الرّوح العَدَائيّة عند السلمي تاه الصليبيي الحتلّي‪ ،‬فبعد مرور عدّة سنوات أو أجيال لن تُصبح‬
‫ب ومنهوب‪ ،‬ولن يُْن َظرَ إل الصليبيي على أنم‬
‫العَلقة بي الفريقي عَلقة ظال ومظلوم‪ ،‬أو مغتصِ ٍ‬
‫أعدا ٌء مرمون‪ ،‬ولكن ستُصبح العَلقة عَلقة صداقة و ِجوَار‪ ،‬ومودّة ووئام‪ ،‬وف غضون هذه الوضاع‬
‫ل وديعًا مبّا‬
‫القلوبة سيُْنزَعُ الهاد من قلوب الجيال القادمة‪ ،‬وسيى السلمون السفّاح الصليب رج ً‬
‫للسلم‪ ،‬وقد يُطلَق على هؤلء الراغبي ف السلم أنم المائم‪ ،‬ويُطلق على مَنْ يرفُض هذا الوضع‬
‫الُخِ ّل أنه إرهاب ُيرِيد َز ْع َزعَة الستقرار ف النطقة‪ ،‬وينظر تت قدميه ول يرى الستقبل‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سابعًا‪ :‬ف غضون هذه الباحثات السّلْمِيّة سُي ْ‬


‫حرَم السلمون من أيّ استعداد عسكري‪،‬‬
‫وسُتقَيّد حركتُهم‪ ،‬ولن يُسْمَح لم بتكوين جيش‪ ،‬بل قد يتفظون فقط بشرطة ملّيّة تَُنسّ ُق أمور‬
‫سيْطر الصليبيّون على كل الحاور‪ ،‬ولن يرج‬ ‫مدنم‪ ،‬دون القدرة على قتال اليوش الصليبيّة‪ ،‬وسيُ َ‬
‫مسلم من بلده إلّ بإذن الصليبيي‪ ،‬وكذلك لن يدخل إل هذه البلد ا ُلسْلِمَة مسلمٌ من بلد آخر‪،‬‬
‫وهكذا ستمرّ السنواتُ وَينْسَى السلمون ف هذه البلد كلّ ُطرُقِ الرب والقتال‪ ،‬وتتّسع الفجوة بي‬
‫الصليبيي والسلمي‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬سيدفع السلمون ف هذه البلد إتاوة سنويّة أو جزية للصليبيي ف سبيل استمرار هذه‬
‫العَلقة السلميّة‪ ،‬وهذه الزية إضافةً إل أنا ستستنف الطاقات السلميّة‪ ،‬وسُتْنعِش الكيان الصليب‬
‫فإنا سته ّز معنويّا أهل البلد السلم‪ ،‬فيشعرون دومًا بالتبعيّة للكيان الصليب‪.‬‬
‫هذه هي بعضُ الصال الت رأت اليوش الصليبيّة أنا ستتحقّق إذا ما أتّت مباحثات السلم‬
‫مع مسلمي فلسطي‪ ،‬وهي مصالُ هائل ٌة كما رأينا؛ ولذلك فليس مسَت ْغرَبًا أبدًا أ ْن نرى جودفري‬
‫السفّاح الذي أشرف على ذبح سبعي ألف مسلم منذ أيّام أو أشهر يدّ يَدَه بالسلم نو السلمي‬
‫الذين ل يتعرّضوا للمذبة!!‬
‫وما أكثرَ السفّاحي الذين يدّون أيديهم بالسلم!!‬
‫ولكن لستكمال الصورة فإننا ل بُدّ أن َن ْعلَمَ أنّ كُ ّل ما فعله الصليبيون هذا إنا هو مؤقّت‪،‬‬
‫وإل أَجَ ٍل ُمعَيّن‪ ،‬ويوم يَجِ ُد الصليبيون ف أنفسهم القدرة على نقض العهد‪ ،‬وإلغاء الفاوضات‪،‬‬
‫واحتلل البلد السلمة فإنم لن يتردّدوا ف ذلك مطلقًا‪ ،‬وستُصبح العاهدة حبًا على ورق‪ ،‬وسيحُلّ‬
‫السيف ملّ غصن الزيتون‪ ،‬وسيدفع السلمون ثن الغِشاوة الت وضعوها على أبصارهم وهم ُيسَاقُون‬
‫إل القصلة على َمرْأًى ومَسْمَعٍ من العالي‪.‬‬
‫وهكذا تّت هذه الباحثاتُ الثة ‪ -‬الت أُ ْطلِ َق عليها مباحثاتُ السلم ‪ -‬مع عدّة مدن‬
‫ل انتظارًا‬
‫سقَلن وُأرْسُوف وعكّا وقَْيسَارِيَة‪ 1‬وغيها‪ ،‬وطالت أعمار ساكنيها قلي ً‬ ‫فلسطينية مثل عَ ْ‬
‫لزحف صليب جديد عندما تي الفرصة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Aix p. 507-515.‬‬

‫‪118‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وقفة للتحليل بعد سقوط بيت القدس‬


‫الن وبعد سقوط بيت القدس ف قبضة الصليبيي‪ ،‬وبعد مرور أكثر من سنتي على نزول‬
‫الصليبيي أرض السلم نتاج أن نقف وقفة لتحليل الوضع‪.‬‬
‫فالمور أصبحت متشابكة جدّا‪ ،‬والقوى التنازعة على حكم الشام وفلسطي وآسيا الصغرى‬
‫كثية‪ ،‬ول بد من أخذ صورة عامة عن حال كل قوة على الساحة؛ لنفهم التطورات الت سنُقبل‬
‫عليها ف القصة بعد ذلك‪ ،‬وعليه فإننا سنقف هنا عشر وقفات مهمة‪:‬‬
‫الوقفة الول‪ :‬مع حال المارات الصليبية الت تكوّنت ف أرض السلم (خريطة ‪،)17‬‬
‫وحال الزعماء الصليبيي الذين قطعوا السافات لتحقيق أحلمهم التوسعية‪.‬‬
‫أول المارات تكوينًا كانت إمارة الرها‪ ،‬وتول قيادتا بلدوين أخو جودفري بوايون‪،‬‬
‫وكانت قاعدتا هي مدينة الرها غرب الفرات‪ ،‬واستطاع بلدوين أن يضم إليها مدينة سُمَيْساط‬
‫وسروج‪ ،‬وبذلك تكوّنت المارة ف شال الزيرة‪ ،‬أي النطقة الواقعة بي دجلة والفرات‪ ،‬وكذلك‬
‫غرب الفرات‪ ،‬وهي ف تقسيمات الدول الالية تضم أجزاء من العراق وسوريا وتركيا‪ ،‬وهذه المارة‬
‫كان يغلب على سكانا الرمن‪ ،‬ول تكن تدين بالولء حت هذه اللحظة للقوات الصليبية ول للدولة‬
‫البيزنطية‪ ،‬ولكنها كانت منفصلة مستقلة‪ ،‬وبذلك تققت فيها أحلم بلدوين‪.1‬‬
‫وأمّا المارة الثانية الت تكونت فهي إمارة أنطاكية‪ ،‬وهي مكوّنة من مدينة أنطاكية ف‬
‫الساس‪ ،‬وبعض الدن الصغية والقرى ف شالا وجنوبا وشرقها‪ ،‬وكان على رأس هذه المارة‬
‫بوهيموند النورمان‪ ،‬وبا غالب اليش النورمان‪ ،‬وسيطر عليها بوهيموند بعد صراع مع ريون الرابع‬
‫كونت تولوز‪ ،‬وكان غالبية السكان من النصارى الكاثوليك وهو جيش بوهيموند والنصارى‬
‫الرثوذكس‪ ،‬وكذلك الرمن الذين يعيشون ف هذه الدينة منذ أمدٍ‪ ،‬أما مسلمو الدينة فقد ذُبح‬
‫أكثرهم‪ ،‬وطُرد الباقي إل الناطق الجاورة‪.‬‬
‫وبذلك حقّق بوهيموند أطماعه هو الخر‪ ،‬وكوّن إمارة مستقلة عن القوات الصليبية‪ ،‬وأنكر‬
‫بوهيموند ف الوقت نفسه صلته الميمة بإمباطور الدولة البيزنطية ألكسيوس كومني‪ ،‬ومن ثَمّ‬
‫أصبحت إمارة أنطاكية معادية للدولة البيزنطية كما هي معادية للمسلمي‪2‬ن‪.‬‬
‫ومع أن المارتي السابقتي منفصلتان تامًا عن القوات الصليبية الت أكملت الطريق إل بيت‬
‫القدس‪ ،‬فإنّ وجودها كان له أكب النفع لذه القوات الصليبية الغازية؛ حيث كانت تقوم بدور عزل‬
‫القوات السلجوقية عن اليش الصليب‪ ،‬ومن ثَ ّم تأمي ظهره أثناء عملية التقدم إل بيت القدس‪ ،‬وقد‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬قاسم عبده قاسم‪ :‬ماهية الروب الصليبية ص ‪.123،122‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/161،160‬‬

‫‪119‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ظلت هاتان المارتان ‪ -‬وخاصةً إمارة الرها ‪ -‬تتحملن عبء صدّ الجوم القادم من شرق العال‬
‫السلمي ف السنوات اللحقة‪.‬‬
‫وثالث المارات تكوينًا كانت إمارة بيت القدس‪ ،‬والت لن تلبث إل قليلً ‪ -‬كما سيتبي لنا‬
‫‪ -‬حت تتحول إل ملكة متكاملة‪ ،‬فقد قامت على مساحة واسعة نسبيّا من أرض فلسطي تشمل‬
‫مدينة القدس ذاتا‪ ،‬إضاف ًة إل يافا وال ّرمْلة واللّدّ‪ ،‬مع عقد معاهدات استسلم مع عكّا وقَْيسَارِيَة‬
‫وُأرْسُوف وعَسْقلن‪ ،‬ورأس هذه المارة الديدة جودفري بوايون‪ ،‬وكانت أهم المارات‪ ،‬حيث إنا‬
‫تسيطر على أهم مدينة عند النصارى ف العال‪ ،‬وهي مدينة القدس؛ ولذلك حاول جودفري بوايون‬
‫أن يمع ف حكمه بي الشكل العلمان الذي يتميز به اللوك والمراء والشكل الدين الذي يتميز به‬
‫القساوسة والرهبان‪ ،‬ومن ثَمّ أطلق على نفسه لقب (حامي بيت القدس) بدلً من أمي أو ملك‪.‬‬
‫ومن الدير بالذكر أن أعداد الصليبيي كانت قد قلت جدّا‪ ،‬على الرغم من المدادات‬
‫القادمة عن طريق البحر بواسطة السفن اليطالية‪ ،‬ول يكن يُؤمّن كل إمارة إل عدد مدود من‬
‫النود‪ ،‬وإن كان تعرضهم لجمات السلمي كان قليلً؛ لذعر السلمي من الصليبيي بوجه عام‪.‬‬
‫أما الزعيم الفرنسي ريون الرابع فلم يد له إمارة حت الن‪ ،‬ولقد فشلت ماولته ف تكوين‬
‫إمارة خاصة به ف أنطاكية ث ف ِعرْقَةَ بلبنان‪ ،‬ث ف بيت القدس ث ف عسقلن‪ ،‬ومن ثَمّ فقد غادر‬
‫فلسطي كلها بيشه وهو غاضب‪ ،‬واته ناحية لبنان حيث سيسعى إل تكوين إمارة هناك حول‬
‫مدينة طَراُبلُس‪.‬‬
‫هذا هو حال اليش الصليب‪ ،‬ول شك أنه ‪ -‬على رغم قتل العدد الكبي وهلكه من اليش‬
‫‪ -‬حقّق ناحًا ملحوظًا بتكوين ثلث إمارات ف العال السلمي ف غضون سنتي تقريبًا من نزول‬
‫الراضي السلمية‪ ،‬وما زال راغبًا ف التوسّع والزيادة‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬مع الكنيسة البابوية ف روما‬
‫لقد دعت الكنيسة ف روما لذه الروب لتضم إل أملكها بيت القدس‪ ،‬وفيه كنيسة‬
‫القيامة‪ ،‬ول تقم بذه الملة بذه الصورة الضخمة من أجل توسيع متلكات بوهيموند أو بلدوين أو‬
‫ي (أدهار) ليكون‬ ‫جودفري أو ريون الرابع؛ ولذلك أرسلت الكنيسة على رأس الملة الندوب البابو ّ‬
‫زعيمًا لكل اليوش‪ ،‬وقد قام أدهار بدوره على الوجه الكمل‪ ،‬وكان صاحب كلمة مسموعة ف‬
‫اليش غي أنه مات فجأة ف (‪491‬هـ) أغسطس ‪1098‬م ف أنطاكية‪ ،‬وبذلك فقدت الكنيسة‬
‫ل مهمّا ف وقت حرج جدّا‪ ،‬ووصلت النباء متأخرة إل البابا أوربان الثان ف روما‪ ،‬فأرسل‬ ‫رج ً‬
‫مندوبًا بابويّا آخر (دايبت) رئيس أساقفة بيزا اليطالية‪ ،1‬ول يكن اختيار دايبت راجعًا لسن‬
‫ل لدينة بيزا القوية؛ ما سيجعل أساطيل بيزا القوية تقف إل جوار البابا‬
‫سياسته فقط‪ ،‬ولكن لكونه مثّ ً‬
‫‪1‬‬
‫‪Michaud: op. cit. 11, p. 9.‬‬

‫‪120‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ف تنفيذ مشروعه الصليب الكبي‪ ،‬هذا إضاف ًة إل خبة دايبت ف التعامل مع هذه المور العسكرية‪،‬‬
‫وخاصةً التعلقة بالسلمي حيث كان هو الندوب البابوي ف الروب الصليبية الت شنّها ملك قشتالة‬
‫السبانية النصرانية على السلمي ف الندلس‪ ،‬هذا على الرغم من السمعة السيئة الخلقية وانراف‬
‫السلوك الذي كان يشتهر به‪ ،1‬ولكن هذا كان أمرًا عامّا مشتهرًا ف الكنائس الوربية!‬
‫ي مكوّن من مائة وعشرين سفينة ف (‬ ‫وهكذا وصل دايبت على رأس أسطول بيز ّ‬
‫‪492‬هـ) صيف ‪1099‬م إل ميناء اللذقية ف الشام‪ ،‬ماو ًل الوصول قبل سقوط بيت القدس‬
‫ليسيطر على المور قبل جع اللوك والمراء‪ ،‬غي أنه وصل بعد احتلل الصليبيي لبيت القدس‬
‫لذِقِيّة‪ ،‬وذلك للتفاهم‬
‫وولية جودفري عليه‪ ،2‬ومن ثَ ّم انطلق إل بوهيموند أمي أنطاكية القريبة من ال ّ‬
‫معه حول الشأن الديد ف بلد الشام‪ ،3‬مع العلم أن البابا أوربان الثان مات بعد أسبوعي من‬
‫سقوط بيت القدس‪ ،‬وتول من بعده باسكال الثان كما مرّ بنا‪.‬‬
‫فهل تترك الكنيسة البابوية بيت القدس يسقط ف يد جودفري‪ ،‬أم تسعى الكنيسة للسيطرة‬
‫عليه؟! سؤال سوف تيب عنه اليام القادمة‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة‪ :‬مع الدولة البيزنطية‬
‫كانت الدولة البيزنطية تدف من وراء الستنجاد بالغرب الكاثوليكي أن تأت اليوش‬
‫الوربية كمرتزقة يهاجون السلجقة السلمي‪ ،‬ويستردون الدن البيزنطية لصال المباطورية‬
‫البيزنطية ف مقابل السلب والغنائم‪ ،‬أو ف مقابل الموال والعطايا كما هو معتاد مع الرتزقة‪ ،‬ول‬
‫يكن المباطور ألكسيوس كومني يتوقع أن تأت اليوش الوربية بذه الكثافة‪ ،‬ول بذه الطماع‬
‫والحلم؛ لذلك فُجعت الدولة البيزنطية من الوضع الديد‪ ،‬وبدأت تصطدم مع الواقع الذي ل‬
‫تسب له حسابًا‪ ،‬إذ كان من الواضح أن هذه اليوش جاءت لتبقى وتعيش‪ ،‬ل لتقاتل وترحل‪،‬‬
‫وصار هذا المر صريًا عند احتلل الرها وأنطاكية ث بيت القدس‪ ،‬ث إنا بدأت تسر الزعماء‬
‫الصليبيي واحدًا بعد الخر‪ ،‬ول يعد هناك من ل يزال على العهد والصداقة إل ريون الرابع‪ ،‬والذي‬
‫شعر أن آماله ف التملّك بدأت تتحطم ف الشرق السلمي‪ ،‬وأن أمله الوحيد ف مصادقة المباطور‬
‫البيزنطي؛ لعله يساعده ف تكوين إمارة خاصة به‪.‬‬
‫ومع هذا الوضع غي التوقع للدولة البيزنطية فإنا استطاعت أن تضم حت الن كل الدن‬
‫الواقعة ف غرب آسيا الصغرى على ساحل بر مرمرة الشرقي‪ ،‬كما أنا تسلمت الدينة الصينة نيقية‬
‫عاصمة قلج أرسلن زعيم السلجقة‪ ،‬ث تسلمت بعدها عدة مدن متتالية مثل قونية وهرقلة وغيها‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Runciman: op. cit 1, p.299.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset: op. cit. 1, p. 191.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Albert d`Aix p. 500-501.‬‬

‫‪121‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومع ذلك فوجودها ف هذه الناطق ما زال ضعيفًا؛ لنا غي مطمئنة للسلجقة النتشرين ف وسط‬
‫آسيا الصغرى وشرقها وجنوبا‪.‬‬
‫ول شك أن الدولة البيزنطية لن تسلم بسهولة بضياع الدن البيزنطية العريقة مثل أنطاكية‬
‫وطرسوس واللذقية وغيها‪ ،‬كما أنا ‪ -‬ل شك ‪ -‬تلم ببيت القدس الذي فقدته من أيام عمر بن‬
‫الطاب منذ أكثر من أربعمائة وسبعي سنة كاملة‪.‬‬

‫الوقفة الرابعة‪ :‬مع الليفة العباسي‬


‫كان الليفة ف ذلك الوقت ل يلك من أمره شيئًا‪ ،‬وإن كان يمل اللقب الكبي لقب خليفة‬
‫السلمي‪ ،‬ولكنه كان تت السيطرة السلجوقية التامة‪ ،‬وكانت جيوشه شرفيّة ل تستطيع أن تصد‬
‫هجومًا أو ترفع راية أو ترر أرضًا‪ ،‬ومن ثَمّ فقد قابل أنباء الحتلل الصليب بشيء من البود يعب‬
‫عن حالة الضعف الشديدة الت كان يعان منها‪ ،‬ول يكلف نفسه أن يشي على سلطان السلجقة‬
‫بقاومة هذا الحتلل العنيف‪ ،1‬ولعله كان مطمئنًا إل وضعه المن ف بغداد بعيدًا عن ساحل الشام‬
‫الذي يتعرض للهجمة الصليبية‪ ،‬وقد كان خليفة السلمي ف هذا الوقت هو الستظهر بال‪ ،‬وإن‬
‫كانت هذه معلومة غي مهمة؛ فأساء اللفاء ف هذه الفترة ل تكن تعن أي شيء ول أي قيمة!‪،‬‬
‫والذي حكم من سنة (‪ 487‬إل ‪512‬هـ\ ‪ 1094‬إل ‪1118‬م)‪ ،‬وكان يبلغ من العمر عند‬
‫وليته ستة عشر عامًا‪.2‬‬
‫الوقفة الامسة‪ :‬مع سلطان السلجقة العظام‪ ..‬بركياروق بن ملكشاه‬
‫والسلجقة العظام ‪ -‬كما مرّ بنا ‪ -‬هم السلجقة الذين يكمون فارس وما حولا‪ ،‬وكذلك‬
‫يهيمنون على اللفة العباسية والعراق بالتبعية‪ ،‬وهم أقوى السلجقة جيعًا‪ ،‬ولعلهم أقوى قوة‬
‫إسلمية ف ذلك الوقت‪.‬‬
‫ومع كونم ف هذه القوة فإنم ل يرّكوا ساكنًا لذه الحداث الساخنة الت تدور ف أرض‬
‫الشام‪ ،‬اللهم إل اليش الزيل الذي قاده كربوغا أمي الوصل بتوجيهٍ من بركياروق سلطان السلجقة‬
‫الكب‪.‬‬
‫ولاذا ل يتحرك السلجقة العظام لذه الزمة الطية‪ ،‬مع أن لم تاريًا مشرفًا ف حرب‬
‫الدولة البيزنطية قبل ذلك‪ ،‬وخاص ًة ف زمان جدهم العظيم حقّا ألب أرسلن؟!‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/20،19‬وابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.12/156‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/173‬‬

‫‪122‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لعله من الناسب لندرك الجابة على هذا السؤال أن نرجع قليلً عدة سنوات لنعرف‬
‫خلفيات العلقة بي بركياروق سلطان السلجقة ف فارس والعراق‪ ،‬وبي سلجقة الروم حي دخلت‬
‫القوات الصليبية‪.‬‬
‫لقد ترك ألب أرسلن بعد وفاته عدة أولد‪ ،‬فحكم ابنه الكب ملكشاه دولة السلجقة‬
‫العظام‪ ،‬ووصلت دولته ف زمان مدها إل حدود الصي شرقًا وإل الشام غربًا‪ ،1‬كما حكم ابنه‬
‫الخر تتش معظم الشام‪ ،2‬وكان راغبًا ف توسيع ملكه غي أنه كان يشى أخاه القوى ملكشاه‪،‬‬
‫ولكن عند وفاة ملكشاه ف سنة (‪484‬هـ) ‪1092‬م خلفه ابنه بركياروق على حكم دولة‬
‫السلجقة العظام‪ ،‬وكان بركياروق صغيًا ف السن ل يبلغ الامسة عشرة من عمره؛ ما أطمع عمه‬
‫تتش ف ملكه‪ ،‬ما أدى إل استغلله لالة الفوضى الناتة عن وفاة أخيه ملكشاه‪ ،‬ومن ثَمّ ترك بيشه‬
‫لخضاع حلب تت حكمه‪ ،‬بل وماولة الستحواذ على مدن أخرى من ملك بركياروق ابن أخيه‪،‬‬
‫وكانت حلب تت قيادة آقْ ُسْنقُر الاجب‪ ،‬وكان مواليًا لبكياروق‪ ،‬لكنه اضطر للرضوخ لتتش‬
‫لفرط قوته ولضعف بركياروق‪ ،‬ومن ثَمّ انضم إليه ظاهريّا‪ ،‬وسار معه هو وياغي سيان حاكم‬
‫أنطاكية السلم‪ ،‬وكذلك بوزان حاكم الرها السلم‪ ،3‬وكل هذه كانت مدنًا تابعة للكشاه قبل وفاته‪،‬‬
‫وترك هذا اليش الركّب جنوب فارس ليقاتل بركياروق ف سلطنته‪ ،‬وذلك ف سنة (‪485‬هـ)‬
‫‪1093‬م‪ ،‬وكاد تتش يُحقّق ما أراد‪ ،‬لول أن آق سنقر وياغي سيان تليا عن تتش ف هذه اللحظة‪،‬‬
‫وانضما إل سلطانما الول بركياروق‪ ،‬فتحطمت خطة تتش وعاد مسرعًا إل دمشق‪ ،‬وعاد آق‬
‫سنقر لكم حلب وبوزان لكم الرها‪ ،‬غي أنه ف سنة (‪486‬هـ) ‪1094‬م‪ ،4‬أعاد تتش هجومه‬
‫على حلب‪ ،‬فقاتله آق سنقر متحدًا مع بوزان‪ ،‬إل أنه هذه الرة انتصر تتش وقتل على الفور آق سنقر‬
‫وبوزان‪ ،‬ودانت له السيطرة على حلب ودمشق ومعظم الشام‪.5‬‬
‫وف سنة (‪487‬هـ)‪1095‬م ‪ -‬قبل الروب الصليبية بسنتي فقط ‪ -‬ترك تتش بقواته من‬
‫جديد لقتال ابن أخيه بركياروق‪ ،‬ووقع القتال فعلً بالقرب من ال ّريّ ف فارس‪ ،‬ولكن ف هذه الرة ل‬
‫يُهزم تتش فقط‪ ،‬بل وقتل ف أثناء العركة‪!6‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/395،394‬ابن العبي‪ :‬تاريخ متصر الدول ص ‪.186‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/418‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/487‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/489‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/110،109‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/495،494‬‬
‫‪ 6‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪ ،2/111‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.130‬‬

‫‪123‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومع كونه قُتل إل أن بركياروق اكتفى بكم فارس والعراق ول ياول ضم بلد الشام إليه‪،‬‬
‫فتقاسم حكمَها ولدا تتش؛ وها رضوان بن تتش على إمارة حلب‪ ،‬ودقاق بن تتش على إمارة‬
‫دمشق‪.1‬‬
‫وهكذا يتضح لنا أن بركياروق هو ابن عم زعماء حلب ودمشق‪ ،‬ول يكن مرد ابن عم‬
‫ل وقاتلً لبيهما‪ ،‬وهو يرى ‪ -‬ونن نرى معه كذلك ‪ -‬أن‬ ‫ماصم أو كاره لسياستهما‪ ،‬بل كان مقات ً‬
‫أطماع تتش كانت متجاوزة الد‪ ،‬وأنه ل يرع حرمة أخيه ملكشاه‪ ،‬ول حرمة أبيه العظيم ألب‬
‫أرسلن‪ ،‬ول حرمة الشعوب السلمة الت تزهق أرواحها ف حروبه‪ ،‬ول حرمة الدين السلمي الذي‬
‫يرم مثل هذا القتال النفعي الذي يثي الفتنة ف بلد السلم‪ .‬وهذا بالطبع يفسر لنا عدم حاسة‬
‫بركياروق ف ندة بلد الشام عند دخول الصليبيي‪.‬‬
‫هذا من جانب‪..‬‬
‫ومن جانب آخر فإنه قد حدثت ثورات أخرى‪ ،‬ومشاكل ضخمة ف إقليم فارس والعراق‪،‬‬
‫حيث قام أخو بركياروق وهو ممد بن ملكشاه بثورة على أخيه يطالب فيها بزء من الملكة‪،2‬‬
‫ودارت صراعات طويلة بي الانبي استمرت عدة سنوات‪ ،‬ول شك أن هذه الثورات والصراعات‬
‫شغلت بركياروق وأخاه ممد عن مشاكل السلمي ف أرض الشام وفلسطي‪.‬‬
‫إن المة ف ذلك الوقت صارت كالت نقضت غزلا من بعد قوة أنكاثًا‪ ،‬فبعد القوة البالغة ف‬
‫زمان ألب أرسلن‪ ،‬وبعد النتشار الهيب ف زمان ملكشاه بن ألب أرسلن‪ ،‬وصلنا إل تلك الالة‬
‫الت وصفنا‪ ،‬ولقد جنيناه على أنفسنا‪ ،‬وما جاناه علينا أحد!!‬
‫الوقفة السادسة‪ :‬مع الليفة العبيدي (الفاطمي) بالقاهرة‬
‫كان الليفة العبيدي ف ذلك الوقت هو الستعلي بال‪ ،‬وكان مثل غيه من اللفاء العبيديي‬
‫إساعيلي الذهب‪ ،‬شديد التطرف ف معتقده‪ ،‬حاقدًا على أهل السنة‪ ،‬يعتبهم العدو الساسي له‪ ،‬ل‬
‫يانع ف سبيل عداوتم من أن يضع يده ف أيدي الصليبيي أو غيهم من أعداء المة‪ ،‬ولقد رأينا‬
‫سفارتي منه إل الصليبيي تعرضان عليه التعاون لتقسيم الشام السن بينهما‪ ،‬غي أنّ هذه السفارات ل‬
‫تفلح؛ لن الصليبيي كانوا يريدون الشام كله لم‪ ،‬وخاص ًة بيت القدس الذي يطمع ف حكمه‬
‫العبيديون‪ ،‬ورأينا كيف أخرج الصليبيون العبيديي من بيت القدس دون مقاومة تذكر‪.3‬‬
‫ومع ذلك فالعبيديون ما زالوا يسيطرون على عدة مدن على ساحل الشام وفلسطي منها‬
‫عسقلن وعكا وبيوت وصور‪ ،‬وبعض هذه الدن دخل ف معاهدة مع الصليبيي كعكا وعسقلن‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/120‬‬


‫‪ 2‬ابن العبي‪ :‬تاريخ متصر الدول ص ‪.197‬‬
‫‪ 3‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.135‬‬

‫‪124‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫والخر ما زال يدرس الوضاع‪ ،‬لكن هل ستسكت الدولة العبيدية على ضياع جزء كبي من‬
‫متلكاتا مثل فلسطي؟ وهل ستترك عدوًا قويّا كالصليبيي على الدود الشرقية لعقلها الخي ف‬
‫العال وهو دولة مصر؟ إن هذا سؤال ستتحدد إجابته ف خلل الشهور والسنوات القبلة‪.‬‬
‫ولعله من الضروري أن نعرف أن مقاليد الكم القيقية ف الدولة الصرية آنذاك‪ ،‬ل تكن ف‬
‫يد الليفة نفسه‪ ،‬ولكنها كانت ف يد الوزير القوي الفضل بن بدر المال‪ ،‬كما ينبغي أن نعرف أن‬
‫جيش العبيديي الرئيسي كان معتمدًا على الغاربة الذين أتوا مع اليوش الول الت احتلت مصر سنة‬
‫(‪358‬هـ) ‪969‬م‪ ،‬وأيضًا على النود القادمي من السودان وغيها من البلد البعيدة‪ ،‬ول يكن‬
‫بيشهم عدد يذكر من الصريي؛ لن الصريي ‪ -‬على الرغم من حكمهم بالشيعة فترة طويلة من‬
‫الزمان تاوزت حت زمن الروب الصليبية ‪ -‬ل يتشيعوا مطلقًا‪ ،‬وظلوا متفظي بطابعهم السن على‬
‫الرغم من قهر العبيديي لم‪.‬‬
‫وهكذا خرجت قلعة عظيمة من قلع السلم وهي مصر من معادلة القوى الؤثرة ف‬
‫الحداث؛ حيث قاد دفّة المور فيها من ل يرجو رفعة‪ ،‬ول عزّا إل لنفسه فقط‪ ،‬ومن ل يضع أحلم‬
‫المة وأمنياتا ف حساباته ول قدر أنلة!‬
‫الوقفة السابعة‪ :‬مع حكام السلمي ف منطقة الشام‪..‬‬
‫كان الشام مقسمًا ف ذلك الوقت ‪ -‬بل مبالغة ‪ -‬إل عشرات المارات‪ ،‬وعلى كل إمارة‬
‫زعيم يعتقد أنه مور العال‪ ،‬ويُصوّره إعلمه على أنه الرجل الوحد الكيم الذي ل يتكرر ف‬
‫التاريخ‪ ،‬والذي ل ‪ -‬ولن ‪ -‬تنجب البلد مثله!! لقد كانوا ف تثيلية وهيّة خدعوا با أنفسهم‪،‬‬
‫وخدعوا با شعوبم‪ ،‬ث جاءت الملة الصليبية لتكشف للجميع زيف هذه الزعامات الفارغة‪.‬‬
‫ول يكن من همّ هؤلء المراء واللوك إل الفاظ على كراسيهم وأملكهم‪ ،‬وعلى هذا فلم‬
‫يكن يعنيهم من قريب ول بعيد أمر الصليبيي إذا احتلوا الشام بكامله وتركوهم دون أذى‪ ،‬وعليه فلم‬
‫يتحرك هؤلء إل عندما شعروا بالطر يتهددهم هم شخصيّا‪ ،‬وحت عندما ترّكُوا تركوا بعاهدة‬
‫مزية أو برب فاشلة أو بروب فاضح!!‬
‫وكان أهم ملوك الشام ‪ -‬ف ذلك الوقت ‪ -‬رجلي ها‪ :‬ملك دمشق دقاق بن تتش‪ ،‬وملك‬
‫حلب رضوان بن تتش‪ ،‬وكانا شخصيتي نفعيتي بعيدتي كل البعد عن السلوك السلمي‪ ،‬ول يكن‬
‫المر يقف عند هذا الد‪ ،‬بل كانا ‪ -‬مع أنما أشقاء ‪ -‬ف حرب مستمرة وعداء مُطّرد‪ ،‬وكأنما‬
‫ورثا قطيعة الرحم وغياب الرؤية من أبيهما تتش بن أرسلن؛ ولذا ل يكن هناك من سبيل لتوحيد‬
‫جهود حلب ودمشق لقاومة الغزو الصليب‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وفوق هذه الأساة الت كان يعيشها هذان الاكمان وغيها‪ ،‬فإن رضوان بن تتش كان‬
‫يعيش مأساة أخرى من طراز أشنع؛ فقد رأى رضوان بن تتش أن القوى من حوله تتكاثر وهو‬
‫ضعيف؛ لذلك فكر ف وسيلة يُقوّي با مركزه‪ ،‬فقرر التعاون مع الدولة العبيدية ف مصر‪ ،‬ول يكتفِ‬
‫مع مرور الوقت بالتعاون معهم بل صار من دعاتم‪ ،‬ومن الذين يتبنّون الفكر الشيعي الساعيلي‪،‬‬
‫ومن ثَمّ عيّن دعاة الساعيلية ف حلب ف الناصب الكبية‪ ،‬وصار لم ف حلب جاهٌ عظيم وقدرة‬
‫فائقة‪ ،‬وأصبح زعيم الباطنية الساعيلية ف حلب ‪ -‬وهو الكيم النجم ‪ -‬مقربًا جدّا من رضوان‪،‬‬
‫وأثار هذا استياء عامة قواد وأمراء السلجقة ف كل مكان؛ لن السلجقة سُنّة منذ إسلمهم‪ ،‬بل‬
‫ويتولون الدفاع عن الذهب السن ف كثي من الواقف ف حياتم‪ ،‬وهم الذين أنقذوا اللفة العباسية‬
‫قبل ذلك ف سنة (‪447‬هـ) ‪1055‬م من الكم البويهيّ الشيعي‪1‬؛ لذلك كان مستغربًا من رضوان‬
‫جدّا أن يأخذ هذا التوجّه الذي يدل على شخصية نفعيّة بتة‪ ،‬ل تبحث إل عن مصالها بدون النظر‬
‫إل أي اعتبارات أخرى‪.‬‬
‫كانت هذه هي طبيعة حُكّام النطقة إبّان دخول القوات الصليبية ف الشام‪.‬‬
‫الوقفة الثامنة‪ :‬مع قلج أرسلن وسلجقة الروم‬
‫لقد مرّ بنا الغزو الصليب لآسيا الصغرى ف بادئ المر‪ ،‬وقتال السلجقة وعلى رأسهم‬
‫سلطانم قلج أرسلن‪ ،‬وإسقاط عاصمتهم نيقية وغيها من الدن‪ ،‬غي أن هذا الصدام من الصليبيي‬
‫ل يكن بدف احتلل آسيا الصغرى‪ ،‬إنا كان مرد تصفية للقوى الت تواجه اليوش ف طريقها إل‬
‫الشام‪ ،‬وهذا تدبي خبيث من المباطور البيزنطي ألكسيوس كومني‪ ،‬الذي أراد أن تسلك القوات‬
‫الصليبية هذا الطريق لتقضي على العدو التقليدي للدولة البيزنطية ف ذلك الوقت وهم السلجقة‪،‬‬
‫وبذلك تسترد المباطورية مدنا القدية‪ ،‬وكان من المكن للدولة البيزنطية ‪ -‬لو أرادت ‪ -‬أن تنقل‬
‫اليوش الصليبية بأساطيلها الضخمة إل سواحل الشام القريبة من بيت القدس مثل يافا أو عسقلن‬
‫أو حيفا‪ ،‬لكنّ كل فريق ‪ -‬كما هو واضح ‪ -‬يبحث عن غاياته وأهدافه‪.‬‬
‫ولذلك ‪ -‬على الرغم من العارك العنيفة الت دارت ف آسيا الصغرى‪ ،‬وأهها معركتا نيقية‬
‫ودوريليوم ‪ -‬فإن القوات الصليبية ل تشأ أن تكث ف أراضي آسيا الصغرى‪ ،‬وخاصةً أن هذه‬
‫الراضي ذات طبيعة جغرافية صعبة‪ ،‬تعل السيطرة عليها مهمة شاقة‪ ،‬كما أنا قريبة من المباطورية‬
‫البيزنطية صاحبة الطماع‪ ،‬إضافةً إل أن القوات الصليبية َفقَدت ف هذه العارك‪ ،‬وف أثناء الطريق إل‬
‫أنطاكية عددًا كبيًا من جنودها‪ ،‬ما جعل إبقاء حاميات صليبية ف هذه الدن الكثية أمرًا ف غاية‬
‫الطورة‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/323‬‬

‫‪126‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لكل هذا قررت اليوش الصليبية أن تسحب قواتا من آسيا الصغرى‪ ،‬ول تسعى للتوسع‬
‫فيها‪ ،‬اللهم إل ف الدن القريبة من إمارت أنطاكية والرّها الجاورتي لسيا الصغرى‪ ،‬ولذا بعد فترة‬
‫قصية من الروب الصليبية خلت منطقة آسيا الصغرى من أي وجود صليب‪ ،‬وأصبحت السيطرة‬
‫على هذه الناطق موزعة بي الدولة البيزنطية ف الغرب والشمال‪ ،‬وبي السلجقة ف الوسط والشرق‪.‬‬
‫ولذا فعلى الرغم من الزائم ا ُلرّة الت تلقاها سلجقة الروم على يد الصليبيي فإنم ل يفقدوا‬
‫وجودهم ول أعدادهم؛ غاية المر ضياع غرب آسيا الصغرى‪ ،‬ومموعة من قلع الوسط‪ ،‬أما‬
‫جيوشهم وشعوبم فكانت موجودة ف أماكن متلفة من هذه الناطق‪ ،‬مستغل ًة الطبيعة البلية الوعرة‬
‫لسيا الصغرى بصفة عامة‪.‬‬
‫وكان على رأس السلجقة ف هذه الناطق سلطانم قلج أرسلن الذي خسر الكثي ف‬
‫صدامه مع الصليبيي‪ ،‬ولكنه ‪ -‬ل شك ‪ -‬سيظل يبحث عن ملكه الضائع‪ ،‬وعن ثروته الت بددت‪.‬‬
‫ول يكن قلج أرسلن ول السلجقة هم القوة السلمية الوحيدة ف آسيا الصغرى‪ ،‬ولكن‬
‫كان هناك ‪ -‬كما فصّلنا قبل ذلك ‪ -‬بيت بن الدانشمند‪ ،‬والذين كانوا يسيطرون على الشمال‬
‫الشرقي‪ ،‬وكانوا دومًا ف نزاع مع السلجقة‪ ،‬ول يتحدوا معهم إل مؤقتًا عند دخول الصليبيي‪ ،‬ث‬
‫عادت العلقة للتوتر بعد ذلك كما هو متوقع‪.‬‬
‫ماذا سيكون ردّ فعل قلج أرسلن وقبائل الدانشمند على الوضاع الديدة؟ وكيف سيكون‬
‫الوضع ف آسيا الصغرى؟ هذا سؤال يتاج إل إجابة!‬
‫الوقفة التاسعة‪ :‬مع نصارى الشام وآسيا الصغرى‬
‫توجد أعداد كبية من النصارى ف منطقة الشام وفلسطي‪ ،‬وكذلك ف آسيا الصغرى‪،‬‬
‫ومرد وجود هذه العداد الكبية دليل على ساحة السلم وعدله‪ ،‬فعلى الرغم من مرور خسة قرون‬
‫على الكم السلمي فإنّ هؤلء الخالفي لدين السلم ما زالوا يعيشون ف البلد دون قتل أو طرد‬
‫مثلما اعتاد الصليبيون أن يفعلوا بنا ف البلد الحتلة ف الندلس‪ ،‬هذا فضلً عن الشهادات النصفة‬
‫الت تشهد للمسلمي بذا العدل على مرّ العصور‪.‬‬
‫وغالبية نصارى الشام ينتمون إل الطائفة الرثوذكسية‪ ،‬ويتبعون معقل الرثوذكسية الول‬
‫ف العال‪ ،‬وهو مدينة القسطنطينية عاصمة المباطورية البيزنطية‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬جعل ولءَهم‬
‫السياسي والعسكري والدين ف القام الول لذه المباطورية‪ ،‬غي أن هؤلء النصارى فرحوا جدّا‬
‫بالغزو الصليب‪ ،‬ومهّدوا له الطريق بكل وسيلة لنم ف النهاية مسيحيون‪ ،‬إضافةً إل أن المارات‬
‫والمالك الصليبية كانت تعتمد على هؤلء النصارى ف معظم العمال؛ لنا كانت ل تُبقِي السلمي‬
‫ف داخل إماراتم‪ ،‬ولذا صار للنصارى وضع يدفع إل رغبتهم ف استمرار الال على ما هو عليه‪،‬‬

‫‪127‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كل هذا مع كون النصارى الرثوذكس على خلف كبي مع الذهب الكاثوليكي‪ ،‬لكن الصليبيي‬
‫كانوا من الذكاء ف أنم ل يثيوا هذه القضية‪ ،‬غاية المر أنم كانوا يُقلبون الكنائس الكبى إل‬
‫كاثوليكية‪ ،‬لكن يتركون كل نصران على عقيدته الاصة‪.‬‬
‫أما غالبية نصارى آسيا الصغرى فكانوا من الرمن‪ ،‬وهؤلء ‪ -‬على عكس نصارى الشام ‪-‬‬
‫ل تكن أحلمهم تقتصر على مرد رغد العيش أو فرصة العمل‪ ،‬ولكنهم كانوا يريدون دولة وسيادة‪،‬‬
‫وهم قد عاشوا فترة طويلة ف تبعية الدولة البيزنطية‪ ،‬ث بعدها ف تبعية السلجقة‪ ،‬وهم يتبعون كنيسة‬
‫خاصة بم أقرب إل الكاثوليكية‪ ،‬وإن كانت مستقلة‪ ،‬وأعدادهم كانت كبية‪ ،‬ولم تاريخ بالنطقة‪،‬‬
‫ولم لغة خاصة بم؛ لكل هذا ل تقف رغبتهم عند مرد التبعية لحد‪ ،‬ولذا تمعوا ف معظمهم ف‬
‫جنوب شرق آسيا الصغرى‪ ،‬وخاصة ف إقليم قليقية كما مر بنا‪ ،‬وهم سعدوا بالروب الصليبية لنم‬
‫رأوا فيها ‪ -‬بدايةً ‪ -‬خلصًا من السلجقة السلمي‪ ،‬وأيضًا خلصًا من الدولة البيزنطية‬
‫والرثوذكسية الخالفة لم ف العقيدة؛ ولذلك أحسنوا استقبال الصليبيي واعتبوهم مرّرين لم‪ ،‬وإن‬
‫كانوا ل يذوقوا بعدُ طريقة الكم الورب‪ ،‬والت تعتمد ف الساس على النظام القطاعي الستعبادي؛‬
‫ولذلك فسنرى بعد ذلك كيف سيكون التعامل على ضوء العطيات الديدة‪.‬‬
‫كما أن بعض الرمن استغلوا سوء الوضاع السياسي‪ ،‬وانشغال السلجقة والبيزنطيي‬
‫والصليبيي ف الروب الستمرة‪ ،‬واستقلّ ببعض الدن‪ ،‬وخاصةً الوجودة ف البال النوبية الشرقية ف‬
‫آسيا الصغرى‪ ،‬ليؤسس شبه إمارة تعتمد كليّا على الرمن‪ ،‬ومن هؤلء على سبيل الثال كوغ باسيل‬
‫الرمن الذي أسس إمارة أرمنية خالصة قوية‪ ،‬كان مركزها ف الساس مدينت كيسوم ورعبان‪،‬‬
‫وازداد نفوذه واتسع لدرجة أقلقت الصليبيي أنفسهم‪.‬‬
‫ومن العلوم أن غالب سكان إمارة الرها ف أول نشأتا كانوا من الرمن‪ ،‬ول شك أن هذا‬
‫سيكون له أثر على سي الحداث ف اليام القبلة‪.‬‬

‫الوقفة العاشرة والخية‪ :‬مع الشعوب السلمة!‬


‫َينْحَى كثي من الؤرخي دائمًا باللوم الكامل على طائفة الكام والسياسيي‪ ،‬ول يعلق ‪ -‬ل‬
‫من قريب ول من بعيد ‪ -‬على الشعوب الت تعيش تت حكمهم‪ ،‬ول شك أن دور الكام كبي‬
‫ومؤثر‪ ،‬ول شك أيضًا أن الشعوب من السئولية تاه الحداث الؤسفة الت شهدتا النطقة ف هذه‬
‫القبة من الزمان‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فالكام إفراز طبيعي للشعوب‪ ،‬وكما يقول رسول ال ‪" :‬كَمَا تَكُونُوا ُيوَلّى َعلَيْ ُكمْ"‪1‬؛‬
‫ل صالًا‪ ،‬والشعب الجاهد ييسر له رب العالي قائدًا ماهدًا‪،‬‬ ‫فالشعب الصال يُقيّض له ال رج ً‬
‫أما الشعب الانع الضعيف الراغب ف مرد الصول على لقمة العيش أو على وظيفة طيبة‪ ،‬فإنه يُبتلى‬
‫باكم ظال يُضيّع عليه الدنيا والدين‪ .‬إن الاكم ل يستمد قوته حقيق ًة إل من شعبه‪ ،‬وإل فمن هو‬
‫الاكم بدون شعبه؟ من الاكم بدون جيشٍ ووزارات وسفارات ومصال حكومية وموظفي وعمال‬
‫وتار وغيهم؟ من هو الاكم إذا تلى عنه كل هؤلء؟ ث من الذي فرض على الشعب أن يسي‬
‫وراء حاكمٍ بائع لدينه ووطنه‪ ،‬ومبدلٍ لشرع ال قادح فيه؟ أهو السيف والسوط فقط؟! أل يعلم هذا‬
‫الشعب أن الجل ل ينقص ساعة‪ ،‬وأن الرزق ل يقل درهًا عما قدّره رب السموات والرض؟! إن‬
‫ع فاهم‪ ،‬وهذه ليست بديهيات مستحيلة‪ ،‬فكثي من‬ ‫هذه بديهيات ل تغيب عن ذهن شعب وا ٍ‬
‫شعوب الرض على اختلف مللهم وعقائدهم َفهِمُوا هذه البديهيات فعاشوا حياة كرية‪ ،‬أفل‬
‫يفهمها السلمون الذين أنعم ال عليهم بقرآن وسنة؟!‬
‫إننا ل يب أن نعفي الشعوب الت رضيت برضوان ودقاق وغيها من الزعامات التافهة الت‬
‫خربت البلد‪ ،‬وظلمت العباد‪ ،‬وفتحت الطريق للد أعداء المة ليسيطروا على مقدراتنا دون عناء‪،‬‬
‫ول يب أن نعفي الشعوب الت رضيت بالكم الصليب ف مقابل أن يسمح لم أن يعيشوا بضع‬
‫ساعات أكثر‪ ،‬ول يب أن نعفي الشعوب الت ما زالت تتعامل بالبيع والشراء مع عدو سفك دمها‬
‫واستحل أرضها وأحرق مساجدها ونب ثرواتا‪ ،‬كما ل يب أبدًا أن نعفي الشعوب الت مسحت‬
‫من قاموسها كلمة (الهاد)‪ ،‬حت ف أحرج الواقف الت تتل فيها البلد‪ ،‬ويصبح الهاد فرض عي‬
‫على كل السلمي‪ ،‬بل إن كل شرائع العال السماوية والوضعية ل تنكر على شعب احتلت أرضه أن‬
‫يقاوم ويقاتل وياهد‪ ،‬فكيف بشعبٍ مسلم جعل ال له الهاد ذروة سنام دينه؟!‬
‫إن هذا الكلم ليس قاسيّا أبدًا‪ ،‬بل هو واقعي تامًا‪ ،‬وسنرى أنه يوم تدرك الشعوب دورها‪،‬‬
‫وتتحرك طالبة من حاكمها إما أن ياهد لرفع الظلم‪ ،‬وإما أن يترك السئولية لغيه ليصلح الوضاع‪،‬‬
‫حي نرى هذا اليوم ستتغي الوضاع‪ ،‬وتتبدل الحوال‪ ،‬ويرفع الظلم‪ ،‬ويُمحى الذل‪ ،‬ويبدأ الشعب ف‬
‫الوصول إل ما يب أن يصل إليه‪.‬‬
‫إذن كان هذا هو الال بعد سنتي من دخول القوات الصليبية إل أرض السلم‪ .‬ويكن أن‬
‫نلخص ذلك ف النقاط العشر التالية‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تكونت ثلثة إمارات صليبية هي الرها وأنطاكية وبيت القدس‪ ،‬وما زال ريون الرابع‬
‫يبحث له عن إمارة‪.‬‬
‫‪ 1‬رواه أبو عبد ال القضاعي ف مسنده الشهاب (‪ ،) 577‬والبيهقي ف شعب اليان بلفظ "يؤمر عليكم" (‪ )7391‬وف سنده يي بن‬
‫هاشم وهو ضعيف وضعفه اللبان ف السلسلة الضعيفة (‪.)320‬‬

‫‪129‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أرسلت الكنيسة ف روما أسقف بيزا دايبت ليحاول فرض سيطرة الكنيسة على بيت‬
‫القدس‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬استطاعت الدولة البيزنطية أن تسترد غرب آسيا الصغرى‪ ،‬ولكنها فقدت أنطاكية‬
‫والرها وبيت القدس‪ ،‬ول شك أنا لن ترضى بذا الوضع‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الليفة العباسي ضعيف جدّا‪ ،‬ول يُرجى منه تغيي الوضع التأزم‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬السلطان بركياروق سلطان السلجقة ف فارس مشغول بالفت الداخلية ف دولته‪،‬‬
‫فضلً عن خلفه العميق مع أمراء الشام‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الليفة العبيدي ف القاهرة له أطماعه الاصة ف بيت القدس وفلسطي‪ ،‬وإن ل تكن‬
‫له القدرة الكاملة على مواجهة الصليبيي‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬حكام المارات السلمية ف منطقة الشام ضعفاء جدّا من الناحيتي اليانية والدارية‬
‫على حد سواء‪ ،‬ومن ثَ ّم فهم ل يكونوا على قدر الزمة الت عصفت بالمة ف هذه الونة‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬سلجقة الروم بزعامة قلج أرسلن ما زالوا ف آسيا الصغرى‪ ،‬وما زالوا أيضًا يبحثون‬
‫عن وجود لدولتهم‪ ،‬وإن كانوا منعزلي تام النعزال عن مشكلة الشام‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬النصارى الرثوذكس يرحبون بالصليبيي‪ ،‬وكذلك الرمن‪ ،‬وإن كان الرمن لم‬
‫أطماع استقللية‪ ،‬وخاصةً ف النوب الشرقي لسيا الصغرى‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬الشعوب السلمة ف الناطق الحتلة وغيها كانت راضيةً بالوضع لرصها على أي‬
‫حياة‪ ،‬ول يكن طموحها يرقى إل معان الهاد والبذل والتضحية‪.‬‬
‫هذا هو الوضع بعد سقوط بيت القدس‪ ،‬وف أخريات القرن الادي عشر اليلدي (آخر‬
‫الامس الجري)‪ ،‬وتديدًا ف (رمضان ‪492‬هـ) أخريات يوليو ‪1099‬م‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫النجدة الصليبية‬
‫ماذا حدث بعد سقوط بيت القدس والدن الفلسطينية الختلفة؟‬
‫لقد وصل مندوب البابا ‪ -‬رئيس أساقفة بيزا دايبت ‪ -‬إل الشام ف صيف ‪1099‬م بعد‬
‫سقوط بيت القدس‪ ،‬ووصلته هذه النباء‪ ،‬واجتمع مع بوهيموند أمي أنطاكية ليتباحثا معًا أحوال‬
‫القوات الصليبية‪ ،‬وكان ذهن دايبت يعمل ف اتاه الصول على أملك تص الكنيسة‪ ،‬واستغل‬
‫بوهيموند هذه الرغبة‪ ،‬ووجّه أطماع دايبت إل ميناء اللذقية‪.1‬‬

‫ولاذا اللذقية بالذات؟‬


‫لقد سيطرت الدولة البيزنطية على ميناء اللذقية بساعدة المي ريون الرابع‪ ،2‬وحيث إن‬
‫هذا اليناء يقع ف جنوب أنطاكية فهو يثل خطورة كبية على بوهيموند الذي صار معاديًا بصراحة‬
‫للدولة البيزنطية‪ ،‬ومن ثَ ّم دفع بوهيموند السقف دايبت لستغلل أسطول بيزا القوي لصار‬
‫اللذقية وإسقاطها‪ ،‬ووافق السقف دايبت دون تفكي كثي على هذه الطوة‪3‬؛ خشية أل تبقى‬
‫هناك مدن مناسبة للحتلل مع مرور الوقت‪ ،‬وبالفعل تّ الصار‪ ،‬وكادت الدينة أن تسقط لول‬
‫حدوث أمر غيّر الحداث!‬
‫لقد جاء ريون الرابع بيشه ف هذه اللحظة حيث فشل كما رأينا ف الصول على إمارة ف‬
‫فلسطي‪ ،‬فجاء يكرر سعيه للحصول على إمارة ف الشام أو لبنان‪ ،‬وفُوجئ ريون بالصار الشترك‬
‫بي بوهيموند ودايبت ليناء اللذقية‪ ،‬فتدخل مسرعًا‪ ،‬وقام بزجر بوهيموند‪ ،‬وقال لدايبت‪ :‬إنه‬
‫ليس من الكمة مطلقًا أن نطو الن خطوة نستعدي با الدولة البيزنطية‪ ،4‬وأن هذا سيقضي على‬
‫آمال توحيد الكنيستي الكاثوليكية والرثوذكسية تت زعامة بابا روما‪ ،5‬وأن فرصة دايبت أكب ف‬
‫فلسطي حيث توجد القدس‪.‬‬
‫ووجد دايبت أن الكلم مقنع‪ ،‬ومن ثَمّ ‪ -‬وعلى غي رغبة بوهيموند ‪ -‬رفع دايبت‬
‫الصار‪ ،‬ودخل ريون البلدة ليفع فيها علمه إل جوار علم المباطورية البيزنطية‪ ،6‬وليتجه دايبت‬
‫ومعه بوهيموند أمي أنطاكية وأيضًا بلدوين أمي الرها إل القدس‪ .‬لقد ذهبوا جيعًا لدفع المور إل‬
‫تعيي دايبت ف أسقفية القدس‪ ،‬ليكون بذلك لم يدٌ عند دايبت ومِن ورائه البابا‪.7‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Grousset: op. cit. 1, p. 191.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Heyd: op. cit. 1, p. 135.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Albrt d`Aix, pp. 500-501.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Chalandon: Alexis Comnene, p. 218.‬‬
‫‪ 5‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/218‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 301.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Setton: op. cit. 1, p. 377.‬‬

‫‪131‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وسار الوكب الكون من جيوش دايبت وبوهيموند وبلدوين‪ ،‬ولقى بعض الصاعب ف‬
‫الطريق‪ ،‬غي أنه وجد كل الترحيب من ابن عمار أمي طرابلس حيث قدّم لم التموين‪ ،‬ولكن دون‬
‫فتح أبواب الدينة خشية أن يتلوها‪.1‬‬
‫ووصل الوكب الكبي إل بيت القدس‪ ،‬و ُس ّر جودفري برؤية هذه العداد الضخمة من‬
‫الصليبيي لنه أصبح ف حاجة إل النود‪ ،2‬ولكن هؤلء جاءوا بدف‪ ،‬وهو عزل السقف الوجود‬
‫وهو أرنولف مالكون‪ ،‬وتعيي دايبت مكانه‪ ،‬ووجد جودفري نفسه مضطرًا إل هذا المر حيث إنه‬
‫متاج إل أسطول بيزا القوي‪ ،‬كما يتاج أيضًا إل تأييد البابا‪ ،‬وهكذا دُبّرت ماكمة سريعة للسقف‬
‫القدي أثبتوا فيها أن تعيينه كان باطلً‪ ،‬ومن ثَ ّم ُعزِل‪ ،‬ووُلّي دايبت على السقفية‪!3‬‬
‫غي أن المر ل يقف عند هذا الد‪ ،‬بل بدأ دايبت يتدخل ف شئون بيت القدس السياسية‪،‬‬
‫فهو ل يكن يريد هذا النصب ليمارس شعائر دينية‪ ،‬إنا كان يريده ليفرض نفسه على الوضاع ليصي‬
‫هو السيد التحكم ف المور‪ ،4‬بل وصل المر ف سنة (‪493‬هـ) فباير ‪1100‬م إل نزاعٍ معلن بي‬
‫جودفري ودايبت حول ملكية البلد الحتلة؛ فقد كان دايبت يريد لنفسه ملكًا خاصّا ف يافا‪،‬‬
‫وأيضًا ف بيت القدس‪ ،5‬بل إن جودفري عرض صراحة أن ينتقل ملك الدينتي إل دايبت بعد وفاة‬
‫جودفري‪ ،‬ولكن هذا ل يعجب دايبت‪ ،‬فعرض عليه أن ينتظر حت يستول على مدينتي غيها من‬
‫السلمي‪ ،‬فيعطي حينئ ٍذ بيت القدس ويافا لدايبت‪ ،‬ولكن هذا ل يعجب أيضًا دايبت‪ ،‬فهو ل‬
‫يستطيع النتظار‪ !6‬وهكذا ظل الصراع بي زعيم بيت القدس وزعيم الكنيسة هناك دون الوصول إل‬
‫نتيجة!!‬
‫إنا حرب الشع والطمع والستحواذ‪ ،‬ول مكان فيها لدين أو صليب!‬
‫وكذلك فعل بوهيموند النورمان!‬
‫لقد عاد بوهيموند بعد اختيار دايبت أسقفًا لكنيسة القدس ليواصل أحلمه التوسعية‪ ،‬ول‬
‫يقاتل ف جبهة واحدة بل قاده جشعه أن يقاتل ف أربع جبهات ف آنٍ واحد!‬
‫لقد حاول ف البداية أن يستول على قلعة فامية ف حوض نر العاصي‪ ،‬والملوكة للمي‬
‫العرب سيف الدولة خلف بن ملعب‪ ،‬وهو أخو أمي حص جناح الدولة حسي بن ملعب‪ ،‬غي أن‬
‫بوهيموند فشل ف الستيلء على القلعة الصينة‪ ،‬ومن َثمّ اكتفى برق الزارع حول القلعة‪ ،7‬واته‬

‫‪1‬‬
‫‪Archer: The Crusades, pp. 98-99.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit. 1, p. 303.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Setton: op. cit 1, p. 377.‬‬
‫‪ 4‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/221‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Michaud. op. cit ll, p. 10.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, pp. 388-390.‬‬
‫‪ 7‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/30‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.223‬‬

‫‪132‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إل البهة الثانية وهي مدينة حلب‪ ،‬حيث التقى مع رضوان بن تتش أمي حلب ف موقعة شديدة ف (‬
‫‪493‬هـ) يوم ‪ 5‬من يوليو ‪1100‬م نح فيها بوهيموند ف إنزال هزية قاسية برضوان‪ ،‬وأخذ الكثي‬
‫من الغنائم‪ ،‬وأسر أكثر من خسمائة مسلم‪ ،1‬ما جعل رضوان يستنجد بأمي حص جناح الدولة‬
‫حسي بن ملعب‪ ،‬وهذه كانت إهانة كبية لرضوان‪ ،‬وضربة لكرامة السلجقة التنازعي دومًا مع‬
‫العرب‪ ،2‬ومنهم حسي بن ملعب‪ ،‬إضاف ًة إل صغر سن حسي بن ملعب وصغر مقامه كأمي‬
‫لمص بالقياس إل حلب‪ ،‬وهذه العوامل جعلت رضوان يسيء الدب ف استقبال جناح الدولة‬
‫حسي بن ملعب‪ ،‬مع أن رضوان هو الذي استنجد به‪ ،‬ول شك أن هذا ترك أثرًا سلبيّا سيئًا ف‬
‫نفس جناح الدولة حسي بن ملعب‪.3‬‬
‫وكان بوهيموند ينوي ف ذلك الوقت أن يضرب حصارًا شديدًا على حلب ليسقط هذه‬
‫الدينة العريقة‪ ،‬ويضمها إل إمارته‪ ،‬فتصبح بذلك نقلة نوعية هائلة لمارة أنطاكية والنورمان‪ ،4‬إل أن‬
‫بوهيموند الشع قرر أن ينتقل فجأة إل حصار مدينة مرعش ف الشمال‪ ،‬وهي ملوكة الن للدولة‬
‫البيزنطية بعد أن سيطر عليها الصليبيون قبل ذلك بعامي‪ ،‬ويبدو أنه فعل ذلك لحساسه أن حصار‬
‫حلب الصينة سيطول‪ ،‬ولشعوره أن فرصة سقوط مرعش ف يده كبية لصغر الامية البيزنطية با‪،‬‬
‫ولذا ترك جبهة حلب وانتقل إل البهة الثالثة مرعش‪ ،‬وحاصرها عدة أيام لكنها استعصت عليه‪،‬‬
‫وف أثناء ماولته لسقاطها جاءته استغاثة من حاكم ملطية‪ ،5‬وهي مدينة أخرى إل الشمال من‬
‫مرعش غالب سكانا من الرمن‪ ،‬وكانت ماصرة من اللك غازي كمشتكي بن الدانشمند‪،6‬‬
‫فاستنجد حاكمها الرمن جبيل ببوهيموند‪ ،7‬فوجدها بوهيموند فرصة‪ ،‬فترك مرعش وأخذ فرقة من‬
‫خسمائة فارس لقتال اللك غازي والستيلء على ملطية!‬
‫هكذا قاده غروره أن يفتح على نفسه أربع جبهات‪ :‬ف قلعة فامية‪ ،‬وف حلب‪ ،‬وف مرعش‪،‬‬
‫وف ملطية (خريطة ‪)18‬؛ وهو يقاتل ف هذه البهات العرب والسلجقة والبيزنطيي والدانشمند‪.‬‬
‫إنه الغرور الذي يُعمِي البصار؛ إذ وزّع قواته هنا وهناك‪ ،‬وتوغّل بمسمائة فارس فقط ف أراضي‬
‫آسيا الصغرى!‬
‫وكان ل بد للقائد الغرور أن يقع ف أخطاء‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪ ،1/357،356‬العظيمي‪ :‬تاريخ العظيمي ص ‪.360‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.1/355‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،1/357‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, p. 277.‬‬
‫‪ 4‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.1/357‬‬
‫‪ 5‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/313‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Michel Le Syrin (ed. Chabol) 111. p. 187.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, p. 51.‬‬

‫‪133‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وراجعوا قصة نابليون بونابرت وسقوطه ف روسيا‪.‬‬


‫وراجعوا قصة هتلر وسقوطه ف فرنسا وروسيا‪.‬‬
‫بل راجعوا قصة فرعون الذي شاهد البحر ينفلق‪ ،‬فإذا به ف غرور عجيب‪ ،‬يصل إل حدّ‬
‫الغباء والعمى يأخذ جيشه ويقتحم البحر حت يهلك!!‬
‫لقد سقط الغرور بوهيموند ف كمي تركي صنعه اللك غازي بن الدانشمند‪ ،‬وسقط معه‬
‫ف نفس الكمي خسمائة فارس هي كل القوة الت كانت معه‪ ،1‬وسرعان ما كُبّل المي بوهيموند‬
‫بالغلل‪ ،‬وقُتل عدد كبي من فرسانه وأسر الباقي‪!2‬‬
‫لقد كان صيدًا ثينًا ف وقت حرج جدّا من أوقات الغزو الصليب‪ ،‬وكان ذلك ف سنة (‬
‫‪493‬هـ) أوائل أغسطس سنة ‪1100‬م‪ ،‬وقبل أن يسقط بوهيموند ف السر أرسل رسالة ندة إل‬
‫بلدوين حاكم الرها‪ ،‬فتحرك بسرعة بسرية مكونة من مائة وأربعي فارسًا فقط لنجدته! وكان من‬
‫المكن أن يلقى نفس الصي الذي لقاه بوهيموند‪ ،‬لول أن اللك غازي انسحب مسرعًا بصيده‬
‫الثمي حت وصل إل قلعة نكسار على ساحل البحر السود ف أقصى شال آسيا الصغرى ليؤمّن أسر‬
‫المي النورمان‪.3‬‬
‫وجد بلدوين الطريق مفتوحًا إل ملطية‪ ،‬فدخلها بسريته‪ ،‬ورحب به أهلها‪ ،‬وكذلك زعيمها‬
‫جبيل‪ ،‬وسرعان ما ضمها بلدوين إل إمارة الرها؛ ليوسّع بذلك إمارته! إن النية ل تكن خالصة‬
‫لنقاذ بوهيموند‪ ،‬والتنافس بينهما قدي‪ ،‬ولكن هي ي ٌد يقدمها الن لعلها تنفع غدًا‪ ،‬وف نفس الوقت‬
‫هي فرصة ذهبية لضم مدينة تطلب النجدة!‬
‫ول يفكر بلدوين بالطبع ف مغامرة تتبع القوات التركية إل قلعة نكسار‪ ،‬وإنا عاد إل الرها‬
‫بعد أن ترك خسي فارسًا ف ملطية كنوع من إثبات الوجود‪ ،‬وللدللة على تبعية الدينة له‪.4‬‬
‫وقد ترك أسر بوهيموند فراغًا سياسيّا وعسكريّا كبيًا ف النطقة؛ فإمارة أنطاكية إمارة مهمة‬
‫جدّا‪ ،‬والطماع فيها كثية‪ ،‬فهناك السلمون السلجقة وعلى رأسهم قلج أرسلن ف آسيا الصغرى‪،‬‬
‫وهناك كذلك المي رضوان الذي يعتب أنطاكية من نصيبه ف الياث! وهناك الدولة البيزنطية الطامعة‬
‫ف أنطاكية منذ زمن بعيد‪ ،‬بل إن هناك ريون الرابع الذي يبحث له عن إمارة‪ ،‬وأبدى قبل ذلك‬
‫رغبته الشديدة ف حكم أنطاكية‪ ،‬أو على القل اقتسام حكمها‪ .‬ث إن إمارة أنطاكية ل تعد مدينة‬
‫واحدة‪ ،‬بل ضمت إليها عدة مدن وقرى وقلع ماورة‪ ،‬وهي أغن المارات وأحصنها‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ .9/29‬غي أن ابن الثي قد بالغ ف العدد الذي كان مع بوهيمند‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, p. 378.‬‬
‫‪ 3‬ابن القلنسي‪ :‬تاريخ دمشق ص ‪،224،223‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 525.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Albert de` Aix, pp. 525-526.‬‬

‫‪134‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن هذا الفراغ السياسي الكبي قد يقود إل صراع مرتقب بي أطراف عدة‪ .‬ماذا يفعل‬
‫اليش النورمان السيطر على أنطاكية قبل أن تدث الكارثة وتتكالب القوى الختلفة على أنطاكية؟!‬
‫وماذا يفعل بنو الدانشمند السلمون وقد امتلكوا ورقة رابة جدّا من أوراق اللعبة؟‬
‫وماذا يفعل السلمون بصفة عامة إزاء هذا التطور الياب الخي؟‬
‫وقبل أن يفكر نورمان أو مسلم ف الوضع الديد إذا بدث آخر مُجَ ْلجِل يدث ف بيت‬
‫القدس‪ ،‬يُغيّر من كل السابات‪ ،‬ويزيد الوقف تعقيدًا!!‬
‫لقد مات فجأة جودفري بوايون زعيم بيت القدس‪ ،‬لتتفجر بذلك مشكلة ف حجم مشكلة‬
‫أنطاكية‪ ،‬أو لعلها أكب!‬
‫إنه فراغ سياسي جديد ف مدينة القدس قد يؤدي إل كارثة صليبية جديدة‪ ،‬وخاصةً أن‬
‫مدينة القدس ذاتا مل صراع كبي بي الصليبيي أنفسهم قبل السلمي‪.‬‬
‫لقد حدثت هذه الوفاة الفاجئة بينما تانكرد ودايبت ف حصار عكا ث حيفا‪ !1‬ولعلنا‬
‫نتساءل‪ :‬ماذا يفعل السقف الدين ف حصار عسكري؟! إنه يبحث عن مدينة يقودها أو قرية يلكها!‬
‫وأثناء حصار حيفا وصلت أنباء موت جودفري‪ ،2‬وكاد تانكرد ينسحب بيشه عندما علم بأن‬
‫جودفري قد أوصى قبل موته بإعطاء حيفا لمي صليب اسه جالدمار‪ ،3‬لول أن دايبت أقنعه بالبقاء‬
‫ف نظي أن يعطيه مدينة حيفا بعد سقوطها‪ ،‬وف هذا الوعد من دايبت إشارة واضحة إل أنه كان‬
‫يعتقد تام العتقاد أن حكم بيت القدس سيئُول له‪ ،‬وبالفعل سقطت حيفا بعد مقاومة‪ ،4‬وعاد‬
‫الميع إل بيت القدس لناقشة القضية الكبى‪ :‬من سيحكم بيت القدس؟!‬
‫لقد حكم جودفري بوايون القدس سنة واحدة فقط‪ ،‬ول يترك وريثًا شرعيّا له يكم البلد‬
‫كما هو معتاد ف النظام الورب الغرب آنذاك‪ ،‬وكان جودفري يكم حكمًا وسطًا بي العلمانية‬
‫اللكية الوافقة لرغبات الزعماء العسكريي للحملة الصليبية‪ ،‬وبي الكم الدين الوافق لرغبات‬
‫الكنيسة‪ ،‬فلما مات جودفري قامت قوتان كبيتان تتنازعان الكم ف بيت القدس‪.5‬‬
‫أما القوة الول فهي القوة الدينية متمثلة ف دايبت أسقف القدس صاحب الطماع‬
‫الكبية‪ ،‬والرشح الول ف داخل مدينة القدس‪ ،‬ومندوب البابا الذي حرّك الموع الوربية لذه‬
‫الملة‪ ،‬وأسقف الدينة القدسة‪ .‬وهذا السقف كان على دراية بالوضاع السياسية والوازنات ف‬
‫اليش الصليب‪ ،‬فعقد على الفور اتفاقًا مع تانكرد لساعدته ف الوصول إل كرسي الكم ف‬

‫‪1‬‬
‫‪Tranlatio Sancti Nicolai Veoetian (Hist Occid, Tome V), pp. 272-275.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d`Aix p. 527.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Setton, op. cit., 1, p. 380.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 290.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Stevenson: op. cit. p. 42.‬‬

‫‪135‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القدس‪ ،1‬وأرسل رسالة إل صديقه بوهيموند أمي أنطاكية يستحثه فيها على القدوم إل بيت القدس‬
‫لتزكية وليته عليه‪ ،2‬ول يكن خب أسر بوهيموند قد وصل إل القدس‪.‬‬
‫هذه هي القوة الول‪..‬‬
‫أما القوة الثانية فهي العلمانية اللكية؛ ففرسان جودفري بوايون يلئون القدس‪ ،‬وهم جيعًا‬
‫يرفضون الكم الثيوقراطي ‪ -‬أي الدين ‪ -‬ويرفضون أن تُعطى القدس للكنيسة بعد كل هذا الشوار‬
‫الطويل من الهد والعطاء‪ ،‬ولقد وقف إل جوار هذا الفريق أتباع السقف العزول أرنولف مالكون‪،‬‬
‫والذين رفضوا حكم دايبت مع أنه حكم دين ل لشيء إل نكاية ف دايبت! فليست القضية قضية‬
‫مبدأ‪ ،‬إنا الصراعات الشخصية والطماع الاصة‪.3‬‬
‫ومن هو يا ترى مرشح الكم والقيادة عند فرسان جودفري؟!‬
‫إنم ‪ -‬ولعقليتهم الوربية الوراثية ‪ -‬ذهبوا بفكرهم إل أقرب الناس إل جودفري بوايون‪،‬‬
‫وهذا هو بلدوين أخوه حاكم الرها! ول يذهبوا مثلً إل تانكرد الذي ساهم بهد وفي ف تذليل‬
‫الصعاب والسيطرة على الوضاع ف منطقة بيت القدس ويافا وحيفا‪ ،‬وهو الذي كان يرأس إقليم‬
‫الليل ف عهد جودفري‪ ،‬ول يذهبوا أيضًا بعقولم إل ريون الرابع المي الذي يبحث عن إمارة‪ ،‬إنا‬
‫ذهبوا إل الخ الذي يكم بالفعل إمارة أخرى هي الرها‪ ،‬وهو الخ الذي ل يبذل جهدًا َقطّ ف‬
‫إسقاط بيت القدس!‬
‫وأرسل فرسان جودفري رسالة سرية سريعة إل بلدوين ف الرها تثه على القدوم بسرعة‬
‫لتسلّم مقاليد الكم ف بيت القدس‪ !4‬ووجدها بلدوين فرصة ل تعوض‪ ،‬فشتّان بي الرها وبيت‬
‫القدس؛ ومن هنا أسرع بلدوين بترك إماراته لبن عمه بلدوين دي بورج‪ ،‬وترك معه حامية قوية‪،‬‬
‫وأخذ حامية أخرى وانطلق مسرعًا إل بيت القدس‪ ،5‬وقد حاول دقاق ملك دمشق المساك به ف‬
‫الطريق‪ ،6‬ولكن ابن عمار زعيم طرابلس الشيعي قدم الساعدات لبلدوين ليقاوم عدوها الشترك‬
‫دقاق السلجوقي السن‪ !7‬ومن ثَمّ استطاع بلدوين أن ينتصر على دقاق‪ ،‬بل وغنم كمية كبية من‬
‫الال والسلح‪!!8‬‬
‫إن الوضع كان مزريًا حقّا!‬

‫‪1‬‬
‫‪Stevenson: op. cit. p. 42.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 406; Albert d`Aix p. 624.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 526.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michaud: op. cit., p. 19.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cam. Med Hist. des Vo1. p.301.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Guillaum de Tyr, p. 407.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Estoire d`Eracles, 1, p. 407 & Gesta Francorum, p. 520.‬‬
‫‪ 8‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،1/43‬أشار ابن الثي إل ما حدث بي بلدوين ودقاق إشار بسيطة يتوهم منها القارئ أن دقاق‬
‫انتصر على بلدوين‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ووصل بلدوين سالًا إل بيت القدس ف سنة (‪493‬هـ) ‪ 10‬من نوفمب سنة ‪1100‬م‪.‬‬
‫وكان فرسان جودفري وأتباع السقف القدي أرنولف مالكون قد هيّئُوا الشعب ف داخل‬
‫بيت القدس لذا الوقف؛ فما أن دخل بلدوين الدينة إذا بميع النصارى والفرسان يرجون ف‬
‫استقبال بلدوين ف مظاهرة كبى يطالبون فيها بكمه‪ ،‬ويعلنون رغبتهم الماعية ف سيادته عليهم‪!1‬‬
‫وإزاء هذه الفاجأة ل يستطع دايبت أن يواجه الرأي العام السيحي ف بيت القدس‪ ،‬خاصةً‬
‫أن فرسان جودفري الراحل‪ ،‬وأيضًا فرسان بلدوين القادمي معه كانوا على أهبة الستعداد لبذل‬
‫سيوفهم ف سبيل قيام ملكية علمانية بعيدة عن هيمنة الكنيسة‪ ،‬وآثر السقف دايبت السلمة‪ ،‬وقنع‬
‫بكرسيه ف السقفية‪ ،2‬ومن ثَمّ ُتوّج بلدوين زعيمًا على بيت القدس‪ ،‬ولكنه ف هذه الرة ل يََتسَمّ‬
‫بلقب (حامي بيت القدس)‪ ،‬كما فعل أخوه من قبل‪ ،‬ول يتسمّ بلقب أمي كما فعل بقية الزعماء‪،‬‬
‫إنا تلقّب بلقب ملك! وهذا يعن أنه ل يتبع أحدًا‪ ،‬بل الميع يتبعونه‪ ،‬وهذا إن ل يكن واقعًا الن‬
‫فسيكون واقعًا ف الستقبل‪ ،‬فهو أقوى الزعماء‪ ،‬وهو الذي يكم أهم الدن‪ ،‬ولذا تلقّب بلك بيت‬
‫القدس‪ ،‬وهكذا أسست ملكة بيت القدس ليكون أول زعمائها هو بلدوين الذي ُعرِف ببلدوين‬
‫الول‪ ،‬وكان ذلك بداية من ‪ 11‬من نوفمب ‪1100‬م‪ ،‬وإن كان التتويج الرسي تّ ف يوم عيد اليلد‬
‫الغرب الكاثوليكي‪ ،‬وهو ‪ 25‬من ديسمب سن َة ‪1100‬م‪.3‬‬
‫وكان بلدوين الول من الذكاء بيث إنه ل يعزل دايبت فورًا عن مركزه‪ ،‬وإن كان يعلم‬
‫أنه كان منافسًا له على كرسي الكم‪ ،‬وذلك حت ل يدث فراغًا ف الكنيسة قد ل يستطيع أن يله‬
‫بسهولة‪ ،‬ولكي ل يستعدي دايبت ووراءه السطول البيزيّ الذي كان بلدوين الول ف أشد الاجة‬
‫إليه‪.4‬‬
‫وهكذا التفت بلدوين الول إل إقرار الوضاع ف بيت القدس‪ ،‬وإل تأمي الطرق حوله‪،‬‬
‫وكذلك إل توزيع المارات والراكز على أعوانه ومقربيه‪ ،‬ول شك أن هذا الوضع الديد كان على‬
‫غي رغبة تانكرد تامًا‪ ،‬فتانكرد ل ينسى أنه كان متنازعًا مع بلدوين هذا على مدينة قليقية منذ ثلث‬
‫سنوات عند بداية الغزو الصليب‪ ،‬كما أن تانكرد راهن على الصان الاسر ف العركة وهو دايبت؛‬
‫لذلك علم تانكرد أن بلدوين لن يلبث أن يعزله من إمارة الليل التابعة لبيت القدس‪ ،‬وسيقع تانكرد‬
‫صاحب الحلم العريضة ف مشكلة كبية‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillaum de Tyr, p. 410.‬‬
‫‪ 2‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/232‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 44.‬‬
‫‪ 4‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/232‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Setton: op. cit. 1, p. 381.‬‬

‫‪137‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫غي أن اليام حلت مفاجأة كبية سارّة لتانكرد وهي مفاجأة أسر خاله بوهيموند!! ول‬
‫يسبّ أحدٌ أن تانكرد كان حزينًا لذا الب‪ ،‬فليذهب بوهيموند كما يقولون إل الحيم! فتانكرد‬
‫يبحث عن مصاله هو ل عن مصال خاله‪ ،‬وقد رأينا ذلك ف قصته قبل ذلك حي ترك خاله ف‬
‫أنطاكية وآثر أن ينل إل مكان آخر يبحث له فيه عن إمارة بعيدًا عن خاله القوي بوهيموند؛ ولذا‬
‫فعندما وصل خب أسر بوهيموند وصلت معه رسالة من اليش النورمان ف أنطاكية باستدعاء تانكرد‬
‫ليكون أميًا مؤقتًا على أنطاكية لي فك أسر بوهيموند‪ ،‬وكان هذا الستدعاء ندة لتانكرد‬
‫وأحلمه‪ ،‬كما كان ندة لبلدوين الول الذي تلص من أمي مكروه لديه دون مشكلة أو صراع‪.1‬‬
‫وهكذا وف سنة ‪494‬هـ\ أوائل ‪1101‬م صار بلدوين الول ملكًا على ملكة بيت‬
‫القدس‪ ،‬وتانكرد أميًا على أنطاكية‪ ،‬وبلدوين دي بروج أميًا على الرها‪ ،‬وما زال ريون الرابع‬
‫يبحث عن إمارة ف منطقة طرابلس‪ ،‬وما زال بوهيموند أسيًا ف يد اللك غازي بن الدانشمند‪.‬‬
‫وف وسط كل هذه الحداث الساخنة والتلحقة‪ ،‬يب أن نتساءل وبقوة‪ :‬أين كان‬
‫السلمون؟!‬
‫لقد كانت هذه الزمات القوية الت تعرض لا الصليبيون فرصة للمسلمي أن يستعيدوا‬
‫توازنم‪ ،‬وأن يمعوا صفهم‪ ،‬وأن يوحدوا هدفهم‪ ،‬لكن ‪ -‬للسف ‪ -‬تشعبت بم الهواء‪ ،‬ول يكن‬
‫لم زعيم ملص يُجمّع ويعلّم ويوجّه‪ ،‬فضاعت الفرص تلو الفرص‪ ،‬وَألِف السلمون الوان والذل‪،‬‬
‫وقبلوا بالواقع الرير الذي يكرهونه جيعًا‪ ،‬ول تتحرك فيهم نوازع رفع الظلم‪ ،‬وتغيي النكر‪ .‬وهكذا‬
‫مرت اليام والشهور بل والسنوات‪ ،‬والصليبيون كالرض العضال يزداد توحشًا وتكنًا من السد‬
‫السلمي الضعيف‪.‬‬
‫إن الصليبيي ف هذه الظروف‪ ،‬وهم يرون السلمي ل يركون ساكنًا‪ ،‬بل يسعون إل عقد‬
‫اتفاقيات سلم‪ ،‬ومباحثات جوار‪ ،‬وعقود تنازل‪ ،‬ف هذه الظروف رأى الصليبيون أن يسرعوا بتوسيع‬
‫أملكهم‪ ،‬واستغلل أزمة السلمي بأقصى درجة‪.‬‬
‫ففي بيت القدس بدأ بلدوين الول يقوم ببعض الملت العسكرية الاطفة حول الدينة‬
‫ليختب قواته العسكرية‪ ،‬وليكتشف الطرق‪ ،‬ويدرب جنوده على الوضاع الديدة‪ ،‬ث ما لبث أن أخذ‬
‫جيشه وحاصر أرسوف الت سقطت ف يده بعد قليل بساعدة أسطول بري قدم من جنوة‬
‫اليطالية‪ ،2‬ث أتبع ذلك بصار قيسارية فسقطت هي الخرى‪ ،3‬وتعرضت بعد سقوطها لذبة بشعة‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Aix, pp. 537-538.‬‬
‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.139‬‬
‫‪ 3‬أبو الحاسن‪ :‬النجوم الزاهرة ‪.5/167‬‬

‫‪138‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫قُتل فيها عدد ضخم من السكان الدنيي‪ ،1‬بل إن السكان عندما احتموا بسجد الدينة لقهم‬
‫الصليبيون بقيادة بلدوين الول ‪ -‬الذي تصفه الصادر التاريية بالكمة!‪ -‬وقاموا بذبح كل مَن ف‬
‫السجد من الرجال والنساء والطفال‪ ،‬حت تول السجد إل بركة هائلة من دماء السلمي‬
‫والسلمات‪!2‬‬
‫وف أنطاكية خرج تانكرد ليمارس نشاطه التوسعي بسرعة قبل أن يفكر أحد ف ضعف‬
‫إمارته لفقدها زعيمها بوهيموند‪ ،‬ولقد كان تانكرد ل يقل شراسة ول قوة ول خبة ول مهارة‬
‫عسكرية عن خاله بوهيموند‪ ،3‬ولقد استطاع ف غضون شهور قليلة جدّا أن يستول على ثلث مدن‬
‫مهمة ف إقليم قليقية شال أنطاكية‪ ،‬هي مدن طرسوس وأذنة والصيصة‪ ،‬وكانت تت السيطرة‬
‫البيزنطية‪ ،‬بل إنه حاصر مدينة اللذقية الهمة جنوب أنطاكية‪ ،‬والت اضطر بوهيموند قبل ذلك بأكثر‬
‫من سنة أن يرفع عنها الصار بسبب ريون الرابع وموالته للدولة البيزنطية‪ ،‬أما الن فتانكرد ل‬
‫يسب حسابًا أبدًا للمباطورية العجوز‪ ،‬ولذلك نصب جيشه حول اللذقية بغية إسقاطها‪ ،4‬وهو ما‬
‫تّ له بالفعل‪ ،‬ولكن بعد قرابة السنتي!!‬
‫أما ف إمارة الرها فقد بدأ بلدوين دي بروج نشاطه بهاجة مدينة سروج السلمة‪ ،‬والت‬
‫حاول سقمان بن أرتق صاحب حصن كيفا ‪ -‬وهو من المراء السلمي ‪ -‬أن يستردها عند رحيل‬
‫بلدوين الول إل بيت القدس‪ ،5‬غي أنه ‪ -‬للسف ‪ -‬ل يتلقّ أي مساعدة من المراء السلمي ف‬
‫النطقة؛ ما أدى إل انتصار بلدوين دي بورج عليه بعد قتال شديد‪ ،‬واستبيحت سروج‪ ،‬وأُخذ منها‬
‫عدد كبي من السرى‪.6‬‬
‫كان هذا هو الوضع ف ملكة بيت القدس وإمارت أنطاكية والرها‪ ،‬فماذا فعل ريون الرابع؟!‬
‫لقد فشل ريون الرابع ف رفع حصار تانكرد من حول اللذقية‪ ،‬وكنا قد علمنا قبل ذلك أن ريون‬
‫يسيطر على اللذقية لصال الدولة البيزنطية‪ ،‬ومن ثَمّ فقد ترك ريون الدينة وانطلق إل القسطنطينية‬
‫ليتباحث مع ألكسيوس كومني كيفية تليص اللذقية‪ ،7‬غي أنم فوجئوا بدث مهم ضخم غيّر من‬
‫حساباتم‪ ،‬وأوشك أن يغيّر من خطط الميع!!‬
‫لقد وصلت جوع هائلة من الغرب الورب تسعى للمشاركة ف الملة الصليبية! لقد سع‬
‫الوربيون بأخبار تأسيس ثلث إمارات ف داخل أراضي السلمي‪ ،‬وسعوا بأخبار الغنائم والموال‬

‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪،139‬‬


‫‪Foucher de Chartres, pp. 389-390.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d`Aix, pp. 453-454.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, pp. 9, 32.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 33.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1 pp. 363.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse (Doc. Arm 1), pp. 53-54‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Raoul de Caen, pp. 706-707.‬‬

‫‪139‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫والسلب‪ ،‬وسعوا بأخبار الوانئ السلمية الت تتساقط ف أيدي الصليبيي‪ ،‬وسعوا عن العقود‬
‫التجارية الت فازت با أساطيل المهوريات اليطالية‪ ،‬وسعوا عن استكانة السلمي غي التوقعة‬
‫وفرقتهم وتشرذمهم‪ ،‬لقد دفعتهم كل هذه العلومات إل تميع العداد الكبية للستفادة من هذا‬
‫الوروث السهل‪!1‬‬
‫‪2‬‬
‫ولقد وصلت هذه الموع الائلة إل القسطنطينية ف (‪494‬هـ\ مارس سنة ‪1101‬م‬
‫(خريطة ‪ ،)19‬وكان أول الجموعات وصولً هي مموعة اللمبارديي‪ ،‬وهم أهل شال إيطاليا‪،‬‬
‫وكان على رأسهم (أنسلم) رئيس أساقفة ميلنو‪ ،‬وكان بصحبتهم أيضًا مموعة من المراء اليطاليي‬
‫مثل ألبت وجيوبرت وهيومن وغيهم‪ ،3‬غي أن عموم الملة كانوا من الفلحي والعوام‪ ،‬وأيضًا من‬
‫النساء والطفال‪ ،‬وكانت هذه الملة أشبه ما تكون بملة بطرس الناسك ووالتر الفلس‪ ،4‬ولعلنا‬
‫نلحظ أن الملة العسكرية الول كانت بقيادة أدهار الندوب البابوي (أسقف بوي) ‪ ،‬ث كانت‬
‫النجدة الثانية بقيادة دايبت رئيس أساقفة بيزا‪ ،‬وها هو أنسلم رئيس أساقفة ميلنو يقود النجدة‬
‫الالية‪ ،‬ليبز لنا بوضوح دور الكنيسة ف تريك الموع بغزو البلد السلمية‪.‬‬
‫وعندما وصلت هذه الموع إل القسطنطينية قاموا بالفساد الذي تعوّد عليه شعب أوربا ف‬
‫ذلك الوقت؛ ما دفع ألكسيوس كومني أن يعجل بنقلهم عب مضيق البسفور إل أرض آسيا‬
‫الصغرى‪ ،‬حيث توجهوا إل مدينة نيقية‪ ،‬ليكونوا ف انتظار بقية الموع‪ ،5‬ث اتفق ألكسيوس كومني‬
‫مع ريون الرابع على أن يرأس ريون الرابع هذه الموع لبته ف النطقة‪ ،6‬ولدرايته بروب‬
‫السلمي‪ ،‬وليضمن كذلك أن توجه الملة إل أطماع ألكسيوس كومني‪ ،‬ل إل أطماع تانكرد أو‬
‫بلدوين الول أو غيها!!‬
‫ث مرّ شهر أو يزيد ووصلت جوع أخرى من الصليبيي‪ ،‬وخاصة من فرنسا وألانيا‪،7‬‬
‫وانضمت إل القوات الول ف نيقية‪ ،‬ليصل مموع الملة الصليبية إل مائت ألف ف أقل تقدير!‬
‫بينما يصل بم ابن الثي إل ثلثائة ألف‪!!8‬‬
‫لقد كان جيشًا هائلً تول قيادته ريون الرابع‪ ،‬وسار بم ف اتاه دوريليوم ليلحق ببقية‬
‫الصليبيي ف الشام‪ ،‬وكانت هذه هي رغبة ألكسيوس كومني أيضًا‪ ،‬حيث كان يريد إعادة السيطرة‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ سلجقة الروم ف آسيا الصغرى ص ‪.96‬‬
‫‪2‬‬
‫‪setton, vol. pp. 343-367.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Albert d`Aix: p. 559.‬‬
‫‪ 4‬زابوروف‪ :‬الصليبيون ف الشرق ص ‪،129،127‬‬
‫‪Anna Comnena, pp. 355-356.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Albert d`Aix: pp. 561-562.‬‬
‫‪ 6‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/40،39‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Albrt d`Aix pp. 562-563.‬‬
‫‪ 8‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/29‬‬

‫‪140‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫على الدن الت ضاعت منه هناك‪ ،1‬وكان ريون يريد لذه الموع أن تساعده ف إسقاط طرابلس‬
‫لينشأ له إمارة هناك‪ ،‬إل أن جوع اللمبارديي رفضت هذا التوجّه‪ ،‬وأرادت أن تنحرف بالملة إل‬
‫التاه الشمال الشرقي لتغزو مناطق بن الدانشمند‪ ،‬وذلك بغية فك الزعيم النورمان الكبي بوهيموند‬
‫من أسره‪ ،2‬ول ننسى أن جوع اللمبارديي من إيطاليا بلد الزعيم الأسور‪ ،‬وعندما أشار ريون الرابع‬
‫إل صعوبة ترير بوهيموند الحبوس ف قلعة نكسار الصينة ف مناطق جبلية وعرة على ساحل البحر‬
‫السود‪ 3‬رفض اللمبارديون إشارته‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنم إن فشلوا ف تريره فإنم على القل سيدمرون أهم‬
‫مدينتي ف أقاليم بن الدانشمند‪ ،‬وها مديتنا أماسية وسيواس‪ ،4‬وأمام إصرار القوة الرئيسية ف اليش‬
‫رضخ ريون الرابع‪ ،‬وانرف باليش ف التاه الشمال الشرقي‪ ،‬فوصلوا إل أنقرة ف (‪494‬هـ)‬
‫أواخر يونية ‪1101‬م واستولوا عليها ف سهولة بالغة‪ ،‬ث أكملوا طريقهم ف اتاه قسطمون شالً‪!5‬‬
‫إنم يتجهون الن إل عمق بلد التراك السلمي‪ ،‬فماذا كان ردّ فعل اللك غازي‬
‫كمشتكي؟ وماذا فعل قلج أرسلن الذي كان يتخذ من قونية قاعدة له؟‬
‫لقد قام اللك غازي بالفعل الصائب إذ أرسل إل قلج أرسلن السلجوقي ليستعي به ف‬
‫حروب الصليبيي‪ ،‬ول ييّب قلج أرسلن ظنّه‪ ،‬وجع جيشه وانضم إليه‪ ،‬بل وانضم إليهما بعد ذلك‬
‫بعض جنود رضوان بن تتش زعيم حلب‪!6‬‬
‫لقد كان خليطًا عجيبًا من زعماء تناحروا قبل ذلك كثيًا‪ ،‬ولكنهم رأوا أن الدائرة ستدور‬
‫عليهم قريبًا‪ ،‬وخاصةً أن هذه الموع تاوزت الائت ألف؛ ولذلك توحدوا!!‬
‫ومع كون التاريخ غي مبشّر‪ ،‬ومع كون القلوب غي صافية إل أن الوَحْدة ‪ -‬مهما كانت ‪-‬‬
‫تؤت ثارًا ونتائج‪ ،‬نعم قد تكون ثارًا مؤقتة إن ل تكن هذه الوحدة ل‪ ،‬ولكنها تظل أفضل من الفرقة‬
‫والتشتت‪ .‬وهكذا على الرغم من عدم قناعتنا الكاملة بذه الشخصيات فإنم استطاعوا أن يفعلوا‬
‫شيئًا‪ ،‬وشيئًا كبيًا‪ ،‬لتبقى القاعدة الذهبية الصيلة‪" :‬يد ال مع الماعة!"‪.7‬‬

‫ماذا فعلت اليوش السلمية التحدة؟!‬


‫لقد تقدمت فرقة قلج أرسلن أمام اليش الصليب‪ ،‬ث بدأت تظهر النسحاب أمامه لتشجعه‬
‫على الستمرار ف التقدم‪ ،‬وف أثناء هذا النسحاب كان السلجقة يقومون برق الزروعات ف‬

‫‪1‬‬
‫‪Albrt d`Aix pp.560- 562.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/29‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 35.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, pp. 324-325.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 22.‬‬
‫‪ 6‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/43‬‬
‫‪ 7‬الترمذي‪ :‬كتاب الفت‪ ،‬باب لزوم الماعة (‪ ،)2166‬وقال حديث حسن غريب‪ ،‬وابن حبان (‪.)4577‬‬

‫‪141‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القول‪ ،‬وبردم البار‪ ،‬وتدمي الؤن والغذية حت ل يتركوا فرصة للجيش الصليب للتزود بأي توين‪،‬‬
‫وطال الطريق على اليش الصليب‪ ،‬وبدأ يشعر بالتعب والناك‪ ،1‬وخاصةً أن هذه الحداث كانت‬
‫تدور ف شهر يوليو من سنة ‪1101‬م‪ ،‬والرارة عالية‪ ،‬وطبيعة الطريق البلية والصخرية مرهقة‪،‬‬
‫وأكثر من ذلك أن السلجقة كانوا يارسون مع اليش حروب استناف سريعة أثناء حركة اليش‬
‫جعلت الالة النفسية للصليبيي مضطربة‪ ،‬وحاول ريون أن يثن اليش الصليب عن عزمه باقتحام‬
‫أرض الدانشمنديي‪ ،‬إل أن اليش أصرّ على تليص بوهيموند ليكون قائدًا لم ف غزو بلد الشام!‬
‫واجتاز الصليبيون نر هاليس ليدخلوا بذلك إل أرض بن الدانشمند‪ ،‬وواصلوا تقدمهم شرقًا‬
‫حت وصلوا إل مدينة مرسيفان ف منتصف الطريق تقريبًا بي نر هاليس ومدينة أماسية‪ ،2‬وأدركت‬
‫عيون التراك ف ذلك الوقت أن الصليبيي قد بلغوا درجة كبية من العياء‪ ،‬فنصبوا كمينًا خطيًا‬
‫للجيش الصليب‪ ،‬وبدأ الصدام الروّع (خريطة ‪!!)20‬‬
‫ومع كثرة أعداد الصليبيي فإنّ اللقاء ل يكن متكافئًا‪ ،‬فالصليبيون ف حالة مزرية من الوع‬
‫والعطش والرهاق وارتفاع درجة الرارة‪ ،‬إضاف ًة إل وجود أعداد كبية من الفلحي غي الحترفي‬
‫للقتال‪ ،‬مع جهل الميع بطبيعة الراضي ومسالكها‪.‬‬
‫لقد كان قتالً من جانب واحد‪ ،‬استطاع فيه السلمون أن يققوا نصرًا ساحقًا‪ ،‬حيث هلك‬
‫أربعة أخاس اليش الصليب‪ ،‬وأُسر معظم الباقي‪ ،‬ول ينجُ من اليش إل مموعة من المراء على‬
‫رأسهم ريون الرابع‪ ،‬والذين نوا بأنفسهم عندما رأوا الدائرة تدور على جيشهم‪ ،‬ووصلوا ف فرارهم‬
‫إل القسطنطينية‪!3‬‬
‫َفقَد اليش الصليب ف هذه العركة أكثر من مائة وستي ألف مقاتل‪ ،‬وفقدوا نساءهم‬
‫وأطفالم وأموالم وسلحهم‪ ،4‬وفقدوا سعتهم وهيبتهم‪ ،‬وكانت هذه الحداث ف (‪494‬هـ)‬
‫أوائل أغسطس سنة ‪1101‬م‪.‬‬
‫ول تكن هذه هي الكارثة الخية للصليبيي ف هذه الظروف‪ ،‬إذ إنه ف هذه الثناء وصلت‬
‫مموعة أخرى من الصليبيي للقسطنطينية‪ ،‬وكانت هذه الجموعة مكونة من خسة عشر ألفًا من‬
‫الفرسان والشاة الفرنسيي‪ ،‬على رأسهم وليم الثان كونت نيفرز ‪ ،5Nevers‬وكان وصول هذه‬
‫الجموعة ف أثناء القتال الدائر ف مرسيفان‪ ،‬وانطلق وليم الثان ف أراضي آسيا الصغرى‪ ،‬ووصل إل‬
‫أنقرة ودخلها بسهولة‪ ،‬غي أنه ل يدرك أي الطرق سلك اليش الصليب الول‪ ،‬وحيث إن اليش‬
‫‪1‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p.22.‬‬
‫‪ 2‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/44‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Albert d`Aix, pp. 569-607 & Foucher de Chartres, p. 377.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Albert d`Aix, pp.571-572.‬‬
‫وذكر ابن الثي أن الصليبيي ل ينج منهم إل ثلثة آلف من ثلثائة ألف‪ ،‬وأفلتوا مروحي الكامل ‪.9/29‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Setton: vol 1, p. 358, Oman: vol 1, p. 242.‬‬

‫‪142‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الصليب الول قد هلك بكامله تقريبًا‪ ،‬ومن فرّ منه فرّ ف اتاه الشمال؛ فإن الكونت وليم ل يعرف‬
‫إل أي التاهات يسي‪ ،1‬ث إنه ف النهاية توجه بيشه جنوبًا إل هرقلة‪ ،‬وهناك كانت النباء قد‬
‫وصلت إل القوات السلمية التحالفة بوصول هذا اليش الصليب الديد‪ ،‬فنلوا مسرعي ف اتاه‬
‫هرقلة‪ ،‬وهم ف حالة معنوية مرتفعة جدّا لنتصارهم الباهر ف العركة السابقة‪ ،‬وكان اللقاء حاميًا ف‬
‫هرقلة ف أواخر أغسطس سنة ‪1101‬م‪ ،‬وكان بالنسبة للمسلمي نزهة عسكرية بالقياس إل اللقاء‬
‫السابق! وما هي إل ساعات قليلة وَفنِي اليش الصليب بكامله‪ ،‬ول ينجُ منه إل زعيمه الكونت وليم‬
‫الثان كونت نيفرز‪ ،‬ومعه ستة من خاصّته وأتباعه‪ !2‬وتُعرف هذه العركة ف التاريخ بعركة هرقلة‬
‫الول؛ تييزًا لا عن معركة هرقلة الثانية الت دارت بعدها بأقل من أسبوعي‪.‬‬
‫أما قصة معركة هرقلة الثانية فتبدأ بوصول الجموعة الثانية من هذه النجدة الصليبية التعيسة‪،‬‬
‫حيث وصل إل القسطنطينية ستون ألف مقاتل من فرنسا وألانيا‪ ،‬على رأسهم وليم التاسع دوق‬
‫أكوتيي وولف الرابع دوق بافاريا‪ ،3‬واتهت هذه الجموعة مباشرة إل هرقلة عب قونية‪ ،‬ومارس‬
‫معها السلمون نفس السلوب الذي مارسوه مع الملة الول‪ ،‬حيث استدرجوهم إل هرقلة بعد‬
‫إتلف الزروعات وطَمْر البار‪ ،‬فوصل اليش الصليب إل هرقلة ف أوائل سبتمب من سنة ‪1101‬م‬
‫ف حالة مأساوية من الوع والعطش والناك‪ ،4‬وما لبثت العركة أن بدأت لتصل ف خلل ساعات‬
‫إل نفس النتيجة حيث أُبيد اليش الصليب بكامله‪ ،‬ول ينجُ إل المراء الذي هربوا إل أنطاكية‪!!5‬‬
‫ولعله من اللحظ ف العارك الثلثة أن أمراء اليش الصليب كانوا يفتحون لنفسهم طريقًا‬
‫للهرب تاركي الموع السكينة لصيهم الشئوم!‬
‫وهكذا دائمًا طبيعة اليوش الت تفتقر إل قضية‪ ،‬ول يرك القائد فيها إل شهوته للتملّك‬
‫ورغبته ف التوسع!‬
‫لقد كان ثلث معارك هائلة ف أقل من شهرين َفقَد فيها الصليبيون قرابة ربع مليون مقاتل‪،‬‬
‫إضافةً إل الغنائم والسب‪ ،‬ول شك أن حدثًا كبيًا كهذا كان له من الثار ما ل يصى‪ ،‬ولعله من‬
‫الناسب أن نقف وقفة لنتدبر ف نتائج هذه العارك الهمة‪ ،‬وأثرها على سي الحداث‪:‬‬
‫أولً‪ :‬ارتفعت معنويات السلمي ف كل مكان‪ ،‬ليس ف آسيا الصغرى فقط ولكن ف كل‬
‫العال السلمي‪ ،‬فالسلمون كانوا يفتقرون إل نصر يعيد لم ثقتهم ف أنفسهم‪ ،‬ويُهوّن عندهم قوة‬
‫الصليبيي‪ ،‬وهذه العنويات الرتفعة ‪ -‬وإن ل يكن لا مردود سريع ‪ -‬رسّختْ ف الذهان فشل‬
‫الدّعاء القائل بأن الصليبيي قوة ل تقهر‪ ،‬وهذه خطوة مهمة ف بداية التغيي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Aix, pp. 576-578.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d`Aix, pp. 575-578.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse (Hist. Arm. 1), p. 59.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, pp. 361-362.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Foucher de Chartres, p. 399 & Guibert de Nogent, p. 243.‬‬

‫‪143‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ثانيًا‪ :‬من الفترض أن السلمي فهموا بعد هذه العارك الثلث بعض أسباب النصر‪ ،‬ولعل من‬
‫أبرز هذه السباب وضوحًا الهاد والوحدة‪.‬‬
‫فالقوق ل تعود إل أصحابا عن طريق إقناع العتدين بالعدول عن اعتدائهم‪ ،‬ول عن طريق‬
‫طاولة مفاوضات‪ ،‬ول عن طريق وساطة غربية ول شرقية‪ ،‬إنا تعود القوق بالدفاع الريء عنها‪،‬‬
‫وبالصمود الطويل‪ ،‬وبالصب الميل‪ ،‬وبالعداد والتجهيز‪ ،‬وبذل الوسع والطاقة؛ وهو ما َوضَح لنا‬
‫جيعًا ف خطوات سي العارك الثلث‪.‬‬
‫كما أن الوَحْدة بي قلج أرسلن وكمشتكي ضاعفت القوة‪ ،‬وسددت الرمية‪ ،‬وأزعجت‬
‫العداء‪ ،‬وأرهبت صدورهم؛ ما قاد إل النصر بشكل طبيعي مفهوم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬للسف الشديد‪ ،‬وللمرة الثانية ف حروب السلجقة والدانشمنديي‪ ،‬ل نر التوجه‬
‫السلمي واضحًا ف الرب الت خاضوها‪ ،‬ول تنقل الصادر إلينا اشتياقًا إل الشهادة‪ ،‬أو رغبة ف‬
‫دخول النة‪ ،‬إنا أخذت العارك الطابع القومي والوطن‪ ،‬وطابع الفاظ على الراضي والديار‬
‫والملك‪ ،‬وهذا وإن كان من المكن أن يقق نصرًا كما رأينا‪ ،‬إل أن هذا النصر يكون مرحليّا غي‬
‫متد؛ لن ال ل يتم نصره إل لن قاتل ف سبيله‪ ،‬ووحّد وجهته كلها ل ‪ .‬وما يؤكد قومية‬
‫التوجه عند التراك ف هذه العارك أنم ل يسعوا إل استغلل هذا النصر والتفوق ف ترير الدن‬
‫السلمية الحتلة‪ ،‬مع قربا الشديد من أرضهم‪ ،‬وخاص ًة أنطاكية والرها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬مع حلوة هذا النصر وبريقه فإنّ قادة السلمي ف الشام كانت على أعينهم غشاوة‬
‫سيكة جدّا‪ ،‬فلم يفهموا هذا النصر‪ ،‬ول يعلموا أسبابه‪ ،‬بل ل يفكروا ف استغلل أزمة الصليبيي‬
‫بفقدان هذا العدد الائل من النود‪ ،‬ومن ثَ ّم ل يسعوا إل ترير أوطانم وديارهم‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬تفرغ التراك ف آسيا الصغرى بعد هذه العارك إل بسط سيطرتم على الدن‬
‫هناك‪ ،‬فسيطر قلج أرسلن على وسط آسيا الصغرى‪ ،‬واتذ قونية عاصمة له‪ ،1‬بينما ركّز كمشتكي‬
‫بن الدانشمند جهوده ف الشرق‪ ،‬وأسقط ملطية تت سيطرته‪.2‬‬
‫سادسًا‪ :‬أغلقت هذه العارك الطريق البي من القسطنطينية إل أرض الشام أمام القوات‬
‫الصليبية‪ ،‬وظل هذا الطريق مغلقًا قرابة قرن كامل من الزمان حت زمان المباطور اللان فردريك‬
‫باربروسا ف أواخر القرن الثان عشر اليلدي‪3‬؛ ما يشي إل مدى الرهبة الت تُلقى ف قلوب أعداء‬
‫المة إذا رُفعت راية الهاد والقاومة‪.‬‬

‫‪ 1‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/47‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/29‬وابن العبي‪ :‬تاريخ متصر الدول ص ‪،126‬‬
‫‪Cahen: La Syrie du Nord: p. 232.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, pp. 332-333.‬‬

‫‪144‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سابعًا‪ :‬أدى انغلق الطريق البي لرض الشام أن نشطت جدّا حركة السفن ف البحر‬
‫البيض التوسط للوصول بالمدادات والؤن واليوش إل الوانئ الشامية والقسطنطينية‪ ،‬ولا كانت‬
‫معظم هذه السفن ملوكة للجمهوريات اليطالية فإ ّن دور هذه المهوريات أصبح مؤثرًا جدّا ف‬
‫أحداث الروب الصليبية‪ ،‬ولعشرات السنوات القبلة‪.1‬‬
‫ثامنًا‪ :‬أدت هذه النتصارات السلمية إل قلق الصليبيي ف الشام‪ ،‬وهذا أدى بدوره إل‬
‫توقف حركاتم التوسعية‪ ،‬وقناعتهم بالكتفاء بالفاظ على ما بأيديهم‪ ،‬خاصةً أن هزية الصليبيي‬
‫كان لا وقع سيّئ جدّا على الغرب الورب ما عوّق جهود الكنيسة ف جع القاتلي‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬أدت هذه النتصارات إل اقتناع الدولة البيزنطية أن قوتا أضعف من أن توض قتالً‬
‫مباشرًا مع التراك ف داخل آسيا الصغرى‪ ،‬ومن ثَمّ ل تاول أن تدخل جيوشها إل هذه الناطق إل‬
‫بعد وفاة قلج أرسلن بعد ذلك بست سنوات‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬نتيجة سلبية خطية لذا النصر‪ ،‬وهي أن البيتي التركيي الكبيين‪ :‬البيت‬
‫السلجوقي‪ ،‬والبيت الدانشمندي دخل ف صراع متدم بعد هذا النتصار‪ ،‬فقد تفرّغ كل منهما‬
‫للخر‪ ،‬ول يفهما قيمة الوحدة الت أنعم ال با عليهما ف وقت من الوقات‪ ،‬ومن ثَ ّم نظر كل‬
‫طرف إل مصاله الاصة‪ ،‬وإل أطماعه التوسعية؛ ولا كانت مساحة آسيا الصغرى مدودة‪ ،‬فكان ل‬
‫بد من التوسع على حساب الطرف الخر! كما أن وفرة الغنائم وكثرة الموال كانت من العوامل‬
‫الت أغرت الطائفتي بنسيان الصول السلمية‪ ،‬والتفرّغ لمع الدنيا‪!!2‬‬
‫لكن على العموم فإن هذه العارك الت حدثت أدت إل خروج آسيا الصغرى تقريبًا من‬
‫موازنات الروب الصليبية‪ ،‬حيث أخرجها الصليبيون من حساباتم لفترة طويلة‪ ،‬كما أخرج سكانا‬
‫السلمون بقيّة القضايا السلمية ‪ -‬وعلى رأسها احتلل الشام وفلسطي ‪ -‬من حساباتم‪ ،‬وصارت‬
‫قضية احتلل القدس وغيها من الدن السلمية وكأنا من قضايا الشأن الداخلي الت تص‬
‫الفلسطينيي والشاميي‪ ،‬ول دخل لبقية السلمي فيها‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬قصور كبي ف ال َفهْم‪ ،‬وبُعد‬
‫هائل عن حقيقة الشرع وطبيعة الدين!‬
‫عودة إل المارات الصليبية ف الشام وفلسطي!‬
‫قبل أن تصل أخبار الزية الصليبية الفادحة إل بيت القدس كان بلدوين الول يرتب أمور‬
‫ملكته الديدة‪ ،‬وبينما هو منهمك ف هذا الترتيب إذ باليوش العبيدية (الفاطمية) تظهر ف الصورة!‬
‫لقد رغبت الدولة العبيدية ‪ -‬كما شرحنا قبل ذلك ‪ -‬ف التفاهم مع الصليبيي لتقسيم البلد‬
‫معهم‪ ،‬فتكون الشام للصليبيي وتكون فلسطي للدولة العبيدية‪ ،‬غي أن هذا ل يعجب الصليبيون‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Runciman, op. cit., ll, p. 30.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gamb. Hist. of Byzantine Empire vol 1V prt, 1, p. 741.‬‬

‫‪145‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫واستمروا كما رأينا ف احتلل الراضي حت أخذوا فلسطي بكاملها‪ ،‬وأسقطوا بيت القدس ف‬
‫قبضتهم ف (‪492‬هـ) يوليو ‪1099‬م‪ ،‬ول شك أن هذا ل يأتِ موافقًا لطماع ورغبات الدولة‬
‫العبيدية‪ ،‬ول يكن هذا بالطبع لي نوة إسلمية‪ ،‬ول لتقديس مدينة القدس ومسجدها القصى‪ ،‬إنا‬
‫كان لرغبات التوسع والتملك والسيطرة‪ ،‬ولتأمي الدود الشرقية التاخة مباشرة لفلسطي‪ .‬وبعد ما‬
‫يقرب من سنتي‪ ،‬وتديدًا ف (‪494‬هـ) مارس ‪1101‬م فكر العبيديون ف استرداد بيت القدس‬
‫وقتال بلدوين الول‪ ،‬وجاءوا بيش كبي يقوده سعد الدولة القواسي الذي كان حاكمًا لبيوت من‬
‫قبلُ‪ ،1‬وعسكر هذا اليش ف عسقلن‪ ،‬وهي ‪ -‬كما نعلم ‪ -‬ما زالت تت السيطرة العبيدية‪ ،‬وبدأ‬
‫اليش ف الستعداد لوض معركة مهمة مع الصليبيي‪ ،‬ولكن من الواضح أن خطوات اليش‬
‫العبيدي كانت متثاقلة جدّا‪ ،‬فقد أخذوا أكثر من ستة أشهر ف الستعداد‪ ،‬وأخيًا خرجوا ف (‬
‫‪494‬هـ) أوائل سبتمب سنة ‪1101‬م لقتال الصليبيي‪ ،‬مضيعي بذلك فرصة الصيف الار الذي ل‬
‫يألفه الوربيون‪ ،‬إضافةً إل إعطاء الصليبيي فرصة التجهز والستعداد للمعركة القبلة‪.2‬‬
‫وف منطقة الرملة‪ ،‬وف يوم ‪ 7‬من سبتمب سنة ‪1101‬م‪ ،‬حدث الصدام الذي يعرف ف‬
‫التاريخ بوقعة الرملة الول بي اليش العبيدي ف عدد كبي‪ ،‬واليش الصليب بقيادة بلدوين الول ف‬
‫أعداد قليلة لكن حسنة التنظيم‪ ،‬ومع أن أعداد العبيديي كانت تفوق كثيًا أعداد الصليبيي فإنم‬
‫هُزموا سريعًا‪ ،‬وسقط قائدهم سعد الدولة القواسي صريعًا ف أرض العركة‪ ،3‬وقُتل منهم عدد كبي‪،‬‬
‫وفر الباقون إل عسقلن الصينة‪ ،‬وغنم الصليبيون كل ما كان مع اليش العبيدي من سلح ومؤن‬
‫وآلت‪.4‬‬
‫لقد كانت ضربة موجعة للدولة العبيدية ف مصر!‬
‫واهتز الوزير الفضل بن بدر المال السيطر على المور ف مصر‪ ،‬وقرّر أن يرسل حلة‬
‫أخرى لرد العتبار‪ ،‬لكن تهيز هذه الملة أخذ أكثر من ثانية أشهر‪ ،‬جعلت المور تستقر إل حد‬
‫كبي ف منطقة بيت القدس!‬
‫وهكذا وصلت أنباء الزية القاسية للجيوش الصليبية ف آسيا الصغرى مع أنباء هزية الدولة‬
‫العبيدية ف الرملة‪ ،‬ما أعاد الثقة نسبيّا إل الصليبيي‪.‬‬
‫ورأى ريون الرابع كونت تولوز ‪ -‬الذي فشل حت هذه اللحظة ف تقيق أي طموح ‪ -‬أنّ‬
‫عليه أن يسعى حثيثًا لتكوين إمارة له ف منطقة لبنان‪ ،‬وقد رأينا رغبته السابقة ف منطقة طرابلس‬
‫الصينة‪ ،‬ورأينا فشله ف تقيق مطامع بالنطقة؛ نتيجة تنافسه مع زعماء الملة الصليبية جيعًا‪ ،‬ورأينا‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/67‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., pp. 44-45.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/68،67‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 553 & Guillaume de Tyr, p. 26.‬‬

‫‪146‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فشله ف تقيق طموح مع القوات الصليبية الديدة الت انتهى أمرها ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬إل السحق التام‬
‫تت أقدام السلمي‪ ،‬ووجد ريون الرابع أن علقته بالمباطور البيزنطي ل تساعده ف شيء‪ ،‬بل‬
‫أعطت انطباعًا عند زعماء الملة الصليبية أن ريون خائن لم وللمشروع الصليب‪ ،‬لدرجة أن ريون‬
‫الرابع عندما غادر القسطنطينية ف (‪495‬هـ) يناير ‪1102‬م متجهًا إل ميناء السويدية جنوب‬
‫أنطاكية ليمارس نشاطه من جديد ف ماولة إنشاء إمارة خاصة به‪ ،‬قبض عليه أحد رجال تانكرد أمي‬
‫أنطاكية بتهمة اليانة للصليبيي‪ ،‬واعتقله تانكرد بالفعل ف سجن أنطاكية‪ ،1‬واتمه بالتواطؤ مع الدولة‬
‫البيزنطية‪ ،‬بل وبتعمد إهلك اليوش الصليبية لصال البيزنطيي‪ ،‬وكادت أن تدث مشكلة ضخمة‬
‫بي الصليبيي؛ لن ريون الرابع وراءه جيش كامل من البوفينساليي؛ ولذا تدخل زعماء الصليبيي‬
‫عند تانكرد لطلق ريون‪ ،‬فلم يطلقه إل عندما اشترط على ريون أن يكفّ عن الطالبة بأية حقوق‬
‫ف أنطاكية أو اللذقية‪ ،‬ووافق ريون وأطلق سراحه‪ ،‬وخرج من أنطاكية مسرعًا ف اتاه لبنان‪ ،‬وف‬
‫طريقه إل هناك حاصر طرطوس (ف سوريا الن) ‪ ،2‬وسانده ف هذا الصار أسطول جنويّ‪،3‬‬
‫وبالفعل سقطت طرطوس ف (‪495‬هـ) فباير ‪1012‬م‪ ،‬واتذها ريون قاعدة لعماله‪ ،‬ومركزًا‬
‫للنطلق نو طرابلس بعد ذلك‪.4‬‬
‫ل جدّا يقدر بالئات فقط‪ ،‬فإنّه ل يتردد ف حصار طرابلس بذا‬ ‫ومع أن جيش ريون كان قلي ً‬
‫العدد القليل من الند‪ !5‬إنا معركة البقاء والوجود! إن خسائره أصبحت كثية‪ ،‬ول بد من العمل‬
‫الاد قبل أن يفقد كل شيء‪.‬‬
‫وف داخل طرابلس وجد ابن عمار ‪ -‬الذي كان شيعيّا منفصلً عن الدولة العبيدية ‪ -‬نفسَه‬
‫وحيدًا ف حصاره‪ ،‬ول يفكر ف الستنجاد بالدولة العبيدية لنه يعلم مطامعها ف إمارته‪ ،‬فأرسل‬
‫رغمًا عن أنفه إل اثني من ألدّ أعدائه وها‪ :‬دقاق ملك دمشق‪ ،‬وجناح الدولة ملك حص‪6‬؛ فهما‬
‫أقرب الدن إليه‪ ،‬ولكنهما من السّنّة‪ ،‬واللف بينهما عميق‪ ،‬ول يكن ابن عمار يتردد ف إرشاد‬
‫اليوش الصليبية إل الطرق الت تنجّيهم من جيوش دقاق‪ ،‬أما الن فالوضع متلف‪ ،‬والقضية ‪ -‬ل‬
‫شك ‪ -‬ليست قضية إسلمية‪ ،‬ل عند ابن عمار‪ ،‬ول عند دقاق أو جناح الدولة‪ ،‬ولكنها الصال‬
‫الذاتية فقط!‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthhieu d`Edesse (Doc. Ar. 1) p. 27.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d`Aix, pp. 582-583.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Heyd: op. cit., 1, p. 139.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Archer. Op. cit., p. 156.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Raoul de Caen, p. 708.‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/55‬‬

‫‪147‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ول يتردد الزعيمان السلمان ف قبول الساعدة‪ ،‬فهي فرصة قد تعطيهم إمارة طرابلس‪،‬‬
‫وجيوش ريون قليلة يسية‪ ،‬وهزيته كانت قريبة ف آسيا الصغرى على يد قلج أرسلن وكمشتكي‬
‫بن الدانشمند‪ ،‬وهكذا انطلق الزعيمان لنجدة ابن عمار‪!1‬‬
‫ومع كون اليوش السلمية الثلثة لدقاق وجناح الدولة وابن عمار كانت أكثر بكثي من‬
‫جيش ريون‪ ،‬فإ ّن ريون استطاع أن ينتصر عليهم‪ ،‬وأن يشتّت شلهم‪ ،‬بل يروي ابن الثي أن ريون‬
‫قتل من السلمي سبعة آلف‪ ،‬مع أن جيشه كان بضع مئات! وفر جيش ابن عمار إل داخل‬
‫طرابلس‪ ،‬وهربت جيوش دقاق وجناح الدولة إل مدنما‪ ،‬وعاد ريون إل حصار طرابلس‪ .‬وإزاء هذا‬
‫الوضع عرض ابن عمار دفع الزية لريون‪ ،‬فقَبِل ريون نظرًا لعلمه أن إسقاط طرابلس بذا العدد‬
‫القليل يكاد يكون أمرًا مستحيلً‪ ،‬وبذا عاد ريون إل طرطوس ف مارس أو إبريل من سنة‬
‫‪1102‬م‪.2‬‬
‫لكن ريون ما عاد إل طرطوس ليستريح‪ ،‬إنا عاد لُيعِ ّد العدة لجوم جديد‪ ،‬ومن ثَمّ فقد‬
‫خرج بعد أيام من عودته ف (‪495‬هـ) إبريل ‪1102‬م إل بعض الصون التابعة لدينة حص‪ ،‬مثل‬
‫حصن طوبان وحصن الكراد وغيها‪ ،3‬وأخذ ف حصارها ومهاجتها مستغلّ فرار جيوش جناح‬
‫الدولة منه قبل ذلك‪ ،‬وبينما هو ف حصاره هكذا حدثت كارثة ف مدينة حص توضح مدى الندار‬
‫الذي وصلت إليه المة ف ذلك الوقت؛ إذ كان هناك خلف قدي بي رضوان ملك حلب وجناح‬
‫الدولة حسي بن ملعب ملك حص‪ ،‬ومع أن حسي بن ملعب ملك حص كان متزوجًا من أم‬
‫رضوان بن تتش‪ ،‬إل أن رضوان أقدم على جرية بشعة ف توقيت خطي‪ ،‬وهي جرية قتل جناح‬
‫الدولة ملك حص وزوج أمه‪ ،‬وقام بتنفيذ هذه الهمة عن طريقة ثلثة من الباطنية الساعيلية الذين‬
‫اشتهروا بثل هذه الرائم‪ ،‬حيث قُتل جناح الدولة ف مسجد حص الكبي أثناء تأديته للصلة‪ ،‬وكان‬
‫ذلك ‪495‬هـ\ ف مايو سنة ‪1102‬م‪!4‬‬
‫إنا لرية كبى حقّا!‬
‫ليست فقط لزهاق روح مسلمة بغي وجه حق‪ ،‬وليست فقط لرتكابا غِيلَ ًة أثناء الصلة‬
‫وف داخل السجد‪ ،‬وليست فقط لنا ف حق زوج أمه‪ ،‬ولكن لنا تت ف مثل هذه الظروف‬
‫القاسية الت تتعرض لا المة!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/55‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/55‬‬
‫‪Raoul de Caen, p. 707.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/56،55‬‬
‫‪Stevenson, op. cit., p. 54.‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/56‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/146‬‬

‫‪148‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ل ينظر رضوان مطلقًا إل وجود حص ف مواجهة جيش ريون الرابع‪ ،‬ول ينظر إل الزمة‬
‫الت تتعرض لا البلد‪ ،‬ول ينظر إل حالة الضطراب الت ستئُول إليها الحداث بعد مقتل زعيم‬
‫الدينة‪ ،‬وإنا نظر فقط إل إشفاء غليله‪ ،‬وإرضاء نفسه‪ ،‬والنتقام لكبيائه!‬
‫وهكذا فقدت حص زعيمها ف وقت حرج‪ ،‬وعلم ريون الرابع بذه الحداث‪ ،‬فأخذ بقية‬
‫جيشه بسرعة وتوجه مباشرة إل مدينة حص ذاتا ليضرب عليها حصارًا بغية إسقاطها‪ ،1‬إل أنم‬
‫استنجدوا بدقاق ملك دمشق‪ ،‬فوجدها دقاق فرصة لتوسيع ملكه‪ ،‬ومن ثَمّ جاء بيشه لضمها إل‬
‫دمشق‪ ،‬ورأى ريون أنه سينحصر هكذا بي جيشي حص ودمشق؛ فرفع الصار وعاد إل طرطوس‪،‬‬
‫ووضع دقاق يده على مدينة حص ليضمها ف (‪495‬هـ) مايو ‪1102‬م إل ملكته‪ ،‬وأناب عنه ف‬
‫حكمها أحد قوّاده وهو طغتكي‪.2‬‬
‫واستقرت الوضاع نسبيّا ف هذه النطقة‪ ،‬حيث هدأ ريون بعض الوقت لكي يزيد من قوته‬
‫وإمكانياته استعدادًا لصار طرابلس‪ ،‬ورضي منه دقاق بذا الدوء‪ ،‬فلم يسعَ مطلقًا إل الجوم عليه‬
‫أو استفزازه‪ ،‬وكأنّ البلد الت وضع ريون يده عليها أصبحت من حقّه كأمر واقعي ل بد من‬
‫العتراف به!‬
‫ونعود إل بيت القدس‪ ،‬وقد مرت اليام والشهور‪ ،‬وعاد العبيديون بيش كبي للنتقام‬
‫لزيتهم ف معركة الرملة الول ف سبتمب ‪1101‬م‪ ،‬وكان عودتم إل عسقلن ف شهر مايو‬
‫‪1102‬م‪ ،‬أي بعد مرور أكثر من ثانية أشهر على الكارثة الول‪ ،‬وكان جيشهم بقيادة شرف العال‬
‫وهو ابن الوزير الفضل بن بدر المال‪ ،‬ما يعطينا فكرة عن أهية هذه الملة‪.3‬‬
‫وحشد بلدوين بضعة آلف من جنوده ف منطقة يافا‪ ،‬وخرج ف مهمة استطلعية بي يافا‬
‫والرملة‪ ،‬ول يكن معه سوى مائتي من الفرسان‪ ،‬وباغته العبيديون هناك‪ ،‬حيث اضطربت صفوفه‪،‬‬
‫واضطر إل قتالٍ مفاجئ‪ ،‬وقُتل من رجاله عدد كبي وفر الباقون‪ ،‬فمنهم من فر إل يافا‪ ،‬ومنهم من‬
‫فر إل الرملة‪ ،‬وكان بلدوين من فر إل الرملة‪ ،‬وكان هذا ف (‪495‬هـ) ‪ 17‬من مايو ‪1102‬م‪.4‬‬
‫حاصر العبيديون الرملة ليفتكوا ببلدوين الول غي أنه هرب منها ليلً متجهًا إل يافا‪،‬‬
‫وسقطت الرملة ف أيدي العبيديي‪ ،5‬وأرسلوا فرقة سريعة لصار يافا‪ ،6‬فغيّر بلدوين الول من مساره‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/56‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/147‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/68‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/68‬‬
‫‪Albert d`Alix, p. 593.‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/68‬‬
‫‪Foucher de Chartes p. 402.‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/68‬‬

‫‪149‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وذهب إل أرسوف ف شال يافا‪ ،1‬وجع من كان با من الصليبيي‪ ،‬وأخذهم عن طريق البحر إل‬
‫يافا لنجدة اليش الصليب هناك‪ ،‬واستعان بأسطول إنليزي مكون من مائت سفينة كان يمل كثيًا‬
‫من النود والجاج‪ ،‬ودخل بلدوين الول فعلً إل يافا من اليناء البحري على الرغم من وجود‬
‫السفن العبيدية‪ ،‬وأخذ ف تنظيم جيوشه ف داخل الدينة‪ ،2‬ث ف (‪495‬هـ) يوم ‪ 27‬من مايو‬
‫‪1102‬م خرج بلدوين الول على رأس جيوشه لقابلة اليش العبيدي خارج أسوار يافا‪ ،‬وللسف‬
‫فإنه ف خلل بضع ساعات هُزم اليش العبيدي هزية ساحقة‪ ،‬ول يفقد اليش الصليب عددًا يذكر‬
‫من رجاله‪ ،‬وف ّر العبيديون إل عسقلن‪ 3‬للمرة الثانية ف خلل ثانية أشهر لتتفاقم الزمة العسكرية‬
‫للدولة العبيدية‪ ،‬بينما يزداد الصليبيون ترسيخًا لقدامهم ف النطقة!‬
‫وعاد بلدوين الول إل بيت القدس ليتب أوضاعه فيها‪ ،‬وكان من أهم العمال الت قام با‬
‫استقبال مندوب البابا باسكال الثان الذي جاء للتحقيق ف أمر دايبت أسقف بيت القدس‪ ،‬وكان‬
‫بلدوين الول قد أرسل إل البابا يشكو له سوء سلوك دايبت‪ ،‬وأن هناك الكثي من الشبهات ف‬
‫تصرفاته‪ ،‬وجاء مندوب البابا ‪ -‬وهو السقف إبرمار ‪ -‬وحقق ف المر‪ ،‬وسرعان ما أثبت ‪ -‬بعونة‬
‫بلدوين الول بالطبع ‪ -‬أن دايبت مُدان ف تصرفاته‪ ،‬وت عزله عن السقفية الهمة‪ ،‬وتول إبرمار‬
‫مكانه‪ ،‬وبذلك تلص بلدوين الول من أشد منافسيه على الكرسي‪ ،4‬ول يعبأ بلدوين الول بعد‬
‫ذلك باعتراضات تانكرد النورمان أمي أنطاكية‪ ،‬فقد صار بلدوين أقوى زعماء الصليبيي بل منازع‪.‬‬
‫ول ينبغي أن يعلنا هذا التصرف من بلدوين أن نفهم أن سلطان الكنيسة ذهب بالكلية عند‬
‫قيام حكومة علمانية ملكية ف بيت القدس‪ ،‬بل ظل للكنيسة نفوذ كبي‪ ،‬وإن كان ف معظمه نفوذ‬
‫بعيد عن سلطة أخذ القرار السياسي‪ ،‬وإنا هو نفوذ اقتصادي واسع؛ فقد تيزت الديرة والكنائس ف‬
‫المارات الصليبية بوفرة الثروة واتّساع الملك‪ ،‬ويكفي أن نعرف أن دير جبل صهيون ف بيت‬
‫القدس ‪ -‬على سبيل الثال ‪ -‬امتلك ف سنة (‪583‬هـ) ‪1178‬م حيّا بأكمله ف مدينة القدس ذاتا‪،‬‬
‫ض وبساتي وأسواق ف عسقلن ويافا ونابلس وقيسارية‬ ‫وكذلك كان لنفس الدير متلكات وأرا ٍ‬
‫وعكا وصور وأنطاكية وقليقية‪ ،‬بل إن الدير نفسه كان يلك ضياعًا وأملكًا ف أوربا‪ :‬ف صقلية‪،‬‬
‫وإيطاليا‪ ،‬وفرنسا! ول شك أن هذه الملك الواسعة أثارت حقد النبلء والمراء‪ ،‬خاصةً أن أملك‬
‫الكنيسة كانت مُعفاة من الضرائب‪ ،5‬وكان رجال الكنيسة معفيي من الدمة العسكرية كذلك‪،‬‬
‫فهذا رفع تساؤلت ضخمة ف أذهان المراء الذين ما شعروا أن للدين أثرًا ف حياتم يوازي هذه‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Alix, p. 595.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Michaud: op. cit. ll, p.30 & Runciman: op. cit. ll, 79-80.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Foucher de Chartes pp. 404-405 & Guillaume de Tyr, p. 435.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman: op. cit. ll, 81-82.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Thompson: op. Cit., p. 406.‬‬

‫‪150‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الكانة الضخمة الت تتمتع با الكنيسة‪ ،‬ومع ذلك فهذا واقع كان ل بد من قبوله‪ ،‬ول يثر عليه عامة‬
‫الوربيي إل بعد عدة قرون‪!1‬‬
‫وهكذا بينما نن نتحدث عن استقرار الوضاع الداخلية ف المارات الصليبية كانت‬
‫الحوال تزداد سوءًا ف المارات السلمية! ول يقف الد عند الناع بي المارات بعضها وبعض‪،‬‬
‫وإنا وصل إل الناع الداخلي ف كل إمارة‪ ،‬وليس أدل على ذلك ما حدث ف الوصل ف (‬
‫‪495‬هـ) أواخر سنة ‪1102‬م عندما مات كربوغا أمي الوصل‪ ،‬فتنازع اللك ف الوصل بعده اثنان‬
‫هم سنقرجة وموسى التركمان‪ ،‬فقُتل سنقرجة ف الناع وتول موسى التركمان‪ ،‬ليُقتَل بعد قليل‬
‫على يد جكرمش الذي تول إمارة الوصل‪ ،‬ولن يدوم المر له طويلً بل سيظهر من ينافسه‬
‫وهكذا‪!!2‬‬
‫إنه ف ظل هذه الوضاع التردية‪ ،‬من غياب الشرع ف حياة الناس‪ ،‬وحب السلطة والتملك‪،‬‬
‫وذهاب الوحدة‪ ،‬وانفصام العروة‪ ،‬كان ل بد للكيان الصليب أن يُزرع ف داخل قلب المة‬
‫السلمية! ول عجب إن قلنا إنه ف أثناء هذا الصراع ف الوصل‪ ،‬وف (‪495‬هـ) أواخر سنة‬
‫‪1102‬م سقطت مدينة اللذقية ‪ -‬وهي ميناء شامي ف غاية الهية ‪ -‬ف يد تانكرد أمي أنطاكية بعد‬
‫حصار سنة ونصف تقريبًا‪ ،‬دون أن يتحرك لا أحد من الدن القريبة‪ :‬حلب أو حاة أو حص‪،‬‬
‫وهكذا صار لمارة أنطاكية واجهة عريضة على البحر سهّلت لا بعد ذلك ‪ -‬ولدة عشرات السني‬
‫‪ -‬وصول المدادات البحرية من أوربا؛ ما أسهم ف طول بقائها واستقرارها‪.3‬‬
‫ولعل من الحداث الت رأيناها ف سنة (‪496‬هـ) ‪1103‬م ما يدلنا أيضًا على تردّي‬
‫الخلق بدرجة كبية عند زعماء السلمي‪ ،‬فلم تكن القضية ‪ -‬كما كانت ف الوصل ‪ -‬نزاعًا على‬
‫كرسي الكم فقط‪ ،‬بل وصل المر عند البعض إل الخاطرة بكل مصال السلمي من أجل حفنة من‬
‫دناني‪ ،‬أو اتفاقية تعاون مشترك مع الصليبيي!‬
‫من هذا ما حدث ف سنة (‪496‬هـ) أوائل ‪1103‬م من تفاوض بشأن المي السي‬
‫بوهيموند النورمان‪ ،‬والذي ظل كما نعرف ف قبضة اللك غازي كمشتكي ثلث سنوات كاملة‬
‫حت الن‪ ،‬وكان حبيسًا ف قلعة نكسار الصينة على ساحل البحر السود ف شال آسيا الصغرى‪.‬‬
‫لقد أراد بلدوين دي بورج أمي الرها بالشتراك مع برنارد بطرك أنطاكية أن يسعى لتحرير‬
‫بوهيموند من السر‪ ،‬وذلك لشية بلدوين دي بورج من أحلم تانكرد التوسعية‪4‬؛ ولا كان بلدوين‬
‫دي بورج يعلم أن الل العسكري لن يدي ف هذه القضية‪ ،‬خاصةً أن أخبار الملة الصليبية الفاشلة‬
‫‪ 1‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/389‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪:‬الكامل ف التاريخ ‪.9/55،54‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Raoul de Caen; pp. 708-709.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 38.‬‬

‫‪151‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ف سنة (‪494‬هـ) ‪1101‬م ل يكن أن تُمحى من الذاكرة‪ ،‬أراد بلدوين دي بورج أن يل الوقف‬
‫سياسيّا‪ ،‬فدعا إل مباحثات مشتركة مع اللك غازي كمشتكي أمي الدانشمند لينظر فيما يطلب‬
‫لطلق سراح بوهيموند النورمان‪ ،‬وتّ اللقاء فعلً‪ ،‬ودُرس الوقف‪ ،‬لكن ل يتوصل الفريقان إل‬
‫نتيجة حاسة‪ .1‬ف ذلك الوقت علم المباطور البيزنطي ألكسيوس كومني بذه الفاوضات‪ ،‬وكان‬
‫المباطور البيزنطي يكره بوهيموند كراهية شديدة‪ ،‬ويشعر أنه لعب به‪ ،‬وأغراه بالصداقة والولء‬
‫والتبعية‪ ،‬ث تنكّر لكل ذلك وامتلك أنطاكية‪ ،‬بل ترأ تابعه وابن أخته تانكرد على أخذ مدن أذنة‬
‫والصيصة وطرسوس ف أقليم قليقية شال أنطاكية‪ ،‬ث أخيًا أسقط تانكرد اللذقية التنازع عليها بي‬
‫الصليبيي والبيزنطيي‪ ،‬وبذلك ضربت كرامة الدولة البيزنطية ف العماق‪ ،‬وخاصةً أن تاريخ‬
‫بوهيموند ف عدائه للبيزنطيي طويل‪ ،‬ويسبق الروب الصليبية بسنوات عديدة؛ ولذلك لا علم‬
‫المباطور البيزنطي بذه الفاوضات قرر أن يدخل ف اللعبة السياسية ويتفاوض مع اللك غازي على‬
‫بوهيموند‪ ،‬وبالفعل تقدم بعرضٍ ف غاية السخاء قيمته مائتان وستون ألف دينار ف مقابل تسلّم‬
‫بوهيموند النورمان‪ !2‬وكان المباطور البيزنطي ل يريد فقط النتقام من بوهيموند‪ ،‬بل كان ينوي‬
‫أن يفعل ما ل يفكر السلمون أن يفعلوه طيلة السنوات الثلثة الت امتلكوا فيها أمر بوهيموند‪ ،‬فقد‬
‫كان يريد أن يساوم النورمان ف أنطاكية على بوهيموند‪ ،‬ومن ثَمّ يستطيع امتلك مدينة أو عدة مدن‬
‫نظي إطلق بوهيموند‪ ،‬ول شك أن المباطور البيزنطي كان يعلم قيمة بوهيموند عند النورمان‪،‬‬
‫وليس أدل على ذلك من توجه الملة الصليبية الت أتت ف سنة (‪494‬هـ) ‪1101‬م بكاملها لنجدة‬
‫بوهيموند‪ ،‬لول أنا هلكت كما تبيّن لنا‪.‬‬
‫وجاء العرض مغريًا جدّا للملك غازي كمشتكي بن الدانشمند! إنه ل يقاتل إل من أجل‬
‫التملك والتوسع وتكثي الموال والثروات‪ ،‬وها هو مبلغ هائل سيدخل جيبه دون جهد يذكر!‬
‫إن المر يستحق فعلً أن يُعطى جانبًا كبيًا من التفكي!!‬
‫ومن علم أيضًا بأمر هذه الفاوضات؟!!‬
‫لقد علم با القائد السلجوقي الشهي قلج أرسلن‪ ،‬وهو الذي يقود البيت التركي الثان ف‬
‫أرض آسيا الصغرى‪ ،‬وهو الذي ورث هو وإخوانه العداء مع بيت بن الدانشمند‪ ،‬فسال لعابه لذه‬
‫الثروة الطائلة الت ستدخل عما قريب لزينة الدانشمنديي‪ ،‬فأرسل من فوره رسالة إل اللك غازي‬
‫يطالب فيها بنصف البلغ عند تسلّمه‪ ،‬وذلك نظي الساعدة الت قدمها قلج أرسلن ف سنة (‬
‫‪494‬هـ) ‪1101‬م للملك غازي ف حربه ضد الملة الصليبية‪.3‬‬
‫إنا ل تكن حربًا ل إذن!‬
‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 610.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 610.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 301.‬‬

‫‪152‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن الرب كانت دفاعًا عن الوجود والسلطة‪ ،‬وهي أيضًا طلبًا للمال والثروة‪ ،‬أما العان‬
‫السلمية الرفيعة من إخلص وترد ونصرة للدين وحب للجنة وجهاد ف سبيل ال‪ ،‬فهذه ليست لا‬
‫مكانة ف قلوب زعماء ذلك الزمن!‬
‫وفكر اللك غازي ف طلب قلج أرسلن‪ ،‬إنه بذلك لن يصل إل على مائة وثلثي ألف‬
‫دينار‪ ،‬وهذا وإن كان مبلغًا كبيًا جدّا‪ ،‬إل أنه يطمع ف الكثر والكثر‪ ،‬ث إنه ل يقبل أن يرضخ‬
‫لطلب من طلبات قلج أرسلن‪.‬‬
‫إنه ف حية حقيقية من أمره!!‬
‫وف هذه الثناء تدخل طرف آخر ف الفاوضات؛ لقد تدخل بوهيموند نفسه! ول شك أنه‬
‫ف ظل هذا الفساد سيكون هناك من يتطوع ف نقل الخبار إل بوهيموند ف سجنه نظي وعد بال‬
‫أو إقطاع أو غي ذلك‪ ،‬وإزاء هذه العروض من المباطور البيزنطي والسلطان قلج أرسلن وماولت‬
‫بلدوين دي بروج تقدّم بوهيموند للملك غازي بعرضه‪!!1‬‬
‫لقد قال له بوهيموند‪ :‬إن المباطور البيزنطي عدو مشترك لنا جيعًا‪ ،‬فهو يتنازع مع الميع‬
‫من أجل الصول على مدن آسيا الصغرى‪ ،‬وكذلك قلج أرسلن هو عدو لنا جيعًا! هكذا! فأطماع‬
‫قلج أرسلن ف آسيا الصغرى تتعارض ‪ -‬ول شك ‪ -‬مع أطماع بوهيموند‪ ،‬وأيضًا مع أطماع‬
‫الملك غازي‪ ،‬وعليه فإن تسليم بوهيموند إل المباطور البيزنطي أو إعطاء الال لقلج أرسلن‬
‫سوف يضر بصال غازي قبل أن يضر بالمي بوهيموند‪ ،‬وعلى هذا فالعرض الذي يتقدم به‬
‫بوهيموند هو جع مبلغ مائة ألف دينار من إمارة أنطاكية وأصدقائها‪ ،‬وإعطاء هذا البلغ للملك‬
‫غازي كفدية‪ ،‬إضافةً إل تعاهدٍ بي الفريقي‪ :‬اللك غازي والمي بوهيموند على التعاون الشترك بعد‬
‫ذلك ف القضايا السياسية والقتصادية والعسكرية‪ ،‬وتصبح إمارة أنطاكية الصليبية دولة صديقة لمارة‬
‫بن الدانشمند السلمة‪!2‬‬
‫إنه عرض ف غاية الغراء للملك الطموح غازي بن الدانشمند!!‬
‫إنه أولً سيأخذ مبلغًا من الال ف غاية الضخامة؛ نعم هو أقل من عرض المباطور‬
‫البيزنطي‪ ،‬لكنه ف النهاية مبلغ كبي جدّا‪ ،‬ويكفي لنعرف حجمه أن ندرك أن إمارة أنطاكية بفردها‬
‫ل تستطع أن تمع البلغ‪ ،‬بل استعانت بإمارة الرها وبعائلة بوهيموند ف صقلية‪ ،‬ويكفي أن نعرف‬
‫أيضًا أنه عندما يتم أسر بلدوين دي بورج لحقًا ستكون الفدية خسة ألف دينار فقط!‬
‫وثانيًا هو لن يساهم ف تقوية شأن المباطور البيزنطي الذي ينافسه على أرض آسيا‬
‫الصغرى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Setton: op. cit., vol. 1, p. 388.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 610-612.‬‬

‫‪153‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وثالثًا ستكون هذه طعنة مباشرة لقلج أرسلن عدوه اللدود‪.‬‬


‫ورابعًا سيفوز اللك غازي بصداقة المي السي بوهيموند‪ ،‬وستقوم علقات دبلوماسية‬
‫مهمة مع المارة الصليبية أنطاكية‪.‬‬
‫وإزاء هذا العرض الغري وجد اللك غازي نفسه ل يستطيع الرفض‪ ،‬ومن ثَمّ قرر أن تتم‬
‫الصفقة ف ملطية‪ ،‬وكانت تت سيطرة اللك غازي ف ذلك الوقت‪.1‬‬
‫ووصلت الخبار إل أنطاكية‪ ،‬وأسرع رجال بوهيموند بالشتراك مع بلدوين دي بورج أمي‬
‫الرها‪ ،‬وكذلك مع بعض الثرياء من الصليبيي‪ ،‬إضافةً إل عائلة بوهيموند ف صقلية إل جع البلغ‬
‫الطلوب‪ ،‬وف سنة (‪496‬هـ) أوائل مايو ‪1103‬م تت الصفقة‪ ،‬وأطلق سراح بوهيموند‪ ،‬وتسلم‬
‫اللك غازي البلغ بعد أن تبادل مع بوهيموند اليان بفظ الصداقة والودة‪ ،‬والتعاون الشترك‬
‫الخلص ف الستقبل‪!2‬‬
‫وجنّ جنون قلج أرسلن!‬
‫لقد ضاعت منه ثروة طائلة!‬
‫إنه ل يكن يانع أن يطلق سراح بوهيموند إل ألكسيوس كومني‪ ،‬وكأن ألكسيوس كومني‬
‫هذا صديق للمسلمي‪ ،‬ل مانع من إعطائه أسباب قوة‪ ،‬ولكنه الن يانع من إطلق بوهيموند دون أن‬
‫يقبض هو جزءًا من الثمن!‬
‫وماذا فعل قلج أرسلن؟!‬
‫لقد أعلن الرب على غازي كمشتكي؛ لتشتعل بذلك النار بي السلمي ف آسيا الصغرى‪،‬‬
‫بل إنه أرسل إل الليفة العباسي وإل السلطان بركياروق يستعديهما على اللك غازي‪ ،‬مع أنه ل‬
‫يكن يعتب مطلقًا بوجودها‪ ،‬ولكنه الن يستخدم كل الوراق السياسية‪!3‬‬
‫لكن الخطر من الصراع الذي دار بي قلج أرسلن واللك الغازي هو أن إطلق سراح‬
‫بوهيموند كان كارثة ضخمة حلّت على السلمي؛ لنه عاد إل أنطاكية فاستقبل استقبا ًل حافلً‪،4‬‬
‫وقويت به ‪ -‬كما يقول ابن الثي ‪ -‬نفوس أهلها به‪ ،5‬ومن ثَمّ خرج بوهيموند بماسة لينتقم من‬
‫السلمي بعد أن أُسر لديهم أكثر من ثلث سنوات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 39.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 39.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Albert d`Aix, pp. 613-614.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 39.‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/56‬‬

‫‪154‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وبدأ بهاجة البلد التابعة للب‪ ،‬وفرض الزية على مدينة قنسرين‪ ،1‬وهاجم السلمي الذين‬
‫يعيشون على نر قويق شال حلب فمزقهم تزيقًا‪ ،‬وفرض على من بقي منهم الموال الباهظة‪ ،‬بل إنه‬
‫فرض على حلب نفسها الزية من الال واليل‪ ،‬وأجبها على إطلق سراح أي أسي صليب‪.2‬‬
‫لقد كانت كارثة حقيقية حلت على السلمي! لقد كانت كارثة اقتصادية وسياسية‬
‫وعسكرية‪ ،‬وقبل كل ذلك كارثة أخلقية شرعية‪ ،‬وكارثة فُرقة مقيتة عانت منها المة عدة سنوات‬
‫مقبلة‪.‬‬
‫والثمن؟!!‬
‫مائة ألف دينار‪ ،‬وحلف مع إمارة أنطاكية الصليبية!!‬
‫ولعل التدبّر ف مثل هذه القصص‪ ،‬ورؤية تفاصيل مثل هذه الواقف والحداث يعطينا تفسيًا‬
‫واضحًا لسيطرة الصليبيي على بقاع إسلمية كثية‪ ،‬على الرغم من كثرة أعداد السلمي ووفرة‬
‫أموالم وقوة حصونم؛ فإننا أبدًا ل نُهزم لقوة أعدائنا‪ ،‬ولكن لضعفنا وبُعدنا عن شرع ال‪ ،‬وسُنة ال‬
‫ل خلف لا!‬

‫ف التاريخ ‪.9/56‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/147‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 39.‬‬

‫‪155‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫نور من شال العراق!!‬


‫لقد مرت بنا كما رأينا لظات عصيبة سواء ف الشام أو آسيا الصغرى‪ ،‬ورأينا الحتلل‬
‫البغيض يضرب جذوره هنا وهناك‪ ،‬ورأينا تاذلً كبيًا من السلمي‪ ،‬وتاونًا شنيعًا ف القوق‬
‫والقدسات‪ ،‬وحت عندما رأينا نصرًا على الصليبيي‪ ،‬كذلك الذي حدث ف سنة (‪494‬هـ)‬
‫‪1101‬م رأينا خلفه صراعًا على الرض بل حربًا معلنة بي الزعيمي السلمي قلج أرسلن وغازي‬
‫بن الدانشمند!‬
‫ولقد كان الوضع ف الشام أكثر ترديًا من الوضع ف آسيا الصغرى‪ ،‬فلم نألف مقاومة ول‬
‫دفاعًا‪ ،‬بل رأينا التسليم والذعان وطلب الودة والصداقة مع زعماء الصليبيي‪ ،‬مع كل ما ارتكبوه من‬
‫مازر ومذابح راح ضحيتها عشرات اللف من السلمي‪ ،‬بل يزيد‪ .‬لكن هل يأت زمانٌ على المة‬
‫السلمية ينقطع فيه الي‪ ،‬فل يبقى مصلح‪ ،‬ول يظهر تقي؟!‬
‫إنّ هذا أبدًا ل يكون!!‬
‫والذين يدعون إل هذا اليقي ليس مرد استنباط من حقائق التاريخ‪ ،‬أو مرد أمل ينقصه‬
‫الدليل‪ ،‬إنا هو وعدُ ح ّق بشرنا به رسولنا حي قال‪" :‬لَ َتزَا ُل طَاِئ َف ٌة مِنْ ُأمّتِى ظَا ِهرِينَ َعلَى‬
‫الْحَقّ‪َ ،‬ل َيضُ ّر ُه ْم مَنْ َخذََل ُهمْ حَتّى َيأْتِىَ َأ ْمرُ ال ّل ِه َو ُهمْ َك َذِلكَ"‪.1‬‬
‫فالي ل ينقطع من المة أبدًا‪ ،‬ول بد له من ظهور وسيادة‪ ،‬وسيظل هناك دومًا من يمل‬
‫الراية‪ ،‬ويض على الفضيلة‪ ،‬ويتمسك بالشرع‪ ،‬ويب الهاد‪ ،‬وسيظل هناك دومًا من يسعى إل‬
‫ترير الرض‪ ،‬وحفظ العرض‪ ،‬وردّ الق‪ ،‬ولن يأت زمان أبدًا توت المة فيه أو تتفي‪ .‬نعم وقد‬
‫تضعف وتبو‪ ،‬ولكنها تظل دومًا باقية‪.‬‬
‫والذي ينظر إل الحداث أيام الروب الصليبية يرى أمرًا ل يفى على دارس‪ ،‬وإن كان ل‬
‫يأخذ نصيبه من التحليل والفقه‪.‬‬
‫وهذا المر هو كل حركة جهادية‪ ،‬أو دعوة إصلحية ف هذه الفترة كانت ترج من منطقة‬
‫شال العراق! هذا ف الوقت الذي خفتت فيه إل حد كبي دعوات الهاد ف الشام ومصر وآسيا‬
‫الصغرى‪ ،‬فهل هذه حقيقة؟ وإن كانت كذلك فما السر وراءها؟‬
‫إننا رأينا ف ثنايا القصة خروج كربوغا أمي الوصل ف جيش كبي لنجدة أنطاكية عند‬
‫حصارها سنة (‪490‬هـ) ‪1097‬م‪ ،‬ورأينا حصاره لمارة الرها وهو ف طريقه لنطاكية‪ ،‬ورأينا‬

‫‪ 1‬البخاري‪ :‬كتاب العتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب قول النب "ل تزال طائفة من أمت ظاهرين" (‪ .)6881‬ومسلم‪ :‬واللفظ له‬
‫كتاب المارة‪ ،‬باب قول النبي "ل تزال طائفة من أمت ظاهرين على الق" (‪ ،)1920‬وابن ماجة (‪.)6‬‬

‫‪156‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سعيه إل جع أمراء الشام ف حرب مشتركة ضد الصليبيي‪ ،‬ورأينا كيف خذلوه وتلوا عنه‪ ،‬ك ّل‬
‫منهم بسبب أو عذر‪ ،‬ولذا ل يكتب لملته النجاح كما رأينا‪ ،‬لكنه على العموم كان الوحيد الذي‬
‫قطع السافات لرب الصليبيي‪.‬‬
‫وسنرى بعد قليل غيه وغيه من سيحمل راية الهاد ضد الصليبيي‪ ،‬بل سيخرج من نفس‬
‫الكان عماد الدين زنكي ونور الدين ممود وصلح الدين اليوب‪ ،‬وهم جيعًا أغنياء عن التعريف أو‬
‫الوصف‪.‬‬
‫لاذا حدث كل هذا ف هذا النطقة‪ ،‬ول نره ف بلد السلم الخرى؟!‬
‫إننا لكي نفقه هذه اللحظة ل بد لنا من العودة إل التاريخ القريب لذه الناطق‪ ،‬وندرس‬
‫الفارق بينه وبي تاريخ الناطق الخرى‪ ،‬ومن ثَ ّم نستطيع أن نفهم جذور هذه الركات الهادية‬
‫والصلحية‪.‬‬
‫إننا إذا عدنا إل منتصف القرن الامس الجري ‪ -‬أي قبل الروب الصليبية بمسي سنة‬
‫تقريبًا ‪ -‬سنجد طغرل بك زعيم السلجقة السن يدخل بغداد مّلصًا إياها من الكم الشيعي الستبد‬
‫والتمثل ف بن بويه‪ ،‬وذلك بالتحديد ف سنة (‪447‬هـ) ‪1055‬م‪ .1‬وكان طغرل بك ‪ -‬كما‬
‫ل من أشد الناس احتمالً‪ ،‬وكان يقول عنه أيضًا‪" :‬وكان رحه ال‬ ‫يصفه ابن الثي ‪ -‬حليمًا عاق ً‬
‫يافظ على الصلوات‪ ،‬ويصوم الثني والميس"‪.2‬‬
‫ث ملك من بعده ابن أخيه البطل السلمي الفذ ألب أرسلن الذي مل الدنيا عد ًل ورحة‬
‫وجهادًا وعلمًا‪ ،‬ويصفه ابن الثي بكلم جليل فيقول‪" :‬وكان كريًا عادلً عاقلً‪ ،‬ل يسمع السعايات‬
‫(أي الوشايات)‪ ،‬واتسع ملكه جدّا‪ ،‬ودان له العال‪ ،‬وبقّ قيل له سلطان العال‪ ،‬وكان رحيم القلب‪،‬‬
‫ف الند عن أموال الرعية"‪.3‬‬
‫رفيقًا بالفقراء‪ ،‬كثي الدعاء‪ ،‬وكان شديد العناية بك ّ‬
‫رجل كهذا كان يكم بلد السلمي‪ ،‬وكان مركز حكمه وسلطانه ف منطقة فارس‬
‫والعراق‪ ،‬وشل عدله كل هذه الديار‪ ،‬وحقّق نصرًا غاليًا على الدولة البيزنطية ف موقعة ملذكرد سنة‬
‫(‪463‬هـ) ‪1070‬م‪ ،4‬ما زالت الدنيا تتحدث عنه إل يومنا هذا‪ ،‬ول شك أن هذا ترك أثرًا ل‬
‫ينسى ف شعبه‪ ،‬وعلّمه قيمة الهاد ف سبيل ال وأثره‪.‬‬
‫ول يكن ألب أرسلن وحده هو الذي يربّي هذا الشعب‪ ،‬بل أنعم ال عليه بوزير من أعظم‬
‫الوزراء ف تاريخ السلم‪ ،‬وهو من بطانة الي الت تض دائمًا على الي؛ قال رسول ال ‪" :‬مَا‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/323،322‬وابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.12/66‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/362‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/394‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/389،388‬‬

‫‪157‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫حضّهُ‬
‫شرّ َوتَ ُ‬
‫حضّهُ َعلَ ْيهِ‪ ،‬وَبِطَاَنةٌ َت ْأ ُمرُهُ بِال ّ‬
‫خ ِلفَ َخلِي َفةٌ إِلّ َلهُ بِطَانَتَانِ‪ :‬بِطَاَنةٌ َت ْأمُرُ ُه بِالْخَ ْي ِر وََت ُ‬
‫اسُْت ْ‬
‫صمَ ال ّلهُ"‪.1‬‬
‫َعلَ ْيهِ‪ ،‬وَالْ َمعْصُومُ مَنْ َع َ‬
‫هذا الوزير العظيم هو نظام اللك الطوسي الذي كان من العلماء الجلء‪ ،‬ومن الدافعي عن‬
‫الشريعة والسنة‪ ،‬ومن الحفّزين على الهاد والبذل‪ ،‬ومن الشداء ف الق‪ ،‬الرحاء مع الرعية‪ ،‬وكان‬
‫ل وعميقًا‪ ،‬وظل وزيرًا للب أرسلن‬ ‫مثالً يُحتذى ف كل مكارم الخلق‪ ،‬وكان اهتمامه بالعلم جلي ً‬
‫حت وفاة ألب أرسلن ف (‪465‬هـ) ‪1072‬م‪ ،‬ث صار وزيرًا لبنه ملكشاه الذي اتسع ملكه حت‬
‫وصل إل الصي والند شرقًا‪ ،‬وإل الدولة البيزنطية والشام غربًا‪ ،‬وكان ملكشاه على نج أبيه ألب‬
‫أرسلن مبّا للعلم‪ ،‬موّقرًا للعلماء‪ ،‬مق ّدرًا لقيمة الوزير الليل نظام اللك‪ ،‬حت إنه قال له عند بداية‬
‫حكمه‪" :‬قد رددت المور كلها كبيها وصغيها إليك‪ ،‬فأنت الوالد"‪.2‬‬
‫ث إن نظام اللك أسدى للمة السلمية فائدة عظيمة هي من أجلّ أعماله‪ ،‬إذ قام بإنشاء‬
‫عدد كبي من الدارس ف كل أناء الدولة نسبت إليه‪ ،‬فعرفت بالدارس النظامية (نسبةٌ إل نظام‬
‫اللك)‪ ،‬وهي نوع من الؤسسات العلمية الت ُهيّئ فيها للطلب أسباب العيش والتعليم‪ ،‬حيث كان‬
‫يري فيها على طلبة العلم الرواتب الشهرية‪ ،‬وكان يهتم بلب أكابر العلماء للتدريس فيها‪ ،‬فدرّس‬
‫فيها مشاهي الفقه والديث وسائر العلوم‪ ،3‬وكان من أهمّ أدوارها مقاومة الد الشيعي‪ ،‬والفكر‬
‫الباطن الذي كان منتشرًا ف كثي من البلد آنذاك‪ ،‬وعلى قمة البلد الت كانت تت الكم الشيعي‬
‫آنذاك مصر والشام‪.‬‬
‫وظل الوضع على هذه الصورة حت قُتل نظام اللك سنة (‪485‬هـ) ‪1092‬م على يد‬
‫الشيعة الساعيلية الباطنية‪ ،‬أي قبل الروب الصليبية بست سنوات فقط‪.4‬‬
‫ومن الدير بالذكر أن السلطان العظيم ملكشاه تُوفّي بعد وزيره نظام اللك بأكثر من شهر‬
‫بقليل‪ !5‬ول أشك أنما لو كانا ف زمان الروب الصليبية ما تركا بلد السلمي تنهب على هذه‬
‫الصورة‪ ،‬ولكن قدّر ال وما شاء فعل‪ ،‬ورحهما ال رحة واسعة‪.‬‬
‫ولكن إن ذهب هؤلء العظماء فإن أثرها ل يذهب‪ ،‬فإنما أورثا البلد الت كانت تت‬
‫حكمهم حب الشريعة والدين‪ ،‬ولعل من أبرز العان الت ارتفعت ف زمانما معنيي‪ :‬العلم والهاد‪،‬‬

‫‪ 1‬البخاري‪ :‬كتاب القدر‪ ،‬باب العصوم من عصم ال (‪ ،)6237‬والنسائي (‪ ،)4201‬وأحد (‪ ،)7238‬والطبان ف الوسط (‬
‫‪.)4612‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/369‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/481،480‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/478‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/482،481‬‬

‫‪158‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ول ترفع أمة إل بما‪ ،‬ول تذل أمة إل بتركهما‪ ،‬وهي معان ل تزول بسرعة‪ ،‬بل تظل مفورة ف‬
‫الذهان حت بعد موت الداعي لا بزمان وزمان‪.‬‬
‫كان هذا هو الال ف منطقة فارس والعراق وما حولا‪ ،‬وهو ما عرف ف التاريخ بدولة‬
‫السلجقة العظام‪ ،‬والت ورثها بعد موت ملكشاه ابنه بركياروق‪ 1‬الذي كان حليمًا كريًا صبورًا‬
‫عاقلً إل أنه ل يكن على مستوى أبيه وجَدّه‪ ،‬وكثرت ف عهده الفت والصراعات‪ ،‬وف عهده دخل‬
‫الصليبيون أرض السلم‪ ،‬ومع كثرة انشغاله ف الصراعات الداخلية فإنه ل يتردد ف إرسال كربوغا‬
‫أمي الوصل لنجدة أنطاكية كما مر بنا‪.‬‬
‫وإذا كنا نذكر أن هذا هو حال البلد الت كانت تت حكم السلجقة العظام بصفة عامة‪،‬‬
‫فإننا نذكر أن معظم الركات الهادية والصلحية كانت ترج من شال العراق؛ وذلك لنا أقرب‬
‫المارات للشام وآسيا الصغرى‪ ،‬فإمارة الرها تقع ف غرب إمارة الوصل وف جنوبا‪ ،‬وعلى هذا فقد‬
‫تمّل شال العراق عبء إخراج الجاهدين والعلماء إل هذه البلد النكوبة‪ ،‬بينما كانت جهود بقية‬
‫بلد السلجقة العظام الت تتمثل ف فارس وما حولا‪ ،‬موجهةً إل شرق العال السلمي لواجهة‬
‫الضطرابات الناجة عن الوثنيي من التراك أو النود‪.‬‬
‫وما يلفت النظار أيضًا ف هذه البلد ف شال العراق أن الشعب نفسه كان مق ّدرًا لقيمة‬
‫العلماء‪ ،‬وكان قادرًا على تقييم الاكم ف ضوء الشريعة‪ ،‬فيقف إل جوار من ينصر الشرع والدين‪،‬‬
‫ويقف ف وجه من يظلم ويتجاوز حدود الشريعة‪.‬‬
‫ولنا أن نضرب مثلً من حياة العلماء ف منطقة شال العراق لنرى قيمتهم وأثرهم‪ ،‬وليكن‬
‫هذا الثل هو العال الليل (عديّ بن مسافر)‪.‬‬
‫ولعل الكثي من السلمي ل يسمع عنه أصلً‪ ،‬ولكنه كان من العلماء الفذاذ الذين عاصروا‬
‫بدايات الروب الصليبية‪ ،‬وكان يعيش ف منطقة شال العراق عند جبال هكار بي قبائل الكراد‬
‫ل صالًا‪ ،‬وله أتباع صالون"‪ .3‬بل يقول‬ ‫الكارية‪ ،2‬وكان هذا العال كما يقول ابن تيمية‪" :‬كان رج ً‬
‫عبد القادر اليلن ف حقه كلمة عجيبة حيث قال‪" :‬لو كانت النبوة تنال بالجاهدة‪ ،‬لنالا الشيخ‬
‫عدي بن مسافر!"‪.4‬‬
‫وكان الشيخ عدي قد بن له مدرسة يُعلّم الناس فيها‪ ،‬وكما يقول ابن كثي‪" :‬فأقبل عليه‬
‫سكان تلك النواحي إقبالً هائلً؛ لا رأوا من زهده وصلحه وإخلصه ف إرشاد الناس"‪ .‬ويقول ابن‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/484‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/459‬‬
‫‪ 3‬ابن تيمية‪ :‬مموع الفتاوى ‪.11/103‬‬
‫‪ 4‬أبو الحاسن ابن تغري بردي‪ :‬النجوم الزاهرة ‪.5/344‬‬

‫‪159‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫خلكان‪" :‬وسار ذكره ف الفاق‪ ،‬وتبعه خلق كثي"‪ .1‬بل يذكر الذهب ف سي أعلم النبلء أن دعوة‬
‫الشيخ عدي أدت إل انتشار المن ف تلك النطقة‪ ،‬وارتدع مفسدو الكراد وتابوا‪.2‬‬
‫وهذا مرد مثال لتقدير الشعب لقيمة العلماء‪ ،‬ولفقههم لهية الشريعة‪ ،‬وهذا انعكس بدوره‬
‫على تفاعلهم مع القادة العسكريي والسياسيي‪ ،‬فمن كان منهم معظّمًا للشريعة مطّبقًا لا‪ ،‬كان‬
‫مطاعًا عندهم‪ ،‬مبوبًا إل قلوبم‪ ،‬ومن كان غي ذلك كان مكروهًا مذمومًا يتحي الميع فرصة لعزله‬
‫وإقصائه‪.‬‬
‫إنا طبيعة شعب يُرجى من ورائه خ ٌي كثي‪.‬‬
‫وإذا كان بروز السلجقة واضحًا جدّا ف هذه النطقة‪ ،‬وأثرهم ل يغفل أبدًا‪ ،‬فإن هناك من‬
‫ظهر إل جوار السلجقة‪ ،‬وأسهم معهم إسهامًا واضحًا ف الفاظ على روح الهاد ف سبيل ال‪،‬‬
‫ومن أهم هذه الطوائف الراتقة والكراد‪.‬‬
‫أما الراتقة فهم من نسل أرتق التركمان‪ ،‬وهو من قبائل التراك أيضًا‪ ،‬وكان من القواد‬
‫السياسيي البارزين للكشاه السلطان السلجوقي العظيم‪ ،‬وتقلد كثيًا من الناصب كان آخرها ولية‬
‫بيت القدس‪ 3‬حيث تُوفّي با سنة (‪484‬هـ) ‪1091‬م‪ ،4‬تاركًا ولدين من بعده ها‪ :‬سُقمان‬
‫وإيلغازي‪ ،‬اللذان حكما بيت القدس لفترة وجيزة حت سقط تت الحتلل العبيدي (الفاطمي)‪،‬‬
‫وذلك أثناء الغزو الصليب‪ ،‬وتديدًا ف سنة (‪491‬هـ)\ ‪1097‬م‪ ،‬ما جعلهما يرحلن إل الشمال‪،‬‬
‫حيث ذهب إيلغازي إل بغداد ليكون ف خدمة السلطان السلجوقي بركياروق‪ ،‬بينما اته سقمان إل‬
‫منطقة ديار بكر ف شال العراق ليؤسس هناك إمارة إسلمية تابعة للسلجقة‪ ،‬وأهم مدنا ماردين‬
‫وحصن كيفا (ف جنوب تركيا الن)‪.5‬‬
‫وكان لذين الزعيمي نوة إسلمية واضحة‪ ،‬وكذلك لبن أخيهم بَلْك بن برام‪ ،‬وكان لم‬
‫جيعًا أثرٌ ف حروب الصليبيي‪ ،‬سنراه مع تتابع الحداث‪.‬‬
‫أما الكراد فهم شعب عظيم من شعوب السلم‪ ،‬ينتمي ‪ -‬غالبًا ‪ -‬ف جذوره إل مموعة‬
‫القبائل الندوأوربية‪ ،‬والت هاجرت إل مناطق شال العراق وجنوب تركيا وشرق إيران قبل اليلد‬
‫بألفي سنة‪.6‬‬

‫‪ 1‬ابن خلكان‪ :‬وفيات العيان ‪.3/254‬‬


‫‪ 2‬الذهب‪ :‬سي أعلم النبلء ‪.20/342‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/443‬‬
‫‪ 4‬ابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.12/170‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/19‬‬
‫‪ 6‬انظر‪ :‬أحد تاج الدين‪ :‬الكراد تاريخ شعب وقضية وطن ص ‪.15‬‬

‫‪160‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وقد دخلت هذه القبائل الكبية ف السلم منذ أيامه الول‪ ،‬بيث إنه ل تأتِ سنة ‪ 21‬من‬
‫الجرة حت دخل غالب الكراد ف السلم‪ ،‬ومنذ الدخول الول لم ف السلم فإنم ظلوا على‬
‫عهدهم من الميّة والنصرة لدين ال مهما تقلبت الحوال أو تغيت الظروف‪ ،‬وكانوا ف كل‬
‫تاريهم ملتزمي بالنهج السّن‪ ،‬وغالبهم على الذهب الشافعي‪ ،‬وحت عندما سيطر بنو بويه الشيعية‬
‫على اللفة العباسية ف القرني الرابع والامس الجريي‪ ،‬ظل الكراد على منهجهم السن الصيل‪،‬‬
‫وعاطفتهم السلمية القوية؛ لذلك ل يكن مستغربًا أبدًا أن تأت النصرة من بلدهم‪ ،‬وأن يرج نم‬
‫الدين أيوب وأسد الدين شيكوه وصلح الدين اليوب واللك الصال نم الدين وغيهم من أصلب‬
‫هذه السرة الكرية‪.‬‬
‫كان هذا الوضع ف منطقة شال العراق‪ ،‬وهو ما يفسر ظهور الركات الهادية والصلحية‬
‫من هذه البقاع‪ ،‬ول شك أننا نلحظ أن كل ما ذكرناه من أساء وقبائل كان من أصول غي عربية‪،‬‬
‫بل إن الغيّرين ف قصتنا بكاملها من العرب سيكونون قلة قليلة جدّا؛ وهذا ليس تقليلً من شأن‬
‫العرب‪ ،‬ولكنه ذكر لتاريخ وواقع‪ ،‬وهو ف نفس الوقت تعظيم للسلم الذي صهر كل هذه النواع‬
‫البشرية والجناس التباعدة ف بوتقة واحدة‪ ،‬فجاء السلجقة والراتقة والكراد ليفعوا راية هذا‬
‫الدين‪ ،‬ويعزوا أمره متناسيي تامًا أن نب هذه المة عرب‪ ،‬وأن اللفة كانت ف العرب!! بل إن‬
‫غالب السلمي ف ذلك الوقت كانوا من غي العرب‪ ،‬بل إن غالبهم ف زماننا نن الن من غي‬
‫العرب أيضًا‪ ،‬فالعرب ل يثلون ف السلمي الن إل نسبة ‪ %25‬فقط‪ ،‬وكذلك كانوا ف التاريخ بعد‬
‫زمان أب بكر الصديق ‪ ،‬وبدءًا من زمان عمر بن الطاب حيث انتشر السلم ف مشارق الرض‬
‫ومغاربا‪ ،‬ولذا ل عجب أن ند أن معظم الغيّرين والجددين ف تاريخ السلم ليسوا عربًا‪ ،‬وليس‬
‫على سبيل الصر أن نذكر أساء طارق بن زياد‪ ،‬وألب أرسلن‪ ،‬ويوسف بن تاشفي‪ ،‬وعماد الدين‬
‫زنكي‪ ،‬ونور الدين ممود‪ ،‬وصلح الدين اليوب‪ ،‬وقطز‪ ،‬وممد الفاتح‪ ،‬وكلهم كما هو معلوم‬
‫ليسوا من العرب‪ ،‬وكذلك ف مال العلوم‪ ،‬بل ف مال العلوم الشرعية‪ ،‬وليس أدل على ذلك من‬
‫ذكر أصحاب كتب الديث الشهورين‪ ،‬فأعظمهم ستة‪ ،‬هم أصحاب ما يعرف بأمهات الديث‪،‬‬
‫وليس مستغربًا أن ند أن خسة من هؤلء الستة ليسوا عربًا‪ ،‬وهم البخاري ومسلم والترمذي‬
‫ل للعرب!‬‫والنسائي وابن ماجه‪ ،‬ويبقى أبو داود وحده مثّ ً‬
‫إن هذا دليل واضح على عظمة هذا الدين وقدرته على التأثي ف عقول الناس وقلوبم‪،‬‬
‫وطبيعته التجميعية لشتات الشعوب‪ ،‬ويا لسارة السلمي لو جاء عليهم زمان يعلون شأن القومية‬
‫فوق السلم‪ ،‬ويتجمعون على أواصر النسب والدم ل على أواصر العقيدة والدين!‬
‫هذا هو حال شال العراق أيام الروب الصليبية!!‬

‫‪161‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فكيف كان حال الشام الت ابتليت بالحتلل الصليب؟!‬


‫إن بلد الشام‪ ،‬وأيضًا مصر‪ ،‬قد نكبت بالحتلل العبيدي البشع بداية من سنة (‪359‬هـ)‬
‫‪969‬م‪ ،‬ول يرفع عنها إل عندما جاء السلجقة وأخرجوا العبيديي ف (‪477‬هـ) ‪1084‬م‪ ،‬أي‬
‫بعد أكثر من مائة سنة كاملة‪ .‬أما ف مصر فقد استمر حكمهم لا مائة سنة أخرى‪ ،‬ول ينتهِ إل ف‬
‫سنة (‪567‬هـ) ‪1171‬م‪ .‬وف هذه السنوات الطويلة فرّغ العبيديون البلد الحتلة من علماء السنة‪،‬‬
‫ونشروا البدع‪ ،‬ومنعوا التعليم السلمي الصحيح‪ ،‬ول تكن لم أبدًا قضايا جهادية‪ ،‬بل كانوا ياربون‬
‫الجاهدين ويؤذونم‪ ،‬ويالفون أعداء المة ويصادقونم‪ ،‬وقد رأينا طرفًا من أعمالم ومفاوضاتم مع‬
‫الصليبيي؛ وف وسط هذا الو الكئيب كان ل بد للشعب أن يرج رخوًا مائعًا ل قضية له! إنه ُحرِم‬
‫من العَالِم الذي يدله على الطريق‪ ،‬و ُحرِم من الجاهد الذي يكون له قدوة‪ ،‬ول يكن هذا لعام أو‬
‫عامي ولكن لقرن كامل ف الشام‪ ،‬وقرني كاملي ف مصر؛ ولذلك ل يكن متوقعًا من هذه البلد أن‬
‫تمل على أكتافها قضايا السلمي‪ ،‬حت لو كانت هذه القضايا هي قضاياهم شخصيّا!! فالموال‬
‫النهوبة أموالم‪ ،‬والديار الهدّمة ديارهم‪ ،‬والرواح الت أزهقت هي أرواح أبنائهم وإخوانم‬
‫وعشيتم! ث إن الذي حرر الشام من العبيديي كان ظالًا مثلهم‪ ،‬وإن كان سنيّا!‬
‫فالذي تول أمر الشام من السلجقة هو تُتش بن ألب أرسلن‪ ،‬وكان على النقيض تامًا من‬
‫أبيه ألب أرسلن أو أخيه ملكشاه بن ألب أرسلن‪ ،‬وال ضرب لنا ابن نوح مثلً لنفهم هذا‬
‫التضارب ف الشخصيات والخلق‪.‬‬
‫لقد كان تتش ظالًا مستبدًا‪ ،‬ل يهتم إل بكرسيه‪ ،‬ول ينظر إل لصاله‪ ،‬ول يسمع لرأي إل‬
‫جوار رأيه‪ ،‬ول يعتب بأرواح شعبه ول أموالم‪ ،‬ول يترم روابط دين أو عقيدة‪ ،‬ول روابط دم أو‬
‫نسب‪ ،‬فقطّع علقاته مع الناس أجعي‪ ،‬وحارب هذا وذاك‪ ،‬حت وصل به المر أن حارب بركياروق‬
‫ابن أخيه ملكشاه بعد وفاة ملكشاه! وكل ذلك طمعًا ف توسيع رقعة ملكه؛ أملً ف زيادة ثروته‪.‬‬
‫وكان من الطبيعي لشعب رُبّي ف هذا الو اللبد بالظلم والقهر أن يرج خانعًا خاضعًا‬
‫ذليلً‪ ،‬يُقاد بالسياط‪ ،‬ويقبل بانتهاك الرمات‪ ،‬ويألف ضياع القوق؛ ولذلك ل يكن الصليبيون‬
‫يتلفون كثيًا ف حسابات الشعب عن تتش بن ألب أرسلن أو عن العبيديي‪ ،‬بل إن بعض أفراد‬
‫الشعب كانوا يتعاونون مع الصليبيي بغية طعام أو شراب أو مال أو إقطاع‪.‬‬
‫ول يتلف الال كثيًا بعد وفاة تتش مقتولً ف سنة (‪488‬هـ) ‪1095‬م؛ إذ قسمت‬
‫الشام إل نصفي بي ولديه رضوان ودقاق‪ ،‬فأخذ رضوان حلب‪ ،‬وأخذ دقاق الشام‪ ،‬وها ل يتلفا‬
‫ف كثي أو قليل عن أبيهما‪ ،‬فقد ورثا عنه الظلم وسوء الخلق‪ ،‬فكانا وبا ًل على شعوبما‪ ،‬بل وعلى‬
‫عامة السلمي‪ ،‬بل إن رضوان بن تتش جع إل جوار ظلمه ظلمَ العبيديي‪ ،‬فتشيّع وقرّب الباطنية‬

‫‪162‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الساعيلية الجرمة‪ ،‬وحرضهم على جرائمهم النكرة بغية إرهاب الناس وتثبيت ملكه‪ .‬ولقد مرّ بنا ف‬
‫هذه القصة ‪ -‬حت الن ‪ -‬جريتان من ارتكابما؛ الول كانت مقتل الوزير العظيم نظام اللك سنة (‬
‫‪485‬هـ)‪ ،‬والثانية كانت مقتل جناح الدولة حسي بن ملعب زوج أم رضوان بن تتش بتحريض‬
‫من رضوان بن تتش نفسه‪ ،‬وذلك ف سنة (‪495‬هـ)‪.‬‬
‫وهكذا ‪ -‬بالتحليل السابق ‪ -‬فإنه ينبغي أن نتوقع ف غضون اليام والسنوات القادمة أن‬
‫تب حركة جهادية إصلحية من شال العراق‪ ،‬وأن يكون تفاعل الشعب معها ف الشام ضعيفًا ف‬
‫البداية إل أن تتغي الجيال الت تربّت على الذل والقهر‪ ،‬والبُعد عن الدين والشرع‪ ،‬وعندها سيكون‬
‫لم شأنٌ كبي ف تغيي الواقع الليم!‬
‫هذا ما ينبغي أن نتوقعه‪ ،‬وهذا ما حدث بالفعل! وكان من أوائل بذور الي ما رأيناه ف سنة‬
‫(‪496‬هـ) ‪1104‬م من تباشي حركة جهادية تدف إل مقاومة الصليبيي!‬
‫كيف كان ذلك؟!‬
‫كان على رأس إمارة الوصل ف ذلك الوقت جكرمش‪ ،‬وقد صعد إل كرس ّي الكم ‪ -‬كما‬
‫ذكرنا ‪ -‬بعد فتنة حدثت بعد موت كربوغا أمي الوصل السابق‪ ،1‬وكان جكرمش شخصية ذات‬
‫نزعة إسلمية واضحة‪ ،‬ورغبة ف العدل والرحة‪ ،‬وقدرة على التعامل مع الناس؛ ولذلك أحبّه أهل‬
‫الوصل وأطاعوه‪ ،‬غي أنه كانت له ميول استقللية‪ ،‬خاصةً أن الصراع كان دائرًا بي السلطان‬
‫بركياروق وأخيه السلطان ممد؛ ما جعل أفكار الستقلل بالوصل تراود خيال جكرمش‪ ،‬وإن كان‬
‫ف الظاهر يدين بالولء للسلطان بركياروق‪.2‬‬
‫وف نفس الوقت الذي رأينا فيه الضطرابات ف الوصل حدثت اضطرابات ماثلة ف مدينة‬
‫حرّان‪ ،‬وهي مدينة تقع إل النوب الشرقي من إمارة الرها الصليبية وعلى بُعد ‪ 200‬كم تقريبًا شال‬
‫شرق حلب‪ ،‬وعلى نفس السافة أو أكثر قليلً شال غرب الوصل‪ ،‬فهي مدينة ف موقع مهمّ جدّا؛‬
‫حيث إنا تسيطر على الطريق الذي يربط العراق بسوريا‪ ،‬أو الذي يربط الوصل تديدًا بلب‪ ،‬وقد‬
‫حدثت فيها فتنة ماثلة لفتنة الوصل‪ ،‬وقُتل فيها عدة ولة ف وقت قصي‪ ،‬وتول المر أخيًا غلم‬
‫تركي اسه جاول‪.3‬‬
‫رأى الصليبيون هذه الوضاع التقلبة ف حران والوصل‪ ،‬فقرروا أن يستغلوا هذه الفرصة‬
‫لتحقيق ضربة موجعة تقق أغراضًا عدة للمارات الصليبية الشمالية‪ ،‬أعن الرها وأنطاكية‪.4‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/55‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/79،78‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/102‬راجع أحداث الفتنة ف‪ :‬ابن العبي‪ :‬متصر تاريخ الدول ص ‪ ،198‬أبو الحاسن‪ :‬النجوم‬
‫الزاهرة ‪.5/191‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1389.‬‬

‫‪163‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد اتفق بلدوين دي بورج زعيم الرها بصحبة جوسلي دي كورتناي تابعه على مدينة تل‬
‫باشر (وهي من أعمال إمارة الرها) مع بوهيموند أمي أنطاكية‪ ،‬ومعه تانكرد ابن أخته ونائبه على أن‬
‫يقوم الميع بعمل عسكري مشترك ف غاية الطورة‪ ،‬وهو الستيلء على مدينة حرّان (ف جنوب‬
‫تركيا الن) ف خطوة مرحلية للستيلء بعد ذلك على مدينة الوصل ذاتا‪!1‬‬
‫إنم بذلك سيحققون أهدافًا ف غاية الطورة!‬
‫إنم سيسقطون أولً‪ :‬مدينة حران الشهية بثرواتا الطبيعية ومزارعها الصبة‪.‬‬
‫وثانيًا سيقطعون الطريق بي العراق والشام‪ ،‬ومن ثَمّ سيتعذر على العونات العسكرية‬
‫السلجوقية أن تأت من العراق إل مدينة الوصل الت تظهر فيها دعوات الهاد‪ ،‬والت تتميز بصحوة‬
‫إسلمية واضحة‪ ،‬فلو سقطت الوصل ضُرب السلمون بذلك ف عمقهم‪.2‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ستفتح حران بعد ذلك الطريق إل الوصل‪ ،‬والت تظهر فيها دعوات الهاد‪ ،‬والت‬
‫تتميز بصحوة إسلمية واضحة‪ ،‬فلو سقطت الوصل ضرب السلمون ف عمقهم‪.‬‬
‫ورابعًا قد يفتح الطريق باحتلل الوصل إل بغداد قلب العال السلمي وعاصمة اللفة‪،‬‬
‫ول شكّ أن سقوط بغداد سيزلزل العال السلمي كله‪ ،‬وقد يقع الميع حينئ ٍذ تت سيطرة‬
‫الصليبيي‪.‬‬
‫وخامسًا بالنسبة لبوهيموند‪ ،‬فإنّ السيطرة على حرّان ستؤدي إل حصر حلب بي أنطاكية‬
‫من الشرق وحران من الغرب ما يسهّل إسقاط حلب‪ ،‬ومن ثَ ّم إنشاء دولة صليبية كبى ف شال‬
‫الشام بدلً من إمارة أنطاكية الصغية‪.3‬‬
‫إنا أهداف كبى تعل إسقاط حران حلمًا غاليًا عند الصليبيي؛ ولذلك تكوّن جيش صليب‬
‫كبي يضم كل قادة الصليبيي ف النطقة‪ ،‬حيث كان فيه بلدوين دي بورج وجوسلي دي كورتناي‬
‫وبوهيموند وتانكرد‪ ،‬إضاف ًة إل عدد كبي من رجال الكنيسة ف الرها وأنطاكية‪ ،‬هذا إضافةً ‪ -‬طبعًا‬
‫‪ -‬إل جيش كبي يقارب العشرين ألف مقاتل‪.‬‬
‫لقد كانت هجمة ف غاية الطورة‪ ،‬خاصةً أن الدن السلمية الهمة ف النطقة ‪ -‬وهي‬
‫الوصل وحران ‪ -‬خارجةٌ من فتنة كبية كما وصفنا‪ ،‬إضافةً إل أن العلقات كانت مضطربة جدّا‬
‫بي جكرمش أمي الوصل وسقمان بن أرتق أمي حصن كيفا (إل الشرق من حران)؛ حيث كان‬
‫سقمان مؤيدًا للمي موسى التركمان الذي كان يتول أمر الوصل قبل ثورة جكرمش عليه‪.‬‬
‫لقد تي الصليبيون وقتًا حرجًا جدّا‪ ،‬وانتصارهم ف هذه الظروف قريب! غي أن هناك أمرًا‬
‫‪ -‬ما حسب له الصليبيون حسابًا ف ظل هذه الضطرابات ‪ -‬حدث؛ وغيّر هذا المر جدّا من‬
‫‪1‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, p. 389.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Elisseeff: op. cit., p. 296.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 44.‬‬

‫‪164‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫موازين القوى ف النطقة؛ لقد تبادل الزعيمان السلمان جكرمش وسقمان بن أرتق الرسائل ف وقت‬
‫متزامن تقريبًا‪ ،‬يدعو فيه كل زعيم أخاه إل نسيان اللفات القدية والتعاون الشترك ضد الصليبيي‪،‬‬
‫وهذا رائع جدّا أن تتم الوحدة بي السلمي ف ظروف الزمات والنكبات‪ ،‬ولكن الروع ف قصتنا‬
‫هذه أن كل الزعيمي أعلن هذه الوحدة ليست لتحقيق نصرٍ‪ ،‬أو لتوسيع ملك‪ ،‬أو لتكثي ثروة‪ ،‬إنا‬
‫هي ل!!‬
‫لقد جاء ف رسالة كل واحد منهما للخر ما رواه ابن الثي حيث قال‪" :‬إنن ما بذلت‬
‫نفسي ف هذا المر إل ل تعال وثوابه"‪.1‬‬
‫وهذه هي الرة الول ف قصة الروب الصليبية الت نرى فيها راية الهاد مرفوعة ف سبيل‬
‫ال‪ ،‬وبتجرد واضح؛ نعم الزمن زمن فتنة‪ ،‬والقلوب متقلبة‪ ،‬والهواء مضطربة‪ ،‬والنفوس قلقة‪،‬‬
‫ونوزاع اللك والسيطرة كثية‪ ،‬والحلم الشخصية موجودة‪ ،‬ولكن ‪ -‬بمد ال – ما زال ف‬
‫النفوس خي‪ ،‬وما زال هناك من يعمل العمل ابتغاء مرضات ال‪ .‬وإ ّن من أروع ما ف القصة أن‬
‫تتزامن رسائل الزعيمي‪ ،‬دللةً على أن ال أراد بما وبالسلمي خيًا‪.‬‬
‫اقترب اليش الصليب الكبي من حران‪ ،‬وفرض عليها الصار الحكم‪ ،‬وهو ل يعلم باتاد‬
‫اليشي السلمي للموصل وحصن كيفا؛ ولذلك كانت مفاجأة كبية جدّا للصليبيي أن ظهر ف‬
‫الفق اليش السلمي التحد‪ ،‬والكوّن من عشرة آلف مقاتل‪ ،‬منهم ثلثة آلف من العرب‬
‫والسلجقة والكراد تت قيادة جكرمش‪ ،‬وسبعة آلف تركمان تت قيادة سقمان بن أرتق‪.2‬‬
‫وف سنة (‪497‬هـ) ‪ 7‬من مايو ‪1104‬م دارت موقعة شرسة بي السلمي والصليبيي‪،‬‬
‫وذلك على ضفاف نر البليخ‪( 3‬خريطة ‪.)21‬‬
‫وقاتل ف هذه العركة بلدوين دي بورج وجوسلي دي كورتناي بكل قوتما؛ لن العركة‬
‫تدور تقريبًا ف حدود إمارتما‪ ،‬أما بوهيموند فقد استفاد من درس أسره قبل ذلك؛ ولذلك وقف ف‬
‫مؤخرة اليش مع ابن أخته تانكرد ليؤمّن ظهر اليش الصليب‪ ،‬وف نفس الوقت ليؤمّن لنفسه طريقًا‬
‫للهرب‪!4‬‬
‫وما هي إل ساعات وانتصر اليش السلم انتصارًا مهيبًا قُتل فيه من الصليبيي أكثر من اثن‬
‫عشر ألف مقاتل‪ !5‬كما تّ أسر بلدوين دي بورج وجوسلي دي كورتناي!! هذا فوق عدد كبي‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/73‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/73‬‬
‫‪ 3‬البليخ‪ :‬اسم نر بالرقة‪ ،‬يري نو خسة أميال ث يسي إل موضع قد بن عليه مسلمة بن عبد اللك حصنًا‪ .‬الموي‪ :‬معجم البلدان‬
‫‪.1/493‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/73‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/74‬‬

‫‪165‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫آخر من السرى‪ ،‬إضافةً إل كميات ضخمة من الغنائم والموال والسلح‪ ،‬وولّى بوهيموند وتانكرد‬
‫الدبار مسرعي إل أنطاكية‪!1‬‬
‫لقد كان نصرًا ميدًا حقّا!‬
‫ول يتعرض السلمون أثناء القتال إل أزمة حقيقية‪ ،‬فقد كانت السيطرة لم من بادئ المر‪،‬‬
‫إل أنم تعرضوا لزمة كبية بعد الوقعة‪ ،‬لكن ‪ -‬بفضل ال ‪ -‬كتب ال لم منها النجاة؛ ذلك أن‬
‫معظم الغنائم والموال ‪ -‬وكذلك السيين الثميني ‪ -‬وقعوا ف يد سقمان بن أرتق وجيشه‪ ،‬وخرج‬
‫جكرمش خال الوفاض من العركة‪ ،‬وغضب جيش جكرمش وهم يشاهدون الثروات تقع ف يد‬
‫اليش التركمان‪ ،‬وأغروا جكرمش بأخذ نصيبه منها‪ ،‬واقتنع جكرمش بذلك‪ ،‬وذهبوا للمعسكر‬
‫التركمان‪ ،‬وقد وجدوا أن سقمان كان ف مطاردة الصليبيي مع جزء من جيشه‪ ،‬فدخلوا خيمة‬
‫السرى‪ ،‬واستطاعوا أن يأخذوا بلدوين دي بورج أمي الرها‪ ،‬والسي العظم وعادوا به إل‬
‫معسكرهم!‬
‫إنا فتنة الدنيا!! وليس مستغربًا على هذا الزمن الذي اختلطت فيه الفاهيم جدّا أن توجد‬
‫هذه النوازع ف نفوس المراء والقاتلي‪.‬‬
‫وعاد سقمان من مطاردته‪ ،‬وعرف با حدث‪ ،‬وحضّه جيشه على قتال جكرمش لخذ‬
‫السي الثمي‪ ،‬إل أن سقمان رحه ال وقف موقفًا ل هو من أعظم الواقف ف حياته‪ ،‬ويدل دللة‬
‫واضحة على طيب معدنه‪ ،‬وصدق نيته؛ لقد قال سقمان ليشه‪" :‬ل يقوم فرح السلمي ف هذه‬
‫الغزاة بغمّهم باختلفنا‪ ،‬ول أوثر شفاء غيظي بشماتة العداء بالسلمي"‪.2‬‬
‫ال أكب!!‬
‫إنه ل يريد أن يضيع سعادة السلمي بالنصر باختلفهم على الغنيمة‪ ،‬ول يريد أن يشفي‬
‫صدره من جكرمش ويسبّب شاتة العداء ف السلمي‪.‬‬
‫هذا هو التجرد الذي يُرجى من ورائه النصر!‬
‫ث إنه ل يكتفِ بذلك رحه ال‪ ،‬بل استغل النصر السلمي الهيب‪ ،‬وأخذ ملبس الصليبيي‬
‫وأسلحتهم‪ ،‬وألبسها لنوده السلمي كنوع من التمويه على الصليبيي‪ ،‬ث مرّ على عدة قلع كان‬
‫الصليبيون قد استولوا عليها‪ ،‬فيحسبهم الصليبيون إخوانم وجيشهم فيفتحون القلعة‪ ،‬فيدخل‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/73‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪،232‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 389.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/74،73‬‬

‫‪166‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫السلمون ويسيطرون على القلعة‪ ،‬وهكذا حت تّ له السيطرة على عدة قلع وحصون مهمة ف‬
‫النطقة‪.1‬‬
‫أما جكرمش فقد سار إل حران‪ ،‬فتسلمها وضمها إل الوصل‪ ،‬ول يكتفِ بذلك بل قرر أن‬
‫يأخذ جيشه ‪ -‬على قلته ‪ -‬وياصر إمارة الرها‪ ،‬وهو وإن كان يعلم أن هذه القوة القليلة ما تستطيع‬
‫أن تفتح إمارة الرها الصينة‪ ،2‬إل أنا كانت نوعًا من الرب النفسية سيكون لا أشد الثر على‬
‫الصليبيي‪ ،‬خاصةً بعد هذه الزية الثقيلة ف حرّان‪ ،‬أو ف موقعة البليخ (نسبة إل النهر الذي دارت‬
‫حوله الوقعة)‪.3‬‬
‫لقد حققت هذه الوقعة آثارًا جلية‪ ،‬ولذا كانت نقطة مضيئة جدّا ف الصراع السلمي ‪-‬‬
‫الصليب‪ ،‬على الرغم من كونا على النطاق العسكري والقليمي ل تكن من الواقع الكبى‪ .‬ولعلنا ف‬
‫هذه العجالة نقف على عشر نتائج مهمة لذه الوقعة الهمة‪:‬‬
‫أولً‪ :‬ارتفعت الروح العنوية للمسلمي بشكل لفت للنظر‪ ،‬وظلت هذه الوقعة مفورة ف‬
‫أذهانم ولفترة طويلة‪ ،‬وليس ذلك لقتل عدد من الصليبيي أو أسر آخرين فحسب‪ ،‬ولكن لوضوح‬
‫الرؤية عند السلمي ف هذه العركة‪ ،‬ومعرفة السلمي لسباب النصر القيقية‪ ،‬ولرفع الكلمة الغالية‪:‬‬
‫(الهاد ف سبيل ال)‪ ،‬ولرؤية ثرة التأييد الربان لن سار ف طريق ال‪ ،‬وتسك به‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ل شك أنه إن كان الثر إيابيّا على السلمي إل هذه الدرجة‪ ،‬فإنه حتمًا سيكون‬
‫سلبيّا على الصليبيي وبدرجة أشد‪ ،‬ولقد شعر الصليبيون بالزية النفسية‪ ،‬وبالحباط الشديد الذي‬
‫ظل متوارثًا فيهم ولجيال متلحقة‪ ،‬بل إننا ل نبالغ إن قلنا أن هذه العركة كانت سببًا ف تغيي‬
‫طريقة التفكي للصليبيي ف العراق وفارس‪ ،‬فهذه هي الرة الول ‪ -‬وكذلك الخية ‪ -‬الت يفكر‬
‫فيها الصليبيون ف غزو هذه الناطق‪ ،‬وبذلك تكون هذه الوقعة ‪ -‬على بساطتها ‪ -‬قد وضعت حدّا‬
‫لحلم الصليبيي وطموحاتم‪.4‬‬
‫ثالثًا‪َ :‬فقَد الصليبيون ف هذه الوقعة أكثر من اثن عشر ألف مقاتل‪ ،‬ل شك أنم أثروا تأثيًا‬
‫سلبيًا ف قوة الصليبيي‪ ،‬خاصةً أن الوربيي فقدوا حاستهم ف القدوم إل أرض السلم بعد كارثة‬
‫الملة الصليبية الت جاءت سنة (‪494‬هـ) ‪1101‬م‪ ،‬أي من ثلث سنوات فقط‪ ،‬ومن َثمّ تناقص‬
‫عدد النود ف إمارت الرها وأنطاكية تناقصًا مزعجًا‪ ،‬كان له أكب الثر ف خطط المارتي‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/74‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/74‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman: op, cit., ll, p. 44.‬‬
‫‪ 4‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل والشام ص ‪.64‬‬

‫‪167‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫رابعًا‪ :‬ل تفقد إمارة الرها جنودًا فقط‪ ،‬بل فقدت أميها ونائبه! فقد وقع بلدوين دي بورج‬
‫ونائبه جوسلي دي كورتناي ف السر‪ ،‬ول يعلم أحد مت يكون إطلقهما‪ ،‬وخاصةً أن كل واحد‬
‫منهما مأسور ف إمارة متلفة؛ فبلدوين ف يد جكرمش أمي الوصل‪ ،‬وجوسلي ف يد سقمان أمي‬
‫حصن كيفا وماردين‪ ،1‬وعلى هذا فلم يد جيش الرها الصليب من يتول زعامة المارة ف غياب‬
‫الميين الكبيين‪ ،‬فعرضوا على تانكرد النورمان أن يتول المارة لي إطلق سراح أحد الميين‪،2‬‬
‫وبالطبع وجدها تانكرد فرصة سانة لتحقيق طموحه‪ .‬وهكذا كان تانكرد يعمل ف أرض الشام‬
‫كالوكر الذي يستعان به عند الزمات‪ ،‬فهو تارة أمي للجليل ف إمارة بيت القدس‪ ،‬وتارة أخرى‬
‫أمي على أنطاكية ف غياب بوهيموند‪ ،‬وتارة ثالثة أمي على الرها ف غياب بلدوين دي بورج‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬فقدت المارات الصليبية بعد هذه الزية عدة قلع وحصون‪ ،‬بل وعدة قرى ومدن‬
‫وأملك‪ ،‬وتغيت جغرافية النطقة تغيًا ملموسًا‪ ،‬ول يكن المر واقفًا فقط عند القلع الت حررها‬
‫سقمان ف أعقاب العركة مباشرة‪ ،‬وكانت كل هذه القلع تابعة لمارة الرها‪ ،‬بل تاوز المر‬
‫كذلك إل إمارة أنطاكية حيث فقدت هي الخرى عددًا ضخمًا من القرى والصون التابعة لا؛‬
‫وقصة ذلك أن رضوان بن تتش ملك حلب ل يفكر ف الشتراك ف هذه الرب السلمية‪ ،‬وإنا‬
‫وقف بيشه عند نر الفرات يترقب الحداث‪ ،‬ويشاهد تطورات العركة‪ ،‬وعندما رأى هزية اليش‬
‫الصليب‪ ،‬وقتل عدد كبي من جنوده‪ ،‬وفرار بوهيموند وتانكرد‪ ،‬وأسر بلدوين دي بورج وجوسلي‬
‫دي كورتناي‪ ،‬واتاه تانكرد إل الرها ليحكمها بدلً من بلدوين دي بورج‪ ،‬عندما رأى رضوان كل‬
‫ذلك ترأ على مهاجة أملك إمارة أنطاكية‪ ،‬والت كانت تابعة قبل ذلك لمارة حلب‪ ،‬فاسترد ف‬
‫أيام معدودات عددًا من القلع والدن القريبة من حلب مثل معرّة مصرين وسرمي‪ ،‬كما قام أحد‬
‫المراء السلمي ف النطقة ‪ -‬وهو شس الواص أمي رفينة ‪ -‬باسترداد مدينة صوران شرقي شيزر‪،‬‬
‫كما ل تلبث الاميات الصليبية ف معرّة النعمان والبارة وكفرطاب ولطمي أن تنسحب من َجرّاء‬
‫نفسها إل أنطاكية‪ ،‬وبذلك تقلصت حدود أنطاكية الشرقية جدّا حت وصلت إل بية العمق بعد أن‬
‫كانت قد وصلت إل مشارف حلب‪.3‬‬
‫سادسًا‪ :‬حافظ السلمون بذه الوقعة على الطريق بي الشام والعراق مفتوحًا وآمنًا‪ ،‬ولدة‬
‫طويلة جدّا من الزمان‪ ،‬ما سهل بعد ذلك خروج الملت التتالية من الوصل وما حولا إل حرب‬
‫الصليبيي ف الرها وأنطاكية وغي ذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 389.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Archer: op. cit., p. 616.‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/149‬‬

‫‪168‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سابعًا‪ :‬أحدثت هذه الوقعة تغيًا استراتيجيّا خطيًا ف النطقة؛ إذ بدأ الرمن يتجرءون ‪-‬‬
‫وهذه أول مرةٍ ف تاريهم مع الصليبيي ‪ -‬على الصليبيي بطريقة جِدّية؛ لقد عان الرمن كثيًا من‬
‫جور الصليبيي‪ ،‬لكن ل يكن لم طاقة بم‪ ،‬أما الن ‪ -‬ومع هزية الصليبيي ‪ -‬فقد قرر الرمن ف‬
‫بعض القلع والدن الت يغلب الرمن على سكانا أن يتراسلوا مع التراك ليسلموهم قلعهم‬
‫ومدنم‪ ،‬ويرجوا بذلك عن حكم الصليبيي‪ ،‬مفضلّي بذلك حكم السلمي على حكم النصارى‬
‫الصليبيي؛ ولعل من أبرز المثلة على ذلك ما حدث ف قلعة أرتاح ‪ -‬وهي من القلع فائقة الهية‬
‫‪ -‬حيث تشرف على مدينة أنطاكية (صورة ‪ ،)3‬ولقد ثار أهلها من الرمن ضد حكم الصليبيي‬
‫النورمان‪ ،‬وسلموا قلعتهم دون جهد إل رضوان ملك حلب‪ ،‬ول يكن هذا هو الثال الوحيد‪ ،‬بل‬
‫تكرّر ذلك مع أكثر من قلعة وحصن‪.1‬‬
‫ثامنًا‪ :‬ألقيت بذور الضعف ف إمارة الرها‪ ،‬فسكانا الرمن فكروا فيما فكر فيه الرمن ف‬
‫الماكن الخرى‪ ،‬وبدءوا يثورون على حكم الصليبيي‪ ،‬بل وتراسلوا ف فترة من فتراتم مع‬
‫السلجقة‪ ،‬وهذا أدى إل صراع ضخم بينهم وبي حكامهم من الصليبيي‪ ،‬وسوف يؤدي مستقبلً‬
‫إل صدامات خطية‪ ،‬ول شك أن هذه التداعيات سيكون لا أكب الثر ف مستقبل هذه المارة‬
‫القريبة من شال العراق الغن ‪ -‬آنذاك ‪ -‬بالتحمسي من أبناء المة السلمية‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬ل يقف الد عند نشاط السلمي وسعيهم لتحرير بعض أراضيهم بل وصلت أنباء‬
‫هذه الزية للدولة البيزنطية‪ ،‬وسرعان ما ترك المباطور الحنك ألكسيوس كومني لستغلل‬
‫الفرصة‪ ،‬وعمل ف مورين خطيين؛ فكان الحور الول مورًا بريّا حيث وجّه جيشًا إل منطقة‬
‫قليقية‪ ،‬واستطاع بسهولة ضم مدن قليقية الشهية‪ ،‬وعلى رأسها طرسوس وأذنة والصيصة إل الدولة‬
‫البيزنطية‪ .2‬أما الحور الثان فكان مورًا بريّا حيث استطاع السطول البيزنطي أن يسترد ميناء‬
‫اللذقية الهم‪ ،3‬بل وتركز ف عدة مواقع أخرى على ساحل البحر البيض التوسط فيما بي اللذقية‬
‫وطرطوس‪ ،‬فضلً عن قلعة الرقب‪.4‬‬
‫عاشرًا‪ :‬تلقى بوهيموند أمي أنطاكية ف هذه الوقعة وبعدها عدة طعنات نافذة أفقدته توازنه‬
‫تامًا؛ ما أدى إل قرار خطي جدّا أخذه عن اضطرار!‬
‫لقد َفقَد بوهيموند ف العركة جزءًا ل بأس به من جيشه‪ ،‬ث فقد عددًا من القلع والصون‬
‫والدن والقرى ف شرق أنطاكية‪ ،‬وتعرض لجوم رضوان بن تتش ‪ -‬مع ضعفه الشديد ‪ -‬على‬
‫أملكه وضياعه‪ ،‬وتلقى ضربات قاصمة من الدولة البيزنطية َفقَد فيها إقليم قليقية بكامله‪ ،‬إضافةً إل‬

‫‪ 1‬ابن العدي زبدة اللب ‪ ،2/150‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.148‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Raoul de Cean, p. 712.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., pp. 79.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset: Hist des Croisades, 1, p. 410.‬‬

‫‪169‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫َفقْد اللذقية وغيها من مراكز ساحلية؛ كل هذه السائر العسكرية والسياسية أفقدته الكثي من هيبته‬
‫وقيمته ف النطقة‪ ،‬وهذا دفعه إل الوقوع ف جرية أخلقية أفقدته الكثي من سعته عند الصليبيي!‬
‫وهذه الرية هي أنه كان متفظًا بأسي مه ّم من أسرى جيش الوصل‪ ،‬وهو من أمراء السلجقة‪ ،‬وقد‬
‫عرض جكرمش أمي الوصل على بوهيموند أن يطلق هذا المي ف مقابل أحد أمرين‪ :‬إما أن يبادله‬
‫ببلدوين دي بورج شخصيّا‪ ،‬وإما أن يدفع مبلغ ‪ 15‬ألف دينار! ول يكن متوقعًا من بوهيموند أبدًا‬
‫أن يقبل بالال ويترك بلدوين دي بورج‪ ،‬خاص ًة أنه تلقى رسالة من بلدوين الول ملك بيت القدس‬
‫وابن عم بلدوين دي بورج تضه على إطلق سراح بلدوين دي بورج‪ ،‬وأيضًا ل ننسى أن‬
‫بوهيموند كان أسيًا عند اللك غازي بن الدانشمند‪ ،‬وقد حاول بلدوين دي بورج بكل وسيلة أن‬
‫يطلق سراحه‪ ،‬بل إن بلدوين دي بورج ساهم ببلغ كبي ف الفدية الضخمة الت دُفعت لفك أسر‬
‫بوهيموند وهي مبلغ مائة ألف دينار‪ ،‬وهو يثّل أضعاف ما سيأخذه بوهيموند نظي إطلق المي‬
‫السلجوقي؛ كل هذه العوامل كانت تتّم على بوهيموند أن يرفض الال‪ ،‬وأن يبادل المي السلجوقي‬
‫ببلدوين دي بورج أمي الرها‪ ،‬إل أن بوهيموند فاجأ الميع ‪ -‬وف نذالة بالغة‪ ،‬وخسة متناهية ‪-‬‬
‫وضحّى ببلدوين دي بورج‪ ،‬وأخذ الال وأطلق المي السلجوقي!! وكان هذا سببًا ف بقاء بلدوين‬
‫دي بورج عدة سنوات ف السر‪.1‬‬
‫وأدى هذا الفعل الشي إل ردة فعل واسعة النطاق ف المارات الصليبية حيث صار‬
‫بوهيموند منتقدًا من الميع‪ ،‬وإزاء هذه الزمات التتالية‪ ،‬وإزاء هذا النعزال الصليب عنه‪ ،‬ونتيجة‬
‫تكاثر العداء عليه‪ ،‬ونتيجة رؤية إمارة أنطاكية تتقلص تقلصًا سريعًا قرّر بوهيموند قرارًا خطيًا‪ ،‬وهو‬
‫أن يترك الساحة بكاملها وينطلق إل أوربا!! وهو ف هذا النطلق ل ينوي ترك أملكه ف الشرق‪،‬‬
‫فليس بوهيموند الذي يستسلم بسهولة‪ ،‬ولكنه ينوي الذهاب إل فرنسا وإيطاليا ليستعدي الميع‬
‫هناك على الدولة البيزنطية‪ ،‬وقد كان بوهيموند يرى ‪ -‬وهو مق ف ذلك ‪ -‬أن رضوان بن تتش ليس‬
‫الزعيم الذي يُرهب‪ ،‬وأنه من السهل أن يتخلص منه عند الاجة‪ ،‬ولكن الطر القيقي على إمارته‬
‫ل بوهيموند إل أوربا ف أعقاب موقعة البليخ‬ ‫يكمن ف الدولة البيزنطية‪ ،2‬وعلى هذا فقد رحل فع ً‬
‫تاركًا تانكرد زعيمًا على إمارت أنطاكية والرها‪.3‬‬
‫وهكذا أُقصي بوهيموند الشرس من ساحة الصراع!‬
‫ولعله من الناسب هنا أن نعرض لقصته ف أوربا حت ل تضيع منا ف خضم الحداث‬
‫الساخنة‪ ،‬فإن بوهيموند قد نح فعلً ف تميع اليوش والموال من فرنسا وإيطاليا لرب الدولة‬

‫‪1‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 45.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., pp. 78.‬‬
‫‪ 3‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/328‬‬

‫‪170‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫البيزنطية‪ ،‬وأقنع الميع بضرورة الوقوف أمام أطماعها‪ ،‬وصوّر لم أنا تتعاون مع السلجقة السلمي‬
‫ضد الصليبيي‪ ،1‬وأنا كانت سببًا مباشرًا ف هلك حلة سنة (‪494‬هـ) ‪1101‬م‪ ،‬وعلى هذا فقد‬
‫تهزت أوربا الغربية ف جيش كبي من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإنلترا وألانيا بقيادة بوهيموند لرب‬
‫الدولة البيزنطية‪ ،2‬وتت فعلً موقعة فاصلة ف ميناء دورازو‪ ،‬وهو يوي أقوى قلعة بيزنطية عند‬
‫مدخل الدرياثيك‪ ،3‬وتت هذه الوقعة سنة (‪500‬هـ) ‪1107‬م بعد ثلث سنوات من رحيل‬
‫بوهيموند من أنطاكية‪ ،‬وف هذه الوقعة انتصر المباطور ألكسيوس كومني ‪ -‬وقد حضر الوقعة‬
‫بنفسه ‪ -‬انتصارًا ساحقًا على بوهيموند وجيوشه‪ ،‬وأرغم بوهيموند على توقيع اتفاقية استسلم مزية‬
‫ف مدينة دفول ‪ Devol‬سنة (‪501‬هـ) ‪1108‬م‪ ،4‬وفيها أقر بتسليم إقليم قليقية بدنه الثلث‪،‬‬
‫وكذلك ميناء اللذقية إل الدولة البيزنطية‪ ،‬والعتراف أن هذه ليست من أملك أنطاكية‪ ،‬كما‬
‫اشترط المباطور البيزنطي أن يعزل البطرك الكاثوليكي عن كنيسة أنطاكية ذاتا‪ ،‬ويعيّن بطركًا‬
‫أرثوذكسيّا‪ ،‬وأن يتعهد بوهيموند برب ابن أخته تانكرد إذا رفض بنود هذه التفاقية‪!!5‬‬
‫وأمام هذا الزي الذي وصل إليه بوهيموند ل يستطع أن يعود إل أنطاكية‪ ،‬ول أن يلتقي‬
‫برفقاء الملة الصليبية‪ ،‬وعليه فقد عاد إل صقلية بعد معاهدة دفول ليبقى هناك ثلث سنوات ف‬
‫عزلة ومهانة حت مات ف سنة (‪504‬هـ) ‪1111‬م‪ ،‬وقد خسر كل شيء‪!!6‬‬
‫وهكذا رأينا بوهيموند يفقد مستقبله السياسي تامًا بعد هذه العركة العجيبة‪( :‬معركة‬
‫البليخ)‪.‬‬
‫ولعل الحلل للحداث قد يتعجب أن هذه النتائج الائلة قد حدثت من َجرّاء هذه العركة‬
‫البسيطة الت تت ف يوم واحد‪ ،‬ول يكن لا إعداد طويل‪ ،‬وقُتل فيها من الصليبيي اثنا عشر ألفًا من‬
‫القاتلي‪ ،‬بينما ل تكن نتائج معارك سنة (‪494‬هـ) ‪1101‬م‪ ،‬والت قُتل فيها أكثر من مائت ألف‬
‫مقاتل صليب على نفس الستوى‪.‬‬
‫إن الفارق بي الوقعتي أن موقعة حران أو البليخ موقعةٌ رفعت فيها راية ل إله إل ال‪،‬‬
‫وخلصت فيها النوايا ل‪ ،‬وكانت موقعة مثّلة للسلم‪ ،‬فبارك ال ف نتائجها وعظّم من آثارها‪ ،‬بينما‬
‫كانت مواقع مرسفان وهرقلة الول والثانية ‪ -‬على عظمها وضخامتها ‪ -‬مواقع ل تتم إل للدفاع‬
‫عن الملك والرض والثروة واللك فقط‪ ،‬ول تكن فيها النفوس موجهة إل ال ‪ ،‬وكان‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/104‬‬


‫‪Albert d`Aix, p. 651.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Vasiliev: op. cit., ll, pp. 410-411.‬‬
‫‪ 3‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/329‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Chslsndon: Alexis Comnene, p. 233.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 418.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Vasiliev: op. cit., ll, p. 411‬‬

‫‪171‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الشاركون فيها حريصي على قبض الثمن الدنيوي‪ ،‬ودار القتال القيقي من أجل الرص على تقسيم‬
‫ثرة العركة‪ ،‬وهو القتال الذي ل نره ف معركة البليخ‪ ،‬بل رأينا ورعًا من سقمان بن أرتق‪ ،‬وبُعدًا عن‬
‫الناع والشقاق‪ ،‬وحت جكرمش ‪ -‬الذي حرص على أخذ شيء من الغنائم‪ ،‬وهذا ف ح ّد ذاته ليس‬
‫خطًأ فاحشًا؛ لنه وجنوده شاركوا بقوة ف القتال ‪ -‬وجدناه على استعداد لبذل السي الثمي ف‬
‫مقابل إطلق سراح أمي سلجوقي مسلم؛ ما يدل على قيمة السي السلم‪ ،‬وروح الودة ف اليشي‪،‬‬
‫ول يفعل مثلما فعل بوهيموند الذي آثر الال على ترير بلدوين دي بورج‪ ،‬مع أهية مركزه ووضعه‪.‬‬
‫إن الذي علينا هو توجيه النية ل‪ ،‬وبذل الهد قدر الستطاع‪ ،‬والتوحيد بي صفوفنا‪ ،‬أما‬
‫النتيجة فال كفيلٌ أن يبارك فيها‪ ،‬ويضاعف من ثارها‪ ،‬فهو سبحانه القوي العزيز‪.‬‬
‫وإن كانت موقعة البليخ من الخبار الفرحة ف سنة (‪496‬هـ) ‪1104‬م‪ ،‬فإنّ هناك خبًا‬
‫مفرحًا آخر تّ ف نفس السنة‪ ،‬وإن كانت آثاره غي ذلك؛ فقد شهدت هذه السنة صلحًا بي‬
‫الخوين التخاصمي والتنازعي سلطان السلجقة بركياروق وممد! وكان الناع بينهما مستحكمًا‬
‫وصل إل حد الرب والنال‪ ،‬مع حسن أخلق كليهما! ولكن بفضل ال اجتمع الخوان ف هذه‬
‫السنة‪ ،‬وت بينهما الصلح عن تراضٍ من الطرفي‪ ،‬لكن ‪ -‬للسف ‪ -‬كانت نتيجة هذا الصلح هو‬
‫يقول‪( :‬وَلَ‬ ‫تقسيم البلد بينهما‪ !!1‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬فكر معوج‪ ،‬ومنهج منحرف‪ ،‬وال‬
‫تَكُونُوا كَاّلذِي َن َت َفرّقُوا وَاخَْت َلفُوا مِنْ َبعْ ِد مَا جَا َء ُهمُ الَْبيّنَاتُ وَأُولَِئكَ َل ُهمْ َعذَابٌ عَظِيمٌ‪.)2‬‬
‫لقد قبل الخوان بتقسيم الملكة الت تركها أبوهم ملكشاه بن ألب أرسلن إل ثلثة أقسام‪:‬‬
‫الول يكمه بركياروق ويضم أصبهان وفارس ومعظم العراق دون شالا‪ ،‬ويتبعه ف ذلك قسم‬
‫بغداد‪ ،‬بعن أن الطبة ف بغداد ستكون للخليفة الستظهر بال والسلطان بركياروق‪ .‬أما القسم الثان‬
‫فيحكمه ممد‪ ،‬وهذا يضم أذربيجان وأرمينية وديار بكر والوصل‪ ،‬مع أن الوصل كانت تت حكم‬
‫بركياروق قبل الصلح‪ ،‬وهذا سيؤدي إل بعض الشاكل الت سنتعرض لا‪ .‬وأما القسم الثالث والخي‬
‫فلخيهما الثالث سنجر‪ ،‬وهذا يكم خراسان (شرق إيران) وبلد ما وراء النهر‪.3‬‬
‫لقد كان هذا هو الل الذي لأ إليه الخوان‪ ،‬وهو خطأ شرعي سياسي ل ريب‪ ،‬ول ندري‬
‫كيف وصل بما الال إل الوقوع ف هذا الطأ‪ ،‬مع ما يوصف به كل منهما من حسن اللق‪،‬‬
‫وجال السية‪ ،‬والعدل ف اللك‪ ،‬وما إل ذلك من صفات جليلة!‬
‫لكن الشاهد من الحداث أن النفوس سكنت لذا الصلح‪ ،‬وعمّ المن ف البلد‪ ،‬واختفت‬
‫سحب الرب الت كانت تظلل هذه النطقة من العال السلمي‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/71،70‬‬


‫‪( 2‬آل عمران‪.)105 :‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/72،71‬‬

‫‪172‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كانت هذه هي الخبار ف القسم الشرقي من العال السلمي‪ ،‬وهي مفرحة إل حد كبي‬
‫حيث ت انتصار البليخ كما ذكرنا‪ ،‬وكذلك الصلح بي الخوين‪.‬‬
‫لكن الال ف بلد الشام ل يكن مفرحًا َقطّ ف هذه السنة‪ ،‬ول ف الت بعدها! وهذا حال‬
‫متوقع لا ذكرناه قبل ذلك من أسباب كذهاب العلم‪ ،‬وضياع قيمة الهاد‪ ،‬وسلبية الشعب‪ ،‬وتسلط‬
‫الكام‪ ،‬وما إل ذلك من أمراض‪ .‬ولعل أبرز الحداث الت رأيناها ف أرض الشام ف هاتي السنتي‬
‫تشمل الت‪:‬‬
‫أولً‪ :‬استول الصليبيون على ميناء جبيل ف لبنان جنوب طرابلس‪ ،‬وذلك بعونة أسطول‬
‫بري جنوي‪ ،‬وغدر الصليبيون بأهل جبيل بعد إعطائهم المان‪ ،1‬وكافأ ريونُ الرابع السطو َل‬
‫النويّ الذي أسقط جبيل بإعطائه ثلث مدينة جبيل‪ ،‬لتصبح جبيل فيما بعد مستوطنة جنوية‪،2‬‬
‫وبسقوط جبيل يكون ريون الرابع قد وضع الدود التوقعة لمارة طرابلس‪ ،‬حيث يدها من الشمال‬
‫مدينة طرطوس‪ ،‬ومن النوب مدينة جبيل‪ ،‬ويبقى فقط أن يُسقِط الدينة الكبى (طرابلس)‪.3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أت ريون الرابع بناء قلعة كبية ف مواجهة طرابلس مباشرة ساها سانت جيل‪Saint ،‬‬
‫‪ ،Gilles‬والعروفة ف الصادر العربية بقلعة الصنجيل‪ ،‬وقد بناها ريون الرابع ليستخدمها ف إسقاط‬
‫طرابلس‪ ،‬ولقد ُنقِلت الخشاب اللزمة لبنائها من قبص بواسطة السطول البيزنطي الساعد‬
‫لريون‪ ،4‬ول يتحرك أحد من السلمي ف النطقة لدم القلعة أو منع بنائها‪ ،‬مع أن طرابلس ماطة من‬
‫شالا الشرقي وشرقها وجنوبا الشرقي بإمارت دمشق وحص التابعتي لدقاق بن تتش‪ ،‬وحيث توجد‬
‫حص على مسافة أقل من ‪ 90‬كيلو مترًا‪ ،‬ودمشق على مسافة أقل من ‪ 120‬كيلو مترًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬حادث آخر مفجع هزّ العال هو سقوط مدينة عكا الصينة ف سنة (‪497‬هـ) مايو‬
‫‪1104‬م‪ ،‬وكان سقوطها مفجعًا لنا أحصن مدن الشام مطلقًا‪ ،‬وسقوطها يعن سقوط بقية الدن‬
‫تقريبًا‪ ،‬كما أنه سيمنع وصول المدادات البحرية للمسلمي بعد ذلك‪ ،‬هذا إضاف ًة إل الجزرة الت‬
‫تت ف الدينة بعد سقوطها‪ ،‬على الرغم من المان الذي أعطاه الصليبيون للسكان‪ ،‬وقد ت سقوط‬
‫الدينة بساعدة السطول النويّ الذي أسقط جبيل قبل ذلك‪ !5‬ولذا أعطى بلدوين الول ثلث‬
‫مدينة عكا للسطول النويّ‪ ،‬وصارت عكا مدينة تابعة لملكة بيت القدس‪.6‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/72‬‬


‫‪Albert d`Aix, p. 606.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Heyd: op. cit., 1, p. 139.‬‬
‫‪ 3‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/290‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/95‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/72‬‬
‫‪Runciman, ll, p. 139.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, p. 445.‬‬

‫‪173‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫رابعًا‪ :‬بعد رحيل بوهيموند إل إيطاليا بدأ تانكرد يرتب أوراقه وينظم جيشه‪ ،‬ودخل ف سنة‬
‫(‪498‬هـ) ربيع ‪1105‬م ف معركة كبية مع رضوان ملك حلب‪ ،‬وانتصر ف هذه العركة ليسترد‬
‫با حصن أرتاح‪ ،‬وليقتل من السلمي ثلثة آلف رجل‪!1‬‬
‫خامسًا‪ :‬تلقى السلمون هزية أخرى ف منطقة الرملة ف ‪498‬هـ\ ‪ 27‬من أغسطس سنة‬
‫‪1105‬م‪ ،‬وهو ما يعرف ف التاريخ بوقعة الرملة الثالثة‪ ،‬حيث هُزم اليش العبيدي وتشتت شله ف‬
‫ماولة فاشلة لسترداد بيت القدس‪ ،2‬ولعلّ هذه هي آخر الحاولت الادة الت بذلا العبيديون‬
‫لسترداد القدس‪.3‬‬
‫سادسًا‪ :‬تُوفّي دقاق بن تتش ف رمضان (‪496‬هـ) ‪1103‬م‪ ،‬وتول من بعده أتابكه‬
‫طغتكي‪ ،‬وهو أحد ماليك تتش بن ألب أرسلن والد دقاق‪ ،4‬وكان قائدًا عسكريّا قويّا صاحب‬
‫خبة ما جعل تتش يوكل إليه مهمة تربية دقاق‪ ،‬ومن ثَمّ أعطاه لقب أتابك (أي مرب المي)‪ ،‬ولكن‬
‫عندما ضعف المراء السلجقة صار للتابكة العسكريي دور كبي ف تسيي المور‪ ،‬بل وأحيانًا صار‬
‫لم الكم صراحة‪ ،‬كما هو ف حالتنا هذه‪ ،‬فقد أصبح طغتكي هو حاكم دمشق وحص‪ ،5‬وبذلك‬
‫انتهى حكم السلجقة تامًا لاتي الدينتي‪ ،‬ولكن على العموم فإن طغتكي كان أفضل كثيًا من‬
‫دقاق حيث آثر العدل مع الرعية‪ ،6‬وحرص ف فترات كثية من حياته على حرب الصليبيي‪ ،‬وإن‬
‫كانت قوته وقوة جيشه ل تكّنه من تقيق نصر حاسم ف حياته‪ ،‬وولية طغتكي ُتعَد بداية فترة‬
‫حكم للتركمان استمرت مدة ‪ 52‬سنة‪ ،‬حيث انتهت سنة (‪549‬هـ)\ ‪1154‬م‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬تُوفّي أيضًا ف ‪ 2‬من ربيع الخر سنة (‪498‬هـ) ديسمب ‪1104‬م السلطان‬
‫بركياروق سلطان السلجقة ف منطقة فارس والعراق‪ ،‬وهذا بعد إتام الصلح مع أخيه ممد كما مرّ‬
‫بنا ‪ -‬وكان يبلغ من العمر عند وفاته خسًا وعشرين سنة فقط‪ - !7‬وبعد عدة فت‪ ،‬ونتيجة لوته‬
‫استقام المر لخيه السلطان ممد‪ ،‬فصار يكم أملكه وأملك أخيه بركياروق‪ ،‬وهذا وحّد المة ف‬
‫هذه النطقة لفترة ‪ 12‬سنة متصلة‪.8‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/85،84‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/85‬‬
‫‪Gesta Francorum, p. 541.‬‬
‫‪ 3‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/247‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪(9/74‬ذكر ابن الثي أن وفاته كانت سنة ‪497‬هـ‪ ،‬وعلى ذلك نص ابن القلنسي)‪ ،‬ابن كثي‪:‬‬
‫البداية والنهاية ‪.12/246‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/74‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.149،148‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/74‬‬
‫‪ 7‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/77‬‬
‫‪ 8‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/79،80‬‬

‫‪174‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ثامنًا‪ :‬من الشخصيات الهمة الت تُوفّيت أيضًا ف سنة (‪498‬هـ) فباير ‪1105‬م المي‬
‫الفرنسي الشهي ريون الرابع! وقد تُوفّي ف القلعة الت بناها ف مواجهة طرابلس لصارها‪ ،‬وكانت‬
‫النار قد اشتعلت ف القلعة نتيجة مقاومة أهل طرابلس للحصار‪ ،‬فسقطت بعض الخشاب الحترقة‬
‫على ريون‪ ،‬فمات متأثرًا براحه‪ .1‬وهكذا فقد الصليبيون زعيمًا شرسًا من زعمائهم دون أن يرى‬
‫لنفسه إمارة كأقرانه‪ ،2‬وقد ترك حكم جيشه بعد ذلك لبن خالته وليم جوردان الذي استأنف‬
‫سياسة ريون بكاملها حيث صمم على إسقاط طرابلس‪ ،‬ومن ثَمّ استمر ف حصارها‪ ،‬وكذلك تعاون‬
‫مع المباطور البيزنطي ألكسيوس كومني كما كان يفعل ريون‪.3‬‬
‫تاسعًا‪ :‬حدثت أزمة ف إمارة الوصل نتيجة ماولة السلطان ممد السيطرة على مدينة الوصل‬
‫ورفض جكرمش لذه السيطرة لولئه لبكياروق‪ ،‬مع أن الوصل كانت ف الصلح الذي تّ بي‬
‫بركياروق وممد من حق السلطان ممد‪ ،‬إل أن جكرمش كانت له ميول استقللية جعلته يرفض‬
‫تسليم الدينة‪ ،‬غي أن أخبار وفاة بركياروق ما لبثت أن أتت‪ ،‬ومن ثَمّ اضطر جكرمش إل التسليم‬
‫للسلطان ممد‪ ،‬وإن كان هذا التسليم مؤقتًا كما سيتبي لنا‪.4‬‬
‫عاشرًا‪َ :‬فقَد السلمون ف سنة (‪498‬هـ)‪1105‬م شخصية مهمة كان لا دور بارز ف‬
‫جهاد الصليبيي‪ ،‬وهو سقمان بن أرتق صاحب حصن كيفا‪ ،‬والذي حقق النتصار ف موقعة البليخ‬
‫بالشتراك مع جكرمش كما فصلنا‪ ،‬ولقد كان موته مؤثرًا جدّا‪ ،‬حيث كان ف سرية عسكرية هبت‬
‫لنجدة طرابلس عندما استغاثه حاكمها ابن عمار لصار ريون ث وليم جوردان لا‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫كون ابن عمار شيعيّا وجيشه كذلك‪ ،‬إل أن سقمان بن أرتق رحه ال ل ينظر إل ذلك‪ ،‬إنا نظر إل‬
‫العدو الشترك للسنة والشيعة وهو العدو الصليب‪ ،‬ومن ثَمّ تقدم ف بسالة‪ ،‬قاطعًا السافات من حصن‬
‫كيفا إل طرابلس (ما يقرب من ستمائة كيلو متر)‪ ،‬وكان سقمان مريضًا بداء الوانيق ‪ -‬وهو مرض‬
‫يعن حدوث اختناق ف التنفس ‪ -‬وكان يأتيه ف نوبات‪ ،‬فجاءته هذه النوبة وهو عند القريتي (على‬
‫بعد ‪ 120‬كم من طرابلس)‪ ،‬وعرض عليه أصحابه أن يعودوا به إل حصن كيفا؛ حيث لن يقدر‬
‫على القتال ف هذه الالة‪ ،‬فقال كلمته الالدة‪" :‬بل أسي‪ ،‬فإن عوفيت تمت ما عزمت عليه‪ ،‬ول‬
‫يران ال تثاقلت عن قتال الكفار خوفًا من الوت‪ ،‬وإن أدركن أجلي كنت شهيدًا سائرًا ف جهاد"‪،‬‬
‫فساروا به صوب طرابلس‪ ،‬ولكنه مات بعد يومي‪!!5‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/96،95‬سبط ابن الوزي‪ :‬مرآة الزمان ص ‪.528‬‬
‫‪ 2‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/291‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/96‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 62.‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.81-9/79‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/83،82‬‬

‫‪175‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مقبلة غي مدبرة‪ ،‬فرحه ال‬ ‫إنه صورة مشرقة ف وسط هذا الركام أبتْ إل أن تلقى ال‬
‫رحة واسعة‪ ،‬وجعل مسيه هذا طريقًا له إل النة‪.‬‬
‫واستكما ًل لبعض الحداث الؤسفة نوض قليلً ف تطورات الحداث ف الوصل‪ ،‬وما‬
‫كنت أود أن أخوض ف تفاصيل دقيقة لصراعات وأزمات‪ ،‬لول أن أثر هذه الصراعات سيكون‬
‫كبيًا‪ ،‬فالوصل بالذات ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬لا وضع خاص‪ ،‬ومنها خرجت وستخرج حركات جهاد‬
‫كثية‪ ،‬وشعبها ف ذلك الوقت على وعيٍ كبي‪ ،‬وعلم واسع‪ ،‬كما أن هذه التطورات ستؤدي إل‬
‫اختفاء شخصيات مهمة مرت معنا ف قصتنا ف أكثر من موضع‪.‬‬
‫كنا قد ذكرنا أن جكرمش أبدى الوالة للسلطان ممد بعد وفاة السلطان بركياروق‪ ،‬ولكن‬
‫مع مرور الوقت تثاقل جكرمش ف إرسال الراج إل السلطان ممد؛ ما جعله يشكك ف ولئه‪،‬‬
‫وراسله ف ذلك‪ ،‬فتعلّل جكرمش‪ ،‬وهكذا تيقن السلطان ممد أن جكرمش يريد النفراد بالوصل‬
‫مستغّلً حب الناس له‪ ،‬فاضطر السلطان ممد أن يرسل أحد العسكريي الشداء لسترداد الوصل‬
‫لصال السلطان‪ ،‬ولكن ‪ -‬للسف ‪ -‬هذا العسكري كان سيئ اللق‪ ،‬وحشيّا ف تعاملته‪ ،‬مكروهًا‬
‫من العامة‪ ،‬وكان اسه (جاول سقاوو) وهو من التراك‪ ،‬فسار جاول إل الوصل‪ ،‬والتقى معه‬
‫جكرمش ف موقعة على ضفاف دجلة ف سنة (‪500‬هـ) ‪1106‬م‪ ،‬وهُزم جكرمش بل أسر أيضًا‪،‬‬
‫ولكن شعب الوصل رفض فتح السوار لاول سقاوو‪ ،‬وأقاموا عليهم زنكي بن جكرمش‪ ،‬وهو ابن‬
‫زعيمهم الحبوب جكرمش‪ ،‬وهذا يدل على إيابية عالية عند هذا الشعب الواعي‪ ،‬وإن كان ا َلوْلَى‬
‫أن تدخل الوصل تت حكم السلطان ممد‪ ،‬لكن السية السيئة لاول سقاوو جعلت الشعب يأخذ‬
‫هذا الوقف‪ ،‬وراسل الشعب شخصية قوية تأت لتسانده ف هذه الزمة‪ ،‬وهذه الشخصية هي قلج‬
‫أرسلن سلطان سلجقة الروم‪!1‬‬
‫رأى قلج أرسلن أن هذه فرصته لمتلك الوصل‪ ،‬ولفتح الطريق لتوسيع ملكته‪ ،‬وجاء‬
‫بيشه إل الوصل ففتح له السكان البواب وسط ترحيب‪ ،‬فدخل الدينة وملكها‪ ،‬ث خرج لقتال‬
‫جاول سقاوو‪ ،‬ودارت موقعة كبية بينهما هُزم فيها قلج أرسلن‪ ،‬ث اضطر إل الرب فسقط ف نر‬
‫الابور‪ ،‬ول يستطع النجاة فغرق‪ ،‬ول تظهر جثته إل بعد عدة أيام‪!2‬‬
‫وهكذا جاء قلج أرسلن من آسيا الصغرى يدفعه طموحه لتوسيع ملكه‪ ،‬وتقوية سلطته‪ ،‬فإذا‬
‫به جاء ليلقى حتفه ف بلد غريبة عن بلده‪ ،‬وف أرض يطؤها لول مرة ف حياته!! قال تعال‪َ ( :‬ومَا‬
‫سبُ َغدًا َومَا َت ْدرِي َن ْفسٌ ِبَأيّ َأ ْرضٍ تَمُوتُ‪ .)3‬وشتّان بي ميتة قلج أرسلن‬
‫َت ْدرِي َن ْفسٌ مَاذَا تَكْ ِ‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/103،102‬ابن العبي‪ :‬تاريخ متصر الدول ص ‪.198‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/107،106‬‬
‫‪( 3‬لقمان‪.)34 :‬‬

‫‪176‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الذي ملك بلدًا واسعة‪ ،‬وجاء ليزيدها اتساعًا‪ ،‬وميتة سقمان بن أرتق الذي ل يلك إل إمارة صغية‪،‬‬
‫ولكنه مات وهو ف طريقه لهاد الصليبيي!‬
‫وعلى العموم فقد دخل جاول سقاوو مدينة الوصل بعد غياب الدافعي عنها‪ ،‬وعامل أهلها‬
‫ف منتهى الغلظة‪ ،‬وأسرف جنوده ف اضطهاد السكان‪ ،‬ث ل يلبث جاول سقاوو أن استقل بالدينة‬
‫سنة (‪502‬هـ) ‪1108‬م‪ ،‬وكان هذا متوقعًا من رجل شرس مثله‪ ،‬فاضطر السلطان ممد أن يرسل‬
‫له أحد أتباعه لر ّد الوصل إل سيطرة السلطان‪ ،‬ولكن ف هذه الرة كان مبعوث السلطان رجلً‬
‫فاضلً عالًا ماهدًا هو القائد الف ّذ مودود بن التونتكي‪ ،‬وهو من التركمان الخيار‪ ،‬وحاصر مودود‬
‫مدينة الوصل‪ ،‬وقاومه جاول وجنوده‪ ،‬وحذر جاول العامة من القتراب من السوار لعلمه بتعاطف‬
‫العامة مع الصالي وكراهيتهم له‪ ،‬وشدّد عليهم ف ذلك‪ ،‬لكن الشعب ل ُتتْ فيه النخوة‪ ،‬فاجتمعت‬
‫طائفة من الشعب‪ ،‬وتعاهدوا على فتح البواب‪ ،‬واتفقوا على استغلل وقت صلة المعة والميع‬
‫بالساجد‪ ،‬فخرجوا بالفعل ف ذلك الوقت إل أحد البراج‪ ،‬وقاتلوا حرّاسه وقتلوهم‪ ،‬وفتحوا‬
‫البواب وهم ينادون باسم السلطان ممد‪ ،‬فأسرع إليهم جند السلطان بقيادة مودود‪ ،‬ودخلوا الدينة‬
‫وقاتلوا جنود جاول‪ ،‬وما لبثوا أن سيطروا على الدينة‪ ،‬غي أن جاول هرب آخذًا معه صيدًا ثينًا هو‬
‫المي بلدوين دي بورج الذي كان أسيًا ف مدينة الوصل من أربع سنوات‪ ،‬وقد أخذه ‪ -‬ل شك ‪-‬‬
‫لنه يعلم أن قيمته كبية‪ ،‬ويستطيع أن يفاوض عليه أو يبيعه‪!1‬‬
‫ف ذلك الوقت كان جوسلي دي كورتناي ‪ -‬وهو أمي تل باشر‪ ،‬والقائد التال مباشرة بعد‬
‫بلدوين دي بورج ‪ -‬قد أطلق سراحه ف مقابل عشرين ألف دينار‪ ،2‬ومن ثَمّ سعى بدية لطلق‬
‫سراح بلدوين دي بورج الذي أصبح الن ف قبضة جاول الارب من الوصل‪.‬‬
‫لقد صار الوقف ف غاية التعقيد!!‬
‫مودود الن يكم الوصل‪ ،‬وجاول يهرب ببلدوين دي بورج‪ ،‬وجوسلي دي كورتناي‬
‫ياول فك أسر بلدوين دي بورج‪ ،‬وإمارة الرها تت حكم تانكرد منذ ‪ 4‬سنوات‪ ،‬وكان تانكرد‬
‫متسلطًا على شعب الرها وغالبه من الرمن‪ ،‬وكان تانكرد مستقرّا ف أنطاكية بعد رحيل بوهيموند‬
‫عنها‪ ،‬ولكنه كان ينيب عنه ف الرها ابن عمه ريتشارد سالرنو‪.3‬‬
‫ف ظل هذه الجواء وصل جوسلي دي كورتناي إل جاول‪ ،‬وسرعان ما بدأ التفاوض‬
‫الادي حول السي المي‪ ،‬ووصل الطرفان إل إطلق سراح بلدوين دي بورج ف مقابل سبعي ألف‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪..9/125،124‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/126‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse (Doc. Arm. 1); p. 86.‬‬
‫ويذكر ابن الثي‪ :‬أن تانكرد طيب خاطر بلدوين دي بورج وأعطاه ثلثي ألف دينار وخيلً وسلحا وثيابا وغي ذلك انظر الكامل‬
‫ف التاريخ ‪.9/126‬‬

‫‪177‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫دينار‪ ،‬إضافةً إل وقوف بلدوين دي بورج إل جوار جاول والعكس أيضًا عند الزمات العسكرية!‬
‫أي أنا معاهدة دفاع مشترك‪.1‬‬
‫وأطلق سراح بلدوين دي بورج بالفعل وأسرع إل إمارته‪ ،‬غي أنه فوجئ أن تانكرد يرفض‬
‫تسليمه المارة بعد أن أعجبته لثرواتا وموقعها! وهنا ل يد بلدوين دي بورج حلّ بديلً للحرب‬
‫لسترداد إمارته من الصليب تانكرد!‬
‫ف هذا الوقت كان جاول ياول أن يكون لنفسه إمارة ف النطقة مستخدمًا جيشه‬
‫الجرامي‪ ،‬والال الوفي الذي توفر ف يده‪ ،‬وكان يسعى لتكوين هذه المارة على حساب بعض‬
‫الملك لملكة حلب الملوكة لرضوان بن تتش‪.2‬‬
‫وعلى هذا أدت هذه الظروف العقدة إل حرب عجيبة‪ ،‬قامت فيها أحلف أعجب! فقد‬
‫تالف الصليب بلدوين دي بورج وجوسلي دي كورتناي وجيشه مع السلم جاول وفرقته‪ ،‬ليحاربوا‬
‫تانكرد الصليب الذي تالف مع رضوان بن تتش عدوه القدي‪ ،‬والذي يعان الن من هجمات‬
‫جاول!!‬
‫أيّ غيابٍ للفهم هذا! وأي ضياع للعقل!‬
‫ودارت معركة بي الفريقي عند بلدة منبج غرب الفرات‪ ،‬وذلك ف (‪502‬هـ) أكتوبر سنة‬
‫‪1108‬م وهُزم فريق بلدوين وجاول‪ ،‬وكان النصر حليفًا لتانكرد ورضوان‪ ،‬غي أن بطرك أنطاكية‬
‫تدخل ف المر‪ ،‬وأمر بأن يعود بلدوين دي بورج لكم الرها‪ ،‬ويبقى تانكرد ف أنطاكية‪ ،‬وذلك حت‬
‫ل يستمر الناع بي الصليبيي‪!3‬‬
‫ف هذا الوقت كان الرمن من سكان الرها يعتقدون أن هزية بلدوين دي بورج وجوسلي‬
‫دي كورتناي ستمنعهما من العودة إل الرها‪ ،‬فقاموا باجتماع كبي أظهروا فيه رغبتهم ف الروج‬
‫كلية من سيطرة الصليبيي‪ ،‬وقد ضاقوا ذرعًا بكم تانكرد لم‪ ،‬ولن يتلف حكم غيه من الصليبيي‬
‫عن حكمه‪ ،4‬ولكن ما لبث بلدوين دي بورج أن ظهر ف الصورة‪ ،‬ودخل الدينة حاكمًا‪ ،‬وعلم بذا‬
‫الجتماع‪ ،‬ومن ثَمّ انقلب على أهل الدينة‪ ،‬وعزل كل الكبار من الرمن‪ ،‬بل هدد أسقف الكنيسة‬
‫الرمينية بسَمْ ِل عينيه‪ ،‬ول يفتدِ نفسه إل ببلغ كبي من الال‪ ،‬وكل هذا أدى إل حالة كبية من‬
‫السخط داخل الدينة‪ ،5‬واضطراب عام ف الوضاع‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬سيكون له أثر ف عدم‬
‫استقرار تلك المارة‪.‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/126‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, pp. 393-394.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،129،128‬‬
‫‪Albert d`aix, p. 649.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, p. 268.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset: Hist des Croisades, 1. p. 433 & Michel le Syrien, 111. p. 196.‬‬

‫‪178‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وهكذا عاد تانكرد لكم إمارة أنطاكية‪ ،‬بل إنه أفلح ف استرداد اللذقية من الدولة البيزنطية‬
‫ف نفس السنة‪ ،‬أي ف سنة (‪502‬هـ) ‪1108‬م‪ ،1‬وأصبح بلدوين دي بورج أميًا من جديد على‬
‫الرها‪ ،‬ولعله من الناسب أن ننظر نظرة إل منطقة طرابلس؛ لن الحداث فيها ف ذلك الوقت كانت‬
‫ف منتهى السخونة‪.‬‬
‫لقد كان الصار مستحكمًا حول طرابلس بقيادة وليم جوردان خليفة ريون الرابع وابن‬
‫خالته‪ ،‬وهذا الصار كان ريون قد بدأه ف سنة (‪495‬هـ) ‪1102‬م‪ ،‬أي منذ ‪ 6‬سنوات كاملة‪،‬‬
‫وف غضون هذه السنوات الست ل تتل ّق طرابلس أي مساعدة إسلمية خارجية‪ ،‬ل من المارات‬
‫السنية الحيطة با‪ ،‬ول من الدولة العبيدية الشيعية التمركزة ف مصر‪ ،‬وكما هو معلوم فطرابلس‬
‫كانت مكومة ببن عمار الشيعة‪ ،‬وكان أميها هو فخر اللك ابن عمار‪.‬‬
‫ل يد ابن عمار بُدّا من ترك طرابلس تت الصار‪ ،‬وذلك ف سنة (‪502‬هـ) ‪1108‬م‬
‫ليذهب إل بغداد لقابلة الليفة العباسي الستظهر بال‪ ،‬والسلطان السلجوقي ممد للستنجاد بما‬
‫وبيوشهما‪ ،2‬لكن للختلف الذهب بي الفريقي ل يُقدّم الليفة والسلطان لبن عمار سوى بعض‬
‫الكلمات التشجيعية والعبارات التأيدية‪ ،‬تاركي بذلك طرابلس تسقط تت أقدام الصليبيي! ول شك‬
‫أن هذا نقص ف الفهم‪ ،‬وغياب ف الرؤية‪ ،‬فتقوية ابن عمار إضعاف للصليبيي‪ ،‬وطرابلس ف النهاية‬
‫مدينة مسلمة‪ ،‬ول نطلب من الليفة والسلطان هنا أن يغيا من عقائدها‪ ،‬أو يبدل من مبادئهما‪،‬‬
‫ولكننا نطلب النخوة للدماء الت تُسال‪ ،‬والنجدة للرواح الت تزهق‪ ،‬والشجاعة ف وجه الصليبيي!‬
‫ولكن كل ذلك ل يدث‪ ،‬وعاد ابن عمار ليجد أن طرابلس قد طارت من يده‪ ،‬ل إل الصليبيي‬
‫ولكن إل العبيديي! فقد استنجد أهلها بم ف غياب ابن عمار‪ ،‬فجاءوا بأساطيل من مصر‪ ،‬وأخذوها‬
‫لسابم‪!3‬‬
‫كل هذا واليش الصليب ياصر الدينة من خارجها!‬
‫وف هذه الثناء وصل إل أرض الشام برترام بن ريون الرابع يبحث عن ملك أبيه‪ !4‬وبعد‬
‫صراع وصدام مع وليم جوردان تدخل بلدوين الول ليقسم بلد السلمي بي الميين الصليبيي‪،‬‬
‫فأعطى وليم جوردان عرقة وطرطوس‪ ،‬ف حي أخذ برترام بن ريون قلعة صنجيل الت بناها أبوه‬
‫ومدينة جبيل‪ ،‬على أن يأخذ برترام مدينة طرابلس حال سقوطها‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Heyd: op. cit., 1, pp. 145-146.‬‬
‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.160‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/121،120‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, pp. 61: 64-65.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 668 & Guillaume de Tyr, p. 466.‬‬

‫‪179‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ث سعى بلدوين الول ملك بيت القدس ف تميع الهود الصليبية لسقاط طرابلس‪،‬‬
‫وبالفعل ‪ -‬وهذه أول مرةٍ منذ زمن ‪ -‬تتمع جيوش برترام ووليم جوردان مع جيوش بلدوين الول‬
‫ملك بيت القدس وجيوش تانكرد أمي أنطاكية‪ ،‬إضاف ًة إل أسطول جنويّ كبي؛ وذلك لسقاط‬
‫الدينة العنيدة طرابلس‪!1‬‬
‫ووجدت الدينة السلمة نفسها وحيدة أمام الطوفان‪ ،‬وأحيط بالشعب السكي‪ ،‬وسرعان ما‬
‫دارت الفاوضات بي الامية العبيدية (الفاطمية) وزعماء اليش الصليب على تأمي الامية وإخراجها‬
‫ف سلم‪ ،‬وفتح أبواب الدينة للصليبيي‪ ،‬مع الوعد بصيانة دماء وأعراض السلمي‪ ،2‬ويتكرر بذلك‬
‫سيناريو الحداث ف بيت القدس‪ ،‬وكأنّ الامية العبيدية ليس لا دور إل تسليم الدن السلمية إل‬
‫جيوش الصليبيي!‬
‫وخرجت بالفعل الامية العبيدية ف أمان‪ ،‬ودخل الصليبيون إل مدينة طرابلس ف أواخر سنة‬
‫‪503‬هـ‪ ،‬وتديدًا ف الادي عشر من ذي الجة ثان أيام عيد الضحى البارك (‪1109‬م)!‬
‫غي أن اليش الصليب ‪ -‬كما هو متوقع ‪ -‬غدر بالسلمي‪ ،‬فقتل الكثي من أهل الدينة‪،‬‬
‫وأسر بقية الرجال‪ ،‬وت سب كل النساء والطفال‪ ،‬ونبت الموال الغزيرة؛ فقد كانت طرابلس من‬
‫أغن الدن السلمية‪ ،‬وغنم الصليبيون ما ل يصى من كتب العلم الوقوفة‪ ،‬بل حرق الصليبيون ف‬
‫ميادين طرابلس أعدادًا ل يكن إحصاؤها من الكتب والخطوطات‪!3‬‬
‫وبسقوط طرابلس تكون المارة الصليبية الرابعة قد تكوّنت بعد حصار سبع سنوات متصلة‪،‬‬
‫ويكون حلم ريون الرابع قد تقق بعد موته‪ ،‬وامتلك الدينة ابنه برترام بن ريون‪ ،‬لتدخل الدينة فترة‬
‫عصيبة من تاريها ل تنتهِ إل بعد مائة وثاني سنة كاملة!!‬
‫ول تلبث القلع السلمية التبقية ف ساحل الشام أن تساقطت بعد حالة الحباط الزرية‬
‫الت أصابت السلمي‪ ،‬فسقطت مدينتا بانياس وجبلة ف يد تانكرد وضمهما إل إمارة أنطاكية‪ ،4‬ث‬
‫تبعتها بيوت حيث سقطت ‪ -‬بعد حصار ‪ 4‬أشهر ‪ -‬ف يد بلدوين الول ملك بيت القدس‬
‫بساعدة برترام بن ريون ف سنة (‪503‬هـ) مايو ‪1110‬م‪ ،‬وذلك بعد حدوث مذبة رهيبة ف أهل‬
‫بيوت السلمي‪ ،5‬وأخيًا سقطت مدينة صيدا اللبنانية‪ ،‬وذلك لساب بلدوين الول ملك بيت‬

‫‪ 1‬أبو الحاسن ابن تغعري بردي‪ :‬النجوم الزاهرة ‪.5/179‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 468.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/136‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/137‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪ ،164،163‬وذكر ابن الثي أن تانكرد استول على‬
‫بانياس وجبيل والق أنا جبلة أما جبيل فقد استول عليها الصليبيون سنة ‪1104‬م كما مر بنا‪.‬‬
‫‪ 5‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪،168،167‬‬
‫‪Michaud: op. cit., 1, pp. 40-44 & Foucher de Chartes, p. 416 & Albert d`Aix, p. 671.‬‬

‫‪180‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القدس‪ ،‬وبساعدة أسطول بري بقيادة ملك النرويج شخصيّا‪ ،‬وأسطول آخر بندقي بقيادة دوق‬
‫البندقية نفسه‪!1‬‬
‫وعلى ذلك سقطت كل مدن الساحل الشامي من أنطاكية شالً إل يافا جنوبًا‪ ،‬ول يبق من‬
‫كل هذه الدن العديدة إل صور وعسقلن اللتان تأخر سقوطهما نسبيّا‪ ،‬وظلتا فترة تت الكم‬
‫العبيدي الصري!‬
‫أما الدن الداخلية فقد ذاقت هي الخرى ألوان الذل‪ ،‬وإن ل تقبع تت الحتلل الباشر؛‬
‫فتانكرد على سبيل الثال حاصر حصن الثارب غرب حلب ‪ -‬وهو حصن خطي ف الطريق بي‬
‫حلب وأنطاكية‪ ،2‬وهو تابع لمارة حلب ‪ -‬وعرض تانكرد فك الصار ف مقابل دفع رضوان مبلغ‬
‫ثلثي ألف دينار‪ ،‬ولكن رضوان ل يكن يريد دفع هذا البلغ الكبي‪ ،‬ول يكن يريد قتال تانكرد‪،‬‬
‫فترك حصن الثارب يسقط وكان ذلك ف سنة (‪504‬هـ)‪ ،‬وقتل الصليبيون ألفي من رجال‬
‫السلمي ف داخل الصن‪ ،‬وأسروا الباقي‪ !3‬لكن الشكلة ال ُكْبرَى أن السيطرة على هذا الصن جعل‬
‫حلب مهددة طوال الوقت‪ ،‬وتكرر حصارها إل الدرجة الت آذت أهلها جدّا‪ ،‬ول يستطيعوا أن‬
‫يرجوا بسهولة إل مزارعهم وتارتم؛ ما دفع الكثي من سكانا إل الجرة إل بغداد وغيها‪ ،‬وهذا‬
‫بدوره دفع رضوان إل عقد صلح محف مع تانكرد يتكفل فيه بدفع ثلثي ألف دينار دون أن‬
‫يتخلى تانكرد عن حصن الثارب‪ ،4‬بل إن تانكرد احتل حصنًا آخر هو حصن زردنا‪ ،‬إضافةً إل‬
‫إطلق كل أسرى الصليبيي والرمن الوجودين ف سجون حلب‪ ،5‬ومن هنا تدهور الال جدّا ف‬
‫حلب‪.‬‬
‫ومثلما حدث ف حلب حدث ف شيزر حيث دفع أميها سلطان بن منقذ الزية لتانكرد‪،‬‬
‫وكذلك تكرر المر ف حاة حيث تكفل أميها علي الكردي بدفع الزية هو الخر لتانكرد نظي‬
‫مسالته‪!6‬‬
‫وهكذا أصبح تانكرد هو سيد النطقة الشمالية من الشام‪ ،‬كما أصبح بلدوين الول هو سيد‬
‫النطقة النوبية من الشام وكذلك فلسطي‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/139‬‬


‫‪Heyd: op. cit., 1, p. 142.‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/156،155‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/140‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/156‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, 1, p. 65.‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/141‬‬
‫‪ 5‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/156‬‬
‫‪Albert d`Aix p. 634.‬‬
‫‪ 6‬أسامة بن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪.121،120‬‬

‫‪181‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وعند هذا الد تكون قد مرت ثلث عشرة سنة على الحتلل الصليب للراضي السلمية‪،‬‬
‫ونتاج إل وقفة لتدبر الوضع بعد أن تبلورت صورته إل حد كبي‪ ،‬ولنأخذ بعض ال ِعبَر من الوقف‪،‬‬
‫ونستقرأ الستقبل الذي ستئول إليه الحداث‪.‬‬
‫أولً‪ :‬أخذت المارات الصليبية بعد هذه السنوات الثلث عشرة شكلها النهائي (خريطة‬
‫‪ ،)22‬ولن يكون التغيي بعد ذلك ولدة عشرات السنوات كبيًا‪ ،‬ونستطيع أن نعل الصورة النهائية‬
‫للوضع كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تكونت ف أرض فلسطي وأجزاء من لبنان ملكة بيت القدس الصليبية‪ ،‬وهي الوحيدة‬
‫الت أطلق عليها لقب ملكة‪ ،‬وهذا يدل على أنا غي تابعة لغيها بينما يتبعها الخرون؛ وهذا هو‬
‫الواقع الفعلي الذي رأيناه بعد ذلك‪ ،‬فإنه وإن تتعت كل إمارة صليبية باستقلل ذات إل أن الكلمة‬
‫الول ف شئون الصليبيي كانت لملكة بيت القدس‪ ،‬وكانت هذه الملكة تت حكم بلدوين الول‬
‫الفرنسي‪ ،‬وأخذت طابعًا فرنسيّا بتًا‪ ،‬ما جعل السلمي يطلقون على كل الصليبيي لفظ الفرنة أو‬
‫الفرنج أو الفرنج‪ ،‬وكلها تعن الفرنسيي‪ ،‬وهذا لكانة ملكة بيت القدس بالنسبة لغيها من‬
‫المارات‪ ،‬وكانت حدود ملكة بيت القدس ف سنة (‪504‬هـ) ‪1110‬م تتد من بيوت شالً إل‬
‫يافا جنوبًا‪ ،‬وتصل ف العمق إل مدينة القدس ف فلسطي‪ ،‬وهي بذلك تضم عدة مدن ف غاية الهية‬
‫مثل‪ :‬بيوت وصيدا وعكا وحيفا ويافا واللد والرملة‪ ،‬وأهم من كل ذلك القدس الشريف‪ ،‬وسوف‬
‫ل حت تضم أيضًا صور وعسقلن‪ ،‬إضافةً إل صحراء النقب كما سنرى‬ ‫تتوسع هذه الملكة مستقب ً‬
‫ف الصفحات القادمة‪.‬‬
‫‪ -2‬المارة الثانية للصليبيي هي إمارة طرابلس الت تكونت حديثًا سنة (‪503‬هـ)‬
‫‪1109‬م‪ ،‬وكان على رأسها المي برترام بن ريون‪ ،‬وكانت هذه المارة ف بادئ المر منقسمة‬
‫على نفسها كما بينا‪ ،‬حيث كانت طرابلس والبيل ف يد برترام بن ريون‪ ،‬وعرقة وطرطوس ف يد‬
‫وليم جوردان‪ ،‬غي أن وليم جوردان قُتل ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬ف ظروف غامضة‪ !1‬ول يستبعد أن الذي‬
‫أوعز بقتله هو برترام بن ريون ليخلو له الو ف المارة‪ ،‬وبالفعل تكونت إمارة طرابلس الوحدة‪،‬‬
‫وكانت حدودها الشمالية تصل إل طرطوس (ف سوريا الن)‪ ،‬بينما تصل حدودها النوبية إل مدينة‬
‫جبيل ف لبنان‪ ،‬أما قاعدة المارة فهي مدينة طرابلس بالطبع‪.‬‬
‫‪ -3‬المارة الثالثة هي أنطاكية‪ ،‬وأميها هو تانكرد النورمان‪ ،‬وقد توسعت جنوبًا حت‬
‫وصلت إل بانياس‪ ،‬وشالً إل إقليم قليقية‪ ،‬وتوسعت أيضًا شرقًا حت وصلت إل مشارف حلب‪،‬‬
‫وكان غالب اليش ف هذه المارة من النورمان اليطاليي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d`Aix p. 669 & Foucher de Chartres, p. 470.‬‬

‫‪182‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪ -4‬المارة الرابعة هي إمارة الرها‪ ،‬وهي أول المارات تأسيسًا‪ ،‬ويقودها بلدوين دي‬
‫بورج‪ ،‬وتضم عدة مدن ف جنوب تركيا وشال سوريا حول نر الفرات‪ ،‬وأهم هذه الدن إل جوار‬
‫الرها مدينة سيساط وسروج والبية‪ ،‬إضافةً إل مدينة تل باشر الت يقودها جوسلي دي كورتناي‬
‫الشخصية الثانية ف إمارة الرها‪.‬‬
‫وهكذا استقرت هذه الكيانات الربع ف عمق العال السلمي‪ ،‬ودام هذا الستقرار عشرات‬
‫السني كما سيتبي لنا من سياق القصة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الوضع الذي وصفناه الن ل شك أنه أشد وطأة من الوضع الذي نعان منه الن ف‬
‫فلسطي؛‬
‫‪ -1‬فالوضع أيام الروب الصليبية ل يكن مقتصرًا على دولة واحدة‪ ،‬بل تأسست أربع‬
‫دول‪.‬‬
‫‪ -2‬ول يكن الحتلل مقصورًا على فلسطي وحدها‪ ،‬بل شل فلسطي ولبنان وسوريا‬
‫وتركيا‪.‬‬
‫‪ -3‬ول يقبع الحتلل هناك فترة قصية من الزمن إنا دام مائت سنة‪.‬‬
‫‪ -4‬كما أن الذابح الت رأيناها ف احتلل الدن السلمية أكثر بكثي من كل ما نشاهده‬
‫الن ف الدن الفلسطينية‪.‬‬
‫‪ -5‬كما أن حالة الفُرقة بي السلمي أشد وأعت ما نعانيه الن؛ فلو نظرت إل سوريا فقط‬
‫فإننا سنجدها ف زمان الروب الصليبية مقسمة إل عدة إمارات منفصلة‪ ،‬منها حلب وحص ودمشق‬
‫وحاة وشيزر وبانياس وغيها‪.‬‬
‫ومع كون الوضع مترديًا على هذه الصورة فإنّ السلمي ‪ -‬كما سيتبي لنا ‪ -‬استطاعوا‬
‫الروج من الزمة ولو بعد حي‪ ،‬وعلى هذا فإذا كانت أزمتنا الن أهون فخروجنا منها أسهل بإذن‬
‫ال‪ ،‬وحتمًا ‪ -‬كما يثبت لنا التاريخ ‪ -‬يظهر بعد الليل الطويل فجرٌ سعيد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬رأينا الخطاء التتالية الت ارتكبها اليل الذي عاصر الروب الصليبية‪ ،‬وهذه الخطاء‬
‫الركبّة ل يقوموا هم وحدهم بدفع ثنها بعد ذلك‪ ،‬بل دفعتها أجيال متعاقبة‪ ،‬ولسنوات طويلة؛ فقد‬
‫شاهدوا على سبيل الثال تقاعسًا من السلمي عن نصرة طرابلس الحاصرة‪ ،‬وظل الصار كما رأينا‬
‫سبع سنوات متصلة ث سقطت طرابلس‪ ،‬واستمر هذا السقوط مائة وخسًا وثاني سنة!! أي دفع‬
‫الثمن ستة أو سبعة أجيال متلحقة‪ ،‬ما يبي أن حجم الطأ الذي يرتكبه الرء قد يكون له ذيول‬
‫وعواقب تضاعف من أثره ونتائجه‪ ،‬وعليه فل ينبغي أبدًا أن يستهي النسان بالذنب أو الطأ‪ ،‬ولعل‬

‫‪183‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫السلمي تيلوا عند سقوط طرابلس أن هذا شيء عارض لن يستمر سوى عام أو عامي‪ ،‬ث كانت‬
‫العواقب كما رأينا‪.‬‬
‫وقد حذّر رسولنا الكري أن هذا قد يدث مع الكلمة الواحدة‪ ،‬فكيف بالفعل والفعال!‬
‫يقول رسول ال ‪" :‬إِنّ الرّ ُجلَ لَيَتَ َك ّلمُ بِالْ َكلِ َمةِ لَا َيرَى ِبهَا َبأْسًا َي ْهوِي ِبهَا سَ ْبعِيَ َخرِيفًا فِي‬
‫النّارِ"‪.1‬‬
‫رابعًا‪ :‬رأينا ف الواقف السابقة تعاونًا مشينًا بي بعض القواد السلمي كرضوان من ناحية أو‬
‫جاول من ناحية أخرى مع جيوش الصليبيي‪ ،‬وف لظة من اللحظات ظنّ هؤلء أن عزتم ستكون‬
‫بالرتباط بالقوة العسكرية الول ف النطقة‪ ،‬ث رأينا سريعًا أن الصليبيي يتنكرون لذا التعاون‪،‬‬
‫وينقلبون على الزعماء السلمي عند أول فرصة‪ ،‬ويبيعونم بأبس ثن‪ ،‬فقد أدّوا دورهم ف مرحلة‪ ،‬ث‬
‫ل يعد لم قيمة ول نفع! لقد رأينا تانكرد ل يكتفي بالتنكر لعهده وحلفه مع رضوان‪ ،‬بل رأيناه يقف‬
‫بيشه على أبواب حلب يقصفها وياصرها وينعها الطعام والشراب‪ ،‬ويُمعِن ف إذلل رضوان‬
‫فيفرض عليه الزية‪ ،‬ويسخر منه ويفضحه بي الناس!‬
‫إن هؤلء الزعماء الساكي ل يروا بقلوبم أو حت بعيونم على قول ال تعال‪( :‬مَنْ كَانَ‬
‫ُيرِي ُد اْل ِعزّ َة َف ِللّهِ اْل ِعزّةُ جَمِيعًا‪ .)2‬وأقول لم‪ :‬إن ل يكن لكم اعتبارٌ بكتاب ال ول سنة رسوله‬
‫فليكن لكم اعتبارٌ بالتاريخ‪ ،‬وليست هذه صورًا نادرة نكيها‪ ،‬إنا هي السنة الطردة‪ ،‬والواقع التكرر!‬
‫خامسًا‪ :‬إذا كنا رأينا هذه الصورة التخاذلة من حكام الشام ف هذه الفترة العصيبة‪ ،‬فل بد‬
‫أن نتساءل‪ :‬أين علماء الشام؟!‬
‫لقد اختفى إل حد كبي‪ ،‬وأحيانًا إل حد مطلق مَن يأمر بالهاد أو القاومة أو التحرير‪،‬‬
‫سواء ف دمشق أو ف حلب أو ف غيها!‬
‫أين العلماء؟!‬
‫واقع المر أنه كما ذكرنا قبل ذلك فقد ُفرّغت الشام من علمائها ف أثناء الحتلل العبيدي‬
‫السابق لفترة حكم سلجقة الشام‪ ،‬ولكن ‪ -‬للسف الشديد ‪ -‬عند ولية سلجقة الشام بداية من‬
‫تتش بن ألب أرسلن أو ولديه رضوان ودقاق كان التغيي ف الوضع سياسيّا فقط‪ ،‬لكن بقي‬
‫للساعيلية الباطنية وجود كبي ف داخل الدن الشامية‪ ،‬وعلى رأسها حلب ودمشق‪ ،‬ولكن مر بنا‬
‫الظهور الساعيلي الشيعي الفج ف حلب ودورهم ف التأثي ف رضوان حاكمها‪ ،‬ولكن هذا ل يكن‬
‫ف حلب وحدها‪ ،‬إنا رأيناه ف دمشق أيضًا!! نعم ل ند التعاطف الذي أبداه رضوان تاه‬
‫‪ 1‬الترمذي‪ :‬كتاب الزهد‪ ،‬باب فيمن تكلم بكلمة يضحك با الناس (‪ )2314‬وقال حديث حسن غريب‪ ،‬وابن ماجة (‪،)3970‬‬
‫وأحد (‪ ،)7214‬وابن حبان (‪ ،)5706‬قال اللبان‪ :‬صحيح (‪ )1618‬صحيح الامع‪.‬‬
‫‪( 2‬فاطر‪.)10 :‬‬

‫‪184‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الساعيلية‪ ،‬ولكن رأينا بد ًل من التعاطف خوفًا وجبنًا من الباطنية الساعيلية أفضى إل نفس النتيجة‪،‬‬
‫فقد اشتهر الباطنية بوادث الغتيال والؤامرات؛ ولذلك آثر الكام السلمون السلمة‪ ،‬ول يتقدموا‬
‫بأي جهد لتغيي الواقع الليم‪ ،‬حت رأينا تسلطًا من زعماء الساعيلية على مريات المور ف دمشق‬
‫إل الدرجة الت جعلت حاكمًا مثل طغتكي ‪ -‬على حُبّه للجهاد ورغبته ف نصرة السنة ‪ -‬ل يستطيع‬
‫الوقوف ف وجه الشيعة الساعيلية‪ ،‬فأعطاهم قلعة بانياس بناءً على طلبهم ليتحصنوا با‪!1‬‬
‫ولكن الؤل حقّا أن من بقي من العلماء السنة ف داخل دمشق ل تكن له القدرة على الكلم‬
‫أو التعليم‪ ،‬ول تكن عندهم الرأة على النصح والرشاد‪ ،‬ولا استفحل أمر برام داعي الباطنية ف‬
‫دمشق‪ ،‬وانتشر فساده ماذا فعل العلماء؟! يقول ابن القلنسي ف وصفه حال العلماء آنذاك‪" :‬وضاقت‬
‫صدور العلماء وأرباب الدين وأهل السنة‪ ،‬ول يتجاسروا على الكلم خوفًا من أسرهم وقتلهم"‪.2‬‬
‫آهِ لو خاف العَالِم وسكت!‬
‫آه لو تعلل العالِم بعذر فاعتزل!‬
‫آه لو تسك العالِم بدنياه فأضاع دينه ودين الناس!‬
‫لعل هذه اللحظة ‪ -‬أعن سكوت العلماء وخوفهم على حياتم ‪ -‬من أهم أسباب الزمة‬
‫الت رأيناها أيام الروب الصليبية‪ ،‬ومن أهم أسباب الضعف ف أي فترة من فترات سقوط المة‬
‫السلمية؛ فالعلماء ورثة النبياء‪ ،‬وهم قادة المة القيقيون‪ ،‬فلو ضلّوا وضاعوا فكيف يُرجى للمة‬
‫هداية؟!‬
‫سادسًا‪ :‬وإذا كنا رصدنا ف هذا التحليل القصور الشديد الذي كان عليه الكام والعلماء‪،‬‬
‫فإن هذا ل يعن أن نعفي الشعوب من السئولية!‬
‫أين الشعب ف الشام؟!‬
‫أين شعب حلب ودمشق وحاة وحص؟!‬
‫أين شعب بيوت وصيدا وحيفا وعكا؟!‬
‫أين أولئك الذين ل يصابوا ف دينهم ومقدساتم فقط‪ ،‬بل أصيبوا ف أموالم وأملكهم‬
‫وأعراضهم؟!‬
‫إن الشعب الذي يسكت على مثل هذا الذل شعبٌ ل يستحق الياة!‬
‫إن الاكم ل شيء بغي شعبه‪ ،‬وإل فكيف كان يقاتل رضوان إل جوار الصليبيي؟! هل‬
‫كان يقاتل بفرده‪ ،‬أم إنه يقاتل بيش كبي‪ ،‬ومن وراء اليش وزراء وأمراء‪ ،‬ومعهم علماء وقضاة‬
‫وفقهاء ومدرسون‪ ،‬ومن ورائهم موظفون وتار وفلحون؟! أل يكن ف بيت كل واحد من هؤلء‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/236،235‬‬
‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.151‬‬

‫‪185‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫زوجة وأم وأخت وبنت؟! أل يسمع أيّ واحد من هؤلء كلمة نصح‪ ،‬أو على القل كلمة تعجب‪:‬‬
‫لاذا تفعلون هذه الفعال؟!‬
‫إن الصيبة كانت عامة! والطأ مركب‪ ،‬ول تدث مثل هذه الكوارث العامة‪ ،‬والنكبات‬
‫الائلة إل بتقصي عام من شت طوائف الشعب من أعلى سلطة فيه إل أقل عامل من عمال السلمي‪،‬‬
‫إل من رحه ال‪ ،‬وقليل ما هم!!‬
‫سابعًا‪ :‬رأينا ف هذه الواقف أيضًا أن الدولة العبيدية قد باعت القضية تامًا‪ ،‬فبعد الحاولت‬
‫الثلث الت قامت با عند مدينة الرملة توقفت جهودهم تامًا لسترداد فلسطي‪ ،‬أو على القل لتأمي‬
‫الدود الشرقية للدولة الصرية‪ ،‬وهذا كان أمرًا متوقعًا منهم بعد أن شاهدنا تاذلم ف القدس‪،‬‬
‫وشاهدنا تاذلم ف عكا‪ ،‬وشاهدنا استغللم للموقف ف طرابلس لسابم وليس للمصلحة العامة‬
‫للمسلمي‪ ،‬وشاهدنا أيضًا تاذل علمائهم ف حلب ودمشق‪ ،‬بل وشاهدنا الفظائع الت ارتكبها‬
‫الباطنيون الساعيلية هنا وهناك!‬
‫إن هذا كله يثبت أن هذا الدين ل ينصره متل العقيدة أو مضطرب الفكر‪ ،‬إن هذا الدين‬
‫عزيز ثي‪ ،‬ولن يمل رايته إل الخلصون الفاهون!‬
‫ثامنًا‪ :‬مع كل هذا الظلم الذي رأيناه ف قصة بداية الحتلل إل أن النور ل ينعدم! فقد‬
‫شاهدنا أمثلة تدل على أن الي ف المة ل ينقطع‪ ،‬والمة ل توت‪ ،‬نعم قد تضعف‪ ،‬ولكنها أبدًا ل‬
‫توت؛ ولعل رؤيتنا لسقمان بن أرتق وهو يذهب إل الهاد ف حالته الرضية الشديدة دلي ٌل على هذا‬
‫الكلم‪ ،‬كما رأينا ف موقعة البليخ وما ظهر فيها من جهاد وترد ل‪ ،‬إضافةً إل حلت عسكرية‬
‫متكررة من طغتكي أمي دمشق الذي كان ‪ -‬على سلبياته ‪ -‬مبّا للجهاد‪ ،‬مببًا عند الرعية‪ ،‬راغبًا ف‬
‫الي‪ ،‬نادمًا على أخطائه الت لعل من أبرزها سكوته على الساعيلية بل إعطاءهم قلعة بانياس‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإنه عند موته أوصى ابنه بوري بن طغتكي الذي تول المر من بعده بأن يُعلِي من شأن العلماء‬
‫السّنّة‪ ،‬وأن يتمسك بالهاد ف سبيل ال‪.1‬‬
‫إن المثلة الت رأيناها ف هذه الفترة ل تكن هي المثلة الالصة الت يتحقق التغيي على‬
‫يدها‪ ،‬ولكنها كانت أمثلة طيبة حلت الراية لن بعدها‪ ،‬تهيدًا لظهور شخصية تامة التجرد ل؛ ليُنِل‬
‫ال عليها نصره‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬مع شدة الل الذي اعتصر قلوبنا لسقوط الدن السلمية الواحدة تلو الخرى‪،‬‬
‫ولذبح اللف من السلمي‪ ،‬فإنّ هذه الغمة كانت سببًا ف توضيح الرؤية للشعوب ولنا‪ ،‬فبعض‬
‫الكام يُدلّس على شعبه؛ مستغلً إعلمه وجنوده ومقربيه‪ ،‬وموهًا الميع أنه يتحلى بالكمة‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/248‬‬

‫‪186‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ويتصف بالكياسة‪ ،‬ويتميز بسن الرأي والقرار‪ ،‬بل لعله يتظاهر بب الشريعة‪ ،‬وبذل النفس من أجل‬
‫الدين! لكن تأت مثل هذه الحداث الحزنة فتكشف الوراق‪ ،‬وتبدي القائق‪ ،‬ويعرف الناس ال َغثّ‬
‫من السمي‪ ،‬والصال من الطال‪ ،‬ولعل هذا من أبرز فوائد هذه الكوارث‪ ،‬ومن أعظم نتائجها‪،‬‬
‫خبِيثَ مِنَ الطّّيبِ‪.)1‬‬
‫وصدق ال إذ يقول‪( :‬لِيَمِيزَ ال ّلهُ الْ َ‬
‫عاشرًا‪ :‬برز لنا بوضوح ف هذه الحداث أن الي سيأت ‪ -‬غالبًا ‪ -‬من جهة شال العراق‪،‬‬
‫وتديدًا من مدينة الوصل‪ ،‬وإذا كنا قد رأينا حلت كربوغا وجكرمش‪ ،‬فإننا سنرى ما هو أعظم‬
‫منها على يد مودود بن التونتكي‪ ،‬ث سيكون الظهور الج ّل لعماد الدين زنكي ونور الدين ممود‬
‫وصلح الدين اليوب‪ ،‬وكلهم سيأت من هذه الناطق‪ ،‬وقد ذكرنا قبل ذلك مبرات هذه اليية ف‬
‫هذه النطقة ف هذا التوقيت‪ ،‬ولكن الوقفة الهمة الت نريد أن نلفت النظار إليها هي أن التغيي قد‬
‫يأت من مكان بعيد جدّا عن الحداث‪ ،‬فقد رأيناه هنا يأت من شال العراق بد ًل من الشام أو‬
‫فلسطي أو آسيا الصغرى‪ ،‬وهي الماكن النكوبة ف القصة‪ ،‬ورأيناه ف قصة التتار يأت من مصر‪ ،‬مع‬
‫أن التتار ل يدخلوا مصر أصلً‪ ،‬ورأينا إصلح أوضاع الندلس بعد أن كاد السلم ينتهي فيها‪ ،‬يأت‬
‫على يد عبد الرحن الداخل صقر قريش القادم من دمشق‪ ،‬وهكذا؛ وعلى ذلك فعند وقوع مثل هذه‬
‫النكبات ل ينبغي لنا عند التحليل والتقييم أن نقصر النظرة على البلد النكوب‪ ،‬بل نوسع النظر‬
‫لنشمل العال السلمي بكامله‪ ،‬وحتمًا عندها سنرى النور هنا أو هناك‪ ،‬وهذه هي عظمة هذا الدين‪.‬‬

‫‪( 1‬النفال‪.)37 :‬‬

‫‪187‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫قصة مودود‬
‫مودود بن التونتكي هو أول شخصية متوازنة تظهر ف قصتنا‪ ،‬تعل الهاد ف سبيل ال‬
‫منهجًا واضحًا لياتا‪ ،‬وتعل قتال الصليبيي هدفًا إستراتيجيّا ل يغيب عن الذهن‪ ،‬ول يبعد عن‬
‫الاطر‪ .‬وقد رأينا من سبقه من الجاهدين ف القصة ياهد مرة أو مرتي بسبب ظرف من الظروف‪،‬‬
‫أو لتكليف من السلطة العلى‪ ،‬أو لردّ عدوان صليب على بلده فقط‪ ،‬أما أن تكون قضية قتال‬
‫الصليبيي هي الشغل الشاغل بصرف النظر عن الظروف‪ ،‬فهذا ل نره إل ف عهد مودود بن التونتكي‬
‫رحه ال‪ ،‬هذا مع كونه يرأس الوصل البعيدة نسبيّا عن إمارات الصليبيي؛ ما يثبت أنه ل يكن يفعل‬
‫ذلك لتأمي إمارته فقط‪ ،‬ولكن إرضاءً ل‪ ،‬وحبّا للجهاد ف سبيله‪.‬‬
‫بدأ مودود رحه ال بترتيب بيته الداخلي ف الوصل‪ ،‬وإقرار الوضاع بعد الفت الت مرت‬
‫با المارة ف السنوات السابقة‪ ،‬وسار ف إمارته بالعدل والرحة‪1‬؛ فأحبه الناس حبّا شديدًا‪ ،‬ودانوا له‬
‫جيعًا بالطاعة‪ ،‬وأعلن مودود أن جهاده سيكون ف سبيل ال‪ ،‬وهذا جعل جنوده ف حالة معنوية‬
‫عالية؛ إذ أصبح الهاد قضية شخصية لكل واحد حيث إنم جيعًا يعملون ل ‪ ،‬أما عندما كان‬
‫الهاد ف عهود سابقة من أجل أمي معي أو طاعة لمر قادم من هنا أو هناك‪ ،‬فإنّ النود حينها‬
‫كانوا يقاتلون بفتور‪ ،‬ويدافعون بغي اكتراث‪ ،‬ول يسعدون بنصر‪ ،‬ول يزنون لزية‪ ،‬وهذه طبيعة‬
‫اليوش العلمانية الت تقاتل دون قضية‪ ،‬لكن مودود رحه ال جعل القضية واضحة تامًا ف عي شعبه‬
‫وجنده؛ ما ترك أثرًا إيابيّا رائعًا على إمارته‪ ،‬ظل متدًا لعهود طويلة‪.‬‬
‫ث إن الطوة التالية لودود كانت رائعة‪ ،‬وتعب عن فقه عميق لطريق النصر‪ ،‬وهي خطوة‬
‫توحيد الهود‪ ،‬وتميع الشتات‪ ،‬واللتزام بالفكر الماعي‪ ،‬وقد فقه التوحيد القرآن الفريد‪:‬‬
‫(وَاعَْتصِمُوا بِحَ ْبلِ ال ّلهِ جَمِيعًا وَلَ َت َفرّقُوا‪ ،)2‬ومن ثَمّ بدأ مودود ف مراسلة من حوله من المراء‬
‫لتجميع جيوشهم تت راية واحدة‪ ،‬ولدف واحد وهو طرد الصليبيي من بلد السلم‪.‬‬
‫لقد كانت خطوة رائعة‪ ،‬لكن ل ينقصها إل شيء واحد! وهو أن مودود بن التونتكي رحه‬
‫ال كان عملقًا ف زمان القزام!! فهذه الهداف السامية‪ ،‬وهذه الغايات النبيلة ل تكن تشغل أمراء‬
‫ذلك الزمن‪ ،‬ومن ثَمّ ل تكن استجابتهم عالية‪ ،‬ومن استجاب منهم ل يكن سلوكه يدل على فهمه‬
‫لقضية الهاد ف سبيل ال‪ ،‬بل كانت السألة عندهم واحدة من اثنتي‪ :‬إما رغبًا ف نفع أو غنيمة‪،‬‬
‫وإما رهبًا من سلطة مودود بن التونتكي أو سلطانه الكب السلطان ممد السلجوقي؛ ومع ذلك فقد‬

‫‪ 1‬ابن العبي‪ :‬تاريخ متصر الدول ص ‪.199‬‬


‫‪( 2‬آل عمران‪.)103:‬‬

‫‪188‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫استطاع مودود رحه ال أن يكوّن حلفًا من المراء َلفَت أنظار السلمي إل ضرورة التوحّد‪ ،‬وأعاد‬
‫إل الميع مبدأ تميع الهود‪.‬‬
‫تكوّن حلف إسلمي منظم لول مرة ف حروب السلمي ضد الصليبيي‪ ،‬وكان على رأسه‬
‫مودود رحه ال‪ ،‬ويساعده فيه إيلغازي بن أرتق أمي ماردين وحصن كيفا‪ ،‬وهو أخو الزعيم السابق‬
‫سقمان بن أرتق الذي مات وهو ف طريقه لنجدة طرابلس كما بينا قبل ذلك‪ ،‬وكان ف حلف‬
‫مودود أيضًا سقمان القطب (وهو غي سقمان بن أرتق بالطبع)‪ ،‬وهو أمي خلط وتبيز‪ ،‬كما تراسل‬
‫معهم طغتكي أمي دمشق‪ ،‬الذي كان له ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬بعض اليول الهادية ضد الصليبيي‪.1‬‬
‫كانت وجهة هذه الملة واضحة إذ قرروا التوجه صوب الرها‪ ،‬والغرض ترير هذه المارة‬
‫السلمية من الحتلل الصليب‪ ،‬وتركت اليوش السلمية من الوصل ف شوال سنة (‪503‬هـ)‬
‫إبريل ‪1110‬م‪ ،‬وف غضون أيام قليلة وصلت الملة العسكرية إل حصون مدينة الرها‪ ،‬وهي تقع‬
‫شرق نر الفرات‪ ،‬وهي من أحصن القلع ف ذلك الوقت‪ ،‬وضرب مودود الصار حول الدينة‪!2‬‬
‫شعر بلدوين دي بورج أمي الرها بالطر الشديد‪ ،‬ومن ثَمّ أرسل رسالة استغاثة عاجلة إل‬
‫بلدوين الول ملك بيت القدس‪ ،‬وكان الذي يمل الرسالة هو جوسلي دي كورتناي شخصيّا أمي‬
‫تل باشر‪ ،‬دللةً على اهتمام بلدوين دي بورج بالمر‪ ،‬ووصلت الرسالة إل اللك بلدوين الول وهو‬
‫صرًا لا آنذاك‪.3‬‬
‫ف بيوت حيث كان ما ِ‬
‫صرًا لدينة الرها مدة شهرين كاملي‪ ،‬وقد حاول بكل طريقة أن ينفذ‬ ‫ظل المي مودود ما ِ‬
‫من خلل استحكاماتا العسكرية لكنه ل يفلح لشدة حصانة الدينة‪ ،‬وف هذه الثناء كان بلدوين‬
‫الول يمع اليوش الصليبية للدفاع عن إمارة الرها‪ ،‬وبالفعل جاء بلدوين الول بنفسه على رأس‬
‫فرقة من جيشه‪ ،‬وجاء معه برترام أمي طرابلس‪ ،‬بينما رفض تانكرد أن يأت للخصومة الت كانت بينه‬
‫وبي بلدوين دي بورج أمي الرها‪.4‬‬
‫رأى مودود رحه ال أن جيوشه ستحصر بي جيوش الصليبيي‪ ،‬حيث ستخرج له جيوش‬
‫بلدوين دي بورج‪ ،‬ويغلق عليه بلدوين الول وبرترام طريق العودة‪ ،‬ومن هنا آثر مودود ف ذكاء‬
‫حرب واضح أن ينسحب بيشه إل حرّان جنوب شرق الرها؛ تهيدًا للنسحاب أكثر وأكثر‬
‫لستدراج اليش الصليب‪ ،‬كما حدث قبل ذلك بست سنوات ف موقعة البليخ‪ ،‬وهناك ف حران‬
‫وافته جيوش طغتكي أمي دمشق لتزداد بذلك القوة السلمية‪.5‬‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/154‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 670.‬‬
‫‪ 3‬صال بن يي‪ :‬تاريخ بيوت ص ‪.18‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 670-672.‬‬
‫‪ 5‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.171-169‬‬

‫‪189‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫نظر بلدوين الول اللك الحنك إل هذه الترتيبات العسكرية ففهمها‪ ،‬وأدرك صعوبة التوغل‬
‫إل حران بيوشهم القليلة نسبيّا‪ ،‬فأرسل رسالة عاجلة إل تانكرد يستحثه على القدوم بيشه لقابلة‬
‫السلمي ف موقعة فاصلة‪ ،1‬وإزاء ضغط بلدوين الول‪ ،‬اضطر تانكرد إل الوافقة‪ ،‬فجاء على رأس‬
‫ألف وخسمائة فارس‪ ،2‬وعند وصوله عقد بلدوين الول ملس مصالة صفّى فيه اللفات القدية‬
‫بي الزعيمي بلدوين دي بورج وتانكرد‪!3‬‬
‫إضافةً إل هذه التحركات الواعية من بلدوين الول تفاوض هذا اللك البي مع كوغ باسيل‬
‫المي الرمن لدينة كيسوم‪ ،‬وبالفعل انضم إليه كوغ باسيل بفرقة من جيشه‪.4‬‬
‫زادت قدرات اليش الصليب‪ ،‬ولكن ذلك ل يكن خافيًا على استخبارات مودود رحه ال‪،‬‬
‫فقرر أن يُمعِن ف النسحاب حت يستدرج الصليبيي بعيدًا تامًا عن حصون الرها أو تل باشر‬
‫ليفتقروا إل ملجأ ف حال هزيتهم‪ ،5‬غي أن بلدوين الول كان يلعب هو الخر مباراة ذكاء مع‬
‫مودود‪ ،‬فقرأ الطة ول يندفع وراء اليش السلمي‪ ،‬خاص ًة أنه كان الاكم السابق لمارة الرها؛‬
‫ومن ثَمّ فإنه يدرك جغرافية الكان‪ ،‬وخطورة التوغل جنوبًا‪.6‬‬
‫ف هذا الوقت ترامت أخبار للملك بلدوين الول باحتمال هجوم عبيدي على ملكة بيت‬
‫القدس‪ ،‬وكذلك وردت أخبار عن تركات لرضوان ملك حلب صوب بعض القلع الملوكة‬
‫لتانكرد حول أنطاكية‪ ،7‬وقد جعلت هذه الخبار الزعجة الصليبيي ف قلق على إماراتم‪ ،‬ومن ثَمّ‬
‫قرروا الرجوع دون القتال؛ ومع ذلك فقد رأى بلدوين الول أن ترك هذه الساحات الكبية من‬
‫القرى والضياع والزارع ‪ -‬وكلها داخلة ف حدود إمارة الرها ‪ -‬سيمثل خطورة كبية على سكانا‬
‫الصليبيي والرمن‪ ،‬ومن ثَ ّم أصدر قراره بترحيل كل السكان من هذه الناطق الواقعة شرق الفرات‬
‫إل غربه؛ وذلك لتفادي هجوم السلمي عليهم‪ ،‬وعليه فلن يبقى شرق الفرات إل الدينتان الكبيتان‬
‫الرها وسروج‪.8‬‬
‫وبالفعل بدأ الترحيل السريع للسكان تهيدًا لعودة اليوش الصليبية إل أماكنها‪ ،‬وأدرك ذلك‬
‫مودود فتقدم بيوشه شالً‪ ،‬والصليبيون يتراجعون ف سرعة‪ ،‬ومع ذلك استطاع مودود أن يلحق‬

‫‪1‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 399.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 88.‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/154‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 88‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/143‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, p. 93.‬‬
‫‪ 7‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/156،155‬‬
‫‪ 8‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪،174،173‬‬
‫‪Gouillaume de Tyr, p. 463 & Grousset: Hist. des Croisades 1, p. 454.‬‬

‫‪190‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بؤخرة اليش الصليبية‪ ،‬وبكثي من السكان الذين فشلوا ف عملية الترحيل الفاجئة‪ ،‬وهذا أدى إل‬
‫انتصار إسلمي سريع على مؤخرة الصليبيي‪ ،‬مع امتلك عدد كبي من السرى والغنائم والسلح‪.1‬‬
‫ل تكن الوقعة فاصلة بالطبع؛ لن معظم اليوش الصليبية كانت قد عبت نر الفرات إل‬
‫الغرب‪ ،‬أو دخلت حصون الرها وسروج‪ ،‬ومع ذلك فإنّ الوقعة تركت عدة آثار إيابية ل يكن‬
‫إغفالا‪:‬‬
‫أولً‪ :‬وضعت الوقعة السلمي على الطريق الصحيح‪ ،‬حيث كانت الراية الرفوعة هي راية‬
‫الهاد ف سبيل ال‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬كانت هذه هي الوقعة الول الت تمع فيها جيوش عدة إمارات ف جيش واحد‪،‬‬
‫وخاصةً أن طغتكي شارك فيها بيش دمشقي مع اليوش العراقية والفارسية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أدرك النصارى ف هذه الوقعة أن العزية السلمية ل تت‪ ،‬وأن المة السلمية ل‬
‫تنس قضية المارات الحتلة‪ ،‬ول شك أن هذا ترك أثرًا نفسيّا سلبيّا على الصليبيي‪.‬‬
‫رابعًا‪َ :‬فقَد الصليبيون عددًا من السرى والغنائم أضافت إل قوة السلمي‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬استطاع السلمون السيطرة على بعض الصون والقلع والراضي شرق الفرات‪،‬‬
‫ول يبق ف شرق الفرات سوى مدينت الرها وسروج‪ ،‬وها ‪ -‬وإن كانتا ف غاية الصانة – إل أنما‬
‫صارتا معزولتي فقيتي بعد سيطرة السلمي على الزارع حولما‪ ،‬ول شك أن هذا سيضعف من‬
‫إمارة الرها‪.2‬‬
‫وهكذا تركت هذه الملة انطباعًا إيابيّا مع أنا ل تكن فاصلة‪ ،‬وعاد مودود إل الوصل‪،‬‬
‫بينما رجع كل أمي إل إمارته‪.‬‬
‫بدأ السلمون يشعرون هنا وهناك بأن المل ما زال موجودًا‪ ،‬وأن الواقع الليم من المكن‬
‫أن يُغي‪ ،‬وشعروا ف نفس الوقت أن مودود يقاتل بفرده‪ ،‬وأن اليوش التعاونة معه ليست على نفس‬
‫مستواه‪ ،‬فأراد الخلصون من أبناء المة للحركة أن تتسارع‪ ،‬وللحميّة أن تلتهب ف صدور الرجال‪،‬‬
‫فقام وفد من أهل حلب‪ ،‬من تارها وفقهائها وعامتها‪ ،‬وتوجهوا إل بغداد‪ ،‬فقد يئسوا من زعيمهم‬
‫التثاقل رضوان‪ ،‬وهناك التقوا مع خليفة السلمي الستظهر بال‪ ،‬ولكنه ‪ -‬كما نعلم ‪ -‬ليس خليفة‬
‫بالعن القيقي‪ ،‬إنا هو صورة خليفة؛ ولذلك ل يكن لقدوم وفد حلب إليه أثر ف قلبه أو عقله‪ ،‬إنا‬
‫اكتفى كعادته بسؤالم عن أحوالم وظروفهم‪ ،‬وإبداء الل والتأسي لا مر بم‪ ،‬ووعدهم بالتأييد‬
‫الكامل لم قلبيّا ل فعليّا!! ووعد أيضًا أن يرفع يده بالدعاء ل أن يرفع الكربة ويزيل الغمة‪!!3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, p. 93-94.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d`Aix, p.675.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/141‬‬

‫‪191‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن الصورة طبيعية‪ ،‬وردّ الفعل متوقعٌ من رجل مسكي ل حيلة له‪ ،‬لكنّ أهل حلب ل‬
‫يقتنعوا بذه السخافات‪ ،‬إنا انطلقوا إل أهل بغداد؛ يشرحون لذا‪ ،‬ويفسرون لذاك‪ ،‬ويعرضون الالة‬
‫الأساوية الت وصلت لا أمة السلم‪ ،‬وينبهون الغافل أن الدور ‪ -‬وإن كانت الشام هي الت تعان‬
‫الن ‪ -‬سيأت مستقبلً ل مالة على الميع!‬
‫والمد ل أن هذه الكلمات وجدت آذانًا مصغية من أهل بغداد‪ ،‬ووجدت أيضًا عقولً‬
‫فاهة‪ ،‬وقلوبًا واعية‪ ،‬وكان من الواضح أن أثر الدارس النظامية الت أسسها نظام اللك رحه ال‪ ،‬وأثر‬
‫العلماء الذين ملئوا بغداد علمًا ونورًا‪ ،‬كان من الواضح أن هذا الثر ما زال باقيًا‪ ،‬ومن ثَمّ كانت ردة‬
‫الفعل عند الشعب كبية‪ ،‬بل غي مألوفة ف هذا الزمن! لقد نظّم الشعب ف بغداد ‪ -‬وهو شعب كبي‬
‫‪ -‬مظاهرةً ضخمة خرجت ف أحد أيام المعة من النصف الثان من عام (‪504‬هـ)‪1111‬م‪،‬‬
‫وكانت هذه الظاهرة تطالب صراحة بالهاد ف سبيل ال لخراج الصليبيي من ديار السلم‪،‬‬
‫وتوجهت الظاهرة إل مسجد السلطان قبيل المعة‪ ،‬واقتحمت الموع السجد‪ ،‬بل وذهبوا إل النب‬
‫ف غضب بالغ‪ ،‬وقاموا بكسره‪ ،‬والتجمهر ف النطقة‪ ،‬وتكهرب الو جدّا حت إن صلة المعة ل‬
‫تقم ف هذا السجد! ووصلت النباء إل السلطان ممد فوعد الموع بالهاد لتسكي ثائرتم‪،‬‬
‫والسيطرة على الوقف‪ ،‬لكن مرّ أسبوع ول يدث شيء‪ ،‬فتحركت الموع من جديد ف يوم المعة‬
‫التال‪ ،‬وذهبوا هذه الرة إل جامع القصر بدار اللفة‪ ،‬فمنعهم حراس الباب‪ ،‬فاصطدموا معهم‬
‫وغلبوهم‪ ،‬ودخلوا الامع‪ ،‬وكسروا شباك القصورة الت يلس فيها الليفة‪ ،‬وكسروا أيضًا النب‪،‬‬
‫وهكذا ل تقم صلة المعة ف هذا السجد كما حدث ف مسجد السلطان ف المعة الاضية‪ ،‬وصار‬
‫واضحًا أن المر خطيٌ‪ ،‬وأن التهاون ف ذلك المر قد يؤدي إل كوارث ضخمة‪ ،‬وهنا كان ل بد‬
‫للخليفة والسلطان أن يتخذا قرارًا حاسًا يُنهي الشكلة؛ ول يكن أمامهما إل أحد أمرين‪ :‬إما موافقة‬
‫العامة‪ ،‬وتهيز جيوش حقيقية لقابلة الصليبيي ف موقعة فاصلة‪ ،‬وإما استخدام سلح القمع مع‬
‫الشعب‪ ،‬والتهديد بالبس واللد والقتل‪ ،‬وما إل ذلك من وسائل معروفة!‬
‫لكن من الواضح أن الثورة كانت كبية‪ ،‬وأن الشعب كان متحدًا ف هدف واحد‪ ،‬وأن‬
‫الطوات كانت منظمة ومرتبة؛ وكل هذا جعل الليفة والسلطان يعيدان حساباتما‪ ،‬ومن ثَ ّم رضخا‬
‫لقرار الشعب‪ ،‬وبدأ بالفعل ف تهيز جيش كبي لقتال الصليبيي‪ ،‬بل إن السلطان ممد جعل القيادة‬
‫السية لذا اليش لبنه مسعود‪ ،‬بينما أوكل القيادة الفعلية للمجاهد القيقي مودود بن التونتكي‪!1‬‬
‫لقد كان موقف الشعب ف بغداد من الواقف الؤثرة ف التاريخ‪ ،‬وإذا سألنا لاذا ل يقم‬
‫الشعب ف حلب أو دمشق أو حاة أو حص بثل هذه الظاهرات والثورات‪ ،‬لقلنا أن الجابة بوضوح‬

‫‪ 1‬الصدر السابق‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫هي أن الشعب ف بغداد رُبّي على مدار سنوات عديدة على العان الفاضلة من العلم والهاد‬
‫والنخوة‪ ،‬وشارك ف هذا علماء ُكثُر‪ ،‬لعل كثيًا منهم قد قضى نبه الن‪ ،‬ول يشاهد هذه الثار‪ ،‬وما‬
‫يثبت هذا السبب ما ذكره ابن الثي ف كتابه الرائع الكامل ف التاريخ أن هذه الثورات ف بغداد‬
‫كانت بصحبة "خلق كثي" من الفقهاء‪!1‬‬
‫إن السألة واضحة بينة!‬
‫إنم العلماء!!‬
‫لو صلح علماء المة صلح أمرها‪ ،‬ولو فسدوا فكيف نرجو صلحًا؟! ولذا ليس من فراغٍ أن‬
‫يقول رسول ال ‪" :‬إِنّ اْل ُعلَمَاءَ َو َرَثةُ الَنْبِيَاءِ"‪ ،2‬وليس من فراغٍ أن يقول‪" :‬إن ال وملئكته وأهل‬
‫السموات والرضي حت النملة ف جحرها‪ ،‬وحت الوت ليصلون على معلم الناس الي"‪.3‬‬
‫وهكذا ف أوائل سنة (‪505‬هـ)\‪1111‬م بدأت تميع اليوش السلمية على نطاق‬
‫أوسع‪ ،‬وكان مركز التجمع هو مدينة الوصل‪ ،‬حيث الزعيم الجاهد مودود بن التونتكي‪ ،‬وحيث‬
‫الشعب الفاهم الذي يثّل عماد اليوش ومركز ثقله‪.‬‬
‫وجاءت اليوش من هنا وهناك‪ ،‬فخرج المي مسعود من بغداد‪ ،‬وخرج أيضًا سقمان‬
‫القطب من خلط وتبيز (جنوب تركيا وغرب إيران)‪ ،‬وإياز بن إيلغازي بن أرتق من ماردين‪،‬‬
‫والمي الكردي أحديل أمي مراغة (ف أذربيجان)‪ ،‬والمي برسق أمي هذان وأولده الميان إيلبكي‬
‫وزنكي‪ ،‬وأبو اليجاء أمي إربل‪( 4‬خريطة ‪.)23‬‬
‫لقد كان تمعًا كبيًا حقّا! ولكننا تعلمنا أن العبة ليست بالعداد‪ ،‬ولكن بالنوعيّة‪ ،‬وف كل‬
‫هؤلء ل نكن نرى فيهم من فهم القضية بعمق‪ ،‬وبذل فيها بصدق‪ ،‬إل مودود ومن معه من أهل‬
‫الوصل‪ ،‬أما غيهم من المراء فإنم جاءوا طائعي لمر السلطان ممد ل طائعي لمر ال‪ ،‬وشتّان!‬
‫وخرج اليش الكبي ف شهر مرم (‪ )505‬توز ‪1111‬م‪ ،‬وبدأ فورًا ف عدة عمليات شرق‬
‫الفرات تستهدف إسقاط القلع الصليبية ف هذه النطقة تهيدًا لصار مدينة الرها ذاتا‪ ،‬وبالفعل‬
‫سقط عدد من الواقع الصليبية‪ ،‬ووصل اليش ف سهولة إل مدينة الرها‪ ،‬وبدأ الصار!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪..9/141‬‬


‫‪ 2‬أبو داود‪ :‬كتاب العلم‪ ،‬باب الث على طلب العلم (‪ ،)3641‬والترمذي (‪ ،)2682‬وابن ماجة (‪ ،)223‬وابن حبان (‪،)88‬‬
‫وصححه اللبان ف صحيح الامع (‪.)6297‬‬
‫‪ 3‬الترمذي‪ :‬كتاب العلم‪ ،‬باب فضل الفقه على العبادة (‪ ،)2685‬والطبان ف الكبي (‪ ،)7912‬وقال اليثمي‪ :‬رواه الطبان ف الكبي‬
‫وفيه القاسم أبو عبد الرحن وثقه البخاري وضعفه أحد‪ ،‬ممع الزوائد‪ ،1/333 :‬وقال اللبان‪ :‬صحيح (‪ )4213‬صحيح الامع‪.‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/143‬‬

‫‪193‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كانت مدينة الرها على حصانتها العهودة‪ ،‬بل إن الصليبيي عندما علموا بقدوم اليش‬
‫السلمي أمدوها بكثي من الؤن والغذاء لتصب على الصار الطويل‪ ،‬ول يعزم الصليبيون أبدًا على‬
‫الروج لرب السلمي‪ ،‬وكانت النتيجة أن شعر مودود أن الوقت يضيع بل فائدة‪ ،‬فحصون الدينة‬
‫أشد من أن تسقط‪!1‬‬
‫ماذا يفعل مودود؟!‬
‫لقد قرّر أن يكون واقعيّا‪ ،‬وأن يفك الصار عن الرها النيعة‪ ،‬ويتجه إل غيها من حصون‬
‫الصليبيي‪ ،‬وعليه فقد غادر اليش الرها إل الدينة الثانية ف إمارة الرها وهي مدينة تل باشر غرب‬
‫الفرات‪ ،‬والت كان على رأسها جوسلي دي كورتناي القائد الصليب الشهور‪.2‬‬
‫وحاصر اليش السلمي مدينة تل باشر حصارًا مكمًا‪ ،‬وحاول بكل طاقته أن يفتح أبوابا‪،‬‬
‫أو أن يهدم أسوارها‪ ،‬لكنها كانت منيعة كالرها‪!3‬‬
‫ومرت اليام صعبة على السلمي دون بادرة تغيّر ف الوقف‪ ،‬وف هذه الثناء جاءت‬
‫رسالتان من الشام تملن استغاثة إل المي مودود‪.‬‬
‫أما الرسالة الول فكانت من أمي شيزر سلطان بن منقذ يب فيها أن جيوش تانكرد أمي‬
‫أنطاكية تاجم مدينته‪ ،‬وأما الرسالة الثانية فكانت من البيث رضوان الذي أبدى رغبته ف التعاون‬
‫مع اليوش السلمية ضد تانكرد أمي أنطاكية الذي يهاجم حلب كما يهاجم شيزر‪ ،4‬ول شك أن‬
‫هذه كانت رسائل مفزعة للجيش السلمي لنّ سقوط مدن إسلمية جديدة‪ ،‬وخاصةً إن كانت‬
‫كبية مهمة كحلب‪ ،‬سوف يؤدي إل تعقيد الوقف أكثر‪ ،‬وتقوية الصليبيي بدرجةٍ أكب‪.‬‬
‫وتردّد المي مودود ف رفع الصار عن تل باشر‪ ،‬خاصةً أن رضوان غي مأمون‪ ،‬غي أنّ‬
‫الشر والبث ل يكن عند رضوان فقط! فقد وصل جوسلي دي كورتناي أمي تل باشر إل أحديل‬
‫أمي مراغة‪ ،‬وأجرى معه مباحثات سرية َوعَده فيها بوعودٍ نظي إقناع اليش السلم بفك الصار عن‬
‫تل باشر! إنا اليانة ف أرض الهاد‪ ،‬والطعن ف الظهر للجيش الذي يُعلّق السلمون عليه آمالم!‬
‫واستطاع أحديل أن يقنع القادة الزعومي بضرورة التوجّه لنصرة رضوان‪ ،‬واجتمع المراء‬
‫على ذلك‪ ،‬واضطر مودود إل الوافقة‪ ،‬ورفع الصار عن تل باشر بعد مرور خسة وأربعي يومًا‬
‫كاملة‪.5‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/143‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 91.‬‬
‫ف التاريخ ‪.9/144‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل‬
‫‪ 4‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.175‬‬
‫‪ 5‬ابن العدي زبدة اللب ‪.2/159‬‬

‫‪194‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ل ف ضمّ قوته إل قوة جيش رضوان لواجهة‬ ‫وتوجّه مودود باليش السلم إل حلب؛ أم ً‬
‫تانكرد الصليب‪ ،‬فليس الهم الن هو إسقاط الرها ذاتا‪ ،‬ولكن الهم هو ترير أيّ أرض إسلمية‪ ،‬ولو‬
‫كانت بعيدة عن الوصل‪.‬‬
‫ولكن عند حلب حدث ما كان متوقعًا من رضوان! لقد أغلق الدينة ف وجه جيوش الوصل‬
‫والعراق وفارس‪ ،‬وأعلن أنه يشى من هذه اليوش أشد من خشيته من جيوش الصليبيي‪!1‬‬
‫وحدثت أزمة كبية؛ فاليوش السلمية الن توغلت جدّا ف البلد‪ ،‬وَبعُدت عن مددها‬
‫الصلي ف شال العراق‪ ،‬ورضوان يُغلِق الصون اللبية ف وجهها‪ ،‬ولو جاءت اليوش الصليبية الن‬
‫فسيصبح الوقف صعبًا‪ ،‬خاصةً أن حصون الصليبيي قريبة ف كل مكان‪ ،‬والصيبة أن يرج بلدوين‬
‫دي بورج من حصونه ف الرها لغلق باب العودة على اليش السلمي‪ ،‬ولنع الدد من الوصول‬
‫إليهم! لقد وضع رضوان الائن جيش السلمي ف مأزق حقيقي!‬
‫وإزاء هذا الوضع التردي أفاق شعب حلب فجأةً‪ ،‬وقرّر الروج ف مظاهرات عارمة لردع‬
‫رضوان عن هذا التصرف الشي‪ ،‬إل أ ّن رضوان قام باعتقال عدد كبي من أعيان الدينة ورؤساء‬
‫القوم‪ ،‬واتذهم رهائن لتهديد الشعب إذا استمر ف رفضه‪!!2‬‬
‫إنا صورة مكرورة ف التاريخ والواقع للقائد الذي يُبدِي كل التخاذل أمام أعداء المة‪ ،‬بينما‬
‫يبز سطوته وقهره على شعبه وأهله وأبناء دينه ووطنه!‬
‫ووجد مودود نفسه ف خطر شديد‪ ،‬خاصةً أنّ الخبار ترامت أن رضوان عقد تالفًا مع‬
‫تانكرد نفسه لضرب اليش السلمي! فقرّر مودود أن يتجه جنوبًا ليبعد عن حلب‪ ،‬وليقترب من‬
‫دمشق حيث إن المي طغتكي ‪ -‬وإن ل يكن ماهدًا من الطراز الول ‪ -‬أفضلُ من رضوان! وف‬
‫حوض نر العاصي‪ ،‬وبالقرب من معرّة النعمان حضر طغتكي أمي دمشق‪ ،‬والتقى مع مودود المي‬
‫الَ ْكلُوم من المراء السلمي‪ ،‬كما هو الال من المراء الصليبيي‪!3‬‬
‫ودارت مباحثات بي زعماء اليش السلمي العراقي والفارسي وبي المي طغتكي‪ ،‬وبدا‬
‫واضحًا ف الباحثات أن طغتكي ‪ -‬مع رغبته ف قتال الصليبيي ‪ -‬كان يشى هذا اليش السلمي‬
‫الكبي‪ ،‬ومع هذا الشعور التوجس فإ ّن طغتكي استطاع أن يفرّق بسهولة بي المي مودود وبقية‬
‫أمراء اليش؛ فالول رجل يريد حرب الصليبيي ل ‪ ،‬ول يريد ملكًا ول ثروة‪ ،‬أمّا الخرون فهم‬
‫كعامة المراء ف هذا الزمن ل يريدون إل الدنيا‪ ،‬وليس لم ف الهاد نصيب!! ومن هنا نشأت علقة‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/144‬‬


‫‪Setton: op. cit., 1, p. 400.‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/159‬‬
‫‪ 3‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.175‬‬

‫‪195‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مودة بي طغتكي ومودود إل أنه كان يشى من تأثي بقية الزعماء عليه‪ ،1‬ومن ثَ ّم أصر طغتكي ف‬
‫الباحثات أن تتمع اليوش لهاجة مدينة طرابلس ليضمن بذلك أن يبعدهم عن دمشق‪ ،‬وف ذات‬
‫الوقت يضربون أخطر الزعماء الصليبيي بالنسبة له وهو برترام بن ريون أمي طرابلس لقربه من‬
‫أملك طغتكي‪.2‬‬
‫لقد كانت تتنازع طغتكي عوامل الدنيا والدين‪ ،‬ورغبات النفس وأوامر الشرع‪ ،‬فخرجت‬
‫أعماله مضطربة‪ ،‬ل هي بالهاد الصريح كمودود‪ ،‬ول هي بالعمالة الصرية كرضوان! وأمثال هذا‬
‫كثي‪ ،‬وهؤلء ‪ -‬وإن كان فيهم صلحٌ ‪ -‬ل يقدرون على التغيي!‬
‫وإذا كنا نرى هذه الزمات الخلقية ف اليش السلمي‪ ،‬فإننا رأينا على الناحية الخرى‬
‫تاسكًا ملحوظًا ف الكيان الصليب؛ فقد أرسل تانكرد رسالة استغاثة إل بلدوين الول ملك بيت‬
‫القدس فورًا‪ ،‬يدعو أمراء طرابلس والرّها وتل باشر لللتقاء جيعًا للتوحّد ف مواجهة السلمي‪!3‬‬
‫إن ال له سُنّة ل تتبدل ول تتغي؛ فاليش الذي يسعى للوحدة بذه الصورة ل بد أن‬
‫تكون له رهبة وأثر‪ ،‬واليش الذي ل َي ْقوَى على التجمع والتاد ‪ -‬حت ف أحلك الظروف ‪-‬‬
‫جيشٌ ل يُتوقع له نصر!‬
‫وتأزّم الوقف جدّا ف العسكر السلمي‪ ،‬ودبّ الرعب ف أوصال معظم القادة‪ ،‬ومات‬
‫سقمان القطب فجأةً ‪ -‬لعله من الوف ‪ -‬فقرّر جيشه النسحاب! وكانت علة مناسبة لم لتجنّب‬
‫القتال‪ ،‬ومرض برسق أمي هذان‪ ،‬وقرر أن يعود هو الخر لبلده كي يُطبّب هناك!! فانسحب جيشه‬
‫أيضًا‪ ،‬أما أحديل الزعيم الذي تفاوض سرّا مع جوسلي فقد تعلّل بوجود بعض الشاكل الداخلية ف‬
‫مراغة فقرر النسحاب من العركة‪ ،‬وهو بذلك يضرب عصفورين بجر؛ فهو سيهرب من الصدام‬
‫مع الصليبيي‪ ،‬وكذلك سيسعى لتحصيل جزء من إرث سقمان القطب الزعيم الذي مات منذ قليل‪،4‬‬
‫كذلك عاد جيش إياز بن إيلغازي إل بلده لدف عجيب وهو الجوم على جيش سقمان القطب‬
‫بعد وفاة قائده‪5‬؛ ليغنم ما معهم!! غي أ ّن جيش سقمان انتصر عليه وغنموا ما معه‪ ،‬وساروا به إل‬
‫بلدهم!‬
‫هل يُصدّق ذلك أحد؟!‬
‫هل يكن للمراء والزعماء أن يتفقوا جيعًا على الب والروب واليانة؟!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/144‬والباهر ص ‪.18،17‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/160‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset: Hist does Croisades, 1, p. 469.‬‬
‫‪ 4‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.177،176‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/144‬‬

‫‪196‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إنّ هذا هو ما حدث بالفعل! وهو يفسر الصيبة الكبية الت ألت بالسلمي أيام الروب‬
‫الصليبية‪ ،‬وهو يفسر أيضًا النكبات الت تر بالمة ف أيّ فترة من فترات ضعفها‪ ،‬وليست أحداث‬
‫‪ 1948‬أو ‪ 1967‬منا ببعيد!!‬
‫وجد المي مودود رحه ال نفسه وحيدًا ف أرض القتال‪ ،‬ول يثبت معه إل جيشه‪ ،‬إضافةً‬
‫إل طغتكي أمي دمشق؛ وأقبلت اليوش الصليبية من كل مكان‪ ،‬وبلغ عددها ستة عشر ألف مقاتل‪،‬‬
‫وهو أكب بكثيٍ من القوة السلمية التبقية‪.‬‬
‫ف هذا الوضع الطي جاءت رسالة من أمي شيزر سلطان بن منقذ يدعو فيها اليش‬
‫السلمي للقدوم إل شيزر للتحصن با‪ ،‬فتتحقق منفعة مزدوجة؛ فهذا حاية لشيزر من ناحية‪ ،‬وحاية‬
‫للجيش السلم من ناحية أخرى‪ ،‬وبالفعل توجه اليش السلمي إل شيزر‪ ،‬وتصن وراء أسوارها‪،‬‬
‫وجاء اليش الصليب وقد طمع ف اليش السلم بعد هروب معظمه‪!1‬‬
‫كان موقع اليش السلمي خطيًا وهو ف هذه العزلة عن بلده؛ ولذلك ل يرغب المي‬
‫مودود أن يبقى مصورًا ف هذه النطقة‪ ،‬ول يكن أمامه إل تويف اليش الصليب لعلّه يفتح له‬
‫الطريق للعودة إل بلده؛ ومن هنا قرر المي مودود أن يرج من الصون ليناوش الصليبيي ث يعود‪،‬‬
‫وهكذا حت يؤثّر ف الصليبيي فيتركوه يعود‪ ،‬ويرضوا منه بعدم القتال‪.‬‬
‫وللصدق الذي يراه ال ف قلب مودود ألقى سبحانه وتعال الرهبة ف قلوب العداد‬
‫الكبية من الصليبيي‪ ،‬وبدءوا بالفعل يشون الجمات الريئة للجيش السلم‪ ،‬بل استطاع المي‬
‫مودود أن يغنم بعض الغنائم من مؤخرة اليش الصليب!‬
‫رأى الصليبيون أنه من السلم لم أن يتركوا هذا الجاهد العنيد ليعود إل بلده؛ ليتفرّغوا‬
‫هم للملوك الضعفاء ف الشام‪ ،‬أما مودود فكان واقعيّا‪ ،‬ورأى أن الصرار على الرب نوعٌ من‬
‫التدمي غي القبول ليشه‪ ،‬ومن ثَمّ انطلق إل الوصل‪ ،‬بينما عاد طغتكي إل دمشق‪!2‬‬
‫لقد فشلت هذه الملة ف تقيق مقاصدها‪ ،‬ولكنها حققت نفعًا واحدًا وهو كشف أوراق‬
‫هؤلء الزعماء‪ ،‬ليس أمام مودود فقط‪ ،‬ولكن أمام شعوبم أيضًا‪ ،‬وعرف الناس على وجه اليقي مَن‬
‫هو الخلص الجاهد‪ ،‬ومَن هو النافق التثاقل‪ ،‬ووضوح الرؤية هذا ف غاية الهية لكمال السية‪،‬‬
‫وحت ل يبن الناس قصورًا من الرمال‪ ،‬ويُعلّقون الحلم الكبية على شخصية قد تُحسن الكلم‬
‫ولكنها ل تعرف عن العمل شيئًا!!‬
‫ومع هذه اللم الركّبة الت عان منها مودود رحه ال فإنّه ل ينسَ القضية‪ ،‬مع أنّ إمارته‬
‫آمنة‪ ،‬وبعيدة نسبيّا عن الطر‪ ،‬ومع أن ظروفه ف بلده مستقرة‪ ،‬ويتمتع ببّ شعبه له‪ ،‬لكنه كان‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/144‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 400.‬‬

‫‪197‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫متجردًا ل ‪ ،‬فاهًا للدّور الذي عليه تاه دينه وأمته‪ ،‬وهذا الذي دفعه لستمرار السية مع كل‬
‫اليانات الت تعرّض لا؛ ولذا نده ُيعِدّ جيشه ف ذي القعدة من نفس السنة‪ ،‬أي ف سنة (‬
‫‪505‬هـ) أيار ‪1112‬م‪ ،‬ويهاجم فجأة مدينة الرها مرة أخرى! إنه مع صلبة الستحكامات‪ ،‬وقلة‬
‫جيشه ل ييأس من تكرار الحاولة‪ ،‬ولكنّ حصون الدينة كانت أشد من جيوش مودود‪ ،‬ففكر مودود‬
‫ف مهاجة مدينة سروج‪ ،1‬وهي مدينة كبية تقع ف شرق الفرات بالقرب من الرها‪ ،‬وتعتب العقل‬
‫الثان للصليبيي شرق الفرات‪ ،‬ولكن مودود خشي أن يرج بلدوين دي بورج من الدينة فيهاجم‬
‫مؤخرة اليش السلمي؛ ولذلك ترك قسمًا من اليش ياصر الدينة‪ ،‬وذهب بالقسم الثان لصار‬
‫سروج‪ ،‬ولكن ‪ -‬للسف ‪ -‬وصلت حركة هذه اليوش إل جوسلي دي كورتناي أمي تل باشر‪،‬‬
‫وعرف أن مودود ترك بقسم صغي من جيشه إل سروج‪ ،‬فانتهز الفرصة‪ ،‬وأخذ جيشه وانطلق‬
‫صوب سروج‪ ،‬وهناك استطاع أن يُلحِق هزية بيش مودود‪ ،‬وقتل عددًا كبيًا من رجاله‪ ،‬ويبدو أن‬
‫مودود كان قد أخطأ التقدير لعدد جيشه‪ ،‬فتحرك بعدد قليل وسط جوع كبية من الصليبيي‪!2‬‬
‫وعلى الرغم من ثقل َوقْع الزية على نفس مودود فإنّه عاد مسرعًا إل الرها لينضم ببقية‬
‫جيشه إل السلمي الحاصِرين هناك للحصون‪.‬‬
‫ف هذه الثناء‪ ،‬وبينما تدور العركة حول سروج كان اليش السلمي ف الرها قد نح ف‬
‫عقد معاهدة سرية مع الرمن ف داخل حصون الرها‪ ،!3‬يتم بوجب هذه العاهدة تسليم السلمي‬
‫إحدى القلع الهمة الت تسيطر على القطاع الشرقي من الدينة‪ ،‬وبالفعل تسلّم السلمون القلعة‪،‬‬
‫وبدءوا يتسربون منها إل داخل حصون الرها‪ ،‬وجاء مودود ف هذه اللحظات‪ ،‬وأسرع مع جنوده‬
‫لكمال إسقاط الرها‪ ،‬غي أ ّن جوسلي دي كورتناي كان قد قرأ هذه الحداث‪ ،‬ومن ثَمّ أتى قادمًا‬
‫بيشه من سروج إل الرها‪ ،‬وإزاء هذا الوضع الديد وجد مودود أن قوّته التبقية لن تفلح ف هزية‬
‫اليوش الصليبية الجتمعة‪ ،‬ومن هنا قرّر مودود رحه ال النسحاب مرة أخرى إل الوصل‪!4‬‬
‫إنا الحاولت التكررة دون يأسٍ‪ ،‬ولكنّ ال ل يُقدّر بعدُ أن تُفتح الرها!‬
‫إنه الطريق الصعب للجهاد الذي ينتهي بالنة دون اعتبار بالنتائج التحققة‪ ،‬ما دام الهد كله‬
‫قد بذل‪ ،‬وما أروع أن يكون شهداء ُأحُد ف أعلى علّيّي‪ ،‬وأن يكون حزة بن عبد الطلب هو‬
‫سيد الشهداء ف النة‪ ،‬مع أن الميع قد استشهد ف مصيبة كبية حلّت بالسلمي‪ ،‬لكن أدّوا ما‬
‫عليهم‪ ،‬ول يتهاونوا أو يفرّطوا!!‬

‫‪1‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 95.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/147‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, p. 100.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, p. 101.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michel Le Syrien, lll, p. 196‬‬

‫‪198‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لكن قبل أن نستكمل قصة مودود ل بد من الوقوف مع ما حدث ف إمارة الرها حي‬
‫تراسل الرمن ‪ -‬وهم مسيحيون ‪ -‬مع جيش السلمي لتمكينهم من السيطرة على الدينة! إن هذا‬
‫يثبت با ل يدع ما ًل للشك أن الرمن كانوا يرون الكم السلمي للمدينة أرحم وأعدل ألف مرة‬
‫من الكم الصليب الكاثوليكي؛ ما جعلهم يضحون بأبناء دينهم‪ ،‬ويتعاونون مع السلمي‪ ،‬ول يكن‬
‫هذا من رج ٍل دُفع له مال أو ُوعِد بشيء‪ ،‬إنا كان من الشعب ف معظمه‪ ،‬وهذا دلي ٌل على صحة‬
‫تقييم الكم السلمي‪.‬‬
‫ول يكن مستغربًا ‪ -‬طبعًا ‪ -‬بعد رحيل مودود أن تُقام الحاكم العسكرية الغاشة من‬
‫الصليبيي للرمن ف مدينة الرها‪ ،‬وكان متوقعًا أن تصدر الحكام التعسفية ضد الشعب‪ ،‬وقتل عدد‬
‫كبي منهم‪ ،‬ورُحّل آخرون إل خارج الدينة‪ ،‬وصار التعايش بي الرمن والصليبيي صعبًا للغاية‪،1‬‬
‫خاصةً أن علقة الرمن ببلدوين دي بورج كانت مضطربة بعد عودته من السر سنة (‪501‬هـ)\‬
‫‪1108‬م‪ ،‬أي منذ أربع سنوات سابقة‪.‬‬
‫وكان من الواضح أن الوضع أصبح خطرًا ف داخل إمارة الرها؛ فقد أصبح بلدوين دي‬
‫بورج يتشكك ف كل من حوله مافة اليانة والتحالف مع السلمي‪ ،‬بل إن بلدوين َفقَد صوابه تامًا‬
‫وتشكّك ف جوسلي دي كورتناي‪ ،‬وهو يعتب الرجل الثان ف المارة‪ ،‬وذلك أنه رأى أن الرمن‬
‫ييلون له ويبونه؛ فقام بعزله وطرده من المارة‪ ،‬مع أنه قدّم له خدماتٍ جليلة من أيام أسر بلدوين‬
‫دي بورج ومرورًا بالعارك الختلفة مع السلمي‪ ،‬وحفظ المن ف إمارة الرها‪ ،‬وانتهاءً بالنتصار على‬
‫حلة مودود الخية‪ ،‬لكنّ هذا هو الذي حدث بالفعل‪ ،‬وتّ إقصاء جوسلي عن منصبه‪ ،2‬فتوجه إل‬
‫ل بلدوين الول‪ ،‬وقرّر الستفادة من قدراته‬ ‫ملكة بيت القدس حيث رحّب به واستقبله استقبا ًل حاف ً‬
‫العسكرية الائلة فأقطعه إمارة طبية والليل‪.3‬‬
‫إذن مع فشل حلة مودود العسكرية ف سنة (‪505‬هـ)\ ‪1112‬م إل أنا أحدثت اضطرابًا‬
‫كبيًا ف داخل إمارة الرها‪ ،‬أدّى إل قلقل داخلية وعدم استقرار‪ ،‬إضاف ًة إل إبعاد الطي جوسلي‬
‫دي كورتناي عن ساحة الرها‪.‬‬
‫ومرة أخرى قبل أن نعود لقصة مودود نُعلّق على حدث آخر موريّ حدث ف هذه السنة‪،‬‬
‫وهو وفاة تانكرد النورمان أمي أنطاكية ف (‪506‬هـ)\ ‪ 12‬من ديسمب ‪1112‬م‪ ،4‬وكانت وفاته‬
‫خسارة كبية للصليبيي حيث تيّز بالدهاء والشراسة ف حربه ضد السلمي‪ ،‬ويعتب هو الؤسس‬
‫القيقي لمارة أنطاكية‪ ،‬حيث أدار أمورها ثلث سنوات حي أُسِر خاله بوهيموند‪ ،‬ث أدارها ثان‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, pp. 104-106.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. Cit., ll, p. 124.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 106.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Foucher de Chartres, p. 425.‬‬

‫‪199‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سنوات أخرى بعد رحيل خاله إل إيطاليا‪ ،‬وكان نشيطًا نشاطًا بالغًا ليس ضد السلمي فقط‪ ،‬ولكن‬
‫كذلك ضد البيزنطيي؛ ما أعطى إمارة أنطاكية شكلً قويّا مستقرّا‪.1‬‬
‫ولّا ل يكن لتانكرد وريث شرعي للحكم‪ ،‬فإنه استخلف ‪ -‬وهو على فراش الوت ‪-‬‬
‫شيطانًا مريدًا من شياطي الصليبيي‪ ،‬وهو روجر دي سالرنو‪ ،‬وهو من القادة النورمان الشدّاء الذين‬
‫ل يكونوا أقل دهاءً‪ ،‬ول أقل شراسةً من تانكرد نفسه‪ ،2‬وكان زوج أخت بلدوين دي بورج أمي‬
‫الرها‪ ،‬فكان ف وليته على أنطاكية توثي ٌق للروابط بي إمارت الرها وأنطاكية‪.3‬‬
‫ولقد َشرَط تانكرد على روجر دي سالرنو أن يُسلّم الكم لبن بوهيموند الطفل‪ ،‬وهو‬
‫الذي يُعرف ببوهيموند الثان‪ ،‬وكان يبلغ من العمر سنتي فقط‪ ،‬ويعيش ف إيطاليا‪ ،‬وذلك بعد أن‬
‫يبلغ هذا الطفل سنّ الرشد ليتسلم بذلك تركة أبيه‪ ،4‬وقد عُرف روجر دي سالرنو أثناء فترة حكمه‬
‫بروجر النطاكي نسبة إل أنطاكية‪ ،‬أو روجر الصقلي نسبة إل موطنه الصلي صقلية‪.‬‬
‫ومن الدير بالذكر أيضًا أنه بعد وفاة تانكرد بقليل‪ ،‬وف سنة ‪506‬هـ\ أوائل ‪1113‬م‬
‫ُتوُفّي أيضًا برترام بن ريون الرابع أمي طرابلس‪ ،‬تاركًا حكم إمارة طرابلس لبنه بونز ‪Pons‬؛ لينشأ‬
‫بذلك اليل الثان من المراء والكام للمارات الصليبية ف بلد الشام‪.5‬‬
‫ونعود من جديد لقصة مودود رحه ال؛ استمر مودود رحه ال ف العداد لملة جديدة‬
‫يهاجم فيها الصليبيي منتهزًا أيّ فرصة مناسبة للخروج‪ ،‬ول يكن مهتمّا كثيًا بالتاه إل إمارة‬
‫صليبية معينة‪ ،‬بل كان غرضه هو ترير البلد السلمية كلها‪ ،‬وليس مكانًا معينًا بذاته‪ ،‬فكان أن‬
‫أرسل إليه طغتكي أمي دمشق يستغيث به ف أواخر سنة (‪506‬هـ)\ مايو ‪1113‬م‪ ،‬حيث توقّع‬
‫صدامًا مرتقبًا مع بلدوين الول ملك بيت القدس‪.6‬‬
‫والواقع أن طغتكي كان قد دخل عدة مناوشات مع ملك بيت القدس‪ ،‬وخاصةً حول مدينة‬
‫صور اللبنانية‪ ،‬وكانت مدينة صور هي الدينة الوحيدة ف قطاع لبنان الت ل تسقط ف يد الصليبيي‪،‬‬
‫ول ينسها بلدوين الول بل وجّه إليها قوة عسكرية لسقاطها‪ ،‬فاستغاث أهلها بطغتكي‪ ،‬فتوجه‬
‫إليها بقوة من جيشه‪ ،‬واستطاع الدفاع عنها ببسالة‪ ،‬بل إنه قال لهلها‪" :‬أنا ما فعلت هذا إل ل‬
‫تعال‪ ،‬ل لرغبة ف حصنٍ أو مال‪ ،‬ومت دهكم عدوّ جئتكم بنفسي ورجال"‪ .7‬والواقع أن مستقبل‬
‫الحداث صدّق هذا الكلم‪ ،‬حيث ل يطالب طغتكي أهل صور بدفع مال له نظي الماية‪ ،‬ول شك‬
‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, pp. 281-282 & Setton: op. cit., p. 401.‬‬
‫‪ 2‬أسامة بن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪.118‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman: op. Cit., ll, p. 126 & Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. pp. 482-483.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Guillaume de Tyr de, p. 483.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪King: the Kinghts Hospitallers In the Holy land, p. 36.‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/149‬‬
‫‪ 7‬ابن الوزي‪ :‬مرآة الزمان حوادث سنة (‪508-506‬هـ)‬

‫‪200‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أن هذا التطوع منه أغضب بلدوين جدّا‪ ،‬فكانت النتيجة أنه بدأ يهاجم الضّياع والملك الواقعة‬
‫جنوب دمشق‪ ،‬مستخدمًا ف ذلك الامية القوية الوجودة ف منطقة الليل وطبية بقيادة القائد‬
‫ف بلدوين الول بذلك‪ ،‬بل أخذ ف مهاجة‬ ‫التحمّس الديد جوسلي دي كورتناي‪ ،‬بل ل يكت ِ‬
‫القوافل الدمشقية التجهة إل القاهرة‪ ،‬والت كانت تسلك طريقًا بعيدًا ف الداخل لتهرب من ملكة‬
‫بيت القدس‪ ،‬إل أ ّن بلدوين الول كان يترصدها ف وادي موسى جنوب البحر اليت‪ ،‬فينهب ما با‬
‫من ثروات وبضائع‪ ،‬ويعتدي على التجار فيها‪1‬؛ ول يتوقف المر عند هذا الد‪ ،‬بل شعر طغتكي أن‬
‫هناك من التحركات الصليبية والعدادات ما يشي إل احتمال هجوم كبي على جنوب دمشق أو‬
‫دمشق ذاتا؛ ما دفعه إل الستنجاد بالزعيم القيقي الوجود ف النطقة وهو مودود بن التونتكي‬
‫رحه ال‪.2‬‬
‫وجد مودود رحه ال أن هذه فرصة مناسبة مع خطورتا‪ ،‬ووجهُ الطورة أنه سيقاتل بذه‬
‫الصورة ف عمق دمشق بعيدًا جدّا عن إمارة الوصل‪ ،‬حيث ستكون الوقعة غالبًا جنوب دمشق (أكثر‬
‫من ألف كيلو من الوصل)‪ ،‬ث إنه سيقاتل أقوى جيوش الصليبيي‪ ،‬وهو جيش ملكة بيت القدس‪،‬‬
‫إضافةً إل احتمالية أن يُغلِق عليه الصليبيون ف الرها وأنطاكية طري َق العودة إل الوصل ما قد يوقعه‬
‫ف خطر شديد‪ ،‬ومع ذلك فقد قَبِل مودود أن يلب نداء طغتكي دون تردد‪ ،‬وخرج بالفعل على رأس‬
‫جيشه صوب دمشق ف أواخر (‪506‬هـ) مايو ‪1113‬م‪ ،3‬أي ف نفس الشهر الذي وصلت فيه‬
‫الستغاثة من طغتكي‪.‬‬
‫وكان من المور الهمة الت تشغل ذهن مودود‪ ،‬وهو ف طريقه إل دمشق‪ ،‬أنه سيمرّ جنوب‬
‫إمارة الرها أو قد يترق بعض أملكها‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬قد يعرّض جيشه لجوم صليب‪ ،‬خاصةً‬
‫أن العلقات بينه وبي إمارة الرها ف غاية التوتر لتكرار هجومه عليها وحصاره لا‪ ،‬إل أنّ ال‬
‫مهّد له الطريق ببعض الحداث الت مهدت له الطريق‪ ،‬وشغلت الصليبيي ف داخل إمارة الرها‬
‫بأنفسهم؛ ذلك أنه قد َس َرتْ إشاعة ف داخل المارة ف أواخر (‪506‬هـ) مايو ‪1113‬م‪ ،‬أي ف‬
‫نفس الشهر الذي خرج فيه مودود من الوصل‪ ،‬أنّ الرمن يُراسِلون من جديدٍ السلمي للخلص من‬
‫الصليبيي‪ ،‬وسواء كانت هذه الشاعة صحيحة أم باطلة فإ ّن ردّ فعل بلدوين دي بورج كان عنيفًا‬
‫للغاية‪4‬؛ إذ أمر جنوده أن يقوموا بملة تطهي عرقي بشعة ف داخل الدينة لكل الرمن بل استثناء‪،‬‬
‫ومن ثَمّ انطلق النود الصليبيون على تمعات الرمن ال ُعزّل يقتلون ويذبون‪ ،‬ث فتحوا أبواب الدينة‬

‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪،218‬‬


‫‪Albert d`Aix, p. 693.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/149‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/149‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset: Hist des Croisades, 1. p. 490.‬‬

‫‪201‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ليهرب منهم من يريد إل خارج الدينة الت عاشوا فيها عمرهم‪ ،‬وفيها كل متلكاتم وأموالم‪ ،‬فمنهم‬
‫من خرج ل يلوي على شيء‪ ،‬ومنهم من بقي ف داره‪ ،‬فكان من يبقى يدخل عليه النود الصليبيون‬
‫فينهبون داره‪ ،‬ث يرقونا بسكانا من الرمن! وكان من أبشع أيام هذه الجزرة ‪ -‬كما يروي الؤرخ‬
‫الرمن متّى الرهاوي ‪ -‬يوم ‪ 13‬من مايو ‪1113‬م‪ ،‬حيث انتشرت الذابح بالملة‪ ،‬وكان أسود يوم‬
‫ف تاريخ الرمن مطلقًا‪ ،‬حت كان الب ‪ -‬كما يصور متّى الرهاوي ‪ -‬ل يعرف أبناءه‪ ،‬ول البناء‬
‫يعرفون آباءهم‪ ،‬بل كان كل واحد ليس له من همّ إل الرب‪ ،‬وانتهى المر بقتل أو طرد كل الرمن‬
‫من الدينة بل استثناء‪ !1‬ول شك أن هذا الوقف جعل الوضاع المنية والقتصادية ف إمارة الرها ف‬
‫غاية الضطراب‪ ،‬ما جعل بلدوين دي بورج ل يفكر مطلقًا ف مهاجة جيش مودود‪ ،‬ول التجرّؤ‬
‫على قطع طريق عودته‪ ،‬فكان هذا تدبي ربّ العالي للمجاهد الؤمن مودود بن التونتكي!‬
‫ومع كل ما حدث من خيانات سابقة من المراء السلمي الذين صحبوا مودود ف معاركه‬
‫مع الصليبيي‪ ،‬فإ ّن مودود دعا إل التجمّع من جديد لرب الصليبيي مرسّخًا بذلك مبدأ الوحدة‬
‫والتجمع حول راية واحدة‪ ،‬وقد استجاب له ف هذا النداء قميك أمي إمارة سِنْجَار‪ ،‬وهي من‬
‫إمارات ديار بكر ف شال العراق‪ ،‬وكذلك إياز بن إيلغازي أمي ماردين‪ ،‬إضافةً ‪ -‬طبعًا ‪ -‬إل‬
‫طغتكي أمي دمشق الذي وجّه الدعوة إل مودود‪.2‬‬
‫تمعت اليوش السلجوقية عند مدينة َسلَمْيَة‪ ،‬وهي إل النوب الشرقي من حاة‪ ،‬ث اتهت‬
‫مباشرةً إل مدينة طبية الصينة‪ ،‬وهي تطل على بية طبية العروفة ف فلسطي‪ ،‬وهناك التقى جيش‬
‫مودود مع جيش طغتكي‪ ،‬وبدآ حصارًا سريعًا لدينة طبية إل أنا استعصت عليهم‪ ،‬فتركها اليش‬
‫السلمي وأخذ ف غزو الناطق الحيطة مستوليًا على قدر كبي من الغنائم والمتلكات الصليبية حت‬
‫وصلوا إل جبل الطور‪.3‬‬
‫ووصلت الخبار سريعًا إل بلدوين الول ملك بيت القدس‪ ،‬فأرسل رسالة استغاثة عاجلة‬
‫لكل المارات الصليبية‪ ،‬فردّ عليه بالياب أمي أنطاكية الديد روجر النطاكي‪ ،‬وكذلك أمي‬
‫طرابلس الديد بونز بن برترام‪ ،‬وتركا بيوشهما فعلً ف اتاه طبية‪ ،‬أما بلدوين دي بورج فقد‬
‫اعتذر للظروف الت تر با إمارته كما وضحنا‪.‬‬
‫ومع كون بلدوين الول قد أرسل طلبًا للمعونة إل أنه ل يستطع أن ينتظر اليوش الصليبية‬
‫القادمة من الشمال؛ لنه خشي أن تتوغل اليوش السلمية ف ملكته‪ ،‬ما قد يهدّد مدينة القدس‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, pp. 104-106.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/149‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/149‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 694.‬‬

‫‪202‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ذاتا‪ ،‬خاصةً أن مدينة عسقلن ل تزل ف يد العبيديي‪ ،‬وقد تصر القدس بي اليوش السلجوقية‬
‫واليوش العبيدية؛ ولذلك خرج بلدوين الول بسرعة شالً ف اتاه طبية‪.1‬‬
‫عَلِم مودود بتحرك اليش الصليب من النوب فأسرع باختيار مكان مناسب للقتال‪ ،‬واختار‬
‫شبه الزيرة العروفة بالقحوانة‪ ،2‬والوجودة بي نر الردن ونر اليموك جنوب بية طبية‪ ،‬ول‬
‫يكتفِ بذلك‪ ،‬بل نصب كمينًا خطيًا لبلدوين الول عند جسر الصنبة على نر الردن جنوب غرب‬
‫بية طبية‪.‬‬
‫وف يوم ‪ 13‬من مرم ‪507‬هـ\ ‪ 20‬من يونيو ‪1113‬م شاء ال أن يدخل بلدوين‬
‫الول ف الكمي الذي نصبه مودود له عند جسر الصنبة‪ ،3‬بل إنه ف رعونة بالغة ‪ -‬ل تُفسّر إل بأن‬
‫ال أعمى بصره ‪ -‬ل يترك حامية صليبية تمي ظهره‪ ،‬وكأنه نسي كل القواعد العسكرية الت‬
‫تعلمها طوال حياته!‬
‫دارت موقعة شرسة عند جسر الصنبة ‪ -‬وهي ما عرفت ف التاريخ بوقعة الصنبة (خريطة‬
‫‪ -)24‬وكان للمفاجأة عاملٌ كبي ف تويل دَفّة العركة لصال السلمي‪ ،‬وما هي إل ساعات حت‬
‫سُحِق اليش الصليب‪ ،‬وقتل ما يزيد على ألفي فارس‪ ،‬وهرب بلدوين الول بشقة بالغة بعد أن‬
‫دمرت فرقة من أهمّ فرق جيشه! وغنم السلمون غنائم هائلة ف هذه العركة من اليول والسلح‬
‫والمتلكات‪ ،4‬وكان يومًا ردّ فيه مودود رحه ال العتبارَ من هزية السنة الاضية عند حصون الرها‪،‬‬
‫وما هو جدير بالذكر أن هذه العركة شهدت بزوغًا رائعًا لنجم إسلمي جديد كان ف جيش‬
‫مودود‪ ،‬وهو القائد العسكري الف ّذ عماد الدين زنكي‪ ،‬الذي أبلى بلءً حسنًا ف هذه الوقعة حت‬
‫وصف ذلك ابن الثي بقوله‪" :‬وقد وصل ف الهارة العسكرية إل الغاية!"‪.5‬‬
‫ث ما لبثت الخبار أن أتت بقرب وصول جيش روجر وبونز‪ ،‬مع احتمال وصول إمدادات‬
‫جديدة من بيت القدس والدن الساحلية؛ ما جعل مودود يفكر ف سحب جيوشه بسرعة قبل أن‬
‫تُحصر ف طبية‪.‬‬
‫خرج مودود فعلً من منطقة العركة ليتجنب الوقوع ف كمائن الصليبيي‪ ،‬ث ما لبثت‬
‫اليوش الصليبية أن تمعت من جديد‪ ،‬لكنها لحظت قوة اليش السلمي وارتفاع معنوياته‬
‫فقرّرت عدم الدخول ف مواجهة فاصلة؛ ولذلك احتمت بأحد الرتفعات غرب بية طبية‪ ،‬وتوجه‬
‫إليهم السلمون وحاصروهم‪ ،‬لكنّ الصليبيي رفضوا النول من أماكنهم‪ ،‬واكتفوا برمي السلمي‬
‫‪ 1‬ابن الوزي‪ :‬مرآة الزمان ص ‪.547،546‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/149‬‬
‫‪ 3‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.185‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 486 & Foucher de Chartres, p. 426.‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/153‬‬

‫‪203‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بالسهام والرماح من بُعد‪ .1‬ف هذه الثناء كانت اليوش السلمية ‪ -‬إضاف ًة إل حصار الصليبيي ف‬
‫أماكنهم ‪ -‬توب النطقة لتدمي الصون الصليبية فيما بي عكا والقدس‪ ،‬كما حصلوا على كث ٍي من‬
‫المتلكات الصليبية‪.2‬‬
‫ث إنه ف هذه الثناء أيضًا ترك جيش عبيديّ من عسقلن صوب بيت القدس‪ ،3‬وكان‬
‫جيشًا صغيًا ل يفكر إل ف إحداث بعض الجمات الستنافية ف النطقة‪ ،‬ول تكن له القدرة على‬
‫قتال الامية الصليبية القوية ف بيت القدس‪ ،‬ومع ذلك فقد أرعب هذا اليش بلدوين الول الذي‬
‫خشي من تواصل هذا اليش مع اليش السلجوقي‪ ،‬ومن ثَ ّم يتأزم الوقف أكثر‪ ،‬إل أنه ‪ -‬للسف ‪-‬‬
‫ل تكن نية التعاون مع السلمي السّنّة واردة مطلقًا عند اليش العبيديّ؛ لذلك ما لبث أن عاد إل‬
‫عسقلن ممّلً ببعض الغنائم دون التواصل مطلقًا مع جيش مودود‪!4‬‬
‫استمر حصار السلمي ليش الصليبيي مدة ستة وعشرين يومًا كاملة دون أن ي ُرؤَ‬
‫الصليبيون على الروج لواجهة شاملة‪ ،‬إل أنه ف (‪507‬هـ) أغسطس ‪1113‬م وصل أسطول‬
‫أوربّي يمل ستة عشر ألف حاج صليب مسلح إل ميناء عكا القريب‪ ،5‬ول شك أن هذا العدد‬
‫الضخم قَلَب الوازين لصال الصليبيي‪.‬‬
‫شعر مودود رحه ال بالطر نتيجة تمع هذه العداد الكبية من الصليبيي؛ ولذلك فكّر ف‬
‫النسحاب من طريقه مكتفيًا بالنصر الذي حققه‪ ،‬ومافظًا على جيشه الذي ل يفقد ف هذه العارك‬
‫إل القليل جدّا من رجاله‪ ،‬وبالفعل تركت اليوش السلمية صوب الشمال ف اتاه دمشق‪ ،‬ول‬
‫تفكر اليوش الصليبية ف متابعتها لرهاقها الشديد‪ ،‬وهزيتها النفسية نتيجة السائر الكبية‪ ،‬فضلً‬
‫عن خوفهم من هجوم عبيديّ أكب على مدينة القدس‪.‬‬
‫وهكذا رضي الطرفان بذه النتيجة‪ ،‬واتهت اليوش السلمية إل دمشق حيث دخلتها ف‬
‫ربيع الخر (‪507‬هـ) سبتمب ‪1113‬م‪.6‬‬
‫ول بد لنا من وقفة سريعة مع موقعة الصنبة الت كان لا الكثي من الثار الليلة ف قصتنا‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أعادت هذه الوقعة الثقة للجيش السلمي وللمسلمي بصفة عامة‪ ،‬خاصةً بعد النتائج‬
‫ح العنوية‬
‫السلبية للحملت السابقة‪ ،‬وهي بذلك تعتب من معارك ردّ العتبار؛ ولذا فقد َرفَعت الرو َ‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/149‬‬


‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.186‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Foucher de Chartres, pp. 426-427.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, p. 274.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Albert d`Aix, p. 696 & Guillaumde de Tyr, p. 437.‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/150‬‬

‫‪204‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫جدّا للمسلمي‪ ،‬بينما أحبطت الصليبيي‪ ،‬وخاصةً أنم ل يرءوا على الواجهة برغم اجتماع‬
‫جيوشهم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬خسر الصليبيون ف هذه العركة أكثر من ألفي فارس‪ ،‬إضافةً إل الغنائم والسلب‪،‬‬
‫فضلً عن خسارة عددٍ كبي من القلع والصون الت ُدمّرت ف منطقة طبية‪ ،‬بل وجنوبًا حت مدينة‬
‫القدس‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ترسّخ لدى السلمي بعد هذه الوقعة مبدأ الجوم على القوات الصليبية بدلً من‬
‫الدفاع‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬مبدأ عسكريّ إستراتيجي مهم‪ ،‬ويتاج إل روح قتالية عالية‪ ،‬وثقة‬
‫بالنفس‪ ،‬وهو ما تقق ف هذه الوقعة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬وضحت أهية الوحدة ف اليش السلمي‪ ،‬حيث تت الوقعة باتاد الوصل مع‬
‫دمشق ف الساس‪ ،‬إضافةً إل الساعدات الرمزية الت قدمها قميك أمي سنجار‪ ،‬وإياز بن إيلغازي‬
‫أمي ماردين‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬ولعل من أهم ثرات موقعة الصنبة هو علو نم البطل السلمي العظيم عماد الدين‬
‫زنكي بن آق سنقر الاجب‪ ،‬وقد أظهر ف هذه العركة من فنون القتال وبسالة الجوم ما لفت إليه‬
‫أنظار الميع‪ ،‬وطارت أخباره ف الفاق‪ ،‬ما سيؤثر مستقبلً ف مسية الهاد بصفة عامة‪ ،‬ول شك‬
‫أننا سيكون لنا وقفات مع هذا الجاهد الفذّ‪ ،‬نستعرض فيها قصته بشيء من التفصيل‪.‬‬
‫دخل مودود بن التونتكي رحه ال مدينة دمشق ف ‪507‬هـ\ سبتمب ‪1113‬م‪ ،‬عازمًا أن‬
‫يبقى فيها فصل الشتاء؛ ليستغل هذه الفترة ف تميع جيوش جديدة والستعداد لواجهة جديدة مع‬
‫الصليبيي‪.1‬‬
‫هذا ما كان يريده‪ ،‬لكنّ أعداء المة ما كانوا يريدون ذلك‪ ،‬بل أضمروا صورة مقيتة من‬
‫الغدر قلّ أن ندها ف صفحات التاريخ!!‬
‫وما يزن القلب حقّا أن أعداء المة الذين نعنيهم ف هذا الوقف ليسوا من الصليبيي‪ ،‬لكنهم‬
‫كانوا من أبناء السلم!! أو من الذين يدعون ظاهريّا أنم من أبناء السلم!!‬
‫لقد دخل مودود رحه ال إل مسجد دمشق الكبي لداء المعة الخية ف شهر ربيع الخر‬
‫سنة (‪507‬هـ) تشرين الول ‪1113‬م‪ ،‬وفور انتهاء الصلة‪ ،‬وبينما هو يتجول ف صحن السجد‬
‫واضعًا يده ف يد طغتكي‪ ،‬قفز عليه رجل من الباطنية‪ ،‬وطعنه بنجر؛ فلقي مصرعه على الفور‪،2‬‬
‫ليختم بذلك حياة حافلة بالهاد والبذل والعطاء‪ ،‬ونسبه شهيدًا‪ ،‬ول نزكيه على ال‪ ،‬وال حسيبه!‬

‫‪1‬‬
‫‪Setton: op., p. 402.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/150‬‬

‫‪205‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ن قصاصًا‪ ،‬بل وأحرق جثته‪ ،1‬وأسدل الستار على أبشع‬ ‫وبادر طغتكي فورًا بقتل الباط ّ‬
‫جرية ارتكبها الباطنية منذ حادث اغتيال نظام اللك الوزير السلجوق ّي العظيم‪.‬‬
‫ولكن ل بد من التساؤل‪ :‬مَن وراء هذه الرية البشعة؟ ومن الستفيد من قتل عَلَمٍ من أعلم‬
‫السلمي كانت المال معقودة عليه ليحرّر البلد السلمة من دنس الصليبيي؟‬
‫لقد روّج رضوان زعيم حلب أن طغتكي أمي دمشق هو الذي حرّض على قتل مودود رحه‬
‫ال‪ ،‬والتقط هذا الترويج الؤرخون القدمون مثل ابن الثي وابن القلنسيّ وأثبتوه ف كتبهم‪ ،‬ولكنهم‬
‫ذكروه بصيغة الشك والتضعيف‪ ،‬حيث قالوا‪" :‬فقيل إن الباطنية بالشام خافوه فقتلوه‪ ،‬وقيل بل خافه‬
‫طغتكي فوضع عليه من قتله"‪ .2‬ث تلقف الؤرخون العاصرون من السلمي والنصارى هذا التام‬
‫وأثبتوه‪ ،‬وكان من السباب الت دعتهم إل هذا العتقاد سرعة قتل الباطن وإحراق جثته‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن‬
‫هذا نوع من إخفاء الدلة‪ ،‬والتخلص من س ّر الرية‪.3‬‬
‫وأنا ف اعتقادي أن الحرّض على الرية ل يكن طغتكي؛ فالذين يعتقدون أنه طغتكي يرون‬
‫أن أمي دمشق عندما رأى قوة مودود وجيشه خاف أن يكون كل غرضه من حرب الصليبيي هو‬
‫امتلك دمشق والشام؛ ولذلك تلص منه قبل أن يضيع ملكه! وهذا الكلم مردود من أكثر من وجه‪:‬‬
‫أولً‪ :‬ل تظهر من مودود رحه ال أيّ نوايا غدر بطغتكي أو غيه‪ ،‬بل كان ف غاية‬
‫التسامح حت مع مَن خانوه ف أرض العركة‪ ،‬وكان ل يريد أن يشغل نفسه بعارك جانبيّة مع‬
‫السلمي‪ ،‬و َخبُر ذلك طغتكي بنفسه ‪ -‬وهو سياسي منك ‪ -‬وذلك على مدار ثلث سنوات كاملة‬
‫من جهاد مودود ضد الصليبيي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أعاد مودود رحه ال جيشه إل الوصل بعد انتهاء موقعة الصنبة‪ ،‬ول يدخل دمشق‬
‫إل ف وفد صغي من خاصّته‪ ،‬ولو كان ينوي الغدر لبقى جيشه معه‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬طمأن‬
‫طغتكي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أثبت ابن الثي نفسه ف كتاب الكامل قبل الديث عن موقعة الصنبة أن هناك علقة‬
‫"مودة وصداقة" نشأت بي طغتكي ومودود‪.4‬‬
‫رابعًا‪ :‬ليس من العقول أن يتخلص طغتكي من مودود‪ ،‬وهو يعلم أنه القوة الوحيدة الت‬
‫يستطيع أن يتمي با إذا دهه الصليبيون‪ ،‬ول شك أن طغتكي كان يتوقع انتقامًا من الصليبيي بعد‬
‫موقعة الصنبة‪ ،‬فليس من العقول أبدًا أن يتار هذا التوقيت فيشجع الصليبيي على سرعة النتقام‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/150‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.187‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/150‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.187‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guillaumde de Tyr, p. 487 & Albert d`Aiz, pp. 700.‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/144‬‬

‫‪206‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫خامسًا‪ :‬شاهدنا من طغتكي مواقف جهادية ضد الصليبيي أكثر من مرة‪ ،‬واطّلعنا منه على‬
‫ل غادرًا إل الدرجة الت يُقدِم معها على قتل أمل‬
‫بعض الواقف اليانية‪ ،‬ما يوحي أنه ليس رج ً‬
‫السلمي واغتيال الرجل الصال مودود‪ ،‬وهذا ل يعن أن طغتكي ليست له أخطاء‪ ،‬بل ارتكب‬
‫وسيتكب أخطاء قد تكون كبية إل أنّ جرية بشعة مثل اغتيال مودود ل بد أن تستند إل دليلٍ‬
‫قوي‪ ،‬إن كان التهم فيها هو طغتكي‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬ليس بالضرورة أن تكون سرعة التخلص من القاتل دليلً على أن طغتكي هو المر‬
‫بالقتل؛ فإن طغتكي فعل ذلك لكي ل يُتهم بالتواطؤ مع القاتل‪ ،‬والرضا بفعله‪ ،‬ونن نرى ف مثل‬
‫هذه الوادث أنه يتم القبض على القاتل ث يُسهّل له الرب بعد أن يقبض الثمن‪ ،‬وليس من القبول‬
‫أيضًا أن طغتكي غدر بالقاتل لنه من الباطنية‪ ،‬وقد مرّ بنا أن طغتكي كان ياف من الباطنية‪ ،‬فليس‬
‫متوقعًا أنه يغدر بم مافة أن يُقتل هو شخصيّا‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬إن ل يكن هناك دليل قوي على أن طغتكي هو الذي قتل مودود‪ ،‬أل يب أن نسأل‬
‫مَن أكثر الستفيدين من قتل مودود‪ ،‬ث نُوزّع التامات على الشتبه فيهم بدلً من إلقائها بالكلية على‬
‫طغتكي؟!‬
‫الواقع أن الستفيدين من قتل مودود كُثُر؛ هناك ف مقدمة هؤلء الستفيدين رضوان ملك‬
‫حلب‪ ،‬الذي قد يكون أسرع باتام طغتكي لينفي التهمة عن نفسه‪ ،‬ورضوان يكره مودود كراهية‬
‫كبية جدّا‪ ،‬ويافه أيضًا خوفًا شديدًا جدّا‪ ،‬ول ينسى رضوان أنه أغلق أبواب مدينته ف وجه مودود‬
‫وجيشه سنة ‪505‬هـ‪ ،‬أي قبل سنتي فقط‪ ،‬ووضع بذلك مودود وجيشه ف مأزق خطي‪ ،‬بل إن‬
‫رضوان تالف ساعتها مع تانكرد أمي أنطاكية ضد مودود‪ !1‬وأكثر من ذلك فإ ّن رضوان رأى من‬
‫شعبه مظاهراتٍ تطالب بفتح البواب لودود‪ ،‬فل يستبعد أن يطالب الشعب الن بضم حلب تت‬
‫إمرة مودود‪ ،‬وخاصةً بعد النتصار الهيب الذي تقق ف معركة الصنبة‪ ،‬والذي ‪ -‬ل شك ‪ -‬رفع‬
‫أسهم مودود عند أهل حلب والسلمي بصفة عامة‪ ،‬ث إ ّن حلب هي المارة اللصقة للموصل‪،‬‬
‫وكثيًا ما رأينا أن الذي يكم الوصل يكم حلب أيضًا؛ ولذا فتوسّع مودود فيها يُعتب توسعًا طبيعيّا‪،‬‬
‫إضافةً إل أن علقة رضوان بالباطنية قوية‪ ،‬بل إنه صار من دُعاتا والؤيدين لا‪ ،‬وذلك على خلف‬
‫طبيعة شعبه ومعتقداته؛ كل هذه الدلة تشي إل أن رضوان هو الستفيد الكب من قتل مودود‪ ،‬فإذا‬
‫زدنا على ذلك أن رضوان يبغض طغتكي جدّا‪ ،‬ويشى من توسّعه على حسابه ف إمارة حلب‪ ،‬بل‬
‫كان يبغض أخاه دقاق زعيم دمشق السابق‪ ،‬وكان يقاتله ف أحيا ٍن كثية طمعًا ف زيادة ملكه‪،‬‬
‫وكذلك هناك ف تاريخ رضوان جرية اغتيال مشابة عندما أوعزإل الباطنية أن يقتلوا جناح الدولة‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/144‬‬

‫‪207‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫حسي بن ملعب أمي حص بعد أن خاف على ملكه‪ ،‬مع أ ّن جناح الدولة كان متزوجًا من أ ّم‬
‫رضوان شخصيّا‪ ،‬لك ّن هذه العلقات ل يكن رضوان يضع لا أيّ اعتبار‪ ،‬ومن ثَ ّم فيتوقع منه أن يُقدِم‬
‫على أيّ جرية ف سبيل تثبيت أقدامه ف الكم؛ إذا وضعنا هذه النقاط إل جوار بعضها البعض فإنن‬
‫أرجح أن يكون رضوان هو الذي دفع لذه الرية الشّنعاء‪.‬‬
‫ومع ذلك فليس رضوان هو الستفيد الوحيد من قتل مودود‪ ،‬فهناك أيضًا الباطنية أنفسهم‪،‬‬
‫ودون تريض من أحد‪ ،‬وقد كانوا قوةً ل يُستهان با ف الشام حت كان يافهم أكب زعماء الشام‪:‬‬
‫رضوان وطغتكي‪ ،‬ول شك أن ظهور شخصية مستقيمة ماهدة ُسنّية كمودود‪ ،‬قد يُغلِق على الباطنية‬
‫أبواب الفساد‪ ،‬وينعهم من حياة الجون والرية‪ ،‬وقد اشتهروا بوادث الغتيال الأجورة‪ ،‬ول‬
‫يستبعد أنم قاموا بالرية من َجرّاء أنفسهم‪.‬‬
‫كما أن من الستفيدين أيضًا الصليبيي‪ ،‬وليس من الستبعد أن يتعاون الصليبيون مع زعماء‬
‫الباطنية‪ ،‬ويغرونم بالال أو بالسلح أو بالقلع ف نظي التخلص من هذا القائد الف ّذ الذي أوشك‬
‫على قلب أوضاع الصليبيي تامًا ف أرض الشام؛ وليس من الستبعد أيضًا أن تكون الرية قد تت‬
‫بالتفاق بي الطراف الثلثة‪ :‬رضوان والباطنية والصليبيي‪ ،‬أو باتفاق طرفي منهم‪ ،‬وكلهم عندي‬
‫أقرب إل هذه الرية من طغتكي أمي دمشق‪.‬‬
‫ولعلّ سائلً يسأل‪ :‬كيف يُقدِم باطنّ على هذه الرية وهو يعلم أنه سيُقتل ل مالة؟ وأيّ‬
‫معتقدٍ هذا الذي يدفع إل هذه العمليات النتحارية مع كون الباطنية منحرف الفكر‪ ،‬مذبذب العقيدة‪،‬‬
‫بل هم خارجون بل جدا ٍل عن ملة السلم؟‬
‫إن طائفة الباطنية الساعيلية كانت قد انقسمت إل فرقتي ‪ -‬كما مرّ بنا ف مقدمات هذا‬
‫الكتاب ‪ -‬ها الستعلية والنارية‪ ،‬وها أولد الليفة العبيديّ الستنصر بال‪ ،‬وذلك بعد موت‬
‫الستنصر ف سنة (‪487‬هـ) ‪ ،‬وتنازع الولدان الكم‪ ،‬ولكن وزير مصر آنذاك وهو بدر المالّ‬
‫وضع الستعلي ‪ -‬وهو الصغر ‪ -‬ف الكم‪ ،1‬وكان هناك أحد الوزراء الكبار ف مصر وهو السن‬
‫بن الصباح‪ ،‬وكان مؤيّدًا لمامة نزار؛ ولذلك فبعد تولية الستعلي انسحب السن بن الصباح من‬
‫مصر إل الشام آخذًا معه نزار‪ ،‬ومؤسّسًا فرقة شنيعة من فرق الشيعة اسها النارية الساعيلية‪ ،‬وهي‬
‫الت عُرفت ف التاريخ باسم الباطنية؛ لنم كانوا يدّعون أن كل آية ف القرآن لا معنًى ظاهري‬
‫يفهمه عوام الناس‪ ،‬ومعن باطن ل يفهمه إل هم‪ ،‬وعليه فقد فسروا القرآن على هواهم‪ ،‬ومن ثَمّ‬
‫خرجوا بتفسياتم ومعتقداتم من السلم تامًا‪2‬؛ ث إن السن بن الصباح ‪ -‬الذي تول الزعامة‬

‫‪ 1‬القريزي‪ :‬اتعاظ النفا بأخبار الئمة الفاطميي اللفا ‪.3/11‬‬


‫‪ 2‬أبو حامد الغزال‪ :‬فضائح الباطنية ص ‪،11‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisares 1, p. 530.‬‬

‫‪208‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القيقية ف هذه الفرقة الضالة ‪ -‬كان يُسقِي أتباعه الشيش (وهو النبات الخدّر العروف) فيخرج‬
‫التابع عن الوعي‪ ،‬ومن هنا يبدأ ف الطاعة الطلقة للشيخ‪ ،‬وهو السن بن الصباح‪ .‬ث إنّ السن فعل‬
‫ما هو أشد من ذلك‪ ،‬إذ أنشأ لم حدائق واسعة سّاها النةَ‪ ،‬وأتى فيها بكل أنواع الثمار‪ ،‬وغرس‬
‫فيها الشجار‪ ،‬بل وأجرى فيها عدة أنار صناعية صغية‪ ،‬وملها كذلك بالفتيات رائعات المال‪،1‬‬
‫ث كان يُعطِي الشيش لصحابه حت يغيّبوا تامًا عن الدراك‪ ،‬فيأت بم إل هذه النة‪ ،2‬وينتظر أن‬
‫يصبحوا بي النام واليقظة‪ ،‬فيأت لم بألوان الطعام والشراب‪ ،‬ويرتكب التباع الفواحش مع النساء‪،‬‬
‫ث يُعطى الشيش حت يغيب عن الوعي ثانية‪ ،‬ويُخرج من هذه النة‪ ،‬وعند يقظته يُقال له‪ :‬لكي‬
‫تعود ل بد من طاعة الشيخ (السن بن الصباح)؛ وهكذا يتكرر معه المر‪ ،‬حت يصبح مدمنًا‬
‫للحشيش‪ ،‬ويصبح أيضًا مدمنًا للجنة وملذاتا‪ ،‬ث يطلب منه ف يوم من اليام أن يقوم بعملية اغتيال‬
‫انتحارية على أن ينتقل بعدها للقامة الدائمة ف النة‪!!3‬‬
‫ول شك أن الباطنية كانوا يتارون أتباعهم من بسطاء الفكر والدين‪ ،‬ومن الفقراء‬
‫القهورين‪ ،‬ومن العراب الاهلي‪ ،‬فيصبحون بذلك طوع إرادة قادتم يفعلون بم ما يشاءون‪.4‬‬
‫وكانت الباطنية بصفة عامة يترفون القتل بكل فنونه‪ ،‬وييدون تدبي الؤامرات‪ ،‬وحوادث‬
‫الغتيال‪ ،‬وكانوا عصابات مسلحة يصعب السيطرة عليهم‪ ،‬ومن ثَمّ كان اسهم يوقع الرهبة ف قلوب‬
‫عموم الناس‪ ،‬حُكّامًا كانوا أو مكومي!‬
‫ولكونم كانوا يدمنون الشيش فإنم عُرفوا ف التاريخ بالشّاشي‪ ،‬وجرائمهم ف تاريخ‬
‫المة ل تصى‪ ،‬نحوا ف كثي منها‪ ،‬وأخفقوا ف أخرى‪ ،‬لكنهم كانوا دومًا مصدر رعب وهلع‪،‬‬
‫ووسيلة عرقلة مستمرة لسية الصالي!‬
‫ن على عملية انتحارية لقتل رجل من‬ ‫لذا ل يكن يستغرب أبدًا بعد هذا العرض أن يُقدِم باط ّ‬
‫الرجال بتحفيز زعيمهم؛ لكي يدخل النة الزعومة‪ ،‬أو على القل ليحصل على الشيش الذي تعوّد‬
‫إدمانه!!‬
‫وف النهاية‪ ،‬فإن القيقة الكاملة ف هذه الرية الشنيعة ل يعلمها إل ال ‪ ،‬والهم ف‬
‫ت تقاعس‬ ‫القضية أن المة َفقَدت زعيمًا عظيمًا من زعمائها‪ ،‬حل راية الهاد ضد الصليبيي ف وق ٍ‬
‫الميع عن حل هذه الراية الشريفة‪ ،‬ول شك أن اليام الت أعقبت استشهاده كانت صعبة على‬
‫السلمي‪ ،‬غي أن ‪ -‬وقبل الدخول ف تليل الوضع بعد استشهاد مودود ‪ -‬أودّ أن أقف على حدثي‬
‫عجيبي‪ ،‬ووجه العجب ليس ف حدوثهما‪ ،‬ولكن ف (توقيت) هذا الدوث!‬

‫‪1‬‬
‫‪Morco Polo: Travels, p. 50.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Michaud: op. cit., ll, pp. 72-73.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Marcopolo: Travels, pp. 49-53.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ivanow: An Islamic Ode in Praise of Fidawis, pp. 63-64.‬‬

‫‪209‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أما الدث الول فهو ظهور نم عماد الدين زنكي ف موقعة الصنبة‪ ،‬وقبل استشهاد مودود‬
‫بثلثة أشهر فقط! والتوقيت عجيب جدّا‪ ،‬فلماذا ل يظهر منذ فترة طويلة؟ ولاذا ل يظهر بعد وفاة‬
‫مودود بفترة طويلة أخرى؟ نعم إن هذا بتدبي ال وقدره‪ ،‬ولكننا نبحث عن الكمة ف ذلك‪،‬‬
‫وعن الشارات الهمة ف هذا التدبي الحكم‪ .‬إن هذا الظهور ف هذا التوقيت لو إشارة واضحة من‬
‫ال أن هذه المة لن توت‪ ،‬فإذا فقدنا زعيمًا ظهر آخر‪ ،‬وإن استشهد ماهد قام غيه‪ ،‬وهكذا إل‬
‫أن يرث ال الرض وما عليها‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬يفظ المل ف قلوب السلمي‪ ،‬وراجعوا التاريخ‪،‬‬
‫فلن تدوا استشهاد أمل من آمال المة إل متبوعًا بظهور أمل جديد‪ ،‬وهذا من أخصّ خصائص هذه‬
‫المة الفريدة!‬
‫أما الدث العجيب الثان فهو موت رضوان ملك حلب بعد استشهاد مودود بثلثة أشهر‬
‫فقط‪ ،‬ف شهر جادى الخرة سنة (‪507‬هـ) ديسمب ‪1113‬م‪!!1‬‬
‫وعجيب جدّا أن يوت ف نفس الفترة الت مات فيها مودود‪ ،‬سواء كان رضوان مُدّبرًا‬
‫لادث اغتيال مودود أو كان بريئًا منه؛ لن سية رضوان القبيحة كانت معروفة‪ ،‬وليست جرية‬
‫اغتيال مودود هي الرية الوحيدة من جرائمه‪ ،‬أو الكبية الوحيدة من كبائره!! لقد كانت الشارة‬
‫واضحة جدّا أن النسان ل يؤجّل ميعاد موته ول يقدّمه‪ ،‬فالكل يوت؛ الصال يوت والطال يوت‪،‬‬
‫الخلص يوت والنافق يوت‪ ،‬الجاهد القبل الطالب للشهادة يوت‪ ،‬والتثاقل الدبر الارب من الوت‬
‫يوت ( ُكلّ َن ْفسٍ ذَاِئقَةُ اْل َم ْوتِ‪ ،)2‬ولكن النسان هو الذي يتار طريقة موته! إما أن توت رافعًا‬
‫مصحوبًا‬ ‫رأسك طائعًا لربك مصحوبًا بدعوات الصالي‪ ،‬وإما أن توت ذليلً مهينًا عاصيًا ل‬
‫بلعنات الؤمني‪ ،‬والعبد ف النهاية هو الذي يتار!! وأسأل ال أن يفقهنا ف سننه!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/151‬‬


‫‪( 2‬آل عمران‪.)185 :‬‬

‫‪210‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وقفة وتليل بعد استشهاد مودود‬


‫ل شك أن حادث مقتل مودود كان من اللحظات الفارقة الت أدت إل كثي من التغييات‬
‫على الساحة السياسية والعسكرية‪ ،‬كما أدى إل تغيي ف أيدلوجيات كثي من القادة والدول‪ ،‬وهكذا‬
‫دومًا يكون موت الشخصيات الؤثرة‪ ،‬وخاصةً إن كانت هذه الشخصية ف عظمة وقيمة مودود‬
‫رحه ال‪ ،‬ويا لَحسرة الجيال الت ل تعاصر شخصية من هذا الطراز‪ ،‬فإنه ير عليها سنوات وسنوات‬
‫دون أن تشعر بقيمة الزمن‪ ،‬ولعلنا ف هذه الوقفة نتحدث عن خس أو ست سنوات كاملة‪ ،‬بينما كنا‬
‫أيام مودود نتحدث عن الشهور وليس السنوات لهية الحداث الت نراها ف زمان الجاهدين‪،‬‬
‫وسيأت علينا زمانٌ نتحدث فيه عن اليام والساعات عندما نتكلم عن نور الدين ممود أو صلح‬
‫الدين اليوبّ‪ ،‬وهكذا تؤثر الشخصيات القوية على كل مريات المور ف زمانا‪.‬‬
‫وهذه بعض النقاط والوقفات الت تمنا ف السنوات الت تلت مقتل مودود رحه ال‪:‬‬
‫الوقفة الول‪ :‬مع حركة الهاد ف العال السلمي بصفة عامة‬
‫للسف الشديد فإن المة ف هذه الرحلة ل تبلغ درجة من النضج تسمح باستمرار الهاد‬
‫بنفس الدرجة عند غياب الشخصية القائدة الجاهدة‪ ،‬والصل أن المة الناضجة ل تعتمد على‬
‫شخص أو شخصي‪ ،‬ولكن تكون الطاقات البديلة فيها متوافرة‪ ،‬ومن ثَمّ فهي تسي قدمًا دومًا برغم‬
‫العقبات والزمات‪ ،‬ولذا فإن مقتل مودود عطّل حركة الهاد القيقية ست سنوات كاملة‪ ،‬بل لعله‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬وليس معن هذا أنه ل تدث حروب ف هذه الفترة بي السلمي والصليبيي‪ ،‬ولكنها‬
‫ل تكن حروبًا كحروب مودود‪ ،‬إنا كانت نوعًا من أداء الواجب دون روح‪ ،‬أو نوعًا من طاعة‬
‫الوامر العليا بالهاد‪ ،‬أو نوعًا من َذرّ الرماد ف العيون‪ ،‬أو حت نوعًا من العادة الت تتم أن يقاوم‬
‫الشعبُ النكوب عدوّه الذي احتل بلده‪ ،‬وأحيانًا كانت بروح جهادية‪ ،‬ولكنها تفتقر إل الكفاءة‬
‫الت تنجحها‪ ،‬ولذا فإننا سنرى بعض الملت ف هذه السنوات الست‪ ،‬وإل سنة (‪513‬هـ)\‬
‫‪1119‬م‪ ،‬ولكنها ‪ -‬للسف ‪ -‬ستكون حلت بل روح حقيقية‪ ،‬ولعل أفضل توصيف لا أنا‬
‫كانت مرد زوابع ف فنجان!‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬مع إمارة الوصل‬
‫كان شعب الوصل ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬مبّا للجهاد مقدّرًا للعلم والعلماء؛ ولذلك كان من‬
‫الطبيعي أن يولّى أمره رجلٌ من أهل الصلح‪ ،‬حت يكون هناك نوع من التناسق والتناغم بي الاكم‬
‫والحكوم‪ ،‬وهذا وإن كان اختيار السلطان ممد إل أنه سُنّة من السنن‪ ،‬ذكرها رسول حي قال‪:‬‬

‫‪211‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫"كَمَا تَكُونُوا ُيوَلّى َعلَيْ ُكمْ"‪ .1‬وقد وَلِي على الوصل بعد مقتل مودود أحد التراك الخيار وهو آق‬
‫سنقر البسقي‪ ،2‬وكان هذا الرجل كما يصفه ابن الثي‪" :‬كان خّيرًا يب أهل العلم‪ ،‬والصالي‪،‬‬
‫ويرى العدل ويفعله‪ ،‬وكان من خي الولة‪ ،‬يافظ على الصلوات ف أوقاتا‪ ،‬ويصلي من الليل‬
‫متهجدًا"‪.3‬‬
‫ومع القوة اليانية والخلقية العالية لق سنقر البسقي رحه ال إل أن كفاءته السياسية‬
‫والعسكرية ل يكونا على نفس القدر والستوى؛ فضعف كفاءته السياسية أدخله ف حروب جانبية‬
‫مع المارات السلمية الجاورة‪ ،‬وخاص ًة إمارة ماردين ما أدخله ف صراع ليس له معن ف هذا‬
‫التوقيت مع إيلغازي بن أرتق حاكم المارة‪ ،‬وبذلك خسر آق سنقر البسقي الراتقة جيعًا‪ ،‬وهم‬
‫منتشرون ف شال العراق وديار بكر‪ ،4‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬أضعف موقفه‪ ،‬وشتّت جهده‪.‬‬
‫كما أن ضعفه العسكري أدى إل فشله ف تقيق نصر يذكر على الصليبيي الذين واجههم‬
‫ف إمارة الرها ف الملة الت خرج على رأسها ف ذي الجة (‪508‬هـ) مايو ‪1115‬م‪ ،‬إضافةً إل‬
‫أنه بعد فشل حلته مع الصليبيي‪ ،‬وف أثناء عودته دخل ف صدام مع الراتقة بسبب عدم تعاونم معه‬
‫ف الملة‪ ،‬وتعرض ف هذا الصدام لزية كبية تفتّت فيها جيشه الكبي الكوّن من خسة عشر ألف‬
‫فارس‪ ،‬وهذا دفع السلطان ممد إل عزله عن الوصل ف سنة (‪509‬هـ)\ ‪1115‬م‪ ،‬وإعطاء الولية‬
‫ليوش بك‪.5‬‬
‫وف نفس السنة الت عُزل فيها آق سنقر البسقي َأوْكَلَ السلطان ممد السلجوقي لبسق بن‬
‫برسق أمي هذان قيادة جيش كبي يهدف إل حرب الصليبيي‪ ،‬إضافةً إل إخضاع المارات‬
‫السلمية النشقّة عن السلطان ممد‪ ،‬وكذلك المارات الشامية الت أصبحت تدار بأفراد خارج‬
‫الدولة السلجوقية‪ ،‬مثل دمشق الت تدار بطغتكي‪ ،‬وحلب الت تدار ببدر الدين لؤلؤ؛ وف هذه الملة‬
‫خرج أمي الوصل الديد جيوش بك تت زعامة المي العام للحملة برسق بن برسق‪.6‬‬
‫ودون الدخول ف تفصيلت كثية مؤلة فإنّ هذه الملة انتهت بواجهة سافرة عجيبة بي‬
‫اليش السلجوقي من ناحية‪ ،‬وجيوش الصليبيي التحدة مع جيوش المارات السلمية ف ديار بكر‪،‬‬
‫وأيضًا حلب ودمشق من ناحية أخرى!!‬

‫‪ 1‬رواه أبو عبد ال القضاعي ف مسنده الشهاب (‪ ،) 577‬والبيهقي ف شعب اليان بلفظ "يؤمر عليكم" (‪ )7391‬وف سنده يي بن‬
‫هاشم وهو ضعيف وضعفه اللبان ف السلسلة الضعيفة (‪.)320‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/153‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/236‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/154،153‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/161‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/158‬‬

‫‪212‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد رأى هؤلء المراء أن خطر السلجقة عليهم أكب من خطر الصليبيي‪ ،‬فعرضوا التحالف‬
‫مع روجر النطاكي والصليبيي ضد اليش السلجوقي السلم! وهكذا وقف السلمون وفوق‬
‫رءوسهم الصّلبان‪ ،‬يقاتلون مع أعدائهم تت راية واحدة!!‬
‫إنه ضعف الرؤية‪ ،‬أو قُلْ انعدامها! فليس هناك من مبر ‪ -‬مهما كانت الظروف ‪ -‬لنرى‬
‫مثل هذا الفارقات الت يستعجب منها كل السامعي‪ ،‬سواء كانوا من السلمي أو غي السلمي!‬
‫وللسف الشديد انتهت الوقعة ‪ -‬الت عرفت ف التاريخ باسم موقعة دانيث‪ ،‬وهو الكان‬
‫الذي وقعت فيه ‪ -‬بزية برسق بن برسق وجيشه السلم السلجوقي‪ ،‬وغنم العسكر الصليب السلم ما‬
‫ل يُقدّر من الغنائم والسلح‪ .‬ومن الدير بالذكر أن روجر النطاكي استأثر بالغنائم لنفسه وجيشه‪،‬‬
‫ولقد كانت الفاجأة لهل أنطاكية أكثر من سارّة‪ ،‬حيث عاد روجر بثروات طائلة‪ ،‬كما عاد بأخبار‬
‫تفكّك الصفّ السلمي وتشتّته‪.1‬‬
‫واستمر جيوش بك ف حكم الوصل‪ ،‬ول تكن له ماولت تذكر لعادة ال َكرّة ضد‬
‫الصليبيي‪.‬‬
‫وهكذا ُأحْبِط أهل الوصل نتيجة وجود هذه المراض القاتلة الت دعت المة ف وقت من‬
‫الوقات أن تقاتل أخاها‪ ،‬وتصافح ألدّ أعدائها!‬
‫كان هذا هو حال الوصل بعد مقتل مودود رحه ال‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة‪ :‬مع عماد الدين زنكي‬
‫َبهَر هذا الفت القدير النظار ف العارك الت اشترك فيها‪ ،‬وأدرك الميع قدراته العسكرية‬
‫الفذة‪ ،‬كما أدركوا أيضًا عمق ولئه للسلطي السلجقة‪ ،‬وعدم تردده ف ساع الوامر وتنفيذها‪،‬‬
‫فأوكلت إليه ف الروب الهامّ السام‪ ،‬وعلى الرغم من عدم تقق النصر ف الواقع الربية ف تلك‬
‫ل بذكر هذا القادم الديد‪ :‬عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫الفترة‪ ،‬إل أنّ الميع كان منشغ ً‬
‫الوقفة الرابعة‪ :‬مع طغتكي أمي دمشق‬
‫بعد مقتل مودود رحه ال روّج رضوان ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬لشاعة أن طغتكي هو الذي قتله؛‬
‫وذلك ليدفع التهمة عن نفسه أولً‪ ،‬وليتخلص من طغتكي ثانيًا‪ .‬ولقد أحدثت كلمته أثرًا ف كثيٍ من‬
‫الناس‪ ،‬بل تأثر بذلك السلطان ممد الذي حّل طغتكي مسئولية مقتل مودود‪ ،‬وخاصةً أن مسئولية‬
‫الماية المنية لودود داخل دمشق تقع على عاتق أمي البلد طغتكي‪ ،‬ومن ثَمّ شعر طغتكي أن‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/159،159‬وأسامة بن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪.20‬‬


‫‪Guillaumde de Tyr, p. 489.‬‬

‫‪213‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الرض تناقصت من حوله‪ ،‬وأن النصار له يقلّون‪ ،‬ومن ثَمّ ارتكب ذنبًا قبيحًا غي مقبول‪ ،‬وهو‬
‫التحالف مع الصليبيي لكي يأمن شر الميع‪!!1‬‬
‫لقد كان مفهومًا أن يعقد مع الصليبيي هدنة ليتجاوز فترة ضعفه‪ ،‬لكن أن يتحالف معهم‪،‬‬
‫ويقف معهم ف خندق واحد ضد إخوانه السلمي من السلجقة‪ ،‬فهذا ما ل يقبل ل شرعًا ول‬
‫عقلً‪.‬‬
‫ولكن من ناحية أخرى فإن هذا يثبت أن طغتكي ل يكن مدّبرًا لادث مقتل مودود؛ لنه‬
‫قرّر بعده مباشرة أن يتحالف مع الصليبيي ليحموه بعد َفقْد حاية مودود‪ ،‬فهذا يؤكد أنه ما كان‬
‫ليقدم على قَتْل حايته بنفسه‪ ،‬خاصةً أنه استفزّ الصليبيي قبل قدوم مودود‪ ،‬وذلك بالجوم على بعض‬
‫الناطق الت يكمونا‪ ،‬وبنصرة مدينة صور ضدهم‪.‬‬
‫وهكذا فبموقف طغتكي الاطئ خرجت مدينة دمشق العظيمة من معادلة الصراع‪ ،‬و ُحيّد‬
‫جانبها إل حدّ كبي‪ ،‬خاصةً أن أمورها الداخلية ل تكن مستقرة أبدًا لسيطرة الشيعة الباطنية‬
‫الساعيلية على كثي من المور فيها‪.‬‬
‫الوقفة الامسة‪ :‬مع إمارة حلب‬
‫مات رضوان البيث ف سنة (‪507‬هـ)\ ‪1113‬م‪ ،‬وتول من بعده ابنه الشاب ألب‬
‫أرسلن ‪ -‬السمّى على اسم جَدّه العظيم ألب أرسلن ‪ -‬لكنه ل يكن يُشبِه جَدّه ل من قريب ول‬
‫من بعيد‪ ،‬بل كان مته ّورًا كأبيه‪ ،‬قليل العقل والدين‪ ،‬فبدأ حكمه بقتل أخويه ملكشاه ومباركشاه‬
‫لكي يستقر له المر‪ !2‬ث إنه كان ضعيفًا جبانًا فبدأ عهده بالتأكيد على دفع الزية لروجر النطاكي‬
‫ليضمن حايته‪ ،‬ويأمن شرّه‪.3‬‬
‫لكن حدث ف بداية عهده أمر يثبت أن الي ما زال موجودًا ف أهل حلب‪ ،‬حيث قام‬
‫اللبيون بثورة على الباطنيّة الذين كانوا قد بلغوا شأوًا عظيمًا ف عهد رضوان‪ ،‬فقتل الشعبُ قائدَ‬
‫الباطنية أبا طاهر الصائغ‪ ،‬ث انطلقوا على عموم الباطنية بالقتل والبس‪ ،‬ومن ثَمّ أسرع بقية الباطنية‬
‫بالفرار من حلب‪ ،4‬وعلى الرغم من ترسهم على الرية إل أنم خشوا من هذا الشعب العجيب‬
‫الذي ل ُتتْ فيه النخوة‪ ،‬ول يهجر السّنّة‪ ،‬حت بعد حكمه عشرين سنة حكمًا يغلب عليه تامًا‬
‫التوجّه الشيعي الساعيلي‪ ،‬ولعل هذا الدث كان من المور الت مهّدت إل تسي طبيعة الشعب ف‬
‫حلب ف السنوات القادمة‪ ،‬ما سيكون له أثر ف حركة الهاد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, pp. 276-277.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/151‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/167‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/169‬‬
‫‪ 4‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/169،168‬‬

‫‪214‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ولكن من الدير بالذكر أيضًا أن ألب أرسلن هذا ل يستمتع كثيًا بكمه؛ فقد قتله أتابكه‬
‫بدر الدين لؤلؤ‪ ،‬ووضع على كرسيّ الكم أخاه الصغي سلطان شاه‪ ،‬وكان يبلغ من العمر ست‬
‫سنوات فقط‪ ،‬ومن َثمّ أصبح بدر الدين لؤلؤ الاكم الفعليّ لمارة حلب‪ ،1‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪-‬‬
‫أضعف موقفها أكثر وأكثر‪ ،‬وكل هذا سيكون له أثرٌ ف الحداث القادمة‪.‬‬
‫الوقفة السادسة‪ :‬مع إيلغازي‬
‫إيلغازي بن أرتق رجل عجيب!‬
‫وما أكثر الرجال العجيبي ف هذا الزمن!‬
‫إنه إيلغازي أمي ماردين‪ ،‬وأخو سقمان بن أرتق ‪ -‬رحه ال ‪ -‬الذي مرّ بنا موته وهو ف‬
‫سبيل ال‪.‬‬
‫ووجهُ العجب ف حياته أننا رأيناه ف حالت متناقضة كثية‪ ،‬جعلت تليل شخصيته أمرًا‬
‫صعبًا‪ ،‬ولقد وقفت كثيًا أمام شخصيته متحّيرًا‪ ،‬فل أدري أهو من أهل الصلح فيُمدح‪ ،‬أم من أهل‬
‫الفساد فيُذم!‬
‫إننا قد رأيناه يتعاون ف فترة من حياته مع مودود رحه ال ف قتال الصليبيي‪ ،‬ث رأيناه ُيغِي‬
‫على إخوانه بغية أخذ ما معهم من غنائم! ورأيناه ف فترة من فترات حياته يتحالف مع الصليبيي‬
‫ليقاتل برسق بن برسق أمي هذان كما مرّ بنا‪ ،2‬ث سنراه بعد ذلك ياهد الصليبيي جهادًا عظيمًا‪ ،‬بل‬
‫وينتصر حت يلفت النظار إليه‪.‬‬
‫إننا ذكرناه هنا لنه سيكون من القلئل الذين يملون راية الهاد ضد الصليبيي بعد مودود‬
‫رحه ال‪ ،‬إل أن يتسلمها لحقًا أحد عمالقة الهاد ف التاريخ السلمي‪ ،‬كما سنعرف لحقًا‪.‬‬
‫الوقفة السابعة‪ :‬مع ملكة بيت القدس‬
‫لقد كان مقتل مودود بالنسبة لذه المارة إشارة بدءٍ لتوسع كبي ف الراضي السلمية‪،‬‬
‫فكما رأينا أن موت مودود ل ُيزِحْ عملقًا من عمالقة الهاد من أمام بلدوين الول فقط‪ ،‬إنا أخضع‬
‫كذلك طغتكي أمي دمشق‪ ،‬ومن ثَمّ زال خطره إل حدّ كبي؛ ما دفع بلدوين إل التفكي ف تثبيت‬
‫ملكه بصورة أكب‪ ،‬بل وتوسيعه كما سنرى‪.‬‬
‫ولننظر نظرة أكثر قربًا من بلدوين الول لنعرف طبيعة شخصيته‪ ،‬وصفة أخلقه؛ فبلدوين‬
‫الول كان متزوجًا من الرمينية أردا‪ ،‬وكان زواجه منها كما مر بنا أيام حكمه لمارة الرها لغرض‬
‫السيطرة على الدينة الت يسكنها كثي من الرمن‪ ،‬أما الن فليس ف بيت القدس أرمن؛ ولذا ل َيعُدْ‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪ ،2/173،172‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.190‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/159‬‬

‫‪215‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫هناك فائدة لردا الرمينية! ومن َثمّ سعى بلدوين لطلقها ليتزوج من زوجة أخرى تقق له مصال‬
‫أخرى!‬
‫ولا كان الطلق ف الذهب الكاثوليكي مرمًا تامًا اتّهم اللك بلدوين الول زوجته باليانة‪،‬‬
‫وتواطأ مع أسقف كنيسة بيت القدس ف ذلك الوقت‪ ،‬وهو صديقه أرنولف مالكورن ليتم الطلق‪،‬‬
‫وبالفعل تّ الطلق‪ ،‬وت أيضًا ترحيل الزوجة الطلقة أردا إل القسطنطينية‪ ،‬وخل الو لبلدوين الول‬
‫ليعقد زية سياسية أخرى‪ ،‬حيث تزوج ف السنة الت مات فيها مودود من أرملة روجر الول أمي‬
‫صقلية‪ ،1‬وهذا سيحقق له فائدتي كبيتي؛ أما الول فهي تقوية علقته بالنورمان اليطاليي الشدّاء‪،‬‬
‫وثانيًا سيستفيد من الثروة الطائلة الت تلكها الرملة الثرية أدلياد‪ ،‬والت ستنعش الزانة الاوية لبيت‬
‫القدس بعد العارك التتالية هنا وهناك‪.2‬‬
‫وهكذا تزامن غياب مودود ث طغتكي مع ازدياد قوة بلدوين العسكرية والالية ما دفعه إل‬
‫توسيع الطموحات؛ وقد ظهر ذلك ف احتلل منطقة وادي عربة جنوب البحر اليت‪ ،‬وشيّد هناك‬
‫حصن الشوبك (صورة ‪ )4‬ليسيطر بذلك على القوافل التجهة من الشام إل مصر أو الجاز‪ ،‬وكان‬
‫ذلك ف سنة (‪509‬هـ) ‪1115‬م‪ ،3‬ث ف العام التال (‪510‬هـ) ‪1116‬م اخترق بلدوين الول‬
‫صحراء النقب بكاملها‪ ،‬واحتل (أيلة) على مضيق العقبة‪ ،‬حيث بَنَى هناك قلعة مهمة جدّا للسيطرة‬
‫على القوافل ف هذه النطقة‪ ،‬وخاصةً التجهة من الشام إل الجاز‪ ،‬أو من مصر إل الجاز‪ ،4‬كما‬
‫بن قلعة أخرى ف جزيرة فرعون ف داخل خليج العقبة نفسه‪ ،‬ول شك أن هذه السيطرة أعطت له‬
‫إشرافًا مباشرًا على الدود بي فلسطي ومصر‪ ،‬كما أعطت له منفذًا ف غاية الهية على البحر‬
‫الحر‪.5‬‬
‫وهكذا استطاع بلدوين الول ف غياب الهاد السلمي أن يسيطر على كل فلسطي‬
‫باستثناء مدينة عسقلن‪ ،‬كما سيطر على النصف النوب من لبنان باستثناء مدينة صور‪ ،‬وهذه هي‬
‫حدود ملكة بيت القدس بعد ذلك‪.6‬‬
‫بل إن بلدوين الول ف وجود حالة الصمت السلمي ترّأ على ما هو أكثر من ذلك؛‬
‫حيث قرر غزو مصر بفرقة صغية جدّا من جيشه! فاقتحم سيناء‪ ،‬وأسقط العريش بسهولة بالغة‪ ،‬بل‬
‫واصل السي حت احتل الفرما (بالقرب من بورسعيد الن)‪ ،7‬وأحرق ديارها ومساجدها‪ ،8‬ولول أنه‬
‫‪1‬‬
‫‪Setton: op. cit. 1, p. 102 & Guillaum de Tyr, pp. 473-474.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 184.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset: L`Empire du Levant, p. 213 & Runciman: op. cit., ll, pp. 97-98.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 406.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Albert d`aix, p. 703.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, pp. 283.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Albert d`aix, p. 705.‬‬
‫‪ 8‬أبو الحاسن‪ :‬النجوم الزاهرة ‪.5/171‬‬

‫‪216‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أصيب برض خطي ف هذا التوقيت لكان قد أكمل طريقه‪ ،‬غي أنه عاد بسبب مرضه‪ ،‬وكانت هذه‬
‫الحداث ف سنة (‪512‬هـ) ‪1118‬م‪.1‬‬
‫الوقفة الثامنة‪ :‬مع إمارة الرها‬
‫تنفّست هذه المارة الصّعداء بعد وفاة مودود‪ ،‬خاصةً بعد تولّي أمراء ليسوا على نفس‬
‫الدرجة من الكفاءة العسكرية والسياسية‪ ،‬وأدى هذا إل توسع إمارة الرها ف الدن الحيطة‪ ،‬فأسقط‬
‫بلدوين دي بورج ف سنة (‪510‬هـ) ‪1116‬م مدينت كيسوم ورعبان‪ ،2‬ث مدينة البية ف سنة (‪5‬‬
‫‪11‬هـ) ‪1117‬م‪ ،3‬ث أخيًا وف نفس العام‪ ،‬أسقط قلعة قورس الطية ف شال حلب؛ ليكون‬
‫بذلك مه ّددًا لمارة حلب‪ ،‬ومترقّبًا ليّ فرصة تسمح بإسقاطها‪ ،‬وهكذا صارت حلب واقعة تت‬
‫تديد إمارت الرها وأنطاكية معًا‪.4‬‬
‫الوقفة التاسعة‪ :‬مع إمارت أنطاكية وطرابلس‬
‫ل يطرأ عليهما تغيي يذكر ف هذه الفترة إل أنما أخذا وقتًا كافيًا لتدعيم قوتما‪ ،‬وتديد‬
‫قلعهما وأسوارها‪ ،‬وكذلك تكثي جيوشهما استعدادًا لتوسّع مرتقب‪ ،‬واستمر روجر النطاكي على‬
‫زعامة أنطاكية‪ ،‬بينما استمر بونز بن برترام على حكم طرابلس‪.‬‬
‫الوقفة العاشرة‪ :‬مع الرمن ف النطقة الشمالية‬
‫بعد وفاة مودود شعر بلدوين دي بورج أمي الرها بكثي من المان‪ ،‬ورأى أن أحوال الرها‬
‫قد ساءت جدّا نتيجة قتل وطرد الرمن الذين كانوا يثّلون صُلْب الدينة وعمودها الفقري‪ ،‬ومن ثَمّ‬
‫ل يش بلدوين دي بورج من إعادة استقدام الرمن ليعيشوا مرة أخرى ف بلد الرها بعد زوال خطر‬
‫مودود‪ ،‬ول يتردد الرمن ف قبول الدعوة من بلدوين دي بورج حيث حانت لم الفرصة للعودة إل‬
‫ديارهم ومزارعهم‪ ،‬ولكن ليس هناك من شك أنم عادوا وهم يضمرون كل الكراهية للصليبيي‪،‬‬
‫كما كانوا يتوجسون منهم خيفة أن يعيدوا ال َكرّة مرة أخرى‪ ،‬فتتكرّر الأساة الليمة‪.5‬‬
‫وإذا كان هذا هو وضع الرمن الذين كانوا يعيشون ف الرها‪ ،‬فإن الرمن خارج حدود‬
‫الرها كانوا على خلف ذلك يرفضون التعاون مع الصليبيي‪ ،‬بل إن أرملة كوغ باسيل (الذي مات‬
‫ف سنة (‪506‬هـ) ‪1112‬م ل تتردد أن تطلب صراحة من آق سنقر حاكم الوصل ف سنة (‬
‫‪508‬هـ) ‪1114‬م أن تنضم إليه بشعبها ف مقابل جزية تدفعها له كدلل ٍة على التبعية‪!!6‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/178‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, pp. 116-117.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, p. 405.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cam. Med Hist vol 5, p. 301.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, pp. 491.‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي الكامل ف التاريخ ‪.3/154،153‬‬

‫‪217‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وهذه أدلة متكررة تثبت أن الرمن النصارى كانوا يطمئنون إل السلمي وإل رحتهم‬
‫وعدلم أكثر ألف مرة من اطمئنانم لخوانم النصارى من الصليبيي!‬
‫إذن ف المس أو ست سنوات الت أعقبت وفاة الجاهد العظيم مودود حدثت عدة تغيات‬
‫جذرية ف النطقة‪ ،‬كانت ف معظمها تصبّ ف خدمة وتدعيم موقف الصليبيي‪ ،‬وحدثت عدة‬
‫تغييات سياسية ف المارات السلمية ل تكن ف معظمها إيابية‪ ،‬اللهم إل موت رضوان بن تتش‬
‫زعيم حلب‪ ،‬والذي خلّص السلمي من طاغي ٍة متكب‪.‬‬
‫ث حدثت ف الساحتي السلمية والصليبية ف أواخر سنة (‪511‬هـ) وخلل سنة‬
‫‪512‬هـ‪ ،‬وكذلك ف أوائل سنة (‪513‬هـ) عدة وَفيَات أدت إل تغييات مورية ف الصراع‬
‫السلمي‪ -‬الصليب (خلل سنت ‪1118 -1117‬م)‪:‬‬
‫أولً‪ :‬وفاة السلطان ممد السلجوقي عن عمر يناهز سبعة وثلثي عامًا فقط‪ ،‬وكان قد وحّد‬
‫السلجقة ف ملكة واحدة كبية صار لا هيبة عند الناس وعند اللفة العباسية‪ ،‬وسيّر عدة حلت‬
‫إل الصليبيي منها ما نح على أيام مودود رحه ال‪ ،‬ومنها ما ل يقّق النجاح كما ف عهد آق سنقر‬
‫البسقي أو برسق بن برسق‪ ،‬وكان كما يقول ابن الثي‪" :‬عادلً‪ ،‬حس َن السية‪ ،‬شجاعًا"‪ ،‬ولكن من‬
‫أعظم أخطائه هو توليته ابنه السلطان ممود الكم من بعده‪ ،‬مع أنه كان يبلغ من العمر أربعة عشر‬
‫عامًا فقط‪!!1‬‬
‫وكانت هذه ‪ -‬للسف ‪ -‬عادة ف ذلك الزمن‪ ،‬وهو ولية الوريث ولو كان طفلً صغيًا‬
‫جدّا‪ ،‬ث يتول الكم الوص ّي عليه‪ ،‬فيأخذ الدولة يينًا أو شا ًل حسب ما يتراءى له‪ ،‬وكان من نتائج‬
‫وفاة السلطان ممد وولية السلطان ممود أن حدثت فت وصراعات ف داخل الدولة الت فقدت‬
‫هيبتها‪ ،‬بل وصل الصراع إل التقاتل بالسيوف بي السلطان ممود وأخيه اللك مسعود‪ ،‬وكذلك بي‬
‫السلطان ممود وأخيه اللك طغرل‪ ،‬وأخيًا بي السلطان ممود وعمّه السلطان سنجر‪ ،2‬وكل هذه‬
‫الصراعات كان لا أسوأ الثر على الصراع السلمي‪ -‬الصليب؛ إذ شغلت السلمي بأنفسهم‪،‬‬
‫وأنستهم قصة الصليبيي!‬
‫ثانيًا‪ :‬وفاة بدر الدين لؤلؤ التصرف الفعليّ ف أحوال حلب مقتولً‪ ،‬إذ قتله بعض أعوانه‪،‬‬
‫ولا كان أمر حلب قد اضطرب كثيًا ف السنوات الخية بعد موت رضوان وقتل ابنه ألب أرسلن‪،‬‬
‫ث قتل بدر الدين لؤلؤ سعى أعيان الدينة إل تسي الوضاع‪ ،‬فذهبوا إل أفضل العناصر الوجودة‬
‫حولم‪ ،‬وهو إيلغازي بن أرتق فسلموه البلد‪ ،‬وهكذا وجد إيلغازي نفسه فجأةً حاكمًا على ماردين‬
‫وحلب معًا‪ ،‬ول يكن ذلك هدية خالصة؛ لنه وجد ف حلب هومًا كثية؛ إذ وجد خزانتها خاوية‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/168،167‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.192،191 ،185-9/181‬‬

‫‪218‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بعد أن أنفق بدر الدين لؤلؤ الثروة الرام الت جعها رضوان‪ ،‬وهكذا وصلت حلب إل وضعٍ يُرثى له‬
‫مع كونا واحدة من أهم المارات السلمية ف النطقة‪.1‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وفاة الستظهر بال الليفة العباسي‪ ،‬وكان قد تول الكم من (‪ 487‬إل ‪512‬هـ\‬
‫‪ 1094‬إل ‪1118‬م)‪ ،2‬وتول من بعده ابنه السترشد بال‪ ،‬ول يكن الليفة الديد كغيه من‬
‫اللفاء السابقي‪ ،‬إنا كان رجلً طموحًا ذا هة عالية‪ ،‬وكان شجاعًا مقدامًا ذا هيبة شديدة‪ ،‬وكان‬
‫عالًا فقيهًا حت ذكره ابن الصلح ف طبقات الشافعية‪ ،‬وهذا ف حدّ ذاته من أهم فضائله‪ ،‬فهي‬
‫شهادة من عال متمكن خبي؛ وهذه الولية للخليفة السترشد ستترك آثارًا مهمة على الساحة‬
‫السلمية؛ إذ إنه ل يقبل بالوضع الذي اعتاد اللفاء العباسيون عليه ف القرني السابقي من كونم‬
‫مرد صورة للحكم‪ ،‬بل سيسعى ليكون له كيان ورأي‪ ،‬ول شك أن هذا سيولد صراعات كثية ف‬
‫النطقة‪ ،‬وسيكون لذه الصراعات آثار كثية على مريات الحداث‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬وفاة بلدوين الول ملك ملكة بيت القدس‪ ،‬والؤسّس القيقي لا‪ ،‬وكان قد وصل‬
‫بملكة بيت القدس إل حدودها الت استقرت بعد ذلك عشرات السني‪ ،‬وأسقط كل الدن‬
‫الفلسطينية باستثناء عسقلن‪ ،‬وكذلك النصف النوب من لبنان باستثناء صور‪ ،‬وكانت وفاته بدينة‬
‫العريش سنة (‪511‬هـ) ‪1118‬م أثناء عودته من الفرما الصرية بعد احتللا‪ ،3‬وقد اجتمع‬
‫الصليبيون على تولية ابن عمه بلدوين دي بورج أمي الرها مكانه ف بيت القدس‪ ،4‬وهذا ‪ -‬ل شك‬
‫ك بيت القدس له القيادة على كل المالك الصليبية؛‬‫‪ -‬ترقية لوضع بلدوين دي بورج حيث إن مَِل َ‬
‫لوضع القدس‪ ،‬ولجم الملكة‪ ،‬ولكونا ملكة وليست إمارة‪ ،‬وقد اختار بلدوين دي بورج ‪ -‬الذي‬
‫ُلقّب بعد ذلك ببلدوين الثان ‪ -‬ابنَ عمّه جوسلي دي كورتناي ‪ -‬الذي كان قد عزله قبل ذلك عن‬
‫تل باشر ‪ -‬أميًا لمارة الرها من بعده‪ ،5‬وذلك بعد أن زالت اللفات الت كانت بينه وبي‬
‫جوسلي‪ ،‬خاصةً أن جوسلي خبي بذه الناطق الشمالية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬وفاة أدلياد زوجة بلدوين الول الثانية‪.‬‬
‫وما هو جدير بالذكر أن خصوم بلدوين الول من الصليبيي طعنوا ف زواجه من أدلياد‬
‫الصقلية‪ ،‬وذكروا أن أسباب طلق الزوجة الول أردا ليست صحيحة‪ ،‬ومن ثَ ّم فأدلياد هي الزوجة‬
‫الثانية ف نفس الوقت‪ ،‬وهذا حرامٌ ف النصرانية‪ ،‬وقام البابا باسكال الثان بإرسال من يقّق ف المر‪،‬‬
‫وثبت تلعب اللك بلدوين الول ف المر‪ ،‬ومن ثَمّ اعتُبِر الزواج الثان باطلً‪ ،‬واضطرت هنا أدلياد‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/171،170‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/173‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/178‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Rinciman: op. cit., ll, pp. 143-144 & Guillaumde de Tyr, 1, p. 519.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 106.‬‬

‫‪219‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أن تعود إل صقلية بعد أن عاشت مع بلدوين الول أكثر من أربع سنوات! وهكذا خسرت إمارة‬
‫بيت القدس قوة النورمان وثروة أدلياد‪ ،‬ث ما لبثت أدلياد أن توفّيت ف صقلية‪ ،1‬وكذلك بلدوين‬
‫الول ف العريش على نو ما ذكرنا‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬وفاة أرنولف مالكورن بطرك بيت القدس‪ ،2‬الذي اشتهر بسوء خلقه‪ ،‬وتواطئه مع‬
‫بلدوين الول على أمورٍ كثية مالفة لدينهم‪ ،‬ومن ذلك ما ذكرناه من أمور تسهيل طلق بلدوين‬
‫الول من أردا الرمينية‪ ،‬وزواجه من أدلياد الصقلية‪ ،‬وقد تول من بعده البطرك جرموند‬
‫‪.3Germond‬‬
‫سابعًا‪ :‬وفاة البابا باسكال الثان ف روما‪ ،‬وتول من بعده جيلسيوس الثان‪ ،‬ول يكن هذا‬
‫تغيًا موريّا؛ لن المارات الصليبية كانت شبه مستقلة‪ ،‬ول تكن هناك حاجة إل استنفار جنود جدد‬
‫ف أوربا ف ذلك الوقت‪ ،‬ومن ثَمّ ل يظهر كثيًا اسم البابا ف مريات الحداث‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬وفاة المباطور البيزنطي الداهية ألكسيوس كومني‪ ،‬الذي سهّل دخول الصليبيي إل‬
‫أرض السلمي بداي ًة من دعوتم‪ ،‬ث إمدادهم بالؤن والسلح والخبار والدِلّة وبعض الفرق‪ ،‬وإن‬
‫كان الصليبيون بعد ذلك غدروا به‪ ،‬ول يعطوه ما اتفق معهم عليه من بلد‪ ،‬غي أنه استطاع أن‬
‫يسيطر على النواحي الغربية من آسيا الصغرى‪ ،‬ويضمها إل المباطورية البيزنطية‪ ،‬وقد تول‬
‫المباطورية من بعده ابنه يوحنا كومني‪.4‬‬
‫تاسعًا‪ :‬وفاة روجر النطاكي أمي أنطاكية‪ ،‬أو الوصيّ على إمارة أنطاكية بعد وفاة تانكرد‬
‫النورمان‪ ،‬وانتظارًا لقدوم بوهيموند الثان ابن بوهيموند الول مؤسّس إمارة أنطاكية‪.‬‬
‫وقد آثرتُ أن أختم بذا الرجل لن وفاته جاءت ف معركة مهمّة مع السلمي‪ ،‬لعلها أول‬
‫معركة ذات قيمة بعد وفاة مودود رحه ال‪.‬‬
‫لقد ذكرنا أنه بقتل بدر الدين لؤلؤ التصرّف ف أمور حلب خلت الساحة السياسية ف هذه‬
‫المارة الهمة‪ ،‬ومن ثَمّ توجّه أعيان البلد وفقهاؤها إل إيلغازي بن أرتق أمي ماردين وسلموه الدينة‪،‬‬
‫ولحظ أمي أنطاكية روجر أن الدينة تر بفترة ضعف شديدة‪ ،‬ومن ثَمّ قرر أن يغزو الدينة ويضمها‬
‫لسابه‪ ،‬ووصلت الخبار بذا التحرك الصليب إل إيلغازي‪ ،‬فقرّر أن يمع الجاهدين من هنا وهناك‬
‫ليدافع عن مدينة حلب‪ ،‬ولقد استطاع إيلغازي أن يكوّن حلفًا قويّا مع أمي دمشق طغتكي الذي‬
‫وافق على جهاد الصليبيي‪ ،‬وهذا يثبت أنه ل يكن مواليًا لم حبّا فيهم‪ ،‬ولكن ضعفًا وقلة حيلة بعد‬

‫‪1‬‬
‫‪Rinciman: op. cit., ll, pp. 105-106.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Rinciman: op. cit., ll, pp. 105-106.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Rinciman: op. cit., ll, pp 143-144.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Rinciman: op. cit., ll, pp 143-144.‬‬

‫‪220‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مقتل مودود رحه ال‪ ،‬وانضم كذلك إل اللف أمي شيزر سلطان بن منقذ الذي طالا شارك ف‬
‫الملت الهادية منذ أيام مودود رحه ال‪.‬‬
‫كوّن إيلغازي بن أرتق جيشًا قويّا وسار به ف اتاه أنطاكية‪ ،‬وعند سهلٍ قريب من أرتاح‬
‫باغت اليش السلمي جيش أنطاكية وطوّقه من كل جانب!‬
‫كان اليش السلمي مكوّنًا من عشرين ألف مقاتل‪ ،‬بينما كان جيش أنطاكية يقترب من‬
‫خسة آلف جندي بي فرسان ومشاة‪ ،1‬وكان روجر قد أرسل رسالة استنجاد إل بلدوين الثان‬
‫ملك بيت القدس الديد الذي وعد بالقدوم ومعه بونز أمي طرابلس‪ ،2‬إل أ ّن الباغتة السلمية‬
‫كانت بفضل ال قبل وصول المدادات الصليبية‪.‬‬
‫تت ف هذا الكان الوقعة الشهية ف تاريخ الروب الصليبية‪ ،‬وهي موقعة البلط (خريطة‬
‫‪ ،)25‬وذلك ف شهر ربيع الول سنة ‪513‬هـ الوافق ‪ 28‬من يونيو ‪1119‬م‪ ،‬وف هذه الوقعة‬
‫أُبيد اليش الصليب بكامله‪ ،‬وقُتل المي روجر النطاكي‪ ،3‬وأطلق الصليبيون على مكان العركة اسم‬
‫"ساحة الدم" لكثرة قتلهم فيها‪!4‬‬
‫لقد كان انتصارًا ميدًا بكل القاييس‪ ،‬أدى إل كثي من النتائج الهمة ف هذه الفترة؛ وكان‬
‫من هذه النتائج الت‪:‬‬
‫‪ -1‬أعادت هذه الوقعة اليبة للمسلمي‪ ،‬والثقة لنفوس الحبطي‪ ،‬وشعر السلمون أن المل‬
‫ما زال باقيًا ف إعادة التوازن للمة السلمية‪.‬‬
‫‪ -2‬هُزم الصليبيون هزية نفسية كبية أثّرت ف حركتهم لعدة سنوات‪.‬‬
‫‪ -3‬دخلت حلب دخولً رسيّا بعد هذه الوقعة ف حكم الراتقة‪ ،‬ولدة ست سنوات‬
‫كاملة‪.‬‬
‫‪َ -4‬فقَدت أنطاكية أميها روجر ف وقتٍ ليس فيه بديل أو وريث؛ لن بوهيموند الصغي‬
‫ما زال ف إيطاليا‪ ،‬ومن ثَ ّم وضع بلدوين الثان يده على الوصاية على إمارة أنطاكية‪ ،‬وبدأ ف تنظيم‬
‫أمورها بساعدة بطرك أنطاكية برنارد دي فالنس‪.5‬‬
‫‪ -5‬عل نم إيلغازي بن أرتق ف ساحة الهاد ضد الصليبيي‪ ،‬وجاءته التشريفات من‬
‫الليفة العباسيّ الديد السترشد بال‪ ،‬وَنظَم الشعراء قصائدهم ف مدحه‪ ،‬وعلّق كثيٌ من السلمي‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/185‬‬


‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.201،200‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/188‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, pp. 525-526.‬‬
‫‪ 4‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/405‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 104.‬‬

‫‪221‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫المال عليه؛ وهذا دفعه إل تديد الصدام مع الصليبيي ف عدة مواقع بعد ذلك‪ ،‬كان له النصر ف‬
‫بعضها والزية ف أخرى‪ ،‬وإن ل تكن هذه الواقع على مستوى موقعة البلط الشهورة‪.1‬‬
‫إذن نستطيع أن نلخص الوقف ف سنة ‪513‬هـ\ ‪1119‬م ف النقاط السريعة التية‪:‬‬
‫‪-1‬ملكة بيت القدس تت زعامة بلدوين دي بورج اللقّب ببلدوين‬
‫الثان‪.‬‬
‫‪-2‬إمارة الرها تت زعامة جوسلي دي كورتناي‪.‬‬
‫‪-3‬إمارة أنطاكية تت وصاية بلدوين الثان انتظارًا لوصول بوهيموند‬
‫الثان إل سنّ الرشد‪ ،‬وقدومه من إيطاليا‪.‬‬
‫‪-4‬إمارة طرابلس تت زعامة بونز بن برترام‪.‬‬
‫‪-5‬إمارة حلب تت زعامة إيلغازي بن أرتق الذي تزعّم حركة‬
‫الهاد ضد الصليبيي ف هذه الفترة‪.‬‬
‫‪-6‬إمارة دمشق تت زعامة طغتكي الذي عاد من جديد يارب‬
‫الصليبيي‪ ،‬ول يكتفِ بالصدام مع إمارة أنطاكية‪ ،‬بل بدأ يصطدم‬
‫جنوبًا مع ملكة بيت القدس‪.‬‬
‫‪-7‬إمارة الوصل تت زعامة جيوش بك التابع للسلطان ممود‪ ،‬وإن‬
‫كان اللك مسعود أخو السلطان ممود يعيش ف الوصل‪ ،‬وقام‬
‫بصدامٍ ضد أخيه بساندة جيوش بك بغية النفصال بالوصل‪.‬‬
‫‪-8‬السلطان ممود هو الزعيم الرسي للسلجقة الن‪ ،‬ولكنه مشتّت‬
‫ف الصراعات الداخلية‪.‬‬
‫‪-9‬اللفة العباسية أصبحت بيد السترشد بال‪ ،‬وهو خليفة له طموح‬
‫ملموس ف الروج من سيطرة السلجقة‪.‬‬
‫‪ -10‬المباطورية البيزنطية الن تت حكم يوحنا بن ألكسيوس كومني‪،‬‬
‫وقد التزم بنفس سياسة أبيه؛ ولذا ل يكن للمباطورية تدخّل يُذكر ف أمور‬
‫الصراع السلمي الصليب ف هذه الفترة‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ 9/186،194‬وما قيل ف إيلغازي من شعر‪:‬‬


‫قل ما تشاء فقولك القبول ‪ ...‬وعليك بعد الالق التعويل‬
‫واستبشر القرآن حي نصرته ‪ ...‬وبكى لفقد رجاله النيل‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وهكذا فالصورة العامة ف هذه الفترة كانت إيابية نسبيّا‪ ،‬وإن ل يكن العزم على قتال‬
‫الصليبيي وترير البلد أمرًا عامّا ف كل التوجهات‪ ،‬ولن يكون كذلك إل بعد ‪ 8‬سنوات عندما‬
‫تظهر شخصية تتبنّى القضية‪ ،‬وتعلها مورَ حياتا!‬
‫ماذا حدث ف خلل هذه السنوات الثمانية‪ ،‬من سنة ‪513‬هـ إل سنة ‪521‬هـ؟‬
‫لقد حاول إيلغازي بن أرتق تكوين إمارة كبية للراتقة‪ ،‬وأفلح فعلً ف السيطرة على‬
‫مساحة ضخمة تشمل ديار بكر بكاملها تقريبًا‪ ،‬وهي توي ف داخلها عدة مدن مهمّة مثل ميافارقي‬
‫ف الشمال‪ ،‬وماردين وحصن كيفا ف النوب‪ ،‬كما ضمّ إل ديار بكر منطقة حران ف النوب‪ ،‬هذا‬
‫إضافةً إل ملكة حلب بكاملها‪.‬‬
‫ول شك أن هذه المارة الكبية كانت ذات خطر كبي على الصليبيي؛ ما دفعهم إل منازلة‬
‫أخرى ليلغازي وطغتكي‪ ،‬وحقق الصليبيون نصرًا غي حاسم‪ ،‬وذلك ف ‪ 14‬من أغسطس‬
‫‪1119‬م‪ ،‬أي بعد أقل من شهرين من هزيتهم ف موقعة البلط‪ ،1‬إل أ ّن إيلغازي جدّد هجومه على‬
‫الصليبيي‪ ،‬وخاص ًة ف منطقة الرها القريبة من إمارة الراتقة‪ ،‬واستطاع إيلغازي أن يسيطر على مدينة‬
‫عزاز‪ ،‬وذلك ف مايو سنة ‪1120‬م‪ ،2‬غي أن إيلغازي اضطر إل عقد هدنة مع بلدوين الثان ف نفس‬
‫السنة؛ ليُعطِي نفسه فرصة لتنظيم المور ف إمارته الواسعة‪.3‬‬
‫وبينما كان إيلغازي يكوّن إمارته هذه كانت الحوال مضطربة جدّا ف العراق والوصل؛ ما‬
‫أعطى له الفرصة لتكوين هذه المارة دون تدخّل السلجقة أو اللفة العباسية‪ ،‬وواقع المر أنه ف‬
‫هذه السنة‪ ،‬أي سنة (‪514‬هـ) ‪1120‬م‪َ ،‬وقَع صدام مؤسف بي السلطان ممود سلطان‬
‫السلجقة‪ ،‬وأخيه اللك مسعود الذي كان يساعده أمي الوصل جيوش بك‪ ،‬وانتهى المر بانتصار‬
‫ممود‪ ،‬واستقرار الوضاع له‪.4‬‬
‫ول يقف المر عند هذا الد بل قام رجل اسه دبيس بن صدقة‪ ،‬وهو شيعيّ عرب من قبيلة‬
‫بن مزيد‪ ،‬قام بثورة ف العراق‪ ،‬بل واته إل بغداد وحاصر الليفة‪ ،‬فاضطر الليفة إل الستنجاد‬
‫بالسلطان ممود الذي ترك بيشه ففرّ دبيس بن صدقة بعد أن أحدث فسادًا كبيًا ف بغداد‪ ،‬وقد‬
‫لأ دبيس إل شال الزيرة بالقرب من إمارة الرها حيث بدأ يعرض خدماته العسكرية على الصليبيي‬
‫ف مقابل تكوين إمارة خاصة له‪!!5‬‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/192،191‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Foucher de Chartres, pp. 445-446.‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/196،195‬‬
‫‪Foucher de Chartres, p. 446‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/192،191‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.221-9/219‬‬

‫‪223‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫هذا الوضع الضطرب عزل الوصل كثيًا عن ساحة الصراع السلمي‪ -‬الصليب‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل‬
‫شك ‪ -‬أراح الصليبيي كثيًا؛ لنه لو كانت الوصل بقوتا العهودة مشتركة مع إيلغازي ف معاركه‬
‫لكانت أزمة الصليبيي كبية‪.‬‬
‫وف نفس الوقت فإن الصليبيي ف بيت القدس وجدوا أنفسهم ف مشكلة حقيقية؛ إذ أصبح‬
‫لزامًا عليهم أن يوزّعوا طاقاتم للدفاع عن إمارة أنطاكية‪ ،‬إضاف ًة إل ملكة بيت القدس‪ ،‬وصار أعداء‬
‫الصليبيي ُكثُرًا؛ فهناك الراتقة‪ ،‬وهناك طغتكي‪ ،‬وهناك إمارة صور الواقعة تت سيطرة طغتكي‪،‬‬
‫وهناك أيضًا عسقلن باميتها العبيدية‪ ،‬إضاف ًة إل الدولة الصرية العبيدية الت ‪ -‬وإن كانت قد هدأت‬
‫كثيًا ‪ -‬ما زالت تترقب فرصة لستعادة أملكها ف فلسطي‪.‬‬
‫هذا كله دفع ملكة بيت القدس إل ماولة تكوين فرقة عسكرية شرسة ثابتة تضمن الفاظ‬
‫على المن وسط كل هذه الزمات‪ ،‬ومن ثَ ّم كان تكوين فرق السبتارية والداوية! وها من أخطر‬
‫الفرق العسكرية الصليبية مطلقًا!‬
‫أما السبتارية فهي هيئة تأسست قبل الروب الصليبية بعدة سنوات‪ ،‬حيث أسّسها بعض‬
‫التجار النصارى الوربيي كجمعية خيية تدف إل علج الُجّاج الفقراء مانًا‪ ،‬وكانت مقامة إل‬
‫جوار كنيسة القيامة ببيت القدس‪ ،‬وذلك ابتداء من سنة ‪1070‬م (أي قبل قدوم الصليبيي إل‬
‫القدس بتسعة وعشرين عامًا)‪ ،‬وأطلق على العاملي بذه اليئة فرسان الستشفى ‪،Hospitallers‬‬
‫الذي ُحرّف بعد ذلك ف العربية إل "السبتارية"‪.1‬‬
‫وكان هؤلء السبتارية يتبعون بابا روما مباشرة‪ ،‬وكانت بذلك لم استقللية خاصة‪ ،‬وقد‬
‫قدموا الكثي من العونات للصليبيي عند احتللم للقدس بكم خبة الستبارية بالبلد‪ ،‬وقد بدأ‬
‫الصليبيون يشعرون بقيمتها فأغدقوا عليها العطايا‪ ،‬وكان لم جامعون للتبعات سواء من القدس‬
‫وفلسطي أو من أوربا بكاملها‪ ،‬وهكذا صار لم أملك وضيعات وثروات هائلة‪.‬‬
‫وف عهد بلدوين الثان‪ ،‬ونتيجة للظروف الصعبة الت بدأ با بلدوين الثان حكمه‪ ،‬عمل‬
‫بلدوين الثان على تشجيع السبتارية وتقويتهم‪ ،‬ومن ثَ ّم عَظُم شأنم جدّا‪ ،‬وصار لم أدوار عسكرية‬
‫متلفة تام الختلف عن الدف الذي من أجله أسّست اليئة‪ ،‬وإن ظلوا يتفظون باسهم "فرسان‬
‫الستشفى"‪.2‬‬
‫وإضاف ًة إل السبتارية‪ ،‬فقد أسّست هيئة أخرى خطية هي هيئة "الداوية"‪ ،‬وقد تأسست‬
‫هذه اليئة على أساس عسكريّ من البداية‪ ،‬ومؤسّسها هو أحد الفرسان الفرنسيي‪ ،‬واسه هوجو دي‬
‫باين ‪ ،Hugue de payens‬وقد اختار هذا الفارس جزءًا من السجد القصى‪ ،‬والذي يُطلِق‬

‫‪1‬‬
‫‪Delaville Le Roulx: Les Hospitallers.en Terre Saint et en Chypre, p. 29.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪King: The Kinghts Hospitallers in the Holy Land, p. 1 & Rinciman: op. cit., II, p. 157.‬‬

‫‪224‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫عليه اليهود هيكل سليمان؛ ليؤسّس فيه جعيته العسكرية‪ ،‬ومن هنا ففرسان هذه المعية يعرفون‬
‫بفرسان العبد ‪ ،Templars‬نسبة إل معبد داود‪ ،‬ولذا عُرفوا بالداوية نسبة إل داود‪ ،‬وقد ذهب‬
‫مؤسس هذه المعية إل فرنسا وإنلترا‪ ،‬وبدأ بمع النصار من الفرسان والنبلء الراغبي ف قضاء‬
‫حياة عسكرية دينية ف الرض القدسة‪ ،‬وكان عملها ف البداية يقتصر على حاية الجاج النصارى‪،‬‬
‫ث ما لبثت المعية أن أصبحت شريكًا ف العمليات العسكرية الطية ف الشام‪.‬‬
‫وهكذا صار إنشاء هيئة الداوية‪ ،‬وتول هيئة الستبارية إل النشاط العسكري سببًا ف توفي‬
‫قوة حربية دائمة لملكة بيت القدس‪ ،‬وصار لم من السلطات ما يعلهم ف كثي من الحيان‬
‫مستقلي تامًا عن سلطة ملك بيت القدس شخصيّا أو أسقفية بيت القدس‪ ،‬ومن الدير بالذكر أن‬
‫هاتي الفرقتي كانتا من أشرس الفرق الصليبية ف الروب‪ ،‬ول يكن هناك أيّ نوعٍ من الخلق أو‬
‫اللتزام بالعهود ف قتالم‪ ،‬على خلف ما يوحي به اسهما من ارتباط بالدين أو بالرحة‪!1‬‬
‫ونعود ف قصتنا إل إيلغازي الذي ل تستقر له الوضاع بصورة ترضيه‪ ،‬فكان جنوده كثيًا‬
‫ما يثورون عليه ويالفونه‪ ،‬بل إن ابنه شخصيّا أعلن النفصال عنه والستقلل بلب سنة ‪515‬هـ\‬
‫‪1121‬م‪ ،‬بل وعقد معاهدة مع الصليبيي أعطاهم فيها بقتضاها حصن زردنا والثارب‪ ،2‬وهذا ‪ -‬ل‬
‫شك ‪ -‬أفزع إيلغازي الذي أسرع إل حلب‪ ،‬واستردّ حكم حلب منه بعد تعنيفه‪ ،‬ث توجه بيشه‬
‫لسترداد زردنا‪ ،‬ما دفع بلدوين الثان أن يأت من بيت القدس للدفاع عن الصن التابع لمارة‬
‫أنطاكية‪ ،‬والتقى اليش السلم باليش الصليب عند حصن زردنا‪ ،‬ولكن ل يدث قتال‪ ،‬بل حدث‬
‫تديد للهدنة‪ ،‬وللسف َقبِل إيلغازي بتسليم حصن زردنا‪!3‬‬
‫والواقع أن الناظر لروب إيلغازي وسيته سيتعجب من عدم إمكانيته دومًا من استغلل‬
‫انتصاراته على الصليبيي‪ ،‬فهو ل يكن يصب كثيًا على القتال والصار والطاولة‪ ،‬ول أعتقد أن هذا‬
‫راجع إليه هو‪ ،‬ولكن إل جيشه! فقد كان جيش إيلغازي متلفًا عن جيش مودود رحه ال؛ لن‬
‫جيش إيلغازي كان عبارة عن مرتزقة جعهم من هنا وهناك‪ ،‬مغريًا إياهم بالغنائم والسلب؛ ولذلك‬
‫فإن هؤلء الرتزقة ل يكن عندهم صب الجاهدين الذين يضحون بأوقاتم وأعمارهم ف سبيل ال‪،‬‬
‫فضلً عن أن إيلغازي نفسه ل يكن بيده من الال ما يفرّقه عليهم كما يذكر ابن الثي‪4‬؛ ولذا فإن‬
‫إيلغازي مع كونه قد حقق انتصارات بعضها كبي على الصليبيي‪ ،‬إل أنه وجيشه ل يكونوا بالذين‬
‫يكن أن يملوا الراية القيقية للجهاد‪ ،‬ويصبوا على حلها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, pp. 520-521 & Grousset: Hist. des Crosiades, 1, p. 542, 544-545 & King: The‬‬
‫‪Kinghts Hospitallers in the Holy Land, p. 31-32.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/209‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/199‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/199‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/195‬‬

‫‪225‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وبينما كان الوضع كذلك ف النطقة الشمالية حدث أمران كان لما إسهام بعد ذلك ف بعض‬
‫التغييات ف الحداث‪ ،‬وهو أن السلطان ممود أقطع المي آق سنقر البسقي إمارة الوصل للمرة‬
‫الثانية‪ ،‬وكان قد تول أمرها قبل ذلك من سنة (‪ )507‬إل (‪509‬هـ)‪ ،‬وها هو الن يتول أمرها‬
‫من جديد بعد مرور ست سنوات على عزله‪ ،‬وكان سبب وليته أنه أظهر طوال هذه السنوات الولء‬
‫الكامل للسلطان ممود‪ ،‬ووقف إل جواره ف صدامه مع اللك مسعود أخيه‪ ،‬بل كان له دور‬
‫ملموس ف تدئة المور والتوفيق بي الخوين؛ ما جعل له مكانًا كبيًا ف قلب السلطان ممود‪ ،‬وقد‬
‫مرّ بنا أن هذا الرجل كان من الصالي التقياء‪ ،‬ما سيكون له انعكاسٌ على أحداث الفترة القادمة‪.1‬‬
‫أما المر الثان الذي حدث ف سنة (‪515‬هـ)\‪1121‬م فهو مقتل الفضل بن بدر المالّ‬
‫وزير مصر العبيدية الول‪ ،‬وذلك على يد أحد الباطنية الساعيلية‪ !2‬وقد يتعجب القارئ من مقتل‬
‫الفضل وهو إساعيلي على يد الساعيلية‪ ،‬ولكننا نذكر أن الساعيلية انقسمت إل فرقتي متعاديتي‬
‫ها الساعيلية الستعلية الت ينتمي إليها الوزير الفضل‪ ،‬والساعيلية النارية العروفة بالباطنية‬
‫(الشاشي)‪ ،‬ولذا ت هذا الغتيال للنتقام من الفضل الذي يعتب الرأس الول للحكم ف مصر‪،‬‬
‫حيث إن الليفة المر بأحكام ال كان مرّد صورة‪.‬‬
‫وبقتل الفضل بن بدر المالّ دخلت الدولة العبيدية ف طور ضعف متدرج‪ ،‬وهذا ‪ -‬وإن كان‬
‫سيؤمّن ظهر ملكة بيت القدس ‪ -‬سيكون له أثر إياب مستقبلً عند العزم على توحيد الشام ف زمان‬
‫نور الدين ممود وصلح الدين اليوب‪.‬‬
‫وف أواخر سنة (‪515‬هـ) وأوائل سنة (‪516‬هـ)\ ‪1122‬م كان هناك خليط من الحداث‬
‫الفرحة والحزنة!‬
‫فقد حاصر َبلْك بن برام بن أرتق ‪ -‬وهو ابن أخي إيلغازي ‪ -‬إمارة الرها‪ ،‬وكان بلك أميًا على‬
‫مدينة تسمى خَرتَبت بالقرب من إمارة الرها‪ ،‬ول ينجح بلك ف فتح الرها فانصرف بنوده عن‬
‫الدينة‪ ،‬فتبعهم جوسلي دي كورتناي بفرقة من فرسانه‪ ،‬ث دار قتال بي الفريقي بعيدًا عن حصون‬
‫الرها‪ ،‬فاستطاع بلك وأربعمائة فارس من فرسانه أن يبيدوا اليش الصليب‪ ،‬بل وأفلحوا ف أسر‬
‫جوسلي دي كورتناي أمي الرها! وكان هذا الدث الهيب ف (‪516‬هـ)\ ‪ 13‬من سبتمب‬
‫‪1122‬م‪.3‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/207‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/207،208‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/206‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, p. 131.‬‬

‫‪226‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد كانت مفاجأة رائعة ل يتوقعها أحدٌ‪ ،‬خاصةً أن الفرقة الت كانت بصحبة بلك كانت‬
‫أضعف بكثي من فرقة الصليبيي‪.‬‬
‫ومع سعادة السلمي بذا الب إل أن الخبار أتت بسرعة بوفاة إيلغازي بن أرتق بعد أقل من‬
‫شهرين من أسر جوسلي‪ ،‬وكما كان متوقعًا فقد انارت المارة الكبية الت كوّنا إيلغازي الرتقي!‬
‫ول يكن هذا النيار لداثة إنشائها فقط‪ ،‬ولكن لنا تأسست على أكتاف جيوش تبحث عن الال‬
‫والثروة ل عن الهاد والنة! فكان طبيعيّا أن تتقاتل هذه اليوش بعد وفاة إيلغازي القويّ‪ ،‬وذلك‬
‫لتقسيم التركة الثمينة!‬
‫وهكذا أخذ شس الدولة سليمان بن إيلغازي إمارة ميافارقي؛ أي الزء الشمال من ديار بكر‪،‬‬
‫وأخذ ابنه الثان حسام الدين ترتاش بن إيلغازي إمارة ماردين مع الزء النوب من ديار بكر‪ ،‬أمّا‬
‫بلك بن برام بن أرتق ابن أخي إيلغازي فقد ظل مسيطرًا على َخرْتبت ومعه صيده الثمي جوسلي‪،‬‬
‫وأخيًا حلب فإنا آلت إل بدر الدولة سليمان بن عبد البار بن أرتق‪ ،‬وهو ابن أخٍ آخر ليلغازي‪.1‬‬
‫وعند حدوث هذه التطورات الؤسفة أسرع بلدوين الثان ملك بيت القدس ‪ -‬الذي أصبح‬
‫وصيّا على إمارة الرها‪ ،‬إضاف ًة إل أنطاكية ‪ -‬لستغلل الفرصة‪ ،‬وبدأ ف مهاجة إقليم حلب‪،‬‬
‫واستول فعلً على البية شرق حلب‪ ،‬وسيطر على بعض الناطق ف شال وجنوب حلب‪ ،‬وبذلك‬
‫صار مه ّددًا للب ذاتا‪ ،2‬وكان بلدوين يعلم أن قوته ف هذا الوقت ل تسمح بإسقاط حلب‬
‫الصينة‪ ،‬ولكنه كان يريد أن يضغط على أميها الضعيف سليمان بن عبد البار ليعقد معه صلحًا‬
‫يؤمّن جانبه‪ ،‬ومن ثَ ّم ينطلق إل الطي بلك بن برام الذي أثبت كفاءته بزية الصليبيي ف الرها‬
‫وأسر جوسلي نفسه! وبالفعل تقق لبلدوين البيث ما أراد‪ ،‬وطلب سليمان الصلح مع بلدوين‪ ،‬بل‬
‫وردّ له حصن الثارب‪!3‬‬
‫وهكذا انطلق بلدوين الثان آمنًا ليقابل بلك بن برام‪.‬‬
‫وف صفر سنة ‪517‬هـ الوافق ‪ 18‬من إبريل ‪1123‬م‪ ،‬وأثناء حصار بلك بن برام لقلعة‬
‫صليبية جاء بلدوين الثان بيشه ليقابل جيش بلك عند موضع يسمى أورش‪ ،‬وكانت الفاجأة الكبى‬
‫أن استطاع بلك بن برام أن يهزم الصليبيي‪ ،‬بل ويأسر بلدوين الثان ملك بيت القدس‪!!4‬‬
‫وهكذا‪ ،‬وف غضون سبعة أشهر فقط‪ ،‬كان بلك برام بن أرتق يسك ف آ ٍن واحد بلك بيت‬
‫القدس وأمي الرها!!‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/209‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Setton: op. cit., 1, 418.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/221‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.209‬‬
‫‪ 4‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/211‬‬

‫‪227‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد كانت صدمة هائلة للصليبيي!!‬


‫ولعل هذا الوقف من أشد الواقف صعوبة على الصليبيي منذ وطئوا الراضي السلمية‪ ،‬ول‬
‫ننسى أن بلدوين الثان كان وصيّا على إمارت أنطاكية والرها بعد مقتل روجر النطاكي وأسر‬
‫جوسلي دي كورتناي‪ ،‬ومعن هذا أن الثلث إمارات أصبحوا الن بل زعامة!‬
‫وذاع صيت بلك بن برام فجأة‪ ،‬وملت أخباره الفاق‪ ،‬وكان من السهل عليه الن أن يوسّع‬
‫ل ف ضم حرّان‪ ،‬ث أتبع ذلك بضم‬ ‫إمارته‪ ،‬وأن يسعى من جديد إل توحيد الراتقة‪ ،‬وقد أفلح فع ً‬
‫حلب‪ ،‬بل وبدأ يهاجم إمارة أنطاكية من مكانه الديد ف حلب‪.‬‬
‫ووضعت ملكة بيت القدس على قيادتا أمي صيدا وقيسارية إيستاش جارنيه ‪Eustache‬‬
‫‪ ،Garnier‬ولكنه تُوفّي فجأة بعد وليته بشهر أو نو ذلك! وتول بعده أحد قواد بيت القدس‬
‫واسه وليم دي بور‪ ،‬أما إمارة أنطاكية فقد تول قيادتا بطرك الكنيسة برنارد دي فالنس‪.1‬‬
‫وكان بلك بن برام يبس السيين الثميني ف قلعة حصينة ف معقله الساسي خرتبت‪ ،‬وانتهز‬
‫فرصة الضعف الصليب وانعدام التوازن الفاجئ وبدأ ف مهاجة الناطق الحيطة بلب‪ ،‬واستطاع فعلً‬
‫السيطرة على البارة غرب معرّة النعمان‪ ،‬ث اته لصار كفرطاب‪.2‬‬
‫ث جاءت الفاجأة الؤسفة أثناء حصار كفرطاب أن هناك مؤامرة ُنفّذت من قبل سكان منطقة‬
‫خرتبت النصارى‪ ،‬واستطاعوا با أن يرّروا السيين ف لظة واحدة‪ ،3‬وف ظل غياب معظم اليش‬
‫السلم للمعارك التتالية ف منطقة حلب‪ ،‬وعاد بلك بن برام بسرعة إل خرتبت‪ ،‬وفاجَأَ الفرقة الت‬
‫تصاحب الميين السيين‪ ،‬واستطاع أن يُعيد أسر اللك بلدوين الثان‪ ،‬بينما أفلح جوسلي دي‬
‫كورتناي ف الفرار بعد عامٍ كامل من السر‪!4‬‬
‫وخشي بلك بن برام أن يتكرر المر مع بلدوين الثان فنقله إل قلعة حصينة ف مدينة حران؛‬
‫ليكون بعيدًا عن الدن ذات الكثافة النصرانية‪ ،‬وبعيدًا أيضًا عن جيوش الصليبيي‪ ،‬ث أعاد نقله بعد‬
‫ذلك إل قلعة أشد حصانة ف حلب‪.5‬‬
‫واستأنف بلك بن برام جهوده ف قتال الصليبيي‪ ،‬وانتصر عليهم ف مَْنبِج شال شرق حلب‬
‫(صورة ‪ ،)5‬إل أنه أصابه فجأة سه ٌم َغ ْربٌ ل يُعرَف مصدره‪ ،‬فسقط شهيدًا رحه ال‪!!6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, p. 133 & Foucher de Chartres, p. 540.‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/213‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, pp. 163-164.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Foucher de Chartres, p. 457.‬‬
‫‪ 5‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/213‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/227‬‬

‫‪228‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد حدث ذلك ف ربيع الول ‪518‬هـ الوافق ‪ 6‬من مايو ‪1124‬م ليفقد السلمون َعلَمًا‬
‫مهمّا من أعلم الهاد ف هذه الرحلة‪ ،‬ولتحدث نفس الشكلة الت عان منها السلمون بعد وفاة‬
‫إيلغازي؛ إذ تقطعت إمارته بي الوارثي!‬
‫وكانت حلب من نصيب حسام الدين ترتاش بن إيلغازي‪ ،‬وقد ضمها إل ماردين‪ ،‬إل أنه آثر أن‬
‫يبقى ف ماردين لبُعدها عن أرض الشام حيث الصدامات التكررة مع الصليبيي‪ ،‬بينما هو ‪ -‬كما‬
‫يقول ابن الثي ‪ -‬رجل يب الدّعة والرفاهية‪!1‬‬
‫ولكن هناك مشكلة كبية جدّا ل بد أن يُقحِم ترتاش الوديع نفسه فيها! وهي مشكلة السي‬
‫الهم اللك بلدوين الثان حبيس قلعة حلب! إنه الن التصرّف ف أمر هذا السي‪ ،‬ول بد أن يُبدِي‬
‫رأيه ف قضيته!‬
‫وتركت الوساطة السياسية بي الفريقي‪ ،‬وقام أمي شيزر سلطان بن منقذ بذا الدور‪ ،‬وبعد‬
‫مفاوضات وصل الفريقان إل عدة شروط يطلق على أثرها سراح بلدوين الثان ملك بيت القدس‪،‬‬
‫وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫‪-1‬يدفع اللك بلدوين الثان مبلغ ثاني ألف دينار فدية‪ ،‬على أن يدفع منها مبلغ‬
‫عشرين ألف دينار مقدمًا‪ ،‬والباقي بعد ذلك‪.2‬‬
‫‪-2‬يتعهد اللك بلدوين الثان بوصفه وصيّا على إمارة أنطاكية بإعادة حصون عزاز‬
‫والثارب وزردنا والزر وكفرطاب إل إمارة حلب‪.‬‬
‫‪-3‬يتعاون اللك بلدوين الثان مع ترتاش ف إخضاع دُبَيْس بن صَدَقَة الزعيم العرب‬
‫الشيعي الذي نزح إل الزيرة بعد فراره من الليفة العباسي ف العراق‪.3‬‬
‫‪-4‬يُسلّم بلدوين الثان عددًا من الرهائن يتفظ بم عند السلمي لي تنفيذ بلدوين‬
‫الثان ما طلب منه من دفع الال وتسليم الصون‪ ،‬وهؤلء الرهائن هم مموعة من‬
‫المراء الصليبيي على رأسهم ابنة بلدوين الثان شخصيّا‪ ،‬وهي طفلة عمرها خسة‬
‫أعوام فقط‪ ،‬وجوسلي الثان ابن جوسلي دي كورتناي أمي الرها‪ ،‬على أن تبقى‬
‫هذه الرهائن ف يد الوسيط‪ ،‬وهو أمي شيزر سلطان بن منقذ‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/227‬‬


‫‪ 2‬أسامة بن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪.120‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/221‬‬

‫‪229‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وتّ بالفعل إطلق سراح بلدوين الثان بعد أكثر من سنة من أسره‪ ،‬وتوجه بلدوين أولً إل‬
‫أنطاكية‪ ،‬وهناك وبعد لقاء مع بطرك أنطاكية برنارد دي فالنس قرر الطرفان الرجوع ف البند الاص‬
‫بإرجاع الصون إل حلب‪ ،‬ومن ثَمّ أرسل رسالة بذا العن إل ترتاش‪!4‬‬
‫وف هذه الثناء وف خلل السنة الاضية بكاملها‪ ،‬منذ اتاه بلدوين الثان إل الشمال لقتال بلك‬
‫بن برام‪ ،‬وأثناء أسر بلدوين وما تعلق به من أحداث‪ ،‬كان الصليبيون ياصرون مدينة صور اللبنانية‪،‬‬
‫وذلك بساعدة أسطول عسكريّ كبي من البندقية‪.2‬‬
‫ومدينة صور ‪ -‬كما ذكرنا من قبل ‪ -‬هي إحدى مدينتي ل يُسقطا بع ُد ف كل الساحل‬
‫السلمي الشامي على البحر التوسط‪ ،‬والدينة الثانية هي عسقلن؛ ولذلك فهي مدينة ف غاية‬
‫الهية‪ ،‬ليس لصانتها فقط (صورة ‪ ،)6‬ولكن لكونا أحد منفذين ل ثالث لما للمدادات البحرية‬
‫السلمية‪.‬‬
‫وكانت صور ف هذا الوقت تت وصاية طغتكي أمي دمشق‪ ،‬وهذا منذ سنة ‪506‬هـ\‬
‫‪1112‬م‪ ،‬ولكن الدولة العبيدية البيثة ف مصر حاولت أن تستغل الظروف السيئة ف بلد الشام‬
‫لتضم إل حوزتا مدينة صور‪ ،‬فدبّرت مؤامرة لقصاء المي مسعود‪ ،‬وهو أميها من طرف طغتكي‪،‬‬
‫مع أنه كان يتمتع بالكفاءة العسكرية والروح الهادية‪ ،‬واستطاع الفاظ على الدينة مدة أحد عشر‬
‫عامًا كاملة‪ ،‬مقاومًا ببسالة كل الجمات الصليبية على الدينة‪ ،‬ولكن السلطة العبيديّة فشلت بعد‬
‫السيطرة على صور ف الفاظ عليها‪ ،‬وكانت النتيجة حصارًا مكمًا حول صور من الصليبيي‪،‬‬
‫وإشراف سكان صور على اللك لقلة الطعام والشراب‪ ،‬لول تدخل طغتكي الذي مُنع من الوصول‬
‫إل صور لعتراض جيش أمي طرابلس بونز له‪ ،‬ولكن طغتكي أفلح ف إجراء مباحثات مع الصليبيي‬
‫قضت بتسليم الدينة إل اليش الصليب ف مقابل تأمي أرواح السكان بكاملهم‪ ،‬وبالفعل تت‬
‫التفاقية‪ ،‬وقام الصليبيون بترحيل أهل الدينة إل خارجها‪ ،3‬وبذلك سقطت الدينة الصينة صور ف‬
‫‪ 23‬من جادى الول سنة ‪518‬هـ\ أوائل يوليو ‪1124‬م‪ ،‬بعد أكثر من ‪ 25‬سنة لدخول‬
‫الصليبيي أرض الشام‪!4‬‬
‫وكانت صدمة كبية جدّا للمسلمي‪ ،‬خاصةً أن هذه الصدمة تزامنت مع ماطلة بلدوين‬
‫الثان ف تنفيذ شروط إطلق سراحه‪ ،‬ما ينذر بضياع الفرصة الثمينة الت كانت ف أيدي السلمي!‬

‫‪ 4‬أسامة بن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪.103‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/227‬‬
‫‪ 3‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.211‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/229،228‬‬

‫‪230‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫رَفَع سقوط صور معنويات بلدوين الثان‪ ،‬ومن ثَمّ فقد قرر أن ينكث عهده ف مسألة ر ّد‬
‫الصون السلمية‪ ،‬بل قرر أن ينقض التفاق من أساسه‪ ،‬فتحالف مع خصم ترتاش‪ ،‬وهو دبيس بن‬
‫صدقة الشيعيّ‪ ،‬والذي كان من الفترض على بلدوين أن يساعد ترتاش ف السيطرة عليه وإخضاعه‪،‬‬
‫ث جع بلدوين الثان جيوشه وجيوش أنطاكية‪ ،‬إضافةً إل جيش الرها بقيادة جوسلي دي كورتناي‪،‬‬
‫وكذلك جيش دبيس بن صدقة‪ ،‬وتوجّه بكل هذه اليوش إل حلب لصارها‪ ،‬وكان ترتاش ف ذلك‬
‫الوقت ف ماردين بعيدًا عن الشاكل‪!1‬‬
‫ومن الؤكد أن بلدوين الثان كان مطمئنًا إل أن الزعيم السلم لن يقدم على قتل الرهائن ل‬
‫لضعفه فقط‪ ،‬ول لعلمه أن الشريعة السلمية ترّم قتل الطفال؛ ولكن لن الرهائن ورقة ضغط رابة‬
‫سيحبّ ترتاش أن يتفظ با إل آخر مدى‪ ،‬فأراد بلدوين الثان أن يارس ضغطًا عنيفًا على ترتاش‪،‬‬
‫فيقبل ف النهاية أن يُطلِق الرهائن نظي رفع الضغط العنيف من عليه‪.‬‬
‫وهكذا وجد أهل حلب أنفسهم مصورين بقوات بلدوين الثان وجوسلي دي كورتناي‬
‫ودبيس بن صدقة‪ ،‬وليس ف وسطهم أميهم ليدفع عنهم هذه اليوش الضخمة!!‬
‫لقد كانت أزمة عنيفة!‬
‫وما أكثر الزمات الت وقعت فيها حلب ف خلل العقود الخية‪ ،‬منذ أيام رضوان بن تتش‬
‫ث ابنه ألب أرسلن فالادم بدر الدين لؤلؤ‪ ،‬وأخيًا تت حكم الراتقة إيلغازي ث بلك بن برام ث‬
‫حسام الدين ترتاش‪.‬‬
‫وإن كنا نفهم اللم الت مرت با الدينة تت حكم الطغاة رضوان وابنه ألب أرسلن ث‬
‫بدر الدين لؤلؤ‪ ،‬فلماذا تعان الدينة تت حكم الراتقة‪ ،‬وهم كما رأينا قادتم على قدرٍ ل بأس به‬
‫ب الهاد‪ ،‬وتوقي الشريعة؟!‬ ‫من ح ّ‬
‫واقع المر أن الراتقة الجاهدين الذين رأيناهم ف قصة الروب الصليبية بدءًا من سقمان بن‬
‫أرتق‪ ،‬ومرورًا بإيلغازي بن أرتق‪ ،‬وانتها ًء ببلك بن برام كانوا جيعًا من القادة الناجحي الذين‬
‫يقودون شعوبًا فاشلة!‬
‫والقائد الناجح العظيم يفشل إن كان جنوده أو شعبه من النوعية الفاشلة؛ فجيوش الراتقة‪،‬‬
‫بل وشعوبم‪ ،‬كانت تتحرك ف هذه العارك بدافع الصول على غنيمة أو مال‪ ،‬وبدافع تغيي مستوى‬
‫العيشة إل أوضاع أفضل‪ ،‬وبدف ترك الدن الصغية والقرى للسكن ف الدن العظيمة كحلب‬
‫وحرّان‪ ،‬وهذه اليوش لو انتصرت مرة أو مرتي ل يكتب لا دوام النصر‪ ،‬ولو مُكّنت ف قطعة أرض‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/230‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/223‬‬


‫‪Setton: op. cit., 1, pp. 423-424.‬‬

‫‪231‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أو مدينة‪ ،‬فإنه ل يكتب لا دوام التمكي والسيادة؛ إذ سرعان ما تنهار عند أول أزمة تنذر بضياع‬
‫الال أو النفس‪.‬‬
‫ولذلك فلكي يقق السلمون ناحًا دائمًا وتكينًا مستمرّا‪ ،‬واستقرارًا ف دولتهم‪ ،‬وهيبة ل‬
‫ب على معان الهاد وحب الشريعة‪ ،‬وهذا الشعب هو‬ ‫تتز عند الزمات ل بد أولً من تربية شع ٍ‬
‫الذي سيُخرِج اليش الفاهم والقائد الواعي الذي يستطيع أن يواصل مسية الهاد الصعبة‪.‬‬
‫ولو راجعت قصص انتصار وتكي خالد بن الوليد وسعد بن أب وقاص وطارق بن زياد‬
‫وصلح الدين اليوب وقطز وممد الفاتح‪ ،‬وغيهم من الذين مُكّنوا ف الرض ستجد أن شعوب‬
‫هؤلء كانت شعوبًا عظيمة‪ ،‬وتربيتهم كانت تربية راقية‪ ،‬ومستواهم اليان والخلقي كان متميزًا‪،‬‬
‫وكفاءتم العسكرية والسياسية والدارية كانت عالية‪.‬‬
‫إنا منظومة متكاملة تقق النصر ف النهاية‪ ،‬ول يكن أن يتم نصر متكامل مستمر لجرد‬
‫ظهور بطل متحمّس‪ ،‬أو رجل يب الشهادة!‬
‫وواقع المر أننا ل نر حت الن ف قصة الروب الصليبية من يتناول القضية بذه الطريقة‪ ،‬إنا‬
‫كان يتعامل الخلصون الذين ظهروا لنا ف هذه القصة مع الوضوع بطريقة إدارة الزمات‪ ،‬وبطريقة‬
‫حكومة الطوارئ‪ ،‬الت تاول قدر استطاعتها بإخلص الروج من الزمة‪ ،‬لكن دون تطيط حقيقي‬
‫لستقبل البلد‪ ،‬ودون وضع خطط واضحة لضمان سلمة البلد لعشرات السني الستقبلية‪.‬‬
‫وهذا ما يزننا ف زماننا الن‪ ،‬عندما نرى التحمّسي لقضية فلسطي أو العراق أو غيها من‬
‫القطار السلمية الحتلة يقصرون هّهم ووسائل مساعدتم على جع الال والمداد بالغذاء والدواء‪،‬‬
‫بل والطالبة بالذهاب إل هناك للقتال والستشهاد! وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬أمر مطلوب‪ ،‬ولكنه ل يكفي‬
‫بفرده‪ ،‬بل ل بد إل جواره أن ننظر إل الدى البعيد الذي نفلح فيه ف تكوين شعب‪ ،‬وف تربية جيل‬
‫يستطيع أن يقق كل المال‪ ،‬فل يكتفي بتحرير البلد الحتلة فقط‪ ،‬ولكن يسعى إل الستمرار ف‬
‫الفاظ على الكاسب ويرص على دوام التمكي‪ ،‬بل ويطمح ف نشر دين رب العالي ف كل ربوع‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫وما أعمق الكلمات الت كان يفز با رسول ال شعبه أثناء فترة مكة‪ ،‬حي كان يُعلِي‬
‫طموحاتم‪ ،‬ويرفع من هتهم‪ ،‬فل يكتفي بفتح باب المل "باحتمالية" النجاة من اضطهاد أهل مكة‪،‬‬
‫بل يؤكد على ذلك ويتجاوز هذا إل طموحات رائعة حيث يقول‪" :‬وَال ّلهِ لَيُتِمّ ّن َهذَا ا َل ْمرَ حَتّى‬
‫ض َرمَ ْوتَ‪ ،‬لَ َيخَافُ إِ ّل ال ّلهَ َأوِ الذّْئبَ َعلَى غَنَ ِمهِ‪ ،‬وَلَكِنّ ُكمْ‬
‫ب مِنْ صَ ْنعَاءَ إِلَى َح ْ‬
‫ي الرّا ِك ُ‬
‫يَسِ َ‬

‫‪232‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫جلُونَ"‪ ،1‬بل إنه يقول لم ف صراحة‪" :‬يَا َأّيهَا النّاسُ‪ ،‬قُولُوا َل إَِلهَ إِلّ ال ّلهُ ُت ْفلِحُوا"‪ .2‬وقال‬
‫تَسَْتعْ ِ‬
‫لعمّه أب طالب‪" :‬إن أريد منهم كلمة واحدة تدين لم با العرب‪ ،‬وتؤدي إليهم العجم الزية!!"‪.‬‬
‫قال أبو طالب‪ :‬كلمة واحدة؟! قال‪" :‬كلمة واحدة"‪ .‬قال‪" :‬يا عم‪ ،‬قولوا ل إله إل ال"‪3‬؛ يقول‬
‫هذا الكلم والسلمون ماصَرون ف مكة الكرمة‪ ،‬وهم بعيدون عن كل أسباب التمكي الادية!‬
‫ل بُدّ إذن من وجود قوّاد ومربّي ومصلحي وعلماء يرفعون سقف أحلم الؤمني‪ ،‬ويعيدون‬
‫تربية الشعب على أساس متي‪ ،‬يستخلص بوضوح من سية الرسول ‪ ،‬وكذلك من سي الجاهدين‬
‫الجددين ف تاريخ هذه المة‪ ،‬والذين استطاعوا أن يكنوا للسلم ف الرض‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن مرحلة الراتقة هذه كانت ضرورية‪ ،‬ول بد أن نشكر جهودهم مع كونا‬
‫كانت مؤقتة؛ إنم حلوا الراية ف زمان تاذل الكثيون عن حل الراية‪ ،‬وداموا على الهاد مع‬
‫صعوبته‪ ،‬وألقوا بعض الزائم بالصليبيي منعتهم من التوسع الكثر ف بلد السلمي‪ ،‬ومهدوا لن‬
‫يأت من بعدهم ليكمل السية‪ ،‬وأنقذوا أرواحًا كانت من المكن أن تزهق‪ ،‬وديارًا كانت من المكن‬
‫أن تدم‪ ،‬ولعلهم لو ظهروا ف زمانٍ اجتهد فيه من سبقهم ف تربية الشعوب‪ ،‬وتعليم الناس‪ ،‬لكان لم‬
‫شأن آخر‪ ،‬ولكن المور تري بالقادير!‬
‫ونعود إل أهل حلب!‬
‫لقد وجد أهل حلب أنفسهم ف حية شديدة‪ ،‬وشعروا أن البلد بل قائد ول رابط‪ ،‬وأن‬
‫قائدهم الفترض حسام الدين ترتاش بن إيلغازي ضعيف‪ ،‬وحت لو جاء بيشه فلن يستطيع أن يدفع‬
‫عنهم‪ ،‬فهو ل يرغب أصلً ف مواجهة الصليبيي‪ ،‬والهاد صعب‪ ،‬ولن َي ْقوَى عليه إل من يطلبه‪ ،‬بل‬
‫ويشتاق إليه‪.‬‬
‫ومن هنا قرّر أهل حلب أن يستعينوا بقائد من خارج حلب يأت ليتسلم زمام المور‪ ،‬ومن‬
‫ثَ ّم َي ُردّ هؤلء الغزاة عن الدينة المنة‪ :‬حلب! فبمَن يستعينون؟!‬
‫إن معظم الزعامات الت كانت حولم كانت ف غاية الضعف‪ ،‬ول يكن أمامهم إل أحد‬
‫رجلي‪ :‬إما طغتكي قائد دمشق‪ ،‬أو آق سنقر البسقي زعيم الوصل‪.‬‬

‫‪ 1‬البخاري‪ :‬كتاب الناقب‪ ،‬باب علمات النبوة ف السلم (‪ ،)3416‬وأحد (‪ ،)21110‬وأبو داود (‪ ،)2649‬وابن حبان (‬
‫‪.)2897‬‬
‫‪ 2‬أحد (‪ ،)16066‬والاكم (‪ )4219‬وقال حديث صحيح السناد ول يرجاه ووافقه الذهب‪ ،‬والبيهقي (‪ ،)11424‬وابن خزية (‬
‫‪ ،)159‬وابن حبان (‪ ،)6562‬وقال اليثمي‪ :‬رواه أحد ورجاله رجال الصحيح ممع الزوائد ‪ ،6/19‬وأورده اللبان ف صحيح‬
‫السية النبوية ‪.1/143‬‬
‫‪ 3‬رواه الترمذي (‪ ،)3232‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أمّا طغتكي‪ ،‬فهو على الرغم من قوته وحفاظه على دمشق فترة طويلة فإنّه ل يكن القائد‬
‫النشود‪ ،‬وذلك أنه كان دومًا ف حاجة إل العونة من الارج‪ ،‬بل كان أحيانًا يتحالف مع الصليبيي‬
‫ف فترات ضعفه‪ ،‬وها هم الصليبيون يأتون بيوشهم لصار حلب غي معتبين بقوة طغتكي القريبة‬
‫من حلب‪ ،‬ومن ثَ ّم فإن أهل حلب شعروا أن هيبة طغتكي لن تردع الصليبيي‪ ،‬ولن تردهم خاسرين‪.‬‬
‫لكن القائد الخر آق سنقر البسقي شأنه متلف! فهذا القائد‪ ،‬مع كونه ل يتلك تاريًا‬
‫جيدًا ف النطقة؛ حيث هُزم قبل ذلك من الصليبيي أثناء فترة وليته الُول على الوصل‪ ،‬إل أنه يتمتع‬
‫ببعض الصال الت تعل كفّته أرجح من ِكفّة طغتكي‪.‬‬
‫فهو أولً‪ :‬يتمتع بدرجة عالية من الصلح والتقوى تعله يسي فيهم بالعدل والرحة‪ ،‬وهي‬
‫صفات افتقر إليها شعب حلب عدة عقود‪.‬‬
‫وهو ثانيًا‪ :‬يتلك جيشًا قويّا هو جيش الوصل‪ ،‬ويكفي أن أحد أبرز قادته هو عماد الدين‬
‫زنكي الذي اشتهر أمره بي السلمي‪.‬‬
‫وهو ثالثًا‪ :‬يكم شعبًا فاهًا مبّا للجهاد‪ ،‬وهو شعب الوصل؛ ولذا فجيشه يتلف عن بقيّة‬
‫جيوش هذا الزمان‪ ،‬وهو يعلم كيف يكون الهاد ف سبيل ال‪ ،‬وليس ف سبيل الكرسيّ أو الال‪.‬‬
‫وهو رابعًا‪ :‬على عَلقة جيّدة جدّا وشخصيّة بالسلطان السلجوقيّ ممود؛ ومن ثَمّ فهو‬
‫بذلك يضمن تأييدَ أكب سلطة ف العال السلمي ف ذلك الوقت‪.‬‬
‫وهو خامسًا‪ :‬سيضيف قوة جديدة إل النطقة بالضافة إل قوة طغتكي؛ لن هناك سابق‬
‫اتاد بي قوة الوصل وقوة دمشق أيام مودود رحه ال‪ ،‬فلو أُعيدت هذه الوَحدة بالضافة إل حلب‬
‫فلعل ذلك يردع الصليبيي ويقق النصر‪.‬‬
‫ومن هنا رجحت كفة آق سنقر البسقي‪ ،‬وأرسل أهل حلب من فورهم رسالة استغاثة إليه‪،‬‬
‫تطلب منه القدوم لتسلّم مفاتيح الدينة العظيمة‪ :‬حلب‪!1‬‬
‫وجد آق سنقر البسقيّ أمي الوصل أن هذه فرصة ل ُت َعوّض لواصلة الهاد ضد الصليبيي‪،‬‬
‫خاصة أ ّن السلطان ممود قد أظهر رغبة ف الهاد قبل ذلك‪ ،‬ومن هنا ترك بسرعة ملبّيًا نداء أهل‬
‫حلب‪ ،‬ووصلها بالفعل ف ذي الجة سنة ‪518‬هـ\ يناير ‪1125‬م؛ لُيوَحّد بذلك بي المارتي‬
‫الكبيتي‪ :‬الوصل وحلب‪( 2‬خريطة ‪!)26‬‬
‫وإذا كنا قد رأينا شرّا كبيًا ف غياب الجاهد بلك بن برام عن الساحة‪ ،‬وإطلق سراح‬
‫بلدوين الثان دون فائدة تذكر‪ ،‬وحصار بلدوين وأعوانه لدينة حلب‪ ،‬وغي ذلك من الحداث‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/230‬‬


‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪ ،212،211‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/228‬‬

‫‪234‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الؤسفة؛ فإنه كان من وراء هذا الشرّ خ ٌي كثي‪ ،‬وهو توحيد قوة المارتي الهمّتي‪ :‬الوصل وحلب‪.‬‬
‫وهذه الوحدة وإن كانت ل تقق أهدافها ف أول أيامها‪ ،‬إل أنا لفتت النتباه إل قيمة اتاد هاتي‬
‫المارتي‪ ،‬وبذلك يُعتب هذا الدث نواةً لا سيحدث مستقبلً من اتاد إستراتيجي مؤثر بينهما‪.‬‬
‫أما لاذا تعتب هذه الوَحدة مهمة جدّا‪ ،‬فذلك لسباب عدة منها‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تواصل إمارة الوصل مع إمارة حلب دون وجود فارق بينهما‪ ،‬يعن اتصال السر‬
‫العسكريّ من العراق‪ ،‬بل من شرق العال السلمي كله با ف ذلك فارس (مركز السلجقة‬
‫الرئيسي)‪ ،‬مع أرض الشام حيث يوجد الصليبيون‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدعوات الهادية القيقية كانت تظهر ف الوصل‪ ،‬فإذا َتوَحّدَت الوصل مع حلب‬
‫فإنه يَُتوَقّع أن تسري هذه الدعوة ف حلب ومنها إل الشام‪ ،‬بعد غياب حقيقي لذه الدعوة ف أرض‬
‫الشام طوال السنوات السابقة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المكانيات البشرية والعسكرية للمارتي كبية‪ ،‬فاتادها يعن تكوين قوة صلبة‬
‫تستطيع مواجهة الصليبيي‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬وجود حلب تت حكم الوصل التابعة أصلً للسلجقة واللفة العباسية سيضع‬
‫السئولية رسيّا على السلطنة واللفة‪ ،‬ولن يصبح المر مرّد تفضّل بالساعدة‪ ،‬أو تبّع بالهاد‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬اليوش العسكرية العراقية كانت تعان دائمًا من عدم وجود قاعدة انطلق متقدمة‬
‫ف أرض الشام‪ ،‬ولعلنا نذكر الزمة الت وُضع فيها مودود رحه ال عندما َأ ْغلَق رضوان حاكم حلب‬
‫أمامه أبواب الدينة عندما جاء بيوشه للجهاد ضد الصليبيي‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬هناك فرصة كبية لنتقال علماء السلمي من العراق‪ ،‬وخاصة من الوصل وبغداد‪،‬‬
‫لعادة بناء أهل حلب والشام عقائديّا وفكريّا‪ ،‬وخاصةً أن سيطرة الباطنية على المور ف أعظم‬
‫مدينتي بالشام وها‪ :‬حلب ودمشق‪ ،‬أدى إل كثي من الضطراب ف مفاهيم الناس‪.‬‬
‫فهذه كانت بعض الفوائد من اتاد الوصل مع حلب؛ ولذلك ظهر الحتفال بذه الطوة‬
‫واضحًا عند كل السلمي الخلصي العاصرين للحدث‪ ،‬كما ظهر ذلك أيضًا ف كتابات الؤرخي‪،‬‬
‫وما زال يظهر ف تليلتنا إل زماننا هذا‪ ،‬ول شكّ أن الوَحدة بصفة عامة أمر يدعو إل الحتفال‬
‫والهتمام‪.‬‬
‫وهكذا جاء آق سنقر البسقيّ إل حلب‪ ،‬وبجيئه رحلت القوات الصليبية حيث شعرت‬
‫بقوة اليش السلجوقي العراقي‪ ،‬وتعاطف الناس ف حلب معه‪ ،‬ومن هنا ل يدث صدام بي السلمي‬
‫والصليبيي‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, p. 557.‬‬

‫‪235‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫رتّب آق سنقر الوضاع ف حلب‪ ،‬ث عاد إل الوصل بعد أن ترك فيها أميًا يتبعه‪ ،1‬ث ما‬
‫لبث أن عاد إل النطقة ف أوائل سنة (‪519‬هـ)\ مارس ‪1125‬م‪ ،‬وزار إمارة شيزر‪ ،‬وتسلم‬
‫الرهائن الصليبية من سلطان بن منقذ أمي شيزر‪ ،‬وذلك بناء على العاهدة الت كانت تنصّ بتسليم‬
‫هؤلء الرهائن لزعيم حلب ف حال الخلل بأي بند من بنود التفاق‪.2‬‬
‫ث بدأ آق سنقر الهاد مباشرة ضد الصليبيي‪ ،‬فاستطاع السيطرة على حصن كفرطاب‬
‫بالقوة‪ ،‬وهو من الصون الت كانت ف التفاق مع بلدوين الثان‪ ،‬ث حاصر بعده حصن زردنا‪،3‬‬
‫ونتيجة هذه الملت استنجدت أنطاكية ببلدوين الثان الذي جاء مسرعًا إل النطقة‪ ،‬خاصة أن ابنته‬
‫الن رهينة ف يد آق سنقر البسقي‪ ،‬واشترك معه ف النجدة جيش طرابلس بقيادة المي بونز‪،‬‬
‫وكذلك جيش الرها بقيادة جوسلي دي كورتناي‪ ،‬وترك آق سنقر حصار زردنا‪ ،‬واته إل منطقة‬
‫عَزاز شال حلب‪ ،4‬حيث دارت موقعة كبية بي الطرفي اقتتلوا فيها قتالً شديدًا‪ ،‬ث تكّن الصليبيون‬
‫صوّرُها بعض‬‫‪ -‬للسف الشديد ‪ -‬من إلاق الزية بالسلمي‪ ،5‬لكنها ل تكن هزية ساحقة كما ُت َ‬
‫الكتابات بدليل أن قتلى السلمي كما ذكر ابن الثي كانوا ألفًا فقط‪ ،6‬وبدليل قَبول الطرفي‬
‫للجلوس للتفاوض بعد العركة ما يُعطِي انطباعًا بالتكافؤ النسب بي الفريقي‪.‬‬
‫وكانت نتيجة الفاوضات كالت‪:‬‬
‫أولً‪ :‬يُ َ‬
‫سلّم آق سنقر الرهائ َن الصليبيي إل بلدوين الثان‪.7‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يتفظ السلمون بكفرطاب‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تُعقد هدنة بي الطرفي لدة معينة ل تدّدها الصادر‪ ،‬ولكن من الواضح أنا كانت‬
‫هدنة لدة قصية؛ لن آق سنقر رجع مسرعًا إل الوصل لعادة ترتيب الوضاع ف جيشه‪ ،‬وجع‬
‫الجاهدين لصدام جديد‪ ،‬وقد ترك على حلب ابنه عز الدي مسعود بن آق سنقر‪.8‬‬
‫كانت هذه هزة لق سنقر لكنها هزة ل ُتلْغِ زعامته‪ ،‬ول تزعزع مركزه‪ ،‬ول تُفقده ثقة‬
‫السلطان ممود فيه‪ ،‬ول ثقة الشعوب السلمية ف قدراته وإخلصه‪ ،‬ومن ثَ ّم فالمال كانت ل تزال‬
‫معقودة عليه ف ترير الراضي السلمية من دنس الصليبيي‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/230‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 173.‬‬
‫‪.Foucher de Chartres, p. 471 ،2/231‬‬ ‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب‬
‫‪4‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 580.‬‬
‫‪ 5‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/231‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/234‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 580.‬‬
‫‪ 8‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/232،231‬‬

‫‪236‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وبينما ُيعِ ّد آق سنقر عُدّته للتجهز لصدام جديد بعد انقضاء الدنة إذ الخبار تأت من الشام‬
‫أن بونز أمي طرابلس استطاع انتزاع قلعة رَِفنِيّة من أيدي السلمي‪ ،‬وهذه القلعة تابعة لمص الت‬
‫تتبع بدورها طغتكي أمي دمشق‪ ،1‬وهي قلعة ف غاية الهية لسببي رئيسيي؛ الول لنا تُشرف‬
‫على طرابلس‪ ،‬ومن ثَمّ فهي تدد أمن المارة الصليبية بكاملها‪ ،‬والثان أنا تشرف على الطريق بي‬
‫بيت القدس وأنطاكية‪ ،‬ومن ثَمّ فالسيطرة عليها يؤمّن المدادت الصليبية من بيت القدس إل‬
‫أنطاكية‪ ،‬ومن الدير بالذكر أن بلدوين الثان شارك بونز ف إسقاط قلعة رَفِِنيّة‪ ،‬وبالتال نقض الدنة‬
‫الت كانت بينه وبي آق سنقر البسقي‪.2‬‬
‫هنا استنجد طغتكي بآق سنقر الذي جاء من فوره بيشه ف منتصف عام ‪520‬هـ\‬
‫‪1126‬م‪ ،‬وأرسل آق سنقر ابنه عز الدين مسعود لقتال الصليبيي عند رَفِِنيّة بينما توجه هو إل‬
‫حصار حصن الثارب الهمّ‪ ،‬وهو من الصون التابعة لنطاكية‪.‬‬
‫أقبل بلدوين الثان مسرعًا ومعه جوسلي دي كورتناي أمي الرها‪ ،‬وكان واضحًا أنه خشي‬
‫من القوة التنامية لق سنقر‪ ،‬ومن إصراره وعزمه على مواصلة الهاد‪ ،‬ومن تعاطف السلمي معه‪،‬‬
‫ومن اتفاق زعماء الشام عليه‪ ،‬فعرض عليه الصلح‪ ،‬وعقد الدنة من جديد‪ ،‬وهذه الرة سيدفع بلدوين‬
‫الثان الثمن‪ ،‬وهو إعادة حصن رَِفنِيّة الطي للمسلمي‪!3‬‬
‫كانت نتيجة مُرضية جدّا لق سنقر‪ ،‬وخاصة أنا جاءت دون قتال‪ ،‬وسيستعيد السلمون‬
‫حصنًا مهمّا‪ ،‬وسيأخذون بالدنة الفرصة لعادة تنظيم جيوشهم وأمورهم‪ ،‬ومن ثَ ّم وافق آق سنقر‬
‫البسقي وتسلّم حصن رَفِِنيّة‪ ،‬وأبقى عز الدين مسعود ابنه ف حلب‪ ،‬وعاد أدراجه إل الوصل‪.4‬‬
‫لقد بدأ السلمون الن ينظرون إل آق سنقر على أنه القائد الذي سيصمد ف الرب ضد‬
‫الصليبيي‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬أسعد السلمي كثيًا‪ ،‬إل أن هذه السعادة ل تكن ف قلوب كل من‬
‫يرقب الحداث‪.‬‬
‫لقد كانت هناك عيون يلؤها الشرّ‪ ،‬وقلوب يغمرها القد ترقب هذا النمو لشعبية هذا‬
‫الجاهد‪ ،‬وهذه المال العقودة عليه!!‬
‫إنا عيون الباطنية وقلوبم!‬
‫إن هذه العصابات الساعيلية الشيعية السلحة ما كانت لتستقر أبدًا أو تسعد وهي ترى‬
‫جهودًا ُسنّيّة ملصة تدف إل توحيد المّة‪ ،‬وإعلء راية الهاد‪ ،‬وطرد الصليبيي؛ لذلك قررت هذه‬
‫‪1‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades 1, p. 641.‬‬
‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪ ،216‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/232‬‬
‫‪Foucher de Chartes, p. 480.‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/233‬‬
‫‪ 4‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.214‬‬

‫‪237‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القلوب الاقدة والنفسيات العقدة أن تتخلص من هذا الرمز الديد‪ ،‬كما تلصت قبل ذلك من‬
‫سلفه الجاهد مودود‪ ،‬ومن قبله من الوزير العال نظام اللك!‬
‫وف اليوم الذي عاد فيه آق سنقر إل الوصل‪ ،‬وهو يوم المعة الثامن من ذي القعدة سنة‬
‫‪520‬هـ الوافق ‪ 26‬من نوفمب ‪1126‬م‪ ،‬دخل آق سنقر رحه ال السجد الامع لصلة المعة‪،‬‬
‫وكان يصلي رحه ال مع العامة وَسْط الناس‪ ،‬وف الصف الول‪ ،‬وإذا ببضعة عشر باطنيّا يهجمون‬
‫عليه ف وقت واحد‪ ،‬وتناوشوه بسكاكينهم وخناجرهم فسقط شهيدًا رحه ال‪ ،‬ف يومٍ كان من‬
‫الفترض أن يتفل فيه السلمون باستعادة حصن رَفِِنيّة‪!1‬‬
‫إن طريق الهاد شاقّ وطويل‪ ،‬ومشاكله ل تنتهي‪ ،‬وآلمه كثية‪ ،‬لكن مع ذلك يبقى الهاد‬
‫ذروة سنام السلم وأعلى ما فيه‪ ،‬وعلى المة الت تبغي عزة‪ ،‬وتفو إل ريادة وسيادة أن تتعوّد على‬
‫مثل هذه الصدمات‪ ،‬ول تيأس لفقدان رمز من رموز الهاد؛ لن ال إذا اطّلع على الصدق ف‬
‫قلوب الناس‪ ،‬والرغبة القيقية ف الهاد‪ ،‬رزقها مَن يمل الراية‪ ،‬وكثيًا ما يكون هذا البديل أعظم‬
‫ألف مرة من فُقد‪ ،‬وهذا تدبي مَن ل يغفل ول ينام‪.‬‬
‫ومع ذلك فل ينع أن تدث هزة وأزمة مؤقّتة بعد فقدان رمز مهمّ من رموز الهاد‬
‫والصلح‪ ،‬ولقد تزامن مع استشهاد آق سنقر البسقي رحه ال عدة حوادث جعلت أحوال العال‬
‫السلمي ف اضطراب أكثر وأزمة أكب‪.‬‬
‫فمن هذا مثلً حدوث خلف عظيم بعد مقتل البسقي بأقل من شهرين بي الليفة‬
‫السترشد بال والسلطان ممود‪ ،‬وقد تطور هذا اللف حت وصل إل صدام باليوش‪ ،‬وكادت‬
‫مقتلة عظيمة بي الطرفي تدث لول أن ال سلّم‪ ،‬وقُمعت الفتنة‪ ،‬واعتذر الليفة السترشد للسلطان‬
‫القويّ ممود‪ ،‬واستقرت الوضاع نسبيّا‪.2‬‬
‫ومن هذه الوادث أيضًا وصول بوهيموند الثان ابن بوهيموند الول‪ ،‬بعد أن بلغ سنّ‬
‫الرشد‪ ،‬وكان وصوله ف شوال (‪521‬هـ) أكتوبر ‪1127‬م‪ ،3‬ول يكن َيقِلّ شراسة عن أبيه‪ ،‬حت‬
‫وصفه الؤرخ أسامة بن منقذ بأنه كان بليّة على السلمي‪.4‬‬
‫وبذا استقرت أوضاع الصليبيي إل ح ّد كبي‪ ،‬فبلدوين الثان على رأس ملكة بيت القدس‪،‬‬
‫وجوسلي دي كورتناي على رأس الرها‪ ،‬وبونز على رأس طرابلس‪ ،‬وبوهيموند الثان على رأس‬
‫أنطاكية‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/236‬والنويري‪ :‬ناية الرب ‪.27/26‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،239-9/237‬والتاريخ الباهر ص ‪.30،29‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Foucher de Chartres, pp. 481-483.‬‬
‫‪ 4‬أسامة بن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪.121‬‬

‫‪238‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وقد سعى بلدوين الثان إل تقوية الواصر بينه وبي ملكة أنطاكية‪ ،‬فاستقبل بوهيموند الثان‬
‫استقبا ًل حافلً‪ ،‬بل وعرض عليه الزواج من ابنته الثانية أليس‪ ،‬فقَبِل بوهيموند الثان‪ ،‬وبذلك صارت‬
‫الرابطة بي ملكة بيت القدس وأنطاكية قوية ومتصلة‪.1‬‬
‫ومن الوادث العجيبة أيضًا الت أدّت إل اضطراب ف صفوف السلمي‪ ،‬أن السلطان ممود‬
‫استخلف على الوصل وحلب بعد استشهاد آق سنقر البسقيّ ابنه عز الدين مسعود بن آق سنقر‪،‬‬
‫وكان رجلً شهمًا شجاعًا ورعًا كأبيه‪ ،‬وكان عازمًا على استكمال مسية الهاد‪ ،‬وقد حاول أن‬
‫يضم إحدى القلع الجاورة للب إليها‪ ،‬غي أنه مات فجأة ف أثناء الصار دون أن يتعرض إليه‬
‫أح ٌد بشيء‪ ،‬وكان ذلك ف عنفوان شبابه‪ ،‬وأحدث موته اضطرابًا كبيًا؛ إذ قام أحد الماليك واسه‬
‫ل صغيًا؛ من أجل أن يتول هو الوصاية‬ ‫جاول بحاولة تنصيب أخي عز الدين مسعود‪ ،‬وكان طف ً‬
‫عليه‪ ،‬وأرسل رسولي بذلك إل السلطان ممود‪ ،‬وانلعت قلوب العامة خوفًا من أن يقبل السلطان‬
‫بذا الوضع‪ ،‬ما سيضع البلد على حافة هاوية‪ ،‬فالمر خطي‪ ،‬والصليبيون يطرقون البواب بشدة‪،‬‬
‫ويتلون بلدًا واسعة‪ ،‬ويتاج السلمون إل شخصيّة ماهدة صابرة قوية ل إل طفل صغي يتحكم فيه‬
‫ملك صاحب مطامع!!‬
‫أرسل جاول ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬رسولي إل السلطان ممود‪ ،‬وكان الرسولن ها القاضي باء‬
‫ش ْه ُرزُوري قاضي حلب‪ ،‬وصلح الدين ممد حاجب عز الدين مسعود البسقي‪ ،‬وكان‬ ‫الدين ال ّ‬
‫جاول قد وعدها بالولية والتقدي إذا أفلحا ف إقناع السلطان ممود با يريد‪.2‬‬
‫ومع أن الرسولي قد ُوعِدَا بال ومنصب إل أن ال لطيفٌ بعباده‪ ،‬فقد اختار جاول‬
‫رسولي صالي ف قلوبما رأفة على المة‪ ،‬وُنصْحٌ ل ولرسوله وللمؤمني؛ ولذا فقد قرر هذان‬
‫الرسولن أن ينصحا السلطان با يليه عليهما الشرع والدين‪ ،‬ل با يرغب فيه جاول أو غيه‪،‬‬
‫مضحّي بذلك بدنيا قد وُعدا با‪.‬‬
‫التقى الرسولن بشرف الدين أنوشروان بن خالد وزير السلطان ممود‪ ،‬وقال له ف أمانة‬
‫بالغة‪" :‬قد علمت أنت والسلطان أن ديار الزيرة والشام قد تَكّ َن الفرنج منها وقويت شوكتهم با‪،‬‬
‫فاستولوا على أكثرها‪ ،‬وقد أصبحت وليتهم من حدود ما ِردِين إل عريش مصر‪ ،‬وقد كان البسقي‬
‫(آق سنقر) مع شجاعته وتربته وانقياد العساكر إليه يكفّ بعض عاديتهم وشرّهم‪ ،‬ومنذ ُقتِل ازداد‬
‫طمعهم‪ ،‬وهذا ولده طفل صغي‪ ،‬ول بد للبلد من رجل شهم شجاع‪ ،‬ذي رأي وتربة يذبّ عنها‬

‫‪1‬‬
‫‪Foucher de Chartres, p. 485.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/242‬‬

‫‪239‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ويفظها‪ ،‬ويمي حوزتا‪ ،‬وقد أنينا الال لئل يري خلل أو وهن على السلم والسلمي‪ ،‬فيختص‬
‫اللوم بنا‪ ،‬ويُقال‪ :‬أل أنيتم إلينا جليّة الال؟"‪.1‬‬
‫رفع الوزير شرف الدين هذا الكلم الهم إل السلطان ممود فاستحسنه جدّا‪ ،‬واستدعاها‬
‫وشكرها‪ ،‬ث سألما عمن ُيرَشّحان لثل هذا النصب الطي‪ ،‬فعرضا له بعض الساء‪ ،‬غي أنما حسّنا‬
‫له اسًا معينًا ورغّباه فيه‪ ،‬ف َقبِل السلطان ممود ترشيحهما إذ خب بنفسه قوة الرجل الرشّح وخبته‬
‫وإخلصه وورعه‪ ،‬ومن ثَ ّم صار هذا الرجل الديد أميًا على الوصل وحلب‪ ،‬وهذا الرشح الديد‬
‫والزعيم الرتقب هو عماد الدين زنكي رحه ال‪ ،2‬وهو الزعيم الذي يتاج منا إل وقفات ووقفات‪،‬‬
‫فهو ‪ -‬كما هو معروف ‪ -‬من علمات الهاد البارزة ف تاريخ المة‪.‬‬
‫فما هي قصة هذا البطل العظيم عماد الدين زنكي؟ وكيف عل نمه واشتهر أمره؟ وما‬
‫خطواته ف الصلح؟ وما طريقته ف التجديد والتغيي؟ وكيف كان تفاعل الشعب معه وموقف‬
‫المراء منه؟ وما ردّ فعل الصليبيي لظهور هذا النجم الديد؟‬
‫هذا كله يتاج إل تفصيل ودراسة‪ ،‬وهو موضوع الفصل القادم‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/243‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/243‬‬

‫‪240‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أصول عماد الدين زنكي‬


‫ل يكن فهم شخصية عظيمة كشخصية عماد الدين زنكي دون العودة إل جذوره وأصوله‪،‬‬
‫فبالنظر إل حال أسرته وخاصة والديه ندرك الكثي من البعاد العميقة ف حياته‪ ،‬ونكشف السر وراء‬
‫هذه الشخصية التكاملة‪ ،‬الت أجرى ال على يديها خيًا كثيًا للمسلمي‪.‬‬
‫لضِرِ رحه ال بأن الب كان‬‫وال علّل الي الذي أصاب الولدين ف قصة موسى وا َ‬
‫جدَا ُر فَكَانَ ِلغُلمَيْنِ يَتِيمَيْ ِن فِي الْ َمدِيَنةِ وَكَانَ تَحَْتهُ كَ ْنزٌ َلهُمَا وَكَانَ‬
‫صالًا‪ ،‬فقال تعال‪َ ( :‬وَأمّا الْ ِ‬
‫خرِجَا كَ ْن َزهُمَا رَحْ َم ًة مِنْ رَّبكَ‪.)1‬‬
‫َأبُوهُمَا صَالِحًا َفَأرَادَ رَّبكَ أَ ْن يَ ْب ُلغَا أَ ُش ّدهُمَا َويَسْتَ ْ‬
‫ففي هذه القصة بُعد عجيب‪ ،‬ومعن دقيق ل بد من العتبار به‪ ،‬وهو أن الب ترك الولدين‬
‫مبكرًا‪ ،‬ول يكن عنده من العمر ما يكفي لتربية أولده وتنشئتهم‪ ،‬ومع ذلك فإن ال حفظ‬
‫الولدين وأجرى لما خيًا واسعًا بسبب أن أباها كان صالًا‪.‬‬
‫ضعَافًا خَافُوا‬
‫خشَ اّلذِينَ َل ْو َترَكُوا مِنْ َخ ْل ِف ِهمْ ُذرّّيةً ِ‬
‫وف نفس العن يقول ال ‪( :‬وَلْيَ ْ‬
‫َعلَ ْي ِهمْ َفلْيَّتقُوا ال ّلهَ َولَْيقُولُوا َقوْل َسدِيدًا‪.)2‬‬
‫وهذه هي حالة بطلنا العظيم عماد الدين زنكي تامًا؛ فقد تركه أبوه وهو يبلغ من العمر‬
‫عشر سنوات فقط! أي أن عماد الدين زنكي نشأ يتيمًا‪ ،‬ولك ّن أباه كان يتقي ال‪ ،‬وكان يقول‬
‫الكلمة السديدة‪ ،‬وكان صالًا‪ ،‬فحفظ ال البن بصلح الب‪ ،‬وهذا متكرر كثيًا ف التاريخ‬
‫السلمي‪ ،‬وكم من الغيّرين والجدّدين للمة نشئوا يتامى‪ ،‬فما حرمهم ذلك من أن يكونوا قادة‬
‫ومصلحي‪ ،‬وليس الشافعي والبخاري‪ ،‬وأحد بن حنبل‪ ،‬والسن البصري‪ ،‬وعبد الرحن الناصر‪،‬‬
‫وقطز‪ ،‬وعمر الختار إل مرد أمثلة‪ ،‬بل إن رسولنا نشأ يتيمًا‪ ،‬فكان أعظم إنسان عرفته البشرية‪.‬‬
‫إذن من هو الب العظيم الذي بصلحه حفظ ال له ولنا هذا البن الليل عماد الدين‬
‫زنكي؟!‬
‫إنه آق سنقر الاجب التركمان!‬
‫وكما هو واضح من اسه فهو من قبائل التراك‪ ،‬من قبيلة تُعرف باسم ساب يو‪ ،‬وهي قبيلة‬
‫تتعت بكانة رفيعة عند السلجقة التراك‪.3‬‬

‫‪( 1‬الكهف‪.)82 :‬‬


‫‪( 2‬النساء‪)9 :‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬بغية الطلب ف تاريخ حلب ‪.8/3844‬‬

‫‪241‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكان آق سنقر من أصحاب السلطان ملكشاه بن ألب أرسلن‪ ،‬وهو السلطان العظيم الذي‬
‫امتدت حدود دولته من الصي شرقًا إل آسيا الصغرى غربًا‪ ،4‬وكان عاد ًل حسن السية؛ ولذلك ل‬
‫يكن يُقرّب منه إل الصالي‪ ،‬ويكفي أن وزيره الول كان نظام اللك‪ ،‬وهو من أعظم الوزراء ف‬
‫السلم‪ ،‬وحاجبه كان آق سنقر والد عماد الدين زنكي‪ ،‬فهذا من أدلة صلح السلطان ملكشاه‬
‫الذي يسّر له ال البطانةَ الصالة‪.‬‬
‫وكان آق سنقر مقرّبًا بدرجة كبية إل قلب السلطان ملكشاه لدرجة أنه أنعم عليه بلقب‬
‫عجيب‪ ،‬وهو "قسيم الدولة"‪ ،‬ومعن اللقب أن يقتسم معه إدارة الدولة وشئونا‪ ،‬وهي منلة رفيعة‬
‫جدّا‪.2‬‬
‫ث كانت هناك أحداث صعبة ترّ با بلد الشام‪ ،‬حيث كانت تزّقها صراعات سياسية‬
‫خطية‪ ،‬خاصة منطقة حلب حيث كان يتنازع السيطرة عليها ثلث قوى رئيسية‪ :‬أما القوة الول‬
‫فهي قوة مسلم بن قريش العقيليّ صاحب الوصل وحلب‪ .3‬وأما القوة الثانية فهي قوة تتش بن ألب‬
‫أرسلن أمي دمشق‪ ،‬وهو أخو السلطان ملكشاه‪ ،‬ولكنه كما ذكرنا قبل ذلك كان خبيثًا فاسدًا‪،‬‬
‫وكذلك صار أولده من بعده وهم رضوان ودقاق‪ .‬وأما القوة الثالثة فهي قوة سليمان بن قتلمش‬
‫مؤسّس إمارة سلجقة الروم ووالد قلج أرسلن الول الذي مرّ ذكره ف بدايات قصة الروب‬
‫الصليبية‪.‬‬
‫وكنتيجة مأساويّة لذا الصراع قُتل مسلم بن قريش على يد سليمان بن قتلمش‪ ،‬وأصبح‬
‫الطريق إل حلب مفتوحًا لسليمان‪ ،‬ولكن أهلها رفضوا تسليم الدينة له‪ ،‬وأرسلوا إل السلطان العادل‬
‫ملكشاه ليتسلم مدينة حلب‪ ،‬فوافق السلطان ملكشاه‪ ،‬وجاء بيشه‪ ،4‬لكن ف هذه الثناء قُتل سليمان‬
‫بن قتلمش على يد تتش بن ألب أرسلن‪ ،5‬وانطلق تتش ليستول على حلب‪ ،‬غي أنه وصلها مع‬
‫وصول جيش أخيه ملكشاه‪ ،‬ووجد تتش أنه ل طاقة له بذا اليش العملق‪ ،‬فانسحب وترك الدينة‬
‫للكشاه‪.6‬‬
‫وكان الوضع ف حلب سيّئًا للغاية نتيجة الصراعات الدموية الت دارت ف النطقة فلم يد‬
‫السلطان ملكشاه حلّ لصلح أوضاعها إل بتسليم إدارتا إل الرجل الذي يثق ف قدراته وأخلقه‬
‫وورعه‪ ،‬وهو قسيم الدولة آق سنقر الاجب‪ ،‬وكان ذلك ف شهر شوال (‪479‬هـ) يناير‬
‫‪ 4‬ابن العبي‪ :‬تاريخ متصر الدول ص ‪.186‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬التاريخ الباهر ص ‪.4‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/92،91‬‬
‫‪ 4‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/100،99‬‬
‫‪ 5‬النويري‪ :‬ناية الرب ‪.27/93‬‬
‫‪ 6‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/18‬‬

‫‪242‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪1087‬م‪ ،‬وهكذا بدأ الكم السلجوقي لدينة حلب‪ ،‬بل وأعطاه إل جوار حلب عدة مدن ف‬
‫النطقة منها حاة ومَْنبِج واللذقية‪.1‬‬
‫تسلّم آق سنقر الاجب رحه ال الدينة وهي ف حالة مزرية من الفوضى والضطراب بفعل‬
‫الصراعات الكثية الت كانت بي حكام وأمراء النطقة؛ ما جعل الكام الذين تولوا حكمها ل‬
‫يلتفتون أبدًا إل أمورها الداخلية‪ ،‬أو إل حياتا القتصادية‪ ،‬فتراجعت واردات البلد‪ ،‬وفُرضت‬
‫ضرائب باهظة على السكان‪ ،‬ونتيجة لغلء السعار انتشر اللصوص ف الدينة‪ ،‬وانعدم المن‪ ،‬ومن ثَمّ‬
‫تعطلت الركة التّجارية‪ ،‬كما تراجعت الزراعة‪ ،‬وهذا كله ‪ -‬ل شك ‪ -‬أثّر سلبًا ف كل قطاعات‬
‫الجتمع‪.2‬‬
‫ومع هذا التدهور الرهيب ف كل مناحي الياة إل أن آق سنقر بدأ يارس عمله بنشاط‪،‬‬
‫ساعيًا بكل طاقته أن يصلح المور كلها‪ ،‬وكانت نظرته شولية‪ ،‬فلم يهتم بانب على حساب آخر‪،‬‬
‫بل تناول الحوال جلة واحدة‪.‬‬
‫اهتم آق سنقر بداية بالالة المنية الطية الت كانت تعان منها حلب‪ ،‬فأقام الدود‬
‫الشرعية‪ ،‬وطارد اللصوص وقُطّاع الطريق‪ ،‬وقضى عليهم‪ ،‬وتلص من التطرفي ف الفساد‪.‬‬
‫وإضاف ًة إل هذه السياسة الت تعتمد على وجود شرطة قوية عادلة تدافع عن القوق‪،‬‬
‫وتستخدم سلطتها ف حاية الناس بدلً من التسلط عليهم‪ ،‬إضافةً لذه الشرطة فإن آق سنقر لأ إل‬
‫سياسة أخرى عجيبة آتت ثارًا رائعة وف وقتٍ مدود؛ ذلك أنه أقر مبدأ السئولية الماعية لكل قرية‬
‫أو قِطَاع ف الدينة‪ ،‬ما يعن أنه ف حالة إذا هوجت قافلة أو إنسان‪ ،‬فإن أهل القرية يتحملون‬
‫مسئولية الدفاع عنه‪ ،‬وإذا سُرقت أمواله‪ ،‬فإنم يتمعون معًا لتعويضه عما سُرق‪ ،‬ومن ثَمّ أصبحت‬
‫مهمة الفاظ على المن هو مهمة الميع‪ ،3‬ول يكن أن يشك الناس ف لص أو عصابة مرمي دون‬
‫الخبار عنها؛ لن السئولية أصبحت جاعية وليست فردية‪ ،‬وهذا له مرجع ف الشريعة‪ ،‬حيث مبدأ‬
‫"العاقلة"‪ ،‬بعن أن أفراد العائلة الواحدة أو القبلية الواحدة‪ ،‬أو القرية الواحدة يتعاقلون فيما بينهم‪ ،‬أي‬
‫يتعاونون فيما بينهم لمع الدّيَة الطلوبة من أحدهم‪ ،‬أو سداد الدين عنه‪ ،‬وبذلك تعود القوق‬
‫لصحابا مهما كانت كبية‪.‬‬
‫ونتيجة لذه السياسة البارعة‪ ،‬ونتيجة للتطبيق الدقيق لا‪ ،‬ونتيجة للستخدام الصحيح لهاز‬
‫الشرطة ف المارة‪ ،‬عمّ المن والمان ف كل الربوع وف غضون أشهر قليلة‪ ،‬وانعكس ذلك ‪-‬‬
‫ول شك ‪ -‬على حركة التجارة والزراعة‪ ،‬وانعكس على حركة الموال والبضائع‪ ،‬ومن ثَمّ تسّن‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/443‬‬


‫‪ 2‬مصطفى شاكر‪ :‬دخول الترك الغز إل الشام ص ‪ .315،314 ،307‬الؤتر الدول لتاريخ بلد الشام الول‪ ،‬عمان ‪1975‬م‪.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.15‬‬

‫‪243‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القتصاد بشكل ملموس وانفضت السعار‪ ،‬وتوفّرت النتجات‪ ،‬وصار للب شأن عظيم بي‬
‫المارات الجاورة‪.1‬‬
‫ول بد أن نؤكّد هنا على أن آق سنقر رحه ال كان حريصًا تامًا على إقامة الدود‬
‫الشرعية‪ ،‬مع أن الكثيين قد يعتقدون أنا ستترك متمعًا مش ّوهًا نتيجة قطع أيدي السارقي‪ ،‬وقتل‬
‫القاتلي‪ ،‬ورجم الزناة الحصني‪ ،‬وجلد الزناة غي الحصني‪ ،‬وجلد شارب المر؛ قد يعتقد البعض أن‬
‫الجتمع ف حلب أصبح مش ّوهًا نتيجة تطبيق الدود ف وجود الكثي من الفسدين والجرمي! لكن‬
‫واقع المر أن هذا ل يدث؛ لقد كان تطبيق الشريعة مع مرم أو اثني رادعًا لبقية الجرمي‪ ،‬ول‬
‫َتْنقِلْ لنا الصادر أن عددًا كبيًا قد عوقب بذه الدود‪ ،‬إنا نقلت أن الغلب العم من الجرمي‬
‫إذ يقول‪َ ( :‬ولَ ُكمْ فِي اْلقِصَاصِ حَيَا ٌة يَا أُولِي الَلْبَابِ َل َعلّ ُكمْ‬ ‫ارتدع عن جرائمه‪ ،‬وصدق ال‬
‫تَّتقُونَ‪ ،)2‬فأصبحت حياة حلب وأمنها وعزّها وتسّن اقتصادها وعل ّو شأنا ف تطبيق القصاص‪ ،‬وف‬
‫اللتزام بالدود الشرعية‪ ،‬وف التطبيق الرفّ لكتاب ال وسنة رسوله ‪.‬‬
‫ونتيجة هذا المن التناهي نادى آق سنقر ف أهل حلب بأمر عجيب جدّا‪ ،‬وهو أن ل يرفع‬
‫أحد متاعه من الطريق إذا أراد أن يذهب إل مكان بعيد ث يعود‪ ،‬بل يتركه دون حراسة‪ ،‬وهو ضامن‬
‫له أل يُسرق!!‬
‫لقد كان أمنًا عجيبًا تدّث عنه الناس هنا وهناك‪.‬‬

‫وما يُروى ف هذا الصدد قصة عجيبة‪ ،‬وهي أن آق سنقر كان قد مرّ بقرية من قرى حلب‪،‬‬
‫فوجد أحد الفلحي ‪ -‬وكان ل يعرف آق سنقر ‪ -‬قد فرغ من عمله ف حقله‪ ،‬ويستعد لمل أداة‬
‫من أدوات الزراعة على دابته ليحملها إل القرية‪ ،‬وكانت هذه اللة مغلّفة باللد‪ ،‬فقال له آق سنقر‪:‬‬
‫أل تسمع مناداة قسيم الدولة بأن ل يرفع أحدٌ متاعًا ول شيئًا من موضعه؟ بعن أنه يضمن لك حفظه‬
‫من السرقة‪ ،‬فقال الفلح‪ :‬حفظ ال قسيم الدولة‪ ،‬وقد ُأمّنّا ف أيامه‪ ،‬وما نرفع هذه اللة خوفًا عليها‬
‫من السرقة‪ ،‬لكن هنا حيوان يقال له ابن آوَى (حيوان مثل الذئب) تأت إل هذه اللة فتأكل اللد‬
‫الذي عليه‪ ،‬فنحن نفظه منها ونرفعه لذلك‪ .‬فعندما عاد قسيم الدولة إل حلب أمر الصيّادين فتتبعوا‬
‫هذه اليوانات ف كل المارة‪ ،‬فصادوها حت أفنوها‪!3‬‬
‫لقد كان أمنًا يرج عن ح ّد الواقع إل اليال!‬

‫‪ 1‬سبط ابن الوزي‪ :‬مرآة الزمان ‪.8/244‬‬


‫‪( 2‬البقرة‪.)179 :‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/104‬‬

‫‪244‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ول يكن إسهام آق سنقر ف هذا الجال فقط‪ ،‬بل ند إسهاماته العمرانية مثلً ما يثبت أنه‬
‫كان قائدًا متوازنًا مهتمّا بكل التفاصيل ف إمارته‪ ،‬وقد جدّد رحه ال منارة مسجد حلب الامع‪،‬‬
‫وما زال اسه منقوشًا عليها إل اليوم‪.1‬‬
‫وأما ف الجال العسكري‪ ،‬فكان قسيم الدولة رحه ال منظمًا إل أبعد درجة‪ ،‬وكان له‬
‫جيش نظاميّ معظمه من التركمان‪ ،‬وكان له أيضًا جيش احتياطي مكوّن من العرب والتركمان‪،‬‬
‫وكانت القوات الحتياطية تبلغ عشرين ألف مقاتل‪.2‬‬
‫وصار قسيم الدولة آق سنقر رحه ال حديث الناس كلهم أجعي! وأحبّه أهل حلب حبّا‬
‫جّا‪ ،‬بل ُشغِف بأخباره عامة السلمي‪.‬‬
‫يقول الؤرخ ابن القلنسي ف ذيل تاريخ دمشق عن آق سنقر‪" :‬وأحسن فيهم السية‪،‬‬
‫وبسط العدل ف أهليها‪ ،‬وحى السابلة (الطريق السلوك) للمترددين فيها‪ ،‬وأقام اليبة‪ ،‬وأنصف‬
‫الرعية‪ ،‬وتتبع الفسدين فأبادهم‪ ،‬وقصد أهل الشر فأبعدهم‪ ،‬وحصل له بذلك من الصيت‪ ،‬وحسن‬
‫الذكر‪ ،‬وتضاعف الثناء والشكر‪ ،‬فعمرت السابلة للمترددين من السفار‪ ،‬وزاد ارتفاع البلد بالواردين‬
‫بالبضائع من جيع الهات والقطار"‪.3‬‬
‫وقال ابن الثي ف حقه‪" :‬وكان قسيم الدولة أحسن المراء سياسةً لرعيته‪ ،‬وحفظًا لم‪،‬‬
‫وكانت بلده بي رخص عام وعدل شامل وأمن واسع"‪.4‬‬
‫وقال ابن كثي‪" :‬كان قسيم الدولة من أحسن اللوك سيةً‪ ،‬وأجودهم سريرة‪ ،‬وكانت الرعية‬
‫ف أمن وعدل ورخص"‪.5‬‬
‫كانت هذه هي حياة قسيم الدولة آق سنقر رحه ال‪.‬‬
‫ومع هذه الروعة فإنّ هذه الياة ل تكن تعجب الميع! بل كان هناك مَن ينكر عليه خيه‪،‬‬
‫ومن يكره فضله‪ ،‬ومن يقد عليه لجل صلحه وورعه!!‬
‫وعلى رأس هؤلء كان تتش بن ألب أرسلن أخو السلطان ملكشاه‪ ،‬وكان تتش يطمع ف‬
‫بسط سيطرته على الشام بكاملها‪ ،‬وف وجود مثل هذا الاكم العادل ف حلب فإنّ ذلك سيصعب‬
‫عليه؛ فالناس يبونه‪ ،‬وكذلك السلطان ملكشاه‪ ،‬فماذا يفعل تتش؟!‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/105‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/104‬‬
‫‪ 3‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.196‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/495‬‬
‫‪ 5‬ابن كثي‪ :‬البداية والنهاية ‪.12/147‬‬

‫‪245‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد كان تتش ذكيّا ف شرّه! فبدأ ف السعي ف ضم كل المارات الشامية باستثناء حلب؛‬
‫لنه يعلم أن ملكشاه يب آق سنقر‪ ،‬فل داعي لستثارة السلطان عليه‪ ،‬ث إنه أثار حلة السلطان‬
‫لساعدته بأن ذكر له أن بقية المارات الشامية واقعة تت تديد النفوذ العبيديّ‪ ،‬فأمر السلطان‬
‫ملكشاه أمراء الشام با فيهم آق سنقر أن يساعدوا تتش ف حروبه ضد العبيديي‪.1‬‬
‫لكن قسيم الدولة كان يدرك أطماع تتش النفصالية‪ ،‬وكان ف نفس الوقت عظيم الوفاء‬
‫للسلطان ملكشاه‪ ،‬لكنه ل يستطع أن يطعن ف تتش لكونه أخَا ملكشاه‪ ،‬وهذا دفعه لساعدة تتش‬
‫بغي حاسة‪ ،2‬ما أوغر صدر تتش عليه أكثر وأكثر‪ ،‬بل وراسل أخاه السلطان ملكشاه ف أمر قسيم‬
‫الدولة‪.‬‬
‫أراد السلطان ملكشاه أن يل الزمة برفق؛ فهو ل يريد أن يغضب كل الطرفي‪ ،‬ومن ثَمّ‬
‫فقد استدعى كل أمراء الشام با فيهم آق سنقر وتتش إل مقرّه ف فارس ليتباحثوا ف أمر الشام‪،‬‬
‫وهناك قام تتش بصراحة باتام آق سنقر بعدم الخلص للسلجقة‪ ،‬وهذا دفع آق سنقر لن يدافع‬
‫عن نفسه‪ ،‬بل واتم تتش بالكذب‪ ،‬ومن العجب أن السلطان ملكشاه أق ّر آق سنقر على رأيه‪،‬‬
‫ورفض عزله‪ ،‬وأوصى أخاه تتش بعدم التعرّض له‪!3‬‬
‫وكان هذا اللقاء ف رمضان ‪484‬هـ‪ ،‬أي بعد خس سنوات من ولية آق سنقر على‬
‫حلب‪ ،‬لكن ف السنة التالية حدث أمر مفجع وهو وفاة السلطان ملكشاه ف شوال ‪458‬هـ\‬
‫تشرين الثان ‪1092‬م‪ ،‬وتول بركياروق ابنه الكب الولية على السلطنة السلجوقية الكبى‪ ،4‬وهذا‬
‫أغضب تتش الذي كان يطمع ف هذا النصب الرفيع؛ ولذلك قرر تتش أن يتحرك بالقوة العسكرية‬
‫لرب ابن أخيه بركياروق‪ ،‬والسيطرة على السلطنة بالقوة!!‬
‫ولكن تتش كان يشى من وجود قوة آق سنقر خلف ظهره‪ ،‬وف نفس الوقت كان يريد أن‬
‫يستغل قوته العسكرية الكبية ف تقيق مطامعه‪ ،‬فأمره أن يأت على رأس جيشه ليعاونه ف حرب‬
‫بركياروق بن ملكشاه!!‬
‫وقع قسيم الدولة آق سنقر ف أزمة كبية؛ فهو يعلم أن قوة تتش أكب بكثي من قوته‪ ،‬وهو‬
‫ف النهاية أخو ملكشاه السلطان التوفّى‪ ،‬وعم السلطان الال بركياروق‪ ،‬لكن ف نفس الوقت هو‬
‫على وفائه للسلطان العظيم ملكشاه‪ ،‬ويريد أن يفظه ف ابنه‪ ،‬كما أنه يعلم أطماع تتش‪ ،‬ويعلم أنه‬
‫ليس بالشخصية الديرة بكم السلمي‪ ،‬فماذا يفعل؟!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/477‬‬


‫‪ 2‬سهيل زكار‪ :‬مدخل إل تاريخ الروب الصليبية ص ‪.216‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬بغية الطلب ‪.4/1956‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/484‬‬

‫‪246‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد فكّر قسيم الدولة ف خطة خطية! قد يدفع ثنها من حياته يومًا ما‪ ،‬لكن ل يد أمامه‬
‫ل آخر!‬‫حّ‬
‫لقد قرر قسيم الدولة أن يرج بيشه مع تتش‪ ،‬ويوهه أنه سيقاتل معه‪ ،‬فإذا التقى اليشان‪،‬‬
‫ترك قسيم الدولة جيش تتش وانضمّ إل جيش بركياروق‪!1‬‬
‫إنا خطة خطية ستقضي تامًا على قسيم الدولة لو انتصر تتش! لك ّن قسيم الدولة كان يرى‬
‫أن الق مع بركياروق‪ ،‬ليس لنه الوريث الشرعيّ للحكم فقط‪ ،‬ولكن لكونه أصلح وأتقى ألف مرة‬
‫من تتش؛ ولذلك ضحّى بأمنه وحياته من أجل الدفاع عن هذا الق‪.‬‬
‫إنه نوعية فريدة حقّا من الرجال!‬
‫ونفّذ قسيم الدولة خطته‪ ،‬وف سنة ‪486‬هـ التقى جيش تتش مع جيش بركياروق ف‬
‫ل انسحب آق سنقر بيشه وانضم إل بركياروق‪ ،‬وفعل نفس الشيء أمي‬ ‫مدينة ال ّريّ بفارس‪ ،‬وفع ً‬
‫الرها بوزان‪ ،‬وكان وفيّا كذلك للسلطان الراحل ملكشاه‪ ،‬فاختلّ توازن جيش تتش‪ ،‬ومن ثَمّ‬
‫انسحب مهزومًا من ال ّريّ‪ ،‬وعاد إل الشام ُبفّي حَُنيْن‪ ،‬لكنه عاد بقلبٍ أشد حقدًا على قسيم الدولة‬
‫آق سنقر‪.2‬‬
‫أعاد بركياروق قسيم الدولة آق سنقر إل إمارة حلب تابعًا له‪ ،‬وذلك ف ذي القعدة‬
‫‪486‬هـ‪ ،‬وأمده بقوات إضافية لنه كان يتوقع ضربة انتقامية وشيكة من تتش‪.‬‬
‫وسرعان ما جاءت هذه الضربة‪ ،‬فقد جع تتش عدة جيوش‪ ،‬وتقدم صوب حلب‬
‫لمتلكها‪ ،‬وخرج له قسيم الدولة بعد أن استغاث ببعض المراء التابعي لبكياروق‪ ،‬لكنّ المراء‬
‫تأخروا ف القدوم‪ ،‬ما جعل قسيم الدولة يواجه تتش بيشه وحده‪ ،‬وكانت الزية الفجعة‪ ،‬وأُ ِس َر آق‬
‫سنقر‪ ،‬وقام تتش بقتله على الفور‪!3‬‬
‫كانت هذه الأساة ف يوم السبت ‪ 9‬من جادى الول ‪487‬هـ\ مايو ‪1094‬م‪ ،‬وهكذا‬
‫انتهت فترة حكم آق سنقر ‪ -‬وهي ثانية أعوام ‪ -‬لدينة حلب‪ ،‬ويشهد الميع أنا كانت من أزهى‬
‫عصور حلب مطلقًا‪.‬‬
‫هذه هي قصة الرجل العظيم قسيم الدولة آق سنقر الاجب!‬
‫هذه هي قصة الرجل الذي تربّى ف بيته عماد الدين زنكي!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.8/488‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/489‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/110،109‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،8/495،494‬وابن واصل مفرج الكروب ‪.1/27‬‬

‫‪247‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد قُتل قسيم الدولة آق سنقر‪ ،‬بينما ل يتجاوز ابنه عماد الدين زنكي عشر سنوات‪ !!1‬لقد‬
‫ل صغيًا‪ ،‬ول بد أن كثيًا من الناس أشفقوا عليه من الضياع‪ ،‬وكم من‬ ‫كان عماد الدين زنكي طف ً‬
‫اليتام ضاعوا ويضيعون! لكن عماد الدين زنكي ل يضِع‪ ،‬بل أعزّه ال ونصره‪ ،‬ول ُيتْ إل وهو‬
‫على رأس إمارة واسعة‪ ،‬وكان من أحبّ خلق ال إل قلوب العباد‪.‬‬
‫إن قسيم الدولة وإن كان ل يترك لبنه ما ًل كثيًا‪ ،‬ول منصبًا رفيعًا؛ فإنه ترك له أشياء‬
‫أخرى كثية أعظم كثيًا من الال والسلطان‪.‬‬
‫لقد ترك له أولً رعاية ال وحفظه‪ ،‬وكفى بذه الرعاية مياثًا! لقد كان قسيم الدولة‬
‫ورعًا تقيّا قائلً للحق دومًا‪ ،‬حت قال ابن العدي‪" :‬وكان قسيم الدولة شديد التقوى‪ ،‬عميق اليان"‪.2‬‬
‫خشَ اّلذِي َن َلوْ َترَكُوا مِنْ َخ ْلفِ ِهمْ‬
‫وهذه التقوى حفظت البن الصغي الضعيف كما وعد ال ‪َ ( :‬ولْيَ ْ‬
‫ضعَافًا خَافُوا َع َل ْي ِهمْ َفلْيَّتقُوا ال ّل َه وَلَْيقُولُوا َقوْلً َسدِيدًا‪.)3‬‬
‫ُذرّّيةً ِ‬
‫وترك قسيم الدولة لبنه ثانيًا حبّا عظيمًا للشريعة وآدابا‪ ،‬وتوقيًا كاملً لقوانينها وحدودها‪،‬‬
‫ورأى عماد الدين زنكي بعينيه بركات تطبيق الشريعة‪ ،‬فما تركها أبدًا‪.‬‬
‫وترك قسيم الدولة لبنه ثالثًا إعلءً لقيمة العدل‪ ،‬حت ترسخ ذلك ف قلبه وكيانه‪ ،‬ف َكرِه‬
‫الظلم بكل صوره‪ ،‬وصار من أعدل حكام السلمي كما كان أبوه‪.‬‬
‫وترك قسيم الدولة لبنه رابعًا رحة فطرية على الرعية‪ ،‬حت كان يقدّم مصالهم على‬
‫مصاله‪ ،‬ويعفو ويصفح لو كان الطأ ف حقّه‪ ،‬ويرحم الضعفاء والفقراء‪ ،‬ويأخذ الق لهله دون‬
‫تاوزٍ أو طغيان‪.‬‬
‫وترك قسيم الدولة لبنه خامسًا تواضعًا عظيمًا‪ ،‬جعله ل ينظر إل برجة السلطان‪ ،‬وعظمة‬
‫الكرسيّ‪ ،‬بل كان دائمًا متواضعًا ل‪ ،‬يدرك فضل ال عليه‪ ،‬ومن ثَمّ ل يتكب على خلق ال‪ ،‬ول‬
‫جبُ با يقّق من نصر أو تكي‪.‬‬ ‫ُيعْ َ‬
‫وترك قسيم الدولة لبنه سادسًا مهارة إدارية وقيادية جعلته قادرًا على تريك الموع‬
‫وسياستهم‪ ،‬وجعلته مبّا لفكرة الوحدة والتجمع تت راية واحدة‪.‬‬
‫وترك قسيم الدولة لبنه سابعًا حبّا للجهاد وتعظيمًا له‪ ،‬فحياته كلها كانت جهادًا‪ ،‬وكذلك‬
‫حياة ابنه؛ لقد علّم ابنه كيف يكون ماهدًا ف سبيل ال ل ف سبيل اللك والال‪ ،‬كما علّمه ركوب‬
‫اليل وفنون الفروسية‪ ،‬فقد كان قسيم الدولة من أمهر الناس قتالً‪ ،‬ومن أعظمهم جهادًا‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬التاريخ الباهر ص ‪.15‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/105‬‬
‫‪( 3‬النساء‪.)9 :‬‬

‫‪248‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وترك قسيم الدولة لبنه ثامنًا حبّا ف قلوب أهل حلب‪ ،‬فقد تعلّقت قلوبم جيعًا بذا الاكم‬
‫العادل الرحيم‪ ،‬حت قال ابن الثي كلمة عجيبة تصف حب الناس له‪ ،‬فقال‪" :‬توارث أهل حلب‬
‫الرحة عليه إل آخر الدهر!!" أي أن كل أبٍ يُوصِي أبناءه أن يتراحوا على قسيم الدولة‪ ،‬وهكذا إل‬
‫آخر الدهر! فأيّ درجةٍ من البّ كانت هذه الدرجة! ول شك أن هذا سيكون له مردود كبي على‬
‫حياة عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫وترك قسيم الدولة لبنه تاسعًا حبّا واضحًا للسلطي العادلي القوياء لسلطنة السلجقة‪،‬‬
‫فقد كان ولء قسيم الدولة للكشاه‪ ،‬ولبنه بركياروق من بعده‪ ،‬وهذا أعطى وضوح رؤية كبي‬
‫لعماد الدين زنكي‪ ،‬فلم ينبهر ف حياته بلقبٍ أو شخص‪ ،‬إنا جعل ولءه للسلطان العادل‪ ،‬ول‬
‫يتشتّت بي القوى الختلفة‪ ،‬بل ظل ثابتًا ف اتاه واحد‪ ،‬وهذا حقّق له خيًا كثيًا ف حياته‪.‬‬
‫وترك قسيم الدولة لبنه عاشرًا وأخيًا مموعة من الصدقاء الوفياء الذين أحبوه ف ال‪،‬‬
‫لشخصه ل لسلطانه‪ ،‬فحفظوا ابنه اليتيم بعد موته‪ ،‬تامًا كما فعل قسيم الدولة عندما حفظ ابن‬
‫السلطان ملكشاه بعد موته؛ لنه كان يبّ السلطان ل‪ ،‬وهكذا دائمًا يدث؛ فالزاء من جنس‬
‫العمل‪ ،‬وال يقول‪( :‬هَلْ َجزَاءُ الِحْسَانِ إِلّ الِحْسَانُ‪.)1‬‬
‫فتلك عشرة كاملة تركها قسيم الدولة لبنه الصغي عماد الدين زنكي! فمَن مِن السلمي‬
‫ترك لبنه مثلما ترك قسيم الدولة لبنه؟!‬
‫إن الناس تنشغل بترك الال والثروة‪ ،‬وتأمي الشقة والسيارة‪ ،‬وتوصية فلن وفلن‪ ،‬ولكنّ‬
‫القليل الذي يترك مثل الذي تركه قسيم الدولة رحه ال‪ ،‬لك ّن القليل أيضًا الذي يكون مثل عماد‬
‫الدين زنكي‪ ،‬فاعتبوا يا أول البصار!‬

‫‪( 1‬الرحن‪.)60 :‬‬

‫‪249‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫نشأة عماد الدين زنكي‬


‫ل يسبّ أحدٌ أن كل ما ذكرناه من فضائل ف حياة قسيم الدولة آق سنقر كانت تفى‬
‫على الطفل الصغي عماد الدين زنكي! فعقول الطفال أوسع بكثي ما نتخيل‪ ،‬وكان رسول ال‬
‫يعرض على الطفال قضايا ف منتهى الساسية‪ ،‬وف قمة العمق‪ ،‬وما أروع عرضه للسلم على‬
‫الطفل الصغي عليّ بن أب طالب ! وما أروع شرحه للعقيدة بكل تفصيلتا للطفل عبد ال بن‬
‫عباس رضي ال عنهما! وما أروع استشارته للطفل أسامة بن زيد رضي ال عنهما ف قضية أهل بيته‬
‫عائشة رضي ال عنها هل يطلّقها أم يبقيها!!‬
‫إن عقول الطفال تستوعب تصرّفات الباء ف س ّن مبكّرة جدّا‪ ،‬خاصّةً ف هذا الزمن الول‪،‬‬
‫حيث كان الطفل يفظ القرآن ف عمر السابعة‪ ،‬ويفظ كتب الفقه والديث وهو ل يبلغ العاشرة‪،‬‬
‫ش َرةَ‪،‬‬
‫ش َرةَ‪ ،‬وكان يقود اليش وهو ل يبلغ الثامنةَ ع ْ‬
‫وكان ياهد ف سبيل ال وهو ل يبلغ الامسةَ ع ْ‬
‫وكان يكم البلد وهو ل يبلغ العشرين!!‬
‫إنا حياة جادّة تستوعب إمكانيات الطفل وتنميها‪ ،‬فتضيف إل عمره أعمارًا جديدة‪ ،‬بدلً‬
‫من الياة اللهية الت يبلغ فيها الشابّ الثلثي من عمره وأكثر‪ ،‬وهو ل يتلك بعدُ البة الت تكّنه‬
‫حت من العتماد على نفسه‪.‬‬
‫ل ببّ الشريعة والهاد‪ ،‬وراغبًا ف نصرة‬ ‫مات آق سنقر‪ ،‬وترك عماد الدين زنكي ممّ ً‬
‫الدين والسلمي‪ ،‬وشاعرًا تامًا بموم ُأمّته ومشاكلها؛ لذلك اختار عماد الدين زنكي ف هذه السنّ‬
‫الصغية أن ييا حياة الهاد والدّيّة‪.‬‬
‫ترك عماد الدين زنكي حلب بعد مقتل أبيه‪ ،‬فلم يكن يستطيع ‪ -‬على رغم حبّ كل الناس‬
‫له ‪ -‬أن يعيش ف بلدٍ يكمه تتش قاتل أبيه‪ ،‬وخاصّة أن تتش كان ظالًا فاسدًا ل ينظر مطلقًا إل‬
‫مصال ُأمّته‪ ،‬بل ل يصرف وقته ول جهده إل لصاله الاصّة فقط‪.‬‬
‫فإل أين انتقل عماد الدين زنكي؟!‬
‫لقد انتقل إل الوصل!‬
‫ولعلّ هذا النتقال ف الساس كان لولية كربوغا على الوصل‪ ،‬وكربوغا هو أمي تركمان‬
‫تدّثنا عنه أيام بدايات الروب الصليبية‪ ،‬وكان صديقًا شخصيّا لق سنقر‪ ،‬فلما مات استقدم ابنه‬
‫عماد الدين زنكي‪ ،‬وضمّه إل جيشه‪ ،‬وكان هذا ف سنة ‪489‬هـ‪ ،‬وعماد الدين زنكي ف الثانيةَ‬
‫ش َرةَ من عمره‪.1‬‬
‫عْ‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.16‬‬

‫‪250‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لعماد الدين‬ ‫وأخذ يوال تدريبه على الفروسيّة والقتال وإدارة اليوش‪ ،‬وهكذا قَيّض ال‬
‫زنكي من يصقل شخصيته‪ ،‬وينمّي مواهبه‪.‬‬
‫واشترك عماد الدين زنكي فعلً ف القتال مع كربوغا لوّل مرّة حي كان يضع بعض‬
‫الوليات لكم السلطان بركياروق‪ ،‬وكان عماد الدين زنكي ل يتجاوز ف هذه العركة الرابعةَ‬
‫ش َرةَ من عمره‪.1‬‬
‫عَ ْ‬
‫وف حياة كربوغا ‪ -‬وتديدًا ف سنة (‪491‬هـ) ‪1097‬م ‪ -‬احتلّ الصليبيون مدينة‬
‫أنطاكية‪ ،‬وأرسل السلطان بركياروق جيشًا بقيادة كربوغا لرب الصليبيي‪ ،‬ولكن اليش مُنِيَ‬
‫بالزية كما مرّ بنا‪ ،2‬ول ندري إن كان الطفل عماد الدين زنكي كان مشاركًا ف هذا القتال أم ل‪،‬‬
‫ولكن الؤكد أنه عاش قضية الصليبيي من أوّلا‪ ،‬فل شكّ أن كل الحاديث الت كان يسمعها ف‬
‫بلط كربوغا كانت تدور حول الصليبيي‪.‬‬
‫لقد عاش عماد الدين زنكي القصة من أوّلا!‬
‫ش َرةَ من‬‫ومات كربوغا سنة (‪495‬هـ) ‪1102‬م‪ ،3‬وكان عماد الدين زنكي ف الثامن َة عَ ْ‬
‫عمره‪ ،‬وكان من توفيق ال أ ّن الذي تولّى المارة ف الوصل بعد ذلك كان جكرمش‪ ،4‬وكان أيضًا‬
‫من أخلص أصدقاء الب قسيم الدولة آق سنقر‪ ،‬ومن ثَ ّم استكمل مسية كربوغا ف تربية عماد‬
‫الدين زنكي‪ ،‬وف تقديه على غيه‪ ،‬وتعليمه كل فنون القيادة والدارة‪.‬‬
‫إننا نرى بوضوح أن ال يُسَخّر لعماد الدين زنكي مَن يضع قدمه على الطريق‪ ،‬ويوجّه‬
‫خطواته التوجيه الصوب‪.‬‬
‫وعند عزل جكرمش سنة (‪500‬هـ) ‪1106‬م‪ ،‬حكم الوصل جاول سقاوو‪ ،‬لكن جاول‬
‫كان على خلف المراء السابقي‪ ،‬لقد كان ظالًا فاسدًا ل يفكّر إلّ ف مصاله‪ ،5‬بل وصل المر ف‬
‫سنة (‪501‬هـ) ‪1107‬م‪ ،‬أي بعد سنة واحدة أن قرّر جاول أن ينفصل بكم الوصل عن سلطة‬
‫السلطان ممد السلجوقيّ‪ ،‬وهو السلطان الذي خَلَف أخاه السلطان بركياروق منذ سنة (‪494‬هـ)‬
‫‪1100‬م‪ ،‬وهنا يتّخذ عماد الدين زنكي موقفًا عجيبًا! لقد كان آنذاك ف الرابعة والعشرين من عمره‬
‫فقط‪ ،‬ومع ذلك فقد قرّر أن يرج من جيش جاول‪ ،‬وهو رئيسه الباشر‪ ،‬لينضمّ إل السلطان ممد‬
‫السلجوقي‪ ،6‬وكانت هذه الطوة ف منتهى الطورة عليه‪ ،‬لكنه أقدم على هذه الطوة دون تردّد‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.16‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/16،15‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/54‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/55‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/103‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪ ،17‬وأبو شامة‪ :‬الروضتي ف أخبار الدولتي النورية والصلحية ‪.1/68‬‬

‫‪251‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ش َر عامًا بذافيه! لقد كانت الرؤية واضحة تامًا عند عماد‬ ‫مُ َك ّررًا ما فعله أبوه قبل ذلك بمس َة عَ َ‬
‫الدين زنكي أن ولءَه الرئيسي للسلطان العادل ممد السلجوقي‪ ،‬وليس للمي الظال جاول‪ ،‬ول بُدّ‬
‫أن يعلن هذا الولء‪ ،‬ولو كان الثمن منصبه‪ ،‬بل ولو كان الثمن حياته!‬
‫ولكن ال سلّم‪ ،‬و َحفِظ عماد الدين زنكي‪ ،‬وباءت ثورة جاول بالفشل‪ ،‬و َعرَف السلطان‬
‫ممد السلجوقي القائد الشابّ الديد عماد الدين زنكي ابن قسيم الدولة الشهور والحبوب إل‬
‫ملكشاه والد السلطان ممد‪ ،‬وأوصى السلطان ممد بعماد الدين زنكي خيًا‪ ،‬ورفع ذلك اسه ف‬
‫عيون الميع‪.‬‬
‫ث كانت لظة فارقة ف حياة عماد الدين زنكي‪ ،‬حي تولّى أم َر الوصل شخصي ٌة من أعظم‬
‫الشخصيات ف التاريخ السلمي‪ ،‬وهو مودود بن التونتكي رحه ال‪ ،‬وقد مرّ بنا طرف من حياته‪،‬‬
‫ت سنوات‪ ،‬كان فيها عماد الدين زنكي من أقرب الناس إل مودود‪،‬‬ ‫وكانت هذه الولية مدة س ّ‬
‫ومَنْ أدراك مَنْ مودود!!‬
‫إنه ‪ -‬كما مرّ بنا ‪ -‬من أصلح المراء‪ ،‬وأتقاهم ل‪ ،‬وأحبهم للعبادة‪ ،‬وأعدلم مع الرعيّة‪،‬‬
‫وأخلصهم ف الهاد ف سبيل ال‪ ،‬وأرغبهم ف وَحْدَة السلمي‪ ،‬وأكرههم للصليبيي‪ ،‬لقد أدرك عماد‬
‫الدين زنكي مودودًا رحه ال‪ ،‬وكان عماد الدين زنكي ف ريعان شبابه‪ ،‬فقد صحبه حي كان يبلغ‬
‫من العمر أربعة وعشرين عامًا‪ ،‬وقُتِل مودود‪ ،‬وقد بلغ عماد الدين زنكي ثلثي عامًا‪.‬‬
‫إنا فترة النضج القيقية ف حياة الجاهد عماد الدين زنكي‪َ ،‬شرِب فيها عماد الدين زنكي‬
‫كل توقي وتقدير للشريعة‪.‬‬
‫وشرب فيها كيف يكن بذل الوقت والهد والنفس ف سبيل إعلء كلمة ال ف الرض‪.‬‬
‫وشرب فيها كل الهارات القيادية والفنية والقتالية الت يتمتّع با مودود‪.‬‬
‫وشرب فيها الشجاعة والرأة والفكر العسكريّ الصائب‪.‬‬
‫وشرب فيها ف ذات الوقت كراهية كبية للصليبيي الذين استباحوا بلد السلمي‪ ،‬وللباطنية‬
‫الذين قتلوا مودودًا رحه ال‪ ،‬وللزعماء التافهي الذين تركوا مودودًا ف أزمته‪ ،‬بل أغروا به سفهاءهم‬
‫ليقتلوه!‬
‫ومع مودود ‪ -‬وف سنة ‪507‬هـ\ ‪1113‬م ‪ -‬شهد عماد الدين زنكي موقعة الصّنَبّرة‪،1‬‬
‫حيث ذاق حلوة النصر على العداء‪ ،‬وذاق طعم العزّة والكرامة‪ ،‬وأبلى عماد الدين زنكي ف هذه‬
‫الوقعة بلءً حسنًا غي مسبوق‪ ،‬وأظهر شجاعة نادرة‪ ،2‬ومقدرة قتالية فذّة‪ ،‬حت اكتسب شهرة‬
‫واسعة ف كل بلد السلمي‪ ،‬وصار حديث الناس‪ ،‬كما كان أبوه حديث الناس وأشدّ!‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/150،149‬‬
‫‪ 2‬يقول عنه ابن الثي بعد هذه العركة‪" :‬وكان له الشجاعة ف الغاية"‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/153‬‬

‫‪252‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ث قُِت َل مودود رحه ال‪.‬‬


‫وكانت صدمة كبية لعماد الدين زنكي‪ ،‬فقد أحبّه حبّا شديدًا من أعماقه‪ ،‬ث إنا كانت‬
‫صدمة لكتشافه بجم الؤامرات الدنيئة ف العال السلمي‪ ،‬وعَلِم على وجه اليقي أن قتال الصليبيي‬
‫مستحيل ف وسط هذه الجواء‪ ،‬وليس هناك بُ ّد من إصلح الداخل قبل الصدام مع العداء‬
‫الارجيّي‪.‬‬
‫ث تولّى آق سنقر البسقي ولية الوصل للمرّة الول‪ ،‬وذلك من سنة (‪507‬هـ) ‪1113‬م‬
‫إل سنة (‪509‬هـ)‪1115‬م‪ ،‬واشترك معه عماد الدين زنكي بقوة ف معاركه ضد الصليبيي‪،‬‬
‫وحاصر معه الرها وسُمَيْساط وسروج‪ ،‬ما زاد من شهرة عماد الدين زنكي لدى الميع‪.1‬‬
‫ث بعد عزل آق سنقر البسقي سنة (‪507‬هـ) ‪1115‬م‪ ،‬وتولية جيوش بك دخل عماد‬
‫الدين زنكي تت زعامة المي الديد‪ ،‬وعندما حاول جيوش بك أن يقوم بحاولة انقلبية على‬
‫السلطان ممود سنة (‪514‬هـ)\ ‪1121‬م‪ ،‬رفض عماد الدين زنكي أوامر قائده القرب جيوش‬
‫بك‪ ،‬وأصرّ على الولء للسلطان العلى ممود‪ ،‬وقد فشلت هذه الحاولة النقلبية‪ ،‬ورفع هذا كثيًا‬
‫من أسهم عماد الدين زنكي عند السلطان ممود‪.2‬‬
‫ث ُأعِيد تولية آق سنقر البسقي على الوصل سنة ‪515‬هـ‪ ،‬فعاد عماد الدين زنكي من‬
‫ب آق سنقر لدارة المن ف بغداد للسيطرة على‬ ‫جديد إل تبعيّته آق سنقر البسقي‪ ،‬وعندما انتُ ِد َ‬
‫بعض المور الطية سنة (‪516‬هـ) ‪1122‬م‪ ،‬وكان دَُبيْس بن صَدَقَة قد قاد ثورة ف بغداد‬
‫للسيطرة على الكم هناك‪ ،‬أخذ آق سنقر عماد الدين زنكي معه لثقته ف قدراته العسكرية‬
‫والدارية‪ ،‬بل إن آق سنقر البسقي ولّى عماد الدين زنكي منطقة واسط حيث الركز الرئيسي‬
‫لدبيس بن صدقة ليكون ف مواجهته مباشرة‪ ،‬مّا يد ّل على عظيم ثقة آق سنقر ف القائد العظيم عماد‬
‫الدين زنكي‪ .‬وبالفعل استطاع عماد الدين زنكي أن ينتصر على دبيس ويعيد المور إل نصابا‪ ،‬ولا‬
‫هاجت العراب مدينة البصرة هجمات متكرّرة أعطى آق سنقر ولية البصرة لعماد الدين زنكي‬
‫سيْطِر على العراب وينع هجماتم‪ ،‬ما‬ ‫للسيطرة على الوضاع هناك‪ ،‬فنجح ف فترة وجيزة أن يُ َ‬
‫جعله بقّ رجل الهام الصعبة ف الدولة السلجوقية‪.3‬‬
‫وكان ولء عماد الدين زنكي ف كل هذه الحداث للسلطان السلجوقيّ وأمرائه‪ ،‬ول يكن‬
‫للخليفة العباسي‪ ،‬إنا كان يُدَافِع عن الليفة العباسي ف بغداد لن مصال السلطنة كانت متوافقة مع‬
‫مصال اللفة‪ ،‬ولكن عند َتعَارُض مصال السلطنة مع اللفة‪ ،‬مثل اللف الذي حدث سنة‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.20،19‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.24‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.28-26‬‬

‫‪253‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪519‬هـ بي السلطان ممود والليفة السترشد بال‪ ،‬كان عماد الدين زنكي يقف إل جوار‬
‫السلطان دون تردد‪ ،1‬وهذا ف رأيي أمر طبيعي ومَُت َوقّع‪ ،‬مع أنه قد يُسَبّب لنا حرجًا ف الفهم‪ ،‬عندما‬
‫ند أن عماد الدين زنكي يقف بيشه أحيانًا ف وجه الليفة‪ ،‬لكنْ تعاَلوْا نفهم حقيقة المر بدوء‪،‬‬
‫وهذا سيساعد ف فهم كثي من الحداث الستقبليّة‪.‬‬
‫لقد عاش خلفاء بن العباس منذ فترة طويلة جدّا تاوزت الائت سنة تت السيطرة العسكرية‬
‫لغيهم‪ ،‬فكانت السيطرة تارة للتراك‪ ،‬ث أخرى للبويهيي الشيعة‪ ،‬ث أخيًا للسلجقة‪ ،‬وَفقَدت كلمة‬
‫اللفة كل معنًى لا‪ ،‬وصار الكم كله ف يَدِ الاكم العسكري الذي يلك اليوش والوزارات‬
‫والموال والقرارات والتفاقات ال ّدوَِليّة‪ ،‬والمور الداخلية المنية وغيها؛ وف ظلّ هذه الوضاع‬
‫توارث اللفاء اللقب والثروات الشخصيّة فقط‪ ،‬وكان أقصى أحلم كلّ خليفة أن ُيسَيْ ِطرَ فقط على‬
‫المور ف بغداد‪ ،‬ول أقول العراق! بعن أنّ الليفة ف أفضل أحواله كان كالحافظ على بغداد‪ ،‬بينما‬
‫السلطان الهيمن على الكم يكم دولة شاسعة من الصي إل الشام‪ ،‬وتضمّ بي طيّاتا العراق با فيه‬
‫بغداد‪ ،‬وكان السلطي ‪ -‬وخاصة السلجقة ‪ -‬يافظون على بقاء الليفة كرمز ليجمع ا ُلمّة حول‬
‫معنًى واحدٍ‪ ،‬وُيعِيد إل أذهانم دومًا أنم ُأمّة واحدة‪ ،‬وصار وضع الليفة ف الدولة السلمية كوضع‬
‫اللك أو اللكة الن ف البلد الت أصبحت تُدَارُ بنظام جهوري كإنلترا وإسبانيا وكندا وهولندا؛‬
‫فهو مرّد رمز يذكّر الناس ببعض العان الميلة‪ ،‬ولكن ليس له دخلٌ ف الكم أو الدارة أو أيّ‬
‫قرار‪.‬‬
‫ولكن أحيانًا كان الليفة ‪ -‬كما ف حالة السترشد بال ف قصّتنا ‪ -‬يد ف نفسه قوّة‪،‬‬
‫وُترَا ِودُه الطموحات الكبية أن ُيعِيَد للقب "الليفة" هيبته القيقية‪ ،‬فيُ َكوّن جيشًا من أهل بغداد وما‬
‫حولا‪ ،‬ويبدأ بهاجة السلطان‪ ،‬وماولة فرض الرأي عليه‪ ،‬ولكن هذا ف القيقة وضع مقلوب‪ ،‬فبعيدًا‬
‫شّتتَ السلطة بي خليفة وسلطان يُضعف الولء عند الميع‪ ،‬وُيدْخِل البلد ف حالة‬ ‫عن اللقاب فإنّ تَ َ‬
‫من الضطراب غي القبول؛ ولذلك كان عماد الدين زنكي يقف بصرامة مع السلطان القويّ ف‬
‫مواجهة الليفة الضعيف‪ ،‬مع أ ّن قوّة الليفة كانت أحيانًا تقوى ملّيّا حت تتغلّب على جيوش‬
‫السلطان الحلّيّة ف بغداد أو ما حولا‪ ،‬لكنها تبقى ف النهاية ملّيّةً‪.‬‬
‫ث إ ّن عماد الدين زنكي بدأ ف الظهور أكثر وأكثر نتيجة النجاحات التتالية الت ي ّققُها‪ ،‬مّا‬
‫جعل السلطان ممود سلطان السلجقة العظام ف فارس يستدعيه إل أصفهان‪ ،‬وُي َقرّبه منه‪ ،‬ويُولِيه‬
‫ثقته‪ ،‬ويزوّجه أرملةَ كندغدي‪ ،‬وهو أحد أكب أمراء السلطان‪ ،‬ث ولّه على إمارة البصرة ف سنة‬
‫حنَة العراق" أي مدير أمن العراق‬ ‫‪518‬هـ‪ ،2‬ث عيّنه ف سنة ‪521‬هـ ف منصب خطي‪ ،‬وهو "شِ ْ‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/139،138‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.27‬‬

‫‪254‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بكاملها‪ ،1‬بل وزاده على ذلك أمرًا عظيمًا‪ ،‬وهو أن جعله بالضافة إل إدارة المن ف العراق "أتابكًا"‬
‫لولديه ألب أرسلن‪ ،‬وفروخ شاه؛ والتابك هو الربّي‪ ،‬فأصبح عماد الدين زنكي هو التابك عماد‬
‫الدين زنكي‪ ،2‬وأصبح مسئولً عن تنشئة أولد السلطان تنشئة عسكرية سياسية شرعية متميزة‪.‬‬
‫ل صعبًا بدأه عماد الدين زنكي ف س ّن صغية مبكرة‪ ،‬وعاش حياة‬ ‫لقد كان طريقًا طوي ً‬
‫جدية تامًا‪ ،‬ول يكن يلهو ف حياته كما يلهو الطفال أو الشباب‪ ،‬إنا كان رجلً بعن الكلمة‪،‬‬
‫يعيش هوم ُأمّته‪ ،‬ول يهتم بسفاسف المور؛ فأجرى ال على يديه من الي الكثي‪ ،‬وحقّق ناحات‬
‫ل لا هو آتٍ‪ ،‬فقد كان على موعد ف مستقبله مع مهمة أثقل‪ ،‬ووظيفة‬ ‫عظيمة‪ ،‬وكان كلّ ذلك تأهي ً‬
‫أصعب‪ ،‬وهي مواجهة الكيان الصليب الذي استقرّ ف بلد السلم منذ ثلثي سنة‪ ،‬وباءت ماولت‬
‫السلمي ف كل السنوات السابقة بالفشل ف إخراج الصليبيي من الراضي الت احتلّوها‪ ،‬فكانت‬
‫هذه الهمة تتاج إل رجلٍ من طراز عماد الدين زنكي!‬
‫لقد كان من قدر ال أن سخّر الرسولي اللذين أرسلهما جاول ‪ -‬الملوك الذي سيطر‬
‫على المور ف حلب ‪ -‬ليعرضا على السلطان ممود اسم عماد الدين زنكي ليتول أمور الوصل‬
‫وحلب‪ ،‬وبالتال يواجه الصليبيي بهارته العروفة‪ ،‬ووجد السم قبو ًل عند السلطان ممود دون تردد‪،‬‬
‫ومن ثَ ّم عهد إل عماد الدين زنكي ف ‪ 3‬من رمضان ‪521‬هـ\ ‪ 13‬من سبتمب ‪1127‬م بولية‬
‫الوصل والزيرة (شال العراق) وما يفتحه من بلد الشام‪ ،3‬لتبدأ بذلك مرحلة مهمة ف التاريخ‬
‫السلمي تُعرف بالدولة الزنكية الت بدأ تأسيسها عماد الدين زنكي ف سنة ‪521‬هـ‪ ،‬وتبدأ ف‬
‫نفس الوقت مرحلة جديدة من مراحل الصراع السلمي‪ -‬الصليب ف قصة الروب الصليبية‪.‬‬

‫عماد الدين زنكي أتابك الوصل‬


‫عماد الدين زنكي شخصية فريدة ف التاريخ السلمي‪ ،‬ورأينا كيف كانت جذوره طيبة‪،‬‬
‫وقد ترك له والده آق سنقر الاجب رحه ال كلّ خي‪ ،‬ورأينا كذلك تدرجه ف العمال والناصب‬
‫حت وصل إل رئاسة إمارة الوصل‪ ،‬وهو منصب رفيع جدّا‪ ،‬لكن كم من المراء وصلوا إل هذا‬
‫النصب قبل ذلك‪ ،‬ول يغيّروا أحداث التاريخ! لكن عماد الدين زنكي ل يكن كعامة المراء بل كان‬
‫متميزًا متفردًا مؤثرًا ف كل من حوله‪ ،‬ناقلً للمة السلمية بكاملها نقلة نوعية كان لا من الثر ما‬
‫تاوز عشرات السني!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/241‬وابن خلكان‪ :‬وفيات العيان ‪.2/327‬‬


‫‪ 2‬البنداري‪ :‬تاريخ دولة آل سلجوق ص ‪ ،188‬وابن خلكان‪ :‬وفيات العيان ‪.2/328‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.34-32‬‬

‫‪255‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وما أبلغ ما قاله عماد الدين الصفهان وهو يصف عماد الدين زنكي رحه ال حي قال‪:‬‬
‫"كان قطبًا يدور عليه فلك السلم!"‪ .4‬لقد صوّر العماد الصفهان عماد الدين زنكي بأنه أصبح‬
‫مركزًا لكل عمل مهم ف المة السلمية‪ ،‬فصار كل شيء إسلمي ف زمانه مرتبطًا به‪ ،‬متأثرًا‬
‫بأفعاله! وهي درجة ل يصل إليها إل أعاظم السلمي‪ ،‬وأكابر الجددين‪.‬‬
‫إنن أعتب عماد الدين زنكي بشخصيته التميزة "رجل الرحلة"! إنه الرجل الناسب الذي‬
‫توفرت فيه الصفات الت تؤهّله للخذ بيد المة ف هذه الرحلة الصعبة من تاريخ المة‪ ،‬وهذا من‬
‫فضل ال عليه وعلى الناس‪ ،‬وهذا من رحة ال بالسلمي‪ ،‬فهو يرزقهم ف كل مرحلة من مراحل‬
‫حياتم قائدًا يمل من الصفات ما يصلح لعبور هذه الرحلة بكل ما فيها من أزمات‪.‬‬
‫ولقد جع عماد الدين زنكي من الصفات ما تعله يصلح أن يكون "نوذجًا" للحاكم‬
‫السلم‪ ،‬بيث تصبح أقواله وأفعاله وأخلقه واختياراته معيارًا تستطيع أن تكم به على صلح حاكم‬
‫أو فساده‪ ،‬وليس هذا مبالغة‪ ،‬بل هو قليل من كثي‪ .‬ولعله من الناسب أن نقترب أكثر من شخصية‬
‫عماد الدين زنكي فنطّلع على جوانبها وصفاتا وأهم ميزاتا‪ ،‬وذلك قبل الوض ف تفصيلت قصته‬
‫ف إمارة الوصل‪ ،‬وخطوات تغييه للواقع الليم الذي كانت تعيشه المة‪ ،‬وهذا القتراب من‬
‫شخصيته سيضع أيدينا على الفاتيح الهمة الت ينبغي لكل مصلح أن يتحلى با؛ ولذلك فهي من أهم‬
‫النقاط ف هذا البحث الاص بالروب الصليبية‪ .‬وصفات الي فيه كثية‪ ،‬ولكن من أهّها ما يلي‪:‬‬

‫أولً‪ :‬الخلص والتجرد ل‪:‬‬


‫وهذه كانت صفة غالبة على كل حياته رحه ال‪ ،‬وبا كان يُنصر ويتمكن‪ ،‬ولعل القارئ‬
‫يتعجب من ذكر صفة الخلص كصفة واضحة ف حياة عماد الدين زنكي؛ لن الخلص صفة‬
‫قلبية‪ ،‬وهي بي العبد وبي ال ‪ ،‬ول يطّلع عليها عموم الناس‪ ،‬ولكن الخلص له شواهد‬
‫وعلمات‪ ،‬وكل هذه العلمات والشواهد رأيناها بوضوح ف حياة عماد الدين زنكي؛ لذلك نشهد‬
‫له بذا‪ ،‬ونسأل ال أن يتقبل كل أعماله الصالة‪.‬‬
‫ل ثباته على الفكرة طيلة أيام عمره؛ فقد جعل قضية‬
‫فمن شواهد الخلص ف حياته مث ً‬
‫إخراج الصليبيي من بلد السلمي قضية حياته‪ ،‬فبذل جهده ف هذه القضية عشرين سنة متصلة هي‬
‫مدة حكمه للمسلمي‪ ،‬هذا غي السنوات الت سبقت إمارته‪ ،‬والت كان فيها يشارك المراء السابقي‬
‫ف غزو الصليبيي وجهادهم‪.‬‬

‫‪ 4‬البنداري‪ :‬تاريخ دولة آل سلجوق ص ‪.185‬‬

‫‪256‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن الرجل الذي يتذبذب بي الخلص ل والعمل للذات وللنفس‪ ،‬يغيّر كثيًا من قضاياه‬
‫تبعًا للظروف‪ ،‬أما أن تر العوام تلو العوام وعماد الدين زنكي ل يتغي ول يتبدل‪ ،‬فهذا معناه أنه‬
‫رجلٌ يعمل ل ‪.‬‬
‫ومن شواهد إخلصه أيضًا تقديه لصال السلمي على مصلحته الشخصية‪ ،‬فقد خاطر كثيًا‬
‫بلكه الشخصيّ ف سبيل نصر السلمي‪ ،‬وما أروع ما فعل حي وُضع ف مأزق عسكري ف أحد‬
‫حروبه ضد الصليبيي سنة (‪532‬هـ) ‪1137‬م‪ ،‬فقرر الستعانة بيوش السلطان السلجوقي مسعود‪،‬‬
‫فقال له أحد الستشارين‪ :‬إن هذا قد يشجّع السلطان على ضم حلب إل أملكه؛ فتضيع بذلك من‬
‫زنكي‪ .‬فقال عماد الدين زنكي‪" :‬إن هذا العدو (الصليبيي) قد طمع ف البلد‪ ،‬وإن أخذ حلب ل‬
‫يبق بالشام إسلم‪ ،‬وعلى كل حال فالسلمون أول با من الكفار!"‪.1‬‬
‫وهذه الرؤية الرائعة تتلف كثيًا عن رؤية عموم المراء الذين رأيناهم ف قصة الروب‬
‫الصليبية‪ ،‬حيث كان المي ل ياطر بالستنجاد بأميٍ آخر خوفًا من أن يتملك هذا المي الديد كل‬
‫شيء‪ ،‬بل ل يانع بعض المراء من الستعانة بالصليبيي ف سبيل الفاظ على ملكهم‪ ،‬بل وأكثر من‬
‫ذلك فقد دبّر بعض المراء مؤامرات لقتل الزعماء السلمي الجاهدين خوفًا من دخول إماراتم تت‬
‫سلطة الزعيم الجاهد‪ ،‬وما أحداث قصة مودود رحه ال منا ببعيد!‬
‫ومن شواهد إخلصه أيضًا أنه كان ياطر بياته ف العارك فل يقاتل ف أخريات الصفوف‪،‬‬
‫أو بنأى عن الخاطر‪ ،‬بل كان يتقدم الميع‪ ،‬وكثيًا ما يكون أقرب الناس إل العدو؛ ولقد َفرَش ف‬
‫صرًا لمارة الرها‪ ،‬فنادى ف جيشه قائلً‪:‬‬ ‫ليلة من الليال بساطًا كبيًا‪ ،‬ووضع عليه الطعام‪ ،‬وكان ما ِ‬
‫"ل يأكل معي على مائدت هذه إل من يطعن معي غدًا ف باب الرها!" أي أنه سيصل ف قتاله غدًا‬
‫إل أقرب النقاط من الصن‪ ،‬حيث سيباشر ماولت كسر الباب بنفسه‪ ،‬وهذا سيجعله ف مرمى‬
‫سهام العدو‪ ،‬وسيعرّض حياته للهلكة‪ ،‬لكنه كان يفعل ذلك دومًا رحه ال؛ وعندما قال كلماته هذه‬
‫ل يتقدم إليه ليأكل معه غي أمي واحد‪ ،‬وصب آخر ل يعرفه! فقد أحجم الميع لعرفتهم بإقدام عماد‬
‫الدين زنكي ورغبته الصادقة ف الشهادة‪ ،‬وقد قال المي للصب الصغي‪ :‬ما أنت وهذا القام؟ فكأنه‬
‫يستصغر شأنه‪ ،‬ويشك ف ثباته‪ ،‬فقال عماد الدين زنكي‪" :‬دعه؛ فإن أرى ‪ -‬وال ‪ -‬وجهًا ل‬
‫يتخلف عن!"‪ ،‬وقد كان وثبت الصب معه‪!2‬‬
‫ومن شواهد إخلصه أيضًا اجتماع الناس على حبّه؛ فقلوب العباد بي أصابع الرحن سبحانه‬
‫وتعال‪ ،‬وقد رأينا اجتماع أهل البلد الختلفة على حبه‪ ،‬ورأينا اجتماع الوزراء والقضاة وعلماء‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/303‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/331‬‬

‫‪257‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الدين على هذا الب أيضًا‪ ،‬ومن اجتمع له حب الناس بذه الصورة فهو دلل ٌة على حب ال له‪ ،‬وال‬
‫ل يب إل الخلصي له‪.‬‬
‫روى البخاري ومسلم عن أب هريرة ‪ ،‬أن رسول ال قال‪ِ" :‬إذَا أَ َحبّ ال ّلهُ اْلعَ ْبدَ نَادَى‬
‫حبّ‬
‫حبّ فُلنًا َفأَحْبِ ْبهُ؛ فَيُحِّبهُ جِ ْبرِيلُ‪ ،‬فَيُنَادِي ِج ْبرِي ُل فِي َأهْ ِل السّمَاءِ‪ :‬إِ ّن ال ّلهَ يُ ِ‬
‫جِ ْبرِيلَ‪ :‬إِ ّن ال ّلهَ يُ ِ‬
‫فُلنًا َفأَحِبّوهُ؛ فَيُحِّبهُ َأهْ ُل السّمَاءِ‪ُ ،‬ثمّ يُوضَعُ َلهُ اْلقَبُولُ فِي اْلَأ ْرضِ"‪ .1‬فإذا رأيت حاكمًا قد وُضع له‬
‫القبول ف الرض فأحبه الناس‪ ،‬فهذا علمة على إخلص هذا الاكم وحب ال له‪.‬‬
‫ومن شواهد إخلصه رحه ال أيضًا أن ال نصره ف معظم لقاءاته مع الصليبيي‪ ،‬وال‬
‫ل ينل نصره إل لحبابه وأنصاره ومن أخلصوا له‪ ،‬واليات ف هذا العن كثية؛ ومنها على‬
‫صرْكُمُ ال ّلهُ فَلَ غَاِلبَ لَ ُكمْ‪َ ( ،)3‬ومَنْ يََتوَلّ‬
‫صرَنّ ال ّلهُ مَنْ َي ْنصُرُهُ‪ ،)2‬ومنها‪( :‬إِ ْن يَ ْن ُ‬
‫سبيل الثال‪َ ( :‬ولَيَ ْن ُ‬
‫ال ّل َه َورَسُوَل ُه وَاّلذِينَ َآمَنُوا َفإِنّ ِحزْبَ ال ّلهِ ُهمُ اْلغَالِبُونَ‪.)4‬‬
‫ومن شواهد إخلصه أخيًا حسن الواتيم‪ ،‬فسوف نرى أنه سيُقتل رحه ال ف ميدان‬
‫الهاد‪ ،‬فهذه الاتة ف هذا اليدان هي من أسعد الواتيم‪ ،‬وهي أمنية الصالي‪ ،‬ولقد قال رسول ال‬
‫فيما رواه أحد عن عمر الُ َمعِيّ‪" :‬إذا أراد ال بعبدٍ خيًا استعمله قبل موته"‪ .‬فسأله رجل من‬
‫إل العمل الصال قبل موته‪ ،‬ث يقبضه على ذلك"‪.5‬‬ ‫القوم‪ ،‬وما استعمله؟ قال‪" :‬يهديه ال‬
‫فهذه بعض الشواهد على إخلصه رحه ال‪ ،‬وهي سر تفوقه وتيزه‪ ،‬فإن ال كان معه ف‬
‫كل خطواته‪ ،‬مع نشأته يتيمًا ووحيدًا إل أن ال سخّر له من يتول شئونه‪ ،‬ويرعى أموره حت صار‬
‫إل ما صار إليه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬توقيه رحه ال للشريعة والدين‪:‬‬
‫وهذا أمر واضح ف حياته رحه ال‪ ،‬فقد حرص على إقامة الدود الشرعية ف كل الناطق‬
‫الت يكمها‪ ،‬وكان يلتزم بكم الشريعة ويلزم با الناس‪ ،‬وما أكثر الواقف ف حياته الت كان يمع‬
‫فيها الفقهاء ليأخذ رأيهم ف السألة! وكان يُعطِي العلماء ف إمارته منلة عظيمة؛ قال ابن الثي عن‬

‫‪ 1‬البخاري‪ :‬كتاب بدء اللق‪ ،‬باب ذكر اللئكة (‪ ،)3037‬ومسلم‪ :‬كتاب الب والصلة والداب‪ ،‬باب إذا أحب ال عبدًا حببه إل‬
‫عباده (‪ ،)2637‬والنسائي ف سننه الكبى (‪ ،)7747‬وأبو نعيم ف اللية ‪..7/141‬‬
‫‪( 2‬الج‪.)40 :‬‬
‫‪( 3‬آل عمران‪.)160 :‬‬
‫‪( 4‬الائدة‪.)56:‬‬
‫‪ 5‬الترمذي‪ :‬كتاب القدر‪ ،‬باب إن ال كتب كتابا لهل النة وأهل النار (‪ ،)2142‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وأحد (‪)17256‬‬
‫واللفظ له‪ ،‬وابن حبان (‪ ،)341‬والاكم (‪ )1257‬وقال صحيح على شرط الشيخي ول يرجاه‪ ،‬وقال اللبان‪ :‬صحيح‪ .‬انظر‪( :‬‬
‫‪ )305‬صحيح الامع‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القاضي باء الدين الشهروزري‪" :‬أن عماد الدين زنكي كان ل يصدر إل عن رأيه"‪ .1‬ومثل هذا‬
‫الكلم قيل ف معظم العلماء الذين عاصروا عماد الدين زنكي‪ ،‬وقد استقدم عماد الدين زنكي العلماء‬
‫من كل مكان‪ ،‬وأوكل لم رعاية أمور الناس‪ ،‬بل أوكل لم تربية أبنائه‪ ،2‬فخرج أبناؤه على نفس‬
‫الصورة البهية وأكثر‪ ،‬وخاص ًة نور الدين ممود وسيف الدين غازي‪.‬‬
‫ولعل ما يؤكد على حبه للدين أنه سّى أولده كلهم بأساء مرتبطة بالدين‪ ،‬فأولده هم‪:‬‬
‫سيف الدين‪ ،‬ونور الدين‪ ،‬وقطب الدين‪ ،‬ونصرة الدين؛ وهذه ‪ -‬والمد ل ‪ -‬كانت سة عامة ف‬
‫هذا اليل؛ ولذلك كتب ال له النصر‪ ،‬فآق سنقر سّى ابنه عماد الدين‪ ،‬ووُلد ف هذه الفترة أيضًا‬
‫صلح الدين اليوب‪ ،‬وكان القاضي لعماد الدين هو باء الدين‪ ،‬وكان نائبه هو نصي الدين‪ ،‬وهكذا؛‬
‫وهذا على خلف الفترة السابقة لذا اليل‪ ،‬حيث كانت أساء اللوك والمراء ترتبط بالدولة واللك؛‬
‫ولذلك كثرت حينها الساء مثل‪ :‬شرف الدولة‪ ،‬وجناح الدولة‪ ،‬وعضد الدولة‪ ،‬وباء الدولة‪ ،‬وتاج‬
‫اللوك‪ ،‬وشس اللوك‪ ،‬وما شابه ذلك من أساء تدل على التمسك بالكم ل بالدين‪.‬‬
‫ومع هذا التوقي الشديد للعلماء إل أن عماد الدين زنكي رحه ال ما كان يبخل بالنصح‬
‫والرشاد للعلماء بقدر طاقته‪ ،‬وما أروع ما قاله لبة ال بن أب جرادة‪ ،‬وهو من العلماء الجلء‪،‬‬
‫عندما ولّه قضاء حلب حيث قال له‪" :‬هذا المر قد نزعته من عنقي‪ ،‬وقلدتك إياه‪ ،‬فينبغي أن تتقي‬
‫ال‪ !!"3‬وهذا من شدة توقيه للشريعة والدين‪ ،‬حت أصبح آمرًا للعلماء أن يتقوا ال‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الشجاعة‪:‬‬
‫وهذه صفة لزمة حتمية لكل من أراد أن يتول شئون القيادة والمارة‪ ،‬وما أتعس المة لو‬
‫تول شئونا من يتصف بالوف‪ ،‬أو يغلب عليه الب!‬
‫وليست الشجاعة ف ميدان الروب فقط‪ ،‬ولكن الشجاعة تكون قبل ذلك ف مرحلة القرار‪،‬‬
‫فكثي من القواد ل يلك الشجاعة لخذ قرار الهاد أصلً‪ ،‬ويتعلل بأنه ل يريد لمته أن تعيش‬
‫ويلت الروب! مع كون البلد متلة‪ ،‬والكرامة مهانة‪ ،‬والقوق ضائعة! لكن عماد الدين زنكي‬
‫رحه ال كان شجاعًا ف كل شيء؛ فكان شجاعًا ف قراراته‪ ،‬وشجاعًا ف مواقفه الختلفة‪ ،‬وشجاعًا‬
‫ف معاركه الكثية‪ ،‬وهذا منذ أيامه الول‪ ،‬وإل آخر لظات حياته‪.‬‬
‫ولقد شاهدنا شجاعته قبل وليته حي كان يصحب أمراء الوصل كربوغا وجكرمش‬
‫ومودود وآق سنقر البسقي‪ ،‬واستمرت هذه الشجاعة بل زادت عندما تول المارة‪ ،‬وما أصدق‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/243‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.97‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/275،274‬‬

‫‪259‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الوصف الذي ذكره أبو شامة ف حق عماد الدين زنكي حي قال‪" :‬وأما شجاعته وإقدامه‪ ،‬فإليه‬
‫النهاية فيهما‪ ،‬وبه كانت تضرب المثال"‪!1‬‬
‫أما ابن الثي فقد قال عن عماد الدين زنكي‪" :‬وكان له الشجاعة ف الغاية‪ !"2‬وقال ف‬
‫موضع آخر‪" :‬وكان أشجع خلق ال‪ !"3‬وف موضع ثالث يقول‪" :‬وقد أظهر خلل معاركه شجاعة‬
‫فائقة ل يُسمع بثلها"! وف موضع رابع‪" :‬فأظهر من الشجاعة ما ل يوصف"!‬
‫وهكذا كانت حياته كلها‪ ،‬ما يدل على أن الشجاعة كانت صفة متأصلة فيه‪ ،‬وليست عابرة‬
‫ف ظرف من الظروف‪ ،‬أو موقف من الواقف‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬العدل‪:‬‬
‫ل بد أن يكون العدل صفة لزمة لي حاكم صال؛ لن الاكم يلك القوة لفرض ما يريد‪،‬‬
‫فلو أراد الظلم ل يستطع أحد أن ينعه‪ ،‬ولو أراد العدل سعد به شعبه‪ ،‬بل سعدت به الدنيا‪.‬‬
‫والعدل كان من السمات الرئيسية الميزة لعماد الدين زنكي‪ ،‬حت قال ابن الثي ف وصف‬
‫فترة حكمه رحه ال‪" :‬ل يقدر القوي على ظلم الضعيف‪ ."!4‬وكان يوصي أمراءه دائمًا بالتخفيف‬
‫على الرعية‪ ،‬وتنب أعمال السخرة‪ ،‬وكان صارمًا ف هذا الباب تامًا‪ ،‬ولقد اعتقل وزيره أبا الحاسن‬
‫العجمي؛ لنه صادر بعض أموال الناس‪ ،‬ول يقبل له حجته‪ ،5‬فكان الشعب عنده مقدّمًا على القادة‬
‫والمراء‪ ،‬وكان شديد الرص على متلكات الفلحي البسطاء‪ ،‬فيأمر جنوده بأن يسيوا وسط‬
‫الزارع ف منتهى الذر؛ لئل يدوس أحدهم زرعًا لفلح‪ ،‬ول يكن ف زمانه يسر جندي على أن‬
‫يأخذ تبنًا لفرسه من فلح بل ثن‪ ،6‬مع أن التب سيؤخذ علفًا ليول الهاد إل أن ذلك ل بد أن‬
‫يكون بالثمن!‬
‫وإذا كان عماد الدين زنكي ل يسامح جنوده ف تبٍ أخذوه بغي ثن‪ ،‬فما بالك بالراضي‬
‫والملك والديار؟!‬
‫لقد كان من عادة المراء قبله أنم إذا دخلوا مدينة أو قرية كانت ف حوزة غيهم أخذوها‬
‫وقسموها على الجناد‪ ،‬وبذلك تضيع ملكيات الالكي الصليي‪ ،‬حت جاء عماد الدين زنكي فأقر‬
‫نظام القطاعيات ورفض نظام الملك‪ ،‬بعن أنه كان يعطي المي أو الندي إقطاعية معينة ف البلد‬
‫الفتوحة يتول إدارتا وتنظيمها وحايتها دون أن يتملكها‪ ،‬بل تبقى اللكية ف يد الالك الصلي‪،‬‬
‫‪ 1‬أبو شامة‪ :‬الروضتي ف أخبار الدولتي النورية والصلحية ‪.1/160‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/153‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/340‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/340‬‬
‫‪ 5‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.263‬‬
‫‪ 6‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/283،284‬‬

‫‪260‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ويدفع الالك ضريبة معينة مففة للحكومة نظي التأمي والرعاية‪ ،‬ومن هذه الضريبة يأخذ المي‬
‫صاحب القطاع شيئًا؛ أما الرض فتبقى ف يد مالكها ويتوارثها أبناؤه‪ .‬ولا ذهب إليه بعض أمرائه‬
‫وجنوده الكبار يطلبون أملكًا‪ ،‬كما يفعل الزعماء غي عماد الدين زنكي‪ ،‬قال لم عماد الدين زنكي‬
‫كلمًا من نور! حيث قال لم‪" :‬ما دامت البلد بأيدينا (أي نكمها)‪ ،‬فأيّ حاج ٍة بكم إل الملك؟!‬
‫فإن القطاعات تغن عنها‪ ،‬فإن خرجت البلد من أيدينا‪ ،‬فإن الملك تذهب معها (أي إذا تلك‬
‫الصليبيون البلد‪ ،‬فلن تنفع حينئذٍ ملكيته)‪ ،‬ث يكمل ويقول‪" :‬ومت صارت الملك لصحاب‬
‫السلطان ظلموا الرعية‪ ،‬وتعدوا عليهم‪ ،‬وغصبوهم أملكهم"‪.1‬‬
‫إنه ف هذا التصرف العادل يضع مصلحة الشعب والفقراء والبسطاء والضعفاء فوق مصلحة‬
‫المراء والقادة ورجال الكومة‪ ،‬لكنه ف الوقت نفسه طمأن قلوب المراء بأنه جعل لم‬
‫القطاعيات‪ ،‬بعن مراكز القيادة والدارة‪ ،‬وجعل لم دخلً يتناسب مع حجم القطاعية‪ ،‬فتحقق لم‬
‫ربح وفي دون الخلل بقوق الشعب‪ ،‬بل إنه أدخل نظام التوارث ف القطاعية‪ ،‬فكان كثيًا ما‬
‫يُعطِي منصب حاكم القطاعية لبن المي حال وفاة المي؛ ليطمئن المي على مستقبل أولده‪ ،‬فل‬
‫يسعى ف حياته إل ظلمٍ يفظ به أولده بعد ماته‪.‬‬
‫ومن أروع مواقف عماد الدين زنكي بصوص قضية الملك والقطاعيات ما حدث عند‬
‫فتحه للمعرّة‪ ،‬وأخذها من يد الصليبيي بعد احتلل عدة سنوات!‬
‫لقد كان عماد الدين زنكي حنفيّ الذهب‪ ،‬وف مذهب أب حنيفة أن الرض إذا احتلها‬
‫العداء غي السلمي صارت دار حرب‪ ،‬ث إذا ردّها السلمون بعد ذلك صارت من أملك الدولة‪،‬‬
‫فيأخذها بيت الال‪ ،‬ويقسّمها بعرفته على مَن شاء من الناس دون النظر إل اللكية السابقة للراضي‬
‫والديار‪.‬‬
‫فعند فتح العرة جاء أهلها السابقون من كل مكان يطلبون أملكهم القدية‪ ،‬فجاء عماد‬
‫الدين زنكي بالفقهاء ليقولوا رأيهم ف السألة‪ ،‬فأفتوا جيعًا برأي أب حنيفة؛ حيث إنم جيعًا كانوا‬
‫من العراق حيث ينتشر الذهب النفي‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن الرض ل تعد ملكًا لم‪ ،‬بل لبيت مال السلمي‬
‫(أي للدولة)!‬
‫فماذا فعل عماد الدين زنكي رحه ال؟!‬
‫لقد قال عماد الدين زنكي ف فقهٍ عميق‪" :‬إذا كان الفرنج (الصليبيون) يأخذون أملكهم‪،‬‬
‫ونن نأخذ أملكهم‪ ،‬فأيّ فرقٍ بيننا وبي الفرنج؟ كل من أتى بكتاب يدل على أنه مالك لرض‬
‫فليأخذها"‪ .‬وبذلك ردّ عماد الدين زنكي إل الناس جيع أملكهم‪ ،‬ول يتعرض لشيء منها‪.2‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.77‬‬
‫‪ 2‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/75‬‬

‫‪261‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكان من منهجه رحه ال أل يبقي على مفسد‪ ،‬وأنه يهتم بالمن ونظامه ف كل مكان‪،‬‬
‫فساد المن ف كل مكان‪ ،‬وقد كان هذا المن مضطربًا جدّا خلل الفترة الت سبقت حكم زنكي‪،‬‬
‫وكان الناس ل يستطيعون قطع السافات الطويلة دون حراسة‪ ،‬حت إن أهل الوصل كانوا ل‬
‫يستطيعون الذهاب إل الامع الكبي الذي أُنشِئ خارج البلد إل ف يوم المعة؛ وذلك خوفًا من‬
‫السي بفردهم دون حراسة‪ ،‬لكن بعد حكم زنكي انتشر المن والمان‪ ،‬بل زاد العمران‪ ،‬وعمت‬
‫البكة‪ ،‬وتوسع الناس ف البناء‪.1‬‬
‫وهكذا سخّر عماد الدين زنكي قوته لرساء العدل‪ ،‬فتحقق مراده‪ ،‬بل أنعم ال عليه‬
‫وعلى شعبه با ل يتخيلون من خي وبركة‪.‬‬
‫ول يكن هذا العدل خاصّا برعيته السلمي فقط‪ ،‬بل شل اليهود والنصارى‪ ،‬فقد كان ف‬
‫ذات يوم ف جزيرة ابن عمر‪ ،‬فدخل عليه يهوديّ يشتكي أن عز الدين أبا بكر الدبيسي ‪ -‬وهو من‬
‫أكب أمراء عماد الدين زنكي ‪ -‬أخذ داره ليسكن فيها مدة بقاء الند ف الزيرة‪ ،‬فنظر عماد الدين‬
‫زنكي نظرة غضب شديدة لعز الدين ول يكلمه كلمة واحدة‪ ،‬فتأخر عز الدين القهقرَى‪ ،‬وعاد إل‬
‫البلد فأخرج خيامه ونصبها خارج البلد ف مطر شديد‪ ،‬ول يستطع أن يؤخّر إعادة الق إل اليهودي‬
‫ليلة واحدة‪!2‬‬
‫خامسًا‪ :‬رقة القلب والشاعر‪:‬‬
‫ولعل الكثيين يتعجبون من وجود هذه الصفة ف عماد الدين زنكي‪ ،‬أو ف معرض حديثنا‬
‫عن صفات الاكم السلم متمثّلة ف عماد الدين زنكي!‬
‫ووجه العجب أن الذي يشتهر عادةً عن القادة العسكريي هو الغلظة والفاء وقسوة القلب‪،‬‬
‫كما أن الاكم با يقيمه من حدود‪ ،‬وبا ف يده من وسائل للعقاب قد يأخذ صورة مالفة للرقة‬
‫والرأفة‪ ،‬غي ما اشتهر ‪ -‬للسف الشديد ‪ -‬ف بعض الكتب عن عماد الدين زنكي شخصيّا أنه كان‬
‫قاسيًا غليظًا!‬
‫وواقع المر أن صفة رقة القلب والرحة من الصفات اللزمة للحاكم السلم‪ ،‬وقد كان‬
‫رسول ال أرحم الناس‪ ،‬مع كونه حاكمًا وقائدًا وماهدًا من الطراز الول‪ .‬وكانت هذه الصفة‬
‫موجودة أيضًا ف عماد الدين زنكي‪ ،‬ولكن لديته الشديدة ولنشغاله طيلة حياته بالمور السيمة‬
‫العظيمة‪ ،‬وبتحرير بلد السلمي من الغاصبي أُخذ عنه النطباع بالقسوة والغلظة على خلف‬
‫طبيعته‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.77‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.77‬‬

‫‪262‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن ما ذكرناه سابقًا عن رفقه بالفلحي‪ ،‬وخوفه على أرزاقهم وأملكهم وزرعهم وتبنهم‪،‬‬
‫ل يكن أن يكون إل من قلب رقيق مفعم بالشاعر‪.‬‬
‫ث إنه كان ل يؤاخذ الناس بالطأ الول‪ ،‬وكان يعفو ويصفح إل أبعد الدود‪ ،‬ول يعزل‬
‫أحدًا من منصبه إل بتكرار الطأ‪ ،‬أو بارتكاب ما ل يوز معه الغفران؛ ولذلك فإن معظم من عيّنهم‬
‫ف المارات الختلفة ظلوا معه إل آخر لظات حياتم‪ ،‬أو إل آخر حياة عماد الدين زنكي نفسه؛‬
‫لنه كان دائم الصفح عنهم‪.‬‬
‫وكان من عادته رحه ال أن يتصدق جهرةً كل جعة بائة دينار‪ ،1‬وذلك رحة منه على‬
‫الفقراء والساكي‪ ،‬وكان يفعل ذلك جهرة ليشجع الغنياء على القتداء به‪ ،‬فيعم الي على الميع‪،‬‬
‫لكنه كان له ف كل يوم صدقةٌ كبية ل يعرفها إل وزيره فقط‪ ،‬وف هذا تُروى قصة لطيفة!‬
‫كان عماد الدين زنكي ف يوم يركب خيله فعثرت به‪ ،‬وكاد يسقط من فوقه‪ ،‬فنادى على‬
‫أمي كان معه‪ ،‬وقال له كلمًا وهو حزين أو غاضب‪ ،‬فلم يتبي المي ماذا قال عماد الدين زنكي‪،‬‬
‫ولكنه شعر بغضب عماد الدين زنكي‪ ،‬وظن أن هذا الغضب تاهه هو‪ ،‬ول يتجاسر على سؤاله‪،‬‬
‫فأسرع إل بيته ليعلن لزوجته خوفه الشديد من أن يكون قد أخطأ‪ ،‬فنصحته زوجته أن يذهب إل‬
‫نصي الدين جقر نائب عماد الدين زنكي‪ ،‬ويكي له القصة‪ ،‬لعله يد حلّ عنده! وبالفعل ذهب إل‬
‫صرّة كانت‬ ‫صرّة‪ .‬وأخرج ُ‬
‫نصي الدين جقر وحكى له‪ ،‬فقال‪ :‬ل عليك‪ ،‬إنا كان يطلب منك هذه ال ّ‬
‫معه وأعطاها للمي! فحملها المي إل عماد الدين زنكي فأخذها راضيًا‪ ،‬فرجع المي إل نصي‬
‫الدين جقر وقال له‪ :‬كيف علمت أنه يريد الصرة؟ فقال‪ :‬إنه يتصدق بثل هذا القدر كل يوم‪ ،‬يرسل‬
‫إلّ يأخذه من الليل‪ ،‬وف يومنا هذا ل يأخذه‪ ،‬ث بلغن أن دابته عثرت به حت كاد يسقط إل‬
‫الرض‪ ،‬فأرسلك إلّ‪ ،‬فعلمت أنه ذكر الصدقة‪.2‬‬
‫لقد ربط عماد الدين زنكي بي تأخّره ف إنفاقه للصدقة‪ ،‬أو نسيانه لا وبي تعثر دابته‪ ،‬وهذا‬
‫من شدة حساسيته‪ ،‬ورقة مشاعره‪ ،‬والتفاته إل الشارات والوادث‪ ،‬ول يأت كل ذلك إل من قلب‬
‫رقيق‪ .‬ث انظر إليه وهو ف غاية الشغل كل يوم بقتال وخطة وإدارة دولة كاملة‪ ،‬ث هو ل ينسى أن‬
‫يتصدق يوميّا على الفقراء والحتاجي‪.‬‬
‫إنه ل يتكلف الرحة‪ ،‬إنا مزروعة ف قلبه!‬
‫ومن رقة مشاعره أنه كان ل ينسى من أسدى إليه معروفًا‪ ،‬حت لو مر زمان طويل على هذا‬
‫العروف‪ ،‬وقصته مع نم الدين أيوب معروفة؛ إذ إن نم الدين أيوب أسدى معروفًا إل عماد الدين‬
‫زنكي ف سنة (‪526‬هـ) ‪1131‬م حيث آواه ف قلعته الت يكمها ف تكريت حي هُزم زنكي ف‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.81‬‬
‫‪ 2‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/105‬‬

‫‪263‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أحد معاركه‪ ،1‬وردّ له زنكي الميل بعد ذلك بثمان سنوات ف سنة (‪534‬هـ)‪1139‬م‪ ،‬عندما‬
‫وله حكم مدينة بعلبك بعد فتحها‪ ،2‬ول يفى على أحد أن هذا الرجل الذي يتذكر جيلً فُعل فيه‬
‫منذ ثان سنوات هو رجل وفّ‪ ،‬رقيق الشاعر‪.‬‬
‫بل إنه ل ينس ناصر الدين كوري بن جكرمش فأقطعه إقطاعًا؛ اعترافًا بميل والده‪ ،‬مع‬
‫العلم أن والده جكرمش قدّم لعماد الدين خدمةً برعايته‪ ،‬والهتمام به منذ أكثر من خسة وعشرين‬
‫عامًا‪!3‬‬
‫ل وفيّا رحيمًا رقيقًا‪ ،‬غي أن النطباع الذي أخذ عنه‬
‫لقد كان عماد الدين زنكي رج ً‬
‫بالقسوة ل يكن لشيء إل لنه كان جادّا جدّا ف حياته؛ ما أوهم كثيًا من الناس أنه غليظ الطباع‪،‬‬
‫وهو على العكس من ذلك تامًا‪ ،‬ولعل الصفة التالية الت سنتحدث عنها ستفسر لنا هذا التناقض‬
‫الذي يراه بعض الؤرخي‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬الدّيّة‪:‬‬
‫وُلد عماد الدين زنكي ونشأ وعاش ف ظروف تفرض عليه الدّيّة ف كل أموره‪ ،‬فقد وُلد‬
‫ف زمان فت‪ ،‬كان التصارع فيه بي المراء السلمي مشتهرًا‪ ،‬وقُتل أبوه ف واحد من هذه‬
‫الصراعات‪ ،‬ونشأ عماد الدين زنكي يتيمًا ووحيدًا؛ إذ كان ل أخ له‪ ،‬وترك موطن نشأته حلب واته‬
‫إل الوصل‪ ،‬وعاش حياة عسكريّة منذ نعومة أظافره‪ ،‬ورأى الصليبيي يتاحون بلد السلمي‪ ،‬فعاش‬
‫القضيّة بكل ذرّة ف كيانه‪ ،‬وكان ل ينسى أبدًا أن القصى أسي ف يد الصليبيي‪ ،‬وأن أنطاكية والرها‬
‫وبيوت وعكّا وطراُبلُس وغيها أيضًا ف يد الصليبيي‪ ،‬وأن أرواح السلمي ُت ْزهَق ليلَ نارَ‪ ،‬وأموالم‬
‫وأعراضهم تُستباح بشكل متكرّر‪.‬‬
‫هذه الظروف جعلت منه شخصًا جادّا تامًا‪ ،‬وأيّ شخص يفقد جدّيّته ف مثل هذه الظروف‬
‫هو رجل منوع الروءة‪ ،‬ليّن الدين والعقيدة‪.‬‬
‫وهذا الِدّ الذي تيّز به عماد الدين زنكي كان ينعه من الستسلم للراحة‪ ،‬فل يستريح ول‬
‫َيقْبَل بالترف‪ ،‬وليس معن هذا أنه ل يكن يبتسم‪ ،‬فالرسول كان أكثر الناس تبسّمًا‪ ،‬ولكنه كذلك‬
‫كان أكثر الناس جديّة‪ ،‬وأكثرهم بُعدًا عن الزل والزاح‪ ،‬وكان ف مزاحه القليل ل يكذب ول‬
‫يتجاوز‪ ،‬وهكذا كان نج عماد الدين زنكي ف حياته‪ ،‬لقد كان دائم الفكر‪ ،‬كثي الصمت‪ ،‬ل يتكلّم‬
‫مع الناس إلّ قليلً؛ لن ذهنه دائم العمل لصال السلمي‪ ،‬ودائم التدبي للمور العظام‪ ،‬وهذا كان‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/263‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.10/16‬‬
‫‪ 3‬عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي ص ‪.220‬‬

‫‪264‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫يعطيه هيبة عظيمة‪ ،‬كتلك الت كان يلحظها الميع على عمر بن الطاب ‪ ،‬وهي هيبة غي منكرة‬
‫طالا ليس فيها ظلم أو تاوز أو كب‪.‬‬
‫والشخاص العظيمة دائمًا لا هيبة‪ ،‬وراجعوا بعض الواقف من حياة رسول ال حت‬
‫نعرف أن هذه اليبة غي منكرة بضوابطها الشرعية‪.‬‬
‫ب رجلٌ فكلّمه‪ ،‬فجعل ترعد فرائصه‪ ،‬فقال‬
‫روى ابن ماجه عن أب مسعود قال‪ :‬أتى الن ّ‬
‫ستُ بِ َم ِلكٍ‪ ،‬إِنّمَا أَنَا ابْنُ ا ْمرَأَ ٍة َتأْكُلُ اْلقَدِيدَ‪."1‬‬
‫له‪َ " :‬هوّنْ َعلَ ْيكَ‪َ ،‬فإِنّي لَ ْ‬
‫فهذا رجل يرى الرسول فترتعد فرائصه‪ ،‬مع أن الرسول كان أرحم الناس‪ ،‬ولكن ليبته‬
‫ولركزه ولحترام الناس له ارتعدت فرائص الرجل‪ ،‬فهوّن عليه رسول ال وطمأن قلبه‪.‬‬
‫وهكذا كان عماد الدين زنكي رحه ال‪.‬‬
‫خرج يومًا من قلعته‪ ،‬وكان الارس نائمًا‪ ،‬فأيقظه حرّاس عماد الدين زنكي‪ ،‬فلمّا استيقظ‬
‫ورأى عماد الدين زنكي سقط على الرض من الوف‪ ،‬فقلبوه‪ ،‬فوجدوه ميتًا‪!!2‬‬
‫وليس معن هذا غلظة ف عماد الدين زنكي أو قسوة‪ ،‬فما ُعلِمَ عنه تاوزٌ ف معاملة الناس أو‬
‫الرعيّة‪ ،‬ولكنها اليبة الت جعلت له مكانًا عظيمًا ف قلوب الناس‪.‬‬
‫وقد عاش عماد الدين زنكي حياة الدّيّة دون تكلّف‪ ،‬فهو ل يكن يُرغم نفسه على الدّيّة‪،‬‬
‫بل كان يأْلفها ويأنس با‪ ،‬حت قال ابن الثي ف حقّه‪" :‬كانت أصوات السلح ألذّ ف سعه من غناء‬
‫القينات‪ ."3‬فبينما كان هناك مَنْ يستمتع بسماع الوسيقى والغان‪ ،‬كان عماد الدين زنكي يد‬
‫متعته ف ساع أصوات السلح‪ ،‬سواء ف ميادين الهاد أو ف ساحات التدريب‪.‬‬
‫وقد أثّرت هذه الدّيّة ف هواياته رحه ال‪ ،‬فكان إذا أراد التخفّف قليلً من العباء الثقيلة‬
‫الت عليه‪ ،‬وأن ُي َروّح عن نفسه ساعة فإنه كان يقوم بواحدة من ثلث‪:‬‬
‫إمّا أن يرج إل صيد الطيور والوحوش‪ ،‬ول يفى ما ف ذلك من تد ّربٍ على الرماية‬
‫والناورة والتخفّي‪ ،4‬وهو بذلك يُساعد نفسه على مهارة أعلى تعود عليه بالنفع ف ميادين الهاد‪،‬‬
‫وكانت أحبّ الدايا إليه ما كان صيدًا‪ ،‬وكذلك كان يُهدِي هو إل اللوك والمراء ما اصطاده هو‬
‫من فهودٍ وصقور ونو ذلك‪.5‬‬

‫‪ 1‬ابن ماجة‪ :‬كتاب الطعمة‪ ،‬باب القديد (‪ )3312‬واللفظ له‪ ،‬والاكم (‪ ،)3733‬وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخي ول يرجاه‬
‫ووافقه الذهب‪ ،‬وقال اللبان‪ :‬صحيح (‪ )7052‬صحيح الامع‪.‬‬
‫‪ 2‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/105‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.81‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬ابن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪.193،192‬‬
‫‪ 5‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/263‬‬

‫‪265‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وإمّا أن يتمرّن على الفروسيّة ويعقد مسابقات اليل‪ ،‬وكان رحه ال من أمهر اليّالي‪،‬‬
‫وأعظم الفرسان‪.‬‬
‫وإمّا أن يأخذ قاربًا ويتنّه منفردًا ف نر دجلة‪ ،‬سابًا ف ملكوت ال‪ ،‬متف ّكرًا ف السموات‬
‫والرض‪ ،‬أو متدّبرًا ف الحداث والواقف‪ ،‬وهذه اللوات كانت كثيًا ما تفيض عليه بفكرة جيلة‪،‬‬
‫أو حيلة ذكيّة‪ ،‬أو بشوع ف القلب‪ ،‬أو سكينة ف الوارح‪.1‬‬
‫هذه هي لظات الترفيه ف حياة الجاهد العظيم عماد الدين زنكي رحه ال!‬
‫سابعًا‪ :‬السم‪:‬‬
‫وهي صفة من ألزم صفات الاكم الواعي‪ ،‬ومن ألزم صفات عماد الدين زنكي أيضًا؛ فكم‬
‫أضاع التردّد ُف َرصًا على السلمي‪ ،‬وكم أدخل السلمي ف أزمات ومشاكل! لقد كان عماد الدين‬
‫زنكي حاسًا ف كل أموره‪ ،‬فكان سريعًا ما يقطع با يفيد‪ ،‬ويبدأ ف التنفيذ دون تردّد‪.‬‬
‫ففي بداية وليته أدرك أنه ل طاقة له برب الصليبيي قبل أن ُيعِدّ العُدّة‪ ،‬فعقد معهم هدنة‬
‫مؤقّتة‪ ،‬ث بعد ذلك تَراه يارب وياهد‪ ،‬ول يقبل بأطروحات السلم من الصليبيي‪ ،‬وف كِل المرين‬
‫كان حاسًا ف عرضه للهدنة وف سعيه للجهاد‪ ،‬وكثيًا ما قرّر الجوم ف النهاية‪ ،‬وف ظروف أخرى‬
‫كان ُي َقرّر النسحاب‪ ،‬ويرى أنّ الظروف ل تتمل حربًا وقتها‪ ،‬فل يُكابر أو يعاند‪ ،‬إنا يفكّر سريعًا‪،‬‬
‫وينفّذ سريعًا‪ ،‬وُيرِيح الميع بقراره الاسم‪.‬‬
‫حصَى‪ ،‬بل هي ك ّل حياته‪ ،‬والتفصيلت ف الصفحات القادمة عند‬ ‫والمثلة هنا أكثر من أن تُ ْ‬
‫الديث عن خطواته ف حكمه وجهاده ستبيّن لنا ذلك بوضوح‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬حسن السياسة‪:‬‬
‫َوصَفَ اب ُن الثي عماد الدين زنكي بأنه كان عظيم السياسة‪ ،2‬والسياسة كما عرّفها ابن‬
‫عقيل رحه ال أنا‪" :‬ما كانت فعلً يكون معه الناس أقرب إل الصلح وأبعد عن الفساد‪ ،‬وإنْ ل‬
‫يضعه الرسول ول نزل به وَحْيٌ"‪ .3‬وهذا هو التعريف الذي يعتمده ابن القيم رحه ال‪ ،‬ومفهوم‬
‫طبعًا أنا ل تعن خروجًا عن الشرع‪ ،‬ولكنها تعن ابتكار الوسائل الناسبة للعصر وللظروف لصلح‬
‫حياة الناس وإبعادهم عن الفساد‪.‬‬

‫‪ 1‬عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي ص ‪.181‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي الكامل ف التاريخ ‪.9/340‬‬
‫‪ 3‬ابن القيم‪ :‬بدائع الفوائد ‪.3/673‬‬

‫‪266‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أمّا السياسة ف التعريفات العاصرة فهي كما جاءت ف معجم روبي‪ " :‬فنّ إدارة الجتمعات‬
‫النسانيّة‪ ."1‬وكما جاءت ف العجم القانون‪ " :‬أصول أو فنّ إدارة الشئون العامّة"‪.2‬‬
‫وسواء اعتمدنا التعريفات السلميّة الصوليّة‪ ،‬أو التعريفات القانونيّة الديثة فإ ّن عماد الدين‬
‫زنكي قد بلغ الغاية ف السياسة بكل تعريفاتا‪.‬‬
‫لقد عاش عماد الدين زنكي ف زمان ُملِئَ بالتقلّبات والحداث‪ ،‬وتعامل مع شتّى أنواع‬
‫البشر‪ ،‬ومتلَف الزعامات والقيادات‪ ،‬فكان حكيمًا ف كل تصرفاته‪ ،‬سياسيّا ف كل عَلقاته‪ ،‬وكان‬
‫نادرًا ما يفقد إنسانًا‪ ،‬أو يقطع عَلقاته بأمي‪ ،‬وكانت له من الفكار السديدة ما يفلح به ف إدارة‬
‫الجتمعات النسانيّة مهما كانت معقّدة‪.‬‬
‫كان يُدرك رحه ال مراكز القوى‪ ،‬وُيقَدّر قوّة الصوم بعناية‪ ،‬وكان ل ينخدع باللفاظ ول‬
‫باللقاب‪ ،‬وعَلِمَ من أوّل أيّامه أنّ سلطي السلجقة أقوى بكثي من اللفاء؛ ولذلك جعل ولءه‬
‫واضحًا لم‪ ،‬لكنه ل يغفل حسن معاملة اللفاء والتقرّب إليهم‪ ،‬لكن عند حدوث صدام حتميّ بي‬
‫السلطي واللفاء‪ ،‬كان يقف إل جوار السلطي لوضوح الرؤية عنده‪.‬‬
‫وعندما ضعف أمر السلطي‪ ،‬وصار عماد الدين زنكي هو القوة العظمى ف ا ُلمّة‬
‫السلميّة‪ ،‬ل يُعلن ذلك ليتجنّب حدوث فت ومكائد‪ ،‬ولكنه أعلن أنه يكم باسم ألب أرسلن‬
‫ي وزن إل جوار عماد الدين زنكي‪ ،‬ولكنه ُحسْنُ‬ ‫السلجوقي‪ ،3‬مع أنه ل يكن للب أرسلن أ ّ‬
‫السياسة الذي سكّن جوارح ألب أرسلن والسلجقة من ورائه‪ ،‬وسكّن جوارح العامّة‪.4‬‬
‫وكان له رحه ال من الساليب الذكيّة الت ُي َفرّق با بي الحزاب التحالفة ضدّه‪ ،‬وما‬
‫أروع ما فعله لفكّ تالف الصليبيي مع البيزنطيي‪ ،5‬وكذلك لفكّ التحالفات السلميّة ضدّه‪!6‬‬
‫وكلّها أساليبُ يصلح أن تدرّس ف ف ّن السياسة‪.‬‬
‫وكانت له سياسته الاصّة ف تقيق النصر‪ ،‬وإسقاط القلع‪ ،‬وفتح البلد بأق ّل خسارة مكنة‪،‬‬
‫وكان بعضهم يتّهمه بالغدر عند بعض الواقف‪ ،7‬لكنه كان يعتمد مبدأ "الرب خدعة"‪ ،‬وهو منهج‬
‫نبويّ حكيم‪ ،‬فكان يتجنّب به الدخول ف أزمات هائلة‪ ،‬وسنأت ف تفاصيل قصّته على بعض الواقف‬
‫الت أخذوها عليه‪ ،‬وتبير فعله ف هذه الواقف‪.‬‬

‫‪ 1‬معجم روبي‪.‬‬
‫‪ 2‬العجم القانون‪.‬‬
‫‪ 3‬ويقول ابن الثي ف الباهر‪ :‬فكان إذا أرسل رسالة أو أجاب على رسول كان يقول‪ :‬قال اللك كذا‪ .‬الباهر ص ‪.71‬‬
‫‪ 4‬عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي ص ‪.227‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/302‬‬
‫‪ 6‬انظر‪ :‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪.111‬‬
‫‪ 7‬ومن اتموه بالغدر ابن العدي انظر‪ :‬زبدة حلب ‪.2/273‬‬

‫‪267‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكان ُيقَدّر الشخصيات العادية له‪ ،‬وياول الستفادة منها حت لو كانت فاسدة‪ ،‬وما‬
‫أحكم ما فعله مع جاول ‪ -‬وهو المي الذي كان يطمع ف الولية بعد مقتل آق سنقر البسقي‪،‬‬
‫فذهبت الولية إل عماد الدين زنكي ‪ -‬إذ أقطعه عماد الدين زنكي إقليم الرحبة ف حلب‪ !1‬ول‬
‫ُي ْقصِه عن ك ّل شيء؛ وبذلك تنّب أذاه‪ ،‬وأراح قلبه‪ ،‬واستفاد من طاقاته وقدراته‪.‬‬
‫بل فعل أكثر من ذلك مع دُبَيْس بن صدقة‪ ،‬وهو زعيم قبيلة بن مزيد‪ ،‬وكان شيعيّا اثن‬
‫عشريّا‪ ،‬وكان فاسدًا‪ ،‬أظهر الفوضى والضطراب ف بغداد‪ ،‬وحاول أن يلع الليفة‪ ،‬وكان متعاونًا‬
‫مع الصليبيي‪ ،‬وكان شخصيّة مكروهة بكل القاييس‪ ،‬ومع ذلك استنقذه من أَ ْس ِر ِه بدمشق‪ ،‬ورفض‬
‫تسليمه للخليفة‪ ،2‬بل استخدمه وولّه بعض القطاعات‪ ،‬وكان يهدف إل استخدامه ف السيطرة على‬
‫قبيلته الكبية بن مزيد‪ ،‬وكان يستفيد أيضًا من عَلقاته ومابراته‪ ،‬ولقد أرشد دبيسُ بن صدقة عماد‬
‫الدين زنكي ذات مرّة إل مؤامرةٍ كان ييكها له السلطان السلجوقي مسعود‪ ،‬فعرف السلطان أن‬
‫دبيسَ بن صدقة هو السبب ف كشف الؤامرة فأمر بقتله فقُتِلَ‪ ،3‬فعندها قال عماد الدين زنكي‪:‬‬
‫"فديناه بالال (أي من السر)‪ ،‬ففدانا بالرّوح!"‪.4‬‬
‫وكان يقرأُ أطماع مَن يالفونه من القادة‪ ،‬فيُريح بالم‪ ،‬ويعطيهم ما يريدون؛ فيضمن بذلك‬
‫ولءهم وطاعتهم‪ ،‬وإن كانت العَلقات بينهم متوتّرة وغي طبيعيّة‪.‬‬
‫وكان يُحسن سياسة جنده‪ ،‬ويُْتقِن سياسة الترغيب والترهيب؛ فبينما كان يضاعِف لم‬
‫رواتبهم‪ ،‬ويتعامل معهم بالرأفة والودّة كان عقابه صارمًا‪ ،‬ول يقبل تاونًا أبدًا ف أداء الوظيفة‪ ،‬ولقد‬
‫سع مرّة أنّ أحد قوّاده تعرّض للنساء‪ ،‬بينما كان عماد الدين زنكي وجنوده ف سفر بعيد‪ ،‬فأرسل‬
‫فورًا مَ ْن يعزله من منصبه‪ ،‬ويرّده من كل متلكاته‪ ،‬بل لّا َعلِمَ أنّ المر تاوز التعرّض إل التحرّش‬
‫الصريح أمر بقتله‪ ،5‬ث قال كلمته الصارمة‪" :‬إن جنودي ل يفارقون ف أسفاري‪ ،‬وقلّما يُقيمون عند‬
‫أهليهم‪ ،‬فإنْ نن ل ننع مِن التعرّض إل ُحرُمهم هل ْكنَ وفسدْنَ"‪ .6‬وبعدَ هذا العقاب الرادع ل‬
‫يتجاسر أح ٌد على التعرّض للنساء طيلة حكم عماد الدين زنكي رحه ال‪.‬‬
‫ففي هذا الوقف َنرَاه قد جذب قلوب النود إليه من ناحية بعد أن أظهر حرصه الشديد على‬
‫نسائهم‪ ،‬و َعزَ َل قائدًا من أجلهم‪ ،‬وف نفس الوقت أظهر الردع الناسب لن يالف الوامر‪ ،‬ويتعدّى‬
‫على حدود الشرع‪ ،‬ويأت بالفعال النكرة القبيحة‪.‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.34‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/259،258‬‬
‫‪ 3‬ابن الوزي‪ :‬النتظم ‪.10/53‬‬
‫‪ 4‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/250‬‬
‫‪ 5‬أبو شامة‪ :‬الروضتي ف أخبار الدولتي النورية والصلحية ‪.1/161‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.84‬‬

‫‪268‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫والديث عن سياسة زنكي حديث ل ينقطع‪ ،‬فقد استطاع بتوفيق من ال أنْ يتعامل مع‬
‫ظروف قاسية كأفضل ما يكون التعامل‪ ،‬فصار بل جدال من أعظم السياسيي ف تاريخ ا ُلمّة‪.‬‬

‫تاسعًا‪ :‬كان عارفًا بالرجال‪:‬‬


‫وهذه ملكة فريدة عزيزة يفتقر إليها كثي من الزعماء‪ ،‬أمّا عماد الدين زنكي رحه ال فكان‬
‫متمّيزًا فيها أشدّ التميّز‪ ،‬فقد كان يتلك القدرة على تقييم الناس‪ ،‬فيعرف أصحاب العادن الطيّبة‬
‫والواهب النادرة فيقرّبم‪ ،‬ويعرف خبثاء النفس ضِعاف القدرات فيُقصيهم‪ ،‬ومن هنا فقد الت ّفتْ حوله‬
‫بطانة صالة كان لا أش ّد الثر ف تقوية مُلْكه‪ ،‬وتثبيت حكمه‪.‬‬
‫ويكفي أنه اختار من رجاله جال الدين الصفهان رحه ال فأقطعه نصيبي‪ ،‬وكان من‬
‫أعظم علماء السلمي‪ ،‬وكان كريًا واسع الكرم حت ُلقّبَ بالواد‪ ،‬وكان إذا مرّت بالناس ضائقة‬
‫أنفق من جيبه الاصّ حت يرفع ال الزمة‪ ،1‬وكان من أعظم الناصحي‪ ،‬وأوف الوفياء؛ بل إنه ل‬
‫يفظ عماد الدين زنكي فقط‪ ،‬بل َحفِظ أولده من بعده‪ ،‬وكان من أشدّ الناس مساعدة لم وفاءً‬
‫لبيهم‪.2‬‬
‫وكان من رجاله أيضًا نصي الدين جقر‪ ،‬وكان سياسيّا عبقريّا‪ ،‬وعسكريّا ماهرًا‪ ،‬وكان نائبه‬
‫على الوصل‪ ،3‬وكان الرجلَ الناسب حقّا ف الكان الناسب‪ ،‬فقد كانت الوصل توج بالفت‪ ،‬عند‬
‫ولية عماد الدين زنكي‪ ،‬فضبط نصي الدين جقر المور‪ ،‬ونظّم حركة الموال‪ ،‬وحفظ المن‪،‬‬
‫وحصّن الدينة‪ ،‬وكان وفيّا تام الوفاء لعماد الدين زنكي‪ ،‬وعرّض نفسه لخاطر كثية ليحفظ مُ ْلكَ‬
‫صَبرَ على حصار الليفة للمدينة ثلثة أشهر كاملة‪ ،4‬فلم يُسَلّم‬
‫عماد الدين‪ ،‬حت وصل المر إل أنْ َ‬
‫له‪ ،‬مع أن الليفة لو أسقط الدينة لكان مصي نصي الدين هو القتل‪ ،‬بل إن نصي الدين دفع حياته ثنًا‬
‫لوفائه‪ ،‬فقد دُبّرت له مؤامرة قُتل فيها؛ ليحاول التمرّدون السيطرة على الوصل‪ ،‬لول أن ال قيّض‬
‫آخرين لفظ الُكم لعماد الدين زنكي‪.5‬‬
‫وأمّا ما يتناوله بعض الناس عن ظلم نصي الدين جقر أو سفكه للدماء فهو تليل ل َينْظُر إل‬
‫الظروف الت كانت بالدينة‪ ،‬والخطار الت أحدقت با‪ ،‬وليس اتاذ التدابي لفظ المن ظلمًا‪،‬‬
‫وليس القصاصُ من القتلة ومثيي الفت سفكًا للدماء‪ ،‬وقد ذكر ابن القلنسي ف كتابه "ذيل تاريخ‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/471‬ابن خلكان‪ :‬وفيات العيان ‪.145 -5/143‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪..85،84‬‬
‫‪ 3‬ابن خلكان‪ :‬وفيات العيان ‪.1/364‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/270‬‬
‫‪ 5‬ابن خلكان‪ :‬وفيات العيان ‪.1/365‬‬

‫‪269‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫دمشق" ف ح ّق نصي الدين جقر أنه كانت له أخبار ف العدل والنصاف‪ ،‬وتنّب الور‬
‫والعتساف‪ ،1‬وذكر كلمًا كثيًا يدور كله حول نفس العن‪ ،‬ومن ثَمّ فهو يستنتج ف النهاية أن‬
‫سلوك نصي الدين جقر ممودٌ من ولة المور‪ ،‬وأن قصده كان سديدًا ف سياسة المهور‪.‬‬
‫واستوزر عماد الدين زنكي أيضًا ضياءَ الدين أبا سعيد ابن ال َك َفرْتُوثيّ‪ ،‬وكان كما وصفه‬
‫سنَ الطريقة‪ ،‬جيل العقل‪ ،‬كري النفس‪ ،‬مرضيّ السياسة‪ ،‬مشهورًا بالنفاسة والرئاسة‪.2‬‬ ‫الؤرّخون حَ َ‬
‫وكان زين الدين عليّ كجك بن بكتكي من أبرز رجال عماد الدين‪ ،‬وانظر إل كلم ابن‬
‫ل صالًا‪ ،‬وكان معروفًا بالقوّة والشجاعة والقدام‪ ،‬رءوفًا‬ ‫الثي عنه‪ ،‬إذ يقول‪" :‬كان زين الدين رج ً‬
‫بالفقراء‪ ،‬مواسيًا للمرضى‪ ،‬اشتهر بالحافظة على حسن العهد‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬ول يارس غدرًا قطّ"‪.3‬‬
‫وهذا قليل من كثي‪ ،‬ول يتّسع القام لذكر كلّ نوّاب عماد الدين زنكي وقوّاده ووزرائه‪،‬‬
‫فهذه هي حكومته‪ ،‬وهذه هي بطانته‪ ،‬وهؤلء هم رجاله‪.‬‬
‫ول يكن عماد الدين زنكي ُيهْدِر الفرص‪ ،‬بل كان يلتقط الرجال الفاضل ف حكمة بالغة‪،‬‬
‫ويستفيد من قدراتم ف مهارة فائقة‪ ،‬ومن أمثلة ذلك أنه سع برب أحد القادة من دمشق‪ ،‬وكانت‬
‫دمشق معادية على طول الطّ لعماد الدين زنكي‪ ،‬وكان هذا القائد هو سوار بن أبتكي‪ ،‬وقد سع‬
‫عماد الدين زنكي عن كفاءته ومهارته‪ ،‬فاستقدمه وقرّبه‪ ،‬ول يُقلّل من شأنه وهو متاج‪ ،‬بل أكرمه‬
‫وشرّفه‪ ،‬وأجرى له القطاعات الكثية‪ ،‬بل أعطاه ولية حلب وما يلحق با من أعمال‪ ،‬واعتمد عليه‬
‫ف قتال الصليبيي‪ ،‬وكانت لسوار بن أبتكي بصية بالرب وتدبي المور‪ ،4‬وهكذا أسدى سوار‬
‫خدمات جليلة لعماد الدين زنكي ف أكثر من موقعة عسكريّة‪ ،‬وف الدفاع عن حلب‪ ،‬وقد استمرّ‬
‫سوار ف منصبه منذ قدومه من دمشق سنة ‪524‬هـ إل مقتل عماد الدين سنة ‪541‬هـ‪ ،5‬أي‬
‫شرَ عامًا كاملة‪.‬‬
‫سبعةَ ع َ‬
‫وكان عماد الدين زنكي يُحْسن تقييم الرجال‪ ،‬وبالتال ُيقَدّر ما يصلح لعاشهم ورواتبهم‪،‬‬
‫شرَة آلف دينار ف السنة‪ ،‬وهذا مبلغ هائل‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن‬ ‫وقد كان يُعطي كمال الدين الش ْه ُرزُورِيّ ع َ‬
‫هذا كمال الدين يصل له ف كلّ سنة ما يزيد على عشرة آلف دينار‪ ،‬وغيه يقنع منه بمسمائة‬
‫دينار‪ .‬فقال عماد الدين زنكي‪ :‬بذا العقل والرأي تُ َدبّرون دولت‪ ،‬إن كمال الدين َيقِلّ له هذا القدر‪،‬‬
‫وغيه يكثر له خسمائة دينار‪ ،‬وإنّ شغلً واحدًا يقوم به كمال الدين خي من مائة ألف دينار‪.6‬‬
‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.275‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/274‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/254‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.135‬‬
‫‪ 4‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.241،240‬‬
‫‪ 5‬عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي ص ‪.246‬‬
‫‪ 6‬أبو شامة‪ :‬الروضتي ف أخبار الدولتي ‪.1/160،159‬‬

‫‪270‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكان عماد الدين زنكي رحه ال إذا تردّد ف أمر إنسان اختبه؛ ليى إن كان يصلح‬
‫للقيادة ولفظ المانة أم ل‪ ،‬ومن ألطف ما يُحكى ف هذا الضمار ما فعله عماد الدين زنكي مع‬
‫مسئول ملبسه (طشت دار)‪ ،‬إذ أراد أن يتب أمانته وحُسن تصرّفه ودرجة اهتمامه‪ ،‬فأعطاه كعكة‬
‫بالفستق واللوز‪ ،‬فأمره أنْ يتفظ با حت يطلبها منه‪ ،‬وبعد سنة كاملة أرسل إل الرجل وطلب‬
‫سرّ‬
‫كعكته‪ ،‬فأخرجها الرجل من منديل كان معه‪ ،‬وكان قد حفظها من الفساد بصورة من الصور‪ ،‬ف ُ‬
‫بذلك عماد الدين زنكي‪ ،‬وعيّن الرجل قائدًا لقلعة َكوَاشَى‪ ،‬وهي إحدى قلع الوصل‪.1‬‬
‫فانظر إل عماد الدين زنكي كيف كان يُ َدبّر شئون دولته‪ ،‬واعلم أن هذه ملكات وقدرات‬
‫قلّ أن يوجد مثلها‪.‬‬

‫عاشرًا‪ :‬الكفاءة الدارية الفائقة‪:‬‬


‫وهذه خاصية ل بد منها إل جوار اختيار الرجال وحسن السياسة‪ ،‬فالقائد قد يسن اختيار‬
‫أعدائه‪ ،‬وقد يسن أيضًا سياستهم فيجذب قلوبم إليه‪ ،‬ويضمن طاعتهم لوامره‪ ،‬لكنه قد يفشل ف‬
‫تنظيم حركة العمل بيث يقق أكب نفع بأقل مهود وأقل خسارة‪ ،‬وبيث يُنشِئ نظامًا مكمًا ل‬
‫يتأثر بظروف طارئة أو أحوال عابرة‪.‬‬
‫ولقد كان عماد الدين زنكي رحه ال إداريّا من الطراز الول؛ فمع أن عماد الدين زنكي‬
‫كان يؤمن بركزية القرار والكم‪ ،‬إل أنه كان يطبّق هذا البدأ ف المور الصيية التعلقة بستقبل‬
‫الدولة ككل‪ ،‬أما ف أعمال الوزارات والمارات والدواوين فكان يُعطِي صلحيات كبية لنوّابه‪،‬‬
‫وكان يفوضهم ف أخذ القرار وتنفيذه‪ ،‬وكان يوليهم ثقة كبية تدفعهم إل البتكار والبداع‪ ،‬وكان‬
‫قليل اللوم لم؛ ما دفعهم إل الحساس بالسئولية‪ ،‬وأشعرهم أن البلد بلدهم‪ ،‬ومن ثَمّ أفنوا حياتم ف‬
‫سبيل الرقي بدولتهم‪ ،‬وكان عماد الدين زنكي قليل التغيي لدارته وعمّاله؛ فشعر الميع بالستقرار‬
‫والمن والطمئنان‪ ،‬ومن ثَمّ استقرت العمال وأحوال الناس‪.2‬‬
‫وكان يهتم جدّا بمع العلومات‪ ،‬وكان له نوّاب وعيون ف كل مكان حت ف المارات‬
‫الجاورة له‪ ،‬فكانت ل تفوته صغية ول كبية؛ لذلك كان قليلً ما يُفاجَأ ف حياته بأمر بعد فوات‬
‫الوان‪ ،‬بل كان دائمًا يعلم المور قبل تفاقمها‪ ،‬ومن ثَمّ كان يسن التصرف فيها‪.3‬‬
‫ولدقة عيونه وجهاز استخباراته فإنه كان يستحيل على ملك أو أمي أن يعب من أراضيه‬
‫الواسعة دون علمه‪ ،‬مع أن الدود ل تكن واضحة كأيامنا الن‪ ،‬ول يكن رسول يرؤ على اجتياز‬

‫‪ 1‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/103‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/284‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪ ،78‬أبو شامة‪ :‬الروضتي ‪.1/111‬‬

‫‪271‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ملكته دون إذنه‪ ،‬وكان يرسل مع الرسول فرقة ترافقه من لظة دخوله إل لظة خروجه؛ لكي ل‬
‫يُعطِي الرسول فرصة للتجول ف البلد؛ فينقل أخبارًا قد تكون خطية‪.1‬‬
‫وكان يوزّع أمواله وأموال الدولة ف الوصل وحلب وسنجار‪ ،‬ول يعل خزينة الدولة ف‬
‫مكان مركزي واحد‪ ،‬وكان يقول‪" :‬إن جرى على بعض هذه الهات فتقٌ‪ ،‬أو حيل بين وبينه‪،‬‬
‫استعنت على سدّ الرق بالال ف غيه"‪.2‬‬
‫وكان يهتم اهتمامًا واسعًا بسهولة التصالت‪ ،‬وبسلمة الطرق وأمنها‪ ،‬وبهاز البيد‪،‬‬
‫وكان يدرك تام الدراك أن سرعة وصول العلومة قد تفظ بلدًا‪ ،‬أو تكسب معركة‪.‬‬
‫وكان يهتم بالتخصص ف الهنة‪ ،‬فل يضع عسكريّا ف منصب إداري‪ ،‬ول يضع عالًا ف‬
‫منصب عسكري أو نو ذلك‪ ،‬وكان إذا استقدم كفاءة من خارج البلد فإنه يرسله إل أهل‬
‫التخصص يعلمونه أحوال البلد والناس قبل أن يتول النصب‪ ،‬فإن كان جنديّا أو عسكريّا قصد‬
‫الجناد فعرف النظام العسكري التبع وأصوله‪ ،‬وإن كان صاحب ديوان قصد أهل الديوان‪ ،‬وإن كان‬
‫عالًا قصد القضاة‪ ،‬وهكذا تقدّم للغريب كل معونة وخدمة‪ ،‬حت يقول أبو شامة ف وصف ذلك‪:‬‬
‫"فيعود كأنه أهل!"‪ ،3‬أي يعود الغريب بعد هذا التدريب والستضافة كأنه ف أهله وليس غريبًا‪ .‬ول‬
‫يفى علينا كيف يكون النتاج غزيرًا عند هذا الغريب‪ ،‬سواء كان عسكريّا أو موظفًا أو عالًا‪،‬‬
‫خاصةً أن الرواتب ف عهد عماد الدين زنكي كانت مزية جدّا‪.‬‬
‫وكان عماد الدين زنكي أيضًا يضع دائمًا الطة البديلة‪ ،‬ويفترض أسوأ الحتمالت‪ ،‬ويأخذ‬
‫حذره منها؛ ولقد سيطر على قرية البوازيج قرب تكريت وحصنها‪ ،‬وذلك قبل أن يدخل الوصل‬
‫خوفًا من عصيان الوصل عليه‪ ،4‬فجعل لنفسه مكانًا يأوي إليه ف هذه الالة‪ ،‬مع أن احتمالية عصيان‬
‫الوصل كانت بعيدة!‬
‫ث أخيًا كان عماد الدين زنكي رحه ال يترم تامًا السلم الداري‪ ،‬ويرفض أن يتجاوز‬
‫مرءوس رئيسه الباشر إل الرئيس العلى‪ ،‬وهذا سيحقق فوائد كثية؛ منها حفظ اليبة للرئيس‬
‫الباشر‪ ،‬ومنها سلمة العمل ودقته؛ لن الرئيس الباشر قد يتلك من العلومات ما ل يتلك الرئيس‬
‫العلى‪ ،‬ومنها حفظ وقت الرئيس العلى بدلً من أن يوض ف كل القضايا‪ ،‬ومنها عدم العتماد‬
‫على شخصية واحدة‪ ،‬بل نضمن سهولة سريان العمل وسلسته حت ف غياب الرئيس العلى‪.‬‬

‫‪ 1‬عماد الدين زنكي ص ‪.209‬‬


‫‪ 2‬شاكر أحد أبو زيد‪ :‬الروب الصليبية والسرة الزنكية ص ‪167‬‬
‫‪ 3‬أبو شامة‪ :‬الروضتي ف أخبار الدولتي ‪.1/163‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/243‬‬

‫‪272‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وما يُروى ف ذلك أن عماد الدين زنكي رأى ذات يوم مموعة من حرسه الاص يتمعون‬
‫ويقفون ف مكان بيث يراهم عماد الدين زنكي‪ ،‬فعلم أنم يريدون أن يشكوا إليه أمرًا‪ ،‬فأرسل‬
‫إليهم‪ ،‬فقالوا أن رواتبهم قد تأخرت عن موعدها‪ ،‬فقال‪ :‬أشكوت إل الديوان؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فهل‬
‫ذكرت حالكم لمي حاجب (وهو بنلة قائد الرس اللكي)؟ فقالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فليّ شيء أُعطي‬
‫الديوان مائة ألف دينار‪ ،‬وأعطي المي حاجب أكثر من ذلك‪ ،‬إذا كنت أنا أتول المور صغيها‬
‫وكبيها؟! كان عليكم أن تشكوا حالكم إل الديوان‪ ،‬فإن أهلوا أمركم قلتم للمي حاجب‪ ،‬فإن‬
‫أهل أمركم شكوت الميع إلّ؛ حت أعاقبهم على إهالم‪ ،‬وأما الن فالذنب عليكم!!‬
‫وكاد عماد الدين زنكي يعاقبهم لتجاوزهم السلم الداري‪ ،‬لول شفاعة أحد المراء لم‪،‬‬
‫ولكنه ف نفس الوقت ما أهل القضية‪ ،‬بل أرسل إل الديوان وأمي حاجب وقال لم‪ :‬إذا كنتم‬
‫تملون أمر جندي الذين تت ركاب‪ ،‬ومن هو ملزمي ف سفري وإقامت‪ ،‬وبم من الاجة إل‬
‫النفقات ف أسفارهم ما تعلمونه‪ ،‬فكيف يكون حال من َبعُد عنّي؟!‬
‫وشعر الديوان وأمي حاجب بطورة الوقف‪ ،‬وكانت رواتب الند ل تصل بعدُ من الزينة‬
‫العامة‪ ،‬فأعطى أمي حاجب الند رواتبهم من ماله الاص لي قدوم الرواتب من الزينة!‬
‫ويعلّق ابن الثي على هذا الوقف الداري الفذّ من عماد الدين زنكي فيقول‪" :‬بذا الجراء‬
‫أصلح عماد الدين زنكي الند لطاعة الديوان‪ ،‬وأصلح الديوان للنظر ف مصال الند‪ ،‬وعظّم نفسه‬
‫عن أن ياطَب ف هذا المر القي"‪.1‬‬
‫رحم ال عماد الدين زنكي‪ ،‬فقد كان أمّةً وحده! وقد اختاره ال ف هذا التوقيت ليعيد‬
‫للمة هيبتها‪ ،‬ويعلي رايتها‪ ،‬ويعز شأنا‪ ،‬فكان بقّ "رجل الرحلة"‪.‬‬
‫تُرى ما هي خطواته رحه ال لعادة ّل الشمل‪ ،‬ورأب الصدع‪ ،‬وجهاد الصليبيي؟! هذا ما‬
‫سنعرفه بإذن ال ف الفصل القادم‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.83‬‬

‫‪273‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫عماد الدين زنكي وبناء المة‬


‫ذهب عماد الدين زنكي لتول منصبه الطي‪ ،‬وهو إمارة الوصل‪ ،‬وليس وجه أهية النصب‬
‫ف كونه يشرف على واحدة من أهم وأوسع وأثرى المارات السلمية ف ذلك الوقت‪ ،‬وليس فقط‬
‫للهية الستراتيجية لذه المارة الواقعة ف وسط مثلث مهم جدّا؛ حيث إنا فاصلة بي العراق‬
‫واللفة العباسية‪ ،‬وفارس ومركز السلجقة العظام‪ ،‬والشام با فيها من أحداث ساخنة‪ ،‬ليس لذه‬
‫المور فقط ترجع أهية الوصل‪ ،‬ولكن ف الساس لكونا أصبحت المارة الت يعلق عليها السلمون‬
‫آمالم ف تليصهم من الكابوس الفزع التمثل ف الحتلل الصليب‪.‬‬
‫كانت الهمة إذن خطية جدّا‪ ،‬والعوقات لنجاح العمل كثية‪ ،‬ول بد لن يتول هذا النصب‬
‫أن يكون على دراية تامة بأحوال الواقع السلمي‪ ،‬وعلى علم غزير بأمور الهاد والدارة والسياسة‪،‬‬
‫وعلى قدرة تامة للتعامل مع كل الفاجآت والحداث‪ ،‬وقد كان عماد الدين زنكي هذا الرجل‬
‫الطلوب!‬
‫بدأ عماد الدين زنكي ‪ -‬وقبل وصوله إل الوصل ‪ -‬ينظر نظرة شولية للحداث وللظروف‪،‬‬
‫وكأن به قد نظر إل النطقة بنظار درجته ثلثائة وستون درجة‪ ،‬وكأنه بذه الصورة قد رأى كل‬
‫صغية وكبية ف النطقة! فتعالوا نفكر مع عماد الدين زنكي ف الوضع الديد‪ ،‬ونرى كيف يكن‬
‫أن تكون رؤيته؟ وما هي أولوياته؟ وكيف ستكون خطواته؟! وما هي موازين القوى الوجودة ف‬
‫النطقة ف ذلك الوقت؟‬
‫أولً‪ :‬أقوى شخصيات العال السلمي الن هو السلطان السلجوقي ممود‪ ،‬ومقرّه ف‬
‫أصفهان‪ ،‬وله اليمنة على مناطق كثية أهها إيران والعراق با فيها بغداد والوصل‪ ،‬كما أن له‬
‫السيطرة كذلك على حلب‪ ،‬ومن ثَمّ فولء عماد الدين زنكي سيكون بوضوح له‪ ،‬فوق أنه هو الذي‬
‫ولّى عماد الدين زنكي أصلً ولية الوصل‪ .1‬وكان السلطان ممود عند ولية عماد الدين زنكي‬
‫يبلغ من العمر ثلثة وعشرين عامًا‪ ،‬وكان عاقلً حليمًا كريًا عفيفًا‪ ،2‬وإن ل يكن على نفس البة‬
‫والكفاءة الت كان يتمتع با أبوه السلطان ممد أو أجداده‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الليفة العباسي آنذاك هو السترشد بال‪ ،‬ولو ظهر هذا الليفة ف زمان قوة الدولة‬
‫العباسية لكان له شأن‪ ،‬لكنه ظهر والدولة العباسية ف غاية الضعف‪ ،‬وتقع تت اليمنة السلجوقية‬
‫تامًا‪ ،‬وكانت تراود هذا الليفة الطموحات بالستقلل‪ ،‬ومرّ بنا كيف أنه اصطدم قبل ولية عماد‬
‫الدين زنكي بشهور قليلة مع السلطان ممود‪ ،‬إل أن السلطان ممود انتصر‪ ،‬واعتذر الليفة له‪ ،‬فهذا‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/243،242‬والباهر ص ‪.34-32‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/259‬‬

‫‪274‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪ -‬ل شك ‪ -‬سيؤثر ف علقة عماد الدين زنكي بالليفة؛ فعماد الدين زنكي وإن كان ل يريد‬
‫خصامًا أو شقاقًا مع أحد إل أن أولوياته ف هذه الرحلة ستكون موجّهة للسلطان ممود أولً‪ ،‬ث‬
‫الليفة أو غيه من بعده‪ ،‬ث إن عليه أن يعلم أن الليفة قد يؤذيه ف يوم ما؛ لنه يعلم ارتباط عماد‬
‫الدين زنكي بالسلطان ممود‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إمارة الوصل الن توج بالفت‪ ،‬والوضع المن فيها ف غاية الضطراب‪ ،‬ومنذ عام‬
‫واحد قُتل آق سنقر البسقي أمي الدينة بسهولة‪ ،‬وذلك على يد الباطنية‪ ،1‬فهذا النفلت المن أدى‬
‫إل نتائج خطية؛ حيث اضطربت حركة التجارة‪ ،‬وساد الفسدون‪ ،‬وخشي الناس على حركتهم‬
‫وأموالم‪ ،‬ومن ثَ ّم فقدوم عماد الدين زنكي على البلد ليس آمنًا‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬من موازين القوى الهمّة الت ل ينظر إليها كثي من الحلّلي هو الشعب ف الدينة‬
‫العيّنة أو الدولة العيّنة‪ ،‬وشعب الوصل ‪ -‬كما سبق وتدّثنا عنه ‪ -‬كان شعبًا مبّا للعلم راغبًا ف‬
‫الهاد‪ ،‬ومن ثَمّ فهو يصلح أن يكون نوا ًة جيدة لدولة قويّة‪ ،‬كما تصلح الوصل بشعبها أن تكون‬
‫عاصمة لكم عماد الدين زنكي‪ ،‬حت لو كانت أوضاعها المنية منفلتة الن‪ ،‬وهذه نقطة مهمّة؛ لن‬
‫اختيار العاصمة نقطة مورية ف ذهن عماد الدين زنكي‪ ،‬خاصّة أن حلب ُتعَدّ هي الخرى بديلً‬
‫مطروحًا لمورٍ كثية سنعرض لا ف النقطة القادمة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الوضع ف حلب‪:‬‬
‫حلب مدينة ف غاية الهيّة؛ فهي مدينة تتمتع بصانة عسكرية عالية‪ ،‬كما أنا تقع على‬
‫خطوط الواصلت بي العراق والشام‪ ،‬وهي قريبة جدّا من معاقل الصليبيي‪ ،‬وأهها الرها ف الشمال‬
‫وأنطاكية ف الغرب‪ ،‬ولا أهية اقتصادية عالية‪ ،‬كما أن كثافتها السكانيّة كبية‪.2‬‬
‫كل هذه العوامل جعلت عماد الدين زنكي يعتقد تام العتقاد أن هذه الدينة مهمّة جدّا ف‬
‫النطقة‪ ،‬إضافةً إل أن أهل حلب ما زالوا يتذكّرون حاكمهم القدي "قسيم الدولة آق سنقر الاجب"‬
‫والد عماد الدين زنكي بك ّل خي‪ ،‬ول شكّ أن هذا سيجعل قاعدة شعبيّة عريضة لعماد الدين زنكي‪.‬‬
‫لكن ف ذات الوقت فطبيعة الشعب ف حلب متلفة عن الوصل‪ ،‬فالشعب هناك عان من‬
‫سوء التربية وفساد الكم عشرات السني‪ ،‬وذلك منذ أيام تتش بن ألب أرسلن وابنه رضوان‪ ،‬وهذا‬
‫الشعب وإن كان فيه خيٌ ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬إ ّل أنه ل يصلح ف هذه الرحلة أن يكون نواة للحركة‬
‫الهاديّة ضد الصليبيي‪ ،‬هذا إضافةً إل أن الدينة قريبة جدّا من معاقل الصليبيي؛ ولذا فتَ َمرْكُز الكم‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/236‬‬


‫‪ 2‬عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي ص ‪.71‬‬

‫‪275‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فيها أمر خطي؛ ولذا ففي ذهن عماد الدين زنكي أن أهيّة الوصل تعلو فوق أهيّة حلب‪ ،‬ولكل‬
‫منهما دور ف خططه وبرامه‪.‬‬
‫أمّا الوضع السياسي الن ف حلب فهو مضطرب جدّا؛ لنه بعد وفاة عز الدين مسعود بن‬
‫آق سنقر البسقي ظهر فيهم أحد التركمان واسه قتلغ أبه‪ ،‬وسيطر على الكم‪ ،‬ووضع ف صورة‬
‫الكم إبراهيم بن رضوان بن تتش‪ ،‬وكان إبراهيم هذا فاسدًا كأبيه‪ ،‬وكان قتلغ آبه أفسد منه‪ ،‬فبدأت‬
‫الدينة تعيش حالة من الظلم والور‪ ،‬وبدأ الذعر ينتشر هنا وهناك‪ ،‬وطمع الميع ف الدينة‪ ،‬وخاصّة‬
‫جوسلي دي كورتناي أمي الرها‪ ،‬وريوند دي بواتييه أمي أنطاكية‪.1‬‬
‫ث لأ أهل الدينة إل شخصيّة جديدة لعلّها تنقذهم من ظلم قتلغ أبه‪ ،‬وهو سليمان بن عبد‬
‫البار الرتقي‪ ،‬ولكنه كان ضعيفًا‪ ،‬ومن ثَ ّم قامت مؤامرات وفت‪ ،‬ول يستقرّ الوضع على حال‪،‬‬
‫والصليبيون على البواب‪.2‬‬
‫سادسًا‪ :‬من مراكز القوى الوجودة أيضًا ف ذلك الوقت المي جاول‪ ،‬الذي أعلن الوصاية‬
‫على ابن آق سنقر البسقي الصغي‪ ،‬وكان طامعًا ف الكم‪ ،‬ورأينا أنه أرسل باء الدين الشهرزوري‬
‫وصلح الدين الياغيسيان لكي يُقنعا السلطان ممود بإعطائه الولية‪ ،3‬ولكن َجرَت الريح با ل‬
‫تشتهي السفن‪ ،‬ووصلت المارة إل عماد الدين زنكي‪ ،‬فماذا سيفعل جاول‪ ،‬وهو الن بالوصل‬
‫ومعه جيش الوصل الذي كان تت إمرة عز الدين مسعود قبل وفاته؟‬
‫سابعًا‪ :‬دمشق وبقية بلد الشام‪:‬‬
‫ف كل قصتنا من أولا إل هذه اللحظة كانت دمشق تثّل مشكلة عويصة للحركة الهادية!‬
‫فدمشق هي الدينة الرئيسية ف منطقة الشام بكاملها‪ ،‬بل إن الهال ف هذه الناطق لو قالوا‪ :‬الشام‪،‬‬
‫فإن كثيًا ما يقصدون دمشق فقط! لكن ‪ -‬للسف ‪ -‬هذه الدينة بكل مقدراتا البشرية والقتصادية‬
‫والستراتيجية والعسكرية‪ ،‬وبالتاريخ السلمي الطويل ل تكن على الستوى الطلوب إسلميّا ف هذه‬
‫الفترة‪ ،‬بل على العكس كانت حجر عثرة ف الشروع الهادي فتر ًة طويلة من الزمن!‬
‫وأصل الشكلة كما تعرضنا لا قبل ذلك الفترات الطويلة الت مرت على الدينة وهي مكومة‬
‫بالفاسدين والظالي وأصحاب البدع‪ ،‬حت خرج علينا بالتدريج جيلٌ ل يوقر العلم ول يب الهاد‪،‬‬
‫ول يعرف من الدين إل بعض القشور‪ ،‬بل وتتحول عنده البدع إل أصول!!‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.1/431،430‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/221‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.35،34‬‬

‫‪276‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد حكمت دمشق كما ذكرنا قبل ذلك من سنة ‪358‬هـ\ ‪968‬م‪ 1‬إل سنة ‪468‬هـ\‬
‫‪1075‬م بالدولة العبيدية‪ ،2‬وف هذه الفترة الطويلة تغيت الناهج التربوية والتعليمية والياتية بشكلٍ‬
‫كبي‪ ،‬أدى إل حدوث خلل بيّن ف الشعب هناك‪ ،‬وضاعت الكثي من البادئ والقيم‪ ،‬وَفقَد عقلء‬
‫الدينة الرؤية الصائبة‪ ،‬ومن ثَمّ هجرها علماؤها‪ ،‬ودخلت فترة من الظلم الدامس!‬
‫وحت بعد ترير الدينة من العبيديي فإنا مرت بفترات عصيبة تت الكم العسكري لحد‬
‫قواد السلجقة وهو أتسز (القسيس) ‪ ،3‬ث تتش بن ألب أرسلن‪ ،4‬ث دقاق بن تتش‪ ،5‬وأخيًا‬
‫طغتكي التركمان‪.6‬‬
‫ومع أن الكم الن ف يد طغتكي إل أنه ل يكن بالشخصية الهادية الصرفة‪ ،‬ومن َثمّ فقد‬
‫يثل حجر عثرة أمام أحلم عماد الدين زنكي الهادية‪.‬‬
‫أضف إل كل ذلك تغلغل النفوذ الباطن ف الشام‪ ،‬وخاصةً ف دمشق وما حولا من قرى‬
‫وقلع‪ ،‬وكان هذا يرهب الناس إرهابًا كبيًا‪ ،‬خاصةً أن الباطنية كانوا يتربصون بأي دعوة إصلحية‬
‫ف النطقة‪ ،‬ما جعل الشعب ييأس من احتمالية الصلح‪.‬‬
‫كل هذه العوامل جعلت مشكلة دمشق معقدة‪ ،‬فهي ليست مشكلة حكام فقط‪ ،‬إنا هي‬
‫مشكلة شعب كذلك‪ ،‬وهذا ‪ -‬ول شك ‪ -‬أصعب!‬
‫أما عسكريّا وسياسيّا فإن الوصول إل بيت القدس مستحيل دون التعاون مع دمشق أو‬
‫السيطرة عليها‪ ،‬ونفس الكلم يقال على إمارة طرابلس‪ ،‬وعلى هذا فإن كان عماد الدين زنكي يريد‬
‫حلّ لقضية الصليبيي ف طرابلس وبيت القدس‪ ،‬فل بد أن يد حلّ أو ًل لقضية دمشق!‬
‫أما الدن الخرى ف الشام فكانت أضعف بكثي من دمشق‪ ،‬ولكنها جيعًا كانت مورية ف‬
‫حرب الصليبيي؛ لتداخل الناطق بعضها مع بعض‪.‬‬
‫وكانت حاة تت سيطرة إمارة دمشق‪ ،‬وهي مدينة تتحكم ف عدة ماور‪ ،‬كما أنا قريبة‬
‫من أنطاكية وطرابلس‪.‬‬
‫أما حص فكانت ف ذلك الوقت إمارة مستقلة على رأسها صمصام الدولة خيخان بن‬
‫قراجا‪ ،‬وهو رجل تركي اشتهر بالظلم والتعسف‪ ،‬ولكنه كان قويّا ومؤثرًا ف النطقة‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬القريزي‪ :‬اتعظ النفا بأخبار الئمة الفاطميي اللفا ‪.1/120‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.176-174‬‬
‫‪ 3‬الصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.182‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.213‬‬
‫‪ 6‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/74‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.149،148‬‬

‫‪277‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وآخر هذه المارات هي إمارة شيزر‪ ،‬وكان يسيطر عليها سلطان بن منقذ ‪ -‬وهو من‬
‫المراء العرب ‪ -‬الذي سيطر على هذه المارة فترة طويلة من الزمن‪ ،‬على الرغم من صغر إمارته‬
‫وضعفها وخطورة موقعها؛ حيث إنا قريبة جدّا من أنطاكية‪.1‬‬
‫ثامنًا‪ :‬منطقة الزيرة وما حولا‪:‬‬
‫وهذه النطقة ف غاية الطورة‪ ،‬وهي النطقة الواقعة بي نري دجلة والفرات من ناحية‬
‫الشمال‪ ،‬وهي تضم الن أجزاء من العراق وسوريا وتركيا‪ ،‬وهي النطقة الت توي ف داخلها إمارة‬
‫الرها الصليبية‪ ،‬وهي قريبة جدّا من الوصل‪ ،‬بل إن الوصل نفسها ُتعَد إحدى مدن إقليم الزيرة‪،‬‬
‫ومن ثَمّ فإن هذه النطقة من أهم الناطق الت يب أن يفكر فيها عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫وللسف الشديد فإنه مع خطورة هذه النطقة وقربا من إمارة الرها الصليبية إل أنا كانت‬
‫مزقة بي الزعماء الختلفي‪ ،‬سواء من الراتقة أو التركمان أو العرب‪ ،‬ول نبالغ إن قلنا أن هذه‬
‫النطقة الحدودة كانت تضم عشرات المارات الستقلة‪ ،‬وليس ذلك فقط‪ ،‬بل كانت تتناحر مع‬
‫بعضها البعض من أجل توسيع بقعة السيطرة‪.2‬‬
‫تاسعًا‪ :‬الكراد‪:‬‬
‫وهم ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬من الشعوب السّنّية العظيمة‪ ،‬وكانوا يعيشون ف البال الواقعة ف‬
‫شال وشال شرق الوصل‪ ،‬ولكن نتيجة لوعورة الناطق هناك فقد ضعفت السيطرة الكومية‬
‫السلجوقية عليها‪ ،‬وقلّ وجود العلماء هناك‪ ،‬فانعدم المن وساد الهل‪ ،‬وصارت هذه الناطق مصدر‬
‫إزعاج وقلق للمدن الجاورة‪ .3‬وكانت الكراد مقسّمة إل قبائل كثية‪ ،‬وكل قبيلة مستقلة استقللً‬
‫كاملً‪ ،‬وليس هناك ما يكن أن يسمّى دولة كردية‪ ،‬ولعل أشهر القبائل ف هذه النطقة ف ذلك‬
‫الوقت هي قبائل الكراد الميدية والكارية والهرانية واليشنوية‪.4‬‬
‫عاشرًا‪ :‬الصليبيون‪:‬‬
‫بعد كل هذه الموم والشاكل الت ف النطقة يبقى هناك الم الكب‪ ،‬والعبء العظم التمثل‬
‫ف الكيان الصليب الستقر ف أربعة تمعات رئيسية‪ ،‬وهي الرها وأنطاكية وطرابلس وبيت القدس‪.‬‬
‫وف ظل الضطرابات الت حدثت ف الوصل بعد مقتل آق سنقر البسقي سنة (‪520‬هـ)‬
‫‪1126‬م‪ ،‬فإن المارات الصليبية استقرت بصورة أكب‪ ،‬بل وبدأت تتعرض للقوافل الارة بوارها‪،‬‬
‫وبدأت ف فرض التاوات على الدن القريبة؛ ما أحدث نوعًا من الفزع والرعب عند عامة سكان‬

‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪ ،228،227‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/246،245‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪.99،98‬‬
‫‪ 3‬عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي ص ‪ 101‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 4‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪.105‬‬

‫‪278‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫النطقة‪ ،‬خاصةً أن الزعماء الضعفاء الذين كانوا يسيطرون على الدن السلمية كانوا ل يرغبون‪ ،‬ول‬
‫ل ف أي صدام مع الصليبيي‪.1‬‬‫يفكرون أص ً‬
‫أما من ناحية الزعامات الصليبية فقد استقرت أوضاعهم إل حدّ كبي‪ ،‬وكانت الرها تت‬
‫حكم جوسلي دي كورتناي‪ ،‬وأنطاكية تت حكم بوهيموند الثان‪ ،‬وطرابلس تت حكم بونز بن‬
‫برترام‪ ،‬وبيت القدس تت حكم بلدوين الثان‪.‬‬
‫ول شك أن أخطر هذه المارات بالنسبة لعماد الدين زنكي هي إمارة الرها الزروعة‬
‫كالسفي بي الوصل وحلب!‬
‫إذن كانت هذه الصورة ف ذهن عماد الدين زنكي‪ ،‬وهي صورة معقدة‪ ،‬فيها عشرات بل‬
‫مئات الشاكل‪ ،‬ولن يستطيع الروج من هذه الزمة الركبة إل بيقي صادق ف ال ‪ ،‬ث رؤية‬
‫واضحة‪ ،‬وحسن ترتيب للولويات‪ ،‬وسياسة ماهرة ف التعامل مع كل هذه التنوعات البشرية‪،‬‬
‫وحكمة بالغة ف تغيي النكر وإصلح الفساد‪.‬‬
‫لقد كانت الرؤية ف تام الوضوح ف ذهن عماد الدين زنكي من أول يومٍ تول فيه الكم؛‬
‫لقد كانت قضيته بوضوح هي "ترير العال السلمي من الصليبيي"‪ ،‬ولكن هذه مهمة شاقة‬
‫وعسية‪ ،‬وتتاج إل منهج واضح ف التعامل‪ ،‬ولقد كان منهج عماد الدين زنكي ف ذلك يتركز ف‬
‫نقطتي رئيسيتي ظلتا الشغل الشاغل له طيلة حياته؛ وهاتان النقطتان ها‪ :‬توحيد السلمي‪ ،‬والهاد‬
‫ف سبيل ال ضد الصليبيي!‬
‫لقد أدرك عماد الدين زنكي من اليوم الول أن حالة الفرقة الشنيعة الت تعان منها المة‬
‫السلمية هي السبب الرئيسي ف تكن الصليبيي من السيطرة على الوضاع ف عمق العال‬
‫السلمي‪ ،‬ول يكن المر يقف عند ضعف القوة فقط‪ ،‬ولكن كان الصليبيون يضربون بعض‬
‫السلمي ببعض‪ ،‬فنشأت الدويلت التناحرة الت حفظت بقاء الصليبيي مدة أطول‪.‬‬
‫كما أدرك عماد الدين زنكي أيضًا من اليوم الول أن الل الوحيد لطرد الصليبيي من البلد‬
‫هو الهاد ف سبيل ال‪ ،‬وأن التفاوض مع الصليبيي للموافقة على الروج هراء ل معن له‪ ،‬خاصةً‬
‫أنم متمعات استيطانية جاءوا بنسائهم وأولدهم ليستقروا ويعيشوا‪ ،‬ومن ثَمّ فقد أصبح الصليبيون‬
‫يعتبون الديار السلمية النهوبة ديارهم‪ ،‬وهناك أجيال كاملة ولدت وعاشت ف بلد السلمي‪ ،‬ول‬
‫تر أوربا أصلً‪ ،‬فقد مر على الوجود الصليب حت لظة ولية عماد الدين زنكي ثلثي سنة كاملة‪.‬‬
‫وعلى هذا فخطة الهاد ف سبيل ال كانت واضحة تامًا عند عماد الدين زنكي‪ ،‬ول بد أن‬
‫يكون الهاد ف سبيل ال‪ ،‬وليس ف سبيل مطامع شخصية‪ ،‬أو أحلم توسعية‪ .‬وهذا الهاد له‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.33،32‬‬

‫‪279‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أسلوب وطريقة‪ ،‬ويتاج إل إعداد وجهد‪ ،‬وإل طاقات وإمكانيات‪ ،‬وهو ليس جهد فرد‪ ،‬وإنا جهد‬
‫أمة‪.‬‬
‫هكذا كان يفكر عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫فكيف كان تنفيذه لذه الفكار الرتبة؟ وكيف سعى إل وحدة السلمي؟ وكيف أعدّ‬
‫للجهاد؟ وكيف مارسه؟‬
‫هذا ما سنتناوله ف الفصل القادم بإذن ال‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫عماد الدين زنكي‪ ..‬وحدة وجهاد!‬


‫تسلّم عماد الدين زنكي منصبه الديد‪ ،‬والذي ل يكن تشريفًا على قدر ما كان تكليفًا‪،‬‬
‫فالهمّة صعبة‪ ،‬والعبء ثقيل‪ ،‬والمال معلّقة على هذا القائد الديد‪.‬‬
‫وبدأ عماد الدين زنكي ف مارسة مهامه حت قبل أنْ يصل إل الوصل!‬
‫جهًا من بغداد إل الوصل‪ ،‬وهو يعلم أن جاول الذي تول الوصاية على ابن آق‬ ‫لقد كان متّ ِ‬
‫سنقر البسقي قد يرفض تسليم الوصل ويتحصّن با‪ ،‬وقد يستقلّ با كما حدث من بعض الزعماء‬
‫قبل ذلك‪ ،‬فأراد عماد الدين زنكي أن يضع الطّة البديلة لثل هذا الوضع إن حدث‪ ،‬وعرف أنه ل‬
‫بُ ّد له من مركز يتحرّك منه‪ ،‬وبالتال فقد توجّه على رأس الفرقة الت كانت معه إل مدينة البوازيج‪،‬‬
‫وهي مدينة قرب تَكريت إل النوب من الوصل‪ ،‬وسيطر عليها‪ ،‬وجعلها قاعدة ليشه‪ ،‬وبذا‬
‫يستطيع أن يتابع الضغط على الوصل ف حال رفض جاول أن يُسَلّمها‪ ،‬وف نفس الوقت ستصبح‬
‫البوازيج تأمينًا لدود الوصل النوبيّة ف حال تسليم جاول للمدينة‪ ،‬أو سقوطها ف يَ ِد عماد الدين‬
‫زنكي‪.‬‬
‫وبالفعل سيطر عماد الدين زنكي على البوازيج‪ ،‬ث أتبعها بض ّم جزيرة ابن عمر‪ ،‬وهي منطقة‬
‫مهمّة جدّا تقع على مسافة خسة كيلو مترات تقريبًا جنوب الوصل‪ ،‬ولا أهية عسكرية واقتصادية‬
‫عالية‪ ،‬وكان قد استقلّ با أحد ماليك البسقي؛ ولذا كان ل بُ ّد من ضمّها لتأمي جنوب الوصل‪،‬‬
‫ث تقدّم بطلنا صوب الوصل‪.‬‬
‫وفكر جاول ف موقفه‪ ،‬فوجد أنه ضعيف‪ ،‬وليس له سند من الدولة ول من الشعب؛ ولذلك‬
‫تردّد ف منع عماد الدين زنكي من دخول الدينة‪ ،‬وكان عماد الدين زنكي يقرأ أفكار جاول‪ ،‬ومن‬
‫ثَ ّم َعلِمَ أنه ليست له طاقة كاملة للستقلل بالدينة‪ ،‬إلّ أنه من المكن أن يُكَلّف عماد الدين زنكي‬
‫خسائرَ ف الال والرواح والوقت إذا قاومه لفترة؛ لذلك فكّر عماد الدين زنكي ف استغلل جاول‬
‫لصفّه‪ ،‬فراسله من البداية‪ ،‬ووعده بإعطاء إقليم الرحبة وما حوله كإقطاعية يكمها باسم عماد الدين‬
‫زنكي‪ ،1‬وإقليم الرحبة من أقاليم الشام الثريّة والقريبة من حصون الصليبيي‪ ،‬وهو بذلك سيضرب‬
‫أكثر من عصفور بجر؛ فهو سيدخل الوصل آمنًا دون قتال‪ ،‬وسيستخدم جاول ف إدارة إقليم‬
‫إسلمي مهمّ‪ ،‬ويصبح بذلك من رجاله‪ ،‬ث سيستغلّ طاقاته العسكرية ف قتال الصليبيي‪ ،‬وهو الدف‬
‫الرئيسي لعماد الدين زنكي‪ ،‬وفوق كلّ ذلك فإن هذا السلوك من عماد الدين زنكي سيشجّع كل‬
‫العارضي على التعامل معه والخلص له‪ ،‬فهو ل يتخلّص من النافسي له‪ ،‬ولكن يُجزل لم العطاء‪،‬‬
‫وُيوَلّيهم ف إمارته‪ ،‬ول شكّ أن هذا سيجذب إليه القلوب‪.‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/242،243‬‬

‫‪281‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وجد جاول ف هذا العرض السخي من عماد الدين زنكي حلّ لطامه‪ ،‬وبالتال وافق‬
‫بسهولة‪ ،‬ومن ثَ ّم دخل عماد الدين زنكي الوصل دون إراقة قطرة دم واحدة‪ ،‬وكان هذا منهجه‬
‫كلّما استطاع إل ذلك سبيلً‪.‬‬
‫بدأ عماد الدين زنكي مباشرة ف ترتيب البيت الداخلي‪ ،‬فعيّن على إمارة الوصل نصي الدين‬
‫جقر‪ ،1‬وهو بنلة مافظ الوصل‪ ،‬وكان نصي الدين جقر شخصية حازمة قويّة تناسب الوضع المن‬
‫التدهور ف الوصل آنذاك‪ ،‬وأوكل إليه عدّة مهام رئيسية كان منها استتباب المن الداخلي ف‬
‫الوصل‪ ،‬وتقوية السوار والقلع والنادق‪ ،‬وتقوية العلقات مع رءوس الناس والعيان ورؤساء‬
‫القبائل‪ ،‬وتنسيق الدواوين والدارات‪ ،‬وقد جعل عماد الدين زنكي ميزانيّة ضخمة لذه الدواوين‬
‫(الوزارات)‪ ،‬حت صار العمل فيها سلسًا وسريعًا ومنظّمًا‪ ،‬كما أكّد عماد الدين زنكي على حسن‬
‫التعامل مع المهور حت وصف أبو شامة التعاملي مع هذه الدواوين بقوله‪" :‬وكأنم ف أهلهم"‪.2‬‬
‫وأوكل عماد الدين زنكي مهمّة اليش إل صلح الدين ممد الياغيسيان‪ ،3‬وهو أحد‬
‫الرسولَيْ ِن اللذين أرسلهما جاول قبل ذلك للسلطان ممود‪ ،‬وقام مع زميله بترشيح عماد الدين زنكي‬
‫خلفًا لا أراده جاول‪ ،‬وقد شعر عماد الدين زنكي بدى ترّد الرجل حيث ضحّى بنصب متوقّع ف‬
‫سبيل تزكية عماد الدين زنكي‪ ،‬إضافةً إل أنه من التمكّني عسكريّا‪ ،‬ومن التميّزين ف ساحة‬
‫العارك‪.‬‬
‫ث أسند عماد الدين زنكي مهمّة القضاء إل الرسول الثان الذي كان مرافقًا لصلح الدين‬
‫ش ْه ُرزُوري‪ ،4‬وقد كانت عائلة الشهرزوري بكاملها من العائلت‬ ‫ممد الياغيسيان‪ ،‬وهو باء الدين ال ّ‬
‫الشهورة بالعلم عامّة‪ ،‬وبالقضاء خاصّة‪ ،‬وقد أيقن عماد الدين زنكي أيضًا بإخلص هذا الرجل‬
‫فقدّمه على غيه‪ ،‬واعتمد عليه ف اختيار مَنْ تته من القضاة ف الوليات الختلفة‪.‬‬
‫وهكذا استق ّر عماد الدين زنكي رحه ال على حكومته الرئيسيّة؛ حيث اطمأ ّن على أهمّ‬
‫القيادات ف دولته‪ ،‬وهي القيادة الداريّة والعسكريّة والدينيّة‪.‬‬
‫ث شرع عماد الدين زنكي رحه ال ف استقدام العلماء من الماكن الختلفة ف العال‬
‫السلمي‪ ،‬وأفسح لم الجال لتعليم الناس دينهم‪ ،‬والديث باستفاضة عن قضية الهاد‪ ،‬وتعبئة‬
‫الشعب لذه الهمّة النبيلة‪ ،‬وتذكي الناس بأيام ال الت انتصر فيها السلمون‪ ،‬وإعادة الناس إل ربم‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.35،34‬‬


‫‪ 2‬أبو شامة‪ :‬الروضتي ف أخبار الدولتي ‪.1/163‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/243‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.258‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/243‬‬

‫‪282‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سبحانه وتعال‪ ،‬وتنشئة اليل الديد على التضحية والبذل‪ ،‬وتوجيه النيّة ل رب العالي‪ .1‬وهكذا بدأ‬
‫العلم ف الدولة الديدة يهتمّ بقضايا أُهلت ف كثي من الناهج‪ ،‬وبدأت أحلم الناس وأهدافهم‬
‫تتغيّر لصال قضية عماد الدين زنكي الرئيسيّة‪ ،‬وهي قضية إخراج الصليبيي من بلد السلمي‪.‬‬
‫وهكذا رتّب عماد الدين زنكي بيته الداخلي‪ ،‬وأسّس دولة على بُنيان صُلب‪ ،‬واطمأنّ إل‬
‫الوضاع ف داخل الوصل‪ ،‬ومن ثَ ّم بدأ ينظر إل خارجها عازمًا على توحيد ا ُلمّة ف كيان كبي‬
‫يستطيع أن يصمد أمام الصليبيي‪.‬‬
‫ولا كان عماد الدين زنكي واقعيّا‪ ،‬وكان يُحسن تقدير قوّته وقوّة عدوّه‪ ،‬فإنه أدرك أنه ف‬
‫هذه الرحلة ل َي ْقوَى على قتال إمارة الرها القريبة‪ ،‬وكان ف نفس الوقت يريد أن يتفرّغ لتوحيد‬
‫المارات الكثية التناثرة حول الوصل‪ ،‬ومن هنا قرّر أن يعقد هدنة مع إمارة الرها لدّة سنتي‪ ،2‬وقد‬
‫كان واضحًا جدّا أن التفاقية مدّدة بفترة زمنيّة معيّنة؛ لنه ل يستطيع بالٍ أن يعقد اتفاقيّة سلم‬
‫دائم مع عدوّ يتلّ أرض السلمي‪ ،‬ومن هنا دلّل على أنه يمع بي الفقه العسكري والفقه الدين‪،‬‬
‫وهذا ما ميّزه عن بقيّة زعماء عصره‪.‬‬
‫ولا ُعقِ َدتْ هذه الدنة الهمّة فكّر عماد الدين زنكي مباشرة ف ضمّ الدينة العظيمة حلب‪،‬‬
‫وقد تدّثنا قبل ذلك عن أهيّة حلب الستراتيجيّة والعسكريّة والسياسيّة والقتصاديّة والبشريّة‪ ،‬إضافةً‬
‫إل أن حلب كانت متحدة قبل ذلك ف زمان آق سنقر البسقي مع الوصل تت حكم السلطان‬
‫السلجوقي ممود‪ ،‬فالوَحدة بينهما منطقيّة وقانونيّة‪ ،‬وليس من الفترض أن يكون هناك خلف على‬
‫توحيدها مع الوصل‪ ،‬هذا إضافةً إل أن القاعدة الشعبية لعماد الدين زنكي هناك قويّة؛ وذلك‬
‫لذكريات أبيه العادل قسيم الدولة آق سنقر الاجب‪ ،‬الذي قُتل منذ أربعٍ وثلثي سنة وهو يدافع عن‬
‫حلب ضد تتش بن ألب أرسلن‪.‬‬
‫لكن عماد الدين زنكي ‪ -‬مع رغبته ف ضمّ حلب ‪ -‬ل يشأ أن ُيقْدِم على هذه الطوة قبل‬
‫أن يقوم بإجراءين رئيسيي‪:‬‬
‫أما الجراء الول فهو تأمي الدود الشمالية والشمالية الشرقية للموصل‪ ،‬وكان قد أمّن‬
‫حدودها النوبية قبل ذلك بض ّم البوازيج وجزيرة ابن عمر كما مرّ بنا‪ ،‬وهذا التأمي يضمن له‬
‫الركة المنة ف اتاه الغرب ناحية حلب‪.‬‬
‫وكانت هذه الناطق مسَت َقرّا لقبائل الكراد الكثية‪ ،‬وكانت أقرب هذه القبائل للموصل هي‬
‫قبائل الكراد الميدية والكراد الكارية‪ ،‬وكانوا ف هذه الفترة ُي َكوّنُونَ ِفرَقًا مسلّحة ُتغِيُ على‬

‫‪ 1‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪.134،133‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/244‬‬
‫‪Setton Op. cit 1, p. 429‬‬

‫‪283‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مزارع وقرى الوصل الشرقيّة‪ ،‬وبالتال يُثيون الذعر بي الفلّحي ومواطن الوصل؛ ومن ثَمّ توجّه‬
‫إليها عماد الدين زنكي بفرقةٍ من جيشه‪ .‬ومع كون الفارق هائلً بي قوّة عماد الدين زنكي وجيشه‬
‫النظامي وبي هذه القبائل التفرّقة‪ ،‬إلّ أن عماد الدين زنكي رحه ال كان حريصًا طيلة حياته على‬
‫الستفادة من كل الطاقات من حوله‪ ،‬وكما وظّف جاول لصاله قرّر أن يوظّف الكراد ‪ -‬إن‬
‫استطاع ‪ -‬لدمة دولته الناشئة‪ ،‬وقد أقدم على هذه الطوة على الرغم من التاريخ السيّئ لذه‬
‫التجمّعات‪ ،‬لكنه كان دائمًا ‪ -‬رحه ال ‪ -‬يسعى إل الصلح وإل الوَحدة‪.‬‬
‫اجتمع عماد الدين زنكي رحه ال مع زعيم الكراد الميديي المي عيسى الميدي‪ ،‬وف‬
‫هذا الجتماع أقرّه على وليته على الكراد‪ ،‬وترك له كل ما ف يده‪ ،‬ف مقابل أن يُصبح تابعًا لمارة‬
‫الوصل‪ ،1‬وبالتال ل ُيغِيُ على المارة‪ ،‬إضافةً إل الستعانة به ضدّ الصليبيي إذا لزم المر‪ .‬ول شكّ‬
‫أن عيسى الميدي أدرك قوّة عماد الدين زنكي‪ ،‬وعلى الرغم من أن هذه القبائل كانت كاليليشيات‬
‫العسكرية الاصة إلّ أنم أدركوا أنه من السلم لم ‪ -‬على القلّ ف هذه الرحلة ‪ -‬أن يضعوا‬
‫لسلطان عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫وهكذا ضُ ّمتْ قوّة الكراد الميدية إل قوّة الوصل‪ ،‬أو على القلّ ُحيّ َدتْ‪.‬‬
‫وعندما نحت خُطّة عماد الدين زنكي رحه ال مع الكراد الميدية اته مباشرة إل‬
‫الكراد الكارية‪ ،‬وعقد نفس التفاقية مع أب اليجاء الكاري زعيمهم‪ ،2‬وبذلك أمّن الدود‬
‫الشمالية والشمالية الشرقية تامًا‪.‬‬
‫وهكذا نح عماد الدين زنكي بهود دبلوماسية ف أن يقرّ الوضاع ف الوصل وما حولا‪،‬‬
‫وبالتال أفرغ ذهنه لقضيّة حلب‪.‬‬
‫كان هذا هو الجراء الول ‪ -‬وهو تأمي الدود الشمالية والشمالية الشرقية ‪ -‬قبل التاه‬
‫غربًا إل حلب‪.‬‬
‫أمّا الجراء الثان فهو التمهيد العلمي والعسكري لفكرة قدومه إل حلب؛ حت يتجنّب‬
‫حدوث صدام قد تراق فيه الكثي من الدماء السلمة‪.‬‬
‫وكان التمهيد العلمي الذي قام به هو إرسال الرسل من طرفه إل حلب فتسلّلوا إليها‪،‬‬
‫وتدّثوا مع الناس ف مساجدهم ومتمعاتم بأحقّيّة عماد الدين زنكي ف حكم هذه الدينة الهمّة‪،‬‬
‫فهو الذي ارتضاه لم السلطان ممود سلطان السلجقة والقوة الُول ف العال السلمي آنذاك‪ ،‬وهو‬
‫الجاهد الصّلب الذي يستطيع أن يقف ف وجه الصليبيي‪ ،‬وهو الاكم العادل الذي سُي ِقرّ السلم ف‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/274‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/275‬‬

‫‪284‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫داخل حلب‪ ،‬ويُعيد القوق لصحابا‪ ،‬وهو ابن آق سنقر الاجب الذي توارث أه ُل حلب الرحة‬
‫عليه‪.1‬‬
‫لقد كان عماد الدين زنكي يهدف من وراء هذا التمهيد أن يعل قدومه على حلب مطلبًا‬
‫شعبيّا‪ ،‬خاصّةً أنه يعلم أن قتلغ أبه وإبراهيم بن رضوان كليهما من الفاسدين‪ ،‬وأن سليمان بن عبد‬
‫البار الرتقي ضعيف‪ ،‬وأن أهل حلب ل يريدون أحدًا منهم‪ ،‬فإذا كان البديل هو عماد الدين‬
‫شخصيّا فل شكّ أن هذه ستكون فرصة طيّبة للشعب هناك‪.‬‬
‫ولقد نحت خطّة عماد الدين زنكي تامًا‪ ،‬وانتشر دُعاته بي الناس‪ ،‬وصار الناس يترقّبون‬
‫اليوم الذي يظهر فيه عليهم‪.‬‬
‫أما التمهيد العسكري فقد قام به عماد الدين زنكي عن طريق إرسال رأس جيشه صلح‬
‫الدين الياغيسيان‪ ،‬الذي درس الوضاع حول حلب‪ ،‬وأمّن الطرق‪ ،‬وتراسل مع بعض الفراد من‬
‫جيش حلب‪ ،‬ومهّد الوضاع لستقبال القائد العظيم عماد الدين زنكي‪.2‬‬
‫وعندما تيقّن عماد الدين زنكي من أن الظروف أصبحت مناسبة ف حلب‪ ،‬ترّك إليها من‬
‫الوصل على رأس فرقة قويّة من جيشه‪ ،‬وف طريقه ضمّ مدينت بزاغة ومَنْبِج‪ ،‬وها مدينتان ف شرق‬
‫حلب تامًا؛ وذلك لتأمي خطّ رجعته إن فشل ف دخول حلب‪ ،‬ث اقترب بعدها من حلب‪ ،‬وهنا‬
‫حدثت الفاجأة السارّة!‬
‫لقد خرج شعب حلب من الدينة؛ ليكون ف استقبال عماد الدين زنكي‪ ،‬مرحِّبيَ به أشدّ‬
‫الترحيب‪ ،‬ومعلِنيَ ولءهم الكامل له‪ ،‬بعد معاناتم الفترة السابقة تت حكم هذه الجموعة من‬
‫الفاسدين‪.‬‬
‫وإزاء هذه الظاهرة الشعبيّة الرائعة ل يد إبراهيم بن رضوان ول سليمان بن عبد البار بُدّا‬
‫من الرب من الدينة دون قتال‪ ،‬بينما أمسك الشعب بقتلغ أبه‪ ،‬وقُتل جزاءً وفاقًا للرواح الكثية الت‬
‫أزهقها فترة حكمه‪.3‬‬
‫وهكذا دخل عماد الدين زنكي مدينة حلب دون إراقة دماء وف وسط ترحيب شعب عارم‪،‬‬
‫وتتوحّد بذلك مدينتان من أه ّم مدن النطقة‪ ،‬وها الوصل وحلب‪ ،‬ول تكن أهية هذه الوحدة تعود‬
‫إل ازدياد القوة السلميّة فقط‪ ،‬ولكنها تعود أيضًا إل فصل إمارة الرها عن بقيّة المارات الصليبيّة‬
‫ف الشام وفلسطي‪ ،4‬مّا سُي َؤثّر حتمًا ف مقدراتا وإمكانياتا‪ ،‬وكان هذا الدخول البارك للب ف‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/247‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪ ،2/437‬و سهيل زكار‪ :‬الروب الصليبية ‪.2/678‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/247‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/247‬‬
‫‪ 4‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪.101‬‬

‫‪285‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫شهر جُمادى الخرة سنة (‪522‬هـ) يونيو ‪1128‬م‪ ،1‬أي بعد حوال تسعة أشهر فقط من تسلّم‬
‫عماد الدين زنكي مقاليد الكم ف الوصل‪ ،‬وهو بذلك إناز رائع ف زمن قياسي!‬
‫وبجرّد دخول عماد الدين زنكي حلب قام بطوة سياسيّة رائعة‪ ،‬وهي الزواج من خاتون‬
‫ابنة رضوان بن تتش حاكم حلب السابق‪ ،2‬وكان هذا الزواج سياسيّا؛ لنه بذلك سُيهَدّئ أفئدة بيت‬
‫رضوان‪ ،‬وأصحاب العَلقات معه‪ .‬ول ننسى أن رضوان حَكَ َم حلب عشرين سنة كاملة قبل ذلك‪،‬‬
‫من سنة ‪487‬هـ إل سنة ‪507‬هـ‪ ،‬ول بُدّ أن تكون له عَلقات ضاربة ف جذور البلد‪ ،‬فضلً عن‬
‫عائلته الستقرّة هناك‪ ،‬وكذلك إبراهيم بن رضوان الذي كان يكم حلب منذ أيّام‪ ،‬وهرب إل‬
‫نصيبي عند قدوم عماد الدين زنكي‪.3‬‬
‫لقد كان اللوك والمراء ف ذلك الوقت يَُثبّتون دعائم ملكهم عن طريق الزواج من‬
‫حلفائهم‪ ،‬وأحيانًا من أعدائهم؛ حت يتوثّق الِلْف بشكل أقوى‪ ،‬أو تزولَ العداوة بشكل طبيعي‪،‬‬
‫وهذا ما سعى إليه عماد الدين زنكي‪ ،‬وأثر نتائ َج طيّبةً؛ حيث ل تقم عليه ثورات مطلقًا ف داخل‬
‫الدينة الهمة حلب‪.‬‬
‫ث إنه تزامن مع دخول عماد الدين زنكي إل حلب‪ ،‬أو قبل ذلك بقليل‪ ،‬ف نفس السنة‬
‫‪522‬هـ أن مات طغتكي أمي دمشق بعد حكم دام حوال خسٍ وعشرين سنة (من سنة ‪497‬هـ‬
‫إل سنة ‪522‬هـ)‪ ،‬وخلفه ف الكم ابنه بوري بن طغتكي بوصية من والده‪.4‬‬
‫وهذا الوت لطغتكي سيجعلنا نفتح مع عماد الدين زنكي ملف دمشق!‬
‫ل شك أن دمشق هي أكب مدن الشام مطلقًا‪ ،‬وقوة من القوة الؤثّرة ف مريات المور‪،‬‬
‫وهي بإمكانياتا البشرية والتاريية والسياسية والعسكرية تثّل مطة مهمة جدّا من مطات الصراع مع‬
‫أي عدو من أعداء السلمي‪ ،‬وعندما ينصلح حالا ويقوى تُصبِح من أثقل النقاط إيابية ف العادلة‪،‬‬
‫ولكنها على الانب الخر عندما يفسد حالا وتضعف تؤثَّر تأثيًا سلبيّا ف النطقة ككل‪ ،‬هذا أمرٌ ل‬
‫نستطيع أبدًا أن نغفله‪.‬‬
‫وإذا كان عماد الدين زنكي يتلك مشروعًا واضحًا ضخمًا كمشروع إخراج الصليبيي من‬
‫أرض السلمي ُكلّيّةً‪ ،‬فإنه ل بد أن يضع دمشق ف حساباته‪ ،‬وخاصةً أنا بوقعها التوسط ف الشام‬
‫تصبح مركز انطلق وعودة ف غاية الهية لمارة أنطاكية وإمارة طرابلس‪ ،‬وكذلك لملكة بيت‬
‫القدس‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/242‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/244‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/243‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/248‬‬

‫‪286‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومن هنا فل بد لن أراد أن يتم هذا الشروع بنجاح أن يضم دمشق إل الشروع الوحدويّ‬
‫الذي يمع طاقات هذه النطقة بكاملها‪ ،‬وهذا من الؤكد أنه ف ذهن عماد الدين زنكي‪ ،‬وسيكون‬
‫بعد ذلك ف ذهن نور الدين ممود وصلح الدين اليوب‪ ،‬بل ومن يأت بعد صلح الدين اليوب من‬
‫زعماء‪ ،‬سواء ف الدولة اليوبية أو ف الماليك‪ ،‬ولعله إل زماننا الن؛ فإن دمشق ‪ -‬ل شك ‪ -‬مطة‬
‫ل يكن أن تُغفل‪.‬‬
‫لكن ‪ -‬للسف الشديد ‪ -‬مع كل العتبارات الت ذكرناها فإن دمشق ف هذه الفترة من‬
‫حياة المة‪ ،‬حي دخل الصليبيون بلد الشام وفلسطي كانت تثّل ‪ -‬بل جدال ‪ -‬حجر عثرة أمام‬
‫أي مشروع وحدة إسلمية!‬
‫ولقد ذكرنا قبل ذلك اللفيات الت جعلت الشعب ف دمشق ف هذه الونة يرج بل ُهوِيّة‬
‫واضحة‪ ،‬ول نزعة إسلمية سويّة؛ وذلك نتيجة الكم العبيديّ الذي امتد أكثر من مائة سنة ث حكم‬
‫تتش الظال وابنه دقاق كذلك‪ ،‬ولئن كان طغتكي على خلف ذلك‪ ،‬فإنه أيضًا ل يكن بالرجل‬
‫التكامل الذي يقدّم مصلحة المة بصرف النظر عن مصاله الشخصية‪ ،‬بدليل أنه ل يانع من‬
‫التحالف مع الصليبيي ف نظي الفاظ على كرسيّه ف الكم‪.‬‬
‫ولقد كانت مشكلة كبى بالنسبة لدمشق أن الذي يكمها يشعر من تلقاء نفسه‬
‫بالستقللية؛ لنا مدينة كبية‪ ،‬ولا سعتها وقيمتها‪ ،‬وبالتال يصبح له من الوضع الجتماعي ما ينع‬
‫ذهنه تامًا من التفكي ف كونه يصبح تابعًا لغيه! إنه ملك دمشق أو زعيمها‪ ،‬فكيف يتبع أميًا آخر‬
‫أيّا كان هذا المي؟! هذه كانت مشكلة طغتكي وأبنائه من بعده‪.‬‬
‫أضف إل هذا أن طغتكي كان من عائلة تركية منفصلة عن بقية العائلت الكبى الت‬
‫كانت تكم النطقة‪ ،‬فل هو من السلجقة‪ ،‬ول هو من العباسيي‪ ،‬ول هو من العائلت العربية الت‬
‫كان لا تاريخ ف الكم ف النطقة كبن عقيل أو بن مرداس أو بن منقذ أو غيهم؛ ومعن هذا‬
‫الكلم أنه سيظل مدودًا ف دمشق‪ ،‬ولن يكون له أعوان ف مدن أخرى‪ ،‬وهذه كانت مشكلة‬
‫طغتكي الكبى‪ ،‬إذ إنه مع قوة مدينته ل يستطع أن يضم إليها أي مدينة ف النطقة إل بشكل عابر‬
‫ومؤقت؛ ولذلك قنع طغتكي بالحتفاظ بدمشق‪ ،‬وسيقنع أولده من بعده بذلك‪ ،‬وسيُخرِجون تامًا‬
‫مشروع المة من أذهانم؛ ليستمر لم حكم دمشق‪!1‬‬
‫كان عماد الدين زنكي يقرأ كل هذه الظروف واللبسات‪ ،‬وكان ف نفس الوقت يطّط‬
‫لضم الدينة الهمة دمشق إل الوحدة النشودة الت تدف إل جهاد الصليبيي‪ ،‬ول شك أن مور‬
‫الوصل‪ -‬حلب لو اكتمل بدمشق‪ ،‬فإنه سيصبح مورًا مستعصيًا على النكسار‪.‬‬

‫‪ 1‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪ 116‬بتصرف‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫والن بعد موت طغتكي الذي حكم خسًا وعشرين سنة متصلة‪ ،‬ل بد أن دمشق ف حالة‬
‫فقدان للتوازن‪ ،‬والاكم الديد بوري بن طغتكي ليست له البة الكافية الت تكّنه من السيطرة‬
‫على مريات المور ف دمشق؛ ولذلك فإنْ أراد عماد الدين زنكي أن يضم هذه الدينة فل بد أن‬
‫يسعى ف ضمّها الن دون تأخي‪.‬‬
‫فإذا أضفنا أن دمشق ف ذلك الوقت كانت وكرًا للباطنية‪ ،‬وكان طغتكي طيلة حياته‬
‫يشاهم ويداريهم‪ ،‬ويترك لم البل على الغارب؛ ما أدى إل توحّشهم‪ ،‬وبالتال ازدادت خطورتم‪،‬‬
‫ليس على دمشق فقط‪ ،‬بل على منطقة الشام بكاملها؛ إذا أضفنا هذا فل بد أن نعلم أن سرعة‬
‫السيطرة على دمشق سُتعِيد المن إل نصابه ف الشام‪ ،‬وستصرف جهود السلمي إل الصلح‪،‬‬
‫وستفتح الجال للعلماء والقادة أن يتحركوا ف سبيل ال دون أن يشوا من خناجر الباطنية‬
‫وسيوفهم‪.‬‬
‫وكان عماد الدين زنكي كسياسي خبي يدرك أن ماولت الوحدة السلمية بي دمشق‬
‫وحلب والوصل تكاد تكون مستحيلة‪ ،‬فلم يكن طغتكي على هذه الصورة‪ ،‬ومن الؤكد أن ابنه‬
‫كذلك سيكون متمسّكًا بكم دمشق؛ ولذلك فإنه لكي يضم دمشق إل الكيان السلمي الديد ل‬
‫بد له من سلوك أحد طريقي‪ :‬إما طريق اليلة‪ ،‬وإما طريق القوة‪.‬‬
‫ولا كان عماد الدين زنكي ل يب أن يريق الدماء إل عند الضرورة القصوى‪ ،‬وكان يغلب‬
‫عليه طيلة حياته ماولة ضم الدن والبلد السلمية دون الدخول ف قتال عسكري‪ ،‬فإنه اختار طريق‬
‫اليلة‪ ،‬وماولة الضغط على بوري بن طغتكي بطريقة غي عسكرية ليضم ف النهاية دمشق إل‬
‫حكمه‪ ،‬خاصةً أن دمشق كانت تسيطر على حاة أيضًا‪ ،‬وهي مدينة مهمة جدّا‪ ،‬وقريبة من طرابلس‪.‬‬
‫وقبل الديث عن حيلة عماد الدين زنكي‪ ،‬فإننا يب أن نشي إل أ ّن حص كانت هي‬
‫الخرى إمارة مستقلة‪ ،‬وكان على رأسها رجل ظال عامل أهلها بالتعسف والور‪ ،‬وهذا الرجل هو‬
‫صمصام الدولة خيخان بن قراجا‪ ،‬وليس هذا فقط‪ ،‬ولكن كان الشعب كذلك ف حص فيه من‬
‫الصفات كما كان الال ف دمشق تامًا لتعرّض الدينة لنفس الظروف‪ ،‬فقد حُكمت الدينة بالعبيديي‬
‫أكثر من مائة سنة‪ ،‬وحكمها بعدهم تتش بن ألب أرسلن ث دقاق‪ ،‬بل كان طغتكي شخصيّا أميًا‬
‫عليها فترة من الزمان أيام حكم دقاق‪.‬‬
‫وهكذا ‪ -‬وبالنظر إل جغرافية النطقة ‪ -‬ند أن الوصول إل دمشق يتّم السيطرة على حاة‬
‫وحص أولً لوقوعهما ف الطريق بي حلب ودمشق‪ .1‬فماذا يكن أن يفعل عماد الدين زنكي‬
‫ليتمكن من حص وحاة أولً‪ ،‬ث دمشق بعدها؟‬

‫‪ 1‬عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي ص ‪.119‬‬

‫‪288‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد فكر عماد الدين زنكي ف حيلة سياسية‪ ،‬وهي أن يُظهِر أنه يهّز جيشًا لرب‬
‫الصليبيي‪ ،‬ث يطلب التعاون من الميين خيخان بن قراجا أمي حص‪ ،‬وبوري بن طغتكي أمي‬
‫دمشق‪ ،‬فإذا جاءا إليه ألقى عليهما القبض‪ ،‬فتخلو مدنما من الماية‪ ،‬وبالتال يستطيع دخول الدن‬
‫دون قتال‪.‬‬
‫هكذا كانت حسابات عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫ولقد نحت خطة عماد الدين زنكي ف شقها الول حيث جاءه بالفعل خيخان بن قراجا‬
‫ف فرقة من جيشه‪ ،‬أما بوري بن طغتكي فاكتفى بإرسال ابنه سونج مع سرية رمزية من دمشق‬
‫قوامها خسمائة فارس‪ ،‬وكان سونج أميًا على حاة‪.‬‬
‫قام عماد الدين زنكي بالقبض على سونج فورًا‪ ،‬وأسرع بدخول حاة‪ ،‬وقد ضعفت لعدم‬
‫وجود سونج وجيشه فيها‪ ،‬وهكذا دخلت حاة ف دولة عماد الدين زنكي دون إراقة دماء‪ ،‬وبعد أن‬
‫استقر الوضع له هناك ألقى القبض على خيخان بن قراجا ليفعل بمص مثلما فعل بماة‪ ،‬لكن‬
‫حص أغلقت أبوابا‪ ،‬وكان با جيش كبي‪ ،‬فلم يستطع عماد الدين زنكي أن يدخلها‪.1‬‬
‫حاول عماد الدين زنكي أن يضغط على بوري بن طغتكي ليسلّم مدينة دمشق ف مقابل‬
‫إطلق سراح ابنه سونج إل أن بوري رفض‪ ،‬وعليه فقد ظلت دمشق منفصلة عن الوحدة السلمية‪.‬‬
‫وهكذا خرج عماد الدين زنكي من هذا الوقف بدينة حاة بينما فشل ف السيطرة على‬
‫حص ودمشق‪ ،‬وليس هذا فقط‪ ،‬ولكن كُشفت كذلك أوراق عماد الدين زنكي أمام الدينتي‪،‬‬
‫وعلم بوري بن طغتكي أمي دمشق‪ ،‬وقريش بن خيخان أمي حص الديد (بعد أسر أبيه) أن عماد‬
‫الدين زنكي لن يتردد ف الستقبل ف اختيار الل العسكري لضم الدينتي‪.‬‬
‫ويمل كثيٌ من الؤرخي على عماد الدين زنكي أنه قام بذه اليلة‪ ،‬وأوهم بوري بن‬
‫طغتكي‪ ،‬وخيخان بن قراجا بالهاد‪ ،‬ث غدر بما وقبض على الثان وعلى ابن الول‪ ،‬وأن الغدر‬
‫ليس أبدًا من شيم الؤمني‪.‬‬
‫والواقع أن هذا الوقف من الواقف الصعبة ف التحليل؛ لن الغدر فعلً ليس من شيم‬
‫الؤمني‪ ،‬لكن المر هنا ليس بذه البساطة‪ ،‬فالذي يصدر حكمًا على عماد الدين زنكي ل بد أن‬
‫ينظر إل جيع اللبسات ف آنٍ واحد‪ ،‬وأن يضع النقطة بوار النقطة‪ ،‬والدليل فوق الدليل ليخرج ف‬
‫النهاية برؤية سليمة للحدث‪ ،‬ول يتعامل معه على أنه غدرٌ مرّد أو مطلق‪.‬‬
‫ولعلنا لكي نتعايش مع عماد الدين زنكي ف هذه القضية ل بد أن نقف على بعض المور‪:‬‬

‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪ ،362،361‬ابن العدي‪.2/246،245 :‬‬

‫‪289‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أولً‪ :‬ل بد أن ننظر إل الهمة الت يملها عماد الدين زنكي قبل إطلق الحكام النظرية‬
‫على الوقف والحداث؛ إنه يمل مهمة جهاد الصليبيي الذين احتلوا بلد السلمي منذ أكثر من‬
‫ثلثي سنة‪ ،‬وارتكبوا ‪ -‬وما زالوا يرتكبون ‪ -‬الذابح الشنيعة ف القرى والدن السلمية‪ ،‬والوقت‬
‫عامل مهم جدّا ف قضية كهذه القضية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬هؤلء الزعماء يرفضون مشروع الوحدة تامًا‪ ،‬وأي تلميح فضلً عن التصريح لن يمل‬
‫إل كل رفض‪ ،‬وستضيع فرصة توحيد المة ف كيان واحد قادر على مواجهة الصليبيي‪ ،‬ولن يستطيع‬
‫السلمون ‪ -‬كما فهم عماد الدين زنكي ‪ -‬أن يُقدِموا على خطوة جهاد الصليبيي دون هذه الوحدة‪،‬‬
‫فأصبحت الوحدة واجبًا ل بد منه لتحقيق الواجب الكب وهو الهاد‪ ،‬وما ل يتم الواجب إل به فهو‬
‫واجب‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬هؤلء الزعماء ل يكتفون برفض الوحدة‪ ،‬والوقوف السلب تاه القضية‪ ،‬ولكنهم‬
‫يتعاونون تعاونًا صريًا مع الصليبيي‪ ،‬وتاريهم يشهد بذلك‪ ،‬وكذلك واقعهم‪ ،‬بل وسنرى ف‬
‫الستقبل القوات الصليبية تقف مدافعةً من حص ودمشق ضد قوات عماد الدين زنكي!‬
‫رابعًا‪ :‬ما هو البديل لذه اليلة؟!‬
‫البديل هو الضم القسري للمدينتي! بعن أن يتم حصار الدينتي عسكريّا‪ ،‬وينشب القتال‬
‫بي اليشي السلمي‪ ،‬وتسقط الضحايا السلمة‪ ،‬وتدمر الصون السلمية‪ ،‬وتنسف السوار‬
‫السلمية‪ ،‬ويتعمق القد والبغضاء بصورة عظيمة بي الطائفتي!!‬
‫وهذا البديل وإن كان صعبًا ومُرّا إل أن الفقهاء أقروه‪ ،‬وطبعًا هذا القرار ل يكون إل ف‬
‫آخر الطاف‪ ،‬أي بعد استنفاد الوسائل السلميّة الخرى‪ ،‬وقد رأينا هذه الواقف العسكرية لضم الدن‬
‫السلمية ف حياة معظم الجاهدين ف تاريخ المة السلمية‪ ،‬وخاصةً ف الوقات الت ابتليت فيها‬
‫المة بضعف اللفة‪ ،‬فلم يعُدْ هناك رابط معي بي الدويلت الكثية التفرقة‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إل هذا البديل العسكري ونتائجه‪ ،‬ونظرنا ف نفس الوقت إل ضم حاة دون‬
‫قطرة دم واحدة‪ ،‬فإننا سندرك النطلق الذي فكر به عماد الدين زنكي ف هذه السألة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬نن ل نطّلع على الصيغة الت أرسلها عماد الدين زنكي إل بوري بن طغتكي أو‬
‫خيخان بن قراجا‪ ،‬لندرك هل كان فيها أسلوب تورية أم ل‪ ،‬فلعله صرّح بألفاظ تمل أكثر من معن‬
‫من أجل تقيق هدفه دون غدر‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ح ْربُ ُخدْ َعةٌ"‪ .1‬وهذه حرب حقيقية بي السلمي‬


‫سادسًا‪ :‬يقول رسول ال ‪" :‬الْ َ‬
‫والصليبيي‪ ،‬وبي الجاهدين الخلصي ومن يقف حجر عثرة ضد الهاد‪ ،‬وقد رأى عماد الدين‬
‫زنكي أن هذه خدعة من خدع الرب‪ ،‬وهذا اجتهاد قد يكون أصاب فيه أو أخطأ‪ ،‬لكن يبقى أنه ف‬
‫حالة حرب‪ ،‬والرب لا أحكامها الت قد تتلف ُكلّيّةً عن أحكام الوضاع السلمية‪.‬‬
‫أن يقتل كعب بن الشرف‪ ،‬قال له ممد بن مسلمة ‪:‬‬ ‫سابعًا‪ :‬عندما أراد رسول ال‬
‫أتب أن أقتله؟ قال‪" :‬نعم"‪ .‬قال‪ :‬فاذن ل أن أقول شيئًا‪ .‬قال‪ :‬قل‪.‬‬
‫ث كان حوار طويل بي ممد بن مسلمة وكعب بن الشرف‪ ،‬كان فيه خداع كبي من‬
‫ممد بن مسلمة‪ ،‬وانتهى المر بقتل كعب بن الشرف‪.2‬‬
‫وأنا أعلم أن الفعل هنا مع كافر وليس مسلمًا‪ ،‬ولكن الكم عام‪ ،‬وخاصةً أن الزعماء‬
‫السلمي ف هذه الدن كانوا يتعاونون مع الصليبيي تعاونًا صريًا مشينًا‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬كان عماد الدين زنكي رحه ال يستفت الفقهاء ف كل أموره‪ ،‬وقد وجد فقهاء زمانه‬
‫أن الضرر الواقع من هذه اليلة أقل من الضرر الواقع عند اصطدام اليوش السلمية ببعضها البعض‪،‬‬
‫مع العتراف أنه ضرر ول يب أن يُفعل ف الظروف العادية‪ ،‬ول داعي لتام فقهاء العصر جزافًا‪،‬‬
‫فقد وصل المر ببعض الؤرخي أن قال ف حق هؤلء الفقهاء‪" :‬فأفتاه من ل دين له‪ ،‬وجوّز له ما ل‬
‫يل‪ ،‬ول يسن شرعًا وعرفًا"‪ .3‬فلم يكن عماد الدين زنكي بالرجل الذي يستفت من ل دين له‪ ،‬ول‬
‫يكن فقهاء دولته من الذين يفتون للسلطان با يريد‪ ،‬إنا كانوا بشهادة كل الؤرخي من أفضل علماء‬
‫عصره‪ ،‬غاية ما هناك لو كانت الفتوى خاطئة‪ ،‬أنم اجتهدوا لتحقيق مصلحة فأخطئُوا‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬يؤخذ الفعل ف ضوء سية الشخص! فهل براجعة سية عماد الدين زنكي يكن أن‬
‫نقول أنه رجل غادر ل يهتم برأي الدين؟! لقد وجدنا ف سيته سواء قبل هذا الدث أو بعده سعيًا‬
‫حثيثًا لهاد الصليبيي‪ ،‬وبذلً لوقته وجهده وكل حياته من أجل هذه القضية؛ ولذلك نستطيع أن‬
‫نقول أنه ما كان يريد بذا الفعل ‪ -‬حت ولو كان خطأً ل يب أن يُكرر ‪ -‬إل الصلحة للمسلمي‪،‬‬
‫وليست الصلحة الشخصية له‪.‬‬
‫إننا نقول هذا الكلم لكي ل يتخذ أحد الشعي من عشاق السلطة هذا الفعل ذريعة أن‬
‫يتقدم بيشه ناحية كذا أو كذا من بلد السلمي بجة توحيد المة لصلحة ما! فل بد أن ننظر إل‬

‫‪ 1‬البخاري عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما‪ :‬كتاب الهاد والسي‪ ،‬باب الرب خدعة (‪ ،)2866‬ومسلم‪ :‬كتاب الهاد والسي‪،‬‬
‫باب جواز الداع ف الرب (‪ ،)1739‬وأبو داود (‪ ،)2636‬والترمذي (‪ ،)1675‬وابن ماجة (‪.)2833‬‬
‫‪ 2‬انظر قصة مقتل كعب بن الشرف ف صحيح البخاري‪ :‬كتاب الغازي‪ ،‬باب قتل كعب بن الشرف (‪ ،)3811‬ومسلم‪ :‬كتاب‬
‫الهاد والسي‪ ،‬باب قتل كعب بن الشرف طاغوت اليهود (‪.)1801‬‬
‫‪ 3‬مفرج الكروب لبن واصل ‪.1/42‬‬

‫‪291‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سية هذا الذي يمع البلد تت حكمه‪ ،‬هل هو من نوعية الجاهد العظيم عماد الدين زنكي؟ أم من‬
‫نوعية الاكم الظال تتش بن ألب أرسلن أو أولده؟!‬
‫عاشرًا وأخيًا‪ :‬لقد حكم عماد الدين زنكي السلمي عشرين سنة كاملة‪ ،‬من سنة‬
‫‪521‬هـ إل سنة ‪541‬هـ‪ ،‬فكم كانت أخطاؤه؟! إننا إذا سلمنا أن هذا خطأ مض‪ ،‬وأنه موقف‬
‫ما كان له أن يدث‪ ،‬فإننا سنجد هذه الواقف نادرة تامًا ف حياته‪ ،‬ومَن هذا الذي ل يُخطِئ من‬
‫البشر إل العصومي من النبياء؟!‬
‫وكفى بالرء نبلً أن ُتعَدّ معايبه! ول ننسى أن الزمن كان زمن فتنة‪ ،‬واللفة ضعيفة ول‬
‫س كبي؛ لنه ليس هناك تكليف‬ ‫رأي لا‪ ،‬وبالتال فجهود الخلصي لتوحيد المة ل بد أن يشوبا لب ٌ‬
‫من شخصية معينة لا المر على كل السلمي‪ ،‬ما كان يستدعي بعض الرؤى الاصة الت قد تتعارض‬
‫أحيانًا مع الرأي الكيم‪.‬‬
‫إننا بعد هذا التحليل ل نريد أن نرج عماد الدين زنكي من دائرة البشرية فنعتب أنه ل‬
‫يطئ‪ ،‬ول نريد أن نبّر له خطأً بينًا أو فعلً فاحشًا‪ ،‬وإنا نريد أن نقول أن الظروف الضطربة‪،‬‬
‫والمور التشابكة العقدة جعلت من اختيار الرأي الصائب ف قضية من القضايا أمرًا صعبًا ل يتحقق‬
‫ف كل الحوال‪ ،‬وشتّان بي من يأخذ هذا الرأي وهو يعيش وسط الحداث‪ ،‬ويرى الصليبيي‬
‫يوسون خلل الديار‪ ،‬ويري العاملت الدنيئة من بعض الزعماء السلمي مع قواد الصليبيي‪ ،‬وبي‬
‫من يلس ف غرفته آمنًا مطمئنًا‪ ،‬وبعد الدث بائة سنة أو مئات السني‪ ،‬يلّل ويُنظّر‪ ،‬ويصوّب‬
‫ويطّئ‪ ،‬ويقول ف بساطة‪ :‬هذا حلل‪ ،‬وهذا حرام!‬
‫فلنضع كل هذه اللفيات عند التحليل‪ ،‬والوفّق من وفقه ال !‬
‫نعود إل قصتنا‪..‬‬
‫فإن عماد الدين زنكي ‪ -‬وبعد مرور سنة واحدة على حكمه ‪ -‬أصبح أميًا على الوصل‬
‫وحلب وحاة‪ ،‬وهذه قوة ل يستهان با‪ ،‬وبالتال سعى عماد الدين زنكي لتأمي الطريق الواصل بي‬
‫هذه الدن لتصبح إمارته آمنة‪ ،‬وجيدة الواصلت‪ ،‬وضم لذلك سنجار الواقعة ف منتصف الطريق بي‬
‫الوصل وحلب‪ ،‬وذلك ف أواخر سنة ‪522‬هـ\ أواخر ‪1128‬م‪ ،1‬كما شاء ال أن يستدعيه‬
‫أهل حرّان لضم مدينتهم لدولته‪ ،‬حيث أصبحت بعد وفاة عز الدين مسعود بن البسقي معرضةً‬
‫لجمات الصليبيي‪ ،‬وبالفعل ضمها عماد الدين زنكي ف سنة ‪523‬هـ\ ‪1129‬م‪ ،2‬وبذلك‬
‫صارت الوضاع مستقرة إل حد كبي ف هذه الدولة الديدة‪.‬‬

‫‪ 1‬أبو شامة‪ :‬الروضتي ف أخبار الدولتي ‪.1/77‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.37‬‬

‫‪292‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومع أن هذه الهود الت كان يبذلا عماد الدين زنكي رحه ال كانت تشي إل ظهور قوة‬
‫جديدة قد يكون لا شأن ف تليص السلمي من كابوس الصليبيي‪ ،‬إل أن تنامي هذه القوة ل يكن‬
‫مريًا لكل القوى العاصرة!‬
‫لقد وجد السلطان سنجر ‪ -‬وهو سلطان السلجقة ف منطقة خراسان وبلد ما وراء النهر‬
‫‪ -‬أن هذه القوة التنامية قد تؤثّر سلبًا ف متلكات السلجقة أنفسهم‪ ،‬فأشار على السلطان ممود ابن‬
‫أخيه ‪ -‬وهو السلطان على منطقة فارس والعراق‪ ،‬والذي عيّن عماد الدين زنكي ف منصبه ‪ -‬أن‬
‫يعزل عماد الدين زنكي ويولّي مكانه دبيس بن صدقة! ودبيس بن صدقة هو أمي قبيلة بن مزيد‪،‬‬
‫وكان متشيعًا هو وقبيلته‪ ،‬وكان قد أفسد قبل ذلك ف بغداد‪ ،‬وقام بحاولة انقلبية على الليفة‬
‫السترشد بال سنة ‪514‬هـ‪ ،‬أي منذ تسع سنوات‪ ،‬ولكنه كان قد لأ إل السطان سنجر‪ ،‬وأصبح‬
‫من خاصّته‪1‬؛ ولذلك أراد السلطان سنجر أن يضعه ف إمارة الوصل وحلب ليكون رجله ف النطقة‪،‬‬
‫خاص ًة أنه يضمن أن الليفة لن يستقطبه لسابه للخلف القدي الذي بينهما!‬
‫إنا حرب الصال والهواء‪ ،‬حيث ل ينظر السلطان سنجر إل مصلحة السلمي‪ ،‬ول إل‬
‫قضية جهاد الصليبيي‪ ،‬فطلب هذا الطلب من السلطان ممود‪ ،‬الذي ل يعارض تقديرًا لكانة عمّه‪،‬‬
‫ومن ثَمّ استدعى عماد الدين زنكي ليخبه بذا التطور الديد!‬
‫هكذا وبذه البساطة!‬
‫وكادت هذه الفكرة تُنهِي على آمال السلمي ف الوحدة‪ ،‬وعلى قضية الهاد ف سبيل ال‬
‫ضد الصليبيي‪ ،‬وأسرع عماد الدين زنكي إل بغداد‪ ،‬حيث التقى مع السلطان ممود ف مباحثات‬
‫طويلة‪ ،‬واستعمل فيها كل ما أوت من فكر ودبلوماسية لقناع السلطان ممود بضرورة بقائه ف هذا‬
‫النصب‪ ،‬وعدّد له السباب الت من أجلها ل بد أن يستمر ف مهمته‪ ،‬فكان منها‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أنه ل يطئ ف منصبه‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬لقد حقق ناحًا غي مسبوق‪ ،‬وأفلح ف ضم‬
‫الوصل وحلب وحاة وسنجار وحرّان‪ ،‬ومناطق الكراد تت راية واحدة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬كل هذا النجاح يصبّ ف صال السلطان ممود‪ ،‬حيث يكم عماد الدين باسه‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬السلطان سنجر وإن كان عم السلطان ممود إل أنه ياول السيطرة على هذه الناطق‬
‫لسابه هو‪ ،‬وليس لساب السلطان ممود؛ ولذا يضع رجله هو ف الكان‪ ،‬وذلك تهيدًا لقصاء‬
‫ممود عن مكانته‪.2‬‬

‫‪ 1‬انظر فيما يتعلق بذه الشاكل‪ :‬السين‪ :‬أخبار الدولة السلجوقية ص ‪.90-88‬‬
‫‪ 2‬عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي ص ‪.51‬‬

‫‪293‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫رابعًا‪ :‬من هو البديل؟ إنه دبيس بن صدقة الشخص النحرف الذي أفسد قبل ذلك ف بغداد‪،‬‬
‫كما أنه متشيّع بينما دولة السلجقة بكاملها ُسنّيّة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬دبيس بن صدقة شخصية استقللية‪ ،‬ول يستبعد أبدًا أن يستقل بكم الوصل‬
‫وحلب لنفسه‪ ،‬خاصةً وقد حاول أن يفعل ذلك مع مدينة بغداد نفسها‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬دبيس بن صدقة سيحبط أهم مشروع عند السلمي الن‪ ،‬وهو مشروع جهاد‬
‫الصليبيي؛ لنه ل يقف قبل ذلك موقفًا سلبيّا فقط‪ ،‬إنا تعاون معهم ف حروبم ضد السلمي‪.‬‬
‫لذه السباب متمعة فإن من مصلحة السلمي‪ ،‬ومصلحة السلطان ممود نفسه‪ ،‬أن يستمر‬
‫عماد الدين زنكي ف منصبه‪.‬‬
‫وكان السلطان ممود كما يصوّره ابن الثي حليمًا عاقلً‪ ،1‬فلما استمع إل هذه الكلمات‬
‫والجج وافق على إقرار عماد الدين زنكي ف منصبه‪ ،‬بل وكتب له منشورًا جديدًا يؤكّد فيه على‬
‫منشوره السابق‪ ،‬وفيه يُقطِعه حكم الوصل والزيرة وما استطاع أن يضمه من بلد الشام‪.2‬‬
‫وهكذا مرت أزمة خطية كادت تعصف بالمة دون أن يكون لا أثر ف السية الت بدأها‬
‫عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫ولعل هذا الوقف يطمئننا أن ال يريد الي لذا اليل؛ لنه اطّلع على الصدق ف قلوبم‪،‬‬
‫فلو ُعزِل عماد الدين زنكي وول دبيس بن صدقة لكان ف ذلك تعطيل واحد لركة الهاد ولنهضة‬
‫المة‪ ،‬ولكن ال سلّم‪.‬‬
‫عاد عماد الدين زنكي إل الوصل وهو أكثر قوة‪ ،‬بعد أن نال تأييد السلطان ممود‪ ،‬كما أن‬
‫الليفة السترشد بال كان سعيدًا به؛ لنه أقصى دبيس بن صدقة عن احتمالية حكم الوصل وحلب‪،‬‬
‫ما كان سيشكّل أزمة للخليفة لعداوته السابقة معه‪.‬‬
‫نظر عماد الدين زنكي إل الوضع الن‪ ،‬فوجد أنه أصبح قريبًا جدّا من حدود إمارت الرها‬
‫ف الشمال وأنطاكية ف الغرب‪ ،‬فأيهما يبدأ؟‬
‫إن إمارة الرها ‪ -‬ل شك ‪ -‬أضعف من إمارة أنطاكية‪ ،‬ليس لناعة حصون أنطاكية فقط‪،‬‬
‫ولكن أيضًا لقوة القاتلي النورمان ف أنطاكية‪ ،‬ولكون التركيبة السكانية ف الرها عبارة عن مزيج من‬
‫الرمن والصليبيي بكل الشاكل الت بينهما‪ ،‬والتاريخ السود الذي ل ينساه الرمن‪ ،‬أما إمارة‬
‫أنطاكية ففيها تانس واضح‪ ،‬حيث يغلب عليها الطابع النورمان الكاثوليكي‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/259‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/249‬وابن واصل مفرج الكروب ‪.1/40‬‬

‫‪294‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫هذا الفارق بي المارتي جعل تفكي عماد الدين زنكي يتجه إل الهاد ضد إمارة الرها‬
‫قبل إمارة أنطاكية‪.‬‬
‫لكن هناك مشكلة كبية تعوّق مسية الهاد إل الرها!‬
‫إن إمارة الرها تقع ف شال منطقة الزيرة‪ ،‬وعلى ضفاف نر الفرات‪ ،‬وبقية شال الزيرة‬
‫يقع الن تت حكم الراتقة‪ ،‬واليل الوجود الن يتلف تامًا عن اليل السابق‪ ،‬فليس فيهم من‬
‫يشبه سقمان بن أرتق أو إيلغازي بن أرتق أو بلك بن برام‪ ،‬إنا هناك شخصيات هشّة ف غاية‬
‫الضعف‪ ،‬وقد قسمت بينها البلد والعباد‪ ،‬وأضعفت السلمي وشتتهم‪ ،‬ول نبالغ إذا قلنا أن النطقة‬
‫أصبحت تضم عشرات المارات الستقلة‪ ،‬وكلها ياور إمارة الرها‪ ،‬ويفصل بي عماد الدين زنكي‬
‫وبي المارة الصليبية‪.‬‬
‫إن عماد الدين زنكي لو خاطر باجتياز أرضهم لقتال الصليبيي ف الرها‪ ،‬فإنه سيعرّض نفسه‬
‫لعدة ماطر‪:‬‬
‫أولً‪ :‬قد يُضرب ف ظهره من هؤلء الزعماء السلمي أنفسهم؛ لنم سيعتبونه خطرًا عليهم‬
‫كما هو خطر على الصليبيي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬قد يتعاون هؤلء تعاونًا صريًا مع الصليبيي‪ ،‬فتكون كارثة على جيش عماد الدين‬
‫زنكي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إذا ُهزِم جيش عماد الدين زنكي من إمارة الرها‪ ،‬فإل أي الصون سيلجأ؟ إن العودة‬
‫إل الوصل أو حران أو حلب تمل ماطر جّة لطول السافة‪ ،‬فل بد من وجود قاعدة قريبة ينطلق‬
‫منها ويعود إليها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬هذه الناطق ذات كثافة سكانية عالية‪ ،‬وكل السكان من السلمي‪ ،‬فلو توحدت قوتم‬
‫مع جيش عماد الدين زنكي كانوا إضافةً قوية‪ ،‬ولو قاوموه وعطّلوا مسيته‪ ،‬كانت مشكلة صعبة‬
‫الل‪.‬‬
‫لذه السباب وجد عماد الدين زنكي أن ضم هذه النطقة إل حكمه خطوة لزمة قبل‬
‫ماربة إمارة الرها؛ وعلى هذا بدأ عماد الدين زنكي يدرس الوضع هناك‪ ،‬ويقيّم موازين القوى‬
‫الرئيسية ف النطقة‪.‬‬
‫لقد كان هناك عشرات الزعماء ف هذه النطقة إل أن القوة الرئيسية تعود إل ثلثة‪:‬‬
‫أما الول فهو حسام الدين ترتاش بن إيلغازي الرتقي‪ ،‬وهو ‪ -‬كما ذكرنا قبل ذلك ‪-‬‬
‫شخصيّة تيل إل ال ّدعَة والرفاهية‪ ،1‬ول يضع قضية الصليبيي ف حساباته‪ ،‬وكان يستقر ف ماردين‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/227‬‬

‫‪295‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ويتلك عدة مدن بالضافة إل ماردين‪ ،‬لعل من أهها مدينة نصيبي (على الدود بي تركيا وسوريا‬
‫الن)‪.‬‬
‫أما الثان فهو ركن الدولة داود بن سقمان الرتقي‪ ،‬وهو أمي حصن كيفا‪ ،‬وكان رجلً‬
‫متصلبًا وفظّا صعب ا ِلرَاس‪.‬‬
‫وأما الثالث فهو سعد الدولة أبو منصور إيكلدي أمي آمد‪ ،‬وكان أضعفهم عسكريّا‪.1‬‬
‫وجد عماد الدين زنكي أن أقرب الدن إل مناطق حكمه هي مدينة نصيبي التابعة لسام‬
‫الدين ترتاش‪ ،‬ول يرد أن يكرّر مشكلة دمشق‪ ،‬وقد علم أن الفاوضات السلمية لن تؤدّي غالبًا إل‬
‫نتيجة‪ ،‬فذهب بسرعة ف أوائل سنة ‪524‬هـ‪ ،‬وبعد عودته من بغداد‪ ،‬وحاصر مدينة نصيبي بيشه‪،‬‬
‫بينما كان حسام الدين ترتاش ف ماردين‪.‬‬
‫وجدت الامية الرتقية نفسها ف أزمة كبية نتيجة قوة جيش عماد الدين زنكي بالقياس إل‬
‫قوة الامية‪ ،‬ومن َثمّ أرسلت رسالة استغاثة عاجلة إل حسام الدين ترتاش ف ماردين‪ ،‬فر ّد عليهم‬
‫حسام الدين بأنه سيوفّر لم فرقة عسكرية ف غضون ثلثة أيام‪ ،‬مع أن السافة بي الدينتي أقل من‬
‫خسي كيلو مترًا! ما يدل على عدم الاهزية وقلة اليلة! ث أراد ال أن تقع الرسالة الت أرسلها‬
‫حسام الدين ترتاش‪ ،‬وكان قد أرسلها على جناح طائر من المام الزاجل‪ ،‬ف يد عماد الدين زنكي‪،‬‬
‫فحوّر ألفاظ الرسالة وجعل الدة الت ستأت فيها النجدة عشرين يومًا بدلً من ثلثة! ث أعاد إطلق‬
‫الطائر إل داخل مدينة نصيبي‪ ،‬وقد أراد بذلك أن ييأس النود من القاومة فيفتحوا البواب سلميّا‪،‬‬
‫وهو ما حدث بالفعل‪ ،‬وفتحت الدينة أبوابا ليضمها عماد الدين زنكي ف سهولة‪ ،‬ودون إراقة‬
‫دماء‪!2‬‬
‫وصلت الخبار إل حسام الدين ترتاش‪ ،‬وشعر بالقلق الشديد‪ ،‬وتكلم مع بقية زعماء‬
‫الراتقة‪ ،‬وجع العوان والنصار منهم بقيادة ركن الدولة داود بن سقمان‪ ،‬وأبو منصور إيكلدي‪،‬‬
‫وغيهم من زعماء التركمان الوالي لداود بن سقمان‪ ،‬وتمعت قواتم ف بلدة اسها دارا‪ ،‬وبلغ‬
‫تعدادهم عشرين ألفًا‪ ،‬وعلم عماد الدين زنكي بتجمعهم‪ ،‬فتحرك لم على رأس فرقة من جيشه‬
‫قوامها أربعة آلف مقاتل فقط‪ ،‬ومع أن قوته صغية إل أنه انتصر عليهم ف فترة قصية جدّا‪ ،‬وأتبع‬
‫هذا النتصار بالسيطرة على عدة حصون ف النطقة مثل‪ :‬حصن دارا (صورة ‪ ،)7‬وحصن سرجي‪.3‬‬
‫لقد كان هذا دليلً على أنم ل يلكون مقومات الستقلل‪ ،‬إنا عاش كل منهم على بقعة‬
‫صغية من الرض‪ ،‬واعتب نفسه زعيمًا وقائدًا‪ ،‬وعطّل بذلك مسية المة‪ ،‬وشتّت أمرها‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪.111‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.37،36‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/255‬‬

‫‪296‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كانت هذه هي أول الصدامات مع الراتقة‪ ،‬وكُلّلت بنجاح سريع‪ ،‬وكان من المكن أن‬
‫تكون بداية جيدة لسية واضحة تنتهي بضم إقليم الزيرة بكامله إل دولة عماد الدين زنكي‪ ،‬وذلك‬
‫بكل ما ف القليم من إمارات ودويلت ل وزن لا؛ كان من المكن أن يدث ذلك لول النباء‬
‫الفاجئة الت جاءت من إمارة أنطاكية!‬
‫والقصة أن أحد التجمعات الرمينية ف جبال طوروس القريبة من شال أنطاكية تعرضت‬
‫لجوم بوهيموند الثان أمي أنطاكية‪ ،‬فما كان من ليون الول زعيم المارة الرمينية إل أن يستغيث‬
‫بإيلغازي الدانشمندي زعيم ملطية‪ ،1‬وحدث صدام بي اليش الدانشمندي بقيادة إيلغازي‪ ،‬واليش‬
‫النورمان بقيادة بوهيموند الثان‪ ،‬وكانت الفاجأة الكبى أن سُحِق اليش النورمان‪ ،‬بل وقُتِل‬
‫بوهيموند الثان ف العركة‪!2‬‬
‫وهكذا خلت أنطاكية من الزعماء!‬
‫لقد كان بوهيموند الثان شابّا صغيًا‪ ،‬وكان متزوجًا من أليس ابنة بلدوين الثان ملك بيت‬
‫القدس‪ ،‬ول يكن له إل ابنة صغية اسها المية كونستانس‪ ،‬ووفقًا لقواني القطاع ف غرب أوربا‬
‫فإ ّن إمارة أنطاكية تنتقل إل الوريثة الوحيدة‪ ،‬وهي الطفلة كونستانس! على أن يوضع وصيّ مناسب‬
‫عليها حت تبلغ سن الرشد‪ ،‬فوضعت أليس بنت بلدوين الثان نفسها على الوصاية دون أن تنتظر‬
‫رأي أبيها ملك بيت القدس‪ ،‬وكان من الواضح أنا تطمح إل اللك‪ ،‬بل وترامت الشاعات ف‬
‫أنطاكية أنا تريد أن تكم كأمية مستقلة‪ ،‬وليست كوصية على المية الصغية كونستانس‪!3‬‬
‫ووصلت النباء من أنطاكية بسرعة إل كل مكان‪.‬‬
‫سع عماد الدين زنكي بالخبار فاهتم با جدّا؛ لن حالة أنطاكية الن مضطربة جدّا‪ ،‬ولو‬
‫استغل الفرصة‪ ،‬وباغتها بالجوم فقد يستطيع أن يفتحها‪ ،‬ويلّص السلمي من هذا الحتلل‪.‬‬
‫وكذلك وصلت الخبار إل بلدوين الثان ملك بيت القدس‪ ،‬فأسرع إل أنطاكية ليختار‬
‫الوصي الناسب‪.‬‬
‫ووصل بلدوين الثان إل أسوار أنطاكية أولً‪ ،‬ففوجئ بكارثة أخرى! وهي أن ابنته أعلنت‬
‫العصيان عليه واستقلت بالمارة‪ ،4‬بل وأرسلت إل عماد الدين زنكي تعرض عليه مساعدتا ف حكم‬
‫أنطاكية على أن تعطيه جزية مالية كرمزٍ للتبعية‪!5‬‬

‫‪ 1‬ملطية‪ :‬بلدة من بلد الروم مشهورة تتاخم الشام‪ .‬ياقوت الموي‪ :‬معجم البلدان ‪.5/192‬‬
‫‪ 2‬العظيمي‪ :‬تاريخ حلب ‪.2/679‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Setton: op, cit., p. 431.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 129.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 183.‬‬

‫‪297‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كانت هذه بالطبع فرصة ذهبية لعماد الدين زنكي لول أن بلدوين الثان استطاع أن يسك‬
‫بالرسول الذي يمل رسالة أليس‪ ،‬بل وأعدمه‪ ،1‬ث تراسل مع رجال الكومة ف أنطاكية الذين‬
‫وجدوا أن ماولة أليس هذه ماولة طفولية للستئثار بكم إمارة صليبية عسكرية؛ ففتحوا البواب‬
‫لبيها بلدوين الثان الذي تلك المور بسرعة‪ ،‬ث قام بنفي ابنته إل مدينة اللذقية‪.2‬‬
‫ومع أن بلدوين الثان سيطر على الوضاع ف أنطاكية إل أن عماد الدين زنكي أدرك أن‬
‫الوضع ف المارة ل بد أن يكون مضطربًا‪ ،‬ومن هنا أسرع عماد الدين زنكي بيشه إل حلب‬
‫ليدرس الوضع هناك‪ ،‬فلعل الجوم على أنطاكية الن أفضل من الجوم على الرها‪ ،‬وعليه فيمكن له‬
‫أن يؤجّل قصة الراتقة إل وقت لحق‪ ،‬خاصةً أن قوتم كما بدا له ضعيفة‪.‬‬
‫وجد عماد الدين زنكي أن أقرب الصون التابعة لمارة أنطاكية هو حصن الثارب‬
‫(خريطة ‪ ،)27‬وقد فقده رضوان بن تتش سنة (‪504‬هـ) ‪1110‬م‪ ،3‬أي منذ عشرين سنة كاملة‪،‬‬
‫وهو أقوى حصون النطقة مطلقًا‪ ،‬ويشرف مباشرة على مدينة حلب‪ ،‬ويسيطر على الطريق بي حلب‬
‫وأنطاكية‪ ،‬ولهيته القصوى وضع فيه الصليبيون فرقة من أمهر الفرسان ف أنطاكية‪.4‬‬
‫رأى عماد الدين زنكي أن فتح هذا الصن سيه ّز أنطاكية هزة عنيفة‪ ،‬إضافةً إل تأمي مدينة‬
‫حلب؛ حيث كان الفرسان الصليبيون كثيًا ما يرجون من الصن ليغيوا على مزارع حلب‬
‫وفلحيها ث يعودون سالي إل داخل الصن؛ ولذلك توجه عماد الدين زنكي مباشرة لصار‬
‫الصن الهم‪ ،‬مستغلّ حالة الفوضى الت تعان منها المارة‪.‬‬
‫لكن عماد الدين زنكي ببته العسكرية أدرك أن فتح الصن صعب جدّا‪ ،‬وقد تطول مدة‬
‫الصار دون فائدة‪ ،‬وهو ف نفس الوقت ل يستطيع أن يهاجم أنطاكية ف الغرب تاركًا هذا الصن‬
‫الطي ف ظهره‪ ،‬فقام بيلة ذكية؛ إذ توجه بيشه ف اتاه أنطاكية موهًا فرسان الثارب أنه سيستغل‬
‫ظروف أنطاكية ف إسقاط الدينة الرئيسية‪ ،‬ومن الواضح أنه ل يظهر لم قوته بكاملها‪ ،‬إذ رأى‬
‫الفرسان ف الصن أن الروج واللحاق بعماد الدين زنكي مكن‪ ،‬وسينقذ المارة‪ ،‬وهكذا خرجوا‬
‫بالفعل‪ ،‬فاستدرجهم عماد الدين زنكي بعيدًا عن الصن‪ ،‬ث فاجأهم بالقتال الباشر‪ ،‬وأسقطهم ف‬
‫كمي عسكري مترف‪ ،‬وما هي إل ساعات قليلة وسقطت كتيبة الفرسان بكاملها بي قتيل وأسي‪!5‬‬

‫‪ 1‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/650‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪،2/247‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, pp. 559-601.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/140‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪،2/156‬‬
‫‪Matthieu d`Edesse, 1, p. 65.‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/254‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/254‬‬

‫‪298‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وعاد عماد الدين زنكي بسرعة إل الصن‪ ،‬ففتحه عنوة‪ ،‬وأسر الامية الت بداخله‪ ،‬ث أمر بتخريب‬
‫الصن؛ لكي يقطع على الصليبيي أي فرصة مستقبلية للسيطرة منه على حلب‪.1‬‬
‫لقد انتصر انتصارًا مهيبًا حقّا‪ ،‬خاصةً أن هذه الفرقة الصليبية كانت من أمهر فرقهم وأقواها‪،‬‬
‫ول يكتف عماد الدين زنكي بذلك‪ ،‬بل انطلق صوب أنطاكية‪ ،‬فحاصر مدينة حارم القريبة جدّا من‬
‫أنطاكية‪ ،‬فعرضوا عليه أن يدفعوا له نصف دخل البلد‪ ،‬على أن يعقد معهم هدنة‪ ،‬ووجد عماد الدين‬
‫زنكي أن قوته العسكرية لن تسمح له بفتح البلد‪ ،‬وكان رحه ال حاسًا جدّا ف قراراته‪ ،‬فأدرك أنه‬
‫لن يستطيع فتحه‪ ،‬ومن ثَمّ َقبِل بعرضهم‪ ،‬ورفع الصار‪.2‬‬
‫لقد كانت حلة موفقة غاية التوفيق‪ ،‬أسقط فيها حصنًا منيعًا كحصن الثارب‪ ،‬وأوقع فرقة‬
‫صليبية ماهرة بي قتلى وأسرى‪ ،‬وضرب الزية على مدينة حارم! وكانت كل هذه الحداث ف سنة‬
‫(‪524‬هـ)‪1130‬م‪.‬‬
‫وطار ذكر عماد الدين زنكي ف الفاق‪ ،‬وصار الديث عنه كبطل السلمي ف حروبم ضد‬
‫الصليبيي‪ ،‬وبدا السلمون يشعرون أن الهود الت بُذلت لتوحيد السلمي قد بدأت تؤت ثارها‪.‬‬
‫وحلت سنة ‪525‬هـ بعض الخبار الديدة الت تصب ف مصلحة السلمي‪ ،‬فقد شاء ال‬
‫أن يوت ف هذه السنة (‪ 21‬من أغسطس ‪1131‬م) بلدوين الثان ملك بيت القدس‪ ،3‬وهو‬
‫اللك صاحب البة العريضة الذي حكم قبل ذلك إمارة الرها ثانية عشر عامًا‪ ،‬ث ملكة بيت القدس‬
‫ثلثة عشر عامًا‪ ،‬وطّد ف كل هذه السنوات ملك الصليبيي‪ ،‬واكتسب مهارة فائقة وخبة عميقة ف‬
‫التعامل مع السلمي‪ ،‬وكذلك مع زعماء الصليبيي‪ ،‬وكان موته خسارة كبية للصليبيي‪ ،‬خاص ًة أنه‬
‫كان وصيّا على إمارة أنطاكية بعد الظروف الصعبة الت مرت با من قتل للمي بوهيموند الثان‪،‬‬
‫والؤامرة الفاشلة الت قامت با أليس ابنة بلدوين الثان للستيلء على الكم‪.‬‬
‫لقد كانت أزمة كبية لملكة بيت القدس وإمارة أنطاكية‪ ،‬خاصةً أن الذي تول الكم بعد‬
‫بلدوين الثان ل يكن له إل خبة بسيطة جدّا ف الراضي السلمية‪ ،‬وهو اللك فولك النوي‪!4‬‬
‫أما كيف وصل المي فولك النوي إل حكم ملكة بيت القدس‪ ،‬فالقصة تبدأ من ثلث‬
‫سنوات (‪521‬هـ\ ‪1128‬م) حيث رغب بلدوين الثان أن يزوّج ابنته الكبى من أمي يصلح‬
‫لقيادة الملكة من بعده؛ وذلك لنه ل ينجب إل أربعة بنات كانت إحداهن هي أليس الت تزوجت‬
‫من بوهيموند الثان أمي أنطاكية‪ ،‬ومرت بنا قصتها‪ ،‬وحيث إن اللك بلدوين الثان ل يد ف الزعماء‬
‫الصليبيي ف النطقة من يصلح لذا الزواج‪ ،‬فقد أرسل رسالة إل لويس السادس ملك فرنسا ف ذلك‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.42-39‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.42‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guillaume de Tyr pp. 601-602.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Guillaume de Tyr pp. 601-602.‬‬

‫‪299‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الوقت‪ ،‬وطلب منه ترشيح أحد المراء الكفاء الذين يصلحون لذا الشرف‪ ،‬وكان أن اختار ملك‬
‫فرنسا أحد أهم المراء الفرنسيي‪ ،‬وهو فولك النوي‪ ،‬وأرسله إل بيت القدس‪ ،‬واطمأنّ له بلدوين‬
‫الثان‪ ،‬وزوجه فعلً من ابنته ميلزاند‪ ،‬وأقطعه مدينت صور وعكا‪ ،‬وحرص على تدريبه سياسيّا‬
‫وعسكريّا‪ ،‬حت إذا مات بلدوين الثان اعتلى فولك النوي ملكة بيت القدس‪ ،1‬وصارت له كل‬
‫صلحيات اللك الراحل‪ ،‬ومنها أنه أصبح وصيّا على أنطاكية كذلك‪ .‬ومن هنا فل شك أن أوضاع‬
‫الصليبيي ستصبح مضطربة‪ ،‬ل لقلة خبة اللك فولك النوي فقط‪ ،‬ولكن لن الوضاع ف أنطاكية‬
‫ل تكن مستقرة أبدًا بسبب أطماع المية أليس بنت اللك بلدوين الثان‪ ،‬والت ت نفيها قبل ذلك إل‬
‫اللذقية‪.‬‬
‫وشاء ال أن يدث أمرٌ آخر مهم جدّا بعد هذه الحداث بقليل‪ ،‬وهو وفاة جوسلي دي‬
‫كورتناي أمي الرها الخضرم! وتول من بعده ابنه جوسلي الثان‪ ،‬الذي ل يكن يتلك معشار خبة‬
‫أبيه‪ ،2‬فكان هذا حدثًا كبيًا مساعدًا للمسلمي‪ ،‬خاصة أنه يأت ف الوقت الذي تتنامى فيه قوة‬
‫السلمي تت قيادة عماد الدين زنكي رحه ال‪.‬‬
‫ث إنه تزامن مع هذه الحداث أمر آخر كان له من الثار ما غيّر من مسية الحداث‪ ،‬ذلك‬
‫أن دُبيس بن صدقة‪ ،‬وهو زعيم قبيلة بن مزيد الشيعي‪ ،‬الذي كان مواليًا للسلطان سنجر السلجوقي‬
‫الرأس الكب للسلجقة‪ ،‬وقع أسيًا ف يد بوري بن طغتكي‪ ،‬ول يكن هذا السر ف معركة ول‬
‫قتال‪ ،‬ولكن ضلّ دبيس بن صدقة الطريق يومًا ما فوقع ف يد حسان بن كلثوم الكلب‪ ،‬فعرف‬
‫شخصه وقيمته‪ ،‬فحمله إل زعيم دمشق ليكون له ي ٌد عنده!‬
‫وعرف عماد الدين زنكي بأسر دبيس بن صدقة لدى بوري بن طغتكي‪ ،‬فقام بباحثات مع‬
‫بوري بن طغتكي انتهت إل تبادل السرى‪ ،‬حيث يأخذ عماد الدين زنكي دبيس بن صدقة‪ ،‬ف‬
‫نظي ر ّد سونج بن بوري بن طغتكي إل دمشق‪.3‬‬
‫وتت بالفعل الصفقة‪ ،‬وكان الميع ‪ -‬با فيهم دبيس بن صدقة ‪ -‬يتوقع أن يُؤذِي عماد‬
‫الدين زنكي دبيسًا؛ لنه كان رجلً فاسدًا ومثيًا للفت‪ ،‬إضافةً إل أنه كان منافسًا لعماد الدين زنكي‬
‫على منصب إمارة الوصل وحلب‪ ،‬لكن عماد الدين زنكي بفقهه السياسي العروف فعل عكس ما‬
‫توقع الميع‪!4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillaume de Tyr 1, p. 594.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Guillaume de Tyr pp. 610.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/258‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.368،367‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/259،258‬‬

‫‪300‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد استقبل عماد الدين زنكي دبيسًا استقبال المراء والزعماء‪ ،‬وقرّبه وأكرمه‪ ،‬وعامله با‬
‫يعامل به أكابر اللوك! وهذا أثار تعجب الناس ودهشتهم‪ ،‬لكن عماد الدين زنكي كان يستقطب‬
‫مثل هذه الرموز الحرّكة فيستفيد منها‪ ،‬ويوجّهها نو خدمة الدف العام لدولته‪.5‬‬
‫لقد كان دبيس بن صدقة من الشخصيات الؤثرة ف الجتمع ف ذلك الوقت‪ ،‬مع العتراف‬
‫تامًا أن تأثيه كان سلبيّا ول يكن إيابيّا‪ ،‬إل أنه يستطيع توجيه قبيلة كبية تسيطر بشكل كبي على‬
‫وسط العراق‪ ،‬وخاصةً منطقة واسط واللّة‪ ،‬ولن يُقدِم مثل هذا الرجل على ماولته القدية الفاشلة‬
‫بقلب نظام الكم ف بغداد إل وهو يلك مقومات كثية تدفعه إل هذه الفكرة؛ فلماذا ل يشتري‬
‫عماد الدين زنكي ولءه ف هذا الوقف‪ ،‬فيضمن وقوفه إل جانبه ف مشاريعه الضخمة لتوحيد‬
‫السلمي ولهاد الصليبيي؟ أو على القل فإنه سيضمن تييده‪ ،‬وعدم التدبي له؟‬
‫إن قبيلة دبيس بن صدقة لن تتفي من الساحة‪ ،‬بل سيظهر من يقودها ف حال غياب دبيس‪،‬‬
‫فلماذا ل يوجّه عماد الدين زنكي دفّة القبيلة عن طريق دبيس بن صدقة نفسه؟‬
‫ث إن دبيس بن صدقة كان مقربًا للسلطان سنجر أعلى سلطة ف الدولة السلجوقية‪ ،‬ومثل‬
‫هذا الفعل من عماد الدين زنكي يُهدّئ من روع هذا السلطان‪ ،‬الذي كان يريد تولية دبيس مكان‬
‫عماد الدين زنكي‪ ،‬فسيى الن أن عماد الدين زنكي يفظ أصدقاء السلطان ومقربيه‪.‬‬
‫وهذا العمل من عماد الدين زنكي لن يكون منتقدًا من السلطان ممود سلطان فارس‬
‫والعراق؛ لنه ل يكن يانع منذ سنتي أن يولّي دبيسًا إمارة الوصل وحلب‪ ،‬لول قوة حجة عماد‬
‫الدين زنكي وحسن بيانه‪.‬‬
‫على أن السلبية الوحيدة الت تظهر ف هذا العمل هي أن هذا الفعل سيغضب الليفة‬
‫السترشد الذي كان يكره دبيس بن صدقة كراهية شديدة؛ لنه كان يريد أن يلعه من منصبه‪ ،‬وهذه‬
‫كبية ل تغتفر عند اللفاء‪ ،‬ول تُنسى أبد الدهر؛ ولذلك فمن التوقع أن يعترض السترشد بال على‬
‫هذا الوقف من عماد الدين زنكي‪ ،‬ولكن عماد الدين زنكي كان م ّددًا وجهته من البداية‪ ،‬وكان‬
‫واضح الرؤية تاه مراكز القوى القيقية ف النطقة؛ ولذلك فول ُؤهُ سيكون أقرب إل السلطان سنجر‬
‫والسلطان ممود ل إل الليفة السترشد حت لو أظهر بعض القوة!‬
‫وغن عن البيان أن عماد الدين زنكي ل يقدّم أي تنازل عقائدي أو فقهي أو فكري للقائد‬
‫الشيعي دبيس بن صدقة‪ ،‬إنا كان تعامله معه من باب السياسة وتقريب وجهات النظر ف العمل‬
‫السلمي‪ ،‬ل من باب الرضا بخالفات دبيس بن صدقة ف الفقه والعقيدة‪ ،‬أو التقريب بي مذهبي‬
‫متباعدين‪.‬‬

‫‪ 5‬حسن إبراهيم حسن‪ :‬تاريخ السلم ‪.4/71‬‬

‫‪301‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكما كان متوقعًا فإن هذا الوقف من عماد الدين زنكي أثار ارتياحًا عند السلطان سنجر‬
‫والسلطان ممود‪ ،‬بينما أثار غضبًا شديدًا عند الليفة السترشد بال‪ ،‬الذي راسل عماد الدين زنكي‬
‫يطلب تسليم دبيس بن صدقة إليه‪ ،‬وكان من الحال طبعًا بعد أن فعل عماد الدين زنكي كل ذلك‬
‫أن يُسلّم دبيس بن صدقة ليُقتل؛ فرفض طلب الليفة ما أوغر صدره على عماد الدين زنكي بشدة‪.1‬‬
‫إذن كرؤية عامة للوضاع ف أوائل ومنتصف سنة ‪524‬هـ‪ ،‬فإن أسهم عماد الدين زنكي‬
‫كانت بصفة عامة قد ارتفعت جدّا بانتصاراته الباهرة على الصليبيي ف حصن الثارب وف حارم‪،‬‬
‫وصار مقربًا جدّا إل قلوب العامة‪ ،‬وامتلك الكثي من الوراق الضاغطة‪ ،‬خاصةً بعد إخضاع مدن‬
‫نصيبي ودارا؛ ما أعطى النطباع أنه يريد أن يتوجه إل الرها‪ ،‬وبعد أن أنقذ دبيس بن صدقة من‬
‫السر‪ ،‬ما يشي إل رغبته ف استغلل كل القوى لدفٍ واحد واضح‪ ،‬هو وَحْدة السلمي وجهاد‬
‫الصليبيي‪.‬‬
‫وإضاف ًة إل هذه الصورة الطيبة فإن أوضاع الصليبيي كانت مضطربة للغاية‪ ،‬حيث مات‬
‫بلدوين الثان وجوسلي دي كورتناي‪ ،‬وتول فولك النوي حديث البة بالنطقة‪ ،‬وكذلك‬
‫جوسلي الثان الضعف كفاءةً وشجاعة من أبيه‪ ،‬غي الضطرابات الطاحنة الت كانت ف أنطاكية‪.‬‬
‫كان هذا الوضع يشي إل أن الفترة القادمة ستكون فترة علوّ للمسلمي‪ ،‬وقلقل وخسائر‬
‫للصليبيي‪.‬‬
‫لكن كثيًا ما تري الرياح با ل تشتهي السفن!‬
‫لقد حدث أمرٌ غيّر مرى الحداث كثيًا‪ ،‬وعطّل مسية الهاد ما يقرب من أربع سنوات‬
‫كاملة!‬
‫لقد مات السلطان ممود عن عمرٍ أقل من سبعة وعشرين عامًا‪!2‬‬
‫وكانت مفاجأة قلبت الوازين ف المة السلمية‪ ،‬حيث إنه مات صغيًا جدّا‪ ،‬وبالتال‬
‫فأبناؤه أعمارهم صغية جدّا‪ ،‬ومن هنا ظهر الطامعون ف اللك من كل مكان‪ ،‬وصارت المة كالت‬
‫نقضت غزلا من بعد قوة أنكاثًا!‬
‫إن كرسي السلطنة له بريق ما بعده بريق‪ ،‬والفرصة الواتية الن قد ل تتكرر إل بعد عدد من‬
‫السنوات ل يعلمه إل ال‪ ،‬ومن هنا اجتهد كل الطامعي أن يصلوا إل هذا الكرس ّي الوثي!‬
‫مَن الطامعون ف كرسي السلطنة؟!‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬حسن إبراهيم حسن‪ :‬تاريخ السلم ‪.4/71‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/259‬‬

‫‪302‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أولً‪ :‬اللك داود ابن السلطان ممود‪ ،‬وقد استخلفه أبوه على السلطنة‪ ،‬ولكنه كان أصغر‬
‫من عشر سنوات؛ ولذلك فهو تت وصاية أتابكه (مُربّيه) آقسنقر الحديلي‪.3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الخ الول للسلطان ممود وهو اللك مسعود بن ممد بن ملكشاه‪ ،‬وكان رجلً‬
‫حسن الخلق‪ ،‬وكان يرأس جرجان‪ ،‬وكانت له قوة كبية وجيش عظيم‪ ،2‬وكان يبلغ من العمر‬
‫ثلثة وعشرين عامًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الخ الثان للسلطان ممود‪ ،‬وهو اللك طغرل بن ممد بن ملكشاه‪ ،‬وكان خّيرًا‬
‫وعادلً قريبًا إل الرعية‪ ،‬وكان يبلغ من العمر اثني وعشرين عامًا‪.3‬‬
‫رابعًا‪ :‬الخ الثالث للسلطان ممود‪ ،‬وهو اللك سلجوقشاه بن ممد بن ملكشاه‪ ،‬وهو أمي‬
‫فارس وخوزستان‪ ،‬وكان يبلغ من العمر ‪. ...‬‬
‫خامسًا‪ :‬السلطان سنجر‪ ،‬وهو عم السلطان ممود‪ ،‬وأقوى الشخصيات السلجوقية‪،‬‬
‫وسلطان خراسان وبلد ما وراء النهر‪ ،‬وأكب الميع سنّا (‪ 46‬سنة)‪ ،‬وإن كانت بلده بعيدة عن‬
‫العراق وشرق فارس‪ ،‬وهي منطقة أملك السلطان الراحل ممود‪.4‬‬
‫سادسًا‪ :‬الليفة السترشد بال‪ ،‬الذي يريد أن يرج من سيطرة السلجقة‪ ،‬وأن يستقل‬
‫بنفسه‪ ،‬وإن كان هذا سيعن أنه لن يصبح حاكمًا إل على منطقة بغداد فقط وما حولا؛ لضعف‬
‫جيش اللفة ف هذا الوقت‪.‬‬
‫فهذه ست قوى متصارعة على الكم‪ ،‬كلّ منها له طموحه الاص‪ ،‬ومبراته لطلب الكم‪،‬‬
‫وكلّ منها يقف خلفه أنصار وأعوان‪ ،‬وجيش وشعب!‬
‫لقد كانت أزمة حقيقية توشك أن تدفع المة إل أتّونٍ من الصراعات والنشقاقات‪.‬‬
‫فإذا أضفت إل هؤلء بعض القوى الخرى الت ل تطمع ف كرسي السلطنة ولكنها مؤثّرة‬
‫للغاية‪ ،‬فإن الوقف سيزداد تعقيدًا‪ ،‬وعلى رأس هذه القوى بل شك يأت عماد الدين زنكي رحه‬
‫ال!!‬
‫فعماد الدين زنكي وإن كان مرد أمي على إمارة إل أنه أصبح من أقوى القادة العسكريي‪،‬‬
‫ومن أوسعهم نفوذًا؛ إذ يسيطر الن على الوصل وحلب وحران وحاة ونصيبي وبعض مناطق‬
‫الكراد‪ ،‬بل يصل نفوذه إل مشارف أنطاكية‪ .‬ث إنه البطل الذي انتصر على الصليبيي‪ ،‬وقلوب‬
‫الشعوب السلمية تفو إليه‪َ .‬نعَ ْم هو ف هذه الرحلة ل يستطيع أن يعلن دولة خاصة به‪ ،‬وليس له‬

‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪9/259‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/373‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/278‬‬
‫‪ 4‬انظر سيته‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/415،416‬‬

‫‪303‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القبيلة الكبية أو العوان الكثر الذين يساعدونه على الستقلل وإنشاء دولة جهادية خالصة إل أنه‬
‫قوة ل يستطيع التنافسون على السلطة أن يتجاهلوها‪ ،‬ولن يصبح ف نفس الوقت قرار عزله قرارًا‬
‫آمنًا؛ لنه سيؤدّي إل سخط عام ف العال السلمي‪ ،‬كما أن الحتياج إليه ف جهاد الصليبيي أصبح‬
‫احتياجًا ماسّا‪.‬‬
‫وعلى هذا فالتوقع الن أن تبدأ إحدى هذه القوى أو أكثر من قوة‪ ،‬ف استقطاب عماد‬
‫الدين لصالها‪ ،‬وعلى عماد الدين أن يسن الختيار؛ لكي ل يدخل ف صدام مع شخصية قد تصل‬
‫بعد ذلك إل كرسيّ السلطنة‪ ،‬ومن ثَمّ يضطرب موقفه‪ ،‬وبالتال تتوقف حركة الهاد‪.‬‬
‫فما هي رؤية عماد الدين زنكي ف هذا الوقف الشائك؟‬
‫إن الوقف حقيقة ف غاية التعقيد؛ لن القوى تكاد تكون متساوية‪ ،‬وفرصتها متقاربة‪ ،‬إل أن‬
‫الفرصة الكبى ف تيل عماد الدين زنكي كانت للملك مسعود بن ممد بن ملكشاه‪ ،‬وهو أكب‬
‫الخوة الن للسلطان الراحل ممود‪.1‬‬
‫إن هذا هو أكب الخوة‪ ،‬وبالتال ففرصة اجتماع الناس عليه عالية؛ لنه أكب من أخويه‬
‫طغرل وسلجوقشاه‪ ،‬وهو أفضل من الطفل داود ابن السلطان الراحل‪ ،‬الذي ل يلك من أمره شيئًا‪،‬‬
‫بل سيكون أُْلعُوبة ف يد أتابكه آقسنقر الحديلي‪ .‬وكذلك فرصة اللك مسعود أعلى من السلطان‬
‫سنجر؛ لن السلطان سنجر وإن كان كبيًا مهيبًا إل أنه بعيد‪ ،‬وسيطرته ف غالب المر شرفيّة‪،‬‬
‫وليست واقعية‪.‬‬
‫أما الليفة السترشد بال فإمكانياته أقل من أحلمه‪ ،‬والوقوف إل جواره ف هذه الزمة هو‬
‫عدم فقه للواقع‪ ،‬ول حسن تقدير للنتائج‪.‬‬
‫وإضاف ًة إل كل ما سبق فإن اللك مسعود شخصيّة مبوبة وحسنة اللق‪ ،‬وبالتال سيكون‬
‫قبول السلمي لا عاليًا‪.‬‬
‫وف نفس الوقت الذي كان عماد الدين زنكي يفكّر فيه ف اللك مسعود كان اللك مسعود‬
‫يفكر ف القوى الوجودة على الساحة لنصرته ف الوصول إل كرسي السلطنة‪ ،‬وكان من أوائل الذين‬
‫فكّر فيهم عماد الدين زنكي المي القوي!‬
‫وهكذا أرسل اللك مسعود رسالة إل عماد الدين زنكي يطلب منه الساعدة العسكرية على‬
‫إقراره ف منصب السلطة‪ ،‬ووعده بإعطاء مدينة إربل الهمة جدّا عسكريّا ف نظي هذه الساعدة‪،‬‬
‫فوافق عماد الدين زنكي‪ ،‬وصار ف صفّ اللك مسعود‪.2‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل في التاريخ ‪.9/262‬‬


‫‪ 2‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/47‬‬

‫‪304‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ث إن التقليد التبع ف ذلك الوقت كان يقضي بأنه ل بد للسلطان الديد من تقليد من‬
‫الليفة العباسي‪ ،‬وهذا يعل فرصة الطاعة للسلطان ف أناء العال السلمي أوسع؛ لن الناس كانت‬
‫تعتب جدّا برأي الليفة‪ ،‬على القل من الناحية الشرعية‪ ،‬ويشعرون أن مالفته ل تأت بي‪ ،‬مع يقي‬
‫الميع بضعف مركزه‪ ،‬وقلة حيلته؛ ولذلك كان السلطي حريصي دائمًا على تقليد الليفة لم‪،‬‬
‫ومن َشعَر أن الليفة لن يقلده فل يانع أن يلع الليفة تامًا‪ ،‬ث يضع خليفة غيه يعطيه التقليد!‬
‫وعليه فإن الميع كان ينظر إل رأي السترشد ف هذه القضية‪ ،‬وعادةً ما كان الليفة ُي ِقرّ‬
‫من اتفق السلجقة على اختياره‪ ،‬أما الن فالوضع متلف؛ إذ حدث التنازع بي خس شخصيات‬
‫متلفة‪ :‬العم سنجر‪ ،‬والخوة الثلثة مسعود وطغرل وسلجوقشاه‪ ،‬والبن داود‪ .‬فمَن مِن هؤلء يتار‬
‫الليفة؟!‬
‫ل ف شئون‬ ‫إن الليفة السترشد متطلع للحكم‪ ،‬وعليه فهو يريد أن يتار أقل الناس تدخ ً‬
‫الكم؛ لكي يدير هو المور بنفسه‪ ،‬وعلى ذلك فقد وقع اختياره على السلطان سنجر؛ وذلك لبُعد‬
‫السافات بينه وبي العراق‪ ،‬ومن ثَ ّم سيصبح للخليفة السترشد كلمة مسموعة ف العراق على القل‪،‬‬
‫وقد يكون ف الشام أيضًا‪!1‬‬
‫هكذا كان رأي السترشد بال وطموحه!‬
‫وعلى هذا فقد أقام السترشد الطبة للسلطان سنجر‪ ،‬وعلّق أي موافقة على سلطان جديد‬
‫على موافقة السلطان سنجر شخصيّا‪ ،‬وهذا ‪ -‬ول شك ‪ -‬أعجب السلطان سنجر جدّا واستحسنه‪!2‬‬
‫فالسلطان الذي اختاره السلطان ممود قبل أن يوت هو السلطان داود ابنه ومعه جيش‬
‫أصفهان‪ ،‬وهو القوة الرئيسية ف جيوش السلجقة‪ ،‬حيث كان تت سيطرة السلطان ممود شخصيّا‪،‬‬
‫ول شك أن السلطان داود ‪ -‬مع أنه طفل صغي ‪ -‬لن يقبل بضياع السيطرة منه؛ ولذلك عزم على‬
‫التوجه إل بغداد بيشه؛ لجبار الليفة على تقليده للسلطنة!‬
‫وف نفس الوقت ترك الخوان مسعود وسلجوقشاه إل بغداد لنفس الغرض‪ ،‬وهو إجبار‬
‫الليفة على تقليدها ك ّل على حدة!‬
‫فهذه جيوش ثلثة لداود ومسعود وسلجوقشاه!‬
‫ومن الوصل ترك جيش عماد الدين زنكي نصرةً لسعود‪.‬‬
‫أما السلطان سنجر فقد شعر أن بُعد السافة قد ينعه من السيطرة على الوضاع‪ ،‬فاتفق مع‬
‫الخ الثالث طغرل‪ ،‬وجع جيشًا كثيفًا وتوجه إل بغداد هو الخر! وهذا مال يكن يتوقعه الليفة‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/47،46‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/262‬‬

‫‪305‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهو ل يتخيل أن يأت سنجر بنفسه ومعه طغرل‪ ،‬ليصبح ف النهاية الليفة تابعًا لم كما كان تابعًا‬
‫لغيهم‪!1‬‬
‫وتعقّد الوقف تامًا! فهناك أربع قوى متصارعة!‬
‫قوة السلطان العلن حت الن‪ ،‬وهو السلطان داود بن ممود ومعه جيشه التجه إل بغداد‪،‬‬
‫ويقاومه الن ثلث قوى مؤيدة بيوش‪ ،‬وكلها يتجه إل بغداد أيضًا‪:‬‬
‫القوة الول‪ :‬قوة اللك مسعود بيشه‪ ،‬ومؤيّدة بيش عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫القوة الثانية‪ :‬قوة اللك سلجوقشاه‪.‬‬
‫القوة الثالثة‪ :‬قوة السلطان سنجر‪ ،‬ومعه اللك طغرل‪.‬‬
‫وهذا الوضع ل بد أن يلزم الليفة بأن يتار بدية السلطان الرتقب الذي يب أن يقف إل‬
‫جواره‪.‬‬
‫ولكن قبل الديث عن نتيجة هذه الصدامات الرتقبة ل بد من وقفة مع هذا الوقف‬
‫العجيب‪ ،‬حيث تتصارع جيوش حقيقية قوية يقودها أخوة وأقارب من الدرجة الول!‬
‫كيف تّ هذا؟ وما هي طبيعة القتال بينهم؟!‬
‫ل على هذا الوقف عدة تعليقات‪:‬‬
‫خرِجُ ال ّلهُ لَ ُكمْ مِنْ‬
‫أولً‪ :‬فتنة الدنيا‪ .‬يقول رسول ال ‪" :‬أَ ْخ َوفُ مَا أَخَافُ َعلَيْ ُكمْ مَا يُ ْ‬
‫َز ْهرَةِ الدّنْيَا"‪.2‬‬
‫والفتنة الت فتحت على هؤلء فتنة عظيمة جدّا‪ ،‬فنحن كثيًا ما نرى الخوة يتصارعون على‬
‫مياث بسيط تركه لم أبوهم‪ ،‬فما بالكم بتركة تضم عدة دول كبى!!‬
‫إن الذي سيوضع ف منصب السلطان ستكون له السيطرة على العراق وفارس (إيران)‬
‫والشام بكل دولا وأذربيجان وأرمينية وباكستان‪ ،‬وقد يتوسع ملكه بعد ذلك ف بلد أخرى‬
‫كالزيرة العربية أو تركيا‪ ،‬فهي فتنة عظيمة‪ ،‬ول سيما أن آخر ما يرج من قلب النسان هو حب‬
‫السلطان!‬
‫ثانيًا‪ :‬هؤلء الخوة وإن كانوا من أبٍ واحد‪ ،‬إل أنم كثيًا ما ينشئون متباعدين‪ ،‬حيث‬
‫يعيش كل واحد ف دولة متلفة‪ ،‬وقد يكون له أم متلفة‪ ،‬ومربّ متلف؛ فل يربط بينه وبي أخيه‬
‫الرباط الذي نراه ف الخوة التحابي‪.‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.264-9/262‬‬
‫‪ 2‬البخاري‪ :‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب ما يذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها (‪ ،)6063‬ومسلم‪ :‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب توف ما يرج من‬
‫زهرة الدنيا (‪.)1052‬‬

‫‪306‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ثالثًا‪ :‬التربية العسكرية الصرفة الت ينشّأ عليها الولد‪ ،‬خاص ًة ف الدولة السلجوقية الت‬
‫كانت دولة عسكرية من الطراز الول‪ ،‬وقد رأينا ف كثي من الحيان أن الذي يتول تربية الولد‬
‫رجل عسكري‪ ،‬بل قد يكون رئيس اليش كله‪ ،‬وهو الذي كان التراك السلجقة يطلقون عليه لفظ‬
‫ل هو مرب ألب أرسلن بن السلطان ممود‪،‬‬ ‫"أتابك" أي مرب المي‪ ،‬فكان عماد الدين زنكي مث ً‬
‫وكان طغتكي الذي صار أمي دمشق هو مرب أولد دقاق بن تتش‪ ،‬وهكذا‪ .‬ول شك أن هذه‬
‫النشأة العسكرية جعلت قضية الروابط السرية والعلقات النسانية أقل عندهم من غيهم‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الزمن زمن فتنة‪ ،‬والليفة ضعيف‪ ،‬وكل واحد من هؤلء له مبراته ‪ -‬الت قد تكون‬
‫مقنعة ‪ -‬للوصول إل الكم‪ ،‬وقد يرى أنه يدافع عن حقّ‪ ،‬ول يب التفريط فيه‪ .‬والذي يثبت أن‬
‫القضية فعلً فتنة هو اشتراك عدد ل بأس به من أفاضل المة وثقاتا ف مثل هذه الصراعات‪ ،‬بل إن‬
‫السلطي الشاركي ف هذه الصراعات كانوا على درجة عالية من الخلق الميدة‪ ،‬والصال‬
‫السنة‪ ،‬وكانوا ف مملهم مبوبي ف شعوبم‪ ،‬قريبي من رعيتهم‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ضعف التصالت كان يؤدي إل كثي من النتائج السلبية‪ ،‬والشاكل العقدة‪ ،‬وقد‬
‫كان الميع يتنافس على الوصول إل الليفة أولً‪ ،‬وقد يأخذ هذا الوصول أيامًا كثية‪ ،‬ث يعود بال ّر ّد‬
‫ف أيامٍ أخرى‪ ،‬وهكذا‪ .‬فلو أخذت هذا المر على نطاق الساحة الشاسعة الت يعيش فيها كل واحد‬
‫من هؤلء التصارعي‪ ،‬لعلمت أن المر فعلً ف غاية التعقيد‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬ل شك أن البطانة الحيطة بكل واحد من هؤلء كانت تزيّن له أنه أفضل الميع‬
‫وأحكمهم وأعقلهم‪ ،‬وأحقهم بالكم‪ ،‬ول شك أن هذه البطانة مستفيدة جدّا من وصول رجلهم‬
‫وقائدهم إل منصب السلطنة‪ ،‬فهذه ليست ترقية له فقط‪ ،‬بل ترقية للجميع!‬
‫فهذه بعض اللفيات الت تفسّر لنا حدوث مثل هذه الفتنة‪ ،‬وليس هذا م ّبرًا لقَبولا‪ ،‬أو‬
‫عذرًا لدوثها؛ فإن هذه الفتنة كانت وبا ًل كبيًا على السلمي عطّل مسية الهاد أربع سنوات‬
‫كاملة‪ ،‬ولكن ذكرناها من باب ماولة فَهم الحداث فهمًا متكاملً‪.‬‬
‫ومّا هو جدير بالذكر أن العارك الت كانت تدور بي هذه الطوائف التناحرة ل تكن معارك‬
‫ضارية مع أن أعدادهم كبية‪ ،‬وعُدّتم قويّة‪ ،‬مّا يدلّ على أن معظم التصارعي كانوا حريصِي إل‬
‫ح ّد كبي على دماء إخوانم؛ ولذلك كثيًا ما رأينا تصالًا أثناء القتال‪ ،‬أو عفوًا بعد النصر‪ ،‬أو عدم‬
‫حيّة أثناء الصدام؛ مّا أفرز نتائج قد نستغربا أحيانًا‪ ،‬وهذا ل يكن عند السلطي فقط‪ ،‬بل حت عند‬
‫القادة القلّ‪ ،‬بل وعند النود؛ لنه من الؤكّد أن حيّة هؤلء للقتال ليست كحميّتهم عند قتال‬
‫الصليبيي‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ونعود إل الحداث‪ ،‬وند أن الليفة السترشد بال بدأ يتردّد ف قضيّة إعلنه أن السلطان‬
‫الذي يب أن يُسيطر على العراق هو السلطان سنجر‪ ،‬وخاصّة أنه أتى معه باللك طغرل بن ممد‪،‬‬
‫الذي سيسيطر على المور كلها‪.‬‬
‫وف نفس الوقت التقى جيشا السلطان داود بن ممود مع جيش عمّه اللك مسعود ف أرض‬
‫فارس‪ ،‬وحدثت مناوشات ليمنع كل منهما الخر من الوصول إل بغداد‪ ،‬وانتهت الناوشات بالصلح‬
‫بي الطرفي‪ ،‬ولكن أرسل كل منهما رسالة سريعة إل الليفة السترشد يطلب إعطاءه السلطنة‪.‬‬
‫وكانت الناوشات الت حدثت بي السلطان داود واللك مسعود سببًا ف وصول اللك‬
‫سلجوقشاه إل بغداد أولً‪ ،‬وهو بالطبع يطلب لنفسه السلطنة‪!1‬‬
‫وبينما استقبل الليفة سلجوقشاه‪ ،‬وبدأ ف الباحثات‪ ،‬إذ بيشي يقتربان من بغداد! اليش‬
‫الول هو جيش اللك مسعود من الشمال الشرقي‪ ،‬واليش الثان هو جيش عماد الدين زنكي الوال‬
‫للملك مسعود‪ ،‬ويأت من الشمال الغرب!‬
‫ووجد الليفة نفسه ف مأزق‪ ،‬خاصّة أنه ليس على وفاق مع عماد الدين زنكي بسبب قضيّة‬
‫دبيس بن صدقة‪ ،‬ومن ثَ ّم وبعد مفاوضات سريعة مع سلجوقشاه اتّفقا على قتال هذين اليشي‬
‫والدفاع عن بغداد! ولكن كان من الواضح أن الليفة ل يدري لاذا هو يدافع عن بغداد‪ ،‬هل يدافع‬
‫عنها لنفسه أو للملك سلجوقشاه‪ ،‬أم للسلطان سنجر‪ ،‬أم للسلطان داود؟! لقد كان الوقف عجيبًا‬
‫حقّا! كما أن اليوش الهاجة لبغداد ل تكن تاجم بميّة وقوّة‪َ ،‬فهُمْ ف النهاية يهاجون عاصمة‬
‫اللفة السلميّة بغداد‪ ،‬والذين يدافعون عنها هم إخوانم وعشيتم‪.‬‬
‫وهكذا حدث قتال بل رُوح‪ ،‬ل تظهر فيه الهارات العروفة للمقاتلي‪.‬‬
‫لقد اته سلجوقشاه بيشه لرب أخيه مسعود‪ ،‬بينما اته الليفة لرب عماد الدين زنكي!‬
‫وكان الصدام الول هو الصدام بي الليفة بيش بغداد مع عماد الدين زنكي بيش‬
‫الوصل‪ ،‬ومن الواضح أن عماد الدين زنكي ل يقاتل بميّته العروفة‪ ،‬ول بماسته العهودة‪ ،‬فحدث‬
‫أمر متوقّع‪ ،‬وهو أنه انزم من جيوش الليفة! ونقول‪ :‬إن هذا شيء متوقّع؛ لن الليفة يقاتل بكلّ‬
‫طاقته‪ ،‬وبيش بغداد الذي يصل إل ثلثي ألف مقاتل‪ ،‬بينما كان يتحرّج عماد الدين زنكي من مثل‬
‫هذا القتال‪ ،‬وكل ما تيّله أنه سيذهب بقوّة رمزيّة إل بغداد يكون هدفها فقط أن تعلن أن الوصل‬
‫وبلد الشام تقف إل جوار اللك مسعود‪ ،‬غي أن الصدام حدث‪ ،‬وكان الليفة جادّا تامًا ف حربه‪،‬‬
‫ولعلّه كانت تراوده أحلم الفكاك النهائي من السيطرة السلجوقيّة على العراق!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/262،263‬‬

‫‪308‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وهُزم عماد الدين زنكي وجيشه‪ ،‬وتفرّق اليش هنا وهناك‪ ،‬وهرب عماد الدين زنكي ف‬
‫اتاه الشمال‪ ،‬ووصل إل مدينة تَكريت‪ ،‬وهي ف النتصف بي بغداد والوصل‪ ،‬وكانت وراءه فرقة‬
‫من اليش العباسي تطارده‪ ،‬وكان من المكن أن تكون أزمةً كبية‪ ،‬خاصّة أن نر دجلة كان يعوقه‬
‫عن العبور للناحية الغربيّة ليصل إل مدينة الوصل‪ ،‬لول أن أمي قلعة تكريت عرف عماد الدين زنكي‬
‫فأسرع بدّ العابر على دجلة‪ ،‬وأنقذه من اليش العباسي‪ ،‬بل واستضافه ف قلعته عدّة أيام أصلح فيها‬
‫شأنه‪ ،‬وطمأن قلبه؛ لنه كان يشعر أن هذا الرجل هو أمل السلمي‪ ،‬وهو الذي يمل راية الهاد‬
‫ضدّ الصليبيي‪ ،‬كل هذا مع أنّ مدينة تكريت تابعة للخليفة العباسي‪ ،‬وليس لحد آخر‪ ،‬مّا يعن أن‬
‫هذا الرجل ياطر بنصبه ف سبيل حاية عماد الدين زنكي‪.1‬‬
‫بقي أن نعرف أن هذا الرجل هو نم الدين أيوب بن شاذي‪ ،‬وهو والد صلح الدين‬
‫اليوب‪ ،‬ول يكن صلح الدين قد وُلد بعدُ ف هذه الفترة‪ ،‬ولكن كانت هذه الادثة سببًا ف التعارف‬
‫والتآلف بي نم الدين أيوب وعماد الدين زنكي؛ ما مهّد لن ُيرَبّى صلح الدين اليوب بعد ذلك‬
‫ف كنف أولد عماد الدين زنكي‪ ،‬وأهّهم بالطبع هو نور الدين ممود‪.‬‬
‫فانظر إل عجيب تدبي ربّ العالي‪ ،‬ولو ل يكن هناك من فوائد لذه الفتنة الت حدثت إلّ‬
‫إذ يقول‪( :‬وَعَسَى أَنْ تَ ْك َرهُوا شَيْئًا َو ُهوَ خَ ْيرٌ لَ ُكمْ‪.)2‬‬ ‫هذا التعارف لكفى به‪ ،‬وصدق ال‬
‫وصلت أخبار هزية عماد الدين زنكي إل اللك مسعود‪ ،‬وكان حينها ف مناوشات‬
‫عسكريّة مع أخيه سلجوقشاه‪ ،‬فعلم أن اللّ العسكري لن يُجدي‪ ،‬خاصّةً أن جيوش السلطان سنجر‬
‫بدأت تقترب من بغداد‪ ،‬هنا اتّفق اللك مسعود وأخوه اللك سلجوقشاه على الصلح‪ ،‬وتراسل مع‬
‫الليفة ليعرضا عليه رأيًا!‬
‫وكان الرأي هو أن يُعطى العراق للخليفة يكمه عن طريق وكيل له يتاره‪ ،‬وتُعطى السلطنة‬
‫لسعود‪ ،‬وتعطى ولية العهد لسلجوقشاه‪ ،‬بعن أنه عند وفاة اللك مسعود يتولّى سلجوقشاه‪ ،‬وليس‬
‫أحدٌ من أبناء السلطان مسعود‪.3‬‬
‫ووجد الليفة أن هذا ال ّل أفضل من سيطرة السلطان سنجر‪ ،‬وعلى ذلك وافق على هذا‬
‫الرأي‪ ،‬وقُطعت خطبة السلطان سنجر من العراق‪ ،‬وصارت إل السلطان مسعود!‬
‫واقترب السلطان سنجر أكثر وأكثر من بغداد‪ ،‬وهنا اضطر السلطان مسعود وأخوه اللك‬
‫سلجوقشاه أن يتمعا على حرب عمّهما السلطان سنجر‪ ،‬مع العلم أن أخاها طغرل ف جيش‬
‫السلطان سنجر!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/263‬‬


‫‪( 2‬البقرة‪.)216 :‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/263‬‬

‫‪309‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكانت موقعةً عجيبة‪ ،‬تقاتلت فيها أعداد هائلة؛ حيث وصلت جيوش السلطان سنجر إل‬
‫مائة ألف فارس أو يزيد‪ ،‬وكانت الغلبة فيها بوضوح للسلطان سنجر‪ ،‬الذي استدعى اللك مسعود‬
‫بعد هزيته‪ ،‬فلما رآه قبّله وأكرمه‪ ،‬وعاتبه على عصيانه‪ ،‬ث أعاده إل كنجة ف بلد فارس‪ ،‬ووضع ابن‬
‫أخيه طغرل ف كرس ّي السلطنة‪ ،‬دون اعتبار بالطبع لرأي الليفة‪ ،‬الذي اضطرّ أن يُعطيه السلطنة وهو‬
‫كاره‪ .‬وهكذا صار سلطان العراق وفارس هو السلطان طغرل‪ ،‬وذلك تت رعاية السلطان سنجر!‬
‫وكانت هذه الوقعة العسكريّة ف ‪ 8‬من رجب سنة ‪526‬هـ\ ‪1132‬م‪.1‬‬
‫فهل هدأت الحداث بذه الزعامة الديدة للسلطان طغرل؟!‬
‫أبدًا‪ ،‬إن الفتنة ل تقف! فقلوب الميع تغلي بالشاكل‪ ،‬وك ّل واحد من هؤلء تشغله هوم‬
‫شتّى‪ ،‬والفكار تتزاحم ف عقله‪ ،‬وتعاَلوْا نأخذ استراحة سريعة بعد هذه الصدامات؛ لنرى الوضع ف‬
‫أخريات هذه السنة‪ ،‬خاصّة أن هناك أحداثًا مهمّة عاصرت هذه الفتنة ل بُدّ من التعليق عليها‪،‬‬
‫فلنرقب معًا هذه اللحوظات العشر‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬السلطان سنجر عاد إل بلده مسرعًا بعد وضع اللك طغرل ف السلطنة؛ لن بلد‬
‫السلطان سنجر بعيدة‪ ،‬وهي خراسان وبلد ما وراء النهر‪ ،‬أي ف وسط آسيا‪ ،‬وَترْكُ السلطانِ لبلده‬
‫ض الطموحي بالثورة عليه‪.‬‬
‫فترة طويلة قد يُغري بع َ‬
‫ثانيًا‪ :‬اللك طغرل الن يستمتع بكرسي السلطنة‪ ،‬لكنّ قوّته بفرده دون عمّه‪ ،‬ل شكّ أنا‬
‫ضعيفة‪ ،‬فهذا قد يؤثّر ف موقفه‪ ،‬وقد يُغري إخوانه بالنقلب عليه!‬
‫ثالثًا‪ :‬اللك مسعود خسر ف معركة ضدّ السلطان سنجر‪ ،‬لكنه ل يسر جيشه‪ ،‬فالسلطان‬
‫سنجر كان رحيمًا به؛ فأعاده وما يلك من جيوش إل فارس‪ .‬ول شكّ أن رغبته ف السلطنة لن‬
‫تنقطع‪ ،‬خاصّة أنه كان أكب من أخيه السلطان طغرل‪ ،‬ول يد معنًى لعطائه السلطنة دونه‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬اللك داود الذي كان سلطانًا وخُلِع‪ ،‬ل بُ ّد أنه سيفكر ف مصيه؛ فهو ابن السلطان‬
‫ممود الراحل‪ ،‬وقد استخلفه أبوه لكن أعمامه وجَ ّدهُ صرفوا السلطنة عنه‪ ،‬فهل سيهدأ‪ ،‬أم سيناضل‬
‫من أجل الكرسيّ السلوب؟!‬
‫خامسًا‪ :‬الليفة السترشد يغلي غيظًا؛ فالسلطان الن هو طغرل بن ممد على غي رغبته‪،‬‬
‫ول شكّ أنه سيتحيّن الفرصة للخلص من سيطرة هذا السلطان الديد‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬عماد الدين زنكي يتحسّر على ما آلت إليه الحداث؛ لقد مرّ الصليبيون بظروف‬
‫صعبة جدّا وقلقلَ‪ ،‬وسيمرّون بظروف أخرى أكثر صعوبة‪ ،‬وكانت الفرصة مواتية لجوم شامل‬
‫عليهم‪ ،‬لول الفتنة الت بدأت‪ ،‬ول يبدو لا من ناية ف القريب العاجل‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.265-9/263‬‬

‫‪310‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سابعًا‪ :‬ف ‪ 21‬من شهر رجب سنة ‪526‬هـ ‪ -‬أي ف نفس الشهر الذي وُضع فيه‬
‫السلطان طغرل ف منصبه ‪ُ -‬ت ُوفّ َي بوري بن طغتكي أمي دمشق‪ ،1‬وخلفه ابنه إساعيل بن بوري‬
‫ل فاسدًا ظالًا‪ ،‬شديد الظلم‪ ،‬ارتكب ف حياته من القبائح والنكرات‬
‫اللقّب بشمس اللوك‪ ،‬وكان رج ً‬
‫ما أنكره عليه الميع‪ ،‬وصار يُقاتل كل مراكز القوى ف بلده؛ حت أوقع الرهبة ف قلوب كل الناس‪،‬‬
‫وكانت فتنة عظيمة على أهل دمشق‪!2‬‬
‫ثامنًا‪ :‬حدثت فتنة بي شس اللوك إساعيل بن بوري حاكم دمشق وأخيه شس الدولة ممد‬
‫بن بوري أمي بعلبك‪ ،‬وصار بينهما قتال كبي‪ ،‬انتهى باستيلء شس اللوك إساعيل على حصني‬
‫مهمّي ف شال دمشق‪ ،‬بينما أقرّ أخاه شس الدولة ممد على حكم بعلبك‪ ،3‬وكانت هذه الفتنة‬
‫فرصة لتدخّل عماد الدين زنكي ليض ّم دمشق إل حكمه‪ ،‬لول الفتنة الش ّد الت كانت تدور ف‬
‫العراق‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬تأزّم الوقف أكثر ف أنطاكية!‬
‫لقد قامت المية التمردة أليس بنت اللك الراحل بلدوين الثان بؤامرة للسيطرة على الكم‬
‫ف أنطاكية؛ حيث قامت بالتّفاق مع ثلثة أمراء صليبيي على مساعدتا ف الوصول إل الكم ف‬
‫أنطاكية مستغلّة حداثة خبة اللك فولك النوي بالشرق السلمي‪ ،‬ول تكن خطورة الؤامرة فقط‬
‫ف الروج عن طوع اللك فولك وتسيي المارة وَفق أهواء امرأة غي ناضجة كأليس‪ ،‬ولكن كانت‬
‫خطورتا ف أساء المراء الثلثة الذين وافقوا على مؤامرة أليس؛ فهم‪ :‬جوسلي الثان أمي الرها‪،‬‬
‫وبونز بن برترام أمي طرابلس‪ ،‬إضافةً إل وليم وهو أمي أحد حصون اللذقية التابع إل إمارة‬
‫أنطاكية‪ ،‬وهو حصن صهيون‪ .‬ووجه الطورة أن هذه الؤامرة ستؤدّي إل انشقاق كبي ف الصفّ‬
‫الصليب؛ حيث تتعاون المارات الثلث ف قضية ضدّ الملكة الرئيسية‪ ،‬وهي ملكة بيت القدس‪.‬‬
‫ولقد شعر بعض فرسان أنطاكية بالؤامرة‪ ،‬وراسلوا اللك فولك النوي‪ 4‬الذي جاء مسرعًا‬
‫على رأس جيشه ليُحبط مؤامرة المية التهوّرة‪ ،‬إلّ أن بونز أمي طرابلس اعترض طريقه ف لبنان‪،‬‬
‫ومنعه من إكمال السية‪ ،‬فحدث قتال بي جيش بيت القدس وجيش طرابلس‪ ،‬وهي الرّة الول منذ‬
‫نزول اليوش الصليبية ف أرض الشام وفلسطي الت يدث فيها قتال بينهم‪ ،‬واضطرب الوضع جدّا‪،‬‬
‫وانسحب اللك فولك من أرض العركة‪ ،5‬ولكنه استطاع الوصول إل أنطاكية عن طريق البحر من‬
‫ميناء بيوت‪ ،‬ودخلها بالفعل‪ ،‬وأحبط الؤامرة‪ ،‬لك ّن بونز أسرع إل أنطاكية ليحاول تثبيت دعائم‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/265‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/279،278‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪245‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/266‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 611.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Michaud: op. cit., ll, p. 85.‬‬

‫‪311‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫المية أليس‪ ،1‬إلّ أنه حدث قتال كبي بينه وبي اللك فولك انتهى بزية كبية لمي طرابلس‪،2‬‬
‫واستقرار الوضاع ف أنطاكية لصال اللك فولك الذي َوضَعَ على أنطاكية أميًا من طرفه هو رينو‬
‫ماسوير‪ .3 Renaud Masoier‬لقد كانت أزم ًة كبية كان من المكن أن تُستغلّ لصال السلمي‪،‬‬
‫لول أن السلمي كانوا منشغلي بفتنتهم!‬
‫عاشرًا‪ :‬ل تكن هذه هي الزمة الوحيدة الت مرّ با الصليبيون‪ ،‬بل كانت هناك أزمة أخرى‬
‫لعلّها أشدّ‪ ،‬حيث حدث تصادم عسكري داخلي ف ملكة بيت القدس بي اللك فولك النوي‬
‫والمي هيو الثان أمي يافا‪ .‬وسبب الصدام هو اكتشاف اللك فولك النوي أن زوجته اللكة‬
‫ميلزاند بنت اللك بلدوين الثان كانت تونه مع المي الشابّ هيو الثان! وكانت نتيجة الصدام‬
‫بالطبع هو أسر اللك هيو الثان‪ ،‬وجرحه جراحة خطية ث ترحيله إل صقلية‪ ،‬حيث مات هناك بعد‬
‫قليل‪.4‬‬
‫ومع أن الشرع النصران يقضي بإمكانية أن يُ َطلّق اللك فولك النوي زوجته لثبوت اليانة‬
‫الزوجيّة عليها‪ ،‬إلّ أن اللك فولك النوي كان يعلم أن تطليقها يعن ذهاب ا ُل ْلكِ؛ لنه يكم بيت‬
‫القدس انتسابًا لبنت اللك الراحل بلدوين الثان‪ ،‬وعليه فحتّى لو حُوكِمَت اللكة ميلزاند‪ ،‬فإن الكم‬
‫سينتقل إل إحدى أخواتا‪ ،‬وبالتبعية إل زوجها؛ ومن هنا آثر اللك فولك النوي أن يغضّ الطرف‪،‬‬
‫وأن يأمر زوجته أن تستغفر لذنبها! بل إنه بدأ يسترضيها بشكل مبالغ فيه؛ لنا أظهرت الغضب‬
‫الشديد عليه لقتله عشيقها‪!5‬‬
‫ومن هذه البالغات الت فعلها اللك فولك النوي أنه اضطر لوافقة اللكة ميلزاند على إعادة‬
‫أختها المية أليس إل حكم أنطاكية بدلً من المي رينو ماسوير‪ !6‬وبذا ل يتنازل اللك فولك‬
‫النوي عن كرامته فقط‪ ،‬بل تنازل أيضًا ف مسألة المية أليس ‪ -‬والت كان صارمًا جدّا فيها قبل‬
‫ذلك ‪ -‬عن أمن وسلمة أنطاكية حي وافق على إمارة المية الطموحة أليس‪ ،‬هذا بالضافة طبعًا‬
‫إل تنازله تامًا عن نوته كرجل‪ ،‬أو فطرته كإنسان!‬
‫ف الصليب‪ ،‬ولول‬ ‫إذن كان الوضع ف أواخر سنة ‪526‬هـ يبشّر بتصدّع داخلي ف الص ّ‬
‫انشغال السلمي بأزماتم الداخليّة ف العراق لكان الوضع متلفًا تامًا‪ ،‬ولْيُ ْدرِك السلمون الثان‬
‫الباهظة الت تدفعها ا ُلمّة نتيجة الفُرقة والتشتّت‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 141.‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/251‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, pp. 612-613.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Besant, Palmer: Jerusalem, pp. 291-292 & Guillaume de Tyr, pp. 627-633.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 193.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 636.‬‬

‫‪312‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أمّا بالنسبة لبطلنا عماد الدين زنكي فقد اضطرّ أن يكث بيشه ف الوصل قرب الحداث‬
‫الساخنة ف بغداد‪ ،‬حيث إن هذه الحداث من المكن أن ُتغَيّر كل النظمة والوضاع‪ ،‬واكتفى‬
‫بناوشات بسيطة مع الصليبيي عن طريق أمي حلب المي سوار‪ ،1‬وهو أمي من أمراء دمشق الذين‬
‫هربوا منها سنة ‪524‬هـ‪ ،‬فاستقطبه عماد الدين زنكي‪ ،‬وأقطعه حلب وأعمالا‪ ،‬وكان من‬
‫الجاهدين الشداء‪ ،‬الذين أبَلوْا بلءً حسنًا ف منصبهم طيلة حياة عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫ولَْنعُدْ إل موقفنا العقّد ف العراق!‬
‫إن المور ل تدأ بطبيعة الال؛ لقد ترك السلطان سنجر ابن أخيه السلطان طغرل ف كرسي‬
‫السلطنة وعاد إل خراسان‪ ،‬ول شكّ أن هذا أضعف موقفه‪ ،‬وأطمع التنافسي فيه! وكان السلطان‬
‫طغرل يتّخذ من هذان مقرّا له‪ ،‬فقام اللك داود بن ممود ومعه أتابكه والتصرّف ف شئونه آقسنقر‬
‫الحديلي بالثورة على السلطان طغرل‪ ،‬وجعا اليوش‪ ،‬وحدث تصادم بي القوّتي ف رمضان سنة‬
‫‪526‬هـ بالقرب من هذان‪ ،‬وانتهى المر بزية اللك داود‪ ،‬واستقرار المر من جديد للسلطان‬
‫طغرل‪.‬‬
‫ولك ّن المر ل يقف عند هذا الدّ‪ ،‬فقد رحل اللك داود إل بغداد‪ ،‬والتقى بالليفة‬
‫السترشد بال الذي أكرم وفادته‪ ،‬واستقبله استقبالً كبيًا‪ ،‬وأنزله بدار السلطان‪ ،‬وإن ل يلع عليه‬
‫لقب السلطنة؛ فهو الن ضعيف مهزوم‪!2‬‬
‫سع بذه الحداث اللك مسعود‪ ،‬وكان يرى أنه أحقّ الناس بالسلطنة؛ لنه أكب الخوة‪،‬‬
‫وعلى القلّ فهو أح ّق من السلطان الال طغرل أخيه الصغر‪ ،‬فذهب مسرعًا إل بغداد‪ ،‬والتقى‬
‫بالليفة السترشد وباللك داود‪ ،‬واتفق معهما على أن يلع الليف ُة عليه لقب السلطان على أن يكون‬
‫ل عهد له‪ ،‬وبذلك ينفذ الخطط القدي الذي كان بي الليفة السترشد بال واللك‬ ‫داود بن ممود و ّ‬
‫مسعود مع اختلف ولية العهد‪ ،‬فإنا ستكون لداود بدلً من اللك سلجوقشاه!‬
‫وجع اللك مسعود واللك داود جيوشهما‪ ،‬وتصادما مع جيش اللك طغرل ف أكثر من‬
‫موضع ف بلد فارس‪ ،‬وانتصر اللك مسعود‪ ،‬وبالتال أخذ لقب السلطنة‪ ،‬وكان هذا ف أواخر سنة‬
‫‪527‬هـ‪ ،‬حيث أخذت الحداث الؤسفة السابقة عامًا كاملً‪.3‬‬
‫وف ظ ّل هذه الزمات التتالية كان إساعيل بن بوري حاكم دمشق الفاسد يرقب الحداث‪،‬‬
‫ومن ثَمّ باغت مدينة حاة الت كانت تتبع عماد الدين زنكي‪ ،‬فحاصرها حصارًا شديدًا‪ ،‬وانتهى المر‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/269،268‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/267،266‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/270،269‬‬

‫‪313‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بإسقاطها لصاله‪ ،‬وكانت خسارة كبية جدّا للمارة الزنكية الناشئة‪1‬؛ لن حاة مركز مه ّم‬
‫للنطلق نو دمشق‪ ،‬كما أنا مركز مهمّ أيضًا لرب إمارة طرابلس‪ ،‬لكن على فداحة هذه الادثة‬
‫إلّ أنا كانت متوقّعة؛ نتيجة اللل المن الطي من جرّاء صراعات السلطي واللوك السلجقة!‬
‫ومع ذلك فالمي الحنّك عماد الدين زنكي ل يكفّ عن إرسال السرايا لرب الصليبيي؛‬
‫وذلك ليمنعهم من الطمع ف بلد السلمي نتيجة الفت التتالية بالعراق‪ ،‬وكان القائم بذه الملت‬
‫العسكريّة ف العظم هو سوار أمي حلب؛ ومن ذلك مهاجته لدينة ت ّل باشر التابعة لمارة الرها ف‬
‫جادى الخرة سنة ‪527‬هـ‪ ،‬وانتصاره على الصليبيي مع قتل ألف منهم‪ ،‬هذا غي الغنائم الكثية‬
‫الت ظفر با‪ ،‬وفوق ذلك فقد جنّد سوار عدّة فرق من التركمان من أرض الزيرة‪ ،‬واستغلّهم ف‬
‫الجوم على إمارت أنطاكية وطرابلس‪ ،‬وحقّق عدّة انتصارات هنا وهناك‪ ،‬وقتلوا عددًا كبيًا من‬
‫الصليبيي‪ ،‬وغنموا غنائم أخرى‪ .2‬ول يكن الدف من هذه العارك هو ترير هذه المارات؛ لن‬
‫القوّة السلميّة ل تكن كافية لذلك‪ ،‬ولكن كان الدف الرئيسي هو قطع طمع الصليبيي ف حلب‬
‫وما حولا‪ ،‬وذلك إل أن تنتهي فتنة العراق‪ ،‬ويتفرغ عماد الدين زنكي لشروعه الهاديّ من جديد‪.‬‬
‫ومن هذا النظور فقد نحت هذه الملت ناحًا كبيًا‪ ،‬وإن ل تفلح ف ترير قلعة أو مدينة!‬
‫ث نعود إل قصتنا ف العراق وفارس!‬
‫نن الن ف سنة ‪528‬هـ وكرسي السلطنة مع اللك مسعود‪ ،‬لكن هذا ‪ -‬ول شكّ ‪ -‬لن‬
‫يُرضِي السلطان الخلوع طغرل‪ ،‬الذي ما زال يتلقّى معونات السلطان سنجر من بعيد! ولذا فقد‬
‫جع السلطان طغرل قوّته من هنا وهناك‪ ،‬وأغرى اللك داود بن ممد بالنفصال عن السلطان‬
‫مسعود‪ ،‬وحدث ذلك بالفعل‪ ،‬بل واستقطب بعض الفرق من جيش السلطان مسعود بنفسه‪ ،‬ودارت‬
‫معارك ف أرض فارس بي الخوين طغرل ومسعود‪ ،‬وانتهى المر بانتصار السلطان طغرل من جديد‬
‫على أخيه السلطان مسعود‪ ،‬وبذلك عاد كرسي السلطنة مرّة أخرى إل السلطان طغرل‪!3‬‬
‫لقد دخل السلمون ف تِيهِ الصراعات والفت‪ ،‬فأصبح أمرًا عاديّا أن يتقاتل الخوة‪ ،‬وتتصارع‬
‫اليوش السلميّة مع بعضها البعض‪ ،‬وأصبح أيضًا أمرًا مألوفًا أن ينتقل كرسي السلطنة من واحد إل‬
‫آخر كل عدّة أشهر‪ ،‬وكأنه منصبٌ عادي بسيط ل يؤثّر ف مسية ُأمّة كاملة!‬
‫ول شكّ أنه ف ظلّ هذه الظروف سيطمع كل مَن كان ف قلبه مرض‪ ،‬وكان أشدّ الناس‬
‫معاناة ف هذا الوضوع هو عماد الدين زنكي رحه ال؛ فقد تعب كثيًا من أجل توحيد السلمي ف‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/271‬‬


‫‪Grousset: Hist. des Croisades, ll, p. 55.‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/271،272‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/274،273‬‬

‫‪314‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كيان واحد يصلح لهاد الصليبيي‪ ،‬ث ها هو يرى بعينيه أن الكيان ينهار أمامه‪ ،‬وأن السلطي‬
‫السلمي يتصارعون معًا بدلً من توحيد القوة ف اتاه صحيح‪ ،‬بل ويستقطب كل واحد منهم طائفة‬
‫من السلمي فيستعديها على الخرى؛ ومن هنا ظهرت القلقل ف كل مكان‪ ،‬وبدأت الحوال‬
‫تضطرب ف داخل المارة الزنكيّة الواسعة‪ ،‬وشعر الناس أن عماد الدين زنكي مضطر للنتظار حت‬
‫يرى نتيجة صراع السلطي‪ ،‬وكان عماد الدين زنكي نفسه متحرّجًا من الشاركة ف هذه‬
‫الصراعات‪ ،‬فنجده قابعًا بيشه ف الوصل منتظرًا لستقرار الحداث‪ ،‬غي أنا كانت ل تستقرّ!‬
‫ف هذه الظروف قامت عدّة انقلبات ف مناطق الكراد الميدية والكارية ف شال وشال‬
‫شرق الوصل‪ ،‬وكانت هذه الناطق ‪ -‬كما بيّنّا قبل ذلك ‪ -‬قد خضعت لكم عماد الدين زنكي‪،‬‬
‫ولكنهم ف ظلّ هذه الضطرابات طمعوا ف النفصال عن المارة الزنكيّة‪ ،‬بل وبدءوا ف الغارة على‬
‫حقول الفلّحي وأسواق التجّار؛ ما أحدث فزعًا كبيًا ف الوصل‪ ،‬ولكن عماد الدين زنكي تعامل‬
‫مع الوضوع بنتهى الزم‪ ،‬فأخذ فرقة من جيشه‪ ،‬واته إليهم بنفسه‪ ،‬وبعد عدّة صدامات ف جبالم‬
‫الوعرة استطاع بفضل ال أن يقمعهم‪ ،‬ويُسيطر على متمرّديهم‪ ،‬ويتلك عدّة قلع وحصون لم ف‬
‫أعال جبالم (صورة ‪ ،)8‬وما هي إلّ عدّة أشهر حت عاد المن من جديد‪ ،‬واستقرّت الوضاع‪.1‬‬
‫ث ما لبثت الشاكل أن ظهرت ف منطقة جديدة هي منطقة الزيرة وأراضي ديار بكر؛‬
‫حيث وجد الزعماء هناك أن الوضاع الستقبلة ف العراق ‪ -‬الت شغلت عماد الدين زنكي بشكل‬
‫كبي ‪ -‬ما هي إلّ فرصة لم ليعيدوا السيطرة على ما ضمّه عماد الدين زنكي قبل ذلك إل إمارته‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إل وضع هذه الناطق فإننا ‪ -‬كما ذكرنا من قبلُ ‪ -‬سنجد أن فيها قياداتٍ‬
‫كثيةً‪ ،‬وزعامات متعددة‪ ،‬لكن كل هذه الزعامات ل وزن لا‪ ،‬اللهم إل ثلثة يثّلون أكب قوّة ف‬
‫هذه الناطق‪ ،‬وهؤلء الثلثة هم ‪:‬‬
‫‪-1‬حسام الدين ترتاش بن إيلغازي‪ ،‬وهو أمي ماردين‪.‬‬
‫‪-2‬ركن الدولة داود بن سقمان (ابن عم الول)‪ ،‬وهو أمي حصن كيفا‪.‬‬
‫‪-3‬سعد الدولة أبو منصور إيكلدي‪ ،‬صاحب آمد‪.‬‬
‫وهؤلء هم الثلثة الذين اشتركوا قبل ذلك ف سنة ‪524‬هـ‪ ،‬أي منذ أربع سنوات‪ ،‬ف‬
‫حربٍ ض ّد عماد الدين زنكي‪ ،‬وهي موقعة دارا‪.2‬‬
‫وجد عماد الدين زنكي رحه ال أن تمّع هؤلء من جديد سيمثّل عائقًا كبيًا لشروع‬
‫الوَحدة‪ ،‬خاصّة ف الظروف الت يرّ با الن؛ حيث الوضاع الضطربة ف العراق وفارس‪ ،‬وحيث‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/276،275‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/255‬‬

‫‪315‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫النقلبات التكرّرة ف مناطق الكراد‪ ،‬وحيث الجمات الصليبية التوقّعة ف منطقة حلب وما حولا‪،‬‬
‫ومن ثَمّ فإنه ل بُ ّد من التعامل مع هذه الشاكل الديدة بشي ٍء من السم وسرعة القرار‪.1‬‬
‫وجد عماد الدين زنكي أن قتال هؤلء الزعماء متمعي سوف يؤدّي إل خسائر كبية‪،‬‬
‫ومن ثَمّ قرّر أن يسلك الطريق السياسي لتفتيت اتادهم‪ ،‬واستقطاب بعضهم؛ لتنتهي الشكلة بأقلّ‬
‫خسائر مكنة‪ .‬وعند النظر إل شخصيات وإمكانيات هؤلء الزعماء‪ ،‬فإنه وجد أن ركن الدولة داود‬
‫شديد التصلّب ويتّصف بالعِنْد‪ ،‬أما سعد الدولة أبو منصور إيكلدي فهو ضعيف‪ ،‬وإمكانياته مدودة‪،‬‬
‫ويبقى حسام الدين ترتاش فهو صاحب قوّة كبية‪ ،‬وإن كان هو شخصيّا يتميّز بالرونة السياسيّة‪،‬‬
‫كما أنه ‪ -‬كما وصف ابن الثي ‪ -‬يبّ ال ّد َعةَ والرفاهية‪ !2‬وعلى ذلك ففرصة التوحّد مع حسام‬
‫الدين ترتاش وإغراؤه بفكّ التحالف مع هؤلء الضعفاء‪ ،‬وجعل تالفه مع عماد الدين زنكي شخصيّا‬
‫قد تكون فكرة صائبة‪ .‬ومن هنا بدأ عماد الدين زنكي رحه ال يتقرب من حسام الدين ترتاش‪،‬‬
‫فأوقف التحرّكات العسكريّة ناحية بلده‪ ،‬وأرسل له بعض الدايا‪ ،‬مع تذكيه بأهية ال َوحْدة بي‬
‫السلمي‪ ،‬وإغرائه باتساع ملكه ف حال التوحّد معه‪ .‬ووجد هذا المر قبولً سريعًا عند حسام الدين‬
‫ترتاش‪ ،‬ووجد ف صداقة عماد الدين زنكي أكب النفع عن صداقته مع ركن الدولة داود أو سعد‬
‫الدولة إيكلدي‪ ،‬فتجاوب مع تقرّب عماد الدين زنكي‪ ،‬ث ما لبث المر أن وصل إل تالفٍ سياسي‬
‫معلن‪ ،‬وتوحيد القوّتي ف كيان واحد‪ ،‬وبدأ عماد الدين زنكي وحليفه حسام الدين ترتاش ف بسط‬
‫السيطرة على الناطق الحيطة‪ ،‬وجُوبوا ‪ -‬بل شكّ ‪ -‬بقاومة من الزعيمي الخرين‪ ،‬إلّ أنما انتصرا‬
‫صوْر قرب‬ ‫ف أول الصدامات‪ ،‬وتّ الستيلء على قلعة من أه ّم قلع ركن الدولة داود‪ ،‬وهي قلعة ال ّ‬
‫ماردين‪ ،‬وأهداها عماد الدين زنكي إل حليفه الديد حسام الدين ترتاش؛ تأكيدًا على اللف الذي‬
‫بينهما‪.3‬‬
‫هكذا استطاع عماد الدين زنكي بسياسته أن يوظّف حسام الدين ترتاش لصاله‪ ،‬وأن ل‬
‫ض جديدة لمارته‪ ،‬بل ويرسّخ المن فيها دون أن يعرّض قوّاته لطر كبي‪.‬‬ ‫يكتفي فقط بضمّ أرا ٍ‬
‫ونترك إقليم الزيرة وديار بكر‪ ،‬ونترك المارة كلها لنرحل رحلة سريعة ف عقل بطلنا عماد‬
‫الدين زنكي!‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪.111‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/227‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/274‬وأسامة بن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪ ،201-199‬وأسامة بن منقذ حضر فتح الص فهو كشاهد‬
‫العيان‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن الحداث الارية ف ا ُلمّة الن تكشف طبيعة الرجال ومعادنم‪ ،‬كما تكشف قوّتم‬
‫وإمكانياتم‪ .‬فما هي الرؤية الصائبة ف هذه الحداث؟ وما هو ردّ الفعل الناسب الذي من الفترض‬
‫أن يتعامل به عماد الدين مع الحداث؟‬
‫إنه اعتاد ‪ -‬كما كان يفعل أبوه من قبل ‪ -‬أن يكون ولؤه لسلطان السلجقة؛ لنه هو‬
‫القوى‪ ،‬وهو الذي يتحكم فعليّا ف المور‪ ،‬وهو الذي يتحمّس لقضايا السلمي ويتحرّك إليها‪ .‬إنه‬
‫اعتاد على ذلك منذ زمنٍ‪ ،‬لكن شتّان بي سلطي المس وسلطي اليوم! أين الثّرى من الثّريّا؟!‬
‫أين مموعة السلطي التصارعة الن من ألب أرسلن أو ملكشاه أو بركياروق أو ممد؟‬
‫لمّة‬
‫حت السلطان ممود ‪ -‬على صغر سنّه ‪ -‬كانت له رؤيةٌ‪ ،‬وكانت له طموحات جيدة ل ُ‬
‫السلمية‪ ،‬كما أنه كانت له قوّة يستطيع با أن يتغلب على منافسيه‪ ،‬ومن ثَ ّم تستقرّ أوضاع البلد‪،‬‬
‫وتتفرغ إل هومها الارجيّة‪ ،‬وعلى رأسها قضية الصليبيي‪.‬‬
‫أما هؤلء السلطي القزام فعلمَ يتقاتلون؟!‬
‫هل يستطيع أحدٌ أن يقول‪ :‬إن هذا القتال ل ؟!‬
‫بل هل يستطيع أحد أن يزم أن القّ ف الصراع مع هذا الطرف دون غيه؟!‬
‫إن العاصرين للحدث أنفسهم كانوا ل يستطيعون أن يزموا أن فلنًا على حقّ‪ ،‬وغيه على‬
‫باطل! ولذلك ترى الزعماء والمراء والنود والشعوب كثيًا ما تنقلب من طاعة سلطان إل طاعة‬
‫غيه‪ ،‬وليس ذلك لضعف ف الخلق أو البادئ‪ ،‬ولكن لضعفٍ ف الرؤية والتحليل‪.‬‬
‫ث إن كل السلطي ضعفاء! أو على القلّ قوّتم متكافئة؛ فيصعد سلطان على الكرسيّ عدّة‬
‫أشهر‪ ،‬وأحيانًا عدّة أيام‪ ،‬ث يلعه غيه! ويُنادى بالسلطنة لفلن ف بلد‪ ،‬ويُنادى با لغيه ف بلد‬
‫ماور‪ ،‬ويقف الليفة اليوم مع سلطان‪ ،‬ويقف غدًا مع سلطان ثانٍ‪ ،‬وقد يقف بعد غ ٍد مع سلطان‬
‫ثالث!‬
‫إنا فتنة تترك الليم حيانَ!‬
‫لقد شهدت السنوات الثلث الت أعقبت موت السلطان ممود ولية داود‪ ،‬ث مسعود‪ ،‬ث‬
‫طغرل‪ ،‬ث مسعود‪ ،‬ث الن طغرل! ول يعلم أحد كيف يكون الغد؟!‬
‫أهذا أمر يُعقل؟!‬
‫ث إن الليفة الطموح السترشد بال صار طرفًا ف الصراع‪ ،‬وله جيش مؤثّر‪ ،‬وإن ل يكن‬
‫كبيًا جدّا‪ ،‬بيث يفرض على الميع كلمته‪ ،‬لكنه أصبح من عناصر التأثي الحسوبة ف العادلة‪ ،‬فهل‬
‫سيأت زمنٌ يمل فيه الليفة مهامّ اللفة كما يمل اسها؟!‬
‫إنه سؤال صعب ف وسط هذه التغيّرات الكثية!‬

‫‪317‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ولنتجوّل ف عقل بطلنا عماد الدين زنكي!‬


‫مع أيّ هذه القوى ينضمّ؟ وأيّ هذه القوى يناصر؟ وأي القوى أعظم؟!‬
‫لقد كان يقف مع اللك مسعود ف البداية؛ لنه الخ الكب من الخوة التصارعي‪ ،‬ويبدو‬
‫أنه كان أقرب إل السلطنة‪ .‬أما الن فقد كشفت الصراعات أن الميع ضعيف‪ ،‬وأن الميع من‬
‫طلّب الدنيا‪ ،‬وإن حَسُنت أخلقهم‪ ،‬ورقّت طبائعهم‪ .‬فهل يُكمِل السية مع السلطان مسعود؟ أم‬
‫ُيوَجّه عونه إل سلطان آخر؟ أم يقف مع الليفة؟!‬
‫إن المر جِدّ ميّر!!‬
‫بل ميّر جدّا‪.‬‬
‫أتدرون وجه الية ف السألة؟!‬
‫إن الية ليست فقط ف الختيار بي التنازعي‪ ،‬ولكن الية ف شيء أعظم!‬
‫لقد أثبتت اليام أن عماد الدين زنكي أقوى من الميع!!‬
‫إنه أقوى من كل سلطي هذه اليام‪ ،‬وكذلك أقوى من الليفة العباسي!! إنه ليس فقط‬
‫أقوى أخلقيّا أو عقائديّا‪ ،‬لكنه أقوى كذلك ماديّا وعسكريّا‪ ،‬وهو أقوى أيضًا ف َفهْمه وعقله‬
‫ورؤيته‪ .‬إنه الوحيد الذي جعل من قضية الصليبيي قضية حياته‪ ،‬والوحيد الذي حل على أكتافه‬
‫مهمة توحيد السلمي‪ ،‬والوحيد الذي كان يستشي الفقهاء والعلماء فيما يفعل وفيما يتار‪.‬‬
‫ث إنه أقوى كذلك ف حبّ الناس له؛ إنّ قلوب السلمي ف كل مكان تفو إليه‪ ،‬ويتناقل‬
‫الميع أخباره بشغفٍ وحب ولفة‪ ،‬ول يتلف عليه اثنان من عموم الشعوب‪ ،‬لكن مَن مِن الناس‬
‫يتعلق بأحد هؤلء السلطي؟! إن وجود طغرل ل يفرق كثيًا عن مسعود! وسلجوقشاه ل يتلف‬
‫كثيًا عن داود! ولو ظهرت شخصية رابعة أو خامسة أو عاشرة فلن يفرق هذا كثيًا مع الناس!‬
‫إن هذا هو الواقع القيقي‪ ،‬فلماذا ل يُصبِح عماد الدين زنكي هو القوة الول ف العال‬
‫السلمي‪ ،‬ويصبح قائمًا با يب أن يقوم به السلطان؟!‬
‫إنه سؤال جريء!‬
‫ولكنه سؤال واقعي!‬
‫إن الجابة الحزنة قد تكون‪ :‬إنه ليس سلجوقيّا! فكيف يقوم مقامه؟!‬
‫وهل ل بد للسلطان أن يكون سلجوقيّا؟!‬
‫وهل ل بد للخليفة أن يكون عباسيّا؟!‬
‫وهل ل بد للحكم أن يكون توارثيّا؟!‬

‫‪318‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إنا أسئلة جريئة‪ ،‬لكن الجابة عليها ستكشف لنا أخطاء كثية وقعت فيها المة ف كثي من‬
‫فترات حياتا‪.‬‬
‫إنن ل أمانع أن يتول البن بعد الب حكم البلد‪ ،‬إن كان البن كملكشاه الذي تول‬
‫الكم بعد أبيه ألب أرسلن‪.‬‬
‫إن هذا توارث غي ملّ بقواعد الشريعة‪ ،‬ول آداب الكم وأصوله‪.‬‬
‫إن الاكم السلم ل بد أن تتوافر فيه صفات كثية من العلم والقوة وحسن اللق وتوقي‬
‫الشريعة والكفاءة ف الدارة وحسن السياسة‪ ،‬وغي ذلك من صفات ل بد أن يتحلى با الاكم‪ ،‬فإن‬
‫توافرت هذه الصفات ف البن أو الخ فل مانع من أن يتول بعد أبيه أو أخيه‪ .‬أما أن يتول حكم‬
‫السلمي فقط لن مؤهلته هي القرابة من الاكم‪ ،‬فهذا ل يوز شرعًا ول عقلً!‬
‫لقد كانت فترة السلجقة فتر ًة مهمّة ف حياة المة السلمية‪ ،‬وذلك أيام طغرل بك مؤسّس‬
‫الدولة ث ألب أرسلن وملكشاه وغيهم من السلطي القوياء‪ ،‬لقد كانت فترة مهمة رفعوا فيها‬
‫راية السلم عالية‪ ،‬لكن إذا ضعف أمرهم فل بد أن يمل الراية آخرون‪ ،‬ول يُضحّى أبدًا بالمة ف‬
‫يقول‪( :‬وَِت ْلكَ اْلَأيّامُ ُندَاوُِلهَا بَيْنَ النّاسِ‪ .)1‬وكما ذهب ا ُللْك من يد أقوامٍ‬ ‫سبيل أشخاص‪ ،‬وال‬
‫إل السلجقة‪ ،‬فل بد أن يأت يوم ويذهب ا ُللْك من يد السلجقة إل غيهم‪.‬‬
‫ويبدو أن هذا "الغي" ف هذه اليام سيكون عماد الدين زنكي!‬
‫إن رصيد عماد الدين زنكي من الهاد والبة والواهب والكفاءة يرشّحه لذا النصب‬
‫الرفيع دون منافس حقيقي ف زمانه‪ ،‬وإل فمَن مِن الساء التصارعة يدانيه ف ملكاته؟ خاصةً أنم‬
‫جيعًا من صغار السن قليلي البة؛ فالسلطان مسعود ‪ -‬وهو أكبهم ‪ -‬ل يتجاوز ف سنة ‪528‬هـ‬
‫السادسة والعشرين من عمره‪ ،‬بينما يبلغ عماد الدين زنكي من العمر الن الادية والمسي من‬
‫العمر! إنه رجلٌ عركته التجارب‪ ،‬ودرّبته الطوب والحداث‪ ،‬وشهد القريب والبعيد بباعته‪،‬‬
‫وعرف الميع قوته‪ ،‬ولو ملك أمر السلمي فإنم جيعًا سيسعدون به‪ ،‬ويكونون طوع كلمته‪.‬‬
‫لكن ماذا يفعل عماد الدين زنكي الن؟!‬
‫هل يُعلِن الثورة وينفصل بإمارته عن الميع؟‬
‫أم يقف بقوته مع أحد الضعفاء فيصبح هذا الضعيف قويّا به؟‬
‫إن إعلنه الثورة قد يفتح نيان السلجقة أجعي؛ لنه ليس سلجوقيّا‪ ،‬وبذلك تدخل البلد‬
‫ف تِيهِ الصراعات‪.‬‬

‫‪( 1‬آل عمران‪.)140 :‬‬

‫‪319‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وكذلك وقوفه بوار أحد الضعفاء سيقوّي مركزه على حساب غيه‪ ،‬وسيصعد هذا‬
‫الضعيف على كرسيّ ل يناسبه‪ ،‬وإل مقام ل ينبغي أن يصل إليه‪ ،‬وف هذا خداع للناس‪ ،‬وخيانة‬
‫للمانة‪.‬‬
‫كما أن قضية الصليبيي ستُنسى تامًا ف خضم هذه العارك الداخلية القيتة!‬
‫ماذا يفعل عماد الدين زنكي؟!‬
‫إنه يريد أن يُغلِق هذا اللف تامًا ليتفرغ إل قضية الصليبييي‪ ،‬وليعيد البسمة إل شفاه‬
‫السلمي العذّبي‪ ،‬والجروحي ف كرامتهم‪ ،‬والطرودين من ديارهم وأرضهم‪.‬‬
‫فأين الطريق ف هذه التاهات الخيفة؟!‬
‫لقد فكّر عماد الدين زنكي كثيًا ث أخذ قراره!‬
‫لقد قرر أن يعيش قصته "وكأنه" منفصلٌ عن السلطنة واللفة‪ ،‬لكنه لن يُعلِن النفصال لكي‬
‫ل يثي الغضب‪ ،‬ويرّك الفت‪.‬‬
‫إنه سوف يضع هؤلء الضعفاء جيعًا خلف ظهره‪ ،‬حت لو استقر المر لحدهم‪ ،‬فهم‬
‫سيأخذونه إل الدنيا الت يريدونا إذا سار خلفهم‪ ،‬أما هو فسيقود المة إل عزّها ومدها‪ ،‬وقبل ذلك‬
‫وبعده إل رضاء ربّها‪.‬‬
‫إن ف عنقه أمانة ثقيلة‪ ،‬ول يريد أن يضيّع وقته ف جدال طويل‪ ،‬أو ف صراع عقيم‪.‬‬
‫إنه لن يُعلِن الن أنه الزعيم الول الذي يب أن يُتبع‪ ،‬وقد ل يعلن ذلك مطلقًا‪ ،‬ولكنه‬
‫سيعمل بعمل الرجل الول‪ ،‬وف نفس الوقت فهو سيتلطّف قدر ما يستطيع مع أشباه الزعماء الذين‬
‫يعاصرونه؛ ليتجنّب أذاهم‪ ،‬أو عرقلتهم لشروعه الكبي!‬
‫إنه سيجعل ساحة عمله ف النطقة الت حددها السلطان الراحل ممود ف منشوره لعماد‬
‫الدين زنكي‪ ،‬وهي مناطق الوصل والزيرة والشام‪ ،‬ولن يلتفت إل مناطق الصراعات السلجوقية‬
‫والعباسية‪ ،‬وهي مناطق بغداد ووسط العراق وفارس وغيها‪ ،‬وخاصةً أن َوحْدة الوصل والزيرة‬
‫والشام قادرة بإذن ال على فعل شيء ذي قيمة مع الصليبيي‪ ،‬ومن أدرانا؟! فلعل هذا الهد من عماد‬
‫الدين زنكي يستكمله غيه فيوسّع دوائر الوحدة‪ ،‬ويعزّ المة أكثر وأكثر‪ ،‬ولقد كان مُلْك طغرل بك‬
‫أو ألب أرسلن صغيًا جدّا بالقياس إل ُملْك البن ملكشاه‪ ،‬ولكن هكذا دومًا المور‪ ،‬تنمو‬
‫بتدرج!!‬
‫ث ف النهاية‪ ،‬إ ّن عماد الدين زنكي يعمل ل كما تدل على ذلك الشواهد الكثية الت‬
‫ذكرناها قبل ذلك‪ ،‬وهذا الذي يعمل ل لن يضيّعه ال ‪ ،‬ولو ل ير ثار عمله؛ فإن ال يفظ له‬
‫أجرها يوم القيامة‪ ،‬وهذا منتهى آمال الؤمني‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد كانت هذه هي الفكار الت جالت ف ذهن البطل عماد الدين زنكي‪ ،‬وهذه هي الرؤية‬
‫الت َبصُرها بعد َجهْدٍ عميق‪ ،‬وبعد فتنة استمرت حت الن ثلث سنوات‪ ،‬ول يعلم أحد إل ال مت‬
‫ستنتهي‪.‬‬
‫وعلى ذلك فقد بدأ عماد الدين زنكي ف سياسته الديدة فورًا‪ ،‬وهي سياسة تلطيف‬
‫العَلقات دون وعد صريح بالوقوف إل جانب طرف دون طرف‪.‬‬
‫وبدأ عماد الدين زنكي بالليفة السترشد بال‪ ،‬خاصةً أنه كان هناك صدام مع هذا الليفة‬
‫منذ سنتي يوم أ ْن كان عماد الدين زنكي مناصرًا للملك مسعود؛ وأرسل عماد الدين زنكي الدايا‬
‫للخليفة‪ ،‬بل وأرسل ابنه الكب سيف الدين غازي ليؤكّد طاعته للخليفة وولءَه له وتقديره لكانته‪،‬‬
‫فاطمأنت بذلك نفس الليفة‪ ،‬وتبادل مع عماد الدين زنكي الدايا‪.1‬‬
‫وف مطلع سنة ‪529‬هـ‪ ،‬وبينما عماد الدين زنكي رحه ال يرتّب أوراقه ليى كيفية‬
‫التعامل مع الوضع الديد للسلطي؛ حيث كان طغرل على كرس ّي السلطنة منذ عدة أشهر‪ ،‬وصل‬
‫نبأ عجيب! لقد تُوفّي طغرل فجأةً ف الحرم من هذه السنة وهو ف السادسة والعشرين من عمره!‬
‫وهكذا ترّك اللك مسعود بسرعة‪ ،‬وجع العوان‪ ،‬واعتلى كرسي السلطنة‪!2‬‬
‫لقد خل الو لسعود ليكون السلطان الديد‪ ،‬خاصةً أن داود بن ممود قد ضعفت قوته‬
‫جدّا بعد قتل أتابكه (مربّيه) آقسنقر الحديلي‪ ،‬ويقال أ ّن الذي قتله هو مسعود عن طريق الباطنيّة‪.‬‬
‫كما أن السلطان سنجر قد شعر بعدم إمكانية الوض ف صراع فارس والعراق بعد موت مرشّحه‬
‫للسلطنة اللك طغرل‪ ،‬أما سلجوقشاه فكانت قوّته أضعف من الميع‪ .‬وهكذا وصل السلطان مسعود‬
‫إل الكم ل لكونه مستحقّا‪ ،‬ولكن للوّ الساحة من الخرين‪ ،‬وكان من الواضح أن الدولة‬
‫السلجوقيّة ف نزعها الخي!‬
‫ف نفس هذا الوقت وصلت إل عماد الدين زنكي استغاثة عجيبة من دمشق! لقد أرسل‬
‫زعيمها الفاسد شس اللوك إساعيل بن بوري استغاثة إل عماد الدين زنكي يطلب منه أن يأت‬
‫ويتسلّم مدينة دمشق! وأصل الكاية أن شس اللوك إساعيل أظهر من الفساد ما ل يُتوقع‪ ،‬حت إنّه‬
‫قتل أخاه سونج بالوع! حيث حبسه ف بيتٍ وتركه عدّة أيام حت مات من الوع‪ .‬ث إنه بدأ‬
‫يُصادر أموال الناس‪ ،‬وينهب أملكهم‪ ،‬حت إنه ل يكن يتردد عن نب القي من الشياء‪ ،‬وكان ل‬
‫يتنع عن سرقة أموال الفقراء‪ ،‬فض ّج الناس كلهم أجعون‪ ،‬واعترض عليه بعض العوان فقتلهم‪ ،‬ث‬
‫أظهر عدم التردّد ف قتل كل معارض؛ ما أحدث اضطرابًا عنيفًا ف دمشق‪ ،‬وحت وصل المر إل أن‬
‫شس اللوك إساعيل صار ياف على نفسه تامًا‪ ،‬وتوقع انتقامًا قريبًا من الناس‪ ،‬وبدأ يشى حت من‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.48،47‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/278‬‬

‫‪321‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أش ّد مقربيه‪ ،‬وشعر أنه سيُقتل بي لظة وأخرى؛ وهذا دفعه إل الستغاثة بعماد الدين زنكي الرجل‬
‫الول ف العال السلمي آنذاك‪ ،‬وعرض عليه أن يتسلم الدينة ف نظي حايته‪ ،‬بل إنه هدّد من شدة‬
‫خوفه أنه إن ل يأت مسرعًا فإنه سوف يسلّم الدينة إل الصليبيي‪!1‬‬
‫وجد عماد الدين زنكي أن هذه فرصة ثينة لض ّم دمشق إل ملكته‪ ،‬وتوجه فورًا من الوصل‬
‫إل مدينة دمشق‪ ،‬غي أنه ف طريقه إليها وجد فرصة سانة لضم مدينة الرّقّة إل كيانه الوحّد‪ .‬ومدينة‬
‫ل ف ضم‬ ‫الرقة هي مدينة من مدن إقليم الزيرة‪ ،‬وهي قريبة من حرّان‪ ،‬وتقع شرق الفرات‪ ،‬وأفلح فع ً‬
‫الدينة‪ ،2‬ولكن هذا عطّله قليلً‪ ،‬فوصل إل دمشق متأخرًا نسبيّا‪ ،‬فوجد أن شس اللوك إساعيل قد‬
‫قُتل‪ ،‬وقد جاءته مؤامرة القتل من حيث ل يتسب! حيث إن الذي دبّرت ماولة قتله هي‪ :‬أمّه!!‬
‫وهذا من أعجب المور ف التاريخ حيث تسعى أمّ إل التآمر لقتل ابنها اللك؛ وذلك لنه من شدة‬
‫فساده كان يدبّر لقتل أمّه‪ ،‬فسارعت هي بقتله! فلما قُتِل شس اللوك تول من بعده أخوه شهاب‬
‫الدين ممود بن بوري‪ ،‬واتفق أهل دمشق على طاعته‪.3‬‬
‫حاصر عماد الدين زنكي دمشق ماو ًل ضمها‪ ،‬لكنها استعصت عليه‪ ،‬وأصرت على عدم‬
‫النضمام ل َوحْدة السلمي‪ ،‬وتصن أهلها ف الصون الختلفة‪ ،‬وتول الدفاع عن دمشق شخصية‬
‫عسكرية خطية سيكون لا شأن ف تاريخ دمشق‪ ،‬وهو معي الدين َأنُر‪ ،‬وهو من ماليك طغتكي‬
‫ل عسكريّا فذّا‪ ،‬غي أنه كان نفعيّا إل أكب درجة‪،‬‬ ‫أمي دمشق الراحل‪ ،4‬وكان معي الدين أنر رج ً‬
‫ول يكن يانع من استخدام أي وسيلة لتثبيت قدمه ف منصبه‪ ،‬وسوف يصل المر معه إل التعاون‬
‫الباشر مع الصليبيي‪.‬‬
‫ف هذه الثناء حدثت تطورات ساخنة ف العراق حيث راودت الليفة السترشد بال‬
‫الحلم ف الستقلل عن الدولة السلجوقية‪ ،‬خاصةً بعد أن أغراه اللك داود بن ممود بالتاد معه‬
‫لرب عمّه السلطان مسعود؛ فجهّز الليفة جيوشه وبدأ يستعد لرب مباشرة مع السلطان الديد‬
‫مسعود‪!5‬‬
‫وعلى الساحة الشاميّة وجد عماد الدين زنكي أن فرصة إسقاط دمشق ضعيفة جدّا‪ ،‬وأنه ف‬
‫ظل الوضاع التقلبة الت تعان منها المة السلمية لن يستطيع أن يكث طويلً أمام أسوار دمشق‪.‬‬
‫ث إنه وجد أن حاة الن قد خلت من الاميات القوية نظرًا لسحب معظم الطاقة العسكرية الت‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/278،279‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/257‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/279‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.257،256‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/280،279‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.391‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/282،281‬‬

‫‪322‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كانت با إل دمشق لواجهة الوضاع الديدة هناك‪ ،‬وكان قد مرّ بنا أن شس اللوك إساعيل ضم‬
‫حاة إل دمشق ف أثناء الصراعات الدائرة ف العراق‪ ،‬وذلك منذ ثلث سنوات؛ ومن هنا فإن عماد‬
‫الدين زنكي استغل الفرصة‪ ،‬وترك دمشق الصينة‪ ،‬وتوجه إل مدينة حاة‪ ،‬واستطاع أن يعيد‬
‫امتلكها‪ ،1‬وتوجه منها إل حص‪ ،‬وحاصرها كذلك‪ ،‬إل أن حص الصينة قاومت بقيادة قريش بن‬
‫خيخان‪ ،‬وبالتال تعذّر عليه ضم هذه الدينة الهمّة‪ ،‬فعاد منها إل حلب‪.2‬‬
‫ف غضون هذه الحداث وصلت الخبار بالصدام الؤسف بي الليفة السترشد بال‬
‫والسلطان مسعود ف العاشر من رمضان سنة (‪529‬هـ) يونيو ‪1135‬م‪ ،‬وكان النصر حليفًا‬
‫للسلطان مسعود‪ ،‬وت أسر الليفة السترشد بال‪ ،‬ول يُقتل ف هذه العركة أي إنسان! وت التحفّظ‬
‫على الليفة ف هذان‪ ،‬وهي القر الرئيسي للسلطان مسعود‪.‬‬
‫كانت نتيجة مؤسفة جدّا للخليفة العباسي‪ ،‬واضطر الليفة إل قبول الصلح الذل مع‬
‫السلطان مسعود؛ إذ كان الصلح يقضي بأن يدفع الليفة مبلغ أربعمائة ألف دينار للسلطان مسعود‪،‬‬
‫وأن ل يعود لتجميع العساكر أبدًا‪ ،‬وأن ل يرج من داره‪ ،‬فضلً عن إقرار السلطان مسعود ف‬
‫كرسيّ السلطنة!‬
‫َقبِل الليفة الوضع الديد‪ ،‬وبينما هو يتأهب للرحيل والعودة إل بغداد حدث أمرٌ أشد أسفًا‬
‫من كل ما سبق؛ إذ دخل عليه أربعة وعشرون رجلً من الباطنيّة ف خيمته وقطّعوه إربًا!! وكان ذلك‬
‫ف السابع عشر من ذي القعدة من سنة ‪529‬هـ‪.3‬‬
‫ض على قتل الليفة؛ لنه ل يكن يأمن له‬‫ترامت النباء أن السلطان مسعود هو الذي ح ّ‬
‫حت بعد إقراره ببنود الصلح القاسية‪ ،‬ومع ذلك فقد بويع لبنه أب جعفر النصور اللقّب بالراشد‬
‫بال‪ ،4‬لكن كان من الواضح أن النطقة أصبحت على ِمرْجَلٍ يغلي بعنفٍ‪ ،‬خاصةً أن السلطان مسعود‬
‫ل يكتف بذلك‪ ،‬بل توجّه لرب ابن أخيه داود بن ممود‪ ،‬الذي كان قد تالف مع السترشد بال‬
‫ضدّه‪!5‬‬
‫كان عماد الدين زنكي ف أثناء هذه الكوارث مشغولً با هو أهم وأعظم‪ ،‬فقد توجه إل‬
‫حلب وذلك بعد ضم حاة‪ ،‬وفشله ف ضم حص‪ ،‬وهناك بدأ يطّط للهجوم على أنطاكية مستغلّ‬
‫حالة الضطراب العسكري هناك‪ ،‬خاص ًة وهو يعلم أنا الن تت الكم الباشر للمية التهورة‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.1/258،275‬‬


‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.398،397‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.283-9/281‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/283‬وابن الوزي‪ :‬النتظم ‪.10/55‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/288‬‬

‫‪323‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أليس! ولكي يضمن عماد الدين زنكي رحه ال أن ل تصل ندة إل إمارة أنطاكية من إمارة الرها‬
‫القريبة‪ ،‬أرسل أمي حلب سوار ليهاجم مدن تلّ باشر وعَيْنتاب وعَزاز‪ ،‬وبذلك قطع طرق التصال‬
‫بي الرها وأنطاكية‪ ،‬وشعل جيوش الرها بنفسها‪ ،‬فل تصبح لا فرصة ف التوجّه إل أنطاكية‪.‬‬
‫بعد هذا التخطيط بدأ عماد الدين زنكي رحه ال ف مهاجة الصون والقلع الواقعة ف‬
‫أطراف إمارة أنطاكية‪ ،‬وكذلك الدن السلمية الحتلة ف هذه النطقة‪ ،‬وبعد عدة معارك متتالية‬
‫استطاع بطلنا أن يرر كفرطاب ومعرّة النعمان وزردنا‪ ،‬فكانت هذه النتصارات بنلة البَلْسم على‬
‫الروح السلميّة الكثية ف هذه الفترة‪!1‬‬
‫أثارت هذه النتصارات التكررة انتباه الميع‪ ،‬سواء من الصليبيي أو من السلمي!‬
‫فعلى الصعيد الصليب ألقت هذه النتصارات الرعب ف قلب أليس أمية أنطاكية‪ ،‬فلجأت‬
‫إل رعونة جديدة! فلقد أرسلت المية أليس إل إمباطور الدولة البيزنطية تعرض عليه زواج ابنتها‬
‫كونستانس من ابن المباطور يوحنا ألكسيوس كومني‪ ،2‬وبالتال الشراف الباشر من الدولة‬
‫البيزنطية الرثوذكسية على أنطاكية الكاثوليكية!‬
‫وكانت خطوة هزت الصليبيي من العماق‪ ،‬فهم ياولون دفع الدولة البيزنطية عن أنطاكية‬
‫منذ ما يقرب من أربعي سنة‪ ،‬ث ف لظة واحدة ستُضيّع هذه المية الطائشة كل جهود الصليبيي!‬
‫ل إل أن يزوّج‬‫ثار الصليبيون ف أنطاكية بشدة‪ ،‬وتراسلوا مع اللك فولك النوي الذي ل يد ح ّ‬
‫المية الصغية كونستانس ‪ -‬الت ل تبلغ العاشرة بعدُ ‪ -‬من شخصية موالية له‪ ،‬وتصلح أن تقود‬
‫إمارة أنطاكية‪ ،‬ووقع اختياره على المي ريوند بواتييه‪ ،3‬وهو أحد أبناء المي وليم التاسع دوق‬
‫أكويتانيا‪ ،‬وكان أميًا فرنسيّا يعيش ف بلط هنري الول ملك إنلترا ف ذلك الوقت‪ ،‬فاستدعاه على‬
‫عجل‪ ،‬وجاء المي ريوند بواتييه‪ ،‬وتزوج من كونستانس‪ ،‬وصار بذلك أميًا لأنطاكية‪ ،‬وكان هذا‬
‫المي من القوة بيث أعاد من جديد تنظيم الوضاع داخل أنطاكية‪ ،‬وبالتال عُزلت المية التمردة‬
‫أليس عن الحداث‪ ،‬فآثرت أن تذهب إل اللذقية‪ ،‬حيث ماتت هناك بعد قليل‪!4‬‬
‫كان هذا على الصعيد الصليب‪.‬‬
‫أما على الصعيد السلمي فإنّ انتصارات عماد الدين زنكي أثارت ردود فعل متباينة ف‬
‫العال السلم‪ ،‬فبينما تلقّت الشعوب السلمية‪ ،‬وكذلك العلماء والفقهاء والصالون من أبناء المة‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/261،260‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, pp. 98-90‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guillaume: de Tyr 1, p. 618.‬‬
‫‪ 4‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/434‬‬

‫‪324‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫هذه الخبار بالفرح والسرور‪ ،5‬وازدياد المل ف الروج من الزمة‪ ،‬إذا بآخرين يتلقون هذه النباء‬
‫بقلق بالغ وعصبية زائدة!‬
‫لقد شعر السلطان مسعود بالقلق الشديد من انتصارات البطل عماد الدين زنكي‪ ،‬وتنامى‬
‫عنده القلق من أكثر من وجه‪:‬‬
‫أولً‪ :‬كان عماد الدين زنكي على علقة طيبة بالليفة السترشد ف أيامه الخية‪ ،‬وقد يثور‬
‫لادث قتله‪ ،‬خاصةً أن عموم الناس يتناقلون أن السلطان مسعود هو الذي دفع الباطنية لقتل الليفة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬هذه النتصارات التتالية رفعت عماد الدين زنكي جدّا ف عيون السلمي فصار أثقل‬
‫من كل السلطي‪ ،‬ول يستبعد أبدًا أن يستقل عماد الدين زنكي بكل الناطق الت يكمها‪ ،‬وقد‬
‫استقل غيه قبل ذلك بدنم مع أنم أضعف منه جدّا؛ فهذه دمشق يكمها أولد طغتكي‪ ،‬وهذه‬
‫حص يكمها أولد خيخان‪ ،‬وهذه شيزر يكمها أولد منقذ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الشروع التوحيدي الذي يقوم به عماد الدين زنكي واضح للجميع‪ ،‬فهو قد نح ف‬
‫ضم الوصل إل حلب إل حاة‪ ،‬فضلً عن عدد كبي من مدن الزيرة‪ ،‬وأقام علقات قوية مع‬
‫الكراد‪ ،‬وكذلك مع حسام الدين ترتاش بن إيلغازي‪ ،‬وهو زعيم الراتقة‪ ،‬ول يستبعد أن يستمر‬
‫عماد الدين زنكي ف مشروعه التوحيدي هذا على حساب بقيّة الدن السلمية‪ ،‬وقد يصل المر إل‬
‫التوجّه إل بغداد ذاتا‪ ،‬أو إل أرض فارس حيث معاقل السلجقة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أعداء السلطان مسعود ُكثُر‪ ،‬وعلى رأسهم ابن أخيه داود بن ممود وأخوه‬
‫سلجوقشاه‪ ،‬وكذلك عمه السلطان سنجر‪ ،‬فماذا يدث لو تالف أحد هؤلء مع عماد الدين زنكي‬
‫ضد السلطان مسعود؟!‬
‫هذه السباب متمعة جعلت السلطان مسعود يفكر ف فعل خبيث غي متوقع من رجل‬
‫يُوصف بسن الُلُق‪ ،‬وهو أخذ القرار الث بقتل عماد الدين زنكي!!!‬
‫إنه لن يكتفي بعزله‪ ،‬حيث سيظل موجودًا على الساحة كأقوى منافس له‪ ،‬ولكنه سيستريح‬
‫منه نائيّا بقتله‪ ،‬غي عابئٍ بأحلم السلمي‪ ،‬ول جهاد الصليبيي‪ ،‬ول توحيد المة السلمية!‬
‫إنا النظرة النانية البحتة الت نرى الكون كله يدور حول مركز السلطان‪ ،‬وبالتال فهو يريد‬
‫تسخي كل الحداث لدمته هو شخصيّا‪ ،‬مهما كانت النتائج‪.‬‬
‫ومع هذا التدبي البيث إل أن ال كان رحيمًا بعباده؛ لقد جعل ال ناة عماد الدين‬
‫زنكي ف رجل عجيب ما توقّع أحدٌ أن يأت خي من ورائه!‬
‫إنه دُبَيْس بن صَدَقة!‬

‫‪ 5‬يعلق ابن الثي فيقول‪ :‬وفرح السلمون بذلك فرحًا عظيمًا انظر‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/291‬‬

‫‪325‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إنه هذا الزعيم الشيعي الفاسد الذي استنقذه عماد الدين زنكي قبل ذلك بعدة سنوات من‬
‫أسر بوري بن طغتكي له‪ ،‬وعامله بالسن‪ ،‬وقرّبه وأكرمه‪ ،‬فحفظ الميل لعماد الدين زنكي! لقد‬
‫كان هذا الرجل ف بلط السلطان مسعود حيث كان منضمّا إليه ف حرب الليفة؛ لننا نعرف مدى‬
‫الصراع الذي كان بي دبيس والليفة السترشد بال‪ .‬ث إنه اطّلع على هذه النية الفاسدة من السلطان‬
‫مسعود‪ ،‬وعرف أن تدبي جرية القتل سيكون عن طريق استدعاء عماد الدين زنكي إل بلط‬
‫السلطان ف هذان‪ ،‬ث اغتياله على حي ِغرّة؛ فأسرع بإرسال رسالة عاجلة إل عماد الدين زنكي‬
‫يبه بالؤامرة‪ ،‬ويذّره من القدوم على بلط السلطان!‬
‫وسبحان ال! فقد علم السلطان مسعود أن دبيس بن صدقة هو الذي كشف مؤامرته‪،‬‬
‫وضيّع فرصة اغتيال عماد الدين زنكي رحه ال‪ ،‬فقام بقتل دبيس بن صدقة على الفور! وهنا قال‬
‫عماد الدين زنكي كلمته الشهورة‪" :‬فديناه بالال‪ ،‬ففدانا بالروح!"‪.1‬‬
‫لقد كانت هذه إرادة ال أن يفظ حياة عماد الدين زنكي عدة سنوات أخرى؛ لنه‬
‫سبحانه كان يدّخره لعمال أخرى جليلة‪.‬‬
‫ومع حدوث مثل هذا الوقف القزز‪ ،‬وتعرض عماد الدين زنكي وهو ف أوج نشاطه ف‬
‫جهاد الصليبيي لطعنة ف ظهره إل أنه ظل مهتمّا بشروعه الهادي‪ ،‬ول ُي ِردْ لنفسه أن تغوص قدمه‬
‫ف الصراعات الدنيوية الت يشعلها السلطي بينهم وبي بعضهم البعض‪ ،‬ومع ذلك فتعرضه هو‬
‫شخصيّا إل ماولة اغتيال سيدفعه دفعًا على عدم إهال الحداث‪ ،‬وإل ماولة دفع الضرر دون‬
‫النغماس ف مشاكلهم الركّبة!‬
‫إن الوضع ف العراق الن ملتهب جدّا؛ لقد بويع للراشد بال ابن السترشد بال شريطة ألّ‬
‫يُجهّز اليوش‪ ،‬وألّ يارب السلطان مسعود‪ ،‬ولكن كان من الصعب على الليفة الديد أن يتجاهل‬
‫قول الميع بأن الذي دفع الباطنية لقتل أبيه هو السلطان مسعود‪ ،‬إضافةً إل اجتماع كثي من المراء‬
‫الذي خشوا من عنف السلطان مسعود على ترك مسعود والتوجّه للخليفة الراشد بال‪ ،‬وكذلك فعل‬
‫اللوك داود بن ممود الذي يبحث عن سلطنته الضائعة!! لقد قرر هؤلء جيعًا أن يقاتلوا السلطان‬
‫مسعود من جديد‪ ،‬وعليه فقد تمعت قوتم ف بغداد بينما كان السلطان مسعود ف هذان‪!2‬‬
‫قرأ عماد الدين زنكي هذه الحداث‪ ،‬فقرر أن يكون قريبًا دون أن يغرق ف مستنقع‬
‫الصراع‪ ،‬وعليه فقد اقترب إل الوصل ليكون على أهبة الستعداد إذا جدّ جديد‪ ،‬بينما أعلن بوضوح‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/250‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/289،288‬‬

‫‪326‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أنه ف صفّ الراشد بال‪ ،1‬ول يكن يستطيع أحد أن ينكر هذا الولء الديد للخليفة بعد معرفة‬
‫مؤامرة السلطان مسعود لقتل البطل عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫دارت العارك ف بغداد بي جيش الليفة الراشد بال وأعوانه من المراء وكذلك داود بن‬
‫ممود‪ ،‬وبي السلطان مسعود‪ ،‬وكانت الغلبة ف هذه العارك للسلطان مسعود الذي دخل بغداد‬
‫عنوة‪ ،‬واضطر الليفة الراشد بال أن يهرب ف اتاه الشمال حيث استقبله عماد الدين زنكي ف‬
‫الوصل ترقبًا لا يدث ف بغداد‪.2‬‬
‫اجتمع السلطان مسعود مع أعيان العباسيي ف بغداد‪ ،‬وكان يريد أن يلع الليفة الراشد‬
‫بال؛ لنه خالف التفاق العقود بينهما على عدم قتال السلطان‪ ،‬وأن يضع خليفة غيه يتمع عليه‬
‫الناس‪ ،‬وف ذات الوقت يطيع السلطان مسعود‪ ،‬ومن ثَمّ ل يتجدد الصراع‪ .‬وقد وقع اختيار العباسيي‬
‫‪ -‬وأقرهم السلطان مسعود ‪ -‬على رجل فاضل مبوب له سية حسنة‪ ،‬ويب العدل‪ ،‬ومن ثَمّ تدأ‬
‫المور ف البلد‪ ،‬وكان هذا الرجل هو أبو عبد ال ممد بن الستظهر بال‪ ،‬وهو أخو الليفة القتول‬
‫السترشد بال‪ ،‬وعمّ الليفة الخلوع الراشد بال‪ ،‬وقد ُلقّب بعد خلفته بلقب "القتفي لمر ال"‪،‬‬
‫واستقر له المر بعد ذلك أكثر من أربعٍ وعشرين سنة‪ ،‬ومن ثَمّ هدأت أمور بغداد كثيًا‪ ،‬وكان هذا‬
‫المر ف أواخر سنة ‪530‬هـ (ذي الجة ‪530‬هـ\ سبتمب ‪1136‬م)‪.3‬‬
‫أما البطل عماد الدين زنكي‪ ،‬فإنه ل يعل هذه الحداث الساخنة تلهيه عن أهدافه الكبى؛‬
‫ولذلك فعلى الرغم من انتصار مسعود وتكّنه من السلطنة إل أن عماد الدين زنكي ل يُشغِل نفسه ل‬
‫كثيًا ول قليلً بالنتقام لنفسه من مسعود الذي كان يدبر قتله‪ ،‬مع أن قوته العسكرية ومكانته ف‬
‫قلوب الناس كانت تكنه من النتقام من السلطان مسعود‪ ،‬إل أنه ل يكن يريد أن يتشتت ف معارك‬
‫جانبية‪ ،‬وكان يريد أل ينسى دومًا القضيتي العظيمتي ف حياته‪ ،‬وها‪ :‬وحدة السلمي‪ ،‬وجهاد‬
‫الصليبيي‪.‬‬
‫وعلى هذا فقد عمل عماد الدين زنكي ف هذه الفترة‪ ،‬ف أواخر ‪530‬هـ وأوائل‬
‫‪531‬هـ ف أربعة ماور رئيسية وهي‪:‬‬
‫الحور الول‪ :‬إقامة علقات طيبة مع الليفة القتفي بال؛ لضمان عدم حدوث قلقل مع‬
‫الكيان العباسي‪ ،‬وإن ل يكن بالقوة الخوّفة‪ ،‬لكن كان من الواضح من سي الحداث أن السلمي ما‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/289،288‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/291،292‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/293،292‬وابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/66،65‬‬

‫‪327‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫زالوا يهتمون برأي الليفة وتزكيته حت مع ضعفه‪ ،‬إضافةً إل ما اشتهر به الليفة الديد من حُسْن‬
‫السية والعدل وحبّ الناس له‪.1‬‬
‫الحور الثان‪ :‬توسيع المارة الزنكية ف اتاه الزيرة بالتعاون مع حسام الدين ترتاش‪ ،‬وقد‬
‫قام الليفان عماد الدين زنكي وحسام الدين ترتاش بالجوم الشترك على جبل جور ومنطقة‬
‫السيوان‪ ،‬وهذه مناطق تقع ف شال ديار بكر‪ ،‬ما يعن التوسع الكبي ف أراضي الزيرة‪ ،‬وهذا دفع‬
‫القاومي لذا الشروع التوحيدي أن يهدءوا كثيًا‪ ،‬ومن ثَ ّم استقرت الوضاع جدّا ف مناطق‬
‫الزيرة‪ ،‬وهذا أعطى فرصة لعماد الدين زنكي للتفرغ للصليبيي‪.2‬‬
‫الحور الثالث‪ :‬هو مدينة حص‪ ،‬الت تثّل عقبة ف طريق دمشق‪ ،‬وكذلك تثل نقطة ضعف‬
‫ف ظهر عماد الدين زنكي إذا أراد الجوم على أنطاكية أو طرابلس‪ ،‬ومن ثَمّ كرر عماد الدين زنكي‬
‫ماولته ف حصار الدينة‪ ،‬ولكنه ل ينجح ف فتحها‪ ،‬إل أن هذه الحاولت هزّت صاحبها قريش بن‬
‫خيخان فاضطر إل تسليم الدينة لشهاب الدين ممود صاحب دمشق؛ ليساعده ف الدفاع عنها ضد‬
‫عماد الدين زنكي‪ ،‬وعندها وضع شهاب الدين عليها أقوى أمرائه وأصلبهم معي الدين َأنُر‪.3‬‬
‫الحور الرابع‪ :‬وهو أهم الحاور‪ ،‬وهو مور الصليبيي‪ ،‬وقد حرص عماد الدين زنكي على‬
‫أل يتركهم يأخذون فرصة لعادة تنظيم صفوفهم‪ ،‬فكان دائم الباغتة لم‪ ،‬ومن ذلك ما فعلوه ف‬
‫منطقة اللذقية من نصر عظيم على القوات الصليبية وتدمي كبي لصونم هناك‪ ،‬وقتل عدد كبي من‬
‫جنودهم‪ ،‬وكذلك أسر أكثر من سبعة آلف صليب دفعة واحدة‪ ،‬مع أخذ ما ل يقدر من الغنائم‪،‬‬
‫ويكفي أن الدواب الغنومة كانت أكثر من مائة ألف رأس من اليول والبغال والمي والبقر والغنم!‬
‫هذا سوى القمشة والليّ والبضائع ما يرج ‪ -‬كما يقول ابن الثي ‪ -‬عن الد!‬
‫لقد كان نصرًا عظيمًا حقّا أعاد للمسلمي الكثي من الثقة‪ ،‬وكان ذلك ف شهر شعبان سنة‬
‫‪530‬هـ‪.4‬‬
‫ومع كون عماد الدين زنكي مشغولً ف هذه الحاور متمعة إل أنه حرص على تأمي ظهره‬
‫تسّبًا من أي غدر من ناحية السلطان مسعود‪ ،‬وهذا دفعه إل ضم مدينة دقوقا‪ ،‬وهي مدينة تقع بي‬
‫مدينت إربل وبغداد‪ ،‬أي أنا تقع ف جنوب شرق الوصل‪ ،‬وبذلك تصبح مدينة تفصل بينه وبي‬

‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪ ،443‬وابن الصلح‪ :‬مفرج الكروب ‪.71-1/67‬‬
‫‪ 2‬عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي ص ‪.119‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/298‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/291‬‬

‫‪328‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أملك السلطان مسعود‪ ،‬ليكتشف تركاته قبل أن يباغت ف الوصل‪ ،‬وكان ضم هذه الدينة ف أوائل‬
‫سنة ‪531‬هـ‪.1‬‬
‫ث إن ال مهّد لعماد الدين زنكي بإضعاف قوة الصليبيي عن طريق حلة قام با أحد‬
‫زعماء جيش دمشق واسه بزواش‪ ،‬حيث أراد أن يقوم بشيء مثل الذي يقوم به عماد الدين زنكي‪،‬‬
‫مع أن الدمشقيي كانوا ل يانعون إذا اقتضت الاجة أن يتعاونوا مع الصليبيي! وسنرى قريبًا مثالً‬
‫لذا التعاون‪ ،‬لكن الذي حدث أن هذا القائد أخذ فرقة من جيشه‪ ،‬وساعده كثيٌ من التركمان من‬
‫النطقة ومن ديار بكر‪ ،‬وقاوموا بإغارة سريعة على إمارة طرابلس‪ ،‬فخرج لم بونز بن برترام أمي‬
‫طرابلس‪ ،‬ودار قتال كبي حقق فيه السلمون نصرًا كبيًا بوار قلعة الصنجيل الت أسّسها ريون الرابع‬
‫جَ ّد بونز‪ ،‬وحدثت مفاجأة ف هذا القتال إذ قُتِل بونز بن برترام أمي طرابلس! كما أسر عدد كبي من‬
‫جنوده‪ ،‬هذا فضلً عن الغنائم الوفية‪.2‬‬
‫لقد سرت روح الهاد الت نفثها عماد الدين زنكي ف المة حت ترك جيش ل يعقد أبدًا‬
‫على الهاد ف هذه الفترة ليحقق هذا الناز الكبي‪ ،‬ويُضعِف بذلك من قوة إمارة طرابلس جدّا‪ ،‬بل‬
‫ومن قوة الصليبيي جيعًا‪.‬‬
‫وقد تول حكم إمارة طرابلس بعد قتل أميها ابنه ريون الثان‪ ،‬ليبدأ حكمه بأزمة عسكرية‬
‫وسياسية كبية‪ .‬قد تت هذه العركة ف رجب من سنة ‪531‬هـ\ مارس ‪1137‬م‪.‬‬
‫ولقد كانت هذه العركة السابقة عجيبة ف تاريخ الصراع السلمي‪ -‬الصليب؛ وذلك لن‬
‫قواد دمشق ف ذلك الوقت يقتربون من الصليبيي‪ ،‬بل ويتراسلون معهم للدفاع الشترك ضد عماد‬
‫الدين زنكي! ما يوحي أن هذه العركة كانت ماولة فردية من أحد الفرق العسكرية الدمشقية قوّاها‬
‫وجود عدد كبي من التطوعي التركمان ما أحدث هذا الثر الكبي‪ .‬لكن للسف مع حدوث هذا‬
‫النصر الكبي‪ ،‬وهذه النتائج الؤثرة إل أن علقة التعاون بي دمشق والصليبيي ل تنقطع حت بعد هذه‬
‫العركة! ما يؤكد على أن هذا الصدام ل يكن يثّل توجهًا عسكريّا للحكومة الدمشقية ف هذا‬
‫الوقت‪.‬‬
‫ويؤكد على ذلك ما حدث ف الشهر التال مباشرة‪ ،‬أي ف شهر شعبان سنة ‪531‬هـ‬
‫عندما َحصَر عماد الدين زنكي مدينة حص‪ ،‬فقاومه بشدة أميها معي الدين أَنُر‪ ،‬ولا شعر بأن‬
‫مقاومته قد تنهار أسرع بالستنجاد بأمراء الصليبيي‪ ،‬فجاءت ندة صليبية على رأسها ملك بيت‬
‫القدس نفسه فولك النوي‪ ،‬بل وكان فيها أيضًا ريون الثان الذي قُتل أبوه منذ أيام على أيدي‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/300‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/298‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 640.‬‬

‫‪329‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الدمشقيي‪ !1‬وهكذا واجهت القوات المصية الدمشقية الصليبية الشتركة جيوش عماد الدين زنكي‬
‫ما أجبه على رفع الصار عن حص‪ ،‬لكنّ هذا الوقف أعطاه ‪ -‬وأعطى السلمي جيعًا ‪ -‬رؤية‬
‫واضحة عن طبيعة معي الدين أنر وشهاب الدين ممود‪ .‬وهذه الواقف ‪ -‬على بشاعتها ‪ -‬تكشف‬
‫الوراق‪ ،‬وتوضّح البايا‪ .‬وليس من شكّ أن الزعيم السلم الذي تؤيده قوى الحتلل هو زعيم‬
‫عميل ل إخلص عنده للقضية‪ ،‬ول يعمل إل لنفسه‪ ،‬وليس من أمل فيه لنصر السلمي‪.‬‬
‫غي أن عماد الدين زنكي وجد قدوم الصليبيي إل هذه النطقة التقدمة ف الشام فرصة‬
‫لقتالم‪ ،‬خاصةً أن جيش طرابلس القريب قد تعرض لزية قريبة‪ ،‬وقتل زعيمه البي بونز بن برترام‪،‬‬
‫كما أن فولك يأت من أماكن بعيدة‪ ،‬وقد يكون من الصعب عليه أن ينسحب إل مكان آمن؛ ولذا‬
‫قرر عماد الدين زنكي أن يستدرج اليوش الصليبية للحرب بعيدًا عن أسوار حص‪ ،‬وف نفس الوقت‬
‫فإنه كان يريد أن يضغط على الصليبيي ليختاروا طريق الرب معه‪ ،‬ول يفكروا بتجنّب القتال‬
‫والعودة لماراتم‪ ،‬فماذا يفعل؟!‬
‫لقد قرر عماد الدين زنكي أن يهاجم َمعْلمًا مهمّا من معال الصليبيي الهمة‪ ،‬والذي‬
‫سيضطرون اضطرارًا إل الدفاع عنه‪ ،‬ومن ثَمّ قتال عماد الدين زنكي‪ .‬وكان هذا ا َلعْلم هو حصن‬
‫بعرين (بارين) الضخم على النحدرات الشرقية لتلل النصيية‪ ،‬والذي يرس النفذ الؤدّي إل منطقة‬
‫البقيعة‪.2‬‬
‫إن هذا الصن له أهية بالغة حيث إن الذي سيسيطر عليه سيشرف تامًا على حوض نر‬
‫العاصي‪ ،‬وبذلك سيمنع التصالت بي إمارة أنطاكية ف الشمال‪ ،‬وإمارة طرابلس وملكة بيت‬
‫القدس ف النوب‪ ،‬كما أنه يشرف إشرافًا مباشرًا على حص وحاة‪.‬‬
‫ل اليوش الصليبية لماية حصن بارين الهم‪ ،‬الذي كان ملوكًا ف هذا‬ ‫وهكذا اقتربت فع ً‬
‫الوقت للصليبيي‪ ،‬وبه عدد كبي من النود الصليبيي‪.‬‬
‫وف الساحات الجاورة لذا الصن‪ ،‬وف شهر شوال سنة ‪531‬هـ\ يونيو سنة ‪1137‬م‪،‬‬
‫دارت موقعة شهية من مواقع السلم (خريطة ‪!)28‬‬
‫إنا موقعة حصن بارين!!‬
‫إنا موقعة يشترك فيها رأسان مهمان من رءوس الصليبيي‪ :‬اللك فولك النوي ملك بيت‬
‫القدس‪ ،‬والمي ريون الثان أمي طرابلس‪.‬‬
‫ودار القتال شديدًا عنيفًا‪ ،‬وتساقط القتلى هنا وهناك‪ ،‬وارتفعت سحب الغبار تغطّي كل‬
‫شيء‪ ،‬ث ما لبث الغبار أن انقشع ليُسفِر عن النتيجة الاسة!‬
‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/261‬‬
‫‪ 2‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.259،258‬‬

‫‪330‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد انتصر السلمون نصرًا مبينًا!‬


‫لقد قُتل معظم اليش الصليب‪ ،‬وأُسر معظم الذي بقي على قيد الياة‪ ،‬وكان المي ريون‬
‫الثان من أولئك الذين أسروا‪ ،‬أما اللك فولك النوي فقد فرّ هاربًا ف فرقة من جيش إل حصن‬
‫بعرين الجاور‪ ،1‬ث أسرع اللك فولك النوي بإرسال رسالة استغاثة عاجلة يطلب فيها من المي‬
‫ريوند بواتييه أمي أنطاكية‪ ،‬ومن المي جوسلي الثان أمي الرها أن يأتيا بسرعة على رأس جيوشهما‬
‫لنجدة النود الحاصَرين ف قلعة بارين الصينة‪.2‬‬
‫وأسرع عماد الدين زنكي رحه ال‪ ،‬وحاصر الصن حصارًا مكمًا‪ ،‬فمنع عنه كل شيء‪،‬‬
‫وضبط الطرق الؤدية إليه تام الضبط‪ ،‬حت انقطع اللك فولك تامًا عن العال الارجي‪ ،‬وما عاد‬
‫مدركًا لا يدث ف الارج‪.3‬‬
‫أخذت الجانيق السلمية تقصف الصن الضخم َليْلَ نار‪ ،‬وقد بدا واضحًا أن السألة‬
‫مسألة وقت‪ ،‬وأن اليوش الصليبية الحصورة ليست عندها النية أن ترج لرب السلمي إل إذا‬
‫جاءت لا ندة كبية‪.‬‬
‫وبينما عماد الدين زنكي رحه ال ياصر الصن العملق وصلت الخبار بتحرك جيش‬
‫الرها وأنطاكية ف اتاه حصن بارين‪ ،‬بل ظهرت بوادر مفاجئة بتحرك جيوش الدولة البيزنطية صوب‬
‫النطقة‪ ،‬وهذا للمرة الول منذ بداية الروب الصليبية!‬
‫لقد كان الوقف صعبًا حقيقةً؛ لن جيوش الدولة البيزنطية كبية‪ ،‬وإذا اشتركت مع اليوش‬
‫الصليبية فقد يُحصر عماد الدين زنكي بينهم وبي الصليبيي الوجودين ف حصن بارين‪ ،‬وهذا قد‬
‫يُضيّع مكاسب النتصار السابق‪.‬‬
‫أما لاذا تدخلت الدولة البيزنطية فذلك لسببي‪:‬‬
‫أما السبب الول فهو ترك القساوسة والرهبان فورًا بعد حصر اللك فولك ف حصن‬
‫بارين‪ ،‬وذلك من إمارت الرها وأنطاكية إل البلط البيزنطي‪ ،‬وناشدوا المباطور البيزنطي التدخل‬
‫لنجدة اليش الصليب الحصور ف حصن بارين‪ ،‬ذاكرين له أنه إذا قتل اللك فولك فالطريق إل بيت‬
‫القدس سيكون مفتوحًا للمسلمي‪.4‬‬
‫وأما السبب الثان فهو غضب المباطور البيزنطي من زواج المية كونستانس ابنة المية‬
‫أليس من ريوند بواتييه‪ ،‬وذلك بعد أن عرضت المية أليس زواج ابنتها على ابن المباطور‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/298‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Guillaum de Tyr, pp. 644-645.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/299‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/299‬وابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/37‬‬

‫‪331‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫البيزنطي يوحنا كومني‪ ،‬إذ كيف يُعرض الزواج على ابن المباطور ث يُرغب ف غيه‪ ،‬مع الخذ ف‬
‫العتبار طبعًا أن هذا الزواج كان سيضع أنطاكية تت الشراف البيزنطي الباشر‪.1‬‬
‫وهكذا تطورت الحداث لتنذر بشكلة قد يقع فيها عماد الدين زنكي والسلمون!‬
‫ماذا يفعل عماد الدين زنكي؟!‬
‫لقد استغل عماد الدين زنكي رحه ال فرصة انقطاع الخبار عن اللك فولك النوي‪،‬‬
‫وشدد جدّا من قصف الصن‪ ،‬على أمل أن يطلب اللك فولك التسليم بأيّ شروط‪ ،‬فتنتهي مشكلة‬
‫حصن بارين قبل قدوم القوات النصرانية الشتركة‪ .‬وقد حدث فعلً ما توقع البطل عماد الدين‬
‫زنكي‪ ،‬وأرسل اللك فولك يطلب التفاوض من أجل فك الصار‪!2‬‬
‫لقد كان ال مع اليش السلم‪.‬‬
‫وليس الذي حدث هذا أمرًا غريبًا؛ فال دومًا ينصر من نصره‪ ،‬يقول تعال‪( :‬إِ ّن ال ّلهَ ُيدَافِعُ‬
‫حبّ كُلّ َخوّانٍ َكفُورٍ‪.)3‬‬
‫عَنِ اّلذِينَ َآمَنُوا إِنّ ال ّلهَ لَ يُ ِ‬
‫ووافق عماد الدين زنكي على التفاوض السريع‪ ،‬وهو ينع ف كل ذلك أي أخبار من‬
‫ل إل اتفاق‪،‬‬
‫الوصول إل اللك فولك‪ ،‬ليتم المر على ما يريد عماد الدين زنكي‪ .‬ووصل الطرفان فع ً‬
‫حيث سيخرج الصليبيون من داخل الصن آمني‪ ،‬ويطلق سراح المي ريون الثان‪ ،‬وذلك ف نظي‬
‫أن يسلّم حصن بارين الطي للمسلمي‪ ،‬ويدفع اللك فولك مبلغ خسي ألف دينار ذهبية‪.‬‬
‫وت فعلً تنفيذ التفاق‪ ،‬وتسلم السلمون الصن الهم‪ ،‬واحتفظوا بعدد كبي من السرى‪،‬‬
‫وأطلق سراح اللك فولك ومن معه من جنود ف داخل الصن‪ ،‬وكذلك المي ريون الثان‪.‬‬
‫لقد أفلحت خطة عماد الدين زنكي‪ ،‬وندم اللك فولك ندمًا شديدًا بعد أن علم بتجمّع‬
‫اليوش النصرانية‪ ،‬لكن ل يكن هناك حلٌ آخر أمامه‪.4‬‬
‫وقبل أن نذكر ما فعلته اليوش البيزنطية والصليبية نعلّق على ما فعله عماد الدين زنكي رحه‬
‫ال مع السلمي بعد ترير بعض الناطق الجاورة للحصن‪ ،‬فلقد جاء السلمون الذين ُحرّرت‬
‫أراضيهم يطلبونا‪ ،‬وذكرنا قبل ذلك ف موضع آخر من الكتاب أنه وزّع الراضي على كل من كان‬
‫معه إثبات بلكية الرض‪ ،‬وذلك خلفًا للمذهب النفي الذي يتبعه؛ لنه رأى أن ملك الراضي‬
‫سيضيع حقهم دون ذنب منهم‪ ،‬غي أنه بقيت مموعة من اللك تطلب أرضها‪ ،‬لكنها ‪ -‬للسف ‪-‬‬
‫فقدت أوراق ملكية هذه الرض ف أثناء الروب من البلد عند احتللا‪ ،‬فلم تدرِ ماذا تفعل حيث‬
‫‪1‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 138.‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/262‬‬
‫‪( 3‬الج‪.)38 :‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/299‬‬
‫‪Guillaum de Tyr, pp. 650-651.‬‬

‫‪332‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ستضيع عليها الراضي‪ ،‬وف نفس الوقت فعماد الدين زنكي ل يستطيع تسليم أرض إل إنسان دون‬
‫دليل؛ خشية أن يكون مدعيًا‪ ،‬ث يظهر بعد ذلك الالك القيقي للرض‪ ،‬مع ملحظة أن هذه‬
‫الراضي احتلت منذ حوال أربعي سنة!‬
‫وانمك بطلنا ف الشكلة مع كثرة الموم الت عليه‪ ،‬إل أنه كان حزينًا لية الناس‪ ،‬وللزمة‬
‫الت وقعوا فيها‪ .‬ث إنه فجأة وجد حلّ للموقف‪ ،‬إذ سرعان ما انتفض قائلً‪" :‬اطلبوا دفاتر حلب‪،‬‬
‫وكل من عليه خراج على مِ ْلكٍ يسلم إليه!"‪.1‬‬
‫لقد أمر عماد الدين زنكي بفتح دفاتر تصيل الراج على هذه الراضي‪ ،‬وهذه الراضي‬
‫كانت تابعة لملكة حلب‪ ،‬فكان أصحابا إذا سددوا الراج عنها إل ملك حلب ُدوّن ذلك ف‬
‫الدفاتر‪ ،‬فإذا كان اسه مدونًا عن أرض معينة فل شك أنه كان يلكها!‬
‫ونحت الفكرة‪ ،‬وتسلم الميع أراضيه‪ ،‬ويعلّق ابن الثي على هذا العمل فيقول‪" :‬وهذا من‬
‫أحسن الفعال وأعدلا!"‪.2‬‬
‫إنه لشيء عظيم حقّا أن يسعى الاكم إل إيصال كل حق إل مستحقيه‪ ،‬حت لو كلفه هذا‬
‫جهدًا ووقتًا‪ ،‬وحت لو كان هذا سيأت على حساب الدولة؛ إذ إن الراضي الجهولة كانت ستضم‬
‫إل بيت مال السلمي‪ ،‬وإنه لشيء عظيم حقّا أن يشغل عماد الدين زنكي نفسه بذه القضايا‪ ،‬مع أن‬
‫اليوش الصليبية والبيزنطية على البواب‪ ،‬لكنه كان على يقي أن ال ينصره لذا العدل الذي‬
‫يسعى إل تطبيقه‪ ،‬فرحه ال رحه واسعة!‬
‫ماذا فعل اليش البيزنطي؟!‬
‫لقد كان هدف اليش البيزنطي الرئيسي هو البحث عن مصاله! ول تكن عنده الدوافع‬
‫أبدًا لنقاذ اللك فولك‪ ،‬أو الهتمام بأمره‪ ،‬فالصراع بي البيزنطيي والصليبيي متدم من أول أيام‬
‫الملة الصليبية‪3‬؛ ولذلك فعي المباطور يوحنا كومني كانت ف القام الول على أنطاكية وما‬
‫حولا من أملك بيزنطية قدية‪ ،‬وأهها إقليم قليقية وما فيه من مدن عريقة كالصيصة وأذنة‬
‫وطرسوس‪ ،‬والت كانت ف هذا التوقيت تت سيطرة المي الرمن ليون‪.‬‬
‫ومن هنا فإن المباطور البيزنطي يوحنا كومني ل يكن من هّه السراع إل منطقة حصن‬
‫بارين لستعادة الصن من السلمي‪ ،‬ولكنه توجه بيش كثيف إل إقليم قليقية أولً‪ ،‬و ُدهِش الرمن‬
‫من القوات البيزنطية الت ل تظهر ف هذه الناطق منذ عشرات السني‪ ،‬وكان الذي دفع المباطور‬
‫البيزنطي إل هذه الرأة إحساسه أن اليوش الصليبية تر بأزمة كبية نتيجة اضطرابات الكم‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/299‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/299‬‬
‫‪ 3‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪ ،139،138‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/459‬‬

‫‪333‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫التكررة ف أنطاكية‪ ،‬ونتيجة ضربات عماد الدين زنكي الوجعة؛ ولذا أراد أن ينتهز الفرصة الت قد‬
‫ل تتكرر بسهولة‪.‬‬
‫استطاع المباطور البيزنطي بسهولة أن يتل الدن الكبية ف إقليم قليقية‪ ،‬وهرب المي‬
‫الرمن ليون إل جبال طوروس‪ ،‬ول تكن هناك مقاومة تُذكر‪ ،‬وهذا شجّع المباطور يوحنا كومني‬
‫أن يتوجه بيوشه إل أنطاكية ذاتا‪ ،‬ث ضرب حولا الصار الحكم؛ ما أرعب أميها الديد ريوند‬
‫بواتييه!‬
‫وجد المي بواتييه أن القوات الصليبية الن مزقة بعد انتصارات عماد الدين زنكي‪ ،‬وكل‬
‫القائدين اللك فولك والمي ريون الثان مشغول بمومه‪ ،‬كما أن المي جوسلي الثان يتلقّى‬
‫ضربات أمي حلب سوار‪ ،‬وهكذا لن يكون أمامه إل أحد حلّيْنِ‪ :‬إما أن يقاوم المباطور البيزنطي‬
‫عسكريّا‪ ،‬وإما أن يتفاوض معه ويصل منه على أي شيء‪.‬‬
‫وجد المي ريوند بواتييه أن قوته ضعيفة جدّا بالقياس إل قوة المباطور البيزنطي‪ ،‬ورأى‬
‫أنه لو قاوم عسكريّا ث سقطت الدينة فإنه سيفقد كل شيء‪ ،‬وقد يفقد حياته ف الصراع؛ فآثر لذلك‬
‫أن يتفاوض مع المباطور الكبي‪.1‬‬
‫وتت الفاوضات بي الطرفي‪ ،‬ووصلوا إل خطة واسعة شاملة فيها خطورة كبية على‬
‫السلمي‪ .‬وكانت بنود التفاقية تشمل الت‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تسليم أنطاكية إل المباطور البيزنطي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تتحد القوتان الصليبية والبيزنطية لضرب عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يتم تكوين إمارة بديلة للمي ريوند بواتييه‪ ،‬وتكون هذه المارة ف شرق أنطاكية‪،‬‬
‫وتكون قاعدتا مدينة حلب‪ ،‬وتضم عدة مدن أخرى مهمة ف النطقة مثل حاة التابعة لعماد الدين‬
‫زنكي الن‪ ،‬كما تنتزع شيزر من بن منقذ وتضم إل نفس المارة‪ ،‬كذلك تنع حص من إمارة‬
‫دمشق حيث ستمثّل الدود النوبية لذه المارة الديدة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬يبقى المي ريوند بواتييه على إمارة أنطاكية مؤقتًا حت صيف العام القادم (أي صيف‬
‫‪1138‬م) عندما يبدأ الطرفان ف تنفيذ التفاق بالتعاون العسكري‪ ،‬على أن تُرفع أعلم الدولة‬
‫البيزنطية فوق أنطاكية من الن دلل ًة على التبعية‪.‬‬
‫كانت هذه هي بنود التفاقية الطية الت وافق عليها الطرفان‪ ،‬إضافةً إل أنم حصلوا‬
‫كذلك على موافقة اللك فولك النوي على هذا الشروع‪.2‬‬

‫‪ 1‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.699-2/697‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Grousset: op. cit., ll, p. 97.‬‬

‫‪334‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كان هذا الشروع يقّق ‪ -‬إذا ت بذافيه ‪ -‬أطماع كل فريق؛ فالمباطور البيزنطي سيسترد‬
‫أنطاكية حُلم البيزنطيي‪ ،‬وسيضرب القوة السلمية ف أعماقها‪ ،‬وليس هذا فقط‪ ،‬فالمارة الديدة‬
‫الزمع قيامها ستكون فاصلً بي أنطاكية وبي السلمي‪ ،‬وهكذا سيتكفل الصليبيون بالدفاع عن‬
‫إمارة أنطاكية‪.‬‬
‫أما ريوند بواتييه فكل ما يهمه هو أن يكون أميًا‪ ،‬فهو أصلً ل يتعب مطلقًا ف إنشاء هذه‬
‫المارة‪ ،‬بل جاء إليها من أوربا منذ سنتي فقط‪ ،‬ث إن البديل الذي يطرحه المباطور البيزنطي أفضل‬
‫كثيًا‪ ،‬فل شك أن إمارة تضم مدنًا كحلب وحص وشيزر وحاة ستكون إمارة قوية وعظيمة‪.‬‬
‫وهكذا وافق الطرفان راضي على هذه النتيجة‪ ،‬وكذلك أقرها فولك النوي‪ ،‬ول يفى‬
‫علينا أن هذا كان على غي رغبة النورمانيي الذين أنشئوا المارة الصليبية‪ ،‬خاصةً أن الذين أخذوا‬
‫القرار سواء ريوند بواتييه أو فولك النوي من الفرنسيي وليسوا من اليطاليي‪.‬‬
‫ولقد حاول المباطور البيزنطي أن يادع عماد الدين زنكي رحه ال‪ ،‬فأرسل له رسالة‬
‫يبر فيها دخوله للراضي الجاورة لنطاكية‪ ،‬بأنه ما دخل إل بلد السلمي إل لرب الرمن‪ ،‬وأنه‬
‫ل ينوي بذلك قتاله‪ ،1‬لك ّن هذا الرد ل يكن مقنعًا لعماد الدين زنكي‪ ،‬ورأى أن عزة دولته تقتضي‬
‫أن يأخذ ردّ فعل مناسب‪ ،‬ول يد القائد العزيز عماد الدين زنكي ردّا يناسب التعدي على حدود‬
‫الدولة السلمية إل الل العسكري‪ ،‬وعليه فقد أرسل سرية من جيشه بقيادة أمي حلب سوار‬
‫لهاجة اليش البيزنطي‪ .‬وبالفعل استطاع سوار أن يقتل عددًا كبيًا من النود البيزنطيي‪ ،‬وأن يأسر‬
‫مموعة أخرى‪ ،‬مع أنه قوته كانت أصغر بكثي من قوة اليش البيزنطي‪ .‬ومع هذه الهانة الباشرة‬
‫للقوات البيزنطية إل أن المباطور ل ُي ِردْ أن يدخل ف مستنقع الرب مع السلمي‪ ،‬خاص ًة وقد سع‬
‫ض المباطور البيزنطي الطرف عن هذه السائر‪،‬‬ ‫الكثي عن بطلنا عماد الدين زنكي! ولذا غ ّ‬
‫وانطلق عائدًا إل بلده ليجهّز عدّة أكب استعدادًا لرب كبية ف العام القادم‪!2‬‬
‫ومن الدير بالذكر أن نشي إل أن هذه التفاقيات الصليبية البيزنطية ل تعلن ف ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬ول يعلم با عماد الدين زنكي ف حينها‪ ،‬ولكنه أدرك أن تعاونًا ما سيكون بي الدولة‬
‫البيزنطية والصليبيي‪ ،‬وذلك بعد رؤية العلم البيزنطية فوق أسوار إمارة أنطاكية دون اعتراض يذكر‬
‫من الصليبيي؛ ولذا أمر عماد الدين زنكي بزيادة الحتراز لتأمي الدود الشمالية لمارته واللصقة‬
‫لسيا الصغرى‪ ،‬حيث يسيطر البيزنطيون الن على إقليم قليقية‪ ،‬ويتفظون هناك بامية بيزنطية قوية‪.‬‬
‫ول يفى علينا أن هذه النتصارات الت حققها عماد الدين زنكي‪ ،‬وهذا التفاعل القوي مع‬
‫التعديات الصليبية والبيزنطية‪ ،‬وضعت بطلنا ف الصدارة الطلقة لقوّاد السلمي ف هذا العصر‪ ،‬خاصةً‬
‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/263‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/263‬‬

‫‪335‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أن هذا الجد الكبي‪ ،‬وهذه العزة الواضحة تأت ف وقت ظهرت فيه أطماع السلطي والمراء‬
‫والزعماء الخرين بشكل واضح‪ ،‬وليس أدل على ضعف هؤلء الزعماء من هذه الحداث الدامية‬
‫الت شهدتا أرض العراق وفارس ف نفس الوقت الذي كان بطلنا عماد الدين زنكي يسعى لتوحيد‬
‫السلمي لهاد الصليبيي والبيزنطيي‪ .‬وكانت الشتباكات ما زالت دائرة ف فارس والعراق بي‬
‫السلطان مسعود وابن أخيه اللك داود بن ممود‪ ،‬على الرغم من كل الحداث الكبى الت رأيناها‬
‫ف أرض الشام‪!1‬‬
‫أما بالنسبة لعماد الدين زنكي فهو كان يشعر أن الصليبيي بالشتراك مع البيزنطيي يدبّرون‬
‫لشيء كبي ف أرض الشام؛ لذلك حاول البطل عماد الدين زنكي أن يسيطر على عدة حصون ومدن‬
‫أخرى ف منطقة الشام تسهّل له قتال العداد عند اجتماعهم‪.‬‬
‫توجه عماد الدين زنكي إل مدينة بعلبك اللبنانية ليحاول فتحها إل أنا استعصت عليه‬
‫لصانتها‪ ،‬وكانت بعلبك تابعة لمارة دمشق‪ ،‬فعرض صاحبها أن يهادنه ف مقابل مبلغ من الال‬
‫يدفعه لعماد الدين زنكي‪ ،‬فقَبِل عماد الدين زنكي ذلك ليحيّد صفها‪ ،‬وينطلق إل غيها‪ .‬وكان رحه‬
‫صرًا لكان يقرب إل تقديره أنه ل يُفتح‪.‬‬
‫ال حاسًا ف قراراته وأفعاله‪ ،‬ل يعاند ف البقاء ما ِ‬
‫انتقل عماد الدين زنكي رحه ال من بعلبك إل حصن الجدل‪ ،‬فاستطاع بعد جهد أن‬
‫يفتحه وأن يضمه إل إمارته‪ ،‬وكان تابعًا كذلك لمارة دمشق‪ ،‬ث انتقل منه إل إحدى الملك‬
‫الخرى لنفس المارة وهي مدينة بانياس‪ ،‬فدخلت بسهولة ف طاعته‪ ،‬وكانت هذه الحداث ف‬
‫أوائل سنة (‪532‬هـ) أواخر ‪1137‬م‪.2‬‬
‫بعد هذه السيطرة اليدانية على معظم الناطق التابعة لمارة دمشق ل يعُدْ أمام عماد الدين‬
‫زنكي ليضم دمشق إل أن يسيطر على حص لنا ف الطريق بي حاة ودمشق؛ ولذلك فقد توجه‬
‫عماد الدين زنكي مباشرة إل حصار حص‪ ،‬ولكن حص أصرت على القاومة وطال الصار حت‬
‫كاد أهل حص يفتحون البواب‪ ،‬لول ورود الخبار بأمر خطي َدهِم السلمي ف هذا التوقيت!‬
‫لقد وصلت إل أرض الشام جيوش المباطورية البيزنطية الائلة‪ ،‬وعلى رأسها المباطور‬
‫البيزنطي يوحنا كومني‪ ،‬وقد جاءت تقصد مدينة حلب ذاتا؛ وذلك لتنفيذ التفاق الذي ُعقِد ف‬
‫السنة الاضية بينهم وبي المي ريوند بوتييه أمي أنطاكية‪.‬‬
‫كانت الخبار مفزعة؛ لن سقوط حلب يهدم الشروع التوحيدي للمة من أساسه‪ ،‬ويعيدنا‬
‫من جديد لنقطة الصفر‪ .‬وعلى ذلك فقد أمر عماد الدين زنكي أمي حلب سوار ‪ -‬وكان معه ف‬
‫حصار حص ‪ -‬أن يترك الصار‪ ،‬وأن يتوجه من فوره إل مدينة حلب ليفع من درجة استعدادها‪،‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/305،304‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/301‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.264،263‬‬

‫‪336‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وليقوّي تصيناتا‪ ،‬ويعمّق خنادقها‪ ،‬ويطمئن أهلها أن السلمي قادمون‪ .‬وكانت هذه الحداث ف‬
‫شهر رجب (‪532‬هـ) إبريل ‪1138‬م‪.1‬‬
‫وبجرد نزول اليش البيزنطي إل أرض السلمي انضمّ له أمي أنطاكية ريوند بواتييه‪،‬‬
‫وكذلك أمي الرها جوسلي الثان‪ ،‬إضافةً إل كتيبة من الداوية‪ ،‬واتهت هذه اليوش الجتمعة إل‬
‫مدينة البلط‪ ،‬واحتلتها عنوة‪ ،‬ث توجهت إل مدينة بزاغة (وهي مدينة إسلمية حصينة تابعة لمارة‬
‫حلب)‪ ،‬وقد أصرّ المباطور البيزنطي على إسقاطها لوجودها على الطريق الواصل بي حلب وآسيا‬
‫الصغرى‪ ،‬وظل الصار مدة سبعة أيام ث تواصلت الرسل بي الطرفي‪ ،‬واتفقوا على أن تفتح الدينة‬
‫أبوابا ف نظي إعطاء المان لكل أهلها‪ ،‬وفتحت الدينة بالفعل أبوابا‪ ،‬ولكن المباطور البيزنطي‬
‫يوحنا كومني غدر بالسلمي‪ ،‬وأمر بذبة رهيبة ف الدنيي من أهل بزاعة‪ ،‬وقتل منهم خسة آلف‬
‫وثانائة مسلم ومسلمة‪ ،‬وأخذ الباقي كأسرى وسبايا‪ ،‬وفرّ بعض السكان إل الغارات ف البال‪،‬‬
‫فأشعل المباطور البيزنطي النيان ف مداخل الغارات ليموت السلمون ف داخلها متنقي! وكان‬
‫سقوط بزاغة ف ‪ 25‬من رجب ‪532‬هـ‪.2‬‬
‫لقد كان غدرًا مشينًا من المباطور الكبي!!‬
‫ومع ذلك فإن هذا الصار لدينة بزاغة‪ ،‬وهذا الوقت الذي أُنفق ف قتل السلمي وأسرهم‪،‬‬
‫أعطى الفرصة الكافية لدينة حلب أن ترفع من درجة استعدادها إل الدرجة القصوى‪ ،‬وأن تتهيأ‬
‫للجيوش القادمة تام التهيّؤ‪ ،‬وبذلك ضاع عنصر الفاجأة من المباطور البيزنطي‪ ،‬الذي توجه بعد‬
‫سقوط ُبزَاعة إل مدينة حلب‪.3‬‬
‫ماذا يفعل عماد الدين زنكي رحه ال إزاء هذا الوقف العصيب؟!‬
‫تعاَلوْا نستمتع بالداء الراقي لعماد الدين زنكي ف هذه الشكلة العقّدة‪ ،‬وندرس معًا منهجه‬
‫ف مواجهة هذه الزمة الطارئة‪ ،‬وكيف كانت نظرته شولية للحداث‪ ،‬وكيف كانت رؤيته لسرح‬
‫العمليات رؤية عبقرية موفّقة!‬
‫أولً‪ :‬تقوية تصينات حلب إل أقصى درجة‪ ،‬وإعادة أميها الشجاع سوار إليها لَت ْقوَى‬
‫نفوس أهلها به‪.4‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ترك حامية صغية من جيشه حول حص تناوش حاميتها؛ لكي ل ترج هذه الامية‬
‫فتضرب عماد الدين زنكي ف ظهره‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.265،264‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/302،301‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/265‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/264‬‬
‫‪ 4‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/78‬‬

‫‪337‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ثالثًا‪ :‬تقدم عماد الدين زنكي بيشه الرئيسي‪ ،‬ليقف به ف موقف متوسط ف الشام‪ ،‬ف‬
‫منطقة َسلَمْيَة إل الشمال الشرقي من حص‪ ،‬وذلك حت تكون حركة سريعة إل أيّ نقطة ف شال‬
‫الشام حسب تركات اليش البيزنطي‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أرسل عماد الدين زنكي رسالة عجيبة نادرة من نوعها‪ ،‬تدل ف مضمونا على التجرّد‬
‫الشديد ل ‪ ،‬وعلى الفقه الواسع لموم المة السلمية‪.‬‬
‫لقد أرسل بطلنا رسالة إل السلطان مسعود ‪ -‬وكان ف بغداد آنذاك ‪ -‬يستحثه على إرسال‬
‫جيش كبي لنجدة السلمي ف حلب والشام‪ .1‬وهذا يمل دللت كبية مهمة‪ ،‬فالبطل عماد الدين‬
‫زنكي يتناسى ف لظة خلفاته مع السلطان مسعود من أجل مصلحة السلمي‪ ،‬ويتناسى أن السلطان‬
‫مسعودًا كان يدبّر منذ سنتي مؤامرة لغتياله‪ ،‬ويتناسى أن السلطان مسعودًا مشغولٌ منذ سبع‬
‫سنوات ‪ -‬أي منذ وفاة السلطان ممود سنة ‪525‬هـ ‪ -‬ف صراعات دنيوية ل وزن لا‪ .‬إنه يتناسى‬
‫كل هذه المور ليضم قوته إل قوة السلطان مسعود لدفع الطر عن السلمي‪ .‬وليس هذا فقط! بل‬
‫إن القاضي كمال الدين الشهرزوري ذكر ف منتهى الصراحة لعماد الدين زنكي أن السلطان مسعودًا‬
‫إذا جاء بيشه إل الشام فإنه سيضمها إل أملكه هو‪ ،‬وستضيع زعامة عماد الدين زنكي‪ ،‬فر ّد عماد‬
‫الدين زنكي ردّا عجيبًا إذ قال‪" :‬إن هذا العدو قد طمع ف البلد‪ ،‬وإن أخذ حلب ل يبق ف الشام‬
‫إسلم‪ ،‬وعلى كل حال فالسلمون أول با من الكفار!"‪ .2‬إن هذه الروح العجيبة‪ ،‬وهذا التجرد‬
‫الميل لن أقوى أسباب نصر عماد الدين زنكي‪ ،‬وشتّان بي رجل يعمل ل‪ ،‬وآخر يعمل لنفسه‬
‫ومصاله‪.‬‬
‫وهكذا أرسل عماد الدين زنكي وفدًا إل بغداد لستنهاض السلطان مسعود لنصرة‬
‫السلمي‪ ،‬وجعل على رأس هذا الوفد القاضي كمال الدين الشهرزوري بنفسه‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬رسالة أخرى عجيبة أرسلها البطل التجرد عماد الدين زنكي رحه ال! وكانت‬
‫هذه الرسالة إل خصمه اللدود ف أرض الزيرة ركن الدولة داود بن سقمان الرتقي‪ !3‬فعلى الرغم‬
‫من الصدمات الت حدثت بي الفريقي ف غضون السنوات العشر السابقة إل أن عماد الدين زنكي‬
‫يرى أن الظروف الالية تتّم عليه أن يتناسى كل الصراعات القدية‪ ،‬وأن يعمل على توحيد السلمي‬
‫ف كيان واحد قادر على مواجهة الموع الائلة للبيزنطيي والصليبيي‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬رسالة ثالثة مهمة أرسلها عماد الدين زنكي تدل على فقه عسكري دقيق للموقف‪،‬‬
‫فلقد أرسل رسالة سريعة إل زعماء السلمي ف آسيا الصغرى وهم‪ :‬السلطان مسعود بن قلج‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/303‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.62‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/303،302‬وابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/80،79‬‬

‫‪338‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أرسلن زعيم السلجقة الروم‪ ،‬وممد بن غازي الدانشمندي زعيم بن الدانشمند يدعوهم للتوحّد‬
‫والجوم على الدن السلمية الحتلة من البيزنطيي ف آسيا الصغرى؛ وذلك لدفع المباطور‬
‫البيزنطي إل العودة إل آسيا الصغرى لدفع خطر السلمي هناك‪.1‬‬
‫لقد كان تطيطًا بارعًا رائعًا‪ ،‬يدل على عقلية عسكرية متميزة‪.‬‬
‫ماذا حدث على أرض الواقع؟!‬
‫لقد نزلت القوات النصرانية البيزنطية والصليبية حول أسوار مدينة حلب ف ‪ 6‬من شعبان‬
‫سنة ‪532‬هـ‪ ،‬ففوجئت بالستحكامات العسكرية القوية الت جهّزها اليش السلم هناك؛ فالنادق‬
‫كثية وعميقة‪ ،‬والسوار عالية وسيكة‪ ،‬واليش السلم متحفّز‪ ،‬والسهام تنهال على اليوش النصرانية‬
‫من كل مكان‪ ،‬ما منع النصارى من القتراب من الدينة‪.2‬‬
‫ول يكتفِ السلمون بذلك‪ ،‬بل أخرج المي السلم البطل سوار عدة سرايا من اليش السلم‬
‫تقابل بعض الفرق الحاصِرة‪ ،‬فأخذتم على حي ِغرّة‪ ،‬وقُتِل من الصليبيي والبيزنطيي خلق كثي‪ ،‬بل‬
‫إن أحد كبار قساوستهم قُتل ف أثناء هذه العارك ما أزعجهم إزعاجًا شديدًا‪.‬‬
‫لقد وجد المباطور البيزنطي أن حلب ‪ -‬بيشها الشجاع وتصيناتا النيعة ‪ -‬حُلم بعيد‬
‫النال! وهذا دفعه إل أن يقرّر فجأةً‪ ،‬وبعد ثلثة أيام فقط‪ ،‬أن يرفع الصار تامًا عن مدينة حلب‬
‫الباسلة‪!!3‬‬
‫لقد عجزت اليوش العملقة أن تكسر إرادة السلمي ف حلب‪ ،‬ولعلنا نتذكر صب الصليبيي‬
‫على حصار أنطاكية قبل ذلك بأكثر من أربعي سنة‪ ،‬حيث صبوا على الصار سبعة أشهر كاملة‬
‫حت سقطت الدينة‪ ،‬أما الن فاليوش النصرانية أضعاف اليوش الت كانت تاصِر أنطاكية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ل يصبوا!!‬
‫ما السر ف ذلك؟!‬
‫إن السر ل يكمن ف طبيعة اليوش النصرانية أو أعدادها‪ ،‬إنا يكمن ف الساس ف طبيعة‬
‫اليش السلم وقوته؛ فالسلمون الحصورون ف حلب متلفون تام الختلف عن السلمي الذين‬
‫ُحصِروا قبل ذلك ف أنطاكية‪ ،‬فقد ظهرت ف هذه الزمة نتيجة التربية اليانية والهادية والعلمية‬
‫والعسكرية الت بذل فيها عماد الدين زنكي الوقات‪ ،‬وسخّر من أجلها طاقات المراء والعلماء‪،‬‬
‫فأفرزت هذا اليش السلم القوي‪ ،‬وهذا الشعب السلم الصابر‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد ممود عمران‪ :‬ماضرات ف معال التاريخ السلمي الوسيط ص ‪.209‬‬


‫‪ 2‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/78‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/302‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/266،265‬‬

‫‪339‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وترك المباطور البيزنطي حلب يائسًا‪ ،‬واته إل حصن الثارب غرب حلب‪ ،‬وكانت به‬
‫حامية إسلمية بسيطة‪ ،‬فآثرت أن تنسحب لن احتمال هلكتها قريب‪ ،‬وبالتال امتلك المباطور‬
‫البيزنطي حصن الثارب‪ ،‬ووضع فيه أسرى وسبايا مدينة بزاغة‪ ،‬الذين كان المباطور يستصحبهم‬
‫معه ف طريقه‪ ،‬ث وضع معهم حامية بيزنطية‪ ،1‬وأكمل طريقه غربًا وجنوبًا حيث احتل معرّة النعمان‬
‫وكفرطاب‪ ،‬وَيمّم وجهه تاه شيزر‪!2‬‬
‫ورأت الامية السلمية ف حلب أن اليوش النصرانية قد رحلت عن الدينة‪ ،‬فأرسلوا‬
‫خلفهم العيون لتعرف مسارهم‪ .‬وأدرك المي سوار أمي حلب أن البيزنطيي تركوا السرى والسبايا‬
‫السلمي ف حصن الثارب‪ ،‬وتركوا معهم حامية بيزنطية صغية‪ ،‬فانتهز الفرصة‪ ،‬وخرج من حلب‬
‫مسرعًا ف فرقة من جيشه‪ ،‬وحاصر حصن الثارب‪ ،‬ث ما لبث أن أسقطه وقتل عددًا من جنود‬
‫الامية البيزنطية وأسر الباقي‪ ،‬وحرّر كل السرى والسبايا السلمي‪ ،‬وعاد بم جيعًا إل حلب‪!3‬‬
‫وارتفعت معنويات السلمي إل السماء‪ ،‬ووصلت الخبار إل جيش عماد الدين زنكي‬
‫الرابض عند سَلَ ْميَة‪ ،‬فازداد إصراره على الهاد‪ ،‬وقويت نفوس الند‪ ،‬وشعروا جيعًا بعيّة ال لم‪.‬‬
‫أما المباطور البيزنطي فقد آثر أن يتجه إل شيزر (خريطة ‪ )29‬لنا إل الن إمارة‬
‫مستقلة‪ ،‬وعلى رأسها سلطان بن منقذ‪ ،‬وهي ليست تابعة لعماد الدين زنكي‪ ،‬وبالتال فإن المباطور‬
‫البيزنطي سيواجه إمارة ضعيفة نسبيّا دون أن يستثي غضب الزعيم العنيد عماد الدين زنكي‪!4‬‬
‫هكذا ظ ّن المباطور البيزنطي‪ ،‬ولكن الواقع كذّب ظنونه!‬
‫لقد أرسل سلطان بن منقذ ‪ -‬مع رغبته الشديدة ف الحتفاظ باستقلله عن عماد الدين‬
‫زنكي ‪ -‬رسالة استغاثة عاجلة إل عماد الدين زنكي‪ ،‬فلم يتردد عماد الدين زنكي لظة‪ ،‬بل توجه‬
‫بقوته الرئيسية فورًا لنقاذ شيزر‪ ،‬وعب نر القويق (وهو أحد روافد نر الفرات)‪ ،‬وتاوز مدينة حاة‬
‫التابعة له‪ ،‬فجعلها ف ظهره ليحتمي بصونا إذا حدث تفوق للجيش البيزنطي‪ ،‬ث تقدم ف اتاه‬
‫شيزر حت عسكر ف منتصف الطريق بي شيزر وحاة‪ ،‬وأرسل العيون الستخباراتية لتنقل له‬
‫الخبار‪.5‬‬
‫جاءت الخبار بعد قليل أن اليوش النصرانية ترج عن حد الحصاء‪ ،‬وأنا أضعاف جيش‬
‫عماد الدين زنكي‪ ،‬وأن البيزنطيي والصليبيي قد نصبوا ثانية عشر منجنيقًا حول شيزر‪ ،‬هذا إضافةً‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/266،265‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/267‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/302‬وابن العدي‪ :‬زبدة اللب ‪.2/266‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/302‬‬
‫‪ 5‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/78‬‬

‫‪340‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إل آلت الصار الضخمة‪ ،‬وأن أعلم اليوش النصرانية تشمل قوات الدولة البيزنطية وإمارة أنطاكية‬
‫وإمارة الرها‪ ،‬إضافةً إل كتيبة الداوية‪!1‬‬
‫علم عماد الدين زنكي من هذه الخبار أن قتال هذه الموع الائلة قتالً مفتوحًا أمرٌ غي‬
‫مأمون؛ ولذلك عزم عماد الدين زنكي على اتّباع سياسة أخرى ف القتال‪ ،‬تضمن له نتائج أفضل‪.‬‬
‫فماذا فعل بطلنا الوهوب؟!‬
‫لقد قرر أن يعمل ف وقت واحد على عدة ماور‪:‬‬
‫الحور الول‪ :‬حرب الستناف‬
‫وقد استخدم عماد الدين زنكي هذا السلوب لكي يتجنب الصدام مع القوة النصرانية‬
‫بكاملها‪ ،‬فكان يُرسِل فرقة كبية من جيوشه تقترب من شيزر‪ ،‬فإذا رآها النصارى اقتربوا منها‬
‫ليقاتلوها‪ ،‬فينسحب عماد الدين زنكي تدرييّا ليبعدهم عن القوة الرئيسية الحاصِرة لشيزر‪ ،‬ث‬
‫يصطدم بم فيقتل منهم ويأسر‪!2‬‬
‫وظل يتبع هذا السلوب حت أرهق اليوش النصرانية دون أن يعطيها فرصة لقتاله قتالً‬
‫مفتوحًا‪.‬‬
‫الحور الثان‪ :‬هو قطع التموين عن اليوش النصرانية‬
‫حيث أرسل فرقًا من جيشه تاصِر الطرق خلف اليش النصران‪ ،‬وبذلك تنعه من تصيل‬
‫الواد والؤن بشكل ثابت؛ ما يؤدي مع مرور الوقت إل ضائقة قد تنع من إمكانية اليش على الصب‬
‫فترة طويلة‪.3‬‬
‫الحور الثالث‪ :‬مور الرب النفسية‬
‫لقد راسل عماد الدين زنكي القوات التحالفة‪ ،‬وأظهر لم أن قوته ضخمة وكبية‪ ،‬وقال لم‬
‫ف سخرية‪" :‬إنكم قد تصنتم من بذه البال‪ ،‬فاخرجوا عنها إل الصحراء حت نلتقي‪ ،‬فإن ظفرت‬
‫أخذت شيزر‪ ،‬وإن ظفرنا بكم أرحتُ السلمي من شرّكم!"‪.4‬‬
‫ولقد كان عماد الدين زنكي يعلم أن قوته أضعف من قوتم‪ ،‬ول يكن له رغبة ف‬
‫خروجهم‪ ،‬ولكنه كان بذه الكلمات يطمهم نفسيّا‪ ،‬ويشعرهم أن قوته أكب من قوتم‪ ،‬وأنه واثق‬
‫تام الثقة من نفسه وجيشه‪ ،‬وكان هذا ‪ -‬ول شك ‪ -‬ليهبهم‪ ،‬وقد ظهرت هذه الرهبة بوضوح ف‬
‫كلمات المباطور البيزنطي عندما أشار عليه بعض قادة الصليبيي أن يرج لقتال عماد الدين زنكي‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/302‬وأسامة بن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪.147-145‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/302‬‬
‫‪ 3‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/698،697‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،90302‬والنويري‪ :‬ناية الرب ‪ ،27/126‬وابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/81‬‬

‫‪341‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فقال ف جزعٍ‪" :‬أتظنون أنه ليس من العسكر إل ما ترون؟ إنا يريد أنكم تلقونه‪ ،‬فيجيء إليه من‬
‫ندات السلمي ما ل ح ّد عليه"‪ .1‬وهكذا أدّى هذا الستفزاز إل إرهاب المباطور البيزنطي‪ ،‬ومنعه‬
‫من التفكي ف التقدم جنوبًا‪.‬‬
‫الحور الرابع‪ :‬فك التاد بي قوات التحالف!‬
‫وقد قام عماد الدين زنكي ف هذا الصدد بعمل رائع إذ أرسل خطابات إل زعماء القوات‬
‫الصليبية يُعلِمهم أن المباطور البيزنطي إذا استول على حصن واحد بالشام أخذ البلد الت بأيديهم‬
‫منه‪ .‬ول شك أن هذا الكلم وقع موقعه من الصليبيي لسابق العهد بسياسة الدولة البيزنطية‪،‬‬
‫وذكّرهم هذا بالصراع الطويل‪ ،‬والنافسة الستمرة الت كانت بي المباطور ألكسيوس كومني أب‬
‫المباطور يوحنا كومني‪ ،‬وبي أسلفهم من زعماء الملة الصليبية‪.‬‬
‫ول يكتفِ عماد الدين زنكي بذلك‪ ،‬إنا أرسل رسالة إل المباطور البيزنطي نفسه يبه أن‬
‫الصليبيي ف بلد الشام خائفون منه‪ ،‬فلو فارق مكانه تلّوا عنه‪ !2‬وكانت هذه الكلمات تؤثر أيضًا‬
‫ف المباطور البيزنطي؛ لن تاريخ الصليبيي يشهد أنم أخذوا أنطاكية ومدن إقليم قليقية على‬
‫خلف معاهدة القسطنطينية القدية‪ ،‬ما يوحي أن الصليبيي قد يغدروا به إذا ت لم النتصار!‬
‫وهكذا ألقى عماد الدين زنكي الشك ف قلوب التحالفي‪ ،‬حت صار كل طرف على وجل‬
‫من الطرف الخر‪ ،‬وهكذا فترت عزية الطرفي على إكمال القتال‪.‬‬
‫بذه الطة التوازنة جدّا بدأ البيزنطيون يتململون من البقاء ف الصار الطويل حول شيزر‪،‬‬
‫خاصةً أن الدينة حصينة جدّا‪ ،‬وقد يتطلب إسقاطها عدة أسابيع أو أشهر‪ .‬وهكذا وصل اليش‬
‫النصران إل حالة من التردد وخيبة المل‪ ،‬خاصةً بعد تزايد أعداد القتلى والسرى ف جيوشهم دون‬
‫نصر واضح يققونه‪.‬‬
‫ث إن ال أراد أن يعجّل برحيل القوات البيزنطية‪ ،‬وذلك عن طريق حدوث أربعة أمور ف‬
‫وقت متزامن‪ ،‬كان لا أكب الثر ف تغيي إستراتيجية اليوش النصرانية‪:‬‬
‫أما المر الول فهو وصول الخبار باستجابة ركن الدولة داود بن سقمان لنداء عماد الدين‬
‫زنكي‪ ،‬وقدومه على رأس خسي ألف تركمان دفعة واحدة‪ !3‬وقد حرص عماد الدين زنكي على‬
‫إيصال هذه الخبار للجيش النصران ليزيد من هزيته النفسية‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/302‬‬


‫‪ 2‬النويري‪ :‬ناية الرب ‪ ،27/136‬وابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/302‬‬
‫‪ 3‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/80،79‬‬

‫‪342‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وأما المر الثان فهو وصول الخبار أيضًا باتاد جيش سلجقة الروم والدانشمنديي‬
‫وهجومهم على مدينة أذنة ف إقليم قليقية‪ ،4‬وهذه الدينة كانت قد دخلت تت سيطرة الدولة‬
‫البيزنطية‪ ،‬ومن ثَمّ فهذا يعن أن الدولة البيزنطية بد ًل من أن تزيد أملكها‪ ،‬فإنا ستفقد منها أجزاء‬
‫مهمة‪.‬‬
‫وأما المر الثالث فهو صراع داخلي نشأ بي قواد الصليبيي ريوند بواتييه وجوسلي الثان!‬
‫فقد كان كلّ منهما يكره الخر وياف من ازدياد نفوذه‪ ،‬فكان جوسلي الثان يرى أن وجود ريون‬
‫بواتييه ف شيزر وحلب إذا نح اليش البيزنطي ف إسقاطهما سوف يضيّق عليه حريته‪ ،‬حيث‬
‫سيفصل بينه وبي ملكة بيت القدس الراعية للجميع‪ .‬وعلى الانب الخر فإن ريوند بواتييه كان ف‬
‫شكّ كبي أن تستقر المور لصاله إذا تكوّنت هذه المارة الزعومة؛ لنه يرى أن اليوش الضخمة‬
‫ل تفلح ف التقدم خطوة ف احتلل حلب أو شيزر‪ ،‬فكيف سيكون الال إذا رحلت جيوش‬
‫المباطورية البيزنطية! وهذه الواجس عند جوسلي الثان وريوند بواتييه قادت إل نزاع بي‬
‫الطرفي وخصام‪ ،‬إضافةً إل أن جوسلي الثان قام بالوشاية بي ريوند بواتييه والمباطور البيزنطي‬
‫ما أدّى إل فتور العَلقة بينهما‪.2‬‬
‫أما المر الرابع والخي‪ :‬فهو قدوم عرض من أمي شيزر إل المباطور البيزنطي يعرض‬
‫عليه مبلغًا كبيًا من الال يعوّضه عن نفقات الرب على أن يسحب قوّاته فورًا‪ ،‬ويرفع الصار عن‬
‫شيزر‪ !3‬وهكذا أخذ المباطور البيزنطي ُيقَلّب المر ف ذهنه من جديد‪ ،‬ووقع ف حية شديدة فيما‬
‫يب أن يفعله‪ ،‬فاستمرار القتال قد يؤدّي إل هلكة له وليشه‪ ،‬والنسحاب ضربة كبية لكرامته‪،‬‬
‫فماذا يفعل؟‬
‫ل شك أن أفكارًا كثية تضاربت ف عقله‪ ،‬ول شك أنه قد أخذ يمع النقطة إل جوار‬
‫النقطة‪ ،‬والدث إل جوار الدث ليخرج ف النهاية بقرار‪.‬‬
‫ولنتجول معًا ف عقل المباطور البيزنطي يوحنا كومني!‬
‫أولً‪ :‬حصار شيزر استمر حت هذه اللحظة ثلثة أسابيع دون أي تقدم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مدينة شيزر مدينة ثرية جدّا‪ ،‬وتوينها الداخلي كثي جدّا‪ ،‬وعليه فهي تستطيع الطاولة‬
‫ف الصار فترة طويلة جدّا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, pp. 662-665‬‬
‫‪ 2‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪،2/697،696‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll, p. 216.‬‬
‫‪ 3‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪،2/697‬‬
‫‪Setton: op. cit. 1, p. 456.‬‬

‫‪343‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ثالثًا‪ :‬القوات البيزنطية َفقَدت حت الن أعدادًا كثية من النود ما بي قتيل وأسي‪ ،‬سواء‬
‫حول أسوار حلب‪ ،‬أو ف حصن الثارب‪ ،‬أو حول أسوار شيزر‪ ،‬أو ف العارك التكررة مع عماد‬
‫الدين زنكي‪ .‬وف نفس الوقت فالقوات البيزنطية فقدت السرى السلمي الذين أسرتم من ُبزَاغة‪،‬‬
‫حيث حرّرهم المي سوار من حصن الثارب‪ ،‬وهذا يعن أن القوات البيزنطية خسرت دون‬
‫مكسب!‬
‫رابعًا‪ :‬قائد اليوش السلمية عماد الدين زنكي‪ ،‬قائ ٌد عنيد ماهد ل تلي له قناة‪ ،‬وصبور ل‬
‫تفتر له عزية‪ ،‬ومترف يتقن كل فنون الرب‪ ،‬ول يبدو مطلقًا أنه يقبل بالزية!‬
‫خامسًا‪ :‬القوات الصليبية الساعدة له قوات ضعيفة‪ ،‬وصراعاتا الداخلية كثية‪ ،‬ول يوجد‬
‫عنصر الثقة التبادلة بي الطرفي أبدًا‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬مدينة أذنة على وشك الضياع‪ ،1‬ول يقف المر عند مصيبة ضياعها‪ ،‬ولكن قد‬
‫يتطور المر إل إغلق طريق العودة على اليوش البيزنطية‪ ،‬وبذلك تصر اليوش البيزنطية بي‬
‫سلجقة الروم والدانشمنديي من ناحية‪ ،‬وبي عماد الدين زنكي من ناحية أخرى‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬المباطور السابق رومانوس الرابع ل يقدّر هذه السابات العسكرية‪ ،‬ومن ثَمّ خاض‬
‫موقعة قدية مع البطل السلمي السابق ألب أرسلن‪ ،‬وهي موقعة ملذكرد سنة (‪463‬هـ)‬
‫‪1070‬م‪ ،‬وكانت نتيجتها كارثة على المباطور البيزنطي وعلى الدولة البيزنطية بكاملها‪ ،‬فهل‬
‫يكرّر يوحنا كومني الطأ الذي وقع فيه المباطور السابق‪ ،‬أن ينجو بنفسه وبيشه؟!‬
‫ثامنًا‪ :‬كل هذه التطورات الطية تدث من جيش عماد الدين زنكي فقط‪ ،‬فماذا لو جاء‬
‫جيش الراتقة التركمان‪ ،‬وقوامه ‪ -‬كما نقل الواسيس ‪ -‬خسون ألف مقاتل‪2‬؟! ل شك أن‬
‫القوات البيزنطية ستوضع عندها ف مأزقٍ خطي!‬
‫تاسعًا‪ :‬وصلت النباء أيضًا أن عماد الدين زنكي أرسل مبعوثًا إل السلطان مسعود سلطان‬
‫السلجقة العظام‪ !3‬فماذا لو جاء جيش كثيف من بغداد يقوده السلطان مسعود حفيد السلطان ألب‬
‫أرسلن الذي سَحَق قبل ذلك بتسعة وستي عامًا جيشَ الدولة البيزنطية؟!‬
‫عاشرًا‪ :‬إذا انسحب المباطور البيزنطي دون أي نتيجة فقد يتعرض للوم كبي ف البلط‬
‫البيزنطي قد يؤثّر ف منصبه‪ ،‬أما الن فأمامه فرصة كبية أن يقّق شيئًا‪ ،‬وذلك أن يقبل بالبلغ الضخم‬
‫الذي سيدفعه أمي شيزر تعويضًا عن نفقات الرب الباهظة‪ ،‬كما أنه سيترك حامية ف مدينت بزاغة‬
‫وكفرطاب لتُصبِحا قواعد متقدمة للجيش البيزنطي ف أرض الشام‪ ،‬وسوف يعود المباطور البيزنطي‬
‫‪1‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, p. 324.‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/268‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/303‬‬

‫‪344‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مسرعًا إل مدينة أذنة ليحميها من السلجقة الروم والدانشمنديي‪ ،‬وقد يقق انتصارًا عليهما يرفع‬
‫قليلً من أسهمه‪ ،‬ويعوّضه عن حلته الفاشلة إل بلد الشام!‬
‫إذن باستعراض هذه المور العشرة الت جالت ف ذهن المباطور ندرك أن التحليل النطقي‪،‬‬
‫والتفكي السليم يقضيان بأن يأخذ المباطور البيزنطي القرار الريء بالنسحاب الفوري من حوله‬
‫ل بالطرح الذي قدمه أمي الدينة‪ ،‬وذلك قبل أن يفقد كل شيء‪ ،‬ول يد حت هذا‬ ‫أسوار شيزر‪ ،‬قاب ً‬
‫الطرح أمامه!‬
‫وهذا هو الذي حدث بالفعل!‬
‫وأعلن المباطور البيزنطي الكبي انسحابه وجيع القوات التحالفة من حول مدينة شيزر بعد‬
‫ثلثة وعشرين يومًا من الصار‪!1‬‬
‫لقد أعلن المباطور البيزنطي بوضوح فشله ف كسر الرادة السلمية!‬
‫لقد كان نصرًا خالدًا حقّا!‬
‫لقد رحلت اللف الؤلفة من قوات التحالف البيزنطي الصليب لتنجو بنفسها من أَتّون‬
‫السلمي الحرق!‬
‫لقد رحلوا وهم ل يلوون على شيء! رحلوا رحيلً مزيًا مشينًا! ل ينظروا فيه إل هيبتهم أو‬
‫مكانتهم أو تاريهم أو حت مستقبلهم‪.‬‬
‫لقد كان يومًا من أيام ال الشهورة‪ ،‬سع به العال أجع‪ ،‬وتكلم عنه السلمون والنصارى‪،‬‬
‫ولفت أنظار الؤرخي الغربيي والشرقيي‪ ،‬وصار علمة مفورة ف أذهان أجيال وأجيال‪.‬‬
‫كانت هذه الحداث ف شهر رمضان ‪532‬هـ\ مايو ‪1138‬م‪ ،‬أي بعد أقل من سنة على‬
‫موقعة فتح بارين الت انتصر فيها عماد الدين زنكي على جيوش إمارة طرابلس التحدة مع ملكة بيت‬
‫القدس‪ .‬وهكذا صار عماد الدين زنكي بل جدال البطل السلمي الول‪ ،‬ول يكن أحد يستطيع‬
‫إنكار هذه القيقة حت لو كان ف داخله يرفضها‪ ،‬وصار لفظ "الدولة الزنكية" مقبولً جدّا‪ ،‬فهذه‬
‫هي الدولة الول بل منازع ف عال السلم‪.‬‬
‫ف بروب القوات النصرانية بذه الطريقة الشينة‪ ،‬إنا ترك ف‬ ‫أما بطلنا البيب فلم يكت ِ‬
‫خطوات سريعة‪ ،‬ليثبت للجميع أنه ل يتنفّس الصعداء لن اليوش البيزنطية والصليبية رحلت‪ ،‬بل هم‬
‫الذين يب أن يتنفسوا الصعداء لنجاتم بياتم من أيدي السلمي!‬
‫ماذا فعل بطلنا العظيم؟!‬

‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪ ،266‬وأسامة بن منقذ‪ :‬العتبار ص ‪ ،114،113‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/268‬‬

‫‪345‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أولً‪ :‬أسرع عماد الدين زنكي رحه ال بيشه خلف اليش البيزنطي يطارده‪ ،‬واستطاع أن‬
‫يصطدم مع مؤخرة اليش البيزنطي‪ ،‬وأن يقتل ويأسر ويغنم‪ ،1‬ما جعل البيزنطيي يُسرِعون الُطَا ف‬
‫اتاه بلدهم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ترك عماد الدين زنكي بسرعة ليسيطر على آلت الصار الثقيلة الت كان ينصبها‬
‫البيزنطيون حول أسوار حلب‪ ،‬فهذه آلت متطورة الصنع باهظة التكاليف‪ ،‬وهي غنيمة عظيمة غالية‪.‬‬
‫واستطاع بالفعل أن يستول على معظمها‪ ،‬واضطر البيزنطيون إل حرق البقية لعدم مقدرتم على‬
‫الركة السريعة وهم يرون هذه اللت الضخمة‪.2‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أرسل عماد الدين زنكي سرية بقيادة صاحبه صلح الدين الياغيسيان لعادة فتح‬
‫كفرطاب‪ ،‬وإخراج الامية البيزنطية منها‪ .‬وأفلح صلح الدين الياغيسيان ف ذلك ف نفس الشهر‬
‫الذي رحلت فيه القوات البيزنطية‪ ،‬أي ف رمضان سنة ‪532‬هـ‪.3‬‬
‫رابعًا‪ :‬فعل عماد الدين زنكي ما هو أعظم من ذلك‪ ،‬إذ استغل هذا النصر الكبي‪ ،‬وترك‬
‫حركة مفاجئة ف اتاه حصن عرقة‪ ،‬وهو من الصون التابعة لمارة طرابلس‪ ،‬واستطاع بعد حصار‬
‫طويل وقصف مستمر أن يُسقِط الصن‪ ،‬وأن يأسر مَن به من الصليبيي‪ .4‬وكانت حركة ف منتهى‬
‫الذكاء منه‪ ،‬إذ كان التوقع أن يهاجم إمارت أنطاكية والرها انتقامًا من زعيميهما اللذين شاركا‬
‫المباطور البيزنطي ف الملة‪ ،‬إل أنه هاجم إمارة طرابلس الت ل تكن مستعدة لذا الجوم الباغت‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬ل ينس عماد الدين زنكي قضية توحيد المة‪ ،‬ومن ثَ ّم فبمجرد رحيل القوات‬
‫البيزنطية‪ ،‬وأثناء رمضان سنة ‪532‬هـ‪ ،‬عاد عماد الدين زنكي بسرعة إل حصار حص آملً أن‬
‫يفلح ف إسقاطها‪ .‬وهكذا ل يترك عماد الدين زنكي فترة ف حياته للراحة حت بعد هذا الهد الكبي‬
‫الذي بُذِل حول أسوار شيزر‪.‬‬
‫لكن ف هذه الرة الت حاصر فيها عماد الدين زنكي رحه ال مدينة حص‪ ،‬فكر أن يأخذها‬
‫بطريقة أخرى توفّر عليه كثيًا من العناء‪ ،‬وقد تفتح الباب لضم مدن أخرى ف الستقبل! لقد فكر‬
‫عماد الدين زنكي أن يتزوج زواجًا سياسيّا مهمّا يكفل له التقرب من حاكم دمشق شهاب الدين‬
‫ممود بن بوري‪ ،‬وهكذا طلب عماد الدين زنكي الزواج من صفوة اللك زمرد خاتون أم شهاب‬
‫الدين ممود ف مقابل أن يأخذ مدينة حص!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/303‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/268‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/268‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/268‬‬
‫‪ 4‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/84‬‬

‫‪346‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وقد يتساءل أحدٌ‪ :‬كيف يتزوج ث يأخذ حص بدلً من أن يُعطِي هو شيئًا؟! فنقول أنه ‪-‬‬
‫ول شك ‪ -‬قد دفع الكثي من أمور الهر والدايا الثمينة إل أنه يطلب حص ف مقابل الشرف الكبي‬
‫الذي تناله مَن تتزوج من عماد الدين زنكي رحه ال!‬
‫فعماد الدين زنكي الن يكم أكب إمارة ف العال السلمي‪ ،‬ث إنه البطل الغوار الذي يقق‬
‫النتصارات التتالية على الصليبيي والبيزنطيي‪ .‬ول شك أن الرتباط بذا الرجل شرف ما بعده‬
‫شرف‪.‬‬
‫وقد ت لعماد الدين زنكي ما أراد فعلً‪ ،‬ووافق شهاب الدين ممود على هذا الزواج‪ ،‬وت‬
‫ل ف نفس الشهر أيضًا‪ ،‬أي ف شهر رمضان ‪532‬هـ‪ ،1‬وهكذا دخلت حص ف إمارة عماد‬ ‫فع ً‬
‫الدين زنكي!‬
‫وقبل أن نترك الحداث ف هذه الفترة نريد أن نعرف ماذا ت ف أمر الستغاثة الت أرسلها‬
‫عماد الدين زنكي إل السلطان مسعود السلجوقي ف بغداد‪ ،‬والت حلها القاضي كمال الدين‬
‫الشهرزوري!‬
‫لقد وصل كمال الدين إل بغداد بسرعة‪ ،‬والتقى بالسلطان مسعود‪ ،‬وعرّفه عاقبة التوان عن‬
‫نصرة السلمي ف أرض الشام‪ ،‬وخوّفه با يفهمه من أمور ضياع اللك والسلطان‪ ،‬فأخبه أن‬
‫البيزنطيي إذا ملكوا حلب فإنم سينحدرون مع نر الفرات إل بغداد نفسها‪ ،‬فتحتل عاصمة اللفة!‬
‫ماذا كان ردّ فعل السلطان السلجوقي مسعود؟!‬
‫يقول ابن الثي رحه ال‪" :‬فلم يد عنده حركة!!"‪.‬‬
‫أي أن السلطان قابل المر ببود شديد‪ ،‬وكأنه جادٌ ل روح فيه! فلم يُبْدِ أي انفعال‪ ،‬ول‬
‫يظهر عليه أي تأثّر‪ ،‬وكأن القضية ل تعنيه بالرّة!‬
‫خرج القاضي كمال الدين الشهرزوري مبطًا من عند السلطان مسعود‪ ،‬ولكنه فكر أن‬
‫يارس عليه ضغطًا يرّك حيّته! لقد أمر كمال الدين أحد أصحابه أن يضي إل جامع القصر‪ ،‬وهو‬
‫الامع الذي يصلي فيه الليفة‪ ،‬وأن يأخذ معه مموعة من العوان‪ ،‬ث بجرد صعود الطيب إل النب‬
‫يقوم هذا الرجل‪ ،‬ويقوم معه أصحابه فيصيحون جيعًا‪" :‬واإسلماه‪ ،‬وادِينَ ممّداه"‪ ،‬ث يشق ثيابه‪،‬‬
‫ويلقي عمامته‪ ،‬ث يرج إل دار السلطان يستغيث ويستغيث معه الناس‪.‬‬
‫ل آخر يقوم بنفس الفعل ف مسجد السلطان‪ ،‬ليتبعه الميع بعد‬ ‫ث وضع كمال الدين رج ً‬
‫ذلك إل دار السلطان أيضًا‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/269‬‬

‫‪347‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد كانت خطة لثارة الماهي ف بغداد‪ ،‬لتضغط شعبيّا على السلطان‪ ،‬وذلك بصورة تيفه‬
‫من حدوث انقلب عليه‪ ،‬وهذا ‪ -‬ل شك ‪ -‬سيثي السلطان‪ ،‬خاصةً والصراع ما زال مستمرّا مع‬
‫ابن أخيه داود بن ممود حول كرسيّ السلطنة‪ ،‬وقد يصطاد اللك داود ف الاء العكر‪ ،‬ويرّك الناس‬
‫لهاد الصليبيي‪ ،‬وهذا سيسبّب حرجًا كبيًا للسلطان مسعود!‬
‫ونحت الطة‪ ،‬وتركت الماهي الغاضبة تصيح‪ :‬واإسلماه‪ ،‬واممداه‪ .‬وكانت مظاهرة‬
‫ضخمة أرعبت السلطان‪ ،‬وصاح من فوره‪ :‬احضروا ل ابن الشهرزوري! فأُحضر له‪ ،‬فقال السلطان‪:‬‬
‫"أي فتنة أثرت؟!" فر ّد كمال الدين‪" :‬ما فعلت شيئًا‪ ،‬أنا كنت ف بيت‪ ،‬وإنا الناس يغارون للدين‬
‫ج إل الناس ففرّقهم عنّا‪ ،‬واحضرْ‬
‫والسلم‪ ،‬ويافون عاقبة هذا التوان"‪ .‬فقال السلطان مضطرّا‪" :‬اخر ْ‬
‫غدًا واخترْ من العسكر ما تريد!"‪.‬‬
‫فخرج كمال الدين الشهرزوري إل الناس‪ ،‬وسكّنهم وعرّفهم أن السلطان سيجهز النود‬
‫لنجدة السلمي ف الشام‪ .‬وف الغد ذهب كمال الدين الشهرزوري إل السلطان فوجده قد جهّز‬
‫جوعًا عظيمة من الند‪ ،‬لدرجة أن كمال الدين خاف من هذه الموع الكبية‪ ،‬وتوقع أن السلطان‬
‫ينوي أن يضم الشام إل أملكه بعد أن يارب البيزنطيي والصليبيي‪ ،‬فأرسل كمال الدين‬
‫الشهرزوري بسرعة إل نصي الدين بن جقر أمي الوصل يستشيه‪ ،‬ول يرسل لعماد الدين زنكي‬
‫لبُعد السافة‪ ،‬فقال نصي الدين‪" :‬البلد ل شك مأخوذة‪ ،‬فلن يأخذها السلمون خي من أن يأخذها‬
‫الكافرون!"‪.‬‬
‫لقد كان نصي الدين يتمتع بنفس الرؤية الت عند عماد الدين زنكي‪ ،‬فأجاب بنفس‬
‫الكلمات الت أجاب با عماد الدين زنكي عندما اعترض عليه الناس حي فكّر ف استقدام السلطان‬
‫مسعود‪.‬‬
‫وهكذا تهزت اليوش وأوشكت على الرحيل‪ ،‬إل أنه ف الوقت الذي كادت أن تتحرك‬
‫فيه وصلت رسالة عاجلة من عماد الدين زنكي يب فيها كمال الدين الشهرزوري برحيل المباطور‬
‫البيزنطي‪ ،‬وبانتصار السلمي‪ ،‬ومن ثَ ّم فل داعي لركة اليوش من بغداد إل حلب‪!1‬‬
‫وبذا تكون المور ‪ -‬بفضل ال ‪ -‬قد سارت لصال عماد الدين زنكي‪ ،‬ول يضطر إل‬
‫الدخول ف مواجهة قد تكون مؤسفة مع جيوش السلطان مسعود‪.‬‬
‫وإزاء هذا الوضع الديد‪ ،‬وقد ذاع صيت عماد الدين زنكي ف كل مكان‪ ،‬واعترف الميع‬
‫بفضله وجهده‪ ،‬وصار له الدعاء على كل منابر السلمي‪ ،‬فكر السلطان مسعود فيما يب أن يفعله‬
‫مع عماد الدين زنكي! إنه ل يستطيع الن أن يهاجه أو يأمره بشيء يغضبه؛ لن عموم جهور‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/303‬والباهر ص ‪.63،62‬‬

‫‪348‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫السلمي سيقف مع عماد الدين زنكي ل شك؛ ولذلك فكر السلطان مسعود ف احتواء عماد الدين‬
‫زنكي‪ ،‬والتعامل معه كقائد كبي من قواده‪ ،‬وبالتال أرسل له فورًا التشريفات واللع‪ ،‬وهنّأه بالنصر‬
‫الكبي‪ ،‬وبالناز الذي حققه للمسلمي‪ ،‬وعامله كأمي من أمرائه التابعي له‪ ،‬ل كقائد دولة منفصلة‬
‫عنه‪ ،‬وَقبِل عماد الدين زنكي هذا السلوب‪ ،‬فهو ل يكن يريد أن يدخل ف صراعات ل معن لا‪ ،‬إنا‬
‫كان يريد أن يفرّغ كل جهده لتوحيد السلمي‪ ،‬ولخراج الصليبيي من الرض السلمية‪.1‬‬
‫وهكذا انتهت سنة ‪532‬هـ ناية سعيدة على السلمي‪ ،‬بعد أن وضحت الرؤية لعموم‬
‫الناس‪ ،‬وأضحى هناك أمل كبي ف إخراج الصليبيي بعد أن عرف السلمون طريق الوحدة والهاد‪.‬‬
‫وقبل أن نترك هذه السنة التميزة ف تاريخ هذه الفترة نشي إل حدث مهم شهدته هذه‬
‫السنة‪ ،‬ول يلفت أنظار الناس آنذاك‪ ،‬وإن كان أثره ف السلمي ‪ -‬بل على العال ‪ -‬بعد ذلك‬
‫سيصبح كبيًا جدّا‪ .‬وهذا الدث هو ميلد البطل السلمي العظيم صلح الدين اليوب! ومن‬
‫عجيب المور أن صلح الدين اليوب وُلِد ف اليوم الذي ُعزِل فيه أبوه نم الدين أيوب من قيادة‬
‫قلعة تكريت بعد خلف حدث بينه وبي رئيس الشرطة ف بغداد ماهد الدين بروز‪ ،‬لدرجة أن أباه‬
‫ف بادئ المر كان يتشاءم منه؛ لنه ولد ف اليوم الذي فقد فيه علمه‪ !2‬ول يكن يدرك أن صلح‬
‫الدنيا والدين سيكون ف حياة هذا الوليد!‬
‫ولقد رحل نم الدين أيوب ومعه أخوه أسد الدين شيكوه من تكريت إل إمارة الوصل‬
‫ليكونا ف خدمة البطل عماد الدين زنكي‪ ،‬وقد مر بنا قبل ذلك أن نم الدين أيوب كان قد ساعد‬
‫عماد الدين زنكي ف عبور دجلة سنة ‪526‬هـ عند هزية عماد الدين زنكي من الليفة السترشد‪،‬‬
‫وقد قدّم نم الدين أيوب يومها العون كله لعماد الدين زنكي‪ ،‬وآواه ف القلعة عدة أيام؛ ولذلك‬
‫عندما وقعت له هذه الزمة فكر ف اللجوء إل عماد الدين زنكي كي يد العون عنده‪ .‬وقد كان‬
‫عماد الدين زنكي عند حسن ظن نم الدين أيوب‪ ،‬فأحسن استقباله‪ ،‬وأقطعه بعض القطاعات‬
‫ليختب مهارته ف القيادة؛ تهيدًا لتوليته منصبًا أكب إذا أثبت كفاءته‪ .‬وهكذا توطدت العَلقة بي‬
‫عماد الدين زنكي ونم الدين أيوب‪ ،‬وهذا هو الذي سيجعل العلقة بعد ذلك قوية بي ابن عماد‬
‫الدين زنكي وهو نور الدين ممود‪ ،‬وبي صلح الدين اليوب ابن نم الدين أيوب‪ .‬فسبحان الذي‬
‫يُسيّر الكون بكمته!‬

‫‪ 1‬حسن إبراهيم حسن‪ :‬تاريخ السلم السياسي والدين والثقاف والجتماعي ‪.4/75‬‬
‫‪ 2‬ابن خلكان‪ :‬وفيات العيان ‪.7/145،144‬‬

‫‪349‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫عماد الدين زنكي وفتح الرها‬

‫مع عظمة النتصارات السابقة‪ ،‬ومع تقدم السلمي الواضح ف قصة صراعهم مع الصليبيي‪،‬‬
‫إل أن هذا التقدم السلمي كان يعيبه أمران‪ ،‬وكان هذان العيبان ل يغيبان عن عماد الدين زنكي‬
‫رحه ال‪.‬‬
‫أما العيب الول‪ :‬فإن العارك السلمية حت الن كانت ف الساس ردود أفعال‪ ،‬بعن أن‬
‫الجوم غالبًا ما يأت من قِبَل الصليبيي أو البيزنطيي‪ ،‬ث يسرع عماد الدين زنكي بالرد با هو‬
‫مناسب‪ .‬ومع أن ردود عماد الدين زنكي كانت دائمًا قوية إل أن هذه إستراتيجية غي آمنة؛ حيث‬
‫إن الهاجِم يباغت عدوه با ل يتوقع‪ ،‬ويتار أرض العركة وزمانا‪ ،‬وقد يتعرض السلمون حينها‬
‫لظروف تنع من الرد الناسب‪ ،‬وكان عماد الدين زنكي يسعى للتغلب على هذا العيب‪ ،‬وأن يكون‬
‫هو البادئ بالتخطيط والجوم‪ ،‬إل أن هجمات الصليبيي التوالية كانت تضيّع عليه هذه الفرصة‪.‬‬
‫وأما العيب الثان‪ :‬فكون القوات السلمية تاجم المارات الصليبية متمعة دون التركيز‬
‫على إمارة معينة‪ ،‬وهذا يضع كل المارات ف حالة استنفار‪ ،‬وف نفس الوقت ل يُحدِث أثرًا كبيًا؛‬
‫حيث يشتّت الهود‪ ،‬ويُضيّع الطاقات‪ ،‬ول يرّر ف النهاية إل حصنًا أو مدينة‪ ،‬بينما تبقى المارة‬
‫صلبة مقاومة للنيار‪.‬‬
‫ولتلف هذين العيبي رأى عماد الدين زنكي أن يوفر جهده فترة معينة من الزمن‪ ،‬يهتم فيها‬
‫بإعداد جيش قوي متماسك ومتناسق‪ ،‬ويوحّد إمارته بشكل أقوى‪ ،‬ويضم إليها ما يلزم من أجزاء‬
‫تسهّل عليه مهمة جهاد الصليبيي‪ ،‬وقد كانت هذه الرحلة الت تر با إمارة عماد الدين زنكي مناسبة‬
‫لذه الفكار‪ ،‬حيث خرج عماد الدين زنكي من الحداث السابقة قويّا مرهوبًا‪ ،‬وبالتال فل يُتوقع‬
‫من المارات الصليبية أن تغزو أو تثي غضبه‪ .‬كما أن جانب السلطان مسعود أصبح إل ح ّد كبي‬
‫مأمونًا‪ ،‬حيث أرسل التشريفات إل عماد الدين زنكي‪ ،‬وأقرّ بإمارته وزعامته على قطاع كبي من‬
‫الدولة السلمية‪.‬‬
‫ول يكن أمام عماد الدين زنكي إل أن يدّد المارة الصليبية الت ينبغي أن يركّز جهوده‬
‫لربا بغية إسقاطها بالكُلّيّة‪ ،‬ث يشرع ف تهيد المر لذلك‪ ،‬ولو أخذ هذا المر عدة سنوات‪.‬‬
‫وباستقرار الوضع الذي وصلت إليه المارات الصليبية الختلفة ف هذا الوقت‪ ،‬وجد عماد‬
‫الدين زنكي أنه ينبغي أن يوجّه جهوده ويكثّفها لسقاط إمارة الرها دون غيها!‬
‫أما لاذا الرها دون بقية المارات‪ ،‬فهذا لسبابٍ‪:‬‬

‫‪350‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أولً‪ :‬إمارة الرها هي أقرب المارات لقوات عماد الدين زنكي‪ ،‬وبالتال فإن حركة اليوش‬
‫السلمية إليها ستكون أسهل‪ ،‬وإذا حدث ‪ -‬ل قدر ال ‪ -‬هزية للجيش السلمي فإنه سيجد‬
‫حصونًا ومدنًا قريبة يستطيع أن يلوذ با‪ ،‬ومن ثَ ّم فإن فرصة تأمي القوات السلمية أعلى ف حرب‬
‫هذه المارة من غيها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إمارة الرها هي أشد المارات خطورةً على إمارة عماد الدين زنكي‪ ،‬فهي قريبة جدّا‬
‫من الوصل وحلب وكل مدن إقليم الزيرة‪ ،‬وبالتال فخروج اليوش السلمية من حصونا لتهديد‬
‫أمن القرى والدن السلمية يثّل احتمالً كبيًا واردًا‪ .‬كما أن عماد الدين زنكي ل يستطيع أن‬
‫ينطلق لرب أنطاكية أو طرابلس ويترك خلف ظهره هذه المارة الصليبية الصينة؛ فقد تقطع عليه‬
‫طريق العودة‪ ،‬أو تاجه من ظهره‪ ،‬ول يفى خطورة ذلك على اليش السلم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إمارة الرها غي مستقرة‪ ،‬حيث إن تركيبتها السكانية تعل أحوالا مضطربة‪ ،‬وكذلك‬
‫تاريها يشهد بعدم الستقرار؛ فإمارة الرها تعتمد على الرمن ف حياتا‪ .‬ومع كون الرمن نصارى‬
‫مثل الصليبيي إل أنم كانوا يبغضونم أشدّ البغض‪ ،‬والتاريخ يشي إل أكثر من مذبة ارتكبها‬
‫الصليبيون الكاثوليك ف حق الرمن؛ ما جعلهم ف وج ٍل دائم من الصليبيي‪ .‬وقد حدث ف تاريهم‬
‫أكثر من مرة أن تراسلوا مع السلمي ليخرجوهم من أزمتهم مع الصليبيي؛ ولذا فأوضاع هذه‬
‫المارة الداخلية قد تسهّل على عماد الدين زنكي مهمته‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬على رأس إمارة الرها جوسلي الثان‪ ،‬وهو أضعف المراء الصليبيي الن‪ ،‬ول يكن‬
‫على كفاءة أبيه مطلقًا‪ ،‬ول يكن يُؤثِر القتال والنال‪ ،‬ولعل الجوم على إمارته يكون أسهل من‬
‫غيه‪.1‬‬
‫خامسًا‪ :‬إمارة الرها إمارة داخلية‪ ،‬أي أنا بعيدة عن ساحل البحر البيض التوسط‪ ،‬وبالتال‬
‫فإنا تفتقر إل المدادات البحرية من السفن اليطالية الت طالا ندت المارات البحرية كأنطاكية‪،‬‬
‫وطرابلس‪ ،‬وملكة بيت القدس‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الجوم على إمارة الرها لن يستثي المباطورية البيزنطية لبُعدها عن حدودها‪ ،‬ولقلة‬
‫طمعها فيها‪ ،‬بينما لو هجم عماد الدين زنكي على إمارة أنطاكية لرّك ذلك جيوش الدولة البيزنطية‬
‫الت تشعر أن لا حقّا ف هذه المارة بشكل خاص‪.‬‬
‫لذه السباب فإن فرصة إسقاط السلمي لذه المارة أقرب من غيها‪ ،‬وعليه فيجب‬
‫تكثيف الهد لتحقيق هذا الدف‪ ،‬ول مانع من النتظار عدة سنوات ليصبح العمل متقنًا‪ ،‬وتصبح‬
‫فرصة ناحه أفضل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cam. Med. History. Vol. 5. p. 307.‬‬

‫‪351‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ول شك أن النتظار ل يعن أنا فترة سكون بل عمل‪ ،‬لكنها فترة إعداد وتهيز‪ ،‬والدف‬
‫ف آخرها واضح‪ ،‬وهذا الذي جعل الطوات ف هذه الفترة كلها تصبّ ف مصلحة واحدة‪.‬‬
‫ولقد رأى عماد الدين زنكي رحه ال أن عليه أن يعمل ف مورين رئيسيي‪:‬‬
‫الحور الول‪ :‬هو تهيد أرض الزيرة ليومٍ ُتهَاجَم فيه إمارة الرها‪.‬‬
‫فأرض الزيرة با تمعات تركمانية كثية‪ ،‬والوضاع فيها غي مستقرة‪ ،‬والتعاون الذي بي‬
‫عماد الدين زنكي وحسام الدين ترتاش تعاون ضعيف غي مبنّ إل على خوف حسام الدين ترتاش‬
‫من قوة عماد الدين زنكي أو طمعه ف عطاياه‪ ،‬والحلف الت من هذا النوع كثيًا ما تسقط‬
‫وتتهاوى عند تعارض الصال‪ .‬كما أن ركن الدولة داود وإن كان قد وعد بالقدوم على رأس خسي‬
‫ألفًا ند ًة لشيزر‪ ،‬إل أنه متصلب الرأي جدّا‪ ،‬وحارب عماد الدين زنكي قبل ذلك مرارًا‪ ،‬وله أتباع‬
‫وأعوان‪ ،‬ول يستبعد أبدًا أن يُحدِث مشاكل مستقبلية‪.‬‬
‫وبالنسبة لعماد الدين زنكي فإنه ل يستطيع أن يفتح الرها بينما أحوال الزيرة مضطربة؛ لنه‬
‫لكي يتجه للرها ل بد أن يعب الزيرة‪ ،‬ولو ضغط عليه الصليبيون فل بد أن تكون له قاعدة قوية‬
‫يرجع إليها آمنًا؛ ولذا فاستقرار الزيرة أمرٌ حتمي لفتح الرها‪.‬‬
‫الحور الثان‪ :‬ماولة ضم مدينة دمشق‪.‬‬
‫فمدينة دمشق هي أهم مدن الشام مطلقًا‪ ،‬ومن أحصنهم عسكريّا‪ ،‬ومن أكثرهم كثافة‬
‫للسكان‪ ،‬ومن أغناهم ثروة ف الال والسلح‪ ،‬كما أنا بوقعها الستراتيجي جدّا تشرف على عدة‬
‫ماور ف غاية الهية؛ فهي قريبة جدّا من عدة مدن إسلمية متلة مثل بيوت وصيدا وعكا وطبية‪،‬‬
‫كما أنا قريبة من إمارة طرابلس‪ ،‬وكذلك هي ف الطريق إل بيت القدس‪ ،‬وهي تشرف على الطريق‬
‫بي بيت القدس ف النوب‪ ،‬وإمارات الشمال طرابلس وأنطاكية والرها؛ ولذا فضم دمشق يعتب‬
‫خطوة كبية ف طريق َوحْدة صلبة تدف إل تكوين قوة حقيقية قادرة على َدحْر الصليبيي وطردهم‬
‫من بلد السلمي‪.‬‬
‫كان هذان الحوران ها الشغل الشاغل لعماد الدين زنكي ف هذه الفترة‪ ،‬وقد وجّه إليهما‬
‫قوته ف خلل السنوات المس الت أعقبت رحيل القوات البيزنطية عن أرض السلمي‪.‬‬
‫وكما توقع عماد الدين زنكي فقد حدثت بعض الشاكل والضطرابات من حسام الدين‬
‫ترتاش الذي ل يقنع بالنح الت يعطيها له عماد الدين زنكي‪ ،‬وشعر أن عماد الدين زنكي بعد‬
‫انتصاراته الكثية سيصبح الزعيم الوحد‪ ،‬وبذلك ستضيع أحلم حسام الدين ترتاش ف الطريق؛‬
‫ولذا قام حسام الدين ترتاش بطوة جريئة خطية‪ ،‬وهي التراسل مع المي أب بكر نائب عماد‬
‫الدين زنكي على نصيبي لتحفيزه على النقلب على عماد الدين زنكي‪ ،‬وبالفعل خرج المي أبو‬

‫‪352‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫بكر على عماد الدين زنكي ما سبّب حرجًا بالغًا‪ .‬ول ننسى أن نصيبي كانت من أملك حسام‬
‫الدين ترتاش قبل أن يضمها عماد الدين زنكي لدولته سنة ‪524‬هـ‪ ،‬ولكن عماد الدين زنكي‬
‫استطاع أن يسيطر على المور ف نصيبي‪ ،‬ومع ذلك استطاع المي أبو بكر أن يهرب إل حسام‬
‫الدين ترتاش‪ ،‬وهنا طلب عماد الدين زنكي تسليم المي أب بكر‪ ،‬فرفض حسام الدين ترتاش‪،‬‬
‫ودارت مفاوضات طويلة ومنازعات بي الطرفي‪ ،‬ومع ذلك أصرّ حسام الدين ترتاش على عدم‬
‫تسليم المي أب بكر لعماد الدين زنكي‪ ،‬فاضطر عماد الدين زنكي إل التلويح باللّ العسكري ضد‬
‫الليف حسام الدين ترتاش؛ فلجأ حسام الدين إل حلّ وسط حيث سلّم المي أبا بكر إل السلطان‬
‫مسعود على اعتباره سلطة أعلى‪ ،‬غي أن السلطان مسعود رأى أن وضع عماد الدين زنكي الن ل‬
‫يسمح بأيّ نوع من الساومات‪ ،‬وأن أي نزاع بي الطرفي قد ل يكون ف مصلحة السلطان مسعود؛‬
‫ولذلك سلّم السلطان مسعود المي أبا بكر إل عماد الدين زنكي كدليلٍ على العلقات الودية بي‬
‫الطرفي! وكانت هذه الحداث ف سنة ‪533‬هـ‪.‬‬
‫انتهت مشكلة نصيبي والمي أب بكر‪ ،‬لكن أدرك عماد الدين زنكي خطورة الوضع ف‬
‫بلد الزيرة‪ ،‬ومع ذلك فإن عماد الدين زنكي ل يؤثر الصطدام مع حسام الدين ترتاش‪ ،‬بل لأ إل‬
‫التسكي والعتاب‪ ،‬وجرت المور ف صاله إذ حدث أن هجم ركن الدولة داود بن سقمان على‬
‫بعض أملك حسام الدين ترتاش ما اضطره إل اللجوء إل عماد الدين زنكي‪ ،1‬الذي قَبِل بدوره أن‬
‫يتم الصلح بينه وبي حسام الدين ترتاش‪ 2‬ليعود اللف إل سابق عهده‪ ،‬ولتبقى الشكلة الرئيسية ف‬
‫النطقة هي مشكلة ركن الدولة داود بن سقمان‪.‬‬
‫وف نفس السنة هدأت المور بفضل ال ف مدينة حرّان‪ ،‬حيث كانت قد شهدت قبل ذلك‬
‫انقلبًا هي الخرى على يد أحد أتباع عماد الدين زنكي‪ ،‬وهو سوتكي الكرجي‪ ،‬إل أنه مات فجأةً‬
‫ف سنة ‪533‬هـ لتعود الدينة بسلم إل طاعة عماد الدين زنكي‪.3‬‬
‫وبينما تتجه المور نو الستقرار النسب ف أرض الزيرة‪ ،‬إذا بالحداث تتطور فجأة ف‬
‫دمشق!‬
‫لقد مر بنا أن عماد الدين زنكي تزوج أم حاكم دمشق شهاب الدين ممود‪ ،‬الت كان لا‬
‫كلمة مسموعة ف بلط دمشق؛ ليسهل عليه ضم دمشق بعد ذلك بهود سياسية‪ ،‬إل أن الخبار‬
‫أتت ف شوال ‪533‬هـ بقتل شهاب الدين ممود على يد أحد رجاله! وقد يكون وراء هذه الؤامرة‬

‫‪ 1‬ابن الزرق الفارقي‪ :‬تاريخ الزرق الفارقي على هامش ذيل تاريخ دمشق ص ‪.267‬‬
‫‪ 2‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪.113‬‬
‫‪ 3‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/271‬‬

‫‪353‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫معي الدولة أَنُر قائد اليش‪ ،1‬وأقوى الشخصيات الؤثّرة ف دمشق‪ .‬ويؤيّد ذلك أن معي الدين أنر‬
‫نصّب على الكم أخًا غي شقيق لشهاب الدين ممود‪ ،‬وهو جال الدين ممد بن بوري‪ ،‬وهو من أمّ‬
‫أخرى غي صفوة اللك زمرد خاتون زوجة عماد الدين زنكي؛ وبذلك يضمن معي الدين أنر أن‬
‫المور كلها تكون ف يده‪ ،‬ويُبعِد بذلك زمرد خاتون عن التحكّم ف دمشق‪ ،‬ويبعد بالتال زوجها‬
‫عماد الدين زنكي عن الوصول لسرار الكم ف دمشق‪ .‬كما أن الزعيم الديد الضعيف جدّا جال‬
‫الدين ممد سيجعل كل المور ف يد معي الدين أنر‪ ،‬وبذلك تصبح له السلطة الفعلية ف دمشق‪.‬‬
‫وقد حدث لعي الدين أنر ما يتمن‪ ،‬وسلّم له جال الدين ممد كل مقاليد المور ف‬
‫دمشق‪ ،‬بل وأقطعه مدينة بعلبك الهمة‪ ،‬الت تسيطر على الطريق الؤدية إل دمشق من شالا‪ ،‬وهي‬
‫الدينة الوحيدة الن ف شال دمشق‪ ،‬والت ل تدخل بعدُ ف حكم عماد الدين زنكي‪ ،‬ولو سقطت‬
‫أصبح الطريق مفتوحًا إل دمشق‪.2‬‬
‫وصلت هذه الخبار الزعجة إل عماد الدين زنكي‪ ،‬والت قوّضت أحلمه ف السيطرة‬
‫السياسية على دمشق‪ ،‬وكان عماد الدين زنكي آنذاك ف الوصل‪ ،‬وبعدها بقليل تسلّم رسالة أخرى‬
‫من حلب من زوجته زمرد خاتون تطلب منه فيها أن يتوجه إل دمشق؛ لينتقم لقتل ابنها شهاب‬
‫الدين ممود‪ ،‬ويقيم الد على قاتله‪ .3‬وتزامن أيضًا مع وصول هذه الرسالة‪ ،‬وصول برام شاه بن‬
‫بوري‪ ،‬وهو أخو جال الدين ممد بن بوري زعيم دمشق الديد‪ ،4‬وقد وصل إل الوصل يطلب من‬
‫عماد الدين زنكي مساعدته للوصول إل الكم هناك على أن يكون مواليًا له!‬
‫جّع عماد الدين زنكي هذه النقاط إل جوار بعضها البعض‪ ،‬ووجد أن عليه أل يضيّع وقته‪،‬‬
‫فأخذ جيشه ف ذي القعدة ‪533‬هـ\ يوليو ‪1139‬م وتوجه فورًا إل دمشق!‬
‫وجد عماد الدين زنكي وهو ف طريقه إل دمشق أن حصار دمشق دون إسقاط بعلبك‬
‫سيمثّل خطورة حقيقية على جيشه؛ إذ قد يُحصر بي حامية بعلبك وجيش دمشق‪ ،‬وعلى ذلك فقد‬
‫غيّر عماد الدين زنكي من وجهته‪ ،‬واته إل بعلبك حيث ضرب عليها الصار ابتداءً من يوم ‪20‬‬
‫من ذي الجة ‪533‬هـ‪ ،‬وَنصَب حولا أربعة عشر منجنيقًا‪ ،‬ودعا أهلها للتسليم دون قتال إل أن‬
‫أهلها رفضوا‪ ،‬ومن ثَمّ بدأت الجانيق تقصف ليلَ نار‪ ،‬وضرب الصار الحكم حول الدينة وهي‬
‫تقاوم‪ ،‬واستمر حصاره لا أكثر من أربعي يومًا متصلة‪ ،‬ث سقطت الدينة أخيًا‪ ،‬ودخلها عماد الدين‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/309‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪ ،2/272‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.269‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/310‬ويقول عنه ابن الثي‪" :‬وصار هو الملة والتفصيل"‪ ،‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/272‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/310‬‬
‫‪ 4‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/272‬‬

‫‪354‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫زنكي ف صفر ‪534‬هـ\ أكتوبر ‪1139‬م‪ .‬وبذلك استطاع عماد الدين زنكي أن يسيطر على كل‬
‫الدن الشمالية التابعة لمارة دمشق‪ ،‬وهي مدن بعلبك وحص وحاة وبانياس والجدل‪.1‬‬
‫ظل عماد الدين زنكي ف بعلبك شهرًا كاملً يُنظّم أمورها الدارية‪ ،‬ويُقوّي من تصينها بعد‬
‫القصف التوال الذي أصابا خلل الصار السابق‪ ،‬ث أقطعها لنجم الدين أيوب (والد صلح الدين‬
‫اليوب)‪.2‬‬
‫وقبل أن يتحرك عماد الدين زنكي إل دمشق آثر أن ياول ماولت سلمية قبل الصار‬
‫العسكري‪ ،‬فعسكر بيشه ف سهل البقاع‪ ،‬ث أرسل إل جال الدين ممد بن بوري زعيم دمشق‬
‫يعرض عليه التفاهم والتعاون‪ ،‬فيُسلّم دمشق إل عماد الدين زنكي ف مقابل أن يعطيه عماد الدين‬
‫زنكي مدينت حص وبعلبك‪ ،‬لكن هذا العرض ل يد قبو ًل عند جال الدين ممد ول عند رجال‬
‫حكومته‪ ،‬وعلى رأسهم بالطبع معي الدولة أنر‪ ،‬ومن ثَمّ توجه عماد الدين زنكي بقوته العسكرية‬
‫وحاصر دمشق ف ربيع أول ‪534‬هـ\ نوفمب ‪1139‬م‪.‬‬
‫كان الصار حول دمشق مكمًا‪ ،‬ودارت عدة اشتباكات بي الطرفي على مدار عدة أشهر‬
‫متصلة‪ ،‬وكاد جال الدين ممد يقبلُ بالتسليم لول إصرار معي الدين أنر على القاومة‪ ،‬وتأزم الوقف‬
‫جدّا ف داخل دمشق نتيجة الصار الطويل‪ ،‬ث حدثت مفاجأة ف شعبان ‪534‬هـ\ مارس ‪1140‬م‬
‫إذ ُتوُفّي جال الدين ممد زعيم دمشق فجأةً‪ ،‬وحدث صراع داخلي ف دمشق بي الورثة على‬
‫الكم‪ ،‬وكانت بوادر فرصة لعماد الدين زنكي للتدخل العسكري‪ ،‬إل أن معي الدين أنر أسرع‬
‫بوضع مي الدين أبق بن ممد‪ ،‬وهو ابن الاكم الُتوفّى جال الدين ممد‪ .‬وهكذا استمرت القاومة‬
‫صرًا لدمشق حت الن لدة تزيد على ستة‬ ‫الدمشقية العنيفة ما أرهق عماد الدين زنكي الذي ظل ما ِ‬
‫أشهر متصلة‪ ،‬ومع ذلك فإنه ل يرفع الصار آملً ف انيار الالة القتصادية للمدينة‪ ،‬وهذا قد‬
‫يدفعهم للستسلم‪.3‬‬
‫وإزاء هذا الصار الحكم لأ معي الدين أنر إل وسيلة جديدة لدفع عماد الدين زنكي إل‬
‫ترك الدينة‪ ،‬ورفع الصار‪ .‬وكانت هذه الوسيلة ف غاية البشاعة‪ ،‬وتُظهِر لنا بوضوح طبيعة هذا‬
‫الرجل‪ ،‬وطبيعة الاكم مي الدين أبق‪ ،‬وكذلك طبيعة الشعب الذي تعاطف مع هذا الجراء! لقد‬
‫أرسل معي الدين أنر إل ملكة بيت القدس يستعي بلكها فولك النوي‪ ،‬ويطلب منه القدوم بيش‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/310‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪ ،2/272‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪،270،296‬‬
‫وابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/86‬‬
‫‪ 2‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.271‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/313‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/273‬‬

‫‪355‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫صليب كبي لرب عماد الدين زنكي‪ ،‬ويُحذّره من أن عماد الدين زنكي إذا استول على دمشق فإن‬
‫هذا قد يُهدّد أمن ملكة بيت القدس‪!!1‬‬
‫انظر إل معي الدين أنر كيف يافظ على أمن الصليبيي ف فلسطي!‬
‫ث إنه يشجّع اللك فولك النوي ويغريه بعدة مغريات تُسهّل عليه قرار الرب! ما هذه‬
‫الغريات؟!‬
‫أولً‪ :‬سيتكفل معي الدين أنر بالنفقات الشهرية للحملة الصليبية‪ ،‬والت قدّرها معي الدين‬
‫أنر بعشرين ألف دينار ذهبية تُدفع للملك فولك النوي!‬
‫ثانيًا‪ :‬تشترك القوات الصليبية مع القوات الدمشقية ف "ترير" مدينة بانياس من عماد الدين‬
‫زنكي‪ ،‬ث يقوم معي الدين أنر بإعطائها إل الصليبيي على سبيل "الدية"!‬
‫ثالثًا‪ :‬لكي يضمن اللك فولك النوي أن معي الدين أنر لن يلف وعدًا من وعوده‪ ،‬فإنه‬
‫على استعداد أن يُسلّم اللك فولك عددًا من المراء السلمي كرهائن يتفظ با اللك فولك لي‬
‫انتهاء العارك‪ ،‬ورحيل عماد الدين زنكي‪ ،‬وتسلّم الديّة وهي مدينة بانياس‪!2‬‬
‫لقد وصل السلمون ف دمشق ف هذه الفترة إل حالة مزرية جدّا دفعتهم إل ارتكاب‬
‫موبقات كبية غي مفهومة‪ ،‬ودفعتهم إل الخاطرة بكل شيء ف سبيل عدم التعاون مع عماد الدين‬
‫زنكي‪ ،‬ولو كان الثمن هو التعاون الباشر والصريح مع الصليبيي!‬
‫لقد صار البقاء ف كرس ّي الكم هو الدف مهما كان الثمن!‬
‫ووجد اللك فولك النوي أن هذه فرصة ل تعوّض لضرب عدة أهداف بطوة واحدة!‬
‫فهو سينتقم لكبيائه‪ ،‬ويردّ اعتباره من عماد الدين زنكي الذي انتصر عليه منذ ثلث‬
‫سنوات ف موقعة حصن بارين‪.‬‬
‫وف نفس الوقت فهو سيضرب القوة السلمية الرئيسية‪ ،‬وسيساعده ف ذلك جيش قوي هو‬
‫اليش الدمشقي!‬
‫وسوف يأخذ اللك فولك فوق ذلك مدينة بانياس ذات الوقع الهم جدّا على الطريق‬
‫الساحلي غرب الشام‪.‬‬
‫ث إن هذه بداية علقة توادّ مهمة مع مدينة دمشق قد تسهّل له مستقبلً احتلل الدينة‪ ،‬أو‬
‫على القل تأمي الدود الشمالية لملكة بيت القدس‪ ،‬حيث ستصبح مدينة دمشق كالاجز بينه وبي‬
‫قوات السلمي ف حلب والوصل‪.‬‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/314،313‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪ ،2/273‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪ ،272‬ووليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪2/679،‬‬
‫‪.678‬‬

‫‪356‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد كانت فرصة ذهبية ل يضيّعها اللك فولك النوي!‬


‫وجاءت اليوش الصليبية مسرعةً‪ ،‬وشعر عماد الدين زنكي بالطر الشديد؛ إذ إنه لو ُحصِر‬
‫بينها وبي اليش الدمشقي فإ ّن هذا قد يعرّضه لكارثة عسكرية؛ ولذا قرّر عماد الدين زنكي أن‬
‫يرفع الصار بسرعة‪ ،‬وأن يتّجه بيوشه إل إقليم َح ْورَان ليقابل جيش الصليبيي بفرده قبل أن يتّحد‬
‫مع الدمشقيي‪.‬‬
‫كان اللك فولك يتقدّم ف حذرٍ‪ ،‬وعَِلمَ بتقدّم عماد الدين زنكي إل إقليم َح ْورَان‪ ،‬فانتظر‬
‫اللك فولك عند بية طبية‪ ،‬وخشي أن يواجه عماد الدين زنكي بفرده؛ فأرسل معي الدين أنر‬
‫رسالة استغاثة جديدة إل ريوند بواتييه أمي أنطاكية‪ ،‬فجاء على رأس جيشٍ لينقذ الدينة الحاصَرة‬
‫دمشق!!‬
‫ووجد عماد الدين زنكي أن هذه القوّات الجتمعة ستمثّل خطرًا كبيًا على جيوشه‪،‬‬
‫فانسحب إل حص ث منها إل الوصل‪ .‬ومن الدير بالذكر أن معي الدين أنر أخذ فرقة من جيشه‬
‫وحاصر مدينة بانياس حت أسقطها‪ ،‬وذلك بعد قتال شديد مع حاميتها التابعة لعماد الدين زنكي‪ ،‬ث‬
‫بعد أن أسقطها سلّمها لقم ًة سائغ ًة للملك فولك النوي تنفيذًا للتفاق الذي بينهما‪!!1‬‬
‫فيا عجبًا لذا الزمن الذي يبذل فيه مسلم وقته وجهده ودمه "لتحرير" بلد مسلم من حكم‬
‫السلمي‪ ،‬ث يقوم بإهدائه لصدقائه من الصليبيي!‬
‫وعاد عماد الدين زنكي رحه ال بيبة أمل كبية من مأساة هذا البلد السلمي الكبي‪.‬‬
‫وواقع المر أن دمشق ظلّت لفترة طويلة من الزمن ‪ -‬من أوّل قصّة الروب الصليبية وطيلة حياة‬
‫عماد الدين زنكي‪ ،‬وكذلك بعده ‪ -‬عائقًا منيعًا لشروع الوَحْدة السلمية‪ ،‬ول تُحَلّ مشكلُتهَا‬
‫النفصالية إ ّل مؤ ّخرًا ف عهد البطل السلمي الشهي نور الدين ممود رحه ال‪.‬‬
‫عاد عماد الدين زنكي إل الوصل فوجد أن هناك مشكلة أخرى تفجّرت‪ ،‬وهي أن أحد‬
‫القادة التركمان ‪ -‬وكان اسه قفجاق بن أرسلن تاش التركمان ‪ -‬قد تركز ف مدينة شهرزور‬
‫شرق الوصل‪ ،‬وجع حوله عددًا هائلً من النصار‪ ،‬وصار مه ّددًا بصورة مباشرة لعقل عماد الدين‬
‫زنكي ف الوصل‪ .‬وما زاد من خطورته أنه كان على عَلقة طيبة جدّا بالسلطان مسعود؛ فخاف‬
‫عماد الدين زنكي أن يتلقّى أوامر سرّيّة من السلطان مسعود بغزو الوصل‪ ،‬ومن ثَمّ فقد انطلق عماد‬
‫الدين زنكي من فوره إل هذه النطقة‪ ،‬وكانت واقعةً بي البال وف منتهى الصانة‪ ،‬واقتتل معهم‬
‫عماد الدين قتالً شديدًا‪ ،‬ث كتب الُ له النصر‪ ،‬وفرّ جنود قفجاق ف كل ناحية‪ ،‬وانطلق عماد الدين‬
‫زنكي لصار القلع والصون ف النطقة فأسقطوها جيعًا‪ ،‬وسيطر عماد الدين زنكي على كل‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/314‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/274‬‬

‫‪357‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الحاور ف هذه البال سيطرة تامّة؛ ومع ذلك فقد قام عماد الدين زنكي با ل يُتوقّع ف مثل هذه‬
‫الظروف‪ ،‬فقد أعطى المان لقفجاق‪ ،‬ووعده وعدًا حسنًا إن هو عاد إليه‪ .‬وبالفعل عاد قفجاق إل‬
‫عماد الدين زنكي‪ ،‬فأكرمه عماد الدين وولّه الناطق الت كانت معه قبل ذلك‪ ،‬وجعله تابعًا له‪ ،‬وقد‬
‫َحفِظ قفجاق هذا الميل لعماد الدين زنكي ولولده من بعده‪ ،‬ودخل ف خدمة آل زنكي‪ ،‬وظلّ‬
‫هو وأولده أوفياء على العهد إل ما بعد سنة ستمائة من الجرة‪ !1‬أي أكثر من ستي سنة بعد هذا‬
‫الدث‪ .‬فانظر إل جيل صُنْع عماد الدين زنكي‪ ،‬وكيف رسّخ المن ف ربوع النطقة بعفوٍ جيل‪،‬‬
‫وسياسة حسنة‪.‬‬
‫وف سنة ‪535‬هـ\ ‪1140‬م قام ركن الدولة داود بن سقمان بالجوم على مدينة‬
‫مَيّافارقِي التابعة لسام الدين ترتاش‪ ،‬الذي استغاث بدوره بعماد الدين زنكي‪ ،‬فأسرع عماد الدين‬
‫زنكي وهجم على بعض أملك ركن الدولة داود ف أماكن أخرى؛ وذلك لتخفيف الضغط على‬
‫مَيّافارقِي‪ ،‬واختار عماد الدين زنكي أن يهجم على قلعة بمرد القريبة من حصن كيفا‪ ،‬وكان هذا‬
‫الختيار ذكيّا بارعًا؛ حيث كان يقود القلعة قرا أرسلن بن داود‪ ،‬إضافةً إل قرب القلعة من حصن‬
‫كيفا‪ ،‬وهذا أزعج داود بن سقمان جدّا؛ لوفه أوّلً على ابنه الحاصَر ف قلعة بمرد‪ ،‬ولوفه ثانيًا‬
‫على أه ّم معاقله وعقر داره حصن كيفا القريبة من قلعة بمرد‪ ،‬وهذا الوف دفعه إل رفع الصار‬
‫عن ميّافارقي والتوجّه إل قلعة بمرد‪ ،‬ولكن عماد الدين زنكي كان قد حقّق النتصار بالفعل‪،‬‬
‫ومَلَك قلعة بمرد الهمّة‪ ،2‬وهذا أدّى إل استقرار وضعه؛ حيث خشي داود بن سقمان أن يدخل ف‬
‫صدام مباشر مع عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫وف سنة ‪536‬هـ\ ‪1141‬م استطاع عماد الدين زنكي أن يض ّم آمد إل حكمه‪ ،‬وأن‬
‫يُ ْدخِل أبا منصور إيكلدي حاكمها ف طاعته‪ ،‬ومن َثمّ ترسّخت أقدامه بشكل أكب ف ديار الزيرة‪3‬؛‬
‫ولكن هذه السيطرة أقلقت حسام الدين ترتاش من جديد‪ ،‬فأظهر التمرّد‪ ،‬ومدّ خطوط التفاهم مع‬
‫خصمه ركن الدولة داود بن سقمان؛ ليعقد حلفًا مشتركًا بعد عداء عدّة سنوات‪!4‬‬
‫ل توج بالفت والهواء!‬ ‫لقد كانت أرض الزيرة فع ً‬
‫لأ عماد الدين زنكي إل الطرق السياسيّة لتفتيت هذا اللف العادي‪ ،‬فتراسل مع ركن‬
‫الدولة داود بن سقمان‪ ،‬وعرض عليه أن يتحالف معه هو ويترك حسام الدين ترتاش‪ ،‬وقد فكّر داود‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/315،314‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/317‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪ ،2/276‬وابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪ ،1/89‬وابن الزرق‪:‬‬
‫تاريخ الزرق الفارقي عاى هامش ذيل تارخ دمشق ص ‪.267‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/324‬والباهر ص ‪.64‬‬
‫‪ 4‬ابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/89‬‬

‫‪358‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ف المر‪ ،‬فوجد أن عماد الدين زنكي أقوى كثيًا من حسام الدين ترتاش‪ ،‬وأن البلد ستئُول إليه‬
‫بالقوّة إن أصرّ على الصدام‪ ،‬وأن عماد الدين زنكي ل يغدر ف حلفه السابق مع حسام الدين ترتاش‪،‬‬
‫بل أعطاه عدّة قلع وحصون كهدايا وهبات‪ ،‬وأن الغدر أتى من حسام الدين ترتاش ف ح ّق عماد‬
‫الدين زنكي‪ ،‬وقد يأت منه مرّةً أخرى ف ح ّق داود نفسه‪ .‬وهكذا اجتمعت العوامل ف ذهن داود بن‬
‫ف مع عماد الدين زنكي‪!1‬‬ ‫سقمان على الوافقة على فكّ تالفه مع حسام الدين ترتاش‪ ،‬والتحال ِ‬
‫وهكذا ازدادت قوّة عماد الدين زنكي بينما وجد حسام الدين ترتاش نفسه وحيدًا ف أرض‬
‫ف عماد الدين زنكي بذلك بل توسّع جنوبًا وضمّ مدينة الَدِيثَة‪ 2‬ث عانة‪ ،3‬وبذلك‬ ‫الزيرة!! ول يكت ِ‬
‫صارت سيطرته على منطقة الزيرة أقوى وأعظم‪.4‬‬
‫استغ ّل عماد الدين زنكي استقرار الوضاع وقوّة مركزه‪ ،‬فأسرع ف سنة ‪537‬هـ\‬
‫‪1142‬م بإنفاذ حلة واسعة تدف إل السيطرة على عدّة حصون ف أقاصي ديار بكر وف أعال‬
‫الزيرة‪ ،‬فسيطر على أماكنَ ل َيصِلْ إليها قبل ذلك أح ٌد من السلجقة أو غيهم‪ ،‬فض ّم َطْنزَة وأسعرد‬
‫وحِيزَان‪ ،‬وكذلك ضمّ عدّة حصون مثل‪ :‬الدوق‪ ،‬ومطليس‪ ،‬وبانسبة (صورة ‪ ،)9‬وذي القرني‪،‬‬
‫وترك ف هذه الدن والصون مَنْ يفظها من رجاله‪ ،5‬وبذلك وصل الستقرار ف منطقة الزيرة إل‬
‫درجة ل َيصِلْ إليها قبل ذلك‪ .‬ويكن القول أن الطريق الن أصبح مفتوحًا بشكل آمن إل إمارة‬
‫الرها‪ ،‬اللهم إل من بلد حسام الدين ترتاش‪ ،‬الذي أدرك عماد الدين زنكي أنه ضعيف‪ ،‬وأن ضعفه‬
‫هذا سيمنعه من اعتراض طريق عماد الدين زنكي إذا أراد غزو الرها‪.‬‬
‫ول تكن هذه التحرّكات الثابتة ف أرض الزيرة لُت ْلهِ َي عماد الدين زنكي عن متابعة المن‬
‫ف إمارته الواسعة‪ ،‬فكان بالرصاد لكل ماولة تدف إل إثارة الفتنة أو زعزعة المن؛ فمن ذلك‬
‫صرامته ف التعامل مع ثورة قامت عليه ف مناطق الكراد الكارية شرق الوصل‪ ،‬وذلك حي مات‬
‫زعيمهم أبو اليجاء الكاري الذي كان مواليًا لعماد الدين زنكي‪ ،‬فقام من بعده نائبه باو ألرجي‪،‬‬
‫وأحدث صراعًا ف النطقة يرج به عن سيطرة عماد الدين زنكي‪ ،‬فعاد إليه عماد الدين زنكي‬
‫مسرعًا‪ ،‬واصطدم معه‪ ،‬وانتصر عليه‪ ،‬وملك مركزهم الرئيسي‪ ،‬وهو قلعة آشب‪ ،‬وضمّ إليها عدّة‬
‫قلع أخرى ف النطقة‪.6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Elisseff: op. cit., p. 373.‬‬
‫‪ 2‬حديثة الفرات‪ :‬تقع على جزيرة وسط الفرات وهي غي حديثة الوصل الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة بالقرب من مصب‬
‫الزاب العلى‪ .‬انظر ياقوت الموي‪ :‬معجم البلدان ‪.2/230‬‬
‫‪ 3‬عانة‪ :‬بلد مشهور بي الرقة وهيت‪ ،‬يعد ف أعمال الزيرة‪ .‬انظر ياقوت الموي‪ :‬معجم البلدان ‪.4/72‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/330‬والباهر ص ‪ ،64‬وابن الوزي‪ :‬النتظم ‪.10/102‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/329‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/326‬والباهر ص ‪.64‬‬

‫‪359‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ومن مظاهر يقظته كذلك أنه تعرّض لجوم صليب ف بعض الناطق القريبة من حلب‪،‬‬
‫فقامت الامية اللبية بالتصدّي لذا الجوم‪ ،‬وقتلتْ من الصليبيي سبعمائة‪ ،‬وظفرت بالكثي من‬
‫الغنائم‪.1‬‬
‫وعندما ظهرت بعض الضطرابات ف مناطق الكراد الهرانية ‪ -‬وهم يقطنون ف عدد من‬
‫القلع ف النطقة البلية التاخة لزيرة ابن عمر‪ ،‬وأهها قلعة كواشى ‪ -‬تصدّى لم عماد الدين‬
‫زنكي‪ ،‬وأخضعهم بكل حسم‪ ،‬ومن ثَمّ عاد المن والمان لربوع دولته كلها‪.2‬‬
‫وهكذا ف ناية سنة ‪537‬هـ وبداية سنة ‪538‬هـ كانت أمور عماد الدين زنكي قد‬
‫استقرّت كثيًا‪ ،‬وصار من المكن له أن يقوم بطوات عملية‪ ،‬وبطّة واضحة تدف إل غزو المارة‬
‫العتيدة‪ :‬الرها!‬
‫لقد مرّت حت الن خس سنوات ‪ -‬منذ سنة ‪ 533‬وإل سنة ‪538‬هـ ‪ -‬ل يدث فيها‬
‫صدام يُذكر مع الصليبيي‪ ،‬ولكنها ل تكن سنواتٍ خاملةً‪ ،‬بل كان فيها إعداد متّصل‪ ،‬وتنظيم‬
‫مستمرّ‪ ،‬وما غابت قضية جهاد الصليبيي عن ذهن عماد الدين زنكي أبدًا‪ ،‬بل ل تغبْ قضية إمارة‬
‫الرها بالذات عن تفكي البطل الليل عماد الدين زنكي‪ ،‬فكان المر كما ذكر ابن القلنسيّ رحه‬
‫ال ف كتابه (ذيل تاريخ دمشق)‪" :‬فكان ذِكْر هذه الدينة جائلً ف خلده‪ ،‬وأمرها ماثلً ف خاطره‬
‫وقلبه"‪.3‬‬
‫وبدأ عماد الدين زنكي يرتّب أوراقه‪ ،‬وُيعِدّ عُدّته‪ ،‬ويرسم خطّته؛ لينظّم هجومًا شاملً على‬
‫إمارة الرها‪ ،‬وبينما هو ف هذا العداد إذ بالحداث تتكاثف ف سنة ‪538‬هـ\ ‪1143‬م لُت َمهّد‬
‫الطريق لعماد الدين زنكي لينفّذ خطّته!‬
‫ل‬
‫ول يقولنّ أحدٌ أن هذه مصادفة عجيبة! فإن المور تري بالقادير‪ ،‬ولقد رأى ا ُ‬
‫الخلصَ ف قلب عماد الدين زنكي‪ ،‬والتقان ف عمله‪ ،‬فساعده ف أحواله‪ ،‬ويسّر له أموره‪ ،‬خاصّةً‬
‫وهو يكافِح من أجل قضية إسلمية‪ ،‬ومهمة شرعية‪ ،‬هي من أعظم الهامّ مطلقًا‪ ،‬وهي مهمّة ترير‬
‫بلد السلمي من العداء العاصبي‪.‬‬
‫وتعاَلوْا نرصد بعض الوادث الت تّت ف سنة ‪538‬هـ وأوائل سنة ‪539‬هـ (‪-1143‬‬
‫‪1144‬م)‪ ،‬والت فتحت طريق عماد الدين زنكي إل الرها!‬

‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/278،277‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.64‬‬
‫‪ 3‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.282‬‬

‫‪360‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أولً‪ُ :‬توُفّيَ ف سنة ‪538‬هـ\ ‪1143‬م المباطور البيزنطي يوحنا كومني‪ ،1‬وتولّى من‬
‫بعده ابنه مانويل كومني‪ .‬ول شكّ أن الزمة الت حدثت بوفاة يوحنا كومني ‪ -‬الذي حكم‬
‫إمباطوريته خسة وعشرين عامًا كاملة ‪ -‬كانت أزمة كبية‪ ،‬واضطر مانويل أن يصرف كل جهوده‬
‫لتنظيم المور الداخلية ف المباطورية؛ وهذا أخرج المباطورية الكبية من معادلة الصراع‪ ،‬فلم‬
‫يكن عندها الوقت أو القوّة للتدخّل لصال إمارة الرها‪ ،‬وكانت هذه نقطة مهمّة؛ لننا رأينا قبل ذلك‬
‫تالفًا بيزنطيّا صليبيّا ف سنة ‪532‬هـ‪ ،‬أي منذ ستّ سنوات فقط‪ ،‬وكان جوسلي الثان أمي الرها‬
‫مشارِكًا ف هذا التحالف‪ ،‬ول شكّ أن تالفًا كهذا كان من المكن أن ُيعَطّل خطط عماد الدين‬
‫زنكي لغزو الرها‪ ،‬لك ّن ال سلّم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نتيجة وفاة المباطور يوحنا كومني طمع ريوند بواتييه أمي أنطاكية ف إقليم قليقية‪،‬‬
‫والذي سيطرت عليه المباطورية البيزنطية أثناء حلتها على النطقة سنة ‪532‬هـ‪ ،‬وبالتال تقدّم‬
‫ريوند بواتييه بقوّاته واحتلّ إقليم قليقية‪ .‬وهذا ‪ -‬ل شكّ ‪ -‬أغضب المباطورية البيزنطية؛ لينشأ‬
‫بينها وبي أمي أنطاكية صراع ونزاع حول هذا القليم‪ ،‬وهذا الناع الطي صرف ذهن ريوند‬
‫بواتييه تامًا عن إمارة الرها‪ ،‬وبالتال َفقَدت إمارة الرها مناصرة أقرب المارات الصليبية إليها‪.2‬‬
‫ثالثًا‪ُ :‬توُفّيَ فجأةً اللك فولك النوي ملك بيت القدس على إثر جراحة أُصيب با ف رحلة‬
‫صيد! وترك ولدين صغيين ها‪ :‬بلدوين الثالث وكان عمره ثلثة عشر عامًا‪ ،‬وعموري أو إيوري‬
‫وكان عمره سبع سنوات فقط‪ .‬وهكذا ُوضِع الطفل بلدوين الثالث على كرس ّي الملكة‪ ،‬وتولّت أمّه‬
‫ميلزاند بنت بلدوين الثان ‪ -‬وهي الزوجة الائنة الت تدّثنا عنها قبل ذلك ‪ -‬منصبَ الوصاية على‬
‫الكم‪!3‬‬
‫وبذلك صارت المور ف يد هذه الرأة‪ ،‬وهي تكم باسم الطفل بلدوين الثالث‪ .‬ول شكّ‬
‫أن هذا الضطراب أضعف كثيًا من هيبة ملكة بيت القدس‪ ،‬وتفرّق شل المارات الصليبية؛ حيث‬
‫كان من العتاد أن يقوم ملك بيت القدس بتجميع جهودهم‪ ،‬وفكّ نزاعاتم وحلّها‪ ،‬أمّا الن‬
‫فالزعماء العسكريّون أمثال ريوند بواتييه وجوسلي الثان لن يستمعوا لقول امرأة‪ ،‬ول لُكْم طفلٍ‪!4‬‬
‫رابعًا‪ :‬نشب صراع معلن بي المي جوسلي الثان أمي الرها والمي ريوند بواتييه أمي‬
‫أنطاكية‪ ،‬واللذان كانا على درجة كبية من العداء والكراهية والغية‪ ،‬وكان التنافس بينهما شديدًا‬
‫على أملك السلمي التوسطة بينهما‪ ،5‬وكان الذي يكتم هذا الصراع وينهيه وجود اللك فولك‬

‫‪1‬‬
‫‪Runciman:op. Cit., ll, p. 224.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Brehier: op. cit., p. 328.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Setton: op. cit., l, p. 444.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset: op cit., ll, pp. 147-175 & Setton: op. cit., l, p. 444.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Guillaume de Tyr, 1, p. 709.‬‬

‫‪361‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫كسلطة أعلى لك ّل الصليبيي ف بلد السلمي‪ ،‬أمّا عند وفاة اللك فولك فلم يعد هناك مَنْ يفكّ‬
‫اشتباك الميين‪ ،‬ومن ثَ ّم أصبح الختلف بينهما صريًا معلنًا‪.1‬‬
‫خامسًا‪ُ :‬توُفّيَ فجأة أيضًا ركن الدولة داود بن سقمان‪ ،‬الزعيم الرتقي الطي‪ ،‬وهو وإن‬
‫كان مالفًا لعماد الدين زنكي ف أيامه الخية إ ّل أنه شخصيّة غي مأمونة‪ ،‬وبالتال فقد ينقلب على‬
‫عماد الدين زنكي ف أية لظة‪ ،‬وقد يضرب عماد الدين زنكي ف ظهره‪ ،‬ول يكن يانع ف التحالف‬
‫مع الصليبيي إذا لزم المر للدفاع عن أملكه وحصونه‪ .‬وقد تولّى من بعده ابنه قرا أرسلن بن‬
‫داود‪ ،2‬وكان على خلفِ أبيه تامًا‪ ،‬فكان مفتقرًا للحكمة السياسية‪ ،‬والقدرة القتالية الت كان يتمتع‬
‫با أبوه‪ ،‬بل إنه وف أيام حكمه الول قرّر التحالف مع جوسلي الثان أمي الرها‪ ،3‬وهذا وإن كان‬
‫يبدو خطيًا إلّ أنه كشف أوراقه مب ّكرًا‪ ،‬وأعطى عماد الدين زنكي البّر الكاف لضربه‪ ،‬وللهجوم‬
‫ل بالنسبة لعماد الدين زنكي؛ وذلك لقلّة خبة قرا أرسلن‪ ،‬وضعف‬ ‫على بلده‪ ،‬وكان هذا أمرًا سه ً‬
‫تأثيه على جنوده‪.‬‬
‫وهكذا تضافرت هذه الحداث متمعة على عزل إمارة الرها؛ حيث إنا فقدت العون من‬
‫إمارة أنطاكية ومن ملكة بيت القدس‪ ،‬كما فقدته من المباطورية البيزنطية‪ ،‬وإضافةً إل ذلك فقد‬
‫َفقَدت أرض الزيرة شخصيّة عنيدة‪ ،‬هي شخصية ركن الدولة داود بن سقمان‪ ،‬وبذلك خارت قوّتا‬
‫أمام البطل عماد الدين زنكي!!‬
‫وها قد صار الطريق إل الرها مفتوحًا!‬
‫نظر عماد الدين زنكي نظرة عسكرية إل إمارة الرها فوجد أنا قد قُ ّطعَت أوصالا من‬
‫العوان نتيجة وفاة المباطور يوحنا كومني واللك فولك النوي‪ ،‬ونتيجة صراعها مع إمارة‬
‫أنطاكية‪ ،‬ول يبقَ لا من اتّصال إ ّل مع الراتقة ف أرض الزيرة عن طريق أميهم الديد قرا أرسلن‬
‫ابن داود‪ ،‬فأراد عماد الدين زنكي أن يقطع هذا التصال ليعزل إمارة الرها نائيّا عن العال الحيط؛‬
‫وبالتال يسهل عليه ضربا بعد ذلك‪ .‬ولذا قام عماد الدين زنكي ف نفس السنة ف ‪538‬هـ\‬
‫‪1143‬م بملة عسكرية تدف إل إسقاط الصون الصليبية الواقعة ف إقليم شبختان ‪ -‬وهو من‬
‫أقاليم الزيرة‪ ،‬وهو القليم الفاصل بي حدود إمارة الرها وبي أملك قرا أرسلن ‪ -‬وبذلك يعزل‬
‫الليفي عن بعضهما البعض‪ .‬وبالفعل نح عماد الدين زنكي ف إسقاط عدّة حصون صليبية ف هذا‬

‫‪ 1‬سعيد عاشور‪ :‬الركة الصليبية ‪.1/479‬‬


‫‪ 2‬ابن الزرق الفارقي‪ :‬تاريخ الزرق الفارقي هامش على ذيل تاريخ دمشق ص ‪.267‬‬
‫‪ 3‬النويري‪ :‬ناية الرب ‪ ،27/139‬ورنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/379‬‬

‫‪362‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫القليم‪ ،‬منها‪ :‬جلي‪ ،‬والوزر‪ ،‬وتل موزن‪ ،1‬وغيها؛ وبذلك حقّق ما يريد‪ ،‬وصارت إمارة الرها‬
‫معزولة ُعزْلَة تامّة‪ ،‬ول َيعُدْ أمام عماد الدين زنكي إلّ أن يتوجّه إليها بيشه‪.‬‬
‫وبينما هو ف هذا التوقيت يهّز نفسه للمهمّة الكبى إذ جاءته الخبار بفاجأة مفزعة‬
‫كادت تغيّر كل خططه‪ ،‬وتفسد عليه كل إعداده!‬
‫لقد جاءت الخبار من بغداد أن السلطان مسعودًا السلجوقي يتجهّز لغزو عماد الدين‬
‫زنكي‪ ،‬وانتزاع المارة منه‪!2‬‬
‫ف هذا التوقيت يُريد السلطان مسعود أن يقاتل عماد الدين زنكي!!‬
‫إنه ‪ -‬ول شكّ ‪ -‬مصابٌ بعدّة أمراض نفسيّة وأخلقيّة!‬
‫لوَل السياسي؛ فل يعرف إل أين يب أن يوجّه حربه‪ ،‬وإل أي طريقٍ‬ ‫إنه مصاب برض ا َ‬
‫ينبغي أن يسي بيوشه!‬
‫ك وَحْدة‬
‫وهو ‪ -‬ف نفس الوقت ‪ -‬مصاب بضعف شديد ف الدين‪ ،‬فل يانِع من أن يف ّ‬
‫السلمي ف هذا التوقيت العصيب‪ ،‬ول يتردّد ف ارتكاب أمر يُشفِي غليل الصليبيي‪ ،‬ويُتعِس‬
‫السلمي!‬
‫وهو أيضًا مصاب بانيار ف الخلق؛ فيُقبِل على ضرب ماهد ف ظهره‪ ،‬ويُسرِع ف نصب‬
‫كمي ليوش الؤمني!‬
‫إنا كارثة بك ّل القاييس!‬
‫ماذا يفعل عماد الدين زنكي إزاء هذا الوقف الرهيب؟!‬
‫هل يتجاهل أمره ويتّجه إل الرها بعد أن أصبح مسرح العمليات جاهزًا‪ ،‬أم أن هذا سيجعل‬
‫ظهره مكشوفًا للسلطان مسعود؛ فيهجم عليه ويضيع كل شيء؟‬
‫أم هل يقاتل السلطا َن مسعودًا‪ ،‬ويُضيّع فرصة فتح الرها الت ظلّ ُيعِ ّد لا من أول أيام حكمه‬
‫(أي منذ ثانية عشر عامًا)؟!‬
‫لقد وضعه السلطان مسعود ف مأزق خطي!‬
‫ولاذا فعل ذلك السلطان مسعود؟!‬
‫لقد شعر السلطان مسعود أن الرض تتناقص من حوله‪ ،‬وشعر أيضًا أن هيبته قد قلّت‪،‬‬
‫وصارت كلها لعماد الدين زنكي‪ ،‬وأحسّ أن أمراء الطراف الذين يتبعونه قد بدءوا يثورون عليه‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/329‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/328‬‬

‫‪363‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ويرجون عن طوعه‪ ،‬وتوقّع أن خروجهم هذا بتحريض من عماد الدين زنكي ليُضعِف من قوّة‬
‫السلطان‪.1‬‬
‫وإزاء تسّك السلطان مسعود بكمه وأملكه وسلطته نسي قضية الصليبيي‪ ،‬وتاهل هوم‬
‫السلمي‪ ،‬وسعى لمرٍ ل يُسعِد أحدًا إ ّل هو والصليبيي والشيطان! فكانت هذه الكارثة!‬
‫وفكّر عماد الدين رحه ال‪ ،‬وفكّر‪..‬‬
‫ث وصل إل ما ينبغي عمله ف هذا الوقف!‬
‫إن ال ّل المثل هو شراء رضا السلطان مسعود بأيّ ثن‪ ،‬ولو كان التواضع له‪ ،‬وإظهار‬
‫المتثال الكامل لسلطانه‪ ،‬مع أن الميع يرى أن عماد الدين زنكي أقوى ألف مرّة من السلطان‬
‫مسعود‪ ،‬لكن عماد الدين زنكي ليس عنده وقت يضيّعه ف معاركَ جانبيةٍ‪ ،‬كما أنه ل يسعى للقبٍ أو‬
‫تشريف‪ ،‬إنا يريد جهاد الصليبيي ل ‪ ،‬ول يريد أن يشغله عن ذلك شاغل‪ ،‬أيّا كان هذا الشاغل‪.‬‬
‫لقد جاءت الخبار إل عماد الدين زنكي بذا المر‪ ،‬ث ما لبث سيف الدين غازي بن عماد‬
‫الدين زنكي أن جاء من بغداد هاربًا؛ ليبلغ أباه بالخبار الديدة‪ ،‬وكان عماد الدين زنكي قد ترك‬
‫ولده الكب سيف الدين غازي ف خدمة السلطان مسعود طيلة السنوات السابقة‪ ،‬وكان هذا أمرًا‬
‫سياسيّا حكيمًا منه؛ إذ به يتقرّب إل السلطان ليأمن شرّه‪ ،‬وهو ف نفس الوقت ينقل الخبار إل أبيه‬
‫عماد الدين زنكي‪ .‬فلمّا عَلِ َم سيف الدين غازي بذه التطورات هرب من السلطان‪ ،‬وأسرع إل أبيه‬
‫بالوصل ليحذّره‪ ،‬ولكن عماد الدين زنكي فعل أمرًا عجيبًا! إذ رفض أن يقابل ابنه‪ ،‬وردّه إل‬
‫السلطان‪ ،‬وأرسل معه رسولً من ِقبَلِه يقول للسلطان‪" :‬إن ولدي هرب خوفًا من السلطان‪ ،‬لّا رأى‬
‫تغيّره عليّ‪ ،‬وقد أعدْتُه إل الدمة‪ ،‬ول أجتمع به؛ فإنه ملوكك‪ ،‬والبلد لك"!!‬
‫فكما يقول ابن الثي‪" :‬فحلّ ذلك من السلطان ملّ عظيمًا!" ‪.2‬‬
‫لقد تأثّر السلطان تأّثرًا بالغًا بذا الوقف‪ ،‬وسواء َف ِقهَ الوقف على أنه رضوخ حقيقي‬
‫للسلطان‪ ،‬أو فهمه على أنه خدعة سياسية‪ ،‬فإنه ما كان يستطيع إزاء هذا الوقف أن يستمرّ ف عزمه‬
‫على القتال‪ ،‬خاصّةً وهو يعلم قوّة عماد الدين زنكي وسلطته‪ ،‬إضافةً إل أن ردّ فعل عموم السلمي‬
‫لن يرحم السلطان مسعودًا؛ لنه َفقَ َد مَُبرّر القتال بإظهار عماد الدين زنكي طاعته له!‬
‫وهكذا توقف السلطان مسعود عن مطّطه‪ ،‬ونا عماد الدين زنكي من هذه الكارثة‪ ،‬ومن‬
‫ثَ ّم يَمّم وجهه شطر الرها!‬
‫كان عماد الدين زنكي واقعيّا‪ ،‬ويعلم أن حصون الرها منيعة جدّا‪ ،‬ويعلم أيضًا أن جوسلي‬
‫الثان وجيشه قادرون على صدّ هجمته إن تصنوا بذه الصون الحكمة‪ ،‬والتجارب السابقة للزعماء‬
‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/328‬‬
‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/329،328‬‬

‫‪364‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫السلمي على مدار المسي سنة السابقة تؤكّد ذلك؛ وعليه فكانت خطة عماد الدين زنكي تدف‬
‫ف الساس إل مباغتة الرها ف الوقت الذي تلو فيه الدينة من قائدها وجيشه‪ .‬لكن هل ينتظر عماد‬
‫الدين زنكي إل أن تأت مثل هذه الفرصة؟! إن هذا قد يتطلب وقتًا طويلً‪ ،‬وهو ل يدري ماذا تمل‬
‫له اليام القادمة! إن عليه أن يدفع جوسلي الثان للخروج من حصونه‪ ،‬ولكن دون أن يستفزه؛ لنه‬
‫ل ييل للقتال أصلً‪ ،‬بل يؤثر الرفاهية والمان‪.‬‬
‫ماذا يفعل عماد الدين زنكي؟!‬
‫لقد قرر عماد الدين زنكي أن يتظاهر بأنه سيهاجم بعض حصون قرا أرسلن بن داود‪،‬‬
‫الذي يالف جوسلي الثان ف هذا الوقت‪ ،‬وسيتوجه بيشه إل هذه النطقة القريبة من الرها‪،‬‬
‫وسيشيع ف الجواء أن هناك فرقًا مساعدة له ستأت من حلب؛ ليشجّع جوسلي الثان لن يرج من‬
‫حصونه لقطع الطريق على العونة اللبية‪ ،‬فإذا خرج جوسلي الثان من الرها‪ ،‬وابتعد عنها‪ ،‬غيّر عماد‬
‫الدين زنكي من وجهته‪ ،‬وترك مناطق الراتقة واته مباشرة إل الرها فضرب حولا الصار‪ ،‬وعندها‬
‫قد تكون هناك فرصة لسقاط الدينة‪!1‬‬
‫كان هذا هو الهد البشري الذي بذله عماد الدين زنكي‪ ،‬وكان من المكن أن يوجد له‬
‫ألف عائق يعوقه‪ ،‬وينعه من النجاح!! كان من المكن أن يشك جوسلي الثان ف المر فل يرج‪،‬‬
‫وكان من المكن أن يتجاهل نصرة حليفه عمدًا‪ ،‬وكان من المكن لقرا أرسلن أن يعطّل سي عماد‬
‫الدين زنكي فل يصل إل الرها ف الوقت الناسب‪ ،‬وكان من المكن أشياء أخرى كثية؛ لكنّ ال‬
‫ل ُي ِردْ لكل هذه العوائق أن تدث‪ ،‬إنا أراد ال للنصر أن ينل على الؤمني‪ ،‬فدبّر الواقف الت‬
‫تقود إليه‪ ،‬وأزال العوائق الت تنع من الوصول إليه؛ لتسي المور كلها نو وجهة يريدها‪ ،‬ونو هدفٍ‬
‫يرضى عنه‪.‬‬
‫إنه تدب ُي ربّ العالي (إِنّمَا َأ ْمرُهُ ِإذَا َأرَادَ شَيْئًا أَنْ َيقُولَ َلهُ كُ ْن فَيَكُونُ‪.)2‬‬
‫وف أواخر شهر ربيع الثان من سنة (‪539‬هـ) نوفمب ‪1144‬م‪ ،‬خرج عماد الدين زنكي‬
‫بيش كثيف من الوصل متو ّجهًا صوب الرها‪ ،‬وقد أمر جيع المراء والنود أل يتخلفوا عن هذه‬
‫الوقعة الهمّة‪ ،‬فخرجوا جيعًا‪ .‬لقد خرج باليش الذي بذل عمره ف إعداده‪ ،‬وتوجه بيشه هذا إل‬
‫مدينة آمد التابعة للراتقة؛ ليُوهِم جوسلي الثان وعيونه أنه ل يريد الرها ول يفكر فيها‪ .‬وقد انطلت‬
‫الدعة على جوسلي الثان‪ ،‬خاصةً أن عماد الدين زنكي كان مشغولً طوال السنوات الست‬
‫السابقة ف معاركه ف أرض الزيرة مع الراتقة‪ ،‬فل جديد ف الدث‪ .‬وكما رتّب عماد الدين زنكي‬
‫تامًا خرج جوسلي الثان ف جيشه‪ ،‬واته جنوبًا ليقطع المدادات العسكرية السلمية القادمة من‬
‫‪ 1‬النويري‪ :‬ناية الرب ‪.27/143‬‬
‫‪( 2‬يس‪.)82 :‬‬

‫‪365‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫حلب‪ ،‬وبسرعة نقلت عيون عماد الدين زنكي الخبار إل عماد الدين زنكي‪ ،‬فغيّر من اتاهه ف‬
‫لظات‪ ،‬واته إل الرها من طريقٍ‪ ،‬وأرسل حاجبه صلح الدين الياغيسيان من طريق آخر‪ ،‬وكان‬
‫هذا النفصال ليشتّت عيون الصليبيي إذا رصدت التحركات‪ .‬وكانت حركة اليش ف معظمها ف‬
‫الليل‪ ،‬وكانت الليلة الت اقتربوا فيها من الرها شديدة الطر‪ ،‬وبردها قارسًا‪ ،‬لكن ذلك ل ينعهم من‬
‫التقدم‪ ،‬إنا منع عيون الصليبيي من رصد المور‪ .‬وانقشع الظلم‪ ،‬وظهر نور الصبح ليوم ‪ 28‬من‬
‫ربيع الثان ‪539‬هـ\ ‪ 25‬من نوفمب ‪1144‬م‪ ،‬ومع نور الصبح اكتشف الصليبيون ف داخل الدينة‬
‫أن اليوش السلمية تيط با من كل جانب‪!1‬‬
‫وصلت الخبار الفزعة إل جوسلي الثان بعد فوات الوان‪ ،‬فخشي أن يعود إل الرها‬
‫فيصطدم بالقوات السلمية الكثيفة‪ ،‬فقرر أن يذهب إل مدينة تلّ باشر التابعة له‪ ،‬والت يفصلها عن‬
‫مدينة الرها نر الفرات؛ وذلك كي يكون قريبًا من الحداث‪ ،‬ويدرك التطورات أو ًل بأول‪ ،‬ولكنه ف‬
‫نفس الوقت مميّ بعائق مائي كبي هو نر الفرات‪ ،‬يعطيه الوقت الكاف للهرب إن لزم المر‪!2‬‬
‫ث إن جوسلي الثان أرسل رسائل استغاثة عاجلة إل أنطاكية على الرغم من اللف بينه‬
‫وبي ريوند بواتييه‪ ،‬وكذلك إل ملكة بيت القدس إل اللكة ميلزاند على الرغم من ضعفها‪ ،‬وبُعد‬
‫السافة بينهما‪.3‬‬
‫أما بالنسبة لريوند بواتييه فقد رفض أن يساعد جوسلي الثان متعلّلً بانشغاله ف حربه ف‬
‫إقليم قليقية ضد الدولة البيزنطية‪ ،4‬وأما اللكة ميلزاند فقد أرسلت قوة عسكرية عاجلة على رأسها‬
‫فيليب أمي نابلس‪ ،‬وأليناند بورس أمي الليل‪ ،‬غي أن السافة الطويلة جعلتهم يصلون بعد فوات‬
‫الوان‪!5‬‬
‫أما عماد الدين زنكي فقد حرّكت هجمته الهادية الروح ف عموم السلمي‪ ،‬فتقدّم معه‬
‫اللف من التطوعة من شال العراق‪ ،‬حت صار عدد جيشه يرج عن الحصاء‪ ،‬وأغلق عماد الدين‬
‫زنكي بإحكام كل الطرق الؤدية للرّها؛ حت ينع أي فرصة إغاثة للمدينة‪ ،‬وَنصَب البطل الغوار‬
‫آلت الصار الضخمة حول السوار‪ ،‬ومنها عدّة عشرات من الجانيق‪ ،‬وبدأ القصف الفوري‬
‫للمدينة‪ ،‬ول يتوقف هذا القصف لظة واحدة طيلة أيام الصار‪.6‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪،9/331‬‬


‫‪Eliasseff: op. cit. ll, pp. 379-380.‬‬
‫‪ 2‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/738،737‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Stevenson: op. cit., p. 149.‬‬
‫‪ 4‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/380‬‬
‫‪ 5‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/739‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/332،331‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/279‬‬

‫‪366‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وشعر الصليبيون داخل الدينة بالطر الشديد؛ فجوسلي قد أخذ معه معظم القادة اللمعي‪،‬‬
‫ول يعد هناك من يتلك الؤهلت العسكرية لذه الهمّة الشاقة‪ .‬وإزاء هذا الوقف تقدم الساقفة‬
‫النصارى لقيادة القاومة‪ ،‬وكان على رأسهم بالطبع السقف الكاثوليكي هيو الثان‪ ،‬وكان معه‬
‫السقف الرمن يوحنا‪ ،‬والسقف اليعقوبّ باسيل‪ .‬ويبدو أن عماد الدين زنكي كانت له عيون ف‬
‫داخل الدينة‪ ،‬فوصلت إليه هذه الخبار‪ ،1‬فأراد أن يفرّق هذه التجمعات النصرانية‪ ،‬فراسل أساقفة‬
‫النصارى الشرقيي‪ :‬اليعاقبة والرمن‪ ،‬وعرض عليهما التسليم مقابل المان‪ ،‬وقد رفضا ف البداية‪،‬‬
‫ولكنهما مال ف النهاية إل التسليم‪ ،‬إل أن السقف الكاثوليكي هيو الثان أصرّ على القاومة‪،‬‬
‫وأجبها على إكمال الهمة العسكرية‪.2‬‬
‫وبدأت الدينة تدخل ف مرحلة حرجة جدّا حيث قلّت الؤن والغذية‪ ،‬ول يكن هناك أي‬
‫فرصة لوصول جوسلي الثان‪ ،‬أو لختراق الستحكامات العسكرية الدقيقة الت َنصَبها عماد الدين‬
‫زنكي ف كل الحاور الؤدية للمدينة‪.‬‬
‫وكان مع عماد الدين زنكي فرقة متخصصة ف هدم السوار اسها فرقة النقّابي‪ ،‬أي الذين‬
‫يُنقّبون السوار‪ ،‬فتقدمت هذه الفرقة‪ ،‬وبدأت تارس عملها بنشاط‪ ،‬وهي تت حاية القصف الستمر‬
‫من الجانيق السلمية‪ .‬ومع مرور الوقت بدأت تظهر تباشي النجاح‪ ،‬وبرغم القاومة الشرسة إل أن‬
‫أحد أجزاء السور بدأت تتأثّر‪ ،‬وضاعف الجاهدون من جهدهم‪ ،‬ول يتوقف العمل لظة‪ ،‬ول يتوان‬
‫أحد مطلقًا عن بذل كل الطاقة‪.‬‬
‫وف يوم ‪ 26‬من جادى الخرة ‪539‬هـ\ ‪ 23‬من ديسمب ‪1144‬م‪ ،‬وبعد ثانية وعشرين‬
‫يومًا كاملة من الصار‪َ ،‬أذِن ال لزءٍ من السور أن ينهار‪!3‬‬
‫واشتعل الماس ف اليش السلم‪ ،‬وعلت صيحات التكبي من كل مكان‪ ،‬وانمرت جوع‬
‫السلمي إل الزء النهار من السور‪ ،‬واندروا كالسيل داخل الدينة الصينة‪ ،‬وسرعان ما فُتحت‬
‫البواب من الداخل‪ ،‬ودخلت اليوش الكثيفة يتقدمها البطل الف ّذ عماد الدين زنكي لترتطم اليوش‬
‫السلمية بالامية الصليبية الرابضة داخل الدينة‪ ،‬وكان أول مَن حل على الصليبيي هو عماد الدين‬
‫زنكي نفسه‪ !4‬وسرعان ما احتدم الصراع ف كل مكان‪ ،‬وعمّت الفوضى أرجاء الدينة‪ ،‬وارتفعت‬
‫سحب الغبار ف كل مكان‪ ،‬وسالت الشوارع بالدماء‪ ،‬وتناثرت الشلء‪ ،‬وسيطر السلمون ف‬
‫لظات على البراج والسوار والبواب‪ ،‬وكذلك على كل الحاور ف داخل الدينة‪ ،‬وسقط القتلى‬

‫‪1‬‬
‫‪Nerses, Shnorhail: Sur la Prise d`Edesse Doc. Arm Vol. 1, pp. 247-255.‬‬
‫‪ 2‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/739،738‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/332‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/331‬‬

‫‪367‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫من الصليبيي باللف‪ ،‬وألقى ال الرعب ف قلوبم ( َف َلمْ َتقُْتلُو ُهمْ وََلكِنّ ال ّل َه قََت َلهُمْ َومَا َرمَ ْيتَ ِإذْ‬
‫ت وَلَكِ ّن ال ّلهَ َرمَى‪.)1‬‬
‫َرمَيْ َ‬
‫وسقط السقف هيو الثان صريعًا تت القدام‪ ،‬وبسقوطه انارت معنويات الصليبيي تامًا‪،‬‬
‫فلذوا بالفرار إل القلعة الوجودة ف داخل الدينة‪ ،‬وانطلق النود السلمون ف كل مكان يلئون‬
‫أيديهم من الثروات الضخمة‪ ،‬والسب الكثي‪ ،‬والغنائم الت ل تُحصى‪ ،‬وانطلقت فرقة إسلمية قوية‬
‫لصار القلعة‪ ،‬وما هو إل يومان وسقطت القلعة‪ ،‬وقَتَل عماد الدين زنكي مَن كان فيها من‬
‫الصليبيي‪ ،‬بينما أبقى على الرمن واليعاقبة‪.2‬‬
‫لقد كان يومًا من أيام ال‪.‬‬
‫وكان يومًا من أيام السلم الشهودة!‬
‫وعندما ظهر تفوق السلمي الواضح‪ ،‬واستتبت المور لعماد الدين زنكي أصدر أمره فورًا‬
‫بوقف عمليات القتل‪ ،‬وتأمي الميع إل الصليبيي العسكريي‪ ،‬فإنم كانوا يُقتلون‪ ،‬وأُخذت النساء‬
‫والطفال سبيًا‪.‬‬
‫أما الرمن واليعاقبة فقد أصدر عماد الدين زنكي عفوًا عامّا عنهم‪ ،‬مع أنم كانوا يشتركون‬
‫مع الصليبيي ف الدفاع عن الدينة‪ ،‬إل أنه قدّر ظروفهم‪ ،‬وأدرك أنم ُقهِروا على ذلك‪ ،‬فسامهم‬
‫وعذرهم‪!3‬‬
‫ث أعرب عماد الدين زنكي عن سياسته تاه هذا البلد الهم بعد فتحه‪ ،‬فقال‪" :‬إن ذلك البلد‬
‫ل يوز ف السياسة تريب مثله"‪4‬؛ فعماد الدين زنكي رأى أن الرها مدينة عظيمة ل ينبغي أن‬
‫يدمّرها ويتركها خاوي ًة على عروشها‪ ،‬ولكن عليه أن يافظ عليها ويميها‪ .‬وف سبيل ذلك قرر عماد‬
‫الدين زنكي عدة قرارات هي من أروع القرارات النسانية الت من المكن أن يتخذها فاتحٌ أو‬
‫منتصر!‬
‫أولً‪ :‬منع العتداءات على أملك الرمن واليعاقبة‪.5‬‬
‫ثانيًا‪ :‬على كل النود السلمي أن يُعيدوا إل الرمن واليعاقبة (وهم النصارى الشرقيون‬
‫الذين يعيشون ف البلد منذ عشرات السني‪ ،‬أي سكان البلد الصليي) كُ ّل ما أخذوه من أموال أو‬

‫‪( 1‬النفال‪.)17 :‬‬


‫‪2‬‬
‫‪L`Anoyme Syriaque, p. 282.‬‬
‫‪ 3‬وليم الصوري‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪ ،2/739‬وابن العبي‪ :‬تاريخ الزمان ص ‪.157،156‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/332‬‬
‫‪5‬‬
‫‪L`Anoyme Syriaque, p. 282.‬‬

‫‪368‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫غنائم أو سب أو غيه‪ .‬فأعاد النود كل ما أخذوه‪ ،‬وعادت البلد إل الال الت كانت عليه قبل الفتح‬
‫السلمي‪!1‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إطلق الرية الدينية لم‪ ،‬وعدم الساس مطلقًا بكنائسهم‪.2‬‬
‫رابعًا‪ :‬إعطاء الرمن واليعاقبة صورة من الكم الذات لتصريف أحوالم داخل الدينة دون‬
‫الرجوع للمسلمي‪ ،‬على أن تكون تبعيتهم للحكومة السلمية‪.3‬‬
‫خامسًا‪ :‬تصيص الساقفة بالعطف والرعاية وإسداء الدايا؛ فهؤلء هم الذين يقودون‬
‫شعوبم‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬دعوة الرمن الذين هجروا البلد نتيجة اضطهاد الصليبيي إل العودة مرة ثانية إل‬
‫الرها للعيش ف أمانٍ ف ظل الكم السلمي‪.4‬‬
‫وهكذا بذه السياسة الكيمة‪ ،‬وبذه الروح التسامة استقرت الوضاع ف مدينة الرها‪،‬‬
‫وعادت إل أيدي السلمي بعد أكثر من خسي سنة كاملة‪ ،‬وعادت بيئتها الت كانت عليها قبل أن‬
‫يتلكها الصليبيون‪ ،‬وذلك كمدينة ذات طابع نصران تت حكم إسلمي‪.‬‬
‫لقد كان نصرًا خالدًا حقّا َتوّج ال به َجهْد البطل القدير عماد الدين زنكي‪ ،‬ويكفي ف‬
‫وصف هذا النصر ما ذكره ابن الثي ف كتابه (الباهر) حي قال‪" :‬ل ينتفع السلمون بثله‪ ،‬وطار ف‬
‫الفاق ذكرُه‪ ،‬وطاف با نشره‪ ،‬وسارت به الرفاق‪ ،‬وامتل به الحافل ف الفاق‪ ،‬وكان هذا فتح‬
‫الفتوح حقّا‪ ،‬وأشبههم ببدر صدقًا‪.5"...‬‬
‫ول يكتف عماد الدين زنكي رحه ال بإسقاط مدينة الرها‪ ،‬بل أسرع إل كل الصون‬
‫الجاورة والتابعة لمارة الرها فأسقطها ف الال‪ ،‬وكان أهها حصن مدينة سروج الذي سقط ف‬
‫رجب ‪539‬هـ\ يناير ‪1145‬م‪ ،‬وبعد أقل من شهرٍ من سقوط الرها‪ .6‬وبذلك ل يبق ف إمارة‬
‫الرها إل بعض الدن الصغية غرب الفرات وأهها تل باشر الت يتمركز فيها جوسلي الثان‪ ،‬ما يعن‬
‫تقريبًا انيار المارة الصليبية الت كانت أول المارات الصليبية تأسيسًا‪ ،‬فأصبحت كذلك أولا‬
‫سقوطًا!‬
‫ول شك أن نصرًا ميدًا كهذا كان له من الثار ما ل يصى‪ ،‬ونستطيع أن نرصد من هذه‬
‫الثار ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/332‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/279‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Runciman: op. cit., ll. P. 237..‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset: Hist. des Croisades, ll, p. 190.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michel Le Syrien. Lll, pp. 262-268.‬‬
‫‪ 5‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.69‬‬
‫‪ 6‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/332‬والباهر ص ‪ ،70‬وابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪1/94‬‬

‫‪369‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أولً‪ :‬ارتفعت الروح العنوية للمسلمي ارتفاعًا هائلً‪ ،‬ليس ف إمارة عماد الدين زنكي‬
‫فقط‪ ،‬ولكن ف كل ربوع الدنيا‪ ،‬وأقيمت الحتفالت‪ ،‬ونُظِمت الشعار‪ ،‬وشغلت هذه النتصارات‬
‫كل الطباء؛ فهذه ل تكن آمالً بالنصر‪ ،‬أو وعودًا بالنجاح‪ ،‬ولكنها كانت نتائجَ حقيقية‪ ،‬وآثارًا‬
‫ملموسة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ف القابل حدثت صدمة نفسيّة هائلة للصليبيي‪ ،‬فلم يكن جوسلي الثان يتوقع أبدًا أن‬
‫تسقط حصون الرها النيعة‪ ،‬وكان يتخيل أنا حلة ككل الملت الت حدثت على مدار السنوات‬
‫السابقة‪ ،‬وهذا شلّ حركته تامًا‪ ،‬فما َجرُؤ على التقدّم بيشه للدفاع عن الدينة‪ .‬ول شك أن هذا‬
‫ترك ف نفسه وف نفوس أصحابه وأمرائه‪ ،‬رواسبَ عميقة ستؤثّر جدّا على تصرفاتم مستقبلً‪ .‬كما‬
‫أننا ل نلحظ أي جهود من المارات الصليبية الخرى لستعادة هذه المارة العتيدة‪ ،‬ما يؤكّد على‬
‫إحباطهم التام من إمكانية النصر‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬دخل السلمون بعد هذا الفتح البي مرحلة التوازن مع الصليبيي‪ ،‬ففي خلل السنوات‬
‫المسي السابقة‪ ،‬كانت قوة الصليبيي دائمًا أعلى‪ ،‬وحت عندما كان السلمون يقّقون نصرًا‪ ،‬فإنم‬
‫كانوا يققونه على بعض اليوش والفراد‪ ،‬ث يعود كل فريق إل مدنه وأملكه دون أن يفقد منها‬
‫شيئًا‪ ،‬وحت عندما كان يدث أن يرّر السلمون حصنًا أو مدينة كان سرعان ما يسترده الصليبيون‪،‬‬
‫أما الن فقد توازنت القوى‪ ،‬وأصبح للمسلمي القدرة على الوقوف وجهًا لوجه مع الصليبيي‪،‬‬
‫وتغيت الستراتيجية من مرّد الدفاع عند حدوث هجوم إل استخدام مبدأ الجوم خي وسيلة‬
‫للدفاع‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أيقظت هذه الزية الريعة للصليبيي أوربا الغربية‪ ،‬بعد أن كانوا قد اطمأنّوا إل أحوال‬
‫الصليبيي ف الشرق‪ ،‬وبدأت تظهر فيها دعوات لنقاذ الصليبيي ف المارات الصليبية‪ ،‬بل وأرسلت‬
‫اللكة ميلزاند رسالة استغاثة إل البابا ف روما تستنهض فيه المّة لمع ندة كبية للصليبيي‪ .‬وهذه‬
‫الركة الوربية ستكون نواة للحملة الصليبية الثانية بعد ذلك بسنوات قليلة‪.1‬‬
‫خامسًا‪ :‬غيّر هذا النصر من سياسة إمارة أنطاكية تاه المباطورية البيزنطية‪ ،‬فبعد أن ترّأ‬
‫ريوند بواتييه واحتل إقليم قليقية‪ ،‬وَجَد نفسه الن وحيدًا أمام القوة السلمية الديدة؛ وهذا دفعه‬
‫إل بدء مباحثات مع المباطور البيزنطي مانويل كومني يعرض عليه التعاون ضد السلمي‪ ،‬وهذا‬
‫سيسحب المباطورية البيزنطية مرة أخرى إل حلبة الصراع بي السلمي والنصارى‪.2‬‬

‫‪ 1‬رنسيمان‪ :‬تاريخ الروب الصليبية ‪.2/397‬‬


‫‪ 2‬ممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام ص ‪.155‬‬

‫‪370‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫سادسًا‪ :‬سكنت تامًا بعد هذا النصر العظيم ماولت السلطان مسعود لقصاء عماد الدين‬
‫زنكي عن الكم والمارة‪ ،‬فقد أدرك حجمه بالقياس إل حجم البطل الكبي‪ ،‬وعَلِم أن أي ماولة‬
‫لقصائه لن تقبل البتّة من عموم السلمي؛ ومن ثَمّ فقد ظلت العلقات طيبة إل آخر عهد عماد‬
‫الدين زنكي‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬هزّ هذا النصر الكبي مشاعر الليفة العباسي القتفي لمر ال‪ ،‬وكان رجلً تقيّا حسن‬
‫للُق‪ ،‬فما تردد أن يُرسِل التشريفات الكثية لعماد الدين زنكي‪ ،‬بل وأنعم عليه بعددٍ من اللقاب ل‬
‫اُ‬
‫يكن من العتاد أن تُعطى للمراء والقادة؛ ما أضفى على عماد الدين زنكي شكلً جديدًا‪ .‬وهذه‬
‫اللقاب مثل اللك العادل‪ ،‬وركن السلم‪ ،‬والمي الظفر‪ ،‬وعمدة السلطي‪ ،‬وزعيم جيوش‬
‫السلمي‪ ،‬وملك المراء‪ !1‬وكانت هذه اللقاب كلها تُوحي بالستقللية والزعامة‪ ،‬وعدم التبعية‬
‫لحد‪ ،‬وكانت تضع فوق أكتاف عماد الدين زنكي مسئوليات كبية إل جوار السئوليات الت‬
‫يملها‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬كانت هذه النتصارات‪ ،‬وهذه الواقف من السلطان مسعود والليفة القتفي إيذانًا‬
‫بيلد الدولة الزنكيّة‪ ،‬الت يصبح فيها عماد الدين زنكي بنلة الؤسّس الذي يتوارث أولده من بعده‬
‫الكم ف دولته‪ ،‬والت تَدِين كثيٌ من العائلت والقبائل لم بالولء‪ ،‬والذين تصبح لم القيادة والريادة‬
‫للعال السلمي كله بعد ذلك‪ ،‬ولتتسلم بذلك الدولة الزنكية الراي َة من الدولة السلجوقية‪ ،‬ويتحقق‬
‫قول ربّنا سبحانه وتعال‪َ ( :‬وِت ْلكَ اْلأَيّامُ ُندَاوُِلهَا َبيْنَ النّاسِ)‪.2‬‬
‫تاسعًا‪ :‬هدأت حركة الراتقة تامًا ف أرض الزيرة بعد هذا النصر‪ ،‬ول نسمع أي اعتراض‬
‫من قرا أرسلن بن داود‪ ،‬ول من حسام الدين ترتاش‪ ،‬مع أنما ل يُعلِنا النضمام تت لواء عماد‬
‫الدين زنكي‪ ،‬ولكن النصر الهيب الذي تقق أشعر كل منهما بجمه‪ ،‬فقَنِع با يلك منتظرًا ما تأت‬
‫به اليام!‬
‫عاشرًا‪ :‬من الناحية العسكرية فإن هذا النصر طهّر كل الطرق بي الوصل والشام من‬
‫الصليبيي‪ ،‬وفتح العراق بكل إمكانياته على ساحة الصراع السلمي الصليب‪ ،‬وصار انتقال النود من‬
‫العراق وفارس إل الشام آمنًا‪ ،‬هذا فضلً عن الضافة القتصادية الائلة الت تتعت با الدولة السلمية‬
‫بدخول مناطق الرها الثرية ف دائرة حكمها‪ ،‬وكذلك ارتفاع حالة المن إل أعلى درجاتا بعد أن‬
‫أصبح وادي الفرات بكامله واديًا إسلميّا!‬

‫‪ 1‬ابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.283‬‬


‫‪( 2‬آل عمران‪.)140 :‬‬

‫‪371‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهذه كانت بعض الثار الت ترتبت على نصر الرها‪ ،‬وعلى سقوط المارة الصليبية الت‬
‫كثيًا ما دوّخت السلمي‪ ،‬ولكن ل بد لكل ظالٍ من ناية‪ ،‬ول بد لكل ليلٍ من فجر‪( ،‬وَال ّلهُ غَاِلبٌ‬
‫َعلَى َأ ْمرِ ِه وَلَكِ ّن أَكَْثرَ النّاسِ لَ َي ْعلَمُونَ‪.)3‬‬

‫‪( 3‬يوسف‪.)21 :‬‬

‫‪372‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ناية القصة‬
‫ل يكن يعن نصر الرها بالنسبة لعماد الدين زنكي اللود إل الراحة‪ ،‬أو الستكانة قليلً بعد‬
‫تعب السني الطوال‪ ،‬إنا ترك من فوره بعد سقوط الرها‪ ،‬وحرّر ‪ -‬كما ذكرنا قبل ذلك ‪ -‬كل‬
‫الصون والقلع والدن الوجودة ف شرق نر الفرات‪ ،‬ث تقدم بعد ذلك إل مدينة البية ‪ -‬وكانت‬
‫ملوكة للقوات الصليبية‪ ،‬وغالب سُكّانا من النصارى الشرقيي ‪ -‬فضرب حولا الصار الشديد‬
‫تهيدًا لسقاطها‪ .1‬وكانت مدينة البية ذات أهية خاصة لعدّة اعتبارات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أنا كانت تتحكم ف أهم ماضة على نر الفرات‪ ،‬وبالتال فالسيطرة عليها يسهّل حركة‬
‫اليوش من الشرق إل الغرب والعكس‪.‬‬
‫ومنها أن هذه الدينة حصينة جدّا‪ ،‬ووجودها ف يد الصليبيي يعل لم خطّ رجع ٍة قويّ عند‬
‫الصدام مع السلمي‪.‬‬
‫ومنها أنا أقرب النقاط إل مدينة ت ّل باشر الت يتحصن با جوسلي الثان‪ ،‬ولن يستطيع‬
‫عماد الدين زنكي رحه ال أن يواجه جوسلي الثان ف معقله إل بالسيطرة على مدينة البية‪.2‬‬
‫لذا ضرب عماد الدين زنكي ف شهر رمضان (‪539‬هـ) مارس ‪1145‬م‪ ،‬الصارَ الحكم‬
‫حول الدينة‪ ،‬وقطع عنها كل المدادات والخبار‪ ،‬حت كادت الدينة أن تستسلم‪ ،‬وكاد سكانا أن‬
‫يُشرِفوا على اللك‪.‬‬
‫ولكن ‪ -‬للسف الشديد ‪ -‬ف هذا التوقيت السّاس‪ ،‬يأت الب من الوصل باغتيال نائب‬
‫عماد الدين زنكي هناك‪ ،‬وهو المي القدير نصي الدين جقر‪ ،‬وذلك ف مؤامرة انقلبية قام با ألب‬
‫أرسلن بن ممود‪ ،‬وهو ابن أخي السلطان مسعود‪ ،‬وابن السلطان الراحل ممود السلجوقي‪ .‬وكانت‬
‫هذه الحاولة النقلبية انفرادية‪ ،‬أي بعزلٍ عن السلطان مسعود‪ ،‬وفيها قرّب أنصار اللك ألب‬
‫أرسلن له فرصَ ناح الؤامرة‪ ،‬وذكروا له أنه لو قُتل نصي الدين جقر فإنه سيستول بسهولة على‬
‫الوصل‪ ،3‬ولو دانت له الوصل سقطت كل أملك عماد الدين زنكي ف يده‪ ،‬وأصبح هو الرأس‬
‫الول ف العال السلمي!‬
‫هكذا كانوا يظنون أن الجد يُصنع بطوة واحدة‪ ،‬وأنه من السهل أن يُسرق َجهْد السني‬
‫بضربة واحدة أو موقف عابر!‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/334،333‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الباهر ص ‪.70‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/333‬والباهر ص ‪ ،71‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/281،280‬‬

‫‪373‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫نح ألب أرسلن ف قتل نصي الدين جقر‪ ،‬لكنّ الخلصي لعماد الدين زنكي ف دولته‬
‫كانوا أكثر من تيّل ألب أرسلن؛ فقد كان رجال حكومته وجيشه وشعبه يبونه حبّا حقيقيّا‪ ،‬وكان‬
‫عماد الدين زنكي يعاملهم جيعًا بنتهى الب والودة وحسن السياسة‪ ،‬وكانت دولة عماد الدين‬
‫زنكي ‪ -‬كما يقول ابن الثي ‪ -‬ملوءة بالرجال والجناد ذوي الرأي والتجربة‪ ،‬فقام قاضي الدينة‬
‫تاج الدين يي بن الشهرزوري بداع ألب أرسلن حت سجنه وأعوانه ف قلعة الدينة‪ ،‬وأرسلوا‬
‫بالب فورًا إل عماد الدين زنكي‪.1‬‬
‫اضطر عماد الدين زنكي إزاء هذا الب الطي أن يرفع الصار عن البية‪ ،‬وأن يُسرِع الُطَا‬
‫إل الوصل خشية اضطراب الوضاع ف عاصمته‪ ،‬ووصل فعلً إل الوصل‪ ،‬وضبط الوضاع كما‬
‫ينبغي‪ ،‬وعيّن زين الدين علي بن بكتكي على إمارة الوصل بد ًل من المي الراحل‪ ،‬واستتب له المر‬
‫من جديد‪ ،‬لكن بعد أن فوّتوا عليه فرصة إسقاط البية‪.2‬‬
‫خشي سكان البية من عودة عماد الدين زنكي‪ ،‬فآثروا أن يسلّموا مدينتهم إل حسام الدين‬
‫ترتاش‪ ،‬وهو الزعيم العارض لعماد الدين زنكي‪ ،‬وهذا قد يؤدّي إل الدفاع عنهم؛ حيث إنم خشوا‬
‫بعد هذه القاومة الشديدة لعماد الدين زنكي أن ينتقم منهم إذا سقطت الدينة ف يده‪ .‬وهذا على‬
‫العموم سلّم الدينة إل السلمي‪ ،‬وأزال عنها حكم الصليبيي‪ ،‬وإن ل تدخل ف دولة عماد الدين‬
‫زنكي‪.3‬‬
‫رأى عماد الدين زنكي أن هذا النصر الكبي ليس ناية الطاف‪ ،‬فهناك إمارات صليبية أخرى‬
‫ما زالت ف أرض الشام وفلسطي؛ ولذلك قرر أن يستأنف حركة الهاد فورًا‪ ،‬وأن يعل الدف‬
‫القادم هو ترير مدينة أنطاكية‪ ،‬وما يتبعها من مدن إسلمية؛ ليُسقِط بذلك المارة الثانية للصليبيي‪.‬‬
‫غي أن الدف يتطلب منه القتال ف غرب الفرات‪ ،‬وف أرض الشام بصفة عامة‪ ،‬وهذا يتاج‬
‫إل إعداد خاص‪ ،‬وإل تهيزات معينة‪ ،‬ولعل أهم المور الت كانت تشغل ذهن عماد الدين زنكي‬
‫هو وضع مدينة دمشق!‬
‫لقد تعاونت قبل ذلك تعاونًا صريًا مع الصليبيي لقتال عماد الدين زنكي‪ ،‬ول تتردد دمشق‬
‫أن تارب مدينة بانياس التابعة لعماد الدين زنكي‪ ،‬وتطرد حاميتها السلمة لتسلّمها بعد ذلك‬
‫للصليبيي! ومن هنا فقتال الصليبيي دون ضمّ دمشق سيعتب ماطرة كبية‪ ،‬كما أن قتال الصليبيي ف‬
‫هذه الناطق الوغلة ف الغرب يتاج إل قواعد عسكرية قريبة تنطلق منها النود أو تعود إليها‪ ،‬وتعتب‬
‫دمشق بوقعها التوسط ف الشام‪ ،‬وبصانتها العروفة مركزًا مثاليّا لذه الهمة‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/333‬‬


‫‪ 2‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/333‬وابن العدي‪ :‬زبدة جلب ‪.2/281‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/334‬‬

‫‪374‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وعلى هذا فقد جهّز عماد الدين زنكي جيشه‪ ،‬وانطلق ف شهر شعبان (‪540‬هـ) يناير‬
‫‪1146‬م لصار دمشق‪!1‬‬
‫غي أن الخبار وصلت وهو ف طريقه إل دمشق أن هناك مؤامرةً تت ف إمارة الرها‪ ،‬وذلك‬
‫بالتنسيق بي بعض رءوس الرمن وجوسلي الثان تدف إل التخلص من الامية السلمية هناك‪،‬‬
‫وإعادة الكم الصليب!‬
‫غيّر عماد الدين زنكي مساره بسرعة‪ ،‬وانطلق إل الرها‪ ،‬واستطاع بفضل ال إخاد الفتنة‪،‬‬
‫وأعدم التآمرين‪ ،‬ورحّل مموعة أخرى من الشتركي ف الؤامرة‪ ،‬واستقدم بدلً منهم ثلثائة أسرة‬
‫يهودية‪ ،‬فأسكنهم ف الرها‪2‬؛ وقد فعل ذلك لنه كان يعلم شدة الكراهية بي اليهود والنصارى‪ ،‬فلن‬
‫يدث بذلك تواطؤ جاعي ضده‪ ،‬وسيصبح كل طرف منهما عينًا على الخر‪ ،‬وبذلك ل تتفاقم‬
‫الحداث‪ ،‬وتصل إل حدّ يؤثّر ف مريات المور‪.‬‬
‫استقرت المور ف الرها‪ ،‬وفكر عماد الدين زنكي مرة ثانية ف التوجه إل دمشق‪ ،‬غي أنه‬
‫من موقعه الديد وَجَد أن هناك إحدى القلع العسكرية الملوكة لبن عقيل‪ ،‬وهي قلعة َجعْبَر‪ ،‬تقع‬
‫صفّي (صورة ‪ ،)10‬وقد رفض‬
‫على الطريق إل دمشق‪ ،‬وهي على الفرات بي بالس والرّقّة قرب ِ‬
‫أمي هذه القلعة‪ ،‬وهو عز الدين علي بن مالك العقيلي أن يدخل ف طاعة عماد الدين زنكي‪ .‬وهكذا‬
‫صارت هذه القلعة ف وسط دولة عماد الدين زنكي‪ ،‬كما أنا تدّد جيش عماد الدين زنكي الذي‬
‫سيجتاز النطقة‪.‬‬
‫هنا قرر عماد الدين زنكي أن ياصر هذه القلعة حت يُسقِطها‪ ،‬وكان هذا الصار ف أواخر‬
‫سنة ‪540‬هـ\ منتصف ‪1146‬م‪.3‬‬
‫استمر الصار عدة أشهر‪ ،‬فقد كانت القلعة حصينة جدّا‪ ،‬ول يكن عماد الدين زنكي‬
‫ياصرها بكل جيوشه‪ ،‬حيث فرّق جيوشه هنا وهناك لماية الدولة الواسعة‪ ،‬خاصةً أن هناك بعض‬
‫الضطرابات حدثت ف شال الوصل‪ ،‬وكان سببها إحدى طوائف الكراد‪ ،‬وهم الكراد البشنوية‪،‬‬
‫وكانوا تت قيادة حسام الدين ترتاش‪ ،‬فأرسل إليهم عماد الدين زنكي فرقةً من جيشه لخضاعهم‪،‬‬
‫وحصار أهم قلعهم‪ ،‬وهي قلعة فَنَك على نر دجلة‪.4‬‬
‫مرت اليام والشهور وعماد الدين زنكي ‪ -‬رحه ال ‪ -‬صابر على الصار‪ ،‬ل يكلّ ول‬
‫يلّ‪ ،‬ول يلد إل الراحة أبدًا‪ .‬وف ليلة من ليال الصار‪ ،‬وتديدًا مساء يوم السادس من جادى‬
‫‪ 1‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪ ،2/281‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪.282‬‬
‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪ ،2/281‬وابن القلنسي‪ :‬ذيل تاريخ دمشق ص ‪،282‬‬
‫‪Setton: op. cit., l, p. 462.‬‬
‫‪ 3‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/338‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/281‬‬
‫‪ 4‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/339‬وابن واصل‪ :‬مفرج الكروب ‪.1/99،98‬‬

‫‪375‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫الخرة سنة ‪541‬هـ\ الامس عشر من سبتمب ‪1146‬م َأذِن ال لذا السد التعب أن يستريح‪،‬‬
‫ولذه الروح الوثّابة أن تصعد لبارئها!‬
‫لقد دخل عماد الدين زنكي لينام ف هذه الليلة‪ ،‬فدخل عليه أحد خُدّامه‪ ،‬وكان اسه‬
‫يرنقش‪ ،‬فذبه وهو نائم! لتنتهي بذلك حياة البطل الذي دوّخ الصليبيي‪ ،‬والذي رفع رأس السلمي‬
‫عاليًا بعد سنوات طويلة من الذّلة والوان‪.‬‬
‫وأسرع الادم بعد أن قتل سيّده وسيد السلمي‪ ،‬ونادى على أهل القلعة يبشّرهم ويقول‪:‬‬
‫ت عماد الدين زنكي‪ .‬ولكنه فُوجِئ بردّ فعل عجيب لهل القلعة الحاصَرين‪ ،‬والذين كان‬ ‫لقد قتل ُ‬
‫عماد الدين زنكي يقاتلهم منذ قليل! لقد قالوا جيعًا‪" :‬لقد قتلت السلمي كلهم بقتله!" ‪.1‬‬
‫نعم‪ ،‬لقد كانت خسارة فادحة أن قُتل عماد الدين زنكي‪ ،‬لتفقد ا ُلمّة كلها عَلَمًا فذّا من‬
‫أعلم الهاد‪ ،‬ونمًا لمعًا من نوم السياسة والقيادة‪ ،‬وم ّددًا حقيقيّا لذا الدين‪ ،‬ورجلً من طراز‬
‫خاصّ‪ ،‬ظهر ف زمنٍ قلّ فيه الرجال!‬
‫ول شك أن الميع يتساءل‪ :‬لاذا قَتَل هذا الادم البان زعيمَ السلمي وقائدهم ف هذا‬
‫الوقت الرج؟!‬
‫والواقع أن جرية قتل عماد الدين زنكي علمة استفهام كبية ف التاريخ السلمي‪ ،‬اختلف‬
‫الؤرّخون ف القدي والديث على أسبابا؛ وتذكر بعض الكتب أن السبب كان نتيجة تديد عماد‬
‫الدين زنكي للخادم ف بداية نومه؛ لنه كان يرفع صوته أكثر ما ينبغي عند نوم عماد الدين زنكي‪،‬‬
‫فخاف الادم من هذا التهديد‪ ،‬فقتل عماد الدين زنكي!‬
‫وهذا الحتمال ف نظري بعيدٌ جدّا‪ ،‬فليس الطأ الذي ارتكبه الادم بالذي يشى عاقبته‪،‬‬
‫ومهما كان العقاب كبيًا فهو سيكون ف النهاية بسيطًا‪ .‬كما أن الشتهَر عن عماد الدين زنكي رحه‬
‫ال أنه كان يعامل خدّامه بالرأفة والرحة‪ ،‬ول ُي ْؤثَر عنه ف حياته َقطّ أن ضرب خادمًا أو آذاه‪ ،‬وهذه‬
‫الرية الت ارتكبها الادم ل بد أن عقابا سيكون القتل‪ ،‬فيكف يغامر الادم بياته احترازًا من‬
‫عقابٍ متوهّم؟!‬
‫لكل هذا فأنا أرجّح أن هذا الحتمال بعيد‪ ،‬وإن وَجَد رواجًا ف بعض الكتابات‪ ،‬وتناقله‬
‫بعض الستشرقي وأتباعهم؛ لنه ف النهاية يشوّه صورة عماد الدين زنكي‪ ،‬ويُظهِره بظهر السيد‬
‫التعجرف الظال‪ ،‬الذي يهدّد خادمه تديدًا مرعبًا يدفع الادم إل قتله! وهذا ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬مالفٌ‬
‫لوقائع المور‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪ ،9/340،339‬وابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪ ،2/282،281‬وابن واصل مفرج الكروب ‪.1/99‬‬

‫‪376‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫أما أنا فأعتقد أن خلفيات القتل ودوافعه لن ترج عن ثلثة‪ ،‬وهذه السباب الثلثة هي‬
‫أسباب خارجية أثّرت ف الادم واستغلته لتحقيق مآربا‪ ،‬وقد يكون هناك تعاون بي بعض هذه‬
‫الهات لتحقيق نفس الدف‪.‬‬
‫أما الحتمال الول‪ :‬فإن بعض الؤرخي يرجّحون أص ً‬
‫ل أوربيّا لذا الادم‪ ،‬فقد كان من‬
‫الماليك‪ ،‬فلعله كان يقد حقدًا كبيًا على عماد الدين زنكي لنتصاراته التتالية على الصليبيي‪،‬‬
‫خاصةً بعد انتصاره الخي وإسقاط إمارة الرها‪ ،‬فانتقم لقومه بقتل عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫وأما الحتمال الثان‪ :‬أن يكون الادم باطنيّا‪ ،‬ونن نعرف مدى عنف هذه الطائفة‪ ،‬وما‬
‫أكثر الرائم الت ارتبطت بالباطنية ف هذه الفترة‪ ،‬وقد تصصوا ف الغتيالت السياسية الكبى‪ .‬ول‬
‫يفى على أحدٍ مدى تأثر الباطنية بهد عماد الدين زنكي ونشاطه‪ ،‬فل شك أن هذا الزعيم‬
‫السلمي الكبي كان قامعًا للفساد‪ ،‬ماربًا للجرية‪ ،‬ناشرًا للعدل ف ربوع إمارته‪ .‬وهذا كله وسطٌ ل‬
‫يصلح للعمل لولئك الباطنية الفسدة‪ ،‬إضافةً إل أن عماد الدين زنكي كان زعيمًا ُسنّيّا متمسكًا‬
‫بالشرع‪ ،‬ول شك أن هؤلء الساعيلية البثاء كانوا يقتونه أشد القت‪ ،‬ول يستبعد أبدًا أن يقتلوه‪،‬‬
‫أو يبثوا عليه مَن يقتله‪.‬‬
‫أما الحتمال الثالث ‪ -‬وهو أقرب عندي ‪ -‬هو أن يكون هناك اتفاق بي هذا الادم وبي‬
‫زعيم قلعة َجعْبَر الحاصَرة ف ذلك الوقت‪ ،‬وهو عز الدين بن مالك العقيلي‪ ،‬وأنه قد يكون أغراه‬
‫بالال أو القطاع أو النصب أو غيه‪ .‬ويقف مع هذا الحتمال دليلن‪ ،‬أما الدليل الول فهو أن‬
‫الادم أسرع فورًا إل القلعة بعد قتل عماد الدين زنكي يبشّرهم بذه الرية‪ ،1‬فهذا يشي إل احتمال‬
‫اتفاق بينه وبينهم‪ .‬وأما الدليل الثان فهو ما نقله ابن العدي من حوارٍ دار بي زعيم القلعة عز الدين‬
‫علي بن مالك وحسان البعلبكي زعيم مَنْبِج‪ ،‬عندما سأله زعيم منبج عن الذي يكن أن ينجيه من‬
‫حصار عماد الدين زنكي! فقال له عز الدين العقيلي‪ :‬الذي أناك يوم ُحصِرت بنبج‪ !2‬وكان سبب‬
‫ناة حسان البعلبكي يوم حصره بلك بن برام ف مدينته أن قُتِل بلك بن برام بسهم َغ ْربٍ ل يُعرف‬
‫مصدره‪ ،‬فكأن عز الدين يشي أن الذي سيخلّصه من الصار هو قتل عماد الدين زنكي‪ ،‬ما يوحي‬
‫إل معرفته بؤامرةٍ تدف إل ذلك‪.‬‬
‫وعلى كلّ‪ ،‬وبصرف النظر عن الدافع الذي أدى للجرية‪ ،‬فإن البطل قد رحل‪ ،‬وأُسدل‬
‫الستار بذلك عن حياة عظيمة حافلة‪ُ ،‬ملِئت كفاحًا وجهادًا‪ ،‬وأثبت فيها بطلنا أن من البشر من ل‬
‫يقتصر تأثيهم على متمع أو وطن‪ ،‬بل تتأثر بوجودهم النسانية جيعًا‪ .‬ف َرحِمَ ال عماد الدين زنكي‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن الثي‪ :‬الكامل ف التاريخ ‪.9/340،339‬‬


‫‪ 2‬ابن العدي‪ :‬زبدة حلب ‪.2/283‬‬

‫‪377‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وجعل كل أعماله ف ميزان حسناته‪ ،‬ونسأل ال أن يُكثِر من أمثاله‪ ،‬وأن يبارك ف خطوات كل من‬
‫سار على دربه‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫وبعد‪..‬‬
‫طوينا معًا ف هذه الرحلة عددًا من صفحات التاريخ السلمي‪ ،‬ول شك أن تفاصيل هذه‬
‫الرحلة الهمة من تاريخ المة السلمية أكثر ما ذكرنا بكثي‪ ،‬ولول خوفنا من أن نثقل على القارئ‬
‫بك ّم هائل من الصفحات والعلومات لضاعفنا هذا الكتاب‪.‬‬
‫إنا صفحة من أهم صفحات التاريخ حقّا‪ ،‬فيها تنوعات كثية من البشر؛ حيث رأينا الصال‬
‫والطال‪ ،‬ورأينا الجاهد ف سبيل ال‪ ،‬وكذلك رأينا القاتل ف سبيل الكرسيّ والسلطان‪ ،‬وهي‬
‫خ ْيرَاتِ ِبِإذْنِ ال ّلهِ‪.)1‬‬
‫صدٌ َومِ ْن ُهمْ سَابِقٌ بِالْ َ‬
‫تنوعات طبيعية ف البشر‪( ،‬فَمِ ْن ُهمْ ظَاِلمٌ ِلَنفْسِ ِه َومِنْ ُه ْم مُقَْت ِ‬
‫ول يفى على أح ٍد أننا ل ندرس هذه التنوعات‪ ،‬ول نقرأ عن هذه القصص؛ لجرّد اختزان‬
‫العلومات‪ ،‬أو التندّر بالروايات‪ ،‬إنا قرأناها ودرسناها لنبحث عن ال ِعبْرة‪ ،‬ونستخرج الدروس‪ ،‬ونطبّق‬
‫قول ربّنا سبحانه وتعال‪:‬‬
‫صصِ ِهمْ عِ ْبرَ ٌة ِلأُولِي اْلأَلْبَابِ‪.)2‬‬
‫(َل َقدْ كَا َن فِي َق َ‬
‫ولذا فإنن أردتُ أن أقف هذه الوقفة لننظر نظرة شاملة إل القصة‪ ،‬فنخلص إل بعض‬
‫الدروس الستفادة‪ ،‬والت من المكن أن تؤثّر إيابيّا على مسية المة‪ ،‬وعلى نضة السلمي‪ .‬ول شك‬
‫أن هذه ليست كل الدروس‪ ،‬فهي أكثر من أن تصى‪ ،‬ولكننا فقط نفتح الباب للتدبّر‪ ،‬والمر بعد‬
‫ذلك متروك لعموم السلمي‪ ،‬كلّ ينهل بسب توفيق ال له‪.‬‬
‫العبة الول‪ :‬نن ل نعرف تارينا حقّا!‬
‫لقد تصفحنا معًا قصة خسي سنة فقط من تاريخ المة‪ ،‬وف جانب واحد من جوانبها‪ ،‬وهو‬
‫جانب الروب الصليبية‪ ،‬وما تعلق با من أمور‪ ،‬وف منطقة واحدة من مناطق العال السلمي‪ ،‬وهي‬
‫منطقة الشام والعراق‪ ،‬ومع ذلك فأنا على يقي أن معظم ال ُقرّاء يقرءون هذه الحداث للمرة الول‬
‫ف حياتم!‬
‫مَن مِن بي القراء سع قبل ذلك عن مودود بن التونتكي؟!‬
‫مَن سع عن سقمان بن أرتق أو إيلغازي بن أرتق أو بلك بن برام؟‬
‫من يعرف ملكشاه ونظام اللك؟‬
‫من قرأ قبل ذلك عن موقعة فتح بارين أو عن حصار شيزر؟‬
‫بل من يعرف عماد الدين زنكي نفسه؟!‬

‫‪( 1‬فاطر‪.)32 :‬‬


‫‪( 2‬يوسف‪.)111 :‬‬

‫‪379‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ول أقصد بالعرفة هو معرفة السم‪ ،‬ولكن أعن صفات الشخصية‪ ،‬وطريقة التربية‪ ،‬ومنهاج‬
‫الياة‪ ،‬وتفاصيل الهاد‪.‬‬
‫هل يستطيع أحدٌ أن يشرح لبنائه ومتمعاته الطريقة الت تكوّن با عماد الدين زنكي حت‬
‫وصل إل ما وصل إليه؟! إننا رأينا منهجًا واضحًا ف تربيته‪ ،‬وطريقة ثابتة ف تنشئته‪ .‬إننا نتاج حقّا‬
‫أن ندرس كل تفاصيل حياته لنُخرِج لمتنا أمثا َل عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫ث إننا ف هذه القصة ل نتكلم إل على الحداث التعلقة بقصة الروب الصليبية‪ ،‬وبالتال‬
‫فإننا ل نتحدث عن تفاصيل حياة العلماء العاصرين‪ ،‬ول نتحدث عن إنازات السلمي ف هذه الفترة‬
‫ف مالت الطب والندسة والفلك والغرافيا وغي ذلك من علوم‪ ،‬ول نتحدث عن النشآت‬
‫العمرانية والسهامات الفنية‪ ،‬ول نتحدث عن الياة القتصادية أو الشاريع التجارية‪ ،‬ول نتحدث عن‬
‫الركة الثقافية أو النهضة الشعرية!‬
‫إننا أغفلنا الديث عمدًا عن آلف الصور الضارية لنا غي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقصة‬
‫الروب الصليبية‪ ،‬أما إذا فتحنا الجال للحديث فيها فإننا سنرى صورًا باهرةً تتاج إل عشرات‬
‫الجلدات للتحليل والدراسة‪.‬‬
‫وكل ما ذكرناه هنا هو نتاج الياة ف أرض الشام والعراق فقط!‬
‫فإذا وسّعنا النظرة لتشمل الوضع التاريي لكل بلد السلم ف هذه الفترة‪ ،‬فشملنا بذلك‬
‫الندلس وبلد الغرب وغرب إفريقيا‪ ،‬ومصر والسودان وشرق إفريقيا‪ ،‬واليمن ووسط آسيا‬
‫وأفغانستان وإندونيسيا والند‪ ،‬وغيها من بلدان العال السلمي ف ذلك الوقت‪ ،‬وكلها كانت‬
‫تشهد أحداثًا ساخنة‪ ،‬وقصصًا متنوعة؛ إذا وسّعنا النظرة بذه الصورة أدركنا أن تارينا كن ل حدود‬
‫له‪ ،‬وأن الدروس الت نستطيع استخراجها أكثر من أن تصى‪ ،‬ولدركنا ف نفس الوقت مدى‬
‫القصور الذي تعان منه وسائل تربيتنا‪ ،‬حت وصلنا إل هذه الالة من الهل بتارينا والهال له!‬
‫إن الزمة حقيق ًة مركّبةٌ!‬
‫إن الناهج التعليمية والبامج العلمية تتاج إل مراجعة كبية‪ ،‬كما أن علماء الشريعة‬
‫ومفكري المة ومصلحيها يتاجون إل إعادة تطيط لبامهم؛ لتشمل قضية التاريخ السلمي‪،‬‬
‫فتخرج لنا الدرر الكامنة‪ ،‬وتدافع عن الشبهات الثارة‪ ،‬وتبز القدوات الصالة‪ ،‬وتستفيد من الدروس‬
‫الائلة‪.‬‬
‫إنه ليس مهود فرد أو أفراد‪ ،‬بل مهود ُأمّة!!‬
‫العبة الثانية‪ :‬التدافع سنة كونية!‬

‫‪380‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫رأينا ف هذه القصة أن الصليبيي جاءوا من غرب أوربا بجج واهية‪ ،‬ومنطق مغلوط؛‬
‫ليقتحموا الديار السلمية‪ ،‬ويضرموا نار الرب لدة عشرات السني‪ .‬ورأينا أن الصدام كان منذ‬
‫اليوم الول‪ ،‬ول تدأ وتيته لظة واحدة طوال القصة‪ ،‬ول يكن هناك وسيلة بال من الحوال قابلة‬
‫لقناعهم بالعودة إل ديارهم وترك بلد السلمي‪ ،‬ومن ثَمّ كان ل بد من الصدام العسكري‪ ،‬وما‬
‫حدث هذا هو ُسنّة ماضية من سنن الكون؛ فل بد أن يوجد خيٌ وشرّ‪ ،‬وحق وباطل‪ ،‬وإيان وكفر‪،‬‬
‫وهذا كله يستمر إل يوم القيامة‪ ،‬وطالا هو مستمر فسيكون هناك حرب وقتال‪ ،‬وضرب وِنزَال‪ ،‬ول‬
‫مهرب من هذه القيقة مهما وزّع السياسيون البتسامات‪ ،‬ومهما أظهروا ال ُودّ واللفة والتعايش!‬
‫ضهُمْ بَِبعْضٍ‬
‫إنا ُسنّة ماضية‪ ،‬اسها سُنّة التدافع؛ يقول تعال‪( :‬وََلوْ َل َدفْعُ ال ّلهِ النّاسَ َب ْع َ‬
‫س َدتِ اْلَأ ْرضُ وَلَكِنّ ال ّلهَ ذُو فَضْلٍ َعلَى اْلعَالَمِيَ‪ .)1‬ويقول أيضًا‪( :‬وَلَ َيزَالُونَ ُيقَاِتلُونَ ُكمْ حَتّى‬
‫َلفَ َ‬
‫َي ُردّو ُكمْ عَ ْن دِينِ ُكمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا‪.)2‬‬
‫إننا ل نذكر هذه القائق لنحفّز السلمي على القتال‪ ،‬ونضهم على الشراسة؛ إنا نقوله‬
‫ليأخذ السلمون حذرهم‪ ،‬وليفهموا أعداءَهم‪ ،‬ولكي ل نسمح لحد من الخادعي أن يدّرنا بعسول‬
‫القول‪ ،‬أو بطيب الكلم‪ .‬ونقوله أيضًا ليكون السلمون على استعدا ٍد دائم‪ ،‬وهّة مستمرة؛ فلحظة نوم‬
‫أو سكون أو فتور قد يعقبها احتلل يدوم عشرات السني!‬
‫العبة الثالثة‪ :‬نن ل ننهزم لقوتنا بل لضعفنا!‬
‫ف هذه القصة الثية رأينا أن السلمي ل يُهزموا لكثرة أعداد الكافرين‪ ،‬ول لقوة عتادهم؛‬
‫سلِم السلمي‬‫إنا هُزموا ف الساس للضعف الذي أصابم من أكثر من وجه‪ ،‬ول شك أن ال ل يُ ْ‬
‫للكافرين إل لعيوب مركّبة‪ ،‬وأمراض خطية‪.‬‬
‫ولقد رأينا ف هذه القصة بُعدًا هائلً عن الدين‪ ،‬وإهالً شنيعًا للشريعة‪ ،‬وترسّخًا للفساد‬
‫والظلم والنكر‪ ،‬وسيطرة لصحاب الهواء والنفوس الريضة‪ .‬ورأينا أيضًا إيثارًا للدنيا على الخرة‪،‬‬
‫وتسّكًا بأعراض بسيطة من التاع واللك‪ ،‬وبَْيعًا صريًا للدين والرض والعرض ف سبيل التمسك‬
‫بالياة أو بالسلطان‪ .‬ولقد رأينا الشعوب ترج بالدايا والورود تستقبل الصليبيي الجرمي‪ ،‬ول يكن‬
‫هذا الستقبال الهي إل ليتركوهم يعيشون‪ ،‬فقط يعيشون‪ ،‬حت لو كانت هذه العيشة ف ذُلّ‬
‫و َهوَان‪.‬‬

‫‪( 1‬البقرة‪.)251 :‬‬


‫‪( 2‬البقرة‪.)217 :‬‬

‫‪381‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ورأينا ف قصتنا فُرقةً بي السلمي‪ ،‬وتشتتًا وتزقًا ونزاعًا وصراعًا؛ رأينا المارة الصغية‬
‫تتنازع مع أختها الصغر من أجل حدود وهيّة أو قلعة أو حصن‪ ،‬والصليبيون على بُعد خطوات‬
‫ينون ثار الشقاق السلمي!‬
‫لقد قُسّمت سوريا إل إمارات شت‪ ،‬وقطّعت أرض الزيرة إل عشرات الدويلت‪ ،‬وكان‬
‫ساحل البحر البيض التوسط يثّل هو الخر عشرات المارات السلمية النفصلة‪ ،‬فصارت كل‬
‫مدينة إمارة‪ ،‬وكل إقليم دولة‪ ،‬وصار كل حاكم ل وزن له أميًا للمؤمني‪ .‬وف ظل هذا الو كان ل‬
‫بد للحتلل البغيض أن ينجح ف فرض هيمنته على الراضي السلمية‪ ،‬وأن يفرض سطوته على‬
‫الكام والمراء السلمي‪.‬‬
‫ورأينا ف قصتنا أيضًا عِمالة واضحة بينة صرية من كثي من حكام السلمي‪ ،‬وخاصةً ف‬
‫منطقة الشام وفلسطي‪ ،‬أدّت إل هذه الكوارث الشينة الت رأيناها‪ .‬ومع أننا نمّل هؤلء الكام‬
‫السئولية السيمة ف تضييع البلد‪ ،‬وف تبديد ثرواتا‪ ،‬إل أننا ل يكن أبدًا أن نعفي الشعوب الت‬
‫قبلت وجودهم‪ ،‬بل وأيدتم كثيًا بالدفاع عنهم‪ ،‬والتصدي لحاولت ال َوحْدة الت قام با الخلصون‬
‫من أبناء المة‪ .‬وقد رأينا الصرار القيت لشعب دمشق وحص على رفض الندماج ف كيان واحد‬
‫صلب لقاومة الصليبيي؛ ما أسفر عن استمرار الحتلل سنوات عديدة‪.‬‬
‫وكل هذه الشاهدات تثبت ‪ -‬با ل يدع مالً للشك ‪ -‬أن السلمي ل يُهزمون بقوة‬
‫أعدائهم‪ ،‬ولكن بضعف السلمي أنفسهم‪ .‬ومن ثَمّ فبداية التغيي تكون من الداخل‪ ،‬وف نفس الوقت‬
‫فإننا ل نُرهب أبدًا بأعداد كبية‪ ،‬أو قوات ضخمة؛ فإن النصر يُكتب لنا إن كنا مرتبطي بالشرع‪،‬‬
‫متمسكي به‪ .‬وما أبلغ الكلمات الت قالا عمر بن الطاب حي وضع يده على مفاتيح النصر‬
‫والزية فقال‪" :‬إنكم ل تُنصرون على عدوكم بكثرة العدّة والعتاد‪ ،‬ولكن تُنصرون عليه بطاعتكم‬
‫لربكم ومعصيتهم له‪ ،‬فإن تساويتم ف العصية كانت لم الغلبة عليكم بقوة العدة والعتاد"‪!!1‬‬
‫العبة الرابعة‪ :‬ل بديل للجهاد لتحرير البلد!‬
‫َفهِم الصالون من أبناء المة أن السبيل الوحيد لخراج الصليبيي من أرض السلمي هو‬
‫الهاد ف سبيل ال‪ ،‬وأن اليوش الحتلة ل "تقنع" بالرحيل بل "تُرغم"! ولذلك استمرت ماولتم‬
‫الهادية من أول حياتم إل آخرها‪ .‬ولعل أوضح النماذج الت رأيناها ف قصتنا كانت متمثلة ف‬
‫مودود بن التونتكي رحه ال‪ ،‬ث البطل السلمي القدير عماد الدين زنكي رحهما ال جيعًا‪ .‬وأبرز‬
‫ما يتضح لنا من قصة هذين الزعيمي أنما جعل مسألة الهاد ف سبيل ال قضية حياتما‪ ،‬فلم ت ِغبْ‬
‫عن أعينهما لظة واحدة منذ بداية حكمهما وإل آخر لظة من حياتما‪.‬‬

‫‪ 1‬ممود شيت خطاب‪ :‬الفاروق القائد ص ‪ ،155‬نقل عن ناية الرب للنويري‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ث إن هذا الهاد ل بد أن يكون ف سبيل ال‪ ،‬فل يوز أن تكون هناك نوايا متلطة‪ ،‬أو‬
‫أهداف مزدوجة‪ ،‬فل يستقيم أن يكون الهاد ف سبيل الكرسيّ‪ ،‬أو سبيل الال‪ ،‬أو ف سبيل توسيع‬
‫رقعة اللك‪ ،‬أو ف سبيل العشية أو القبيلة‪ ،‬ول حت ف سبيل الاكم أو السلطان حيث ترج جيوش‬
‫كثية ل تقاتل إل لن قائدها أمرها بذلك؛ وهذه اليوش تقاتل بل هدف‪ ،‬وليست عندها قضية‪،‬‬
‫وعادةً ل تُنصر مثل هذه اليوش؛ لنا ل تعمل ل‪ ،‬وال ل ينصر إل من نصره‪ ،‬ول يؤيد إل من‬
‫صرف ِنيّتَه كلها له‪.‬‬
‫صرُهُ‪.)1‬‬
‫صرَنّ ال ّل ُه مَنْ يَ ْن ُ‬
‫قال تعال‪( :‬وَلَيَ ْن ُ‬
‫ولقد َفقِه مودود وعماد الدين زنكي هذه السألة فحرصا على تعليم جنودها وشعوبما هذه‬
‫القضية‪ ،‬وبالتال رأينا رايةً حقيقيةً للجهاد ف سبيل ال‪ ،‬وت ّردًا واضحًا ليس فيه دَ َخنٌ ول َغَبشٌ‪.‬‬
‫ويوم تُخرِج ا ُلمّة أمثال هذين البطلي يوم نرى النصر بإذن ال‪ ،‬وليس ذلك على ال بعزيز‪.‬‬
‫العبة الامسة‪ :‬الوحدة حتمية ليتحقق النصر!‬
‫َفهِم الصالون أيضًا من أبناء هذه المة أن قضية الهاد ف سبيل ال ل تصلح بغي وَحْدة؛‬
‫ولذلك حرصوا كل الرص قبل خوض غمار العارك أن يوحّدوا المة ف كيان واحد‪ ،‬وبذلوا ف‬
‫ذلك كل وقتهم وجهدهم‪ ،‬ومرّوا بأزمات كثية‪ ،‬ومشاكل ضخمة‪ ،‬لكنهم ظلوا حريصي طيلة‬
‫حياتم على هذه السألة الاسة؛ لنم أدركوا أن الفُرقة سبب الفشل‪ ،‬وأن الزية مقرونة بالتنازع‪.‬‬
‫صِبرُوا إِ ّن ال ّلهَ مَعَ الصّاِبرِينَ‪.)2‬‬
‫ب رِيُ ُكمْ وَا ْ‬
‫شلُوا وََت ْذ َه َ‬
‫يقول تعال‪( :‬وَ َل تَنَازَعُوا فََتفْ َ‬
‫ول تكن هذه الوحدة مطلبًا عامّا عند كل الزعماء‪ ،‬بل قاومها كثي منهم؛ طمعًا ف حكم‬
‫ذات على رقعة بسيطة‪ ،‬ومن ثَ ّم حدثت مواجهات وصدامات وصراعات‪ ،‬وكان ل بد من بذل كل‬
‫الطرق لواجهة الزعامات الفارغة الت ل تبحث إل عن مصلحتها‪.‬‬
‫فلجأ الزعماء الخلصون إل الفاوضات أحيانًا‪ ،‬وإل الغراءات بالال أو القطاع أحيانًا‬
‫أخرى‪ ،‬وإل التهديد أحيانًا ثالثة‪ ،‬ول يكن هناك حلّ إل الصدام العسكري ف أحيانٍ رابعة‪ ،‬ولكن ف‬
‫النهاية توحّدت ا ُلمّة‪ ،‬ولو وَحْدة جزئية‪ ،‬فحدث النصر‪ ،‬ورأينا الفرج‪.‬‬
‫ولقد شاهدنا ف قصتنا بطلنا العظيم عماد الدين زنكي يرص على الوحدة بشكل لفت‬
‫للنظر‪ ،‬فيُعطِي هذا ويُقطِعه ويولّيه‪ ،‬ويضع يده ف يد آخر نظي قيادة مشتركة للمة‪ ،‬ويتزوج زواجًا‬
‫يهدف إل توحيد إمارتي‪ ،‬ويتغاضى عن إيذاءٍ من السلطان مسعود أو غيه لكي ل يزّق الصف‬
‫السلم‪ ،‬وياصر مدينة رفضت الوحدة عدة أشهر أو سنوات‪ ،‬ويهب حياته من أولا لخرها تقيقًا‬

‫‪( 1‬الج‪.)40 :‬‬


‫‪( 2‬النفال‪.)46 :‬‬

‫‪383‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لذه المنية الغالية‪ :‬وَحْدة السلمي‪ ،‬حت مات وقد ترك كيانًا كبيًا موحّدًا يضم بي طيّاته الوصل‬
‫وحلب وحرّان ونصيبي وحص وحاة وبعلبك‪ ،‬وقد تعامل ف كل ذلك مع السلجقة والعباسيي‬
‫والراتقة والتركمان والعرب وبن منقذ وبن الدانشمند وغيهم‪.‬‬
‫إنا حياة صعبة‪ ،‬لكن الذي سهّلها أن الدف فيها كان واضحًا‪ ،‬والوجهة فيها كانت ل‪.‬‬
‫العبة السادسة‪ :‬ل أمل ف التغيي بغي قدوة!‬
‫لقد اكتشفنا أن الشعوب السلمية فيها خي كثي‪ ،‬وفطرتا سليمة وطيبة‪ ،‬ولكنها تتاج إل‬
‫قدوة واضحة وحسنة تقلّدها‪ ،‬وعندها يرج الي الكامن ف النفوس‪ ،‬وتتحرك نوازع الصلح ف‬
‫عموم الناس‪.‬‬
‫إن البشر بصفة عامة يتاجون إل مثالٍ يقلدونه؛ ولذلك أرسل ال الرسل من البشر؛‬
‫ليكونوا قدوةً صالة للناس‪ .‬قال تعال‪َ( :‬ل َقدْ كَانَ لَ ُك ْم فِي رَسُولِ ال ّلهِ أُ ْس َوةٌ حَسََنةٌ لِمَنْ كَانَ َيرْجُو‬
‫ال ّل َه وَالَْي ْومَ الْآ ِخ َر َوذَ َكرَ ال ّلهَ كَثِيًا‪.)1‬‬
‫ولقد ترّك الناس أيام رسول ال عندما شاهدوه وسطهم غي منعزل عنهم‪ ،‬يربّي ويعلّم‬
‫وياهد وينفق‪ ،‬ويتكلم كلمة الق‪ ،‬ويدافع عن الظلوم‪ ،‬ويفعل الي‪ ،‬ويبتعد عن النكر‪ .‬لقد رأى‬
‫الناس أن كلماته الت قالا لم واقعٌ حيّ متمثّلٌ ف كل خطوة من خطوات حياته‪ ،‬فصدّقوه وساروا ف‬
‫طريقه‪.‬‬

‫وكذلك الصالون من أبناء المة‪.‬‬


‫أقوالم كأفعالم‪.‬‬
‫وظاهرهم كباطنهم‪.‬‬
‫ونصائحهم للناس تُطبّق ف حياتم قبل أن يطالبوا با غيهم‪.‬‬
‫لقد رأينا عماد الدين زنكي ل يأخذ لنفسه أراضي أو ثروات؛ ولذا كان قادرًا على منع‬
‫جنوده وأمرائه من أخذ أراضي الناس وأملكهم‪.‬‬
‫ورأيناه يتصدق من ماله يوميّا على الفقراء والساكي؛ ولذا كان قادرًا على أن يأمر أصحابه‬
‫أن يرفقوا بالفلحي والبسطاء‪.‬‬
‫ورأيناه يبدأ القتال بنفسه‪ ،‬ويطعن ف باب الرها‪ ،‬ويكون أقرب للعداء من جنوده؛ ولذا‬
‫كان قادرًا على تفيز جنده على الهاد‪.‬‬

‫‪( 1‬الحزاب‪.)21 :‬‬

‫‪384‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫ورأيناه يسأل الفقهاء والعلماء ويستمع لرأيهم ويطيعه؛ ولذا كان قادرًا على أمر شعبه‬
‫بسماع كلم العلماء واتّباعه‪.‬‬
‫إنه ينبغي للدعاة والعلماء والجاهدين والقادة أن يعلموا أن فعل رَجُلٍ ف ألف رجل خيٌ من‬
‫قول ألف رجل ف رجل!‬
‫العبة السابعة‪ :‬بداية التغيي ف يد علماء المة‪.‬‬
‫لقد كان واضحًا أن التغيي ف قصتنا كان دائمًا يبدأ من أرض الوصل وشال العراق‪ ،‬ورأينا‬
‫أيضًا أن طبيعة الشعب ف بغداد كانت أفضل بكثي من طبيعة الشعب ف دمشق أو حص أو ف‬
‫القاهرة؛ ول يكن ذلك إل لهود العلماء التواصلة ف منطقة العراق‪ ،‬وكذلك ف منطقة فارس وما‬
‫حولا‪.‬‬
‫لقد كانت البداية قدية‪ ،‬قبل قصة الصليبيي بعشرات السنوات‪ ،‬وقد بدأها الوزير العظيم‬
‫نظام اللك‪ ،‬الذي كان وزيرًا للب أرسلن ث لبنه ملكشاه‪ ،‬وكان من جيل صنعه أن أنشأ الدارس‬
‫النظاميّة ف كل ربوع فارس والعراق‪ ،‬واستقدم لا كبار العلماء والربي‪ .‬وهذا ‪ -‬ول شك ‪ -‬أثّر‬
‫على سلوك الناس وعلى أخلقهم‪ ،‬ونقّى عقائدهم من كل شائبة‪ ،‬وحفظ أفكارهم من كل ضلل‪،‬‬
‫حبّ للجهاد‪ ،‬متحمّس للدين‪ ،‬مقبل على الطاعة‪ ،‬مشجّع للمعروف‪،‬‬ ‫فخرج لنا شعب فاهم واعٍ‪ ،‬مُ ِ‬
‫كاره للمنكر‪ ،‬ناهٍ عنه‪ .‬وهكذا أخرج لنا هذا الشعب ك ّل الملت الهادية الت رأيناها ف القصة‪،‬‬
‫بداي ًة من حلة كربوغا‪ ،‬ومرورًا بملت جكرمش وآق سنقر البسقي‪ ،‬وبرسق بن برسق‪ ،‬ومودود‬
‫بن التونتكي‪ ،‬ونايةً بالبطل الف ّذ عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫إن الهد الذي بذله نظام اللك ل يضِع‪ ،‬والتربية الت اهتمّ با علماء المة ل تذهب سُدًى‪،‬‬
‫ولكنها أثرت ثارًا ناضجة طيبة‪ ،‬ولو بعد وفاتم بسنوات وسنوات‪.‬‬
‫العبة الثامنة‪ :‬العاقبة للمتقي!‬
‫احتُلّت منطقة الرها وما حولا مدة خسي سنة تقريبًا‪ ،‬ووُلِدت أجيال من النصارى تعتقد أن‬
‫ض خالصة لم‪ ،‬وظ ّن كث ٌي من السلمي أن القضية انتهت‪ ،‬وأن البلد ضاعت من السلمي‬ ‫هذه أر ٌ‬
‫بل عودة‪ ،‬وأن عودة العلم السلمية فوق أسوار هذه الدن والصون ضربٌ من الستحيل! هكذا‬
‫ظنّ كثي من السلمي‪ ،‬ودخلوا ف سراديب اليأس والحباط‪.‬‬
‫ولكن واقع المر الذي شاهدناه أن إمارة الرها الصليبية سقطت ف يد السلمي بعد ما‬
‫يقرب من خسي سنة‪ ،‬وانقشع الظلم‪ ،‬وظهر الفجر‪ ،‬وعادت البلد إسلمية كما كانت‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إن وعد ال للمؤمني بالنصر واضح ف كتاب ال ‪ ،‬وف سُنّةِ رسوله بصورة ل تفى‬
‫على مؤمن‪ ،‬وحصر اليات والحاديث الدالة على ذلك أمر يصعب جدّا لكثرتا‪ ،‬يقول تعال‪( :‬إِنّا‬
‫حيَاةِ الدّنْيَا وََي ْومَ َيقُومُ اْلأَ ْشهَادُ‪.)1‬‬
‫ص ُر رُ ُسلَنَا وَاّلذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ‬
‫لَنَ ْن ُ‬
‫ويقول رسول ال ‪" :‬إِنّ ال ّل َه َزوَى لِ َي ا َل ْرضَ َفرََأْيتُ مَشَارِ َقهَا َو َمغَارَِبهَا‪ ،‬وَِإنّ ُأمّتِي‬
‫ي لِي مِ ْنهَا"‪.2‬‬
‫سَيَ ْبلُ ُغ ُملْ ُكهَا مَا ُزوِ َ‬
‫والؤمن القيقي هو الذي يثق ف موعود ال ويصدقه‪ ،‬والذي يشك ف نصر ال من‬
‫الستحيل أن يصل إليه‪ ،‬وُأمّة بل أمل كجسد بل روح؛ فعلى دعاة المة ومصلحيها أن ييوا المل‬
‫ف نفوس السلمي‪ ،‬وأن يطمئنوا قلوبم أنه مهما تقادم الظلم والطغيان فل بد للحق أن ينتصر‪ ،‬وال‬
‫غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬
‫العبة التاسعة‪ :‬حياة الجدّدين تتلف كثيًا عن حياة عموم اللتزمي‪.‬‬
‫فليس من السهل أن تكون م ّددًا‪ ،‬وليس من السهل أن تكون مصلحًا؛ فعموم الؤمني قد‬
‫يلطون السن بالقبيح‪ ،‬والصواب بالطأ‪ ،‬وعموم الؤمني قد يصرفون وقتًا للمة ووقتًا لنفسهم‬
‫وحياتم‪ ،‬لكن الجدّد حياته متلفة!‬
‫وراجعوا حياة عماد الدين زنكي رحه ال!‬
‫إن الجدّد رجل وهب حياته بكاملها لقضية معينة‪ ،‬فهو ل يضيّع وقته هباءً منثورًا‪ ،‬كما أنه‬
‫ل يتشتّت بي أمرٍ وأمر آخر‪ ،‬أو بي هدف وهدف ثانٍ‪ .‬إنه رجل واضح الدف‪ ،‬واضح الوجهة‪،‬‬
‫واضح الطريق‪.‬‬
‫إن حياته ليس فيها أوقات فراغ‪..‬‬
‫إن العمال ف حياته أكثر بكثي من الوقات؛ لذا تده ل ينام إل قليلً‪ ،‬ول يستريح إل‬
‫برهةً‪ ،‬وتده دائمًا مشغول الفكر‪ ،‬كثي الصمت‪ ،‬عميق التدبر‪ ،‬شامل النظرة‪.‬‬
‫لقد رأينا عماد الدين زنكي رحه ال بي الوصل وحلب‪ ،‬ث بي حص ودمشق‪ ،‬ث بي‬
‫أنطاكية والرّها‪ .‬إنه يرجع من معركة حربية ليحلّ مشكلة إدارية‪ ،‬وينطلق من مناورة سياسية ليعقد‬
‫حلفًا إستراتيجيّا‪.‬‬
‫إنه ل ينام إل اضطرارًا‪ ،‬ول يستريح إل ليستكمل السية!‬
‫حت بعد انتصار الرها الهيب‪ ،‬اته منها مباشرة إل مدينة سروج‪ ،‬ث إل كل الدن والصون‬
‫شرق الفرات‪ ،‬ث إل البية‪ ،‬ث عاد إل الوصل ليحقّق ف قصة اغتيال نصي الدين جقر‪ ،‬ث مرة أخرى‬
‫‪( 1‬غافر‪.)51 :‬‬
‫‪ 2‬مسلم‪ :‬كتاب الفت وأشراط الساعة‪ ،‬باب هلك هذه المة بعضهم ببعض (‪ ،)2889‬والترمذي (‪ ،)2176‬وأبو داود (‪،)4252‬‬
‫وابن ماجه (‪.)3952‬‬

‫‪386‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫إل الرها لقمع مؤامرة‪ ،‬ث توجه إل دمشق‪ ،‬وف طريقه إليها مكث أشهر ف الصار حول قلعة َجعْبَر‬
‫لسقاطها!!‬
‫كل هذه الركة وقد حقق ما ل يققه الولون‪ ،‬من إسقاط إمارة صليبية‪ ،‬وإعلء كلمة ال‬
‫بعد سنوات من الضطهاد والقهر‪.‬‬
‫إنه ل يتكلف الشغل‪ ،‬ول يفتعل العمال‪.‬‬
‫إنه فعلً مشغول‪ ،‬وأعماله كثية ف القيقة‪.‬‬
‫وهذه هي حياة الجدّدين!‬
‫حت ف أوقات فراغه‪ ،‬فإنه كان يارس صيدًا‪ ،‬أو يركب خيلً‪ ،‬أو يتنه منفردًا ف دجلة‬
‫يتفكر ف ملكوت ال‪.‬‬
‫إنا حياة صعبة لكنها متعة‪ ،‬مرهقة لكنها مفيدة‪ ،‬وفائدتا ل تعود على فرد أو أفراد‪ ،‬بل‬
‫تعود على المة بكاملها‪ ،‬ول يبقى أثرها سنة أو سنتي‪ ،‬بل قد يتد إل عقود أو قرون‪.‬‬
‫ولذا فالجدّدون قلة‪.‬‬
‫وما أسعدَ جيلً َظهَر فيه م ّددٌ!‬
‫ونسأل ال أن يُكثِر من هؤلء الجددين؛ فإن الواحد منهم يساوي ُأمّة‪.‬‬
‫العبة العاشرة‪ :‬راية السلم ل تسقط بوت الجدّدين!‬
‫تزن المة كثيًا عندما تفقد مددًا من مدّديها‪ ،‬وحُقّ للمة أن تزن لوفاة عظيم من هؤلء‬
‫العظماء؛ فوجوده حياة للمة بكاملها‪ ،‬لكن ل ينبغي للمة أن تقنط لوفاته؛ لن ال دائمًا ما‬
‫يُخرِج من أبناء المة مَن يمل الراية فل تسقط‪ ،‬ومن يقود المة فل تضل‪.‬‬
‫لقد أصابنا حزنٌ شديد عند قتل مودود رحه ال‪ ،‬وتألنا ألًا شديدًا لن راية الهاد الت‬
‫حلها قد ل تد ُك ُفؤًا لا‪ ،‬ولكننا فوجئنا بظهور نم جديد ف عال الهاد‪ ،‬حل الراية وقاد المة عن‬
‫استحقاق‪ ،‬وهو عماد الدين زنكي رحه ال‪ ،‬وعاشت المة تت قيادته فترة سعيدة حقّا من فتراتا‪،‬‬
‫وبدأت تباشي النصر تلوح‪ ،‬ث نحت المة بفضل ال ف ترير الرها‪ ،‬ودَحْر الصليبيي‪ ،‬وتسطي‬
‫الجد والشرف على صفحات التاريخ‪.‬‬

‫ث قُتِل عماد الدين زنكي رحه ال!!‬


‫وأصابنا الزن الشديد‪ ،‬والم الكبي‪ ،‬والل العميق‪ .‬لقد كانت صدمة هائلة للمة‪ ،‬بل كانت‬
‫صدمة هائلة لنا الن‪ ،‬مع أننا نقرأ الحداث بعد وقوعها بئات السني!‬
‫لكن ماذا حدث بعد مقتله؟!‬

‫‪387‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫لقد كان مقتله إيذانًا بظهور نور جديد عظيم هو نور الدين ممود بن زنكي! وهو نل‬
‫البطل الراحل‪ ،‬والذي أثبت أن والده ل يت‪ ،‬بل ترك ذرية صالة‪ ،‬ارتبط مد المة وعزها باسه‬
‫وحياته‪.‬‬
‫نور الدين ممود رحه ال!‬
‫من أروع الشخصيات ف تاريخ السلم‪ ،‬ومن أكثرها تكاملً وشولً‪ ،‬نبغ ف كل اليادين‪:‬‬
‫ف الدين والخلق والعبادة والهاد والدارة والكم والعاملت والسياسة‪.‬‬
‫إنه بطل عملقٌ عملق!!‬
‫إنن فكّرتُ ف كتابة قصته مع قصة أبيه ف كتابٍ يتحدث عن الدولة الزنكية‪ ،‬ث وجدتُ أن‬
‫ذلك يبخس حقّه‪ ،‬ول يعطيه قدره؛ فقررتُ أن أفرّغ له وقت وجهدي‪ ،‬وأجع من دقائق حياته ما‬
‫يسعدنا ويسعد البشرية كلها؛ فأمثال هؤلء الرجال ل تعود فضائلهم ول خييتهم على متمعاتم‬
‫فقط‪ ،‬بل يع ّم خيهم الرض بكاملها‪ ،‬ولقرون متتالية‪.‬‬
‫ولذا فإن كتابنا القادم سيكون على هذا الفذّ العملق‪ ،‬وأسأل ال أن يرزقنا مثله ومثل أبيه‬
‫وجَدّه‪ .‬فما أكرمهم من عائلة! وما أعظمهم من قدوات!‬

‫كانت هذه بعض العِبَر الهمّة من هذه القصة الالدة‪.‬‬


‫فتلك عشرة كاملة!‬
‫ول شك أن الدروس والعب أضعاف ذلك؛ ولكننا ل ندف هنا إل الصر‪ ،‬ولكن نسعى إل‬
‫فتح باب التدبّر‪ .‬ونسأل ال أن يوفّق عموم السلمي إل حسن ال َفهْم لدينهم‪ ،‬وجال الفقه لتاريهم‪،‬‬
‫وال الوفّق‪ ،‬وهو يهدي السبيل‪.‬‬

‫‪388‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫خاتة‬
‫ل ينبغي أن تكون قراءتنا لقصة الروب الصليبية منفصلة عن واقعنا الذي نعيشه الن‪ ،‬بل‬
‫ينبغي أن نقرأها وف أذهاننا فلسطي والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمي‪ ،‬وكل الديار النهوبة‬
‫من أمتنا‪.‬‬
‫إن أسباب سقوط هذه الدول ف أيدي اليهود والمريكان والندوس والروس لي نفس‬
‫السباب الت من أجلها سقطت الشام وفلسطي ف أيدي الصليبيي‪ ،‬والهم من ذلك أن سبيل‬
‫الروج من أزمتنا الن هو نفس السبيل الذي سار فيه ماهدو المة ومصلحوها‪.‬‬
‫وإذا كنا قد فتحنا ف هذا الكتاب صفحة بداية القصة وعماد الدين زنكي‪ ،‬فإنه ما زالت‬
‫أمامنا صفحات عديدة من تاريخ نور الدين ممود وصلح الدين اليوب وما بعدهم من مدّدين‪ ،‬فإن‬
‫رحلتنا طولا مائتان من السني‪ ،‬ل نقطع منها إل خسي فقط!‬
‫حقّا إن التاريخ مت ٌع ومشوّقٌ‪ ،‬لكن ليس هذا المتاع والتشويق هو السبب ف أهيته‪ ،‬إنا‬
‫السبب ف قيمته أنه يتكرر؛ ولذا فإن دراسته تعن تكرار الفوائد‪ ،‬وتنّب الخطاء والشاكل‪ .‬وهو‬
‫كنٌ ل ناية له‪ ،‬وبر ل ساحل له‪ .‬ونسأل ال أن يقّق لنا منه كل الراد‪ ،‬وأن يُخرِجنا بدروسه وعبه‬
‫وفوائده من أزماتنا ومصائبنا‪.‬‬
‫إنه على ذلك قدير‪ ،‬وبالجابة جدير‪..‬‬
‫ونسأل ال أن يعز السلم والسلمي‪..‬‬
‫د‪ .‬راغب السرجان‬
‫القاهرة‪ 1 :‬مارس ‪2008‬م‬

‫‪389‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫مصادر الدراسة‬

‫القرآن الكري‬

‫التوراة والنيل‬

‫الحاديث والثار‬

‫•ابن أب شيبة‪ ،‬أبو بكر عبد ال بن ممد الكوف‪ :‬الصنف ف الحاديث والثار‪ ،‬تقيق كمال يوسف الوت‪ ،‬مكتبة الرشد ‪-‬‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة الول‪.1409 ،‬‬

‫•ابن حبان‪ ،‬ممد بن أحد أبو حات التميمي البست‪ :‬صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان‪ ،‬تقيق شعيب الرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‬
‫– بيوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬

‫•ابن خزية‪ ،‬ممد بن إسحاق أبو بكر السلمي النيسابوري‪ :‬صحيح ابن خزية‪ ،‬تقيق ممد مصطفى العظمي‪ ،‬الكتب السلمي ‪-‬‬
‫بيوت‪1390 ،‬هـ ‪1970 -‬م‪.‬‬

‫•أبو داود‪ ،‬سليمان بن الشعث السجستان الزدي‪ :‬سنن أب داود‪ ،‬تقيق ممد ميي الدين عبد الميد‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬

‫•أبو نعيم أحد بن عبد ال الصبهان‪ :‬حلية الولياء وطبقات الصفياء‪ ،‬دار الكتاب العرب – بيوت‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1405 ،‬هـ‪.‬‬

‫•أبو يعلى‪ ،‬أحد بن علي بن الثن الوصلي التميمي‪ :‬مسند أب يعلى‪ ،‬تقيق حسي سليم أسد‪ ،‬دار الأمون للتراث – دمشق‪ ،‬الطبعة‬
‫الول‪1984 – 1404 ،‬م‪.‬‬

‫•أحد بن حنبل أبو عبد ال الشيبان‪ :‬السند‪ ،‬مؤسسة قرطبة – القاهرة‪.‬‬

‫•البخاري‪ ،‬ممد بن إساعيل أبو عبد ال العفي‪ :‬الدب الفرد‪ ،‬تقيق ممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار البشائر السلمية – بيوت‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪1989 – 1409 ،‬م‪.‬‬

‫•البخاري‪ ،‬ممد بن إساعيل أبو عبد ال العفي‪ :‬الامع الصحيح الختصر‪ ،‬تقيق مصطفى ديب البُغَا‪ ،‬دار ابن كثي‪ ،‬اليمامة ‪-‬‬
‫بيوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.1987 – 1407 ،‬‬

‫•البيهقي‪ ،‬أبو بكر أحد بن السي‪ :‬سنن البيهقي الكبى‪ ،‬تقيق ممد عبد القادر عطا‪ ،‬مكتبة دار الباز ‪ -‬مكة الكرمة‪– 1414 ،‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬

‫•البيهقي‪ ،‬أبو بكر أحد بن السي‪ :‬شعب اليان‪ ،‬تقيق ممد السعيد بسيون زغلول‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيوت‪ ،‬الطبعة الول‪،‬‬
‫‪.1410‬‬

‫•الترمذي‪ ،‬ممد بن عيسى أبو عيسى السلمي‪ :‬الامع الصحيح‪ ،‬تقيق أحد ممد شاكر وآخرون‪ ،‬دار إحياء التراث العرب –‬
‫بيوت‪.‬‬

‫•الاكم‪ ،‬ممد بن عبد ال أبو عبد ال النيسابوري‪ :‬الستدرك على الصحيحي‪ ،‬تقيق مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫– بيوت‪ ،‬الطبعة الول‪1411 ،‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫•الدارقطن‪ ،‬علي بن عمر أبو السن البغدادي‪ :‬سنن الدارقطن‪ ،‬تقيق السيد عبد ال هاشم يان الدن‪ ،‬دار العرفة ‪ -‬بيوت‪،‬‬
‫‪1966 – 1386‬م‪.‬‬

‫•الدارمي‪ ،‬عبد ال بن عبد الرحن أبو ممد‪ :‬سنن الدارمي‪ ،‬تقيق فواز أحد زمرل‪ ,‬وخالد السبع العلمي‪ ،‬دار الكتاب العرب –‬
‫بيوت‪ ،‬الطبعة الول‪1407 ،‬هـ‪.‬‬

‫•سليمان بن داود الفارسي البصري الطيالسي‪ :‬مسند أب داود الطيالسي‪ ،‬دار العرفة – بيوت‪.‬‬

‫•الطبان‪ ،‬أبو القاسم سليمان بن أحد بن أيوب‪ :‬العجم الكبي‪ ،‬تقيق حدي بن عبد الجيد السلفي‪ ،‬مكتبة العلوم والكم ‪-‬‬
‫الوصل‪ ،‬الطبعة الثانية‪1983 – 1404 ،‬م‪.‬‬

‫•الطبان‪ ،‬أبو القاسم سليمان بن أحد‪ :‬العجم الوسط‪ ،‬تقيق طارق بن عوض ال بن ممد‪ ،‬وعبد الحسن بن إبراهيم السين‪ ،‬دار‬
‫الرمي ‪ -‬القاهرة‪1415 ،‬هـ‪.‬‬

‫•القزوين‪ ،‬ممد بن يزيد أبو عبد ال‪ :‬سنن ابن ماجه‪ ،‬ممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار الفكر – بيوت‪.‬‬

‫•مسلم بن الجاج أبو السي القشيي النيسابوري‪ :‬صحيح مسلم‪ ،‬تقيق ممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العرب –‬
‫بيوت‪.‬‬

‫•النسائي‪ ،‬أحد بن شعيب أبو عبد الرحن‪ :‬الجتب من السنن‪ ،‬تقيق عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب الطبوعات السلمية – حلب‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1406 ،‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬

‫•النسائي‪ ،‬أحد بن شعيب أبو عبد الرحن‪ :‬سنن النسائي الكبى‪ ،‬تقيق عبد الغفار سليمان البنداري‪ ,‬وسيد كسروي حسن‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية – بيوت‪ ،‬الطبعة الول‪1991 – 1411 ،‬م‪.‬‬

‫كتب التخريج‬

‫•اللبان‪ ،‬ممد ناصر الدين‪ :‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬مكتبة العارف ‪ -‬الرياض‪.‬‬

‫•اللبان‪ ،‬ممد ناصر الدين‪ :‬السلسلة الضعيفة‪ ،‬مكتبة العارف ‪ -‬الرياض‪.‬‬

‫•اللبان‪ ،‬ممد ناصر الدين‪ :‬صحيح الترغيب والترهيب‪ ،‬مكتبة العارف – الرياض‪ ،‬الطبعة الامسة‪.‬‬

‫•اللبان‪ ،‬ممد ناصر الدين‪ :‬صحيح وضعيف الامع الصغي وزيادته‪ ،‬الكتب السلمي‪.‬‬

‫•اليثمي‪ ،‬نور الدين علي بن أب بكر‪ :‬ممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬دار الفكر – بيوت‪1412 ،‬هـ‬

‫كتب التاريخ والتراجم‬

‫•ابن حجر العسقلن‪ ،‬أحد بن علي أبو الفضل (ت ‪852‬هـ)‪ :‬الصابة ف تييز الصحابة‪ ،‬دار الكتاب العرب – بيوت‬

‫•ابن الثي الزري‪ ،‬أبو السن علي ابن عبد الواحد الشيبان‪ :‬الباهر ف تاريخ الدولة التابكية بالوصل‪ ،‬تقيق‪ :‬عبد القادر‬
‫طليمات‪ ،‬دار الكتب الديثة‪ ،‬القاهرة بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫•ابن الثي الزري‪ ،‬أبو السن علي ابن عبد الواحد الشيبان‪ :‬الكامل ف التاريخ‪ ،‬تقيق‪ :‬ممد يوسف دقاق‪ ،‬الطبعة الرابعة بيوت‬
‫‪2003‬م‪.‬‬

‫•ابن الوزي‪ ،‬عبد الرحيم بن علي‪ :‬النتظم ف تاريخ اللوك والمم‪ ،‬حيدر آباد بالند ‪1359‬هـ‪.‬‬

‫•ابن العبي‪ ،‬غريغوريوس اللطي‪ :‬تاريخ الزمان‪ ،‬بيوت ‪1986‬م‪.‬‬

‫•ابن العبي‪ ،‬غريغوريوس اللطي‪ :‬تاريخ متصر الدول‪ ،‬بيوت ‪1958‬م‪.‬‬

‫•ابن العدي‪ ،‬كمال الدين عمر بن أحد‪ :‬بغية الطلب ف تاريخ حلب‪ ،‬تقيق‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دمشق ‪1988‬م‪.‬‬

‫•ابن العدي‪ ،‬كمال الدين عمر بن أحد‪ :‬زبدة اللب ف تاريخ حلب‪ ،‬تقيق‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬القاهرة ‪1418‬هـ‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫•ابن عذارى الراكشي‪ :‬البيان الغرب ف أخبار الندلس والغرب‪ ،‬تقيق‪ :‬كولن وبروفنسال‪ ،‬ليدن ‪1948‬م‪.‬‬

‫•ابن القلنسي‪ ،‬أبو يعلى حزة‪ :‬ذيل تاريخ دمشق‪ ،‬تقيق‪ :‬امدروز‪ ،‬بيوت ‪1908‬م‪.‬‬

‫•ابن الناصر‪ ،‬صدر الدين أبو السن علي‪ :‬أخبار الدولة السلجوقية‪ ،‬تقيق‪ :‬ممد إقبال‪ ،‬لهور ‪1933‬م‪.‬‬

‫•ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحن بن ممد‪ :‬العب وديوان البتدأ والب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بولق ‪.1284‬‬

‫•ابن خلكان‪ ،‬شس الدين أبو العباس أحد‪ :‬وفيات العيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬تقيق إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيوت‪.‬‬
‫ابن عبد الكم‪ ،‬فتوح مصر وأخبارها‪ ،‬طبعة ليدن‪1920 ،‬م‪.‬‬
‫ابن كثي‪ ،‬الافظ أب الفداء إساعيل (ت ‪774‬هـ)‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬تقيق علي شيي‪ ،‬دار إحياء التراث العرب‪ ،‬الطبعة الول‪،‬‬
‫‪1408‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬

‫•ابن واصل‪ ،‬جال الدين ممد بن سال‪ :‬مفرج الكروب ف أخبار بن أيوب‪ ،‬حققه‪ :‬الدكتور جال الدين الشيال ف ثلثة أجزاء‬
‫حت سنة ‪615‬هـ‪ ،‬وبقية الكتاب اعتبارًا من الزء الرابع حققه‪ :‬حسني ممد ربيع ف ثلثة أجزاء أخرى‪ ،‬القاهرة ‪-1953‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬

‫•ابن هشام‪ ،‬أبو ممد عبد اللك العافري (ت‪213‬هـ)‪ :‬السية النبوية‪ ،‬تقيق ممد فهمي السرجان‪ ،‬الكتبة التوفيقية – القاهرة‬

‫•أبو الفدا‪ ،‬عماد الدين إساعيل بن ممد‪ :‬الختصر ف تاريخ البشر‪ ،‬دار العرفة بيوت‪.‬‬

‫•أبو الحاسن‪ ،‬جال الدين يوسف بن تغري بردي‪ :‬النجوم الزاهرة ف ملوك مصر والقاهرة‪ ،‬دار الكتب الصرية القاهرة‪-1929 ،‬‬
‫‪.1972‬‬

‫•أبو شامة القدسي‪ :‬الروضتي ف أخبار الدولتي النورية والصلحية‪ ،‬تقيق‪ :‬ممد حلمي ممد أحد‪ ،‬القاهرة ‪.1956‬‬

‫•أسامة بن منقذ‪ :‬العتبار‪ ،‬تقيق‪ :‬فيليب حت‪ ،‬برنستون‪1930 ،‬م‪.‬‬

‫•الصفهان‪ ،‬عماد الدين‪ :‬تاريخ دولة آل سلجوق‪ ،‬القاهرة ‪1318‬هـ‪.‬‬

‫•البنداري‪ ،‬الفتح بن علي بن ممد‪ :‬تاريخ دولة آل سلجوق‪( :‬وهو اختصار لكتاب نصرة الفترة وعصرة الفطرة ف أخبار الوزراء‬
‫السلجوقية للعماد الكاتب الصفهان)‪ ،‬دار الفاق الديدة‪ ،‬بيو ‪1980‬م‪.‬‬

‫•تاج الدين‪ ،‬أحد‪ :‬الكراد تاريخ شعب وقضية وطن‪ ،‬الدار الثقافية للنش‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الول ‪2001‬م‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫•الذهب‪ ،‬شس الدين ممد بن أحد بن عثمان الذهب (‪748‬هـ)‪ :‬سي أعلم النبلء‪ ،‬تقيق حسي السد‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪-‬‬
‫بيوت‪ ،‬الطبعة التاسعة‪1413 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬

‫•حسن إبراهيم حسن‪ :‬تاريخ السلم السياسي‪ ،‬القاهرة ‪1955‬م‪.‬‬

‫•حسن أحد ممود‪ :‬قيام دولة الرابطي‪ ،‬القاهرة ‪.1957‬‬

‫•رنسيمان‪ ،‬ستيفن‪ :‬تاريخ الروب الصليبية‪ ،‬ترجة‪ :‬السيد الباز العرين‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيوت الطبعة الثانية ‪1981‬م‪.‬‬

‫•زامباور‪ :‬معجم النساب والسرات الاكمة ف التاريخ السلمي‪ ،‬ترجة الستاذ زكي ممد حسن وآخرون‪ ،‬القاهرة ‪-1951‬‬
‫‪1953‬م‪.‬‬

‫•سبط ابن الوزي‪ :‬مرآة الزمان‪ ،‬حيدر آباد ‪1370‬هـ‪.‬‬

‫•سعيد ممود عمران‪ :‬ماضرات ف معال التاريخ السلمي الوسيط‪ ،‬مؤسسة كريدية‪ ،‬بيوت‪.‬‬

‫•سهيل زكار‪ :‬مدخل إل تاريخ الروب الصليبية‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيوت ‪1972‬م‪.‬‬

‫•الروب الصليبية والسرة الزنكية‪ ،‬شاكر أحد أبو زيد الامعة اللبنانية‪ ،‬كلية الداب والعلوم النسانية‪.‬‬

‫•الصوري‪ ،‬وليم‪ :‬تاريخ الروب الصليبية (وهو ترجة لسهيل زكار‪ ،‬لكتاب تاريخ العمال النجزة فيما وراء البحار) بيوت‪،‬‬
‫‪ ،1991‬والزء الرابع ترجة حسن حبشي‪ ،‬اليئة الصرية العامة للكتاب القاهرة‪.1995 ،‬‬

‫•طقوش‪ ،‬ممد سهيل‪ :‬تاريخ السلمي الوجيز‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيوت ‪2002‬م‪.‬‬

‫•طقوش‪ ،‬ممد سهيل‪ :‬تاريخ الزنكيي ف الوصل وبلد الشام‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيوت ‪1999‬م‪.‬‬

‫•طقوش‪ ،‬ممد سهيل‪ :‬تاريخ سلجقة الروم ف آسيا الصغرى‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيوت ‪2002‬م‪.‬‬

‫•طقوش‪ ،‬ممد سهيل‪ :‬تاريخ السلجقة ف بلد الشام‪ ،‬دلر النفائس‪ ،‬بيوت ‪20002‬م‪.‬‬

‫•عاشور‪ ،‬سعيد عبد الفتاح‪ :‬الركة الصليبية صفحة مشرقة ف تاريخ الهاد السلمي ف العصور الوسطى‪ ،‬القاهرة ‪2005‬م‪.‬‬

‫•عاشور‪ ،‬سعيد عبد الفتاح‪ :‬أوربا ف العصور الوسطى‪ ،‬القاهرة ج‪1966 1‬م‪ ،‬ج‪1986 2‬م‪.‬‬

‫•العظيمي‪ ،‬ممد بن علي التنوخي اللب‪ :‬تاريخ العظيمي (متارات من تاريخ حلب)‪ ،‬تقيق‪ :‬سهيل زكار ف كتابه الروب‬
‫الصليبية‪ ،‬دار حسن‪ ،‬دمشق‪1984 ،‬م‪.‬‬

‫•عماد الدين خليل‪ :‬المارات الرتقية ف الزيرة والشام‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيوت الطبعة الول ‪1980‬م‪.‬‬

‫•عماد الدين خليل‪ :‬عماد الدين زنكي‪ ،‬بيوت‪1980 ،‬م‪.‬‬

‫•الفارقي‪ ،‬أحد بن يوسف بن علي بن الزرق‪ :‬تاريخ ابن الزرق الفارقي‪ ،‬على هامش ذيل تاريخ دمشق‪ ،‬بيوت ‪1908‬م‪.‬‬

‫•فوشيه الشارتري‪ :‬تاريخ الملة إل القدس‪ ،‬ترجة‪ :‬زياد العسلي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،‬الردن ‪1990‬م‪.‬‬

‫•قاسم عبده قاسم‪ :‬الرب الصليبية الول نصوص ووثائق تاريية‪ ،‬عي للدراسات والبحوث النسانية والجتماعية‪ ،‬القاهرة طبعة‬
‫‪2001‬م‪.‬‬

‫•قاسم عبده قاسم‪ :‬اللفية اليديولوجية للحروب الصليبية‪ ،‬دراسة عن الملة الول ‪1099-1095‬م‪ ،‬القاهرة ‪1983‬م‪.‬‬

‫‪393‬‬
www.islamstory.com ‫ راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم‬.‫قصة الروب الصليبية د‬

.‫م‬2006،‫هـ‬1427 ‫ القاهرة طبعة‬،‫ عي للدراسات والبحوث النسانية والجتماعية‬،‫ ماهية الروب الصليبية‬:‫•قاسم عبده قاسم‬

.‫ دار الشعب‬،‫ الفاروق القائد‬:‫•ممود شيت خطاب‬

.‫م‬2001 – ‫ اليئة الصرية العامة للكتاب‬،‫عبد الميد يونس‬/‫ د‬،‫ ممد بدران‬:‫ ترجة‬،‫ قصة الضارة‬:‫•ول ديورانت‬
.‫م‬1958 ‫ القاهرة‬،‫ دار الفكر العرب‬،‫ ترجة حسن حبشي‬،‫ أعمال الفرنة وحجاج بيت القدس‬:‫•الؤرخ الجهول‬

،‫ القاهرة‬،‫ ممد حلمي ممد أحد‬:‫ تقيق‬،‫ اتعاظ النفا ف أخبار الئمة الفاطميي اللفاء‬:‫ تقي الدين أحد بن علي‬،‫•القريزي‬
.1971

.‫م‬1975 ‫ عمان‬،‫ الؤتر الدول لتاريخ بلد الشام الول‬.‫ دخول الترك الغز إل الشام‬:‫•مصطفى شاكر‬

،‫ الطبعة الثانية‬،‫ دار العارف‬،‫ قاسم عبده قاسم‬:‫ ترجة وتعليق‬،‫ قصة حضارة – البداية والنهاية‬:‫ التاريخ الوسيط‬:‫•نورمان كانتور‬
.‫م‬1986

‫ القاهرة‬،‫ سعيد عاشور‬:‫ الزء السابع والعشرين تقيق‬،‫ ناية الرب ف فنون الدب‬:‫ شهاب الدين أحد بن عبد الوهاب‬،‫•النويري‬
.‫م‬1938

.1955 ‫ بيوت‬،‫ معجم البلدان‬:‫ شهاب الدين أبو عبد ال الموي‬،‫•ياقوت‬

‫الراجع الجنبية‬

- Albert d`Aix p: Liber christianne Expedition pro Eroptione, Emundetione et


Restione Sameta Hierosoluritanae Ecclesia. In: Recueil des Historiens des Croisades
(Paris 1841-1966) (E. H. C) occ vol IV.
- Anna Comnena: The Alexiade. Trans. by Eliyabeth A. S Dawes. (London 1928).
- AOL: Archives de I`Orent Latin, 2 toms. (eds. P. Riant et H. Ha- genmeyer) (Paris
1884).
- Archer (T.) Kinigsford (C.): The Crusades, (London. 1894).
- Baludric of Dol: Historia Jerosolimitana, RHC., Oc., IV, (Paris 1879).
- Barraclough The Medival Papacy.
- Benjamin W. Wheeler:"The Reconquest of Spain befor 1095.
- Besant (W.) & Palmer (E.H. ): Jerusalem, The City of Herod and Saladin, (London
1899).
- Bishop, M., The Penguin Book of the Middle Ages,(London, 1971)
- Boase, Kingodoms and Stronghlds of the Crusaders, (London, 1971)
- Boissonade: Life and Work in Med Europe, (London, 1937).
- Bradford, The Sword and the Scimitar _ the Sage of the Crusades, (London, 1971).
- Brehier (L. ): Vie et Mort de Byzance, (Paris, 1947).
- Brown, Edward Gran ville: Cambridge Medievel History, vols: IV, V.
- Cahen: La Syrie du Nord a I` Epoque des Croisades. (Paris, 1940).
- Cambridge History of Byzantine Empire.
.Chalandon, Ferdinande: Essai Sur la Regan d`Alexis Comnene, Paris, 1913 -
- Chronique de Michel le Syriens: editee et traduite en Francais Par J.B. Chabot, T.
III, Farscicule II, Paris 1908.
Commeroratorium of the Churches of Jerusalem, in: Palestine Pilgrims -

394
www.islamstory.com ‫ راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم‬.‫قصة الروب الصليبية د‬

- Delaville Le Roulx (G): Les Hospitallers.en Terre Saint et en Chypre, (Paris, 1904).
- Duncalf,, F: The First Crusade, Clermont to Contantinople, in Setton (ed.,), History
of the Crusades, Vol. I, pp. 253-279. (PhiladelPhia 1953).
- Ekkhrad of Aura: Hierosolymitana, RHC., Oc. V, (Paris 1886).
Elisseff, N: Nur AD – Din, Un Grand Prince Musulman de Syrie Au temps Croisdes, -
.Damas 1967
- Ephraim Emerton, The correspondence of Pope Gregory Vll. Selected letters from
the Registum, (New York, 1932).
- Fulcher of Chartres: A history of the expedition to Jerusalem, (ed. H. Fink).
(Knoxville 1969).
- Gesta Fancorum et aliorum Hierolymintonrum (ed. And transl. by Rosalibd M. Hill,
London, 1962).
- Grousset, R: Histoire des Croisades etdu Royaume France de Jerusalem, (Paris
1935).
- Guibert of Nogent: Historia quae Diciture Gesta Dei Per Francos, RHC, Oc. IV,
(Paris, 1866).
.Hagenmeryer (H .): Chronologie du Royaume de Jerusalem, Paris, 1901 -
.Hagenmeyer (H. ): Chronologi de la Premiere Croisade, Paris, 1902 -
- Hans E. Mayer: The Crusades, (transl. from German by: John Gilling-ham) (Oxford
1972).
- Heyd (W .): Hist. du Commerce du Levant, 2 vola, (Leipzig, 1936).
- Histoire de la Premiere Croisade, 3 tons (Paris 1925).
- Hoyt and Chodorow: Europ in the Middle Ages.
.(Iorga: Hist. des Croisades, (Paris, 1924 -
- Ivanow: An Islamic Ode in Praise of Fidawis.
- John Wilkinson (ed.), Jerusalem Pilgrims before the Crusades, (England, 1977).
.(King (E. J): the Kinghts Hospitallers In the Holy land, (London, 1931 -
- lorga: L`Armenie Cilicienne.
- Marc Bloch: feudal Socity, (ChIcgo, 1961).
- Matthieu d`Edesse:Chronique, in R.H.C. Arm Doc vol, I.
- Maurice Keen, The Pelican History of the Middle Agws, (Penguin, 1971).
- Mayer, The Crusades, (transl. by Gillingham, Oxford, 1972).
- Michaud Hist. des Croisades (5 Vols) (Paris, 1817 -1822).
- Michel Le Syrien Chronique. Edited J. B.Chabort. (Bruxelles 1899-1910).
- Morco Polo: Travels, (London, 1903).
- Munro (D.C ): The Speech of Pope Urban ll at Clemont, A.H.R., Vol. II, 1905.
- Nerses, Shnorhali: Sur la Prise d`Edesse, in: R. H. C. Doc Armenienne vol I.
- Oman (C .W): A Hist. of the Art of War in the Middile Ages (2 Vols) (London 1925).
- Ostrogorsky (G.): Hist, of the Byzantine State. (Oxford, 1956).
- Painter S., A history of the middle ages (Enland 1955).
Pianter: westem Europ on the eve of the Crussades, in Setton (ed), A History of the -
.).Crussades, (The University of Wisconsin Press, 1969
- Raoul de combria, transl. J. Crossland (London, 1926).
- Raymond of Agiles: Historia Francorum quiceperunt Iherusalem, RGC, Oc III.
(Paris 1866).
Robert S. Hoyt and Stanley Chodorow. Europe in the middle Ages, (3rd ed., U.S.A. -
.(1976
.)Robert the Monk: Historia Hieroso Lymitana. In R. H. C. occ. (3vols -

395
www.islamstory.com ‫ راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم‬.‫قصة الروب الصليبية د‬

- Runciman (S): A Hist. of the Crusades (3vols), (Cambridge. 1957).


- Schlumberger: Un Empereur Byzantin au Dixieme Sieclm, Nice – phore phocas,
Paris, 1890.
(Schomberger (G): Racit de Byzance et des Croisades. (2 vols). (Paris, 1917-22 -
.(Setton (K .M.): Ahistory of Crusades, (5 vols). (Penslvania, 1958-1985 -
.(Stevenson: TheCrusaders in the East. (Cambridge, 1907 -
- The Cambridge Medieval. History (Camb, Univ, Uress 1966).
- Thompson Economic and Social Hist. of the Middle Ages. (2vols – london. 1959).
- Tranlatio Sancti Nicolai Veoetian (Hist Occid, Tome V).
- Vasiliev: A History of the Byzantine Empire. (Madison 1928-1973).
- William of Tyre, A History of Deeds done beyond the see, (transl. by: E. A. Babcock
and A. C. Krey) (New York 1943-1947).

396
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهرس اليات‬
‫‪"A‬إيلغازي‪,218 ,215 ,212 ,189 ,160 ,21....‬‬ ‫‪"A‬آق‪,226 ,218 ,217 ,212 ,205 ,123 ,8....‬‬
‫‪,226 ,225 ,224 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬ ‫‪,239 ,238 ,237 ,236 ,235 ,234 ,233‬‬
‫‪379 ,297 ,295 ,231 ,229 ,227‬‬ ‫‪,247 ,246 ,245 ,244 ,243 ,242 ,241‬‬
‫‪"A‬ابن‪,160 ,159 ,157 ,154 ,148 ,140‬‬ ‫‪,255 ,253 ,252 ,251 ,250 ,249 ,248‬‬
‫‪,212 ,206 ,203 ,193 ,185 ,165 ,161‬‬ ‫‪385 ,285 ,283 ,278 ,275 ,268 ,259‬‬
‫‪,248 ,245 ,236 ,229 ,225 ,219 ,218‬‬ ‫‪"A‬آقسنقر‪321 ,313 ,304 ,303....................‬‬
‫‪,270 ,269 ,266 ,265 ,260 ,258 ,249‬‬ ‫‪"A‬أبو‪,147 ,136 ,132 ,97 ,73 ,24 ,21 ,11..‬‬
‫‪,360 ,347 ,333 ,328 ,316 ,294 ,273‬‬ ‫‪,233 ,214 ,193 ,179 ,175 ,161 ,148‬‬
‫‪377 ,374 ,369 ,364‬‬ ‫‪,296 ,284 ,282 ,272 ,261 ,260 ,258‬‬
‫‪"A‬افتخار‪105............................................‬‬ ‫‪359 ,358 ,353 ,352 ,323 ,316 ,315‬‬
‫‪"A‬المر‪226..............................................‬‬ ‫‪"A‬أتسز‪277 ,100......................................‬‬
‫‪"A‬الفضل‪,208 ,149 ,146 ,125 ,112 ,81....‬‬ ‫‪"A‬أحمد‪241 ,28 ,22..................................‬‬
‫‪226‬‬ ‫‪"A‬أحمديل‪196 ,194 ,193...........................‬‬
‫‪"A‬البخاري‪258 ,241 ,161..........................‬‬ ‫‪"A‬أدلياد‪220 ,219 ,216..............................‬‬
‫‪"A‬الترمذي‪161..........................................‬‬ ‫‪"A‬أدهمار‪140 ,120 ,109 ,98......................‬‬
‫‪"A‬الحارث‪11.............................................‬‬ ‫‪"A‬أديمار‪58 ,53 ,40...................................‬‬
‫‪"A‬الحاكم‪24...............................................‬‬ ‫‪"A‬أرتق‪160 ,100 ,21................................‬‬
‫‪"A‬الحسن‪241 ,209 ,208............................‬‬ ‫‪"A‬أردا‪220 ,219 ,216 ,215 ,70.................‬‬
‫ضرِ‪241...........................................‬‬‫‪"A‬الخَ ِ‬ ‫‪"A‬أرسلن‪85.............................................‬‬
‫‪"A‬الذهبي‪160............................................‬‬ ‫‪"A‬أرنولف‪220 ,216 ,137 ,136 ,132 ,111...‬‬
‫‪"A‬الراشد‪327 ,326 ,323............................‬‬ ‫‪"A‬أسامة‪250 ,238.....................................‬‬
‫‪"A‬الشافعي‪241 ,161...................................‬‬ ‫‪"A‬أسد‪349 ,161........................................‬‬
‫‪"A‬الصالح‪161...........................................‬‬ ‫‪"A‬ألب‪,157 ,124 ,123 ,122 ,100 ,21 ,19...‬‬
‫‪"A‬الغازي‪154............................................‬‬ ‫‪,231 ,218 ,215 ,214 ,162 ,161 ,158‬‬
‫‪"A‬القائم‪24 ,18..........................................‬‬ ‫‪,344 ,320 ,319 ,317 ,307 ,267 ,255‬‬
‫‪"A‬المسترشد‪,274 ,254 ,238 ,222 ,221 ,219‬‬ ‫‪385 ,374 ,373‬‬
‫‪,305 ,304 ,303 ,302 ,301 ,294 ,293‬‬ ‫‪"A‬ألبرت‪140.............................................‬‬
‫‪,323 ,322 ,321 ,317 ,313 ,310 ,308‬‬ ‫‪"A‬ألفونسو‪14.............................................‬‬
‫‪349 ,327 ,326 ,325‬‬ ‫‪"A‬ألكسيوس ‪,62 ,56 ,54 ,50 ,47 ,41 ,35 ,30‬‬
‫‪"A‬المستظهر‪219 ,191 ,179 ,172 ,122........‬‬ ‫‪,139 ,126 ,121 ,119 ,109 ,94 ,93 ,64‬‬
‫‪"A‬المستعلي‪208 ,124 ,81 ,24.....................‬‬ ‫‪,220 ,175 ,171 ,169 ,154 ,152 ,140‬‬
‫‪"A‬المستنصر‪208 ,24..................................‬‬ ‫‪342‬‬
‫‪"A‬المعتصم‪13............................................‬‬ ‫‪"A‬أليس‪,311 ,300 ,299 ,298 ,297 ,239......‬‬
‫‪"A‬المقتفي‪371 ,327....................................‬‬ ‫‪331 ,324 ,312‬‬
‫‪"A‬المقوقس‪10............................................‬‬ ‫‪"A‬أليناند‪366.............................................‬‬
‫‪"A‬المهدي‪23..............................................‬‬ ‫‪"A‬أندراوس‪88...........................................‬‬
‫‪"A‬النجاشي‪10............................................‬‬ ‫‪"A‬أنسلم‪140..............................................‬‬
‫‪"A‬النسائي‪161...........................................‬‬ ‫‪"A‬أوربان‪,53 ,45 ,44 ,43 ,40 ,39 ,35 ,30...‬‬
‫‪"A‬باسكال‪220 ,219 ,150 ,121 ,109 ,107....‬‬ ‫‪121 ,120 ,111 ,109 ,108 ,107 ,104‬‬
‫‪"A‬باسيل‪367.............................................‬‬ ‫‪"A‬إبراهيم‪286 ,285 ,276............................‬‬
‫‪"A‬باو‪359.................................................‬‬ ‫‪"A‬إبرمار‪150............................................‬‬
‫‪"A‬بدر ‪231 ,227 ,220 ,219 ,218 ,215 ,212‬‬ ‫‪"A‬إسماعيل‪313 ,311 ,23............................‬‬
‫‪"A‬برترام‪,200 ,196 ,189 ,182 ,180 ,179...‬‬ ‫‪"A‬إميخ‪50 ,49...........................................‬‬
‫‪329‬‬ ‫‪"A‬إياز‪205 ,202 ,196 ,193........................‬‬
‫‪"A‬برسق‪,218 ,215 ,213 ,212 ,196 ,193....‬‬ ‫‪"A‬إيستاش‪228...........................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪"A‬إيلبكي‪193.............................................‬‬

‫‪397‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,207 ,200 ,199 ,196 ,195 ,194 ,190‬‬ ‫‪"A‬بركياروق ‪,123 ,122 ,85 ,84 ,79 ,76 ,21.‬‬
‫‪220‬‬ ‫‪,163 ,162 ,160 ,159 ,154 ,130 ,124‬‬
‫‪"A‬تتش‪,125 ,124 ,123 ,100 ,76 ,21 ,20....‬‬ ‫‪,249 ,247 ,246 ,176 ,175 ,174 ,172‬‬
‫‪,247 ,246 ,245 ,242 ,184 ,174 ,162‬‬ ‫‪317 ,251‬‬
‫‪292 ,288 ,287 ,283 ,277 ,275 ,250‬‬ ‫‪"A‬برنارد‪230 ,228 ,221 ,151....................‬‬
‫‪"A‬ثوروس‪70 ,22.......................................‬‬ ‫‪"A‬بزواش‪329............................................‬‬
‫‪"A‬ثيودسيوس‪44.........................................‬‬ ‫‪"A‬بطرس‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,41 ,40...‬‬
‫‪"A‬ثيوفيل‪13...............................................‬‬ ‫‪140 ,92 ,88 ,79 ,73 ,64‬‬
‫‪"A‬جالدمار‪135...........................................‬‬ ‫‪"A‬بطغتكين‪206..........................................‬‬
‫‪"A‬جاولي‪,239 ,184 ,178 ,177 ,176 ,163. . .‬‬ ‫‪"A‬بلدوين‪,84 ,72 ,71 ,70 ,69 ,68 ,54 ,52.. .‬‬
‫‪,282 ,281 ,276 ,268 ,255 ,252 ,251‬‬ ‫‪,132 ,131 ,120 ,119 ,108 ,96 ,93 ,92‬‬
‫‪284‬‬ ‫‪,145 ,140 ,139 ,138 ,137 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬جبريل‪134 ,133 ,22..............................‬‬ ‫‪,164 ,154 ,153 ,151 ,150 ,149 ,146‬‬
‫‪"A‬جرموند‪220...........................................‬‬ ‫‪,177 ,173 ,172 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪"A‬جريجوري‪35 ,30 ,27.............................‬‬ ‫‪,189 ,183 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬
‫‪"A‬جستنيان‪57............................................‬‬ ‫‪,201 ,200 ,199 ,198 ,196 ,195 ,190‬‬
‫‪"A‬جعفر‪23................................................‬‬ ‫‪,219 ,217 ,216 ,215 ,204 ,203 ,202‬‬
‫‪"A‬جكرمش ‪,167 ,166 ,165 ,164 ,163 ,151.‬‬ ‫‪,227 ,225 ,224 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬
‫‪,251 ,187 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,237 ,236 ,234 ,231 ,230 ,229 ,228‬‬
‫‪385 ,264 ,259‬‬ ‫‪,302 ,299 ,298 ,297 ,279 ,239 ,238‬‬
‫‪"A‬جمال‪355 ,354 ,269..............................‬‬ ‫‪361 ,312 ,311‬‬
‫‪"A‬جوتشوك‪49...........................................‬‬ ‫‪"A‬بلك‪,231 ,230 ,228 ,227 ,226 ,160‬‬
‫‪"A‬جودفري‪,59 ,58 ,57 ,56 ,55 ,54 ,53 ,52.‬‬ ‫‪379 ,377 ,295 ,234‬‬
‫‪,110 ,108 ,99 ,98 ,97 ,77 ,69 ,68 ,67‬‬ ‫‪"A‬بهاء‪282 ,276 ,259 ,239.......................‬‬
‫‪,118 ,116 ,115 ,114 ,113 ,112 ,111‬‬ ‫‪"A‬بهرام‪354 ,185......................................‬‬
‫‪137 ,136 ,135 ,132 ,121 ,120 ,119‬‬ ‫‪"A‬بوتوميتس‪63..........................................‬‬
‫‪"A‬جورج‪7................................................‬‬ ‫‪"A‬بوري‪,300 ,290 ,289 ,288 ,286 ,186....‬‬
‫‪"A‬جوسلين ‪,183 ,178 ,177 ,168 ,165 ,164.‬‬ ‫‪326 ,311‬‬
‫‪,219 ,201 ,199 ,198 ,196 ,194 ,189‬‬ ‫‪"A‬بوزان‪247 ,123.....................................‬‬
‫‪,236 ,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,222‬‬ ‫‪"A‬بوميتس‪62.............................................‬‬
‫‪,311 ,302 ,300 ,279 ,276 ,238 ,237‬‬ ‫‪"A‬بونز‪,222 ,221 ,217 ,203 ,202 ,200......‬‬
‫‪,362 ,361 ,351 ,343 ,337 ,334 ,331‬‬ ‫‪,329 ,311 ,279 ,238 ,237 ,236 ,230‬‬
‫‪,373 ,370 ,369 ,367 ,366 ,365 ,364‬‬ ‫‪330‬‬
‫‪375‬‬ ‫‪"A‬بوهيموند ‪,67 ,65 ,59 ,58 ,57 ,54 ,53 ,33‬‬
‫‪"A‬جيلسيوس‪220.......................................‬‬ ‫‪,85 ,84 ,83 ,81 ,80 ,79 ,77 ,75 ,69 ,68‬‬
‫‪"A‬جيمي‪28...............................................‬‬ ‫‪,108 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,88 ,86‬‬
‫‪"A‬جيوبرت‪140..........................................‬‬ ‫‪,133 ,132 ,131 ,121 ,120 ,119 ,114‬‬
‫‪"A‬جيوش‪253 ,223 ,222 ,213 ,212............‬‬ ‫‪,151 ,142 ,141 ,139 ,138 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬حسام‪,296 ,295 ,233 ,231 ,229 ,227.....‬‬ ‫‪,168 ,166 ,165 ,164 ,154 ,153 ,152‬‬
‫‪,358 ,353 ,352 ,328 ,325 ,316 ,315‬‬ ‫‪,199 ,177 ,174 ,172 ,171 ,170 ,169‬‬
‫‪375 ,374 ,371 ,359‬‬ ‫‪,279 ,239 ,238 ,222 ,221 ,220 ,200‬‬
‫‪"A‬حسان‪377 ,300.....................................‬‬ ‫‪299 ,297‬‬
‫‪"A‬حسين ‪,133 ,132 ,97 ,89 ,87 ,85 ,79 ,78‬‬ ‫‪"A‬تاتيكيوس‪81 ,78 ,67...............................‬‬
‫‪259 ,208 ,163 ,148 ,147‬‬ ‫‪"A‬تاج‪374................................................‬‬
‫‪"A‬حمزة‪198..............................................‬‬ ‫‪"A‬تانكرد‪,92 ,80 ,69 ,68 ,67 ,65 ,58 ,54....‬‬
‫‪"A‬حنا‪94 ,91 ,14......................................‬‬ ‫‪,137 ,136 ,135 ,114 ,112 ,108 ,93‬‬
‫‪"A‬خاتون‪286............................................‬‬ ‫‪,164 ,151 ,150 ,147 ,140 ,139 ,138‬‬
‫‪"A‬خالد‪232 ,11.........................................‬‬ ‫‪,177 ,174 ,171 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪,189 ,184 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬

‫‪398‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬سلجوق‪18.............................................‬‬ ‫‪"A‬داود‪,306 ,305 ,304 ,303 ,296 ,105......‬‬


‫‪"A‬سلجوقشاه‪,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,321 ,318 ,317 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬
‫‪325 ,321 ,318 ,313 ,309‬‬ ‫‪,348 ,336 ,327 ,326 ,325 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬سلطان‪,229 ,221 ,215 ,197 ,194 ,181...‬‬ ‫‪359 ,358 ,353‬‬
‫‪340 ,278 ,236‬‬ ‫‪"A‬دايمبرت ‪,135 ,132 ,131 ,130 ,121 ,120.‬‬
‫‪"A‬سليم‪16.................................................‬‬ ‫‪150 ,140 ,137 ,136‬‬
‫‪"A‬سليمان ‪,227 ,76 ,75 ,61 ,22 ,21 ,20 ,16.‬‬ ‫‪"A‬دبيس‪,294 ,293 ,268 ,253 ,231 ,223.....‬‬
‫‪285 ,276 ,242‬‬ ‫‪326 ,308 ,302 ,301 ,300‬‬
‫‪"A‬سنجر‪,302 ,301 ,300 ,293 ,218 ,172....‬‬ ‫‪"A‬دقاق ‪,90 ,89 ,87 ,85 ,83 ,79 ,78 ,77 ,21‬‬
‫‪,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,148 ,147 ,136 ,129 ,125 ,124 ,100‬‬
‫‪325 ,321 ,314 ,313‬‬ ‫‪,242 ,207 ,184 ,174 ,173 ,162 ,149‬‬
‫‪"A‬سنقرجة‪151...........................................‬‬ ‫‪307 ,288 ,287 ,277‬‬
‫‪"A‬سوار‪,335 ,334 ,324 ,314 ,313 ,270.....‬‬ ‫‪"A‬ذو‪3.....................................................‬‬
‫‪344 ,340 ,339 ,337 ,336‬‬ ‫‪"A‬رسل‪57 ,55..........................................‬‬
‫‪"A‬سوتكين‪353...........................................‬‬ ‫‪"A‬رضوان ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21.‬‬
‫‪"A‬سونج‪321 ,300 ,289.............................‬‬ ‫‪,141 ,134 ,133 ,129 ,126 ,125 ,124‬‬
‫‪"A‬سيف‪364 ,321 ,259 ,132......................‬‬ ‫‪,174 ,170 ,169 ,168 ,162 ,149 ,148‬‬
‫‪"A‬شرحبيل‪11............................................‬‬ ‫‪,194 ,191 ,190 ,185 ,184 ,181 ,178‬‬
‫‪"A‬شرف‪240 ,239 ,149.............................‬‬ ‫‪,213 ,210 ,208 ,207 ,206 ,196 ,195‬‬
‫‪"A‬شمس‪323 ,322 ,321 ,311 ,227 ,168.....‬‬ ‫‪,286 ,275 ,242 ,235 ,231 ,218 ,214‬‬
‫‪"A‬شهاب‪,353 ,347 ,346 ,330 ,328 ,322....‬‬ ‫‪298‬‬
‫‪354‬‬ ‫‪"A‬ركن‪,352 ,342 ,338 ,316 ,315 ,296......‬‬
‫‪"A‬صلح ‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,7.‬‬ ‫‪362 ,358 ,353‬‬
‫‪,287 ,285 ,282 ,276 ,259 ,239 ,232‬‬ ‫‪"A‬روبرت‪,98 ,97 ,78 ,75 ,67 ,59 ,53 ,33..‬‬
‫‪389 ,366 ,355 ,349 ,346 ,309‬‬ ‫‪114 ,108‬‬
‫‪"A‬صمام‪325 ,290 ,289 ,288.....................‬‬ ‫‪"A‬روجر‪,217 ,216 ,213 ,203 ,202 ,200....‬‬
‫‪"A‬صمصام‪277..........................................‬‬ ‫‪228 ,221 ,220‬‬
‫‪"A‬طارق‪232 ,161 ,12...............................‬‬ ‫‪"A‬رومانوس‪344 ,37 ,19............................‬‬
‫‪"A‬طالوت‪3................................................‬‬ ‫‪"A‬ريتشارد‪177..........................................‬‬
‫‪"A‬طشت‪271.............................................‬‬ ‫‪"A‬ريمون‪,89 ,78 ,67 ,65 ,59 ,58 ,53 ,41...‬‬
‫‪"A‬طغتكين‪,191 ,189 ,186 ,185 ,174 ,149..‬‬ ‫‪,108 ,99 ,98 ,97 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92‬‬
‫‪,205 ,202 ,201 ,200 ,197 ,196 ,195‬‬ ‫‪,120 ,119 ,115 ,114 ,113 ,110 ,109‬‬
‫‪,215 ,214 ,213 ,212 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,134 ,131 ,129 ,121‬‬
‫‪,233 ,230 ,224 ,223 ,222 ,220 ,216‬‬ ‫‪,173 ,149 ,148 ,147 ,146 ,142 ,140‬‬
‫‪,300 ,288 ,287 ,286 ,277 ,237 ,234‬‬ ‫‪,332 ,331 ,330 ,329 ,180 ,179 ,175‬‬
‫‪325 ,322 ,307‬‬ ‫‪334‬‬
‫‪"A‬طغرل‪,304 ,303 ,218 ,157 ,19 ,18‬‬ ‫‪"A‬ريموند‪,336 ,335 ,334 ,331 ,324 ,276...‬‬
‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,357 ,343 ,337‬‬
‫‪321 ,320 ,319 ,318 ,317 ,314‬‬ ‫‪"A‬رينو‪312...............................................‬‬
‫‪"A‬عائشة‪250 ,24.......................................‬‬ ‫‪"A‬زاخارس‪22...........................................‬‬
‫‪"A‬عبد‪250 ,241 ,187 ,159 ,100................‬‬ ‫‪"A‬زمرد‪354 ,346.....................................‬‬
‫‪"A‬عديّ‪159..............................................‬‬ ‫‪"A‬زنكي‪176.............................................‬‬
‫‪"A‬عز‪,292 ,276 ,262 ,239 ,237 ,236‬‬ ‫‪"A‬زين‪374 ,270.......................................‬‬
‫‪377 ,375‬‬ ‫‪"A‬ستيفن‪93 ,85 ,84 ,78 ,67 ,59 ,53...........‬‬
‫‪"A‬عقبة‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬سعد‪232 ,146.......................................‬‬
‫‪"A‬علي‪250...............................................‬‬ ‫‪"A‬سقمان‪,166 ,165 ,164 ,160 ,139 ,21 ,7..‬‬
‫‪"A‬عماد ‪,210 ,205 ,203 ,187 ,161 ,157 ,8.‬‬ ‫‪,193 ,189 ,186 ,177 ,175 ,172 ,168‬‬
‫‪,248 ,247 ,242 ,241 ,240 ,234 ,213‬‬ ‫‪379 ,295 ,231 ,215 ,196‬‬
‫‪,255 ,254 ,253 ,252 ,251 ,250 ,249‬‬ ‫‪"A‬سكمان‪100............................................‬‬

‫‪399‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬قميرك‪205 ,202....................................‬‬ ‫‪,263 ,262 ,261 ,260 ,259 ,257 ,256‬‬


‫‪"A‬كربوغا‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,78. .‬‬ ‫‪,270 ,269 ,268 ,267 ,266 ,265 ,264‬‬
‫‪,163 ,159 ,156 ,151 ,122 ,98 ,97 ,91‬‬ ‫‪,277 ,276 ,275 ,274 ,273 ,272 ,271‬‬
‫‪385 ,259 ,251 ,250 ,187‬‬ ‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,280 ,279 ,278‬‬
‫‪"A‬كعب‪291..............................................‬‬ ‫‪,291 ,290 ,289 ,288 ,287 ,286 ,285‬‬
‫‪"A‬كمال‪348 ,347 ,338 ,270......................‬‬ ‫‪,298 ,297 ,296 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬
‫‪"A‬كمشتكين‪148 ,144.................................‬‬ ‫‪,305 ,304 ,303 ,302 ,301 ,300 ,299‬‬
‫‪"A‬كندغدي‪254..........................................‬‬ ‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,307 ,306‬‬
‫‪"A‬كوغ‪217 ,190 ,128...............................‬‬ ‫‪,321 ,320 ,319 ,318 ,316 ,315 ,314‬‬
‫‪"A‬كولومان‪54 ,51 ,50 ,48..........................‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,324 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬كونستانس‪331 ,324 ,297........................‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪"A‬لروجر‪214............................................‬‬ ‫‪,342 ,341 ,340 ,339 ,338 ,337 ,336‬‬
‫‪"A‬لوقا‪38..................................................‬‬ ‫‪,350 ,349 ,348 ,347 ,346 ,345 ,344‬‬
‫‪"A‬لويس‪299.............................................‬‬ ‫‪,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352 ,351‬‬
‫‪"A‬ليون‪334 ,333 ,297...............................‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,358‬‬
‫‪"A‬مارتن‪29...............................................‬‬ ‫‪,371 ,370 ,369 ,368 ,367 ,366 ,365‬‬
‫‪"A‬مانويل‪370 ,361....................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,377 ,376 ,375 ,374 ,373‬‬
‫‪"A‬مباركشاه‪214.........................................‬‬ ‫‪389 ,387 ,386 ,385 ,384 ,383 ,382‬‬
‫‪"A‬متّى‪202...............................................‬‬ ‫‪"A‬عمر‪382 ,265 ,241 ,161 ,122 ,24 ,11...‬‬
‫‪"A‬مجاهد‪349.............................................‬‬ ‫‪"A‬عمرو‪12...............................................‬‬
‫‪"A‬مجير‪355..............................................‬‬ ‫‪"A‬عموري‪361..........................................‬‬
‫‪"A‬محمد‪,175 ,174 ,172 ,163 ,161 ,124.....‬‬ ‫‪"A‬عيسى‪284.............................................‬‬
‫‪,211 ,193 ,192 ,188 ,179 ,177 ,176‬‬ ‫‪"A‬غازي‪,141 ,138 ,134 ,133 ,67 ,66 ,61..‬‬
‫‪,274 ,252 ,251 ,232 ,218 ,213 ,212‬‬ ‫‪170 ,156 ,154 ,153 ,152 ,151‬‬
‫‪355 ,339 ,327 ,317 ,291‬‬ ‫‪"A‬غيورغي‪43...........................................‬‬
‫‪"A‬محمود‪,236 ,234 ,226 ,223 ,222 ,218...‬‬ ‫‪"A‬فاطمة‪23...............................................‬‬
‫‪,274 ,255 ,254 ,253 ,240 ,239 ,238‬‬ ‫‪"A‬فخر‪99 ,97...........................................‬‬
‫‪,301 ,294 ,293 ,284 ,283 ,282 ,276‬‬ ‫‪"A‬فردريك‪144...........................................‬‬
‫‪,320 ,317 ,310 ,305 ,304 ,303 ,302‬‬ ‫‪"A‬فرعون‪216 ,134 ,3...............................‬‬
‫‪373 ,338‬‬ ‫‪"A‬فروخ‪255.............................................‬‬
‫‪"A‬مسعود‪,226 ,223 ,222 ,218 ,193 ,192...‬‬ ‫‪"A‬فولك‪,324 ,312 ,311 ,302 ,300 ,299.....‬‬
‫‪,305 ,304 ,303 ,268 ,257 ,239 ,230‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪,317 ,314 ,313 ,310 ,309 ,308 ,306‬‬ ‫‪362 ,361 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪,326 ,325 ,323 ,322 ,321 ,319 ,318‬‬ ‫‪"A‬فولكمار‪50 ,49.......................................‬‬
‫‪,347 ,344 ,339 ,338 ,336 ,328 ,327‬‬ ‫‪"A‬فيلريتوس‪75.........................................‬‬
‫‪,371 ,364 ,363 ,357 ,353 ,350 ,348‬‬ ‫‪"A‬فيليب‪366 ,53 ,38..................................‬‬
‫‪383 ,373‬‬ ‫‪"A‬قاروت‪21..............................................‬‬
‫‪"A‬مسلم‪258 ,242 ,161..............................‬‬ ‫‪"A‬قارون‪3.................................................‬‬
‫‪"A‬معاوية‪73 ,12........................................‬‬ ‫‪"A‬قتلغ‪285 ,276........................................‬‬
‫‪"A‬معين‪356 ,355 ,354 ,329 ,328 ,322......‬‬ ‫‪"A‬قتلمش‪21...............................................‬‬
‫‪"A‬ملكشاه‪,158 ,124 ,123 ,76 ,22 ,21 ,19...‬‬ ‫‪"A‬قرا‪371 ,365 ,362 ,358........................‬‬
‫‪,245 ,242 ,214 ,172 ,162 ,160 ,159‬‬ ‫‪"A‬قريش‪328 ,323 ,289.............................‬‬
‫‪,379 ,320 ,319 ,252 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"A‬قطب‪259..............................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪"A‬قطز‪241 ,232 ,161...............................‬‬
‫‪"A‬منقذ‪334...............................................‬‬ ‫‪"A‬قفجاق‪358 ,357.....................................‬‬
‫‪"A‬مودود‪,191 ,190 ,189 ,188 ,187 ,177 ,7‬‬ ‫‪"A‬قلج ‪,66 ,65 ,64 ,63 ,62 ,61 ,51 ,21 ,20.‬‬
‫‪,198 ,197 ,196 ,195 ,194 ,193 ,192‬‬ ‫‪,141 ,134 ,130 ,127 ,126 ,121 ,68 ,67‬‬
‫‪,205 ,204 ,203 ,202 ,201 ,200 ,199‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,152 ,148 ,145 ,144‬‬
‫‪,212 ,211 ,210 ,209 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪242 ,176‬‬

‫‪400‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪َ "H‬كمَا‪212 ,129........................................‬‬ ‫‪,220 ,218 ,217 ,216 ,215 ,214 ,213‬‬
‫‪"H‬لَ‪6......................................................‬‬ ‫‪,253 ,252 ,238 ,235 ,234 ,225 ,221‬‬
‫‪َ"H‬لوْ‪112..................................................‬‬ ‫‪387 ,385 ,383 ,382 ,379 ,259 ,257‬‬
‫‪"H‬هَوّنْ‪265...............................................‬‬ ‫‪"A‬موسى‪164 ,151 ,23 ,12.........................‬‬
‫‪"H‬وَاّلذِي‪89...............................................‬‬ ‫‪"A‬ميلزاند‪370 ,366 ,361 ,312 ,300............‬‬
‫‪"H‬وَالِّ‪232...............................................‬‬ ‫‪"A‬نابليون‪134............................................‬‬
‫‪َ "H‬وكَانَ‪10................................................‬‬ ‫‪"A‬ناصر‪264.............................................‬‬
‫‪"H‬يَا‪233..................................................‬‬ ‫‪"A‬نجم‪355 ,349 ,309 ,263 ,161 ,8............‬‬
‫‪"H‬يد‪141..................................................‬‬ ‫‪"A‬نزار‪208 ,24.........................................‬‬
‫شكُ‪103.............................................‬‬ ‫‪"H‬يُو ِ‬ ‫‪"A‬نصرة‪259.............................................‬‬
‫‪"K‬أجنادين‪11.............................................‬‬ ‫‪"A‬نصير‪,373 ,348 ,282 ,269 ,263 ,259....‬‬
‫‪"K‬أورش‪227.............................................‬‬ ‫‪386 ,374‬‬
‫‪"K‬البليخ‪,173 ,172 ,171 ,170 ,167 ,165.....‬‬ ‫‪"A‬نظام‪,242 ,238 ,206 ,192 ,163 ,158......‬‬
‫‪189 ,186 ,175‬‬ ‫‪385 ,379‬‬
‫‪"K‬الرملة‪174 ,149 ,146.............................‬‬ ‫‪"A‬نقفور‪74................................................‬‬
‫‪"K‬الزلقة‪25 ,14........................................‬‬ ‫‪"A‬نور‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,8.....‬‬
‫‪"K‬الصنبرة‪252..........................................‬‬ ‫‪389 ,388 ,357 ,349 ,309 ,287 ,259‬‬
‫‪"K‬العقاب‪39 ,15........................................‬‬ ‫‪"A‬نورمان‪4...............................................‬‬
‫‪"K‬القادسية‪49.............................................‬‬ ‫‪"A‬نيروز‪85 ,84.........................................‬‬
‫‪"K‬بلط‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬هبة‪259................................................‬‬
‫‪"K‬بيسان‪11...............................................‬‬ ‫‪"A‬هتلر‪134 ,107.......................................‬‬
‫‪"K‬تبوك‪11................................................‬‬ ‫‪"A‬هرقل‪11 ,10..........................................‬‬
‫‪"K‬دانيث‪213.............................................‬‬ ‫‪"A‬هنري‪324 ,108 ,53 ,37 ,33 ,27.............‬‬
‫‪"K‬دوريليوم‪126.........................................‬‬ ‫‪"A‬هوجو‪224.............................................‬‬
‫‪"K‬مؤتة‪11.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيو‪368 ,367 ,312 ,78 ,54 ,53..............‬‬
‫‪"K‬مرج‪85.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيومن‪140............................................‬‬
‫‪"K‬مرسيفان‪171..........................................‬‬ ‫‪"A‬والتر‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,47 ,41‬‬
‫‪"K‬ملذكرد‪344 ,157 ,74 ,64 ,57 ,37 ,19....‬‬ ‫‪140 ,64‬‬
‫‪"K‬منبج‪228...............................................‬‬ ‫‪"A‬وثاب‪87................................................‬‬
‫‪"K‬نيقية‪126 ,90 ,65...................................‬‬ ‫‪"A‬ولف‪143...............................................‬‬
‫‪"K‬هرقلة‪171 ,143.....................................‬‬ ‫‪"A‬وليم ‪,180 ,179 ,175 ,143 ,142 ,106 ,33‬‬
‫‪"P‬آسيا ‪,23 ,22 ,21 ,20 ,19 ,18 ,15 ,13 ,10.‬‬ ‫‪324 ,228 ,182‬‬
‫‪,61 ,59 ,58 ,57 ,51 ,50 ,43 ,41 ,31 ,25‬‬ ‫‪"A‬ونمار‪78...............................................‬‬
‫‪,86 ,81 ,74 ,73 ,72 ,71 ,70 ,66 ,65 ,64‬‬ ‫‪"A‬ياغي‪,84 ,83 ,82 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75‬‬
‫‪,126 ,121 ,109 ,108 ,100 ,99 ,93 ,90‬‬ ‫‪123 ,85‬‬
‫‪,142 ,140 ,134 ,133 ,130 ,128 ,127‬‬ ‫‪"A‬يرنقش‪376............................................‬‬
‫‪,152 ,151 ,148 ,146 ,145 ,144 ,143‬‬ ‫‪"A‬يوحنا‪,334 ,333 ,332 ,324 ,222 ,220.....‬‬
‫‪,220 ,187 ,176 ,159 ,156 ,154 ,153‬‬ ‫‪,362 ,361 ,344 ,343 ,342 ,337 ,336‬‬
‫‪380 ,338 ,337 ,335 ,310 ,242‬‬ ‫‪367‬‬
‫‪"P‬آمد‪365 ,358 ,315 ,296.........................‬‬ ‫‪"A‬يوسف‪161 ,25 ,15................................‬‬
‫‪"P‬أبونيا‪22.................................................‬‬ ‫‪156, 158..............................................H‬‬
‫‪"P‬أذربيجان‪306 ,193 ,172..........................‬‬ ‫‪َ"H‬أخْوَفُ‪306............................................‬‬
‫‪"P‬أذنة ‪,344 ,343 ,333 ,169 ,152 ,139 ,71.‬‬ ‫‪"H‬إذا‪258.................................................‬‬
‫‪345‬‬ ‫‪ِ"H‬إذَا‪258.................................................‬‬
‫‪"P‬أرتاح‪221 ,169......................................‬‬ ‫‪"H‬إن‪193.................................................‬‬
‫‪"P‬أرجوان‪12.............................................‬‬ ‫‪"H‬إِنّ‪386 ,193 ,184 ,88...........................‬‬
‫‪"P‬أرسوف‪,118 ,115 ,114 ,113 ,104 ,101...‬‬ ‫‪"H‬إني‪233................................................‬‬
‫‪150 ,138 ,120‬‬ ‫‪"H‬الْحَ ْربُ‪291............................................‬‬
‫‪"P‬أرمينيا‪22 ,14.........................................‬‬ ‫‪"H‬فَوَالِّ‪20................................................‬‬

‫‪401‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬إشبيلية‪15...............................................‬‬ ‫‪"P‬أرمينية‪306 ,172 ,18..............................‬‬


‫‪"P‬إفريقيا‪,25 ,24 ,23 ,16 ,14 ,13 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أزمير‪22................................................‬‬
‫‪380 ,100 ,31‬‬ ‫‪"P‬أسعرد‪359.............................................‬‬
‫‪"P‬إقليم‪,223 ,203 ,119 ,25 ,18 ,13 ,10‬‬ ‫‪"P‬أصبهان‪172...........................................‬‬
‫‪,295 ,281 ,278 ,268 ,262 ,239 ,229‬‬ ‫‪"P‬أصفهان‪305 ,274 ,254...........................‬‬
‫‪,328 ,325 ,322 ,316 ,315 ,314 ,297‬‬ ‫‪"P‬أفغانستان‪389 ,380 ,25 ,18 ,17 ,5...........‬‬
‫‪,362 ,359 ,358 ,353 ,352 ,351 ,338‬‬ ‫‪"P‬أفلونا‪57.................................................‬‬
‫‪382 ,371 ,365‬‬ ‫‪"P‬أكوتيين‪143............................................‬‬
‫‪"P‬إنجلترا‪,171 ,103 ,42 ,33 ,16 ,12 ,10.....‬‬ ‫‪"P‬ألبانيا‪57 ,16...........................................‬‬
‫‪324 ,254 ,225‬‬ ‫‪"P‬ألمانيا‪,48 ,47 ,37 ,33 ,31 ,27 ,12 ,10.....‬‬
‫‪"P‬إندونيسيا‪380..........................................‬‬ ‫‪171 ,143 ,140 ,108 ,103‬‬
‫‪"P‬إيران‪,193 ,172 ,160 ,21 ,18 ,16 ,5‬‬ ‫‪"P‬أماسية‪142 ,141.....................................‬‬
‫‪306 ,274‬‬ ‫‪"P‬أمريكا‪17 ,7 ,4.......................................‬‬
‫‪"P‬إيطاليا‪,37 ,35 ,33 ,32 ,31 ,29 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أنجرز‪42...............................................‬‬
‫‪,140 ,103 ,91 ,80 ,67 ,59 ,57 ,53 ,42‬‬ ‫‪"P‬أنطاكية‪,69 ,58 ,57 ,54 ,33 ,22 ,14 ,13...‬‬
‫‪222 ,221 ,200 ,174 ,170 ,150 ,141‬‬ ‫‪,80 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75 ,74 ,73 ,72 ,71‬‬
‫‪"P‬الدرياثيك‪171........................................‬‬ ‫‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,83 ,82 ,81‬‬
‫‪"P‬الردن‪203.............................................‬‬ ‫‪,105 ,102 ,98 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91‬‬
‫‪"P‬السكندرونة‪84........................................‬‬ ‫‪,120 ,119 ,114 ,110 ,109 ,108 ,107‬‬
‫‪"P‬القحوانة‪203..........................................‬‬ ‫‪,130 ,129 ,127 ,126 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪"P‬الناضول‪67 ,65 ,20 ,10.........................‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,135 ,134 ,133 ,131‬‬
‫‪"P‬الندلس‪25..............................................‬‬ ‫‪,154 ,153 ,151 ,150 ,147 ,144 ,143‬‬
‫‪"P‬السكندرية‪115........................................‬‬ ‫‪,167 ,166 ,164 ,163 ,159 ,156 ,155‬‬
‫‪"P‬البارة‪168..............................................‬‬ ‫‪,179 ,178 ,177 ,171 ,170 ,169 ,168‬‬
‫‪"P‬البرتغال‪12.............................................‬‬ ‫‪,200 ,199 ,194 ,190 ,182 ,181 ,180‬‬
‫‪"P‬البروفنسال‪58 ,53....................................‬‬ ‫‪,221 ,220 ,217 ,213 ,207 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬البسفور‪140 ,59 ,50...............................‬‬ ‫‪,230 ,229 ,228 ,227 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬البصرة‪254 ,253....................................‬‬ ‫‪,264 ,251 ,239 ,238 ,237 ,236 ,231‬‬
‫‪"P‬البلط‪344 ,337 ,331 ,223 ,222 ,221......‬‬ ‫‪,294 ,286 ,279 ,278 ,277 ,276 ,275‬‬
‫‪"P‬البلقان‪59 ,57 ,54 ,33.............................‬‬ ‫‪,311 ,303 ,302 ,299 ,298 ,297 ,295‬‬
‫‪"P‬البندقية‪230 ,181 ,115 ,45 ,33.................‬‬ ‫‪,331 ,330 ,328 ,324 ,323 ,314 ,312‬‬
‫‪"P‬البوازيج‪283 ,281 ,272...........................‬‬ ‫‪,339 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333 ,332‬‬
‫‪"P‬البوسنة‪17 ,5..........................................‬‬ ‫‪,361 ,357 ,352 ,351 ,346 ,342 ,341‬‬
‫‪"P‬البيرة ‪386 ,374 ,373 ,227 ,217 ,183 ,70‬‬ ‫‪386 ,374 ,370 ,366 ,362‬‬
‫‪"P‬الجبيل‪182 ,21.......................................‬‬ ‫‪"P‬أنقرة‪142 ,141.......................................‬‬
‫‪"P‬الجزيرة‪306 ,18 ,10...............................‬‬ ‫‪"P‬أوربا‪,27 ,26 ,19 ,16 ,15 ,12 ,10 ,7 ,4....‬‬
‫‪"P‬الجليل‪,199 ,168 ,158 ,137 ,136 ,73......‬‬ ‫‪,39 ,37 ,36 ,35 ,34 ,33 ,32 ,31 ,30 ,28‬‬
‫‪366 ,360 ,241 ,201‬‬ ‫‪,50 ,49 ,47 ,46 ,45 ,44 ,43 ,42 ,41 ,40‬‬
‫‪"P‬الحبشة‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,96 ,91 ,75 ,72 ,71 ,64 ,55 ,53 ,52 ,51‬‬
‫‪"P‬الحجاز‪216 ,23 ,5..................................‬‬ ‫‪,111 ,109 ,108 ,107 ,106 ,104 ,103‬‬
‫‪"P‬الحديثة‪359............................................‬‬ ‫‪,151 ,150 ,140 ,121 ,120 ,117 ,112‬‬
‫‪"P‬الخابور‪176............................................‬‬ ‫‪,370 ,335 ,297 ,279 ,224 ,220 ,170‬‬
‫‪"P‬الدنمارك‪42............................................‬‬ ‫‪381‬‬
‫‪"P‬الرحبة‪87...............................................‬‬ ‫‪"P‬أيلة‪216 ,11...........................................‬‬
‫‪"P‬الرقة‪375 ,322.......................................‬‬ ‫‪"P‬أيوينا‪64.................................................‬‬
‫‪"P‬الرملة‪,149 ,146 ,120 ,114 ,104 ,101.....‬‬ ‫‪"P‬إربل‪328 ,304 ,193...............................‬‬
‫‪186 ,182 ,174‬‬ ‫‪"P‬إسبانيا‪254 ,171 ,42 ,25 ,14 ,10.............‬‬
‫‪"P‬الرها‪,84 ,79 ,75 ,72 ,71 ,70 ,69 ,57 ,22‬‬ ‫‪"P‬إسكتلندا‪42.............................................‬‬
‫‪,123 ,121 ,120 ,119 ,108 ,96 ,92 ,85‬‬ ‫‪"P‬إسكندينافيا‪32..........................................‬‬

‫‪402‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬العقبة‪216 ,65........................................‬‬ ‫‪,136 ,134 ,131 ,130 ,129 ,128 ,127‬‬


‫‪"P‬الفرما‪219 ,216......................................‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,151 ,144 ,139 ,138‬‬
‫‪"P‬القاهرة‪389 ,385 ,201 ,130 ,101 ,15......‬‬ ‫‪,169 ,168 ,167 ,166 ,164 ,163 ,159‬‬
‫‪"P‬القدس‪,105 ,104 ,99 ,97 ,96 ,92 ,44‬‬ ‫‪,190 ,189 ,183 ,179 ,178 ,177 ,170‬‬
‫‪,131 ,120 ,113 ,112 ,111 ,107 ,106‬‬ ‫‪,199 ,198 ,196 ,195 ,194 ,193 ,191‬‬
‫‪,174 ,150 ,146 ,145 ,136 ,135 ,132‬‬ ‫‪,219 ,217 ,215 ,212 ,203 ,201 ,200‬‬
‫‪224 ,219 ,205 ,204 ,202 ,186 ,182‬‬ ‫‪,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,223 ,222‬‬
‫‪"P‬القسطنطينية‪,48 ,47 ,46 ,44 ,41 ,16 ,12...‬‬ ‫‪,264 ,257 ,253 ,247 ,238 ,237 ,236‬‬
‫‪,69 ,68 ,62 ,59 ,58 ,57 ,56 ,51 ,50 ,49‬‬ ‫‪,294 ,285 ,283 ,279 ,278 ,276 ,275‬‬
‫‪,139 ,127 ,94 ,92 ,86 ,81 ,80 ,73 ,71‬‬ ‫‪,314 ,311 ,302 ,300 ,299 ,298 ,295‬‬
‫‪,216 ,147 ,145 ,144 ,143 ,142 ,140‬‬ ‫‪,351 ,350 ,346 ,341 ,337 ,331 ,324‬‬
‫‪342‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,352‬‬
‫‪"P‬اللذقية ‪,139 ,131 ,122 ,121 ,97 ,78 ,74.‬‬ ‫‪,372 ,371 ,370 ,369 ,368 ,366 ,365‬‬
‫‪,179 ,171 ,170 ,169 ,152 ,151 ,147‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,384 ,377 ,375 ,373‬‬
‫‪328 ,324 ,311 ,300 ,298 ,243‬‬ ‫‪"P‬الري‪247 ,123.......................................‬‬
‫‪"P‬اللد‪182 ,120 ,114.................................‬‬ ‫‪"P‬السودان‪380 ,125 ,5...............................‬‬
‫‪"P‬اللورين‪108 ,67 ,52................................‬‬ ‫‪"P‬السيوان‪328............................................‬‬
‫‪"P‬المجدل‪355............................................‬‬ ‫‪"P‬الشام‪,18 ,14 ,13 ,12 ,11 ,10 ,9 ,8 ,6 ,5. .‬‬
‫‪"P‬المجر‪107 ,55 ,54 ,51 ,50 ,44 ,16..........‬‬ ‫‪,41 ,36 ,31 ,30 ,25 ,24 ,23 ,21 ,20 ,19‬‬
‫‪"P‬المرقب‪169............................................‬‬ ‫‪,72 ,70 ,66 ,65 ,64 ,57 ,49 ,46 ,43 ,42‬‬
‫‪"P‬المصيصة‪333 ,169 ,152 ,139 ,71..........‬‬ ‫‪,119 ,114 ,100 ,87 ,81 ,77 ,76 ,74 ,73‬‬
‫‪"P‬المغرب‪,100 ,31 ,25 ,23 ,17 ,16 ,14 ,9. .‬‬ ‫‪,127 ,126 ,125 ,124 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪380‬‬ ‫‪,145 ,144 ,142 ,140 ,131 ,130 ,128‬‬
‫‪"P‬الموصل‪,122 ,90 ,87 ,84 ,78 ,72 ,14......‬‬ ‫‪,164 ,163 ,162 ,159 ,158 ,157 ,156‬‬
‫‪,167 ,165 ,164 ,163 ,159 ,156 ,151‬‬ ‫‪,185 ,184 ,181 ,180 ,179 ,173 ,168‬‬
‫‪,187 ,177 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,208 ,206 ,200 ,197 ,194 ,192 ,187‬‬
‫‪,198 ,197 ,195 ,193 ,191 ,189 ,188‬‬ ‫‪,237 ,235 ,230 ,229 ,226 ,225 ,216‬‬
‫‪,213 ,212 ,211 ,207 ,206 ,205 ,201‬‬ ‫‪,255 ,254 ,247 ,246 ,245 ,242 ,239‬‬
‫‪,234 ,233 ,226 ,224 ,223 ,222 ,217‬‬ ‫‪,285 ,281 ,277 ,276 ,275 ,274 ,257‬‬
‫‪,242 ,240 ,239 ,238 ,237 ,236 ,235‬‬ ‫‪,308 ,306 ,305 ,294 ,288 ,287 ,286‬‬
‫‪,259 ,256 ,255 ,253 ,252 ,251 ,250‬‬ ‫‪,342 ,338 ,336 ,330 ,322 ,320 ,311‬‬
‫‪,275 ,274 ,272 ,271 ,269 ,264 ,262‬‬ ‫‪,374 ,371 ,356 ,352 ,348 ,347 ,344‬‬
‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,279 ,278 ,276‬‬ ‫‪389 ,382 ,380 ,379‬‬
‫‪,295 ,294 ,293 ,292 ,288 ,287 ,285‬‬ ‫‪"P‬الشيشان‪389 ,5.......................................‬‬
‫‪,313 ,309 ,308 ,305 ,303 ,301 ,300‬‬ ‫‪"P‬الصرب‪17.............................................‬‬
‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,322 ,320 ,315‬‬ ‫‪"P‬الصنبرة‪210 ,207 ,206 ,205 ,204 ,203...‬‬
‫‪,359 ,357 ,356 ,354 ,351 ,349 ,348‬‬ ‫‪"P‬الصومال‪5..............................................‬‬
‫‪,384 ,375 ,374 ,373 ,371 ,365 ,364‬‬ ‫‪"P‬الصين‪254 ,242 ,158 ,123 ,20 ,17.........‬‬
‫‪386 ,385‬‬ ‫‪"P‬العراق‪,25 ,23 ,21 ,18 ,17 ,14 ,12 ,7 ,5..‬‬
‫‪"P‬النرويج‪181............................................‬‬ ‫‪,124 ,123 ,122 ,119 ,76 ,73 ,66 ,57‬‬
‫‪"P‬النمسا‪44 ,16..........................................‬‬ ‫‪,164 ,163 ,161 ,160 ,159 ,157 ,156‬‬
‫‪"P‬الهند‪380 ,158 ,25 ,18 ,17.....................‬‬ ‫‪,195 ,187 ,174 ,172 ,169 ,168 ,167‬‬
‫‪"P‬اليرموك‪203 ,11.....................................‬‬ ‫‪,254 ,235 ,232 ,229 ,223 ,212 ,202‬‬
‫‪"P‬اليمن‪380 ,25 ,10 ,9...............................‬‬ ‫‪,301 ,293 ,278 ,275 ,274 ,261 ,255‬‬
‫‪"P‬اليونان‪16...............................................‬‬ ‫‪,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,303‬‬
‫‪"P‬بافاريا‪143.............................................‬‬ ‫‪,322 ,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,312‬‬
‫‪"P‬باكستان‪306 ,21 ,5.................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,371 ,366 ,336 ,326 ,323‬‬
‫‪"P‬بالس‪375...............................................‬‬ ‫‪389 ,385‬‬
‫‪"P‬العريش‪239 ,220 ,219 ,216...................‬‬

‫‪403‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬تولوز‪146 ,119 ,92 ,58 ,53 ,42 ,41........‬‬ ‫‪"P‬بانياس‪,336 ,186 ,185 ,183 ,182 ,180....‬‬
‫‪"P‬تونس‪25 ,12..........................................‬‬ ‫‪374 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪"P‬جبال‪334 ,297 ,68 ,11...........................‬‬ ‫‪"P‬بخارى‪9................................................‬‬
‫‪"P‬جبل‪328 ,202........................................‬‬ ‫‪"P‬براغ‪50.................................................‬‬
‫‪"P‬جبلة‪180 ,97..........................................‬‬ ‫‪"P‬برقة‪12.................................................‬‬
‫‪"P‬جبيل‪182 ,179 ,173...............................‬‬ ‫‪"P‬بروفانس‪41............................................‬‬
‫‪"P‬جرجان‪303............................................‬‬ ‫‪"P‬بعلبك‪384 ,355 ,354 ,336 ,311 ,264......‬‬
‫‪"P‬جزيرة‪360 ,283 ,281 ,262.....................‬‬ ‫‪"P‬بغداد‪,172 ,164 ,160 ,157 ,122 ,19 ,12..‬‬
‫‪"P‬جنوة‪138 ,115 ,45 ,42 ,31.....................‬‬ ‫‪,235 ,223 ,193 ,192 ,191 ,181 ,179‬‬
‫‪"P‬حران‪,189 ,171 ,167 ,165 ,164 ,163.....‬‬ ‫‪,294 ,293 ,281 ,274 ,268 ,254 ,253‬‬
‫‪,295 ,293 ,292 ,231 ,228 ,223 ,190‬‬ ‫‪,309 ,308 ,306 ,305 ,303 ,301 ,296‬‬
‫‪384 ,353 ,322 ,303‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,323 ,320 ,313‬‬
‫‪"P‬حلب ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21 ,14‬‬ ‫‪,364 ,363 ,349 ,348 ,347 ,344 ,338‬‬
‫‪,148 ,141 ,133 ,126 ,125 ,124 ,123‬‬ ‫‪385‬‬
‫‪,169 ,168 ,164 ,163 ,162 ,155 ,151‬‬ ‫‪"P‬بلجراد‪55...............................................‬‬
‫‪,185 ,184 ,183 ,182 ,181 ,178 ,174‬‬ ‫‪"P‬بلغاريا‪44 ,16.........................................‬‬
‫‪,206 ,195 ,194 ,192 ,191 ,190 ,186‬‬ ‫‪"P‬بلوا‪59 ,53.............................................‬‬
‫‪,218 ,217 ,215 ,214 ,212 ,210 ,207‬‬ ‫‪"P‬بواتيية‪42...............................................‬‬
‫‪,228 ,227 ,225 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬ ‫‪"P‬بواسي‪47...............................................‬‬
‫‪,236 ,235 ,234 ,233 ,231 ,230 ,229‬‬ ‫‪"P‬بوردو‪42...............................................‬‬
‫‪,245 ,244 ,243 ,242 ,240 ,239 ,237‬‬ ‫‪"P‬بورسعيد‪216..........................................‬‬
‫‪,259 ,257 ,255 ,250 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"P‬بوي‪140................................................‬‬
‫‪,276 ,275 ,274 ,272 ,270 ,268 ,264‬‬ ‫‪"P‬بيت‪,69 ,62 ,57 ,45 ,44 ,41 ,14 ,11 ,5...‬‬
‫‪,288 ,287 ,286 ,285 ,284 ,283 ,279‬‬ ‫‪,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,90 ,82 ,81 ,72‬‬
‫‪,300 ,299 ,298 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬ ‫‪,107 ,106 ,104 ,102 ,101 ,100 ,99 ,98‬‬
‫‪,325 ,323 ,316 ,314 ,313 ,303 ,301‬‬ ‫‪,114 ,113 ,112 ,111 ,110 ,109 ,108‬‬
‫‪,339 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333‬‬ ‫‪,124 ,122 ,121 ,120 ,119 ,116 ,115‬‬
‫‪,351 ,348 ,347 ,346 ,344 ,343 ,340‬‬ ‫‪,136 ,135 ,132 ,131 ,130 ,129 ,126‬‬
‫‪386 ,384 ,366 ,365 ,360 ,356 ,354‬‬ ‫‪,150 ,149 ,146 ,145 ,139 ,138 ,137‬‬
‫‪"P‬حماة‪,192 ,185 ,183 ,181 ,151 ,83 ,11. .‬‬ ‫‪,182 ,180 ,174 ,173 ,170 ,168 ,160‬‬
‫‪,292 ,290 ,289 ,288 ,277 ,243 ,202‬‬ ‫‪,202 ,201 ,200 ,199 ,196 ,190 ,189‬‬
‫‪,330 ,325 ,323 ,322 ,313 ,303 ,293‬‬ ‫‪,221 ,220 ,219 ,216 ,215 ,204 ,203‬‬
‫‪384 ,355 ,340 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪,229 ,228 ,227 ,226 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬حمص‪,97 ,87 ,85 ,79 ,78 ,73 ,14 ,11....‬‬ ‫‪,286 ,279 ,278 ,277 ,239 ,238 ,237‬‬
‫‪,174 ,173 ,151 ,149 ,148 ,147 ,132‬‬ ‫‪,331 ,330 ,329 ,312 ,311 ,299 ,297‬‬
‫‪,288 ,277 ,237 ,208 ,192 ,185 ,183‬‬ ‫‪,361 ,356 ,355 ,352 ,351 ,345 ,343‬‬
‫‪,330 ,329 ,328 ,325 ,323 ,290 ,289‬‬ ‫‪366 ,362‬‬
‫‪,347 ,346 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪"P‬بيرا‪57 ,56............................................‬‬
‫‪386 ,385 ,384 ,382 ,357 ,355‬‬ ‫‪"P‬بيروت‪,182 ,180 ,146 ,124 ,114 ,101....‬‬
‫‪"P‬حوران‪357............................................‬‬ ‫‪352 ,311 ,264 ,189 ,185‬‬
‫‪"P‬حيزان‪359.............................................‬‬ ‫‪"P‬بيزا‪,132 ,131 ,130 ,120 ,115 ,45 ,31. . .‬‬
‫‪"P‬حيفا‪185 ,182 ,136 ,135 ,126................‬‬ ‫‪140‬‬
‫‪"P‬خراسان‪313 ,310 ,303 ,293 ,172 ,18.....‬‬ ‫‪"P‬بيسان‪114..............................................‬‬
‫‪"P‬خرتبرت‪228 ,227 ,226..........................‬‬ ‫‪"P‬تبريز‪193 ,189......................................‬‬
‫‪"P‬خلط‪193 ,189......................................‬‬ ‫‪"P‬تركيا‪,193 ,183 ,164 ,160 ,119 ,11 ,5....‬‬
‫‪"P‬خوزستان‪303.........................................‬‬ ‫‪306 ,296 ,278‬‬
‫‪"P‬دارا‪315 ,302 ,296................................‬‬ ‫‪"P‬تل ‪,196 ,194 ,190 ,189 ,183 ,177 ,164.‬‬
‫‪"P‬دفول‪171...............................................‬‬ ‫‪373 ,369 ,366 ,324 ,314 ,219 ,198‬‬
‫‪"P‬دقوقا‪328...............................................‬‬ ‫‪"P‬تورز‪42................................................‬‬

‫‪404‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬صقلية‪,171 ,154 ,153 ,150 ,32 ,25 ,8....‬‬ ‫‪"P‬دمشق‪,85 ,79 ,78 ,77 ,73 ,21 ,14 ,11‬‬
‫‪312 ,220 ,216 ,200‬‬ ‫‪,147 ,136 ,125 ,124 ,123 ,100 ,89 ,87‬‬
‫‪"P‬صور ‪,181 ,168 ,150 ,124 ,101 ,94 ,21.‬‬ ‫‪,186 ,185 ,184 ,183 ,174 ,173 ,149‬‬
‫‪,230 ,224 ,219 ,216 ,214 ,200 ,182‬‬ ‫‪,200 ,197 ,196 ,195 ,192 ,189 ,187‬‬
‫‪300 ,231‬‬ ‫‪,208 ,207 ,206 ,205 ,204 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬صوران‪168...........................................‬‬ ‫‪,230 ,222 ,220 ,215 ,214 ,213 ,212‬‬
‫‪"P‬صوفيا‪49...............................................‬‬ ‫‪,268 ,245 ,242 ,237 ,235 ,234 ,233‬‬
‫‪"P‬صيدا‪228 ,185 ,180 ,101......................‬‬ ‫‪,289 ,288 ,287 ,286 ,277 ,276 ,270‬‬
‫‪"P‬طبرية‪,205 ,203 ,202 ,201 ,199 ,114....‬‬ ‫‪,321 ,313 ,311 ,307 ,300 ,296 ,290‬‬
‫‪357 ,352‬‬ ‫‪,346 ,336 ,334 ,329 ,328 ,325 ,322‬‬
‫‪"P‬طرابلس‪,120 ,109 ,101 ,99 ,98 ,97 ,21..‬‬ ‫‪,360 ,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352‬‬
‫‪,148 ,147 ,146 ,141 ,138 ,136 ,132‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,382 ,375 ,374‬‬
‫‪,183 ,182 ,180 ,179 ,175 ,173 ,149‬‬ ‫‪"P‬دمياط‪115..............................................‬‬
‫‪,221 ,217 ,202 ,200 ,196 ,189 ,186‬‬ ‫‪"P‬دورازو‪171...........................................‬‬
‫‪,277 ,264 ,238 ,237 ,236 ,230 ,222‬‬ ‫‪"P‬دوريليوم‪140 ,68 ,67..............................‬‬
‫‪,328 ,314 ,311 ,288 ,286 ,279 ,278‬‬ ‫‪"P‬ديار‪,212 ,202 ,172 ,160 ,83 ,72 ,14.....‬‬
‫‪352 ,351 ,346 ,345 ,330 ,329‬‬ ‫‪359 ,329 ,328 ,316 ,315 ,227 ,223‬‬
‫‪"P‬طرسوس‪,122 ,108 ,93 ,73 ,71 ,69 ,68...‬‬ ‫‪"P‬دير‪97...................................................‬‬
‫‪333 ,169 ,152 ,139‬‬ ‫‪"P‬رعبان‪217 ,128.....................................‬‬
‫‪"P‬طرطوس‪182 ,173 ,149 ,148 ,147.........‬‬ ‫‪"P‬رفينة‪168..............................................‬‬
‫‪"P‬طليطلة‪15 ,14........................................‬‬ ‫‪"P‬روسيا‪134 ,18 ,16.................................‬‬
‫‪"P‬طنزة‪359...............................................‬‬ ‫‪"P‬روما‪,130 ,120 ,107 ,35 ,33 ,30 ,27......‬‬
‫‪"P‬عانة‪359...............................................‬‬ ‫‪370 ,224 ,220 ,131‬‬
‫‪"P‬عرقة‪182 ,120 ,99 ,98 ,97....................‬‬ ‫‪"P‬زبطرة‪13...............................................‬‬
‫‪"P‬عزاز‪236 ,223......................................‬‬ ‫‪"P‬ساحة‪221..............................................‬‬
‫‪"P‬عسقلن‪,120 ,118 ,114 ,113 ,112 ,105...‬‬ ‫‪"P‬سبتة‪17 ,16...........................................‬‬
‫‪,182 ,181 ,150 ,149 ,146 ,126 ,124‬‬ ‫‪"P‬سبير‪49.................................................‬‬
‫‪230 ,224 ,219 ,216 ,204 ,203‬‬ ‫‪"P‬سرمين‪168............................................‬‬
‫‪"P‬عكا‪,124 ,120 ,118 ,115 ,114 ,101 ,21..‬‬ ‫‪"P‬سروج‪,191 ,190 ,183 ,139 ,119 ,70......‬‬
‫‪,204 ,186 ,185 ,182 ,173 ,150 ,135‬‬ ‫‪386 ,369 ,253 ,198‬‬
‫‪352 ,300 ,264‬‬ ‫‪"P‬سََل ْميَة‪340 ,338 ,202..............................‬‬
‫‪"P‬عمورية‪13.............................................‬‬ ‫‪"P‬سليمبريا‪55.............................................‬‬
‫‪"P‬عينتاب‪324............................................‬‬ ‫‪"P‬سمرقند‪9................................................‬‬
‫‪"P‬غرناطة‪16 ,15.......................................‬‬ ‫‪"P‬سملين‪107 ,48.......................................‬‬
‫‪"P‬فارس‪,79 ,76 ,72 ,70 ,23 ,21 ,20 ,18‬‬ ‫‪"P‬سميساط‪253 ,183 ,119 ,71 ,70...............‬‬
‫‪,134 ,133 ,130 ,124 ,123 ,122 ,84 ,83‬‬ ‫‪"P‬سنجار‪293 ,292 ,272 ,205 ,202 ,85.......‬‬
‫‪,195 ,190 ,174 ,172 ,167 ,159 ,157‬‬ ‫‪"P‬سوريا‪,147 ,119 ,99 ,97 ,96 ,17 ,11 ,5...‬‬
‫‪,247 ,246 ,235 ,226 ,212 ,205 ,203‬‬ ‫‪382 ,296 ,278 ,183 ,182 ,163‬‬
‫‪,306 ,303 ,301 ,293 ,289 ,274 ,254‬‬ ‫‪"P‬سيناء‪216 ,102......................................‬‬
‫‪,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬ ‫‪"P‬سيواس‪141............................................‬‬
‫‪385 ,371 ,336 ,325‬‬ ‫‪"P‬شبختان‪362............................................‬‬
‫‪"P‬فامية‪133 ,132.......................................‬‬ ‫‪"P‬شهرزور‪357..........................................‬‬
‫‪"P‬فرنسا‪225 ,150 ,104 ,25 ,16 ,14............‬‬ ‫‪"P‬شيزر‪,197 ,194 ,183 ,181 ,168 ,97‬‬
‫‪"P‬فلسطين‪,24 ,23 ,21 ,18 ,17 ,16 ,11 ,5‬‬ ‫‪,335 ,334 ,325 ,278 ,236 ,229 ,221‬‬
‫‪,43 ,41 ,40 ,39 ,38 ,37 ,36 ,34 ,30 ,29‬‬ ‫‪,346 ,345 ,344 ,343 ,342 ,341 ,340‬‬
‫‪,103 ,101 ,100 ,97 ,96 ,90 ,71 ,45 ,44‬‬ ‫‪379 ,352‬‬
‫‪,118 ,117 ,115 ,114 ,112 ,109 ,106‬‬ ‫‪"P‬صحراء‪216 ,182...................................‬‬
‫‪,145 ,131 ,130 ,127 ,124 ,120 ,119‬‬ ‫‪"P‬صفين‪375.............................................‬‬
‫‪,216 ,202 ,187 ,186 ,183 ,182 ,181‬‬

‫‪405‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬معرّة‪168...............................................‬‬ ‫‪,374 ,356 ,311 ,287 ,285 ,232 ,224‬‬


‫‪"P‬مكة‪232 ,89..........................................‬‬ ‫‪389 ,382‬‬
‫‪"P‬ملطية‪,144 ,134 ,133 ,73 ,62 ,61 ,22.....‬‬ ‫‪"P‬فيينا‪16..................................................‬‬
‫‪297 ,154‬‬ ‫‪"P‬قبرص‪173 ,81 ,13.................................‬‬
‫‪"P‬مليلة‪17 ,16...........................................‬‬ ‫‪"P‬قرطبة‪15...............................................‬‬
‫‪"P‬موبسواسطيه‪69.......................................‬‬ ‫‪"P‬قرماندو‪53.............................................‬‬
‫‪"P‬ميافارقين‪358 ,227 ,223 ,14...................‬‬ ‫‪"P‬قسطموني‪141.........................................‬‬
‫‪"P‬ميلنو‪140.............................................‬‬ ‫‪"P‬قشتالة‪121 ,14 ,12..................................‬‬
‫‪"P‬نابلس‪366 ,150 ,114 ,112......................‬‬ ‫‪"P‬قليقية‪,139 ,137 ,128 ,71 ,68 ,23 ,22......‬‬
‫‪"P‬نجران‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,334 ,333 ,182 ,171 ,169 ,152 ,150‬‬
‫‪"P‬نصيبين‪353 ,352 ,302 ,296 ,286 ,269....‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,343 ,342 ,335‬‬
‫‪"P‬نصيبيين‪384 ,303...................................‬‬ ‫‪"P‬قنسرين‪155............................................‬‬
‫‪"P‬نكسار‪151 ,141 ,134.............................‬‬ ‫‪"P‬قورس‪217.............................................‬‬
‫‪"P‬نهر‪330 ,195 ,132 ,78 ,74....................‬‬ ‫‪"P‬قونية‪121 ,66 ,65...................................‬‬
‫‪"P‬نورمانديا‪59............................................‬‬ ‫‪"P‬قويق‪155...............................................‬‬
‫‪"P‬نيثنيا‪22.................................................‬‬ ‫‪"P‬قيسارية‪228 ,150 ,138 ,120 ,118 ,101....‬‬
‫‪"P‬نيش‪55 ,48............................................‬‬ ‫‪"P‬قيصرية‪68 ,11.......................................‬‬
‫‪"P‬نيفرز‪142..............................................‬‬ ‫‪"P‬كريت‪13................................................‬‬
‫‪"P‬نيقية ‪,81 ,68 ,67 ,66 ,65 ,64 ,62 ,61 ,51‬‬ ‫‪"P‬كشمير‪389 ,5.........................................‬‬
‫‪140 ,126 ,121 ,96‬‬ ‫‪"P‬كليرمون‪104 ,40 ,38..............................‬‬
‫‪"P‬نيم‪42 ,41..............................................‬‬ ‫‪"P‬كنجة‪310...............................................‬‬
‫‪"P‬هاليس‪142.............................................‬‬ ‫‪"P‬كندا‪254................................................‬‬
‫‪"P‬هرقلة‪143 ,121 ,68................................‬‬ ‫‪"P‬كوسوفو‪5...............................................‬‬
‫‪"P‬هكار‪159...............................................‬‬ ‫‪"P‬كيسوم‪128.............................................‬‬
‫‪"P‬همذان‪,323 ,313 ,215 ,212 ,196 ,193....‬‬ ‫‪"P‬لبنان‪,101 ,99 ,97 ,96 ,73 ,17 ,11 ,5......‬‬
‫‪326‬‬ ‫‪,183 ,182 ,173 ,146 ,131 ,120 ,114‬‬
‫‪"P‬هولندا‪254.............................................‬‬ ‫‪311 ,219 ,216 ,200‬‬
‫‪"P‬وادي‪216 ,201......................................‬‬ ‫‪"P‬لبيا‪12...................................................‬‬
‫‪"P‬واسط‪301 ,253......................................‬‬ ‫‪"P‬لسيديا‪64................................................‬‬
‫‪"P‬ورمز‪50................................................‬‬ ‫‪"P‬لطمين‪168.............................................‬‬
‫‪"P‬يافا ‪,136 ,132 ,126 ,120 ,115 ,114 ,104‬‬ ‫‪"P‬لوبوي‪53 ,40.........................................‬‬
‫‪312 ,182 ,181 ,150 ,149‬‬ ‫‪"P‬لوثرتجيا‪52............................................‬‬
‫‪"P‬يوغوسلفيا‪16.........................................‬‬ ‫‪"P‬ليبيا‪17..................................................‬‬
‫‪َ"Q‬أ ْلهَاكُمُ‪112.............................................‬‬ ‫‪"P‬ليون‪297 ,14 ,12...................................‬‬
‫‪"Q‬إِنّ‪332.................................................‬‬ ‫‪"P‬ماردين‪,205 ,202 ,193 ,189 ,168 ,160...‬‬
‫‪"Q‬إِنْ‪258.................................................‬‬ ‫‪,229 ,227 ,223 ,220 ,218 ,215 ,212‬‬
‫‪ِ"Q‬إنّا‪386..................................................‬‬ ‫‪316 ,315 ,296 ,295 ,239 ,231‬‬
‫‪ِ"Q‬إّنمَا‪365................................................‬‬ ‫‪"P‬مراغة‪196 ,194 ,193.............................‬‬
‫‪"Q‬فَاقْصُصِ‪3.............................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيفان‪142..........................................‬‬
‫‪"Q‬فََلمْ‪368.................................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيليا‪88 ,45........................................‬‬
‫‪َ "Q‬ف ِم ْنهُمْ‪379..............................................‬‬ ‫‪"P‬مرعش‪133 ,73 ,68................................‬‬
‫‪"Q‬كُلّ‪210.................................................‬‬ ‫‪"P‬مسيا‪64.................................................‬‬
‫‪َ"Q‬ل َقدْ‪384 ,379.........................................‬‬ ‫‪"P‬مصر‪,23 ,21 ,18 ,17 ,13 ,11 ,10 ,9 ,5...‬‬
‫‪ِ"Q‬ل َيمِيزَ‪187..............................................‬‬ ‫‪,97 ,94 ,81 ,66 ,49 ,45 ,31 ,25 ,24‬‬
‫‪"Q‬مَنْ‪184.................................................‬‬ ‫‪,126 ,125 ,115 ,112 ,105 ,101 ,100‬‬
‫‪"Q‬هَلْ‪249................................................‬‬ ‫‪,208 ,187 ,179 ,162 ,158 ,156 ,146‬‬
‫‪َ "Q‬وَأمّا‪241...............................................‬‬ ‫‪380 ,239 ,230 ,226 ,216‬‬
‫صمُوا‪188.......................................‬‬ ‫عتَ ِ‬
‫‪"Q‬وَا ْ‬ ‫‪"P‬معرة‪,228 ,195 ,168 ,110 ,107 ,96 ,95..‬‬
‫‪"Q‬وَالُّ‪372...............................................‬‬ ‫‪340 ,324 ,261‬‬

‫‪406‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,238 ,237 ,236 ,229 ,228 ,227 ,225‬‬ ‫‪َ "Q‬وتِ ْلكَ‪371 ,319......................................‬‬
‫‪,315 ,311 ,302 ,299 ,298 ,296 ,285‬‬ ‫‪َ "Q‬ورَ ْهبَا ِنيّةً‪28...........................................‬‬
‫‪,340 ,337 ,333 ,332 ,331 ,330 ,324‬‬ ‫عسَى‪309............................................‬‬ ‫‪"Q‬وَ َ‬
‫‪,363 ,359 ,358 ,356 ,346 ,345 ,344‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ‪383 ,381 ,172 ,87 ,66 ,17..............‬‬
‫‪379‬‬ ‫‪َ "Q‬وَلكُمْ‪244...............................................‬‬
‫‪"S‬قلعة ‪,271 ,263 ,243 ,229 ,179 ,178 ,87.‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَنْ‪17..................................................‬‬
‫‪,349 ,331 ,329 ,316 ,309 ,285 ,272‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ ْولَ‪381 ,17........................................‬‬
‫‪387 ,377 ,375 ,360 ,359 ,358‬‬ ‫‪َ "Q‬و ْليَخْشَ‪248 ,241...................................‬‬
‫البليخ‪165..................................................‬‬ ‫صرَنّ‪383 ,258................................‬‬ ‫‪َ "Q‬وَليَنْ ُ‬
‫تبوك‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَا‪176 ,89 ,10....................................‬‬
‫مؤتة‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَنْ‪258...............................................‬‬
‫‪"S‬حصن ‪,165 ,164 ,160 ,148 ,139 ,90 ,83‬‬
‫‪,223 ,216 ,189 ,181 ,175 ,174 ,168‬‬

‫‪407‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهرس الحاديث‬

‫‪408‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,207 ,200 ,199 ,196 ,195 ,194 ,190‬‬ ‫‪"A‬بركياروق ‪,123 ,122 ,85 ,84 ,79 ,76 ,21.‬‬
‫‪220‬‬ ‫‪,163 ,162 ,160 ,159 ,154 ,130 ,124‬‬
‫‪"A‬تتش‪,125 ,124 ,123 ,100 ,76 ,21 ,20....‬‬ ‫‪,249 ,247 ,246 ,176 ,175 ,174 ,172‬‬
‫‪,247 ,246 ,245 ,242 ,184 ,174 ,162‬‬ ‫‪317 ,251‬‬
‫‪292 ,288 ,287 ,283 ,277 ,275 ,250‬‬ ‫‪"A‬برنارد‪230 ,228 ,221 ,151....................‬‬
‫‪"A‬ثوروس‪70 ,22.......................................‬‬ ‫‪"A‬بزواش‪329............................................‬‬
‫‪"A‬ثيودسيوس‪44.........................................‬‬ ‫‪"A‬بطرس‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,41 ,40...‬‬
‫‪"A‬ثيوفيل‪13...............................................‬‬ ‫‪140 ,92 ,88 ,79 ,73 ,64‬‬
‫‪"A‬جالدمار‪135...........................................‬‬ ‫‪"A‬بطغتكين‪206..........................................‬‬
‫‪"A‬جاولي‪,239 ,184 ,178 ,177 ,176 ,163. . .‬‬ ‫‪"A‬بلدوين‪,84 ,72 ,71 ,70 ,69 ,68 ,54 ,52.. .‬‬
‫‪,282 ,281 ,276 ,268 ,255 ,252 ,251‬‬ ‫‪,132 ,131 ,120 ,119 ,108 ,96 ,93 ,92‬‬
‫‪284‬‬ ‫‪,145 ,140 ,139 ,138 ,137 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬جبريل‪134 ,133 ,22..............................‬‬ ‫‪,164 ,154 ,153 ,151 ,150 ,149 ,146‬‬
‫‪"A‬جرموند‪220...........................................‬‬ ‫‪,177 ,173 ,172 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪"A‬جريجوري‪35 ,30 ,27.............................‬‬ ‫‪,189 ,183 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬
‫‪"A‬جستنيان‪57............................................‬‬ ‫‪,201 ,200 ,199 ,198 ,196 ,195 ,190‬‬
‫‪"A‬جعفر‪23................................................‬‬ ‫‪,219 ,217 ,216 ,215 ,204 ,203 ,202‬‬
‫‪"A‬جكرمش ‪,167 ,166 ,165 ,164 ,163 ,151.‬‬ ‫‪,227 ,225 ,224 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬
‫‪,251 ,187 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,237 ,236 ,234 ,231 ,230 ,229 ,228‬‬
‫‪385 ,264 ,259‬‬ ‫‪,302 ,299 ,298 ,297 ,279 ,239 ,238‬‬
‫‪"A‬جمال‪355 ,354 ,269..............................‬‬ ‫‪361 ,312 ,311‬‬
‫‪"A‬جوتشوك‪49...........................................‬‬ ‫‪"A‬بلك‪,231 ,230 ,228 ,227 ,226 ,160‬‬
‫‪"A‬جودفري‪,59 ,58 ,57 ,56 ,55 ,54 ,53 ,52.‬‬ ‫‪379 ,377 ,295 ,234‬‬
‫‪,110 ,108 ,99 ,98 ,97 ,77 ,69 ,68 ,67‬‬ ‫‪"A‬بهاء‪282 ,276 ,259 ,239.......................‬‬
‫‪,118 ,116 ,115 ,114 ,113 ,112 ,111‬‬ ‫‪"A‬بهرام‪354 ,185......................................‬‬
‫‪137 ,136 ,135 ,132 ,121 ,120 ,119‬‬ ‫‪"A‬بوتوميتس‪63..........................................‬‬
‫‪"A‬جورج‪7................................................‬‬ ‫‪"A‬بوري‪,300 ,290 ,289 ,288 ,286 ,186....‬‬
‫‪"A‬جوسلين ‪,183 ,178 ,177 ,168 ,165 ,164.‬‬ ‫‪326 ,311‬‬
‫‪,219 ,201 ,199 ,198 ,196 ,194 ,189‬‬ ‫‪"A‬بوزان‪247 ,123.....................................‬‬
‫‪,236 ,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,222‬‬ ‫‪"A‬بوميتس‪62.............................................‬‬
‫‪,311 ,302 ,300 ,279 ,276 ,238 ,237‬‬ ‫‪"A‬بونز‪,222 ,221 ,217 ,203 ,202 ,200......‬‬
‫‪,362 ,361 ,351 ,343 ,337 ,334 ,331‬‬ ‫‪,329 ,311 ,279 ,238 ,237 ,236 ,230‬‬
‫‪,373 ,370 ,369 ,367 ,366 ,365 ,364‬‬ ‫‪330‬‬
‫‪375‬‬ ‫‪"A‬بوهيموند ‪,67 ,65 ,59 ,58 ,57 ,54 ,53 ,33‬‬
‫‪"A‬جيلسيوس‪220.......................................‬‬ ‫‪,85 ,84 ,83 ,81 ,80 ,79 ,77 ,75 ,69 ,68‬‬
‫‪"A‬جيمي‪28...............................................‬‬ ‫‪,108 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,88 ,86‬‬
‫‪"A‬جيوبرت‪140..........................................‬‬ ‫‪,133 ,132 ,131 ,121 ,120 ,119 ,114‬‬
‫‪"A‬جيوش‪253 ,223 ,222 ,213 ,212............‬‬ ‫‪,151 ,142 ,141 ,139 ,138 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬حسام‪,296 ,295 ,233 ,231 ,229 ,227.....‬‬ ‫‪,168 ,166 ,165 ,164 ,154 ,153 ,152‬‬
‫‪,358 ,353 ,352 ,328 ,325 ,316 ,315‬‬ ‫‪,199 ,177 ,174 ,172 ,171 ,170 ,169‬‬
‫‪375 ,374 ,371 ,359‬‬ ‫‪,279 ,239 ,238 ,222 ,221 ,220 ,200‬‬
‫‪"A‬حسان‪377 ,300.....................................‬‬ ‫‪299 ,297‬‬
‫‪"A‬حسين ‪,133 ,132 ,97 ,89 ,87 ,85 ,79 ,78‬‬ ‫‪"A‬تاتيكيوس‪81 ,78 ,67...............................‬‬
‫‪259 ,208 ,163 ,148 ,147‬‬ ‫‪"A‬تاج‪374................................................‬‬
‫‪"A‬حمزة‪198..............................................‬‬ ‫‪"A‬تانكرد‪,92 ,80 ,69 ,68 ,67 ,65 ,58 ,54....‬‬
‫‪"A‬حنا‪94 ,91 ,14......................................‬‬ ‫‪,137 ,136 ,135 ,114 ,112 ,108 ,93‬‬
‫‪"A‬خاتون‪286............................................‬‬ ‫‪,164 ,151 ,150 ,147 ,140 ,139 ,138‬‬
‫‪"A‬خالد‪232 ,11.........................................‬‬ ‫‪,177 ,174 ,171 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪,189 ,184 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬

‫‪409‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬سلجوق‪18.............................................‬‬ ‫‪"A‬داود‪,306 ,305 ,304 ,303 ,296 ,105......‬‬


‫‪"A‬سلجوقشاه‪,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,321 ,318 ,317 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬
‫‪325 ,321 ,318 ,313 ,309‬‬ ‫‪,348 ,336 ,327 ,326 ,325 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬سلطان‪,229 ,221 ,215 ,197 ,194 ,181...‬‬ ‫‪359 ,358 ,353‬‬
‫‪340 ,278 ,236‬‬ ‫‪"A‬دايمبرت ‪,135 ,132 ,131 ,130 ,121 ,120.‬‬
‫‪"A‬سليم‪16.................................................‬‬ ‫‪150 ,140 ,137 ,136‬‬
‫‪"A‬سليمان ‪,227 ,76 ,75 ,61 ,22 ,21 ,20 ,16.‬‬ ‫‪"A‬دبيس‪,294 ,293 ,268 ,253 ,231 ,223.....‬‬
‫‪285 ,276 ,242‬‬ ‫‪326 ,308 ,302 ,301 ,300‬‬
‫‪"A‬سنجر‪,302 ,301 ,300 ,293 ,218 ,172....‬‬ ‫‪"A‬دقاق ‪,90 ,89 ,87 ,85 ,83 ,79 ,78 ,77 ,21‬‬
‫‪,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,148 ,147 ,136 ,129 ,125 ,124 ,100‬‬
‫‪325 ,321 ,314 ,313‬‬ ‫‪,242 ,207 ,184 ,174 ,173 ,162 ,149‬‬
‫‪"A‬سنقرجة‪151...........................................‬‬ ‫‪307 ,288 ,287 ,277‬‬
‫‪"A‬سوار‪,335 ,334 ,324 ,314 ,313 ,270.....‬‬ ‫‪"A‬ذو‪3.....................................................‬‬
‫‪344 ,340 ,339 ,337 ,336‬‬ ‫‪"A‬رسل‪57 ,55..........................................‬‬
‫‪"A‬سوتكين‪353...........................................‬‬ ‫‪"A‬رضوان ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21.‬‬
‫‪"A‬سونج‪321 ,300 ,289.............................‬‬ ‫‪,141 ,134 ,133 ,129 ,126 ,125 ,124‬‬
‫‪"A‬سيف‪364 ,321 ,259 ,132......................‬‬ ‫‪,174 ,170 ,169 ,168 ,162 ,149 ,148‬‬
‫‪"A‬شرحبيل‪11............................................‬‬ ‫‪,194 ,191 ,190 ,185 ,184 ,181 ,178‬‬
‫‪"A‬شرف‪240 ,239 ,149.............................‬‬ ‫‪,213 ,210 ,208 ,207 ,206 ,196 ,195‬‬
‫‪"A‬شمس‪323 ,322 ,321 ,311 ,227 ,168.....‬‬ ‫‪,286 ,275 ,242 ,235 ,231 ,218 ,214‬‬
‫‪"A‬شهاب‪,353 ,347 ,346 ,330 ,328 ,322....‬‬ ‫‪298‬‬
‫‪354‬‬ ‫‪"A‬ركن‪,352 ,342 ,338 ,316 ,315 ,296......‬‬
‫‪"A‬صلح ‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,7.‬‬ ‫‪362 ,358 ,353‬‬
‫‪,287 ,285 ,282 ,276 ,259 ,239 ,232‬‬ ‫‪"A‬روبرت‪,98 ,97 ,78 ,75 ,67 ,59 ,53 ,33..‬‬
‫‪389 ,366 ,355 ,349 ,346 ,309‬‬ ‫‪114 ,108‬‬
‫‪"A‬صمام‪325 ,290 ,289 ,288.....................‬‬ ‫‪"A‬روجر‪,217 ,216 ,213 ,203 ,202 ,200....‬‬
‫‪"A‬صمصام‪277..........................................‬‬ ‫‪228 ,221 ,220‬‬
‫‪"A‬طارق‪232 ,161 ,12...............................‬‬ ‫‪"A‬رومانوس‪344 ,37 ,19............................‬‬
‫‪"A‬طالوت‪3................................................‬‬ ‫‪"A‬ريتشارد‪177..........................................‬‬
‫‪"A‬طشت‪271.............................................‬‬ ‫‪"A‬ريمون‪,89 ,78 ,67 ,65 ,59 ,58 ,53 ,41...‬‬
‫‪"A‬طغتكين‪,191 ,189 ,186 ,185 ,174 ,149..‬‬ ‫‪,108 ,99 ,98 ,97 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92‬‬
‫‪,205 ,202 ,201 ,200 ,197 ,196 ,195‬‬ ‫‪,120 ,119 ,115 ,114 ,113 ,110 ,109‬‬
‫‪,215 ,214 ,213 ,212 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,134 ,131 ,129 ,121‬‬
‫‪,233 ,230 ,224 ,223 ,222 ,220 ,216‬‬ ‫‪,173 ,149 ,148 ,147 ,146 ,142 ,140‬‬
‫‪,300 ,288 ,287 ,286 ,277 ,237 ,234‬‬ ‫‪,332 ,331 ,330 ,329 ,180 ,179 ,175‬‬
‫‪325 ,322 ,307‬‬ ‫‪334‬‬
‫‪"A‬طغرل‪,304 ,303 ,218 ,157 ,19 ,18‬‬ ‫‪"A‬ريموند‪,336 ,335 ,334 ,331 ,324 ,276...‬‬
‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,357 ,343 ,337‬‬
‫‪321 ,320 ,319 ,318 ,317 ,314‬‬ ‫‪"A‬رينو‪312...............................................‬‬
‫‪"A‬عائشة‪250 ,24.......................................‬‬ ‫‪"A‬زاخارس‪22...........................................‬‬
‫‪"A‬عبد‪250 ,241 ,187 ,159 ,100................‬‬ ‫‪"A‬زمرد‪354 ,346.....................................‬‬
‫‪"A‬عديّ‪159..............................................‬‬ ‫‪"A‬زنكي‪176.............................................‬‬
‫‪"A‬عز‪,292 ,276 ,262 ,239 ,237 ,236‬‬ ‫‪"A‬زين‪374 ,270.......................................‬‬
‫‪377 ,375‬‬ ‫‪"A‬ستيفن‪93 ,85 ,84 ,78 ,67 ,59 ,53...........‬‬
‫‪"A‬عقبة‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬سعد‪232 ,146.......................................‬‬
‫‪"A‬علي‪250...............................................‬‬ ‫‪"A‬سقمان‪,166 ,165 ,164 ,160 ,139 ,21 ,7..‬‬
‫‪"A‬عماد ‪,210 ,205 ,203 ,187 ,161 ,157 ,8.‬‬ ‫‪,193 ,189 ,186 ,177 ,175 ,172 ,168‬‬
‫‪,248 ,247 ,242 ,241 ,240 ,234 ,213‬‬ ‫‪379 ,295 ,231 ,215 ,196‬‬
‫‪,255 ,254 ,253 ,252 ,251 ,250 ,249‬‬ ‫‪"A‬سكمان‪100............................................‬‬

‫‪410‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬قميرك‪205 ,202....................................‬‬ ‫‪,263 ,262 ,261 ,260 ,259 ,257 ,256‬‬


‫‪"A‬كربوغا‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,78. .‬‬ ‫‪,270 ,269 ,268 ,267 ,266 ,265 ,264‬‬
‫‪,163 ,159 ,156 ,151 ,122 ,98 ,97 ,91‬‬ ‫‪,277 ,276 ,275 ,274 ,273 ,272 ,271‬‬
‫‪385 ,259 ,251 ,250 ,187‬‬ ‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,280 ,279 ,278‬‬
‫‪"A‬كعب‪291..............................................‬‬ ‫‪,291 ,290 ,289 ,288 ,287 ,286 ,285‬‬
‫‪"A‬كمال‪348 ,347 ,338 ,270......................‬‬ ‫‪,298 ,297 ,296 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬
‫‪"A‬كمشتكين‪148 ,144.................................‬‬ ‫‪,305 ,304 ,303 ,302 ,301 ,300 ,299‬‬
‫‪"A‬كندغدي‪254..........................................‬‬ ‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,307 ,306‬‬
‫‪"A‬كوغ‪217 ,190 ,128...............................‬‬ ‫‪,321 ,320 ,319 ,318 ,316 ,315 ,314‬‬
‫‪"A‬كولومان‪54 ,51 ,50 ,48..........................‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,324 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬كونستانس‪331 ,324 ,297........................‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪"A‬لروجر‪214............................................‬‬ ‫‪,342 ,341 ,340 ,339 ,338 ,337 ,336‬‬
‫‪"A‬لوقا‪38..................................................‬‬ ‫‪,350 ,349 ,348 ,347 ,346 ,345 ,344‬‬
‫‪"A‬لويس‪299.............................................‬‬ ‫‪,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352 ,351‬‬
‫‪"A‬ليون‪334 ,333 ,297...............................‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,358‬‬
‫‪"A‬مارتن‪29...............................................‬‬ ‫‪,371 ,370 ,369 ,368 ,367 ,366 ,365‬‬
‫‪"A‬مانويل‪370 ,361....................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,377 ,376 ,375 ,374 ,373‬‬
‫‪"A‬مباركشاه‪214.........................................‬‬ ‫‪389 ,387 ,386 ,385 ,384 ,383 ,382‬‬
‫‪"A‬متّى‪202...............................................‬‬ ‫‪"A‬عمر‪382 ,265 ,241 ,161 ,122 ,24 ,11...‬‬
‫‪"A‬مجاهد‪349.............................................‬‬ ‫‪"A‬عمرو‪12...............................................‬‬
‫‪"A‬مجير‪355..............................................‬‬ ‫‪"A‬عموري‪361..........................................‬‬
‫‪"A‬محمد‪,175 ,174 ,172 ,163 ,161 ,124.....‬‬ ‫‪"A‬عيسى‪284.............................................‬‬
‫‪,211 ,193 ,192 ,188 ,179 ,177 ,176‬‬ ‫‪"A‬غازي‪,141 ,138 ,134 ,133 ,67 ,66 ,61..‬‬
‫‪,274 ,252 ,251 ,232 ,218 ,213 ,212‬‬ ‫‪170 ,156 ,154 ,153 ,152 ,151‬‬
‫‪355 ,339 ,327 ,317 ,291‬‬ ‫‪"A‬غيورغي‪43...........................................‬‬
‫‪"A‬محمود‪,236 ,234 ,226 ,223 ,222 ,218...‬‬ ‫‪"A‬فاطمة‪23...............................................‬‬
‫‪,274 ,255 ,254 ,253 ,240 ,239 ,238‬‬ ‫‪"A‬فخر‪99 ,97...........................................‬‬
‫‪,301 ,294 ,293 ,284 ,283 ,282 ,276‬‬ ‫‪"A‬فردريك‪144...........................................‬‬
‫‪,320 ,317 ,310 ,305 ,304 ,303 ,302‬‬ ‫‪"A‬فرعون‪216 ,134 ,3...............................‬‬
‫‪373 ,338‬‬ ‫‪"A‬فروخ‪255.............................................‬‬
‫‪"A‬مسعود‪,226 ,223 ,222 ,218 ,193 ,192...‬‬ ‫‪"A‬فولك‪,324 ,312 ,311 ,302 ,300 ,299.....‬‬
‫‪,305 ,304 ,303 ,268 ,257 ,239 ,230‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪,317 ,314 ,313 ,310 ,309 ,308 ,306‬‬ ‫‪362 ,361 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪,326 ,325 ,323 ,322 ,321 ,319 ,318‬‬ ‫‪"A‬فولكمار‪50 ,49.......................................‬‬
‫‪,347 ,344 ,339 ,338 ,336 ,328 ,327‬‬ ‫‪"A‬فيلريتوس‪75.........................................‬‬
‫‪,371 ,364 ,363 ,357 ,353 ,350 ,348‬‬ ‫‪"A‬فيليب‪366 ,53 ,38..................................‬‬
‫‪383 ,373‬‬ ‫‪"A‬قاروت‪21..............................................‬‬
‫‪"A‬مسلم‪258 ,242 ,161..............................‬‬ ‫‪"A‬قارون‪3.................................................‬‬
‫‪"A‬معاوية‪73 ,12........................................‬‬ ‫‪"A‬قتلغ‪285 ,276........................................‬‬
‫‪"A‬معين‪356 ,355 ,354 ,329 ,328 ,322......‬‬ ‫‪"A‬قتلمش‪21...............................................‬‬
‫‪"A‬ملكشاه‪,158 ,124 ,123 ,76 ,22 ,21 ,19...‬‬ ‫‪"A‬قرا‪371 ,365 ,362 ,358........................‬‬
‫‪,245 ,242 ,214 ,172 ,162 ,160 ,159‬‬ ‫‪"A‬قريش‪328 ,323 ,289.............................‬‬
‫‪,379 ,320 ,319 ,252 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"A‬قطب‪259..............................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪"A‬قطز‪241 ,232 ,161...............................‬‬
‫‪"A‬منقذ‪334...............................................‬‬ ‫‪"A‬قفجاق‪358 ,357.....................................‬‬
‫‪"A‬مودود‪,191 ,190 ,189 ,188 ,187 ,177 ,7‬‬ ‫‪"A‬قلج ‪,66 ,65 ,64 ,63 ,62 ,61 ,51 ,21 ,20.‬‬
‫‪,198 ,197 ,196 ,195 ,194 ,193 ,192‬‬ ‫‪,141 ,134 ,130 ,127 ,126 ,121 ,68 ,67‬‬
‫‪,205 ,204 ,203 ,202 ,201 ,200 ,199‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,152 ,148 ,145 ,144‬‬
‫‪,212 ,211 ,210 ,209 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪242 ,176‬‬

‫‪411‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪َ "H‬كمَا‪212 ,129........................................‬‬ ‫‪,220 ,218 ,217 ,216 ,215 ,214 ,213‬‬
‫‪"H‬لَ‪6......................................................‬‬ ‫‪,253 ,252 ,238 ,235 ,234 ,225 ,221‬‬
‫‪َ"H‬لوْ‪112..................................................‬‬ ‫‪387 ,385 ,383 ,382 ,379 ,259 ,257‬‬
‫‪"H‬هَوّنْ‪265...............................................‬‬ ‫‪"A‬موسى‪164 ,151 ,23 ,12.........................‬‬
‫‪"H‬وَاّلذِي‪89...............................................‬‬ ‫‪"A‬ميلزاند‪370 ,366 ,361 ,312 ,300............‬‬
‫‪"H‬وَالِّ‪232...............................................‬‬ ‫‪"A‬نابليون‪134............................................‬‬
‫‪َ "H‬وكَانَ‪10................................................‬‬ ‫‪"A‬ناصر‪264.............................................‬‬
‫‪"H‬يَا‪233..................................................‬‬ ‫‪"A‬نجم‪355 ,349 ,309 ,263 ,161 ,8............‬‬
‫‪"H‬يد‪141..................................................‬‬ ‫‪"A‬نزار‪208 ,24.........................................‬‬
‫شكُ‪103.............................................‬‬ ‫‪"H‬يُو ِ‬ ‫‪"A‬نصرة‪259.............................................‬‬
‫‪"K‬أجنادين‪11.............................................‬‬ ‫‪"A‬نصير‪,373 ,348 ,282 ,269 ,263 ,259....‬‬
‫‪"K‬أورش‪227.............................................‬‬ ‫‪386 ,374‬‬
‫‪"K‬البليخ‪,173 ,172 ,171 ,170 ,167 ,165.....‬‬ ‫‪"A‬نظام‪,242 ,238 ,206 ,192 ,163 ,158......‬‬
‫‪189 ,186 ,175‬‬ ‫‪385 ,379‬‬
‫‪"K‬الرملة‪174 ,149 ,146.............................‬‬ ‫‪"A‬نقفور‪74................................................‬‬
‫‪"K‬الزلقة‪25 ,14........................................‬‬ ‫‪"A‬نور‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,8.....‬‬
‫‪"K‬الصنبرة‪252..........................................‬‬ ‫‪389 ,388 ,357 ,349 ,309 ,287 ,259‬‬
‫‪"K‬العقاب‪39 ,15........................................‬‬ ‫‪"A‬نورمان‪4...............................................‬‬
‫‪"K‬القادسية‪49.............................................‬‬ ‫‪"A‬نيروز‪85 ,84.........................................‬‬
‫‪"K‬بلط‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬هبة‪259................................................‬‬
‫‪"K‬بيسان‪11...............................................‬‬ ‫‪"A‬هتلر‪134 ,107.......................................‬‬
‫‪"K‬تبوك‪11................................................‬‬ ‫‪"A‬هرقل‪11 ,10..........................................‬‬
‫‪"K‬دانيث‪213.............................................‬‬ ‫‪"A‬هنري‪324 ,108 ,53 ,37 ,33 ,27.............‬‬
‫‪"K‬دوريليوم‪126.........................................‬‬ ‫‪"A‬هوجو‪224.............................................‬‬
‫‪"K‬مؤتة‪11.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيو‪368 ,367 ,312 ,78 ,54 ,53..............‬‬
‫‪"K‬مرج‪85.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيومن‪140............................................‬‬
‫‪"K‬مرسيفان‪171..........................................‬‬ ‫‪"A‬والتر‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,47 ,41‬‬
‫‪"K‬ملذكرد‪344 ,157 ,74 ,64 ,57 ,37 ,19....‬‬ ‫‪140 ,64‬‬
‫‪"K‬منبج‪228...............................................‬‬ ‫‪"A‬وثاب‪87................................................‬‬
‫‪"K‬نيقية‪126 ,90 ,65...................................‬‬ ‫‪"A‬ولف‪143...............................................‬‬
‫‪"K‬هرقلة‪171 ,143.....................................‬‬ ‫‪"A‬وليم ‪,180 ,179 ,175 ,143 ,142 ,106 ,33‬‬
‫‪"P‬آسيا ‪,23 ,22 ,21 ,20 ,19 ,18 ,15 ,13 ,10.‬‬ ‫‪324 ,228 ,182‬‬
‫‪,61 ,59 ,58 ,57 ,51 ,50 ,43 ,41 ,31 ,25‬‬ ‫‪"A‬ونمار‪78...............................................‬‬
‫‪,86 ,81 ,74 ,73 ,72 ,71 ,70 ,66 ,65 ,64‬‬ ‫‪"A‬ياغي‪,84 ,83 ,82 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75‬‬
‫‪,126 ,121 ,109 ,108 ,100 ,99 ,93 ,90‬‬ ‫‪123 ,85‬‬
‫‪,142 ,140 ,134 ,133 ,130 ,128 ,127‬‬ ‫‪"A‬يرنقش‪376............................................‬‬
‫‪,152 ,151 ,148 ,146 ,145 ,144 ,143‬‬ ‫‪"A‬يوحنا‪,334 ,333 ,332 ,324 ,222 ,220.....‬‬
‫‪,220 ,187 ,176 ,159 ,156 ,154 ,153‬‬ ‫‪,362 ,361 ,344 ,343 ,342 ,337 ,336‬‬
‫‪380 ,338 ,337 ,335 ,310 ,242‬‬ ‫‪367‬‬
‫‪"P‬آمد‪365 ,358 ,315 ,296.........................‬‬ ‫‪"A‬يوسف‪161 ,25 ,15................................‬‬
‫‪"P‬أبونيا‪22.................................................‬‬ ‫‪156, 158..............................................H‬‬
‫‪"P‬أذربيجان‪306 ,193 ,172..........................‬‬ ‫‪َ"H‬أخْوَفُ‪306............................................‬‬
‫‪"P‬أذنة ‪,344 ,343 ,333 ,169 ,152 ,139 ,71.‬‬ ‫‪"H‬إذا‪258.................................................‬‬
‫‪345‬‬ ‫‪ِ"H‬إذَا‪258.................................................‬‬
‫‪"P‬أرتاح‪221 ,169......................................‬‬ ‫‪"H‬إن‪193.................................................‬‬
‫‪"P‬أرجوان‪12.............................................‬‬ ‫‪"H‬إِنّ‪386 ,193 ,184 ,88...........................‬‬
‫‪"P‬أرسوف‪,118 ,115 ,114 ,113 ,104 ,101...‬‬ ‫‪"H‬إني‪233................................................‬‬
‫‪150 ,138 ,120‬‬ ‫‪"H‬الْحَ ْربُ‪291............................................‬‬
‫‪"P‬أرمينيا‪22 ,14.........................................‬‬ ‫‪"H‬فَوَالِّ‪20................................................‬‬

‫‪412‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬إشبيلية‪15...............................................‬‬ ‫‪"P‬أرمينية‪306 ,172 ,18..............................‬‬


‫‪"P‬إفريقيا‪,25 ,24 ,23 ,16 ,14 ,13 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أزمير‪22................................................‬‬
‫‪380 ,100 ,31‬‬ ‫‪"P‬أسعرد‪359.............................................‬‬
‫‪"P‬إقليم‪,223 ,203 ,119 ,25 ,18 ,13 ,10‬‬ ‫‪"P‬أصبهان‪172...........................................‬‬
‫‪,295 ,281 ,278 ,268 ,262 ,239 ,229‬‬ ‫‪"P‬أصفهان‪305 ,274 ,254...........................‬‬
‫‪,328 ,325 ,322 ,316 ,315 ,314 ,297‬‬ ‫‪"P‬أفغانستان‪389 ,380 ,25 ,18 ,17 ,5...........‬‬
‫‪,362 ,359 ,358 ,353 ,352 ,351 ,338‬‬ ‫‪"P‬أفلونا‪57.................................................‬‬
‫‪382 ,371 ,365‬‬ ‫‪"P‬أكوتيين‪143............................................‬‬
‫‪"P‬إنجلترا‪,171 ,103 ,42 ,33 ,16 ,12 ,10.....‬‬ ‫‪"P‬ألبانيا‪57 ,16...........................................‬‬
‫‪324 ,254 ,225‬‬ ‫‪"P‬ألمانيا‪,48 ,47 ,37 ,33 ,31 ,27 ,12 ,10.....‬‬
‫‪"P‬إندونيسيا‪380..........................................‬‬ ‫‪171 ,143 ,140 ,108 ,103‬‬
‫‪"P‬إيران‪,193 ,172 ,160 ,21 ,18 ,16 ,5‬‬ ‫‪"P‬أماسية‪142 ,141.....................................‬‬
‫‪306 ,274‬‬ ‫‪"P‬أمريكا‪17 ,7 ,4.......................................‬‬
‫‪"P‬إيطاليا‪,37 ,35 ,33 ,32 ,31 ,29 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أنجرز‪42...............................................‬‬
‫‪,140 ,103 ,91 ,80 ,67 ,59 ,57 ,53 ,42‬‬ ‫‪"P‬أنطاكية‪,69 ,58 ,57 ,54 ,33 ,22 ,14 ,13...‬‬
‫‪222 ,221 ,200 ,174 ,170 ,150 ,141‬‬ ‫‪,80 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75 ,74 ,73 ,72 ,71‬‬
‫‪"P‬الدرياثيك‪171........................................‬‬ ‫‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,83 ,82 ,81‬‬
‫‪"P‬الردن‪203.............................................‬‬ ‫‪,105 ,102 ,98 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91‬‬
‫‪"P‬السكندرونة‪84........................................‬‬ ‫‪,120 ,119 ,114 ,110 ,109 ,108 ,107‬‬
‫‪"P‬القحوانة‪203..........................................‬‬ ‫‪,130 ,129 ,127 ,126 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪"P‬الناضول‪67 ,65 ,20 ,10.........................‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,135 ,134 ,133 ,131‬‬
‫‪"P‬الندلس‪25..............................................‬‬ ‫‪,154 ,153 ,151 ,150 ,147 ,144 ,143‬‬
‫‪"P‬السكندرية‪115........................................‬‬ ‫‪,167 ,166 ,164 ,163 ,159 ,156 ,155‬‬
‫‪"P‬البارة‪168..............................................‬‬ ‫‪,179 ,178 ,177 ,171 ,170 ,169 ,168‬‬
‫‪"P‬البرتغال‪12.............................................‬‬ ‫‪,200 ,199 ,194 ,190 ,182 ,181 ,180‬‬
‫‪"P‬البروفنسال‪58 ,53....................................‬‬ ‫‪,221 ,220 ,217 ,213 ,207 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬البسفور‪140 ,59 ,50...............................‬‬ ‫‪,230 ,229 ,228 ,227 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬البصرة‪254 ,253....................................‬‬ ‫‪,264 ,251 ,239 ,238 ,237 ,236 ,231‬‬
‫‪"P‬البلط‪344 ,337 ,331 ,223 ,222 ,221......‬‬ ‫‪,294 ,286 ,279 ,278 ,277 ,276 ,275‬‬
‫‪"P‬البلقان‪59 ,57 ,54 ,33.............................‬‬ ‫‪,311 ,303 ,302 ,299 ,298 ,297 ,295‬‬
‫‪"P‬البندقية‪230 ,181 ,115 ,45 ,33.................‬‬ ‫‪,331 ,330 ,328 ,324 ,323 ,314 ,312‬‬
‫‪"P‬البوازيج‪283 ,281 ,272...........................‬‬ ‫‪,339 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333 ,332‬‬
‫‪"P‬البوسنة‪17 ,5..........................................‬‬ ‫‪,361 ,357 ,352 ,351 ,346 ,342 ,341‬‬
‫‪"P‬البيرة ‪386 ,374 ,373 ,227 ,217 ,183 ,70‬‬ ‫‪386 ,374 ,370 ,366 ,362‬‬
‫‪"P‬الجبيل‪182 ,21.......................................‬‬ ‫‪"P‬أنقرة‪142 ,141.......................................‬‬
‫‪"P‬الجزيرة‪306 ,18 ,10...............................‬‬ ‫‪"P‬أوربا‪,27 ,26 ,19 ,16 ,15 ,12 ,10 ,7 ,4....‬‬
‫‪"P‬الجليل‪,199 ,168 ,158 ,137 ,136 ,73......‬‬ ‫‪,39 ,37 ,36 ,35 ,34 ,33 ,32 ,31 ,30 ,28‬‬
‫‪366 ,360 ,241 ,201‬‬ ‫‪,50 ,49 ,47 ,46 ,45 ,44 ,43 ,42 ,41 ,40‬‬
‫‪"P‬الحبشة‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,96 ,91 ,75 ,72 ,71 ,64 ,55 ,53 ,52 ,51‬‬
‫‪"P‬الحجاز‪216 ,23 ,5..................................‬‬ ‫‪,111 ,109 ,108 ,107 ,106 ,104 ,103‬‬
‫‪"P‬الحديثة‪359............................................‬‬ ‫‪,151 ,150 ,140 ,121 ,120 ,117 ,112‬‬
‫‪"P‬الخابور‪176............................................‬‬ ‫‪,370 ,335 ,297 ,279 ,224 ,220 ,170‬‬
‫‪"P‬الدنمارك‪42............................................‬‬ ‫‪381‬‬
‫‪"P‬الرحبة‪87...............................................‬‬ ‫‪"P‬أيلة‪216 ,11...........................................‬‬
‫‪"P‬الرقة‪375 ,322.......................................‬‬ ‫‪"P‬أيوينا‪64.................................................‬‬
‫‪"P‬الرملة‪,149 ,146 ,120 ,114 ,104 ,101.....‬‬ ‫‪"P‬إربل‪328 ,304 ,193...............................‬‬
‫‪186 ,182 ,174‬‬ ‫‪"P‬إسبانيا‪254 ,171 ,42 ,25 ,14 ,10.............‬‬
‫‪"P‬الرها‪,84 ,79 ,75 ,72 ,71 ,70 ,69 ,57 ,22‬‬ ‫‪"P‬إسكتلندا‪42.............................................‬‬
‫‪,123 ,121 ,120 ,119 ,108 ,96 ,92 ,85‬‬ ‫‪"P‬إسكندينافيا‪32..........................................‬‬

‫‪413‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬العقبة‪216 ,65........................................‬‬ ‫‪,136 ,134 ,131 ,130 ,129 ,128 ,127‬‬


‫‪"P‬الفرما‪219 ,216......................................‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,151 ,144 ,139 ,138‬‬
‫‪"P‬القاهرة‪389 ,385 ,201 ,130 ,101 ,15......‬‬ ‫‪,169 ,168 ,167 ,166 ,164 ,163 ,159‬‬
‫‪"P‬القدس‪,105 ,104 ,99 ,97 ,96 ,92 ,44‬‬ ‫‪,190 ,189 ,183 ,179 ,178 ,177 ,170‬‬
‫‪,131 ,120 ,113 ,112 ,111 ,107 ,106‬‬ ‫‪,199 ,198 ,196 ,195 ,194 ,193 ,191‬‬
‫‪,174 ,150 ,146 ,145 ,136 ,135 ,132‬‬ ‫‪,219 ,217 ,215 ,212 ,203 ,201 ,200‬‬
‫‪224 ,219 ,205 ,204 ,202 ,186 ,182‬‬ ‫‪,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,223 ,222‬‬
‫‪"P‬القسطنطينية‪,48 ,47 ,46 ,44 ,41 ,16 ,12...‬‬ ‫‪,264 ,257 ,253 ,247 ,238 ,237 ,236‬‬
‫‪,69 ,68 ,62 ,59 ,58 ,57 ,56 ,51 ,50 ,49‬‬ ‫‪,294 ,285 ,283 ,279 ,278 ,276 ,275‬‬
‫‪,139 ,127 ,94 ,92 ,86 ,81 ,80 ,73 ,71‬‬ ‫‪,314 ,311 ,302 ,300 ,299 ,298 ,295‬‬
‫‪,216 ,147 ,145 ,144 ,143 ,142 ,140‬‬ ‫‪,351 ,350 ,346 ,341 ,337 ,331 ,324‬‬
‫‪342‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,352‬‬
‫‪"P‬اللذقية ‪,139 ,131 ,122 ,121 ,97 ,78 ,74.‬‬ ‫‪,372 ,371 ,370 ,369 ,368 ,366 ,365‬‬
‫‪,179 ,171 ,170 ,169 ,152 ,151 ,147‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,384 ,377 ,375 ,373‬‬
‫‪328 ,324 ,311 ,300 ,298 ,243‬‬ ‫‪"P‬الري‪247 ,123.......................................‬‬
‫‪"P‬اللد‪182 ,120 ,114.................................‬‬ ‫‪"P‬السودان‪380 ,125 ,5...............................‬‬
‫‪"P‬اللورين‪108 ,67 ,52................................‬‬ ‫‪"P‬السيوان‪328............................................‬‬
‫‪"P‬المجدل‪355............................................‬‬ ‫‪"P‬الشام‪,18 ,14 ,13 ,12 ,11 ,10 ,9 ,8 ,6 ,5. .‬‬
‫‪"P‬المجر‪107 ,55 ,54 ,51 ,50 ,44 ,16..........‬‬ ‫‪,41 ,36 ,31 ,30 ,25 ,24 ,23 ,21 ,20 ,19‬‬
‫‪"P‬المرقب‪169............................................‬‬ ‫‪,72 ,70 ,66 ,65 ,64 ,57 ,49 ,46 ,43 ,42‬‬
‫‪"P‬المصيصة‪333 ,169 ,152 ,139 ,71..........‬‬ ‫‪,119 ,114 ,100 ,87 ,81 ,77 ,76 ,74 ,73‬‬
‫‪"P‬المغرب‪,100 ,31 ,25 ,23 ,17 ,16 ,14 ,9. .‬‬ ‫‪,127 ,126 ,125 ,124 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪380‬‬ ‫‪,145 ,144 ,142 ,140 ,131 ,130 ,128‬‬
‫‪"P‬الموصل‪,122 ,90 ,87 ,84 ,78 ,72 ,14......‬‬ ‫‪,164 ,163 ,162 ,159 ,158 ,157 ,156‬‬
‫‪,167 ,165 ,164 ,163 ,159 ,156 ,151‬‬ ‫‪,185 ,184 ,181 ,180 ,179 ,173 ,168‬‬
‫‪,187 ,177 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,208 ,206 ,200 ,197 ,194 ,192 ,187‬‬
‫‪,198 ,197 ,195 ,193 ,191 ,189 ,188‬‬ ‫‪,237 ,235 ,230 ,229 ,226 ,225 ,216‬‬
‫‪,213 ,212 ,211 ,207 ,206 ,205 ,201‬‬ ‫‪,255 ,254 ,247 ,246 ,245 ,242 ,239‬‬
‫‪,234 ,233 ,226 ,224 ,223 ,222 ,217‬‬ ‫‪,285 ,281 ,277 ,276 ,275 ,274 ,257‬‬
‫‪,242 ,240 ,239 ,238 ,237 ,236 ,235‬‬ ‫‪,308 ,306 ,305 ,294 ,288 ,287 ,286‬‬
‫‪,259 ,256 ,255 ,253 ,252 ,251 ,250‬‬ ‫‪,342 ,338 ,336 ,330 ,322 ,320 ,311‬‬
‫‪,275 ,274 ,272 ,271 ,269 ,264 ,262‬‬ ‫‪,374 ,371 ,356 ,352 ,348 ,347 ,344‬‬
‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,279 ,278 ,276‬‬ ‫‪389 ,382 ,380 ,379‬‬
‫‪,295 ,294 ,293 ,292 ,288 ,287 ,285‬‬ ‫‪"P‬الشيشان‪389 ,5.......................................‬‬
‫‪,313 ,309 ,308 ,305 ,303 ,301 ,300‬‬ ‫‪"P‬الصرب‪17.............................................‬‬
‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,322 ,320 ,315‬‬ ‫‪"P‬الصنبرة‪210 ,207 ,206 ,205 ,204 ,203...‬‬
‫‪,359 ,357 ,356 ,354 ,351 ,349 ,348‬‬ ‫‪"P‬الصومال‪5..............................................‬‬
‫‪,384 ,375 ,374 ,373 ,371 ,365 ,364‬‬ ‫‪"P‬الصين‪254 ,242 ,158 ,123 ,20 ,17.........‬‬
‫‪386 ,385‬‬ ‫‪"P‬العراق‪,25 ,23 ,21 ,18 ,17 ,14 ,12 ,7 ,5..‬‬
‫‪"P‬النرويج‪181............................................‬‬ ‫‪,124 ,123 ,122 ,119 ,76 ,73 ,66 ,57‬‬
‫‪"P‬النمسا‪44 ,16..........................................‬‬ ‫‪,164 ,163 ,161 ,160 ,159 ,157 ,156‬‬
‫‪"P‬الهند‪380 ,158 ,25 ,18 ,17.....................‬‬ ‫‪,195 ,187 ,174 ,172 ,169 ,168 ,167‬‬
‫‪"P‬اليرموك‪203 ,11.....................................‬‬ ‫‪,254 ,235 ,232 ,229 ,223 ,212 ,202‬‬
‫‪"P‬اليمن‪380 ,25 ,10 ,9...............................‬‬ ‫‪,301 ,293 ,278 ,275 ,274 ,261 ,255‬‬
‫‪"P‬اليونان‪16...............................................‬‬ ‫‪,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,303‬‬
‫‪"P‬بافاريا‪143.............................................‬‬ ‫‪,322 ,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,312‬‬
‫‪"P‬باكستان‪306 ,21 ,5.................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,371 ,366 ,336 ,326 ,323‬‬
‫‪"P‬بالس‪375...............................................‬‬ ‫‪389 ,385‬‬
‫‪"P‬العريش‪239 ,220 ,219 ,216...................‬‬

‫‪414‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬تولوز‪146 ,119 ,92 ,58 ,53 ,42 ,41........‬‬ ‫‪"P‬بانياس‪,336 ,186 ,185 ,183 ,182 ,180....‬‬
‫‪"P‬تونس‪25 ,12..........................................‬‬ ‫‪374 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪"P‬جبال‪334 ,297 ,68 ,11...........................‬‬ ‫‪"P‬بخارى‪9................................................‬‬
‫‪"P‬جبل‪328 ,202........................................‬‬ ‫‪"P‬براغ‪50.................................................‬‬
‫‪"P‬جبلة‪180 ,97..........................................‬‬ ‫‪"P‬برقة‪12.................................................‬‬
‫‪"P‬جبيل‪182 ,179 ,173...............................‬‬ ‫‪"P‬بروفانس‪41............................................‬‬
‫‪"P‬جرجان‪303............................................‬‬ ‫‪"P‬بعلبك‪384 ,355 ,354 ,336 ,311 ,264......‬‬
‫‪"P‬جزيرة‪360 ,283 ,281 ,262.....................‬‬ ‫‪"P‬بغداد‪,172 ,164 ,160 ,157 ,122 ,19 ,12..‬‬
‫‪"P‬جنوة‪138 ,115 ,45 ,42 ,31.....................‬‬ ‫‪,235 ,223 ,193 ,192 ,191 ,181 ,179‬‬
‫‪"P‬حران‪,189 ,171 ,167 ,165 ,164 ,163.....‬‬ ‫‪,294 ,293 ,281 ,274 ,268 ,254 ,253‬‬
‫‪,295 ,293 ,292 ,231 ,228 ,223 ,190‬‬ ‫‪,309 ,308 ,306 ,305 ,303 ,301 ,296‬‬
‫‪384 ,353 ,322 ,303‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,323 ,320 ,313‬‬
‫‪"P‬حلب ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21 ,14‬‬ ‫‪,364 ,363 ,349 ,348 ,347 ,344 ,338‬‬
‫‪,148 ,141 ,133 ,126 ,125 ,124 ,123‬‬ ‫‪385‬‬
‫‪,169 ,168 ,164 ,163 ,162 ,155 ,151‬‬ ‫‪"P‬بلجراد‪55...............................................‬‬
‫‪,185 ,184 ,183 ,182 ,181 ,178 ,174‬‬ ‫‪"P‬بلغاريا‪44 ,16.........................................‬‬
‫‪,206 ,195 ,194 ,192 ,191 ,190 ,186‬‬ ‫‪"P‬بلوا‪59 ,53.............................................‬‬
‫‪,218 ,217 ,215 ,214 ,212 ,210 ,207‬‬ ‫‪"P‬بواتيية‪42...............................................‬‬
‫‪,228 ,227 ,225 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬ ‫‪"P‬بواسي‪47...............................................‬‬
‫‪,236 ,235 ,234 ,233 ,231 ,230 ,229‬‬ ‫‪"P‬بوردو‪42...............................................‬‬
‫‪,245 ,244 ,243 ,242 ,240 ,239 ,237‬‬ ‫‪"P‬بورسعيد‪216..........................................‬‬
‫‪,259 ,257 ,255 ,250 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"P‬بوي‪140................................................‬‬
‫‪,276 ,275 ,274 ,272 ,270 ,268 ,264‬‬ ‫‪"P‬بيت‪,69 ,62 ,57 ,45 ,44 ,41 ,14 ,11 ,5...‬‬
‫‪,288 ,287 ,286 ,285 ,284 ,283 ,279‬‬ ‫‪,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,90 ,82 ,81 ,72‬‬
‫‪,300 ,299 ,298 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬ ‫‪,107 ,106 ,104 ,102 ,101 ,100 ,99 ,98‬‬
‫‪,325 ,323 ,316 ,314 ,313 ,303 ,301‬‬ ‫‪,114 ,113 ,112 ,111 ,110 ,109 ,108‬‬
‫‪,339 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333‬‬ ‫‪,124 ,122 ,121 ,120 ,119 ,116 ,115‬‬
‫‪,351 ,348 ,347 ,346 ,344 ,343 ,340‬‬ ‫‪,136 ,135 ,132 ,131 ,130 ,129 ,126‬‬
‫‪386 ,384 ,366 ,365 ,360 ,356 ,354‬‬ ‫‪,150 ,149 ,146 ,145 ,139 ,138 ,137‬‬
‫‪"P‬حماة‪,192 ,185 ,183 ,181 ,151 ,83 ,11. .‬‬ ‫‪,182 ,180 ,174 ,173 ,170 ,168 ,160‬‬
‫‪,292 ,290 ,289 ,288 ,277 ,243 ,202‬‬ ‫‪,202 ,201 ,200 ,199 ,196 ,190 ,189‬‬
‫‪,330 ,325 ,323 ,322 ,313 ,303 ,293‬‬ ‫‪,221 ,220 ,219 ,216 ,215 ,204 ,203‬‬
‫‪384 ,355 ,340 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪,229 ,228 ,227 ,226 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬حمص‪,97 ,87 ,85 ,79 ,78 ,73 ,14 ,11....‬‬ ‫‪,286 ,279 ,278 ,277 ,239 ,238 ,237‬‬
‫‪,174 ,173 ,151 ,149 ,148 ,147 ,132‬‬ ‫‪,331 ,330 ,329 ,312 ,311 ,299 ,297‬‬
‫‪,288 ,277 ,237 ,208 ,192 ,185 ,183‬‬ ‫‪,361 ,356 ,355 ,352 ,351 ,345 ,343‬‬
‫‪,330 ,329 ,328 ,325 ,323 ,290 ,289‬‬ ‫‪366 ,362‬‬
‫‪,347 ,346 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪"P‬بيرا‪57 ,56............................................‬‬
‫‪386 ,385 ,384 ,382 ,357 ,355‬‬ ‫‪"P‬بيروت‪,182 ,180 ,146 ,124 ,114 ,101....‬‬
‫‪"P‬حوران‪357............................................‬‬ ‫‪352 ,311 ,264 ,189 ,185‬‬
‫‪"P‬حيزان‪359.............................................‬‬ ‫‪"P‬بيزا‪,132 ,131 ,130 ,120 ,115 ,45 ,31. . .‬‬
‫‪"P‬حيفا‪185 ,182 ,136 ,135 ,126................‬‬ ‫‪140‬‬
‫‪"P‬خراسان‪313 ,310 ,303 ,293 ,172 ,18.....‬‬ ‫‪"P‬بيسان‪114..............................................‬‬
‫‪"P‬خرتبرت‪228 ,227 ,226..........................‬‬ ‫‪"P‬تبريز‪193 ,189......................................‬‬
‫‪"P‬خلط‪193 ,189......................................‬‬ ‫‪"P‬تركيا‪,193 ,183 ,164 ,160 ,119 ,11 ,5....‬‬
‫‪"P‬خوزستان‪303.........................................‬‬ ‫‪306 ,296 ,278‬‬
‫‪"P‬دارا‪315 ,302 ,296................................‬‬ ‫‪"P‬تل ‪,196 ,194 ,190 ,189 ,183 ,177 ,164.‬‬
‫‪"P‬دفول‪171...............................................‬‬ ‫‪373 ,369 ,366 ,324 ,314 ,219 ,198‬‬
‫‪"P‬دقوقا‪328...............................................‬‬ ‫‪"P‬تورز‪42................................................‬‬

‫‪415‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬صقلية‪,171 ,154 ,153 ,150 ,32 ,25 ,8....‬‬ ‫‪"P‬دمشق‪,85 ,79 ,78 ,77 ,73 ,21 ,14 ,11‬‬
‫‪312 ,220 ,216 ,200‬‬ ‫‪,147 ,136 ,125 ,124 ,123 ,100 ,89 ,87‬‬
‫‪"P‬صور ‪,181 ,168 ,150 ,124 ,101 ,94 ,21.‬‬ ‫‪,186 ,185 ,184 ,183 ,174 ,173 ,149‬‬
‫‪,230 ,224 ,219 ,216 ,214 ,200 ,182‬‬ ‫‪,200 ,197 ,196 ,195 ,192 ,189 ,187‬‬
‫‪300 ,231‬‬ ‫‪,208 ,207 ,206 ,205 ,204 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬صوران‪168...........................................‬‬ ‫‪,230 ,222 ,220 ,215 ,214 ,213 ,212‬‬
‫‪"P‬صوفيا‪49...............................................‬‬ ‫‪,268 ,245 ,242 ,237 ,235 ,234 ,233‬‬
‫‪"P‬صيدا‪228 ,185 ,180 ,101......................‬‬ ‫‪,289 ,288 ,287 ,286 ,277 ,276 ,270‬‬
‫‪"P‬طبرية‪,205 ,203 ,202 ,201 ,199 ,114....‬‬ ‫‪,321 ,313 ,311 ,307 ,300 ,296 ,290‬‬
‫‪357 ,352‬‬ ‫‪,346 ,336 ,334 ,329 ,328 ,325 ,322‬‬
‫‪"P‬طرابلس‪,120 ,109 ,101 ,99 ,98 ,97 ,21..‬‬ ‫‪,360 ,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352‬‬
‫‪,148 ,147 ,146 ,141 ,138 ,136 ,132‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,382 ,375 ,374‬‬
‫‪,183 ,182 ,180 ,179 ,175 ,173 ,149‬‬ ‫‪"P‬دمياط‪115..............................................‬‬
‫‪,221 ,217 ,202 ,200 ,196 ,189 ,186‬‬ ‫‪"P‬دورازو‪171...........................................‬‬
‫‪,277 ,264 ,238 ,237 ,236 ,230 ,222‬‬ ‫‪"P‬دوريليوم‪140 ,68 ,67..............................‬‬
‫‪,328 ,314 ,311 ,288 ,286 ,279 ,278‬‬ ‫‪"P‬ديار‪,212 ,202 ,172 ,160 ,83 ,72 ,14.....‬‬
‫‪352 ,351 ,346 ,345 ,330 ,329‬‬ ‫‪359 ,329 ,328 ,316 ,315 ,227 ,223‬‬
‫‪"P‬طرسوس‪,122 ,108 ,93 ,73 ,71 ,69 ,68...‬‬ ‫‪"P‬دير‪97...................................................‬‬
‫‪333 ,169 ,152 ,139‬‬ ‫‪"P‬رعبان‪217 ,128.....................................‬‬
‫‪"P‬طرطوس‪182 ,173 ,149 ,148 ,147.........‬‬ ‫‪"P‬رفينة‪168..............................................‬‬
‫‪"P‬طليطلة‪15 ,14........................................‬‬ ‫‪"P‬روسيا‪134 ,18 ,16.................................‬‬
‫‪"P‬طنزة‪359...............................................‬‬ ‫‪"P‬روما‪,130 ,120 ,107 ,35 ,33 ,30 ,27......‬‬
‫‪"P‬عانة‪359...............................................‬‬ ‫‪370 ,224 ,220 ,131‬‬
‫‪"P‬عرقة‪182 ,120 ,99 ,98 ,97....................‬‬ ‫‪"P‬زبطرة‪13...............................................‬‬
‫‪"P‬عزاز‪236 ,223......................................‬‬ ‫‪"P‬ساحة‪221..............................................‬‬
‫‪"P‬عسقلن‪,120 ,118 ,114 ,113 ,112 ,105...‬‬ ‫‪"P‬سبتة‪17 ,16...........................................‬‬
‫‪,182 ,181 ,150 ,149 ,146 ,126 ,124‬‬ ‫‪"P‬سبير‪49.................................................‬‬
‫‪230 ,224 ,219 ,216 ,204 ,203‬‬ ‫‪"P‬سرمين‪168............................................‬‬
‫‪"P‬عكا‪,124 ,120 ,118 ,115 ,114 ,101 ,21..‬‬ ‫‪"P‬سروج‪,191 ,190 ,183 ,139 ,119 ,70......‬‬
‫‪,204 ,186 ,185 ,182 ,173 ,150 ,135‬‬ ‫‪386 ,369 ,253 ,198‬‬
‫‪352 ,300 ,264‬‬ ‫‪"P‬سََل ْميَة‪340 ,338 ,202..............................‬‬
‫‪"P‬عمورية‪13.............................................‬‬ ‫‪"P‬سليمبريا‪55.............................................‬‬
‫‪"P‬عينتاب‪324............................................‬‬ ‫‪"P‬سمرقند‪9................................................‬‬
‫‪"P‬غرناطة‪16 ,15.......................................‬‬ ‫‪"P‬سملين‪107 ,48.......................................‬‬
‫‪"P‬فارس‪,79 ,76 ,72 ,70 ,23 ,21 ,20 ,18‬‬ ‫‪"P‬سميساط‪253 ,183 ,119 ,71 ,70...............‬‬
‫‪,134 ,133 ,130 ,124 ,123 ,122 ,84 ,83‬‬ ‫‪"P‬سنجار‪293 ,292 ,272 ,205 ,202 ,85.......‬‬
‫‪,195 ,190 ,174 ,172 ,167 ,159 ,157‬‬ ‫‪"P‬سوريا‪,147 ,119 ,99 ,97 ,96 ,17 ,11 ,5...‬‬
‫‪,247 ,246 ,235 ,226 ,212 ,205 ,203‬‬ ‫‪382 ,296 ,278 ,183 ,182 ,163‬‬
‫‪,306 ,303 ,301 ,293 ,289 ,274 ,254‬‬ ‫‪"P‬سيناء‪216 ,102......................................‬‬
‫‪,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬ ‫‪"P‬سيواس‪141............................................‬‬
‫‪385 ,371 ,336 ,325‬‬ ‫‪"P‬شبختان‪362............................................‬‬
‫‪"P‬فامية‪133 ,132.......................................‬‬ ‫‪"P‬شهرزور‪357..........................................‬‬
‫‪"P‬فرنسا‪225 ,150 ,104 ,25 ,16 ,14............‬‬ ‫‪"P‬شيزر‪,197 ,194 ,183 ,181 ,168 ,97‬‬
‫‪"P‬فلسطين‪,24 ,23 ,21 ,18 ,17 ,16 ,11 ,5‬‬ ‫‪,335 ,334 ,325 ,278 ,236 ,229 ,221‬‬
‫‪,43 ,41 ,40 ,39 ,38 ,37 ,36 ,34 ,30 ,29‬‬ ‫‪,346 ,345 ,344 ,343 ,342 ,341 ,340‬‬
‫‪,103 ,101 ,100 ,97 ,96 ,90 ,71 ,45 ,44‬‬ ‫‪379 ,352‬‬
‫‪,118 ,117 ,115 ,114 ,112 ,109 ,106‬‬ ‫‪"P‬صحراء‪216 ,182...................................‬‬
‫‪,145 ,131 ,130 ,127 ,124 ,120 ,119‬‬ ‫‪"P‬صفين‪375.............................................‬‬
‫‪,216 ,202 ,187 ,186 ,183 ,182 ,181‬‬

‫‪416‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬معرّة‪168...............................................‬‬ ‫‪,374 ,356 ,311 ,287 ,285 ,232 ,224‬‬


‫‪"P‬مكة‪232 ,89..........................................‬‬ ‫‪389 ,382‬‬
‫‪"P‬ملطية‪,144 ,134 ,133 ,73 ,62 ,61 ,22.....‬‬ ‫‪"P‬فيينا‪16..................................................‬‬
‫‪297 ,154‬‬ ‫‪"P‬قبرص‪173 ,81 ,13.................................‬‬
‫‪"P‬مليلة‪17 ,16...........................................‬‬ ‫‪"P‬قرطبة‪15...............................................‬‬
‫‪"P‬موبسواسطيه‪69.......................................‬‬ ‫‪"P‬قرماندو‪53.............................................‬‬
‫‪"P‬ميافارقين‪358 ,227 ,223 ,14...................‬‬ ‫‪"P‬قسطموني‪141.........................................‬‬
‫‪"P‬ميلنو‪140.............................................‬‬ ‫‪"P‬قشتالة‪121 ,14 ,12..................................‬‬
‫‪"P‬نابلس‪366 ,150 ,114 ,112......................‬‬ ‫‪"P‬قليقية‪,139 ,137 ,128 ,71 ,68 ,23 ,22......‬‬
‫‪"P‬نجران‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,334 ,333 ,182 ,171 ,169 ,152 ,150‬‬
‫‪"P‬نصيبين‪353 ,352 ,302 ,296 ,286 ,269....‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,343 ,342 ,335‬‬
‫‪"P‬نصيبيين‪384 ,303...................................‬‬ ‫‪"P‬قنسرين‪155............................................‬‬
‫‪"P‬نكسار‪151 ,141 ,134.............................‬‬ ‫‪"P‬قورس‪217.............................................‬‬
‫‪"P‬نهر‪330 ,195 ,132 ,78 ,74....................‬‬ ‫‪"P‬قونية‪121 ,66 ,65...................................‬‬
‫‪"P‬نورمانديا‪59............................................‬‬ ‫‪"P‬قويق‪155...............................................‬‬
‫‪"P‬نيثنيا‪22.................................................‬‬ ‫‪"P‬قيسارية‪228 ,150 ,138 ,120 ,118 ,101....‬‬
‫‪"P‬نيش‪55 ,48............................................‬‬ ‫‪"P‬قيصرية‪68 ,11.......................................‬‬
‫‪"P‬نيفرز‪142..............................................‬‬ ‫‪"P‬كريت‪13................................................‬‬
‫‪"P‬نيقية ‪,81 ,68 ,67 ,66 ,65 ,64 ,62 ,61 ,51‬‬ ‫‪"P‬كشمير‪389 ,5.........................................‬‬
‫‪140 ,126 ,121 ,96‬‬ ‫‪"P‬كليرمون‪104 ,40 ,38..............................‬‬
‫‪"P‬نيم‪42 ,41..............................................‬‬ ‫‪"P‬كنجة‪310...............................................‬‬
‫‪"P‬هاليس‪142.............................................‬‬ ‫‪"P‬كندا‪254................................................‬‬
‫‪"P‬هرقلة‪143 ,121 ,68................................‬‬ ‫‪"P‬كوسوفو‪5...............................................‬‬
‫‪"P‬هكار‪159...............................................‬‬ ‫‪"P‬كيسوم‪128.............................................‬‬
‫‪"P‬همذان‪,323 ,313 ,215 ,212 ,196 ,193....‬‬ ‫‪"P‬لبنان‪,101 ,99 ,97 ,96 ,73 ,17 ,11 ,5......‬‬
‫‪326‬‬ ‫‪,183 ,182 ,173 ,146 ,131 ,120 ,114‬‬
‫‪"P‬هولندا‪254.............................................‬‬ ‫‪311 ,219 ,216 ,200‬‬
‫‪"P‬وادي‪216 ,201......................................‬‬ ‫‪"P‬لبيا‪12...................................................‬‬
‫‪"P‬واسط‪301 ,253......................................‬‬ ‫‪"P‬لسيديا‪64................................................‬‬
‫‪"P‬ورمز‪50................................................‬‬ ‫‪"P‬لطمين‪168.............................................‬‬
‫‪"P‬يافا ‪,136 ,132 ,126 ,120 ,115 ,114 ,104‬‬ ‫‪"P‬لوبوي‪53 ,40.........................................‬‬
‫‪312 ,182 ,181 ,150 ,149‬‬ ‫‪"P‬لوثرتجيا‪52............................................‬‬
‫‪"P‬يوغوسلفيا‪16.........................................‬‬ ‫‪"P‬ليبيا‪17..................................................‬‬
‫‪َ"Q‬أ ْلهَاكُمُ‪112.............................................‬‬ ‫‪"P‬ليون‪297 ,14 ,12...................................‬‬
‫‪"Q‬إِنّ‪332.................................................‬‬ ‫‪"P‬ماردين‪,205 ,202 ,193 ,189 ,168 ,160...‬‬
‫‪"Q‬إِنْ‪258.................................................‬‬ ‫‪,229 ,227 ,223 ,220 ,218 ,215 ,212‬‬
‫‪ِ"Q‬إنّا‪386..................................................‬‬ ‫‪316 ,315 ,296 ,295 ,239 ,231‬‬
‫‪ِ"Q‬إّنمَا‪365................................................‬‬ ‫‪"P‬مراغة‪196 ,194 ,193.............................‬‬
‫‪"Q‬فَاقْصُصِ‪3.............................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيفان‪142..........................................‬‬
‫‪"Q‬فََلمْ‪368.................................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيليا‪88 ,45........................................‬‬
‫‪َ "Q‬ف ِم ْنهُمْ‪379..............................................‬‬ ‫‪"P‬مرعش‪133 ,73 ,68................................‬‬
‫‪"Q‬كُلّ‪210.................................................‬‬ ‫‪"P‬مسيا‪64.................................................‬‬
‫‪َ"Q‬ل َقدْ‪384 ,379.........................................‬‬ ‫‪"P‬مصر‪,23 ,21 ,18 ,17 ,13 ,11 ,10 ,9 ,5...‬‬
‫‪ِ"Q‬ل َيمِيزَ‪187..............................................‬‬ ‫‪,97 ,94 ,81 ,66 ,49 ,45 ,31 ,25 ,24‬‬
‫‪"Q‬مَنْ‪184.................................................‬‬ ‫‪,126 ,125 ,115 ,112 ,105 ,101 ,100‬‬
‫‪"Q‬هَلْ‪249................................................‬‬ ‫‪,208 ,187 ,179 ,162 ,158 ,156 ,146‬‬
‫‪َ "Q‬وَأمّا‪241...............................................‬‬ ‫‪380 ,239 ,230 ,226 ,216‬‬
‫صمُوا‪188.......................................‬‬ ‫عتَ ِ‬
‫‪"Q‬وَا ْ‬ ‫‪"P‬معرة‪,228 ,195 ,168 ,110 ,107 ,96 ,95..‬‬
‫‪"Q‬وَالُّ‪372...............................................‬‬ ‫‪340 ,324 ,261‬‬

‫‪417‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,238 ,237 ,236 ,229 ,228 ,227 ,225‬‬ ‫‪َ "Q‬وتِ ْلكَ‪371 ,319......................................‬‬
‫‪,315 ,311 ,302 ,299 ,298 ,296 ,285‬‬ ‫‪َ "Q‬ورَ ْهبَا ِنيّةً‪28...........................................‬‬
‫‪,340 ,337 ,333 ,332 ,331 ,330 ,324‬‬ ‫عسَى‪309............................................‬‬ ‫‪"Q‬وَ َ‬
‫‪,363 ,359 ,358 ,356 ,346 ,345 ,344‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ‪383 ,381 ,172 ,87 ,66 ,17..............‬‬
‫‪379‬‬ ‫‪َ "Q‬وَلكُمْ‪244...............................................‬‬
‫‪"S‬قلعة ‪,271 ,263 ,243 ,229 ,179 ,178 ,87.‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَنْ‪17..................................................‬‬
‫‪,349 ,331 ,329 ,316 ,309 ,285 ,272‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ ْولَ‪381 ,17........................................‬‬
‫‪387 ,377 ,375 ,360 ,359 ,358‬‬ ‫‪َ "Q‬و ْليَخْشَ‪248 ,241...................................‬‬
‫البليخ‪165..................................................‬‬ ‫صرَنّ‪383 ,258................................‬‬ ‫‪َ "Q‬وَليَنْ ُ‬
‫تبوك‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَا‪176 ,89 ,10....................................‬‬
‫مؤتة‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَنْ‪258...............................................‬‬
‫‪"S‬حصن ‪,165 ,164 ,160 ,148 ,139 ,90 ,83‬‬
‫‪,223 ,216 ,189 ,181 ,175 ,174 ,168‬‬

‫‪418‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهرس العلم‬

‫‪419‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,207 ,200 ,199 ,196 ,195 ,194 ,190‬‬ ‫‪"A‬بركياروق ‪,123 ,122 ,85 ,84 ,79 ,76 ,21.‬‬
‫‪220‬‬ ‫‪,163 ,162 ,160 ,159 ,154 ,130 ,124‬‬
‫‪"A‬تتش‪,125 ,124 ,123 ,100 ,76 ,21 ,20....‬‬ ‫‪,249 ,247 ,246 ,176 ,175 ,174 ,172‬‬
‫‪,247 ,246 ,245 ,242 ,184 ,174 ,162‬‬ ‫‪317 ,251‬‬
‫‪292 ,288 ,287 ,283 ,277 ,275 ,250‬‬ ‫‪"A‬برنارد‪230 ,228 ,221 ,151....................‬‬
‫‪"A‬ثوروس‪70 ,22.......................................‬‬ ‫‪"A‬بزواش‪329............................................‬‬
‫‪"A‬ثيودسيوس‪44.........................................‬‬ ‫‪"A‬بطرس‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,41 ,40...‬‬
‫‪"A‬ثيوفيل‪13...............................................‬‬ ‫‪140 ,92 ,88 ,79 ,73 ,64‬‬
‫‪"A‬جالدمار‪135...........................................‬‬ ‫‪"A‬بطغتكين‪206..........................................‬‬
‫‪"A‬جاولي‪,239 ,184 ,178 ,177 ,176 ,163. . .‬‬ ‫‪"A‬بلدوين‪,84 ,72 ,71 ,70 ,69 ,68 ,54 ,52.. .‬‬
‫‪,282 ,281 ,276 ,268 ,255 ,252 ,251‬‬ ‫‪,132 ,131 ,120 ,119 ,108 ,96 ,93 ,92‬‬
‫‪284‬‬ ‫‪,145 ,140 ,139 ,138 ,137 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬جبريل‪134 ,133 ,22..............................‬‬ ‫‪,164 ,154 ,153 ,151 ,150 ,149 ,146‬‬
‫‪"A‬جرموند‪220...........................................‬‬ ‫‪,177 ,173 ,172 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪"A‬جريجوري‪35 ,30 ,27.............................‬‬ ‫‪,189 ,183 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬
‫‪"A‬جستنيان‪57............................................‬‬ ‫‪,201 ,200 ,199 ,198 ,196 ,195 ,190‬‬
‫‪"A‬جعفر‪23................................................‬‬ ‫‪,219 ,217 ,216 ,215 ,204 ,203 ,202‬‬
‫‪"A‬جكرمش ‪,167 ,166 ,165 ,164 ,163 ,151.‬‬ ‫‪,227 ,225 ,224 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬
‫‪,251 ,187 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,237 ,236 ,234 ,231 ,230 ,229 ,228‬‬
‫‪385 ,264 ,259‬‬ ‫‪,302 ,299 ,298 ,297 ,279 ,239 ,238‬‬
‫‪"A‬جمال‪355 ,354 ,269..............................‬‬ ‫‪361 ,312 ,311‬‬
‫‪"A‬جوتشوك‪49...........................................‬‬ ‫‪"A‬بلك‪,231 ,230 ,228 ,227 ,226 ,160‬‬
‫‪"A‬جودفري‪,59 ,58 ,57 ,56 ,55 ,54 ,53 ,52.‬‬ ‫‪379 ,377 ,295 ,234‬‬
‫‪,110 ,108 ,99 ,98 ,97 ,77 ,69 ,68 ,67‬‬ ‫‪"A‬بهاء‪282 ,276 ,259 ,239.......................‬‬
‫‪,118 ,116 ,115 ,114 ,113 ,112 ,111‬‬ ‫‪"A‬بهرام‪354 ,185......................................‬‬
‫‪137 ,136 ,135 ,132 ,121 ,120 ,119‬‬ ‫‪"A‬بوتوميتس‪63..........................................‬‬
‫‪"A‬جورج‪7................................................‬‬ ‫‪"A‬بوري‪,300 ,290 ,289 ,288 ,286 ,186....‬‬
‫‪"A‬جوسلين ‪,183 ,178 ,177 ,168 ,165 ,164.‬‬ ‫‪326 ,311‬‬
‫‪,219 ,201 ,199 ,198 ,196 ,194 ,189‬‬ ‫‪"A‬بوزان‪247 ,123.....................................‬‬
‫‪,236 ,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,222‬‬ ‫‪"A‬بوميتس‪62.............................................‬‬
‫‪,311 ,302 ,300 ,279 ,276 ,238 ,237‬‬ ‫‪"A‬بونز‪,222 ,221 ,217 ,203 ,202 ,200......‬‬
‫‪,362 ,361 ,351 ,343 ,337 ,334 ,331‬‬ ‫‪,329 ,311 ,279 ,238 ,237 ,236 ,230‬‬
‫‪,373 ,370 ,369 ,367 ,366 ,365 ,364‬‬ ‫‪330‬‬
‫‪375‬‬ ‫‪"A‬بوهيموند ‪,67 ,65 ,59 ,58 ,57 ,54 ,53 ,33‬‬
‫‪"A‬جيلسيوس‪220.......................................‬‬ ‫‪,85 ,84 ,83 ,81 ,80 ,79 ,77 ,75 ,69 ,68‬‬
‫‪"A‬جيمي‪28...............................................‬‬ ‫‪,108 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,88 ,86‬‬
‫‪"A‬جيوبرت‪140..........................................‬‬ ‫‪,133 ,132 ,131 ,121 ,120 ,119 ,114‬‬
‫‪"A‬جيوش‪253 ,223 ,222 ,213 ,212............‬‬ ‫‪,151 ,142 ,141 ,139 ,138 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬حسام‪,296 ,295 ,233 ,231 ,229 ,227.....‬‬ ‫‪,168 ,166 ,165 ,164 ,154 ,153 ,152‬‬
‫‪,358 ,353 ,352 ,328 ,325 ,316 ,315‬‬ ‫‪,199 ,177 ,174 ,172 ,171 ,170 ,169‬‬
‫‪375 ,374 ,371 ,359‬‬ ‫‪,279 ,239 ,238 ,222 ,221 ,220 ,200‬‬
‫‪"A‬حسان‪377 ,300.....................................‬‬ ‫‪299 ,297‬‬
‫‪"A‬حسين ‪,133 ,132 ,97 ,89 ,87 ,85 ,79 ,78‬‬ ‫‪"A‬تاتيكيوس‪81 ,78 ,67...............................‬‬
‫‪259 ,208 ,163 ,148 ,147‬‬ ‫‪"A‬تاج‪374................................................‬‬
‫‪"A‬حمزة‪198..............................................‬‬ ‫‪"A‬تانكرد‪,92 ,80 ,69 ,68 ,67 ,65 ,58 ,54....‬‬
‫‪"A‬حنا‪94 ,91 ,14......................................‬‬ ‫‪,137 ,136 ,135 ,114 ,112 ,108 ,93‬‬
‫‪"A‬خاتون‪286............................................‬‬ ‫‪,164 ,151 ,150 ,147 ,140 ,139 ,138‬‬
‫‪"A‬خالد‪232 ,11.........................................‬‬ ‫‪,177 ,174 ,171 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪,189 ,184 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬

‫‪420‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬سلجوق‪18.............................................‬‬ ‫‪"A‬داود‪,306 ,305 ,304 ,303 ,296 ,105......‬‬


‫‪"A‬سلجوقشاه‪,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,321 ,318 ,317 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬
‫‪325 ,321 ,318 ,313 ,309‬‬ ‫‪,348 ,336 ,327 ,326 ,325 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬سلطان‪,229 ,221 ,215 ,197 ,194 ,181...‬‬ ‫‪359 ,358 ,353‬‬
‫‪340 ,278 ,236‬‬ ‫‪"A‬دايمبرت ‪,135 ,132 ,131 ,130 ,121 ,120.‬‬
‫‪"A‬سليم‪16.................................................‬‬ ‫‪150 ,140 ,137 ,136‬‬
‫‪"A‬سليمان ‪,227 ,76 ,75 ,61 ,22 ,21 ,20 ,16.‬‬ ‫‪"A‬دبيس‪,294 ,293 ,268 ,253 ,231 ,223.....‬‬
‫‪285 ,276 ,242‬‬ ‫‪326 ,308 ,302 ,301 ,300‬‬
‫‪"A‬سنجر‪,302 ,301 ,300 ,293 ,218 ,172....‬‬ ‫‪"A‬دقاق ‪,90 ,89 ,87 ,85 ,83 ,79 ,78 ,77 ,21‬‬
‫‪,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,148 ,147 ,136 ,129 ,125 ,124 ,100‬‬
‫‪325 ,321 ,314 ,313‬‬ ‫‪,242 ,207 ,184 ,174 ,173 ,162 ,149‬‬
‫‪"A‬سنقرجة‪151...........................................‬‬ ‫‪307 ,288 ,287 ,277‬‬
‫‪"A‬سوار‪,335 ,334 ,324 ,314 ,313 ,270.....‬‬ ‫‪"A‬ذو‪3.....................................................‬‬
‫‪344 ,340 ,339 ,337 ,336‬‬ ‫‪"A‬رسل‪57 ,55..........................................‬‬
‫‪"A‬سوتكين‪353...........................................‬‬ ‫‪"A‬رضوان ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21.‬‬
‫‪"A‬سونج‪321 ,300 ,289.............................‬‬ ‫‪,141 ,134 ,133 ,129 ,126 ,125 ,124‬‬
‫‪"A‬سيف‪364 ,321 ,259 ,132......................‬‬ ‫‪,174 ,170 ,169 ,168 ,162 ,149 ,148‬‬
‫‪"A‬شرحبيل‪11............................................‬‬ ‫‪,194 ,191 ,190 ,185 ,184 ,181 ,178‬‬
‫‪"A‬شرف‪240 ,239 ,149.............................‬‬ ‫‪,213 ,210 ,208 ,207 ,206 ,196 ,195‬‬
‫‪"A‬شمس‪323 ,322 ,321 ,311 ,227 ,168.....‬‬ ‫‪,286 ,275 ,242 ,235 ,231 ,218 ,214‬‬
‫‪"A‬شهاب‪,353 ,347 ,346 ,330 ,328 ,322....‬‬ ‫‪298‬‬
‫‪354‬‬ ‫‪"A‬ركن‪,352 ,342 ,338 ,316 ,315 ,296......‬‬
‫‪"A‬صلح ‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,7.‬‬ ‫‪362 ,358 ,353‬‬
‫‪,287 ,285 ,282 ,276 ,259 ,239 ,232‬‬ ‫‪"A‬روبرت‪,98 ,97 ,78 ,75 ,67 ,59 ,53 ,33..‬‬
‫‪389 ,366 ,355 ,349 ,346 ,309‬‬ ‫‪114 ,108‬‬
‫‪"A‬صمام‪325 ,290 ,289 ,288.....................‬‬ ‫‪"A‬روجر‪,217 ,216 ,213 ,203 ,202 ,200....‬‬
‫‪"A‬صمصام‪277..........................................‬‬ ‫‪228 ,221 ,220‬‬
‫‪"A‬طارق‪232 ,161 ,12...............................‬‬ ‫‪"A‬رومانوس‪344 ,37 ,19............................‬‬
‫‪"A‬طالوت‪3................................................‬‬ ‫‪"A‬ريتشارد‪177..........................................‬‬
‫‪"A‬طشت‪271.............................................‬‬ ‫‪"A‬ريمون‪,89 ,78 ,67 ,65 ,59 ,58 ,53 ,41...‬‬
‫‪"A‬طغتكين‪,191 ,189 ,186 ,185 ,174 ,149..‬‬ ‫‪,108 ,99 ,98 ,97 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92‬‬
‫‪,205 ,202 ,201 ,200 ,197 ,196 ,195‬‬ ‫‪,120 ,119 ,115 ,114 ,113 ,110 ,109‬‬
‫‪,215 ,214 ,213 ,212 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,134 ,131 ,129 ,121‬‬
‫‪,233 ,230 ,224 ,223 ,222 ,220 ,216‬‬ ‫‪,173 ,149 ,148 ,147 ,146 ,142 ,140‬‬
‫‪,300 ,288 ,287 ,286 ,277 ,237 ,234‬‬ ‫‪,332 ,331 ,330 ,329 ,180 ,179 ,175‬‬
‫‪325 ,322 ,307‬‬ ‫‪334‬‬
‫‪"A‬طغرل‪,304 ,303 ,218 ,157 ,19 ,18‬‬ ‫‪"A‬ريموند‪,336 ,335 ,334 ,331 ,324 ,276...‬‬
‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,357 ,343 ,337‬‬
‫‪321 ,320 ,319 ,318 ,317 ,314‬‬ ‫‪"A‬رينو‪312...............................................‬‬
‫‪"A‬عائشة‪250 ,24.......................................‬‬ ‫‪"A‬زاخارس‪22...........................................‬‬
‫‪"A‬عبد‪250 ,241 ,187 ,159 ,100................‬‬ ‫‪"A‬زمرد‪354 ,346.....................................‬‬
‫‪"A‬عديّ‪159..............................................‬‬ ‫‪"A‬زنكي‪176.............................................‬‬
‫‪"A‬عز‪,292 ,276 ,262 ,239 ,237 ,236‬‬ ‫‪"A‬زين‪374 ,270.......................................‬‬
‫‪377 ,375‬‬ ‫‪"A‬ستيفن‪93 ,85 ,84 ,78 ,67 ,59 ,53...........‬‬
‫‪"A‬عقبة‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬سعد‪232 ,146.......................................‬‬
‫‪"A‬علي‪250...............................................‬‬ ‫‪"A‬سقمان‪,166 ,165 ,164 ,160 ,139 ,21 ,7..‬‬
‫‪"A‬عماد ‪,210 ,205 ,203 ,187 ,161 ,157 ,8.‬‬ ‫‪,193 ,189 ,186 ,177 ,175 ,172 ,168‬‬
‫‪,248 ,247 ,242 ,241 ,240 ,234 ,213‬‬ ‫‪379 ,295 ,231 ,215 ,196‬‬
‫‪,255 ,254 ,253 ,252 ,251 ,250 ,249‬‬ ‫‪"A‬سكمان‪100............................................‬‬

‫‪421‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬قميرك‪205 ,202....................................‬‬ ‫‪,263 ,262 ,261 ,260 ,259 ,257 ,256‬‬


‫‪"A‬كربوغا‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,78. .‬‬ ‫‪,270 ,269 ,268 ,267 ,266 ,265 ,264‬‬
‫‪,163 ,159 ,156 ,151 ,122 ,98 ,97 ,91‬‬ ‫‪,277 ,276 ,275 ,274 ,273 ,272 ,271‬‬
‫‪385 ,259 ,251 ,250 ,187‬‬ ‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,280 ,279 ,278‬‬
‫‪"A‬كعب‪291..............................................‬‬ ‫‪,291 ,290 ,289 ,288 ,287 ,286 ,285‬‬
‫‪"A‬كمال‪348 ,347 ,338 ,270......................‬‬ ‫‪,298 ,297 ,296 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬
‫‪"A‬كمشتكين‪148 ,144.................................‬‬ ‫‪,305 ,304 ,303 ,302 ,301 ,300 ,299‬‬
‫‪"A‬كندغدي‪254..........................................‬‬ ‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,307 ,306‬‬
‫‪"A‬كوغ‪217 ,190 ,128...............................‬‬ ‫‪,321 ,320 ,319 ,318 ,316 ,315 ,314‬‬
‫‪"A‬كولومان‪54 ,51 ,50 ,48..........................‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,324 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬كونستانس‪331 ,324 ,297........................‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪"A‬لروجر‪214............................................‬‬ ‫‪,342 ,341 ,340 ,339 ,338 ,337 ,336‬‬
‫‪"A‬لوقا‪38..................................................‬‬ ‫‪,350 ,349 ,348 ,347 ,346 ,345 ,344‬‬
‫‪"A‬لويس‪299.............................................‬‬ ‫‪,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352 ,351‬‬
‫‪"A‬ليون‪334 ,333 ,297...............................‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,358‬‬
‫‪"A‬مارتن‪29...............................................‬‬ ‫‪,371 ,370 ,369 ,368 ,367 ,366 ,365‬‬
‫‪"A‬مانويل‪370 ,361....................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,377 ,376 ,375 ,374 ,373‬‬
‫‪"A‬مباركشاه‪214.........................................‬‬ ‫‪389 ,387 ,386 ,385 ,384 ,383 ,382‬‬
‫‪"A‬متّى‪202...............................................‬‬ ‫‪"A‬عمر‪382 ,265 ,241 ,161 ,122 ,24 ,11...‬‬
‫‪"A‬مجاهد‪349.............................................‬‬ ‫‪"A‬عمرو‪12...............................................‬‬
‫‪"A‬مجير‪355..............................................‬‬ ‫‪"A‬عموري‪361..........................................‬‬
‫‪"A‬محمد‪,175 ,174 ,172 ,163 ,161 ,124.....‬‬ ‫‪"A‬عيسى‪284.............................................‬‬
‫‪,211 ,193 ,192 ,188 ,179 ,177 ,176‬‬ ‫‪"A‬غازي‪,141 ,138 ,134 ,133 ,67 ,66 ,61..‬‬
‫‪,274 ,252 ,251 ,232 ,218 ,213 ,212‬‬ ‫‪170 ,156 ,154 ,153 ,152 ,151‬‬
‫‪355 ,339 ,327 ,317 ,291‬‬ ‫‪"A‬غيورغي‪43...........................................‬‬
‫‪"A‬محمود‪,236 ,234 ,226 ,223 ,222 ,218...‬‬ ‫‪"A‬فاطمة‪23...............................................‬‬
‫‪,274 ,255 ,254 ,253 ,240 ,239 ,238‬‬ ‫‪"A‬فخر‪99 ,97...........................................‬‬
‫‪,301 ,294 ,293 ,284 ,283 ,282 ,276‬‬ ‫‪"A‬فردريك‪144...........................................‬‬
‫‪,320 ,317 ,310 ,305 ,304 ,303 ,302‬‬ ‫‪"A‬فرعون‪216 ,134 ,3...............................‬‬
‫‪373 ,338‬‬ ‫‪"A‬فروخ‪255.............................................‬‬
‫‪"A‬مسعود‪,226 ,223 ,222 ,218 ,193 ,192...‬‬ ‫‪"A‬فولك‪,324 ,312 ,311 ,302 ,300 ,299.....‬‬
‫‪,305 ,304 ,303 ,268 ,257 ,239 ,230‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪,317 ,314 ,313 ,310 ,309 ,308 ,306‬‬ ‫‪362 ,361 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪,326 ,325 ,323 ,322 ,321 ,319 ,318‬‬ ‫‪"A‬فولكمار‪50 ,49.......................................‬‬
‫‪,347 ,344 ,339 ,338 ,336 ,328 ,327‬‬ ‫‪"A‬فيلريتوس‪75.........................................‬‬
‫‪,371 ,364 ,363 ,357 ,353 ,350 ,348‬‬ ‫‪"A‬فيليب‪366 ,53 ,38..................................‬‬
‫‪383 ,373‬‬ ‫‪"A‬قاروت‪21..............................................‬‬
‫‪"A‬مسلم‪258 ,242 ,161..............................‬‬ ‫‪"A‬قارون‪3.................................................‬‬
‫‪"A‬معاوية‪73 ,12........................................‬‬ ‫‪"A‬قتلغ‪285 ,276........................................‬‬
‫‪"A‬معين‪356 ,355 ,354 ,329 ,328 ,322......‬‬ ‫‪"A‬قتلمش‪21...............................................‬‬
‫‪"A‬ملكشاه‪,158 ,124 ,123 ,76 ,22 ,21 ,19...‬‬ ‫‪"A‬قرا‪371 ,365 ,362 ,358........................‬‬
‫‪,245 ,242 ,214 ,172 ,162 ,160 ,159‬‬ ‫‪"A‬قريش‪328 ,323 ,289.............................‬‬
‫‪,379 ,320 ,319 ,252 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"A‬قطب‪259..............................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪"A‬قطز‪241 ,232 ,161...............................‬‬
‫‪"A‬منقذ‪334...............................................‬‬ ‫‪"A‬قفجاق‪358 ,357.....................................‬‬
‫‪"A‬مودود‪,191 ,190 ,189 ,188 ,187 ,177 ,7‬‬ ‫‪"A‬قلج ‪,66 ,65 ,64 ,63 ,62 ,61 ,51 ,21 ,20.‬‬
‫‪,198 ,197 ,196 ,195 ,194 ,193 ,192‬‬ ‫‪,141 ,134 ,130 ,127 ,126 ,121 ,68 ,67‬‬
‫‪,205 ,204 ,203 ,202 ,201 ,200 ,199‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,152 ,148 ,145 ,144‬‬
‫‪,212 ,211 ,210 ,209 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪242 ,176‬‬

‫‪422‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪َ "H‬كمَا‪212 ,129........................................‬‬ ‫‪,220 ,218 ,217 ,216 ,215 ,214 ,213‬‬
‫‪"H‬لَ‪6......................................................‬‬ ‫‪,253 ,252 ,238 ,235 ,234 ,225 ,221‬‬
‫‪َ"H‬لوْ‪112..................................................‬‬ ‫‪387 ,385 ,383 ,382 ,379 ,259 ,257‬‬
‫‪"H‬هَوّنْ‪265...............................................‬‬ ‫‪"A‬موسى‪164 ,151 ,23 ,12.........................‬‬
‫‪"H‬وَاّلذِي‪89...............................................‬‬ ‫‪"A‬ميلزاند‪370 ,366 ,361 ,312 ,300............‬‬
‫‪"H‬وَالِّ‪232...............................................‬‬ ‫‪"A‬نابليون‪134............................................‬‬
‫‪َ "H‬وكَانَ‪10................................................‬‬ ‫‪"A‬ناصر‪264.............................................‬‬
‫‪"H‬يَا‪233..................................................‬‬ ‫‪"A‬نجم‪355 ,349 ,309 ,263 ,161 ,8............‬‬
‫‪"H‬يد‪141..................................................‬‬ ‫‪"A‬نزار‪208 ,24.........................................‬‬
‫شكُ‪103.............................................‬‬ ‫‪"H‬يُو ِ‬ ‫‪"A‬نصرة‪259.............................................‬‬
‫‪"K‬أجنادين‪11.............................................‬‬ ‫‪"A‬نصير‪,373 ,348 ,282 ,269 ,263 ,259....‬‬
‫‪"K‬أورش‪227.............................................‬‬ ‫‪386 ,374‬‬
‫‪"K‬البليخ‪,173 ,172 ,171 ,170 ,167 ,165.....‬‬ ‫‪"A‬نظام‪,242 ,238 ,206 ,192 ,163 ,158......‬‬
‫‪189 ,186 ,175‬‬ ‫‪385 ,379‬‬
‫‪"K‬الرملة‪174 ,149 ,146.............................‬‬ ‫‪"A‬نقفور‪74................................................‬‬
‫‪"K‬الزلقة‪25 ,14........................................‬‬ ‫‪"A‬نور‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,8.....‬‬
‫‪"K‬الصنبرة‪252..........................................‬‬ ‫‪389 ,388 ,357 ,349 ,309 ,287 ,259‬‬
‫‪"K‬العقاب‪39 ,15........................................‬‬ ‫‪"A‬نورمان‪4...............................................‬‬
‫‪"K‬القادسية‪49.............................................‬‬ ‫‪"A‬نيروز‪85 ,84.........................................‬‬
‫‪"K‬بلط‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬هبة‪259................................................‬‬
‫‪"K‬بيسان‪11...............................................‬‬ ‫‪"A‬هتلر‪134 ,107.......................................‬‬
‫‪"K‬تبوك‪11................................................‬‬ ‫‪"A‬هرقل‪11 ,10..........................................‬‬
‫‪"K‬دانيث‪213.............................................‬‬ ‫‪"A‬هنري‪324 ,108 ,53 ,37 ,33 ,27.............‬‬
‫‪"K‬دوريليوم‪126.........................................‬‬ ‫‪"A‬هوجو‪224.............................................‬‬
‫‪"K‬مؤتة‪11.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيو‪368 ,367 ,312 ,78 ,54 ,53..............‬‬
‫‪"K‬مرج‪85.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيومن‪140............................................‬‬
‫‪"K‬مرسيفان‪171..........................................‬‬ ‫‪"A‬والتر‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,47 ,41‬‬
‫‪"K‬ملذكرد‪344 ,157 ,74 ,64 ,57 ,37 ,19....‬‬ ‫‪140 ,64‬‬
‫‪"K‬منبج‪228...............................................‬‬ ‫‪"A‬وثاب‪87................................................‬‬
‫‪"K‬نيقية‪126 ,90 ,65...................................‬‬ ‫‪"A‬ولف‪143...............................................‬‬
‫‪"K‬هرقلة‪171 ,143.....................................‬‬ ‫‪"A‬وليم ‪,180 ,179 ,175 ,143 ,142 ,106 ,33‬‬
‫‪"P‬آسيا ‪,23 ,22 ,21 ,20 ,19 ,18 ,15 ,13 ,10.‬‬ ‫‪324 ,228 ,182‬‬
‫‪,61 ,59 ,58 ,57 ,51 ,50 ,43 ,41 ,31 ,25‬‬ ‫‪"A‬ونمار‪78...............................................‬‬
‫‪,86 ,81 ,74 ,73 ,72 ,71 ,70 ,66 ,65 ,64‬‬ ‫‪"A‬ياغي‪,84 ,83 ,82 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75‬‬
‫‪,126 ,121 ,109 ,108 ,100 ,99 ,93 ,90‬‬ ‫‪123 ,85‬‬
‫‪,142 ,140 ,134 ,133 ,130 ,128 ,127‬‬ ‫‪"A‬يرنقش‪376............................................‬‬
‫‪,152 ,151 ,148 ,146 ,145 ,144 ,143‬‬ ‫‪"A‬يوحنا‪,334 ,333 ,332 ,324 ,222 ,220.....‬‬
‫‪,220 ,187 ,176 ,159 ,156 ,154 ,153‬‬ ‫‪,362 ,361 ,344 ,343 ,342 ,337 ,336‬‬
‫‪380 ,338 ,337 ,335 ,310 ,242‬‬ ‫‪367‬‬
‫‪"P‬آمد‪365 ,358 ,315 ,296.........................‬‬ ‫‪"A‬يوسف‪161 ,25 ,15................................‬‬
‫‪"P‬أبونيا‪22.................................................‬‬ ‫‪156, 158..............................................H‬‬
‫‪"P‬أذربيجان‪306 ,193 ,172..........................‬‬ ‫‪َ"H‬أخْوَفُ‪306............................................‬‬
‫‪"P‬أذنة ‪,344 ,343 ,333 ,169 ,152 ,139 ,71.‬‬ ‫‪"H‬إذا‪258.................................................‬‬
‫‪345‬‬ ‫‪ِ"H‬إذَا‪258.................................................‬‬
‫‪"P‬أرتاح‪221 ,169......................................‬‬ ‫‪"H‬إن‪193.................................................‬‬
‫‪"P‬أرجوان‪12.............................................‬‬ ‫‪"H‬إِنّ‪386 ,193 ,184 ,88...........................‬‬
‫‪"P‬أرسوف‪,118 ,115 ,114 ,113 ,104 ,101...‬‬ ‫‪"H‬إني‪233................................................‬‬
‫‪150 ,138 ,120‬‬ ‫‪"H‬الْحَ ْربُ‪291............................................‬‬
‫‪"P‬أرمينيا‪22 ,14.........................................‬‬ ‫‪"H‬فَوَالِّ‪20................................................‬‬

‫‪423‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬إشبيلية‪15...............................................‬‬ ‫‪"P‬أرمينية‪306 ,172 ,18..............................‬‬


‫‪"P‬إفريقيا‪,25 ,24 ,23 ,16 ,14 ,13 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أزمير‪22................................................‬‬
‫‪380 ,100 ,31‬‬ ‫‪"P‬أسعرد‪359.............................................‬‬
‫‪"P‬إقليم‪,223 ,203 ,119 ,25 ,18 ,13 ,10‬‬ ‫‪"P‬أصبهان‪172...........................................‬‬
‫‪,295 ,281 ,278 ,268 ,262 ,239 ,229‬‬ ‫‪"P‬أصفهان‪305 ,274 ,254...........................‬‬
‫‪,328 ,325 ,322 ,316 ,315 ,314 ,297‬‬ ‫‪"P‬أفغانستان‪389 ,380 ,25 ,18 ,17 ,5...........‬‬
‫‪,362 ,359 ,358 ,353 ,352 ,351 ,338‬‬ ‫‪"P‬أفلونا‪57.................................................‬‬
‫‪382 ,371 ,365‬‬ ‫‪"P‬أكوتيين‪143............................................‬‬
‫‪"P‬إنجلترا‪,171 ,103 ,42 ,33 ,16 ,12 ,10.....‬‬ ‫‪"P‬ألبانيا‪57 ,16...........................................‬‬
‫‪324 ,254 ,225‬‬ ‫‪"P‬ألمانيا‪,48 ,47 ,37 ,33 ,31 ,27 ,12 ,10.....‬‬
‫‪"P‬إندونيسيا‪380..........................................‬‬ ‫‪171 ,143 ,140 ,108 ,103‬‬
‫‪"P‬إيران‪,193 ,172 ,160 ,21 ,18 ,16 ,5‬‬ ‫‪"P‬أماسية‪142 ,141.....................................‬‬
‫‪306 ,274‬‬ ‫‪"P‬أمريكا‪17 ,7 ,4.......................................‬‬
‫‪"P‬إيطاليا‪,37 ,35 ,33 ,32 ,31 ,29 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أنجرز‪42...............................................‬‬
‫‪,140 ,103 ,91 ,80 ,67 ,59 ,57 ,53 ,42‬‬ ‫‪"P‬أنطاكية‪,69 ,58 ,57 ,54 ,33 ,22 ,14 ,13...‬‬
‫‪222 ,221 ,200 ,174 ,170 ,150 ,141‬‬ ‫‪,80 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75 ,74 ,73 ,72 ,71‬‬
‫‪"P‬الدرياثيك‪171........................................‬‬ ‫‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,83 ,82 ,81‬‬
‫‪"P‬الردن‪203.............................................‬‬ ‫‪,105 ,102 ,98 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91‬‬
‫‪"P‬السكندرونة‪84........................................‬‬ ‫‪,120 ,119 ,114 ,110 ,109 ,108 ,107‬‬
‫‪"P‬القحوانة‪203..........................................‬‬ ‫‪,130 ,129 ,127 ,126 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪"P‬الناضول‪67 ,65 ,20 ,10.........................‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,135 ,134 ,133 ,131‬‬
‫‪"P‬الندلس‪25..............................................‬‬ ‫‪,154 ,153 ,151 ,150 ,147 ,144 ,143‬‬
‫‪"P‬السكندرية‪115........................................‬‬ ‫‪,167 ,166 ,164 ,163 ,159 ,156 ,155‬‬
‫‪"P‬البارة‪168..............................................‬‬ ‫‪,179 ,178 ,177 ,171 ,170 ,169 ,168‬‬
‫‪"P‬البرتغال‪12.............................................‬‬ ‫‪,200 ,199 ,194 ,190 ,182 ,181 ,180‬‬
‫‪"P‬البروفنسال‪58 ,53....................................‬‬ ‫‪,221 ,220 ,217 ,213 ,207 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬البسفور‪140 ,59 ,50...............................‬‬ ‫‪,230 ,229 ,228 ,227 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬البصرة‪254 ,253....................................‬‬ ‫‪,264 ,251 ,239 ,238 ,237 ,236 ,231‬‬
‫‪"P‬البلط‪344 ,337 ,331 ,223 ,222 ,221......‬‬ ‫‪,294 ,286 ,279 ,278 ,277 ,276 ,275‬‬
‫‪"P‬البلقان‪59 ,57 ,54 ,33.............................‬‬ ‫‪,311 ,303 ,302 ,299 ,298 ,297 ,295‬‬
‫‪"P‬البندقية‪230 ,181 ,115 ,45 ,33.................‬‬ ‫‪,331 ,330 ,328 ,324 ,323 ,314 ,312‬‬
‫‪"P‬البوازيج‪283 ,281 ,272...........................‬‬ ‫‪,339 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333 ,332‬‬
‫‪"P‬البوسنة‪17 ,5..........................................‬‬ ‫‪,361 ,357 ,352 ,351 ,346 ,342 ,341‬‬
‫‪"P‬البيرة ‪386 ,374 ,373 ,227 ,217 ,183 ,70‬‬ ‫‪386 ,374 ,370 ,366 ,362‬‬
‫‪"P‬الجبيل‪182 ,21.......................................‬‬ ‫‪"P‬أنقرة‪142 ,141.......................................‬‬
‫‪"P‬الجزيرة‪306 ,18 ,10...............................‬‬ ‫‪"P‬أوربا‪,27 ,26 ,19 ,16 ,15 ,12 ,10 ,7 ,4....‬‬
‫‪"P‬الجليل‪,199 ,168 ,158 ,137 ,136 ,73......‬‬ ‫‪,39 ,37 ,36 ,35 ,34 ,33 ,32 ,31 ,30 ,28‬‬
‫‪366 ,360 ,241 ,201‬‬ ‫‪,50 ,49 ,47 ,46 ,45 ,44 ,43 ,42 ,41 ,40‬‬
‫‪"P‬الحبشة‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,96 ,91 ,75 ,72 ,71 ,64 ,55 ,53 ,52 ,51‬‬
‫‪"P‬الحجاز‪216 ,23 ,5..................................‬‬ ‫‪,111 ,109 ,108 ,107 ,106 ,104 ,103‬‬
‫‪"P‬الحديثة‪359............................................‬‬ ‫‪,151 ,150 ,140 ,121 ,120 ,117 ,112‬‬
‫‪"P‬الخابور‪176............................................‬‬ ‫‪,370 ,335 ,297 ,279 ,224 ,220 ,170‬‬
‫‪"P‬الدنمارك‪42............................................‬‬ ‫‪381‬‬
‫‪"P‬الرحبة‪87...............................................‬‬ ‫‪"P‬أيلة‪216 ,11...........................................‬‬
‫‪"P‬الرقة‪375 ,322.......................................‬‬ ‫‪"P‬أيوينا‪64.................................................‬‬
‫‪"P‬الرملة‪,149 ,146 ,120 ,114 ,104 ,101.....‬‬ ‫‪"P‬إربل‪328 ,304 ,193...............................‬‬
‫‪186 ,182 ,174‬‬ ‫‪"P‬إسبانيا‪254 ,171 ,42 ,25 ,14 ,10.............‬‬
‫‪"P‬الرها‪,84 ,79 ,75 ,72 ,71 ,70 ,69 ,57 ,22‬‬ ‫‪"P‬إسكتلندا‪42.............................................‬‬
‫‪,123 ,121 ,120 ,119 ,108 ,96 ,92 ,85‬‬ ‫‪"P‬إسكندينافيا‪32..........................................‬‬

‫‪424‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬العقبة‪216 ,65........................................‬‬ ‫‪,136 ,134 ,131 ,130 ,129 ,128 ,127‬‬


‫‪"P‬الفرما‪219 ,216......................................‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,151 ,144 ,139 ,138‬‬
‫‪"P‬القاهرة‪389 ,385 ,201 ,130 ,101 ,15......‬‬ ‫‪,169 ,168 ,167 ,166 ,164 ,163 ,159‬‬
‫‪"P‬القدس‪,105 ,104 ,99 ,97 ,96 ,92 ,44‬‬ ‫‪,190 ,189 ,183 ,179 ,178 ,177 ,170‬‬
‫‪,131 ,120 ,113 ,112 ,111 ,107 ,106‬‬ ‫‪,199 ,198 ,196 ,195 ,194 ,193 ,191‬‬
‫‪,174 ,150 ,146 ,145 ,136 ,135 ,132‬‬ ‫‪,219 ,217 ,215 ,212 ,203 ,201 ,200‬‬
‫‪224 ,219 ,205 ,204 ,202 ,186 ,182‬‬ ‫‪,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,223 ,222‬‬
‫‪"P‬القسطنطينية‪,48 ,47 ,46 ,44 ,41 ,16 ,12...‬‬ ‫‪,264 ,257 ,253 ,247 ,238 ,237 ,236‬‬
‫‪,69 ,68 ,62 ,59 ,58 ,57 ,56 ,51 ,50 ,49‬‬ ‫‪,294 ,285 ,283 ,279 ,278 ,276 ,275‬‬
‫‪,139 ,127 ,94 ,92 ,86 ,81 ,80 ,73 ,71‬‬ ‫‪,314 ,311 ,302 ,300 ,299 ,298 ,295‬‬
‫‪,216 ,147 ,145 ,144 ,143 ,142 ,140‬‬ ‫‪,351 ,350 ,346 ,341 ,337 ,331 ,324‬‬
‫‪342‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,352‬‬
‫‪"P‬اللذقية ‪,139 ,131 ,122 ,121 ,97 ,78 ,74.‬‬ ‫‪,372 ,371 ,370 ,369 ,368 ,366 ,365‬‬
‫‪,179 ,171 ,170 ,169 ,152 ,151 ,147‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,384 ,377 ,375 ,373‬‬
‫‪328 ,324 ,311 ,300 ,298 ,243‬‬ ‫‪"P‬الري‪247 ,123.......................................‬‬
‫‪"P‬اللد‪182 ,120 ,114.................................‬‬ ‫‪"P‬السودان‪380 ,125 ,5...............................‬‬
‫‪"P‬اللورين‪108 ,67 ,52................................‬‬ ‫‪"P‬السيوان‪328............................................‬‬
‫‪"P‬المجدل‪355............................................‬‬ ‫‪"P‬الشام‪,18 ,14 ,13 ,12 ,11 ,10 ,9 ,8 ,6 ,5. .‬‬
‫‪"P‬المجر‪107 ,55 ,54 ,51 ,50 ,44 ,16..........‬‬ ‫‪,41 ,36 ,31 ,30 ,25 ,24 ,23 ,21 ,20 ,19‬‬
‫‪"P‬المرقب‪169............................................‬‬ ‫‪,72 ,70 ,66 ,65 ,64 ,57 ,49 ,46 ,43 ,42‬‬
‫‪"P‬المصيصة‪333 ,169 ,152 ,139 ,71..........‬‬ ‫‪,119 ,114 ,100 ,87 ,81 ,77 ,76 ,74 ,73‬‬
‫‪"P‬المغرب‪,100 ,31 ,25 ,23 ,17 ,16 ,14 ,9. .‬‬ ‫‪,127 ,126 ,125 ,124 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪380‬‬ ‫‪,145 ,144 ,142 ,140 ,131 ,130 ,128‬‬
‫‪"P‬الموصل‪,122 ,90 ,87 ,84 ,78 ,72 ,14......‬‬ ‫‪,164 ,163 ,162 ,159 ,158 ,157 ,156‬‬
‫‪,167 ,165 ,164 ,163 ,159 ,156 ,151‬‬ ‫‪,185 ,184 ,181 ,180 ,179 ,173 ,168‬‬
‫‪,187 ,177 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,208 ,206 ,200 ,197 ,194 ,192 ,187‬‬
‫‪,198 ,197 ,195 ,193 ,191 ,189 ,188‬‬ ‫‪,237 ,235 ,230 ,229 ,226 ,225 ,216‬‬
‫‪,213 ,212 ,211 ,207 ,206 ,205 ,201‬‬ ‫‪,255 ,254 ,247 ,246 ,245 ,242 ,239‬‬
‫‪,234 ,233 ,226 ,224 ,223 ,222 ,217‬‬ ‫‪,285 ,281 ,277 ,276 ,275 ,274 ,257‬‬
‫‪,242 ,240 ,239 ,238 ,237 ,236 ,235‬‬ ‫‪,308 ,306 ,305 ,294 ,288 ,287 ,286‬‬
‫‪,259 ,256 ,255 ,253 ,252 ,251 ,250‬‬ ‫‪,342 ,338 ,336 ,330 ,322 ,320 ,311‬‬
‫‪,275 ,274 ,272 ,271 ,269 ,264 ,262‬‬ ‫‪,374 ,371 ,356 ,352 ,348 ,347 ,344‬‬
‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,279 ,278 ,276‬‬ ‫‪389 ,382 ,380 ,379‬‬
‫‪,295 ,294 ,293 ,292 ,288 ,287 ,285‬‬ ‫‪"P‬الشيشان‪389 ,5.......................................‬‬
‫‪,313 ,309 ,308 ,305 ,303 ,301 ,300‬‬ ‫‪"P‬الصرب‪17.............................................‬‬
‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,322 ,320 ,315‬‬ ‫‪"P‬الصنبرة‪210 ,207 ,206 ,205 ,204 ,203...‬‬
‫‪,359 ,357 ,356 ,354 ,351 ,349 ,348‬‬ ‫‪"P‬الصومال‪5..............................................‬‬
‫‪,384 ,375 ,374 ,373 ,371 ,365 ,364‬‬ ‫‪"P‬الصين‪254 ,242 ,158 ,123 ,20 ,17.........‬‬
‫‪386 ,385‬‬ ‫‪"P‬العراق‪,25 ,23 ,21 ,18 ,17 ,14 ,12 ,7 ,5..‬‬
‫‪"P‬النرويج‪181............................................‬‬ ‫‪,124 ,123 ,122 ,119 ,76 ,73 ,66 ,57‬‬
‫‪"P‬النمسا‪44 ,16..........................................‬‬ ‫‪,164 ,163 ,161 ,160 ,159 ,157 ,156‬‬
‫‪"P‬الهند‪380 ,158 ,25 ,18 ,17.....................‬‬ ‫‪,195 ,187 ,174 ,172 ,169 ,168 ,167‬‬
‫‪"P‬اليرموك‪203 ,11.....................................‬‬ ‫‪,254 ,235 ,232 ,229 ,223 ,212 ,202‬‬
‫‪"P‬اليمن‪380 ,25 ,10 ,9...............................‬‬ ‫‪,301 ,293 ,278 ,275 ,274 ,261 ,255‬‬
‫‪"P‬اليونان‪16...............................................‬‬ ‫‪,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,303‬‬
‫‪"P‬بافاريا‪143.............................................‬‬ ‫‪,322 ,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,312‬‬
‫‪"P‬باكستان‪306 ,21 ,5.................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,371 ,366 ,336 ,326 ,323‬‬
‫‪"P‬بالس‪375...............................................‬‬ ‫‪389 ,385‬‬
‫‪"P‬العريش‪239 ,220 ,219 ,216...................‬‬

‫‪425‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬تولوز‪146 ,119 ,92 ,58 ,53 ,42 ,41........‬‬ ‫‪"P‬بانياس‪,336 ,186 ,185 ,183 ,182 ,180....‬‬
‫‪"P‬تونس‪25 ,12..........................................‬‬ ‫‪374 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪"P‬جبال‪334 ,297 ,68 ,11...........................‬‬ ‫‪"P‬بخارى‪9................................................‬‬
‫‪"P‬جبل‪328 ,202........................................‬‬ ‫‪"P‬براغ‪50.................................................‬‬
‫‪"P‬جبلة‪180 ,97..........................................‬‬ ‫‪"P‬برقة‪12.................................................‬‬
‫‪"P‬جبيل‪182 ,179 ,173...............................‬‬ ‫‪"P‬بروفانس‪41............................................‬‬
‫‪"P‬جرجان‪303............................................‬‬ ‫‪"P‬بعلبك‪384 ,355 ,354 ,336 ,311 ,264......‬‬
‫‪"P‬جزيرة‪360 ,283 ,281 ,262.....................‬‬ ‫‪"P‬بغداد‪,172 ,164 ,160 ,157 ,122 ,19 ,12..‬‬
‫‪"P‬جنوة‪138 ,115 ,45 ,42 ,31.....................‬‬ ‫‪,235 ,223 ,193 ,192 ,191 ,181 ,179‬‬
‫‪"P‬حران‪,189 ,171 ,167 ,165 ,164 ,163.....‬‬ ‫‪,294 ,293 ,281 ,274 ,268 ,254 ,253‬‬
‫‪,295 ,293 ,292 ,231 ,228 ,223 ,190‬‬ ‫‪,309 ,308 ,306 ,305 ,303 ,301 ,296‬‬
‫‪384 ,353 ,322 ,303‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,323 ,320 ,313‬‬
‫‪"P‬حلب ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21 ,14‬‬ ‫‪,364 ,363 ,349 ,348 ,347 ,344 ,338‬‬
‫‪,148 ,141 ,133 ,126 ,125 ,124 ,123‬‬ ‫‪385‬‬
‫‪,169 ,168 ,164 ,163 ,162 ,155 ,151‬‬ ‫‪"P‬بلجراد‪55...............................................‬‬
‫‪,185 ,184 ,183 ,182 ,181 ,178 ,174‬‬ ‫‪"P‬بلغاريا‪44 ,16.........................................‬‬
‫‪,206 ,195 ,194 ,192 ,191 ,190 ,186‬‬ ‫‪"P‬بلوا‪59 ,53.............................................‬‬
‫‪,218 ,217 ,215 ,214 ,212 ,210 ,207‬‬ ‫‪"P‬بواتيية‪42...............................................‬‬
‫‪,228 ,227 ,225 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬ ‫‪"P‬بواسي‪47...............................................‬‬
‫‪,236 ,235 ,234 ,233 ,231 ,230 ,229‬‬ ‫‪"P‬بوردو‪42...............................................‬‬
‫‪,245 ,244 ,243 ,242 ,240 ,239 ,237‬‬ ‫‪"P‬بورسعيد‪216..........................................‬‬
‫‪,259 ,257 ,255 ,250 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"P‬بوي‪140................................................‬‬
‫‪,276 ,275 ,274 ,272 ,270 ,268 ,264‬‬ ‫‪"P‬بيت‪,69 ,62 ,57 ,45 ,44 ,41 ,14 ,11 ,5...‬‬
‫‪,288 ,287 ,286 ,285 ,284 ,283 ,279‬‬ ‫‪,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,90 ,82 ,81 ,72‬‬
‫‪,300 ,299 ,298 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬ ‫‪,107 ,106 ,104 ,102 ,101 ,100 ,99 ,98‬‬
‫‪,325 ,323 ,316 ,314 ,313 ,303 ,301‬‬ ‫‪,114 ,113 ,112 ,111 ,110 ,109 ,108‬‬
‫‪,339 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333‬‬ ‫‪,124 ,122 ,121 ,120 ,119 ,116 ,115‬‬
‫‪,351 ,348 ,347 ,346 ,344 ,343 ,340‬‬ ‫‪,136 ,135 ,132 ,131 ,130 ,129 ,126‬‬
‫‪386 ,384 ,366 ,365 ,360 ,356 ,354‬‬ ‫‪,150 ,149 ,146 ,145 ,139 ,138 ,137‬‬
‫‪"P‬حماة‪,192 ,185 ,183 ,181 ,151 ,83 ,11. .‬‬ ‫‪,182 ,180 ,174 ,173 ,170 ,168 ,160‬‬
‫‪,292 ,290 ,289 ,288 ,277 ,243 ,202‬‬ ‫‪,202 ,201 ,200 ,199 ,196 ,190 ,189‬‬
‫‪,330 ,325 ,323 ,322 ,313 ,303 ,293‬‬ ‫‪,221 ,220 ,219 ,216 ,215 ,204 ,203‬‬
‫‪384 ,355 ,340 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪,229 ,228 ,227 ,226 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬حمص‪,97 ,87 ,85 ,79 ,78 ,73 ,14 ,11....‬‬ ‫‪,286 ,279 ,278 ,277 ,239 ,238 ,237‬‬
‫‪,174 ,173 ,151 ,149 ,148 ,147 ,132‬‬ ‫‪,331 ,330 ,329 ,312 ,311 ,299 ,297‬‬
‫‪,288 ,277 ,237 ,208 ,192 ,185 ,183‬‬ ‫‪,361 ,356 ,355 ,352 ,351 ,345 ,343‬‬
‫‪,330 ,329 ,328 ,325 ,323 ,290 ,289‬‬ ‫‪366 ,362‬‬
‫‪,347 ,346 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪"P‬بيرا‪57 ,56............................................‬‬
‫‪386 ,385 ,384 ,382 ,357 ,355‬‬ ‫‪"P‬بيروت‪,182 ,180 ,146 ,124 ,114 ,101....‬‬
‫‪"P‬حوران‪357............................................‬‬ ‫‪352 ,311 ,264 ,189 ,185‬‬
‫‪"P‬حيزان‪359.............................................‬‬ ‫‪"P‬بيزا‪,132 ,131 ,130 ,120 ,115 ,45 ,31. . .‬‬
‫‪"P‬حيفا‪185 ,182 ,136 ,135 ,126................‬‬ ‫‪140‬‬
‫‪"P‬خراسان‪313 ,310 ,303 ,293 ,172 ,18.....‬‬ ‫‪"P‬بيسان‪114..............................................‬‬
‫‪"P‬خرتبرت‪228 ,227 ,226..........................‬‬ ‫‪"P‬تبريز‪193 ,189......................................‬‬
‫‪"P‬خلط‪193 ,189......................................‬‬ ‫‪"P‬تركيا‪,193 ,183 ,164 ,160 ,119 ,11 ,5....‬‬
‫‪"P‬خوزستان‪303.........................................‬‬ ‫‪306 ,296 ,278‬‬
‫‪"P‬دارا‪315 ,302 ,296................................‬‬ ‫‪"P‬تل ‪,196 ,194 ,190 ,189 ,183 ,177 ,164.‬‬
‫‪"P‬دفول‪171...............................................‬‬ ‫‪373 ,369 ,366 ,324 ,314 ,219 ,198‬‬
‫‪"P‬دقوقا‪328...............................................‬‬ ‫‪"P‬تورز‪42................................................‬‬

‫‪426‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬صقلية‪,171 ,154 ,153 ,150 ,32 ,25 ,8....‬‬ ‫‪"P‬دمشق‪,85 ,79 ,78 ,77 ,73 ,21 ,14 ,11‬‬
‫‪312 ,220 ,216 ,200‬‬ ‫‪,147 ,136 ,125 ,124 ,123 ,100 ,89 ,87‬‬
‫‪"P‬صور ‪,181 ,168 ,150 ,124 ,101 ,94 ,21.‬‬ ‫‪,186 ,185 ,184 ,183 ,174 ,173 ,149‬‬
‫‪,230 ,224 ,219 ,216 ,214 ,200 ,182‬‬ ‫‪,200 ,197 ,196 ,195 ,192 ,189 ,187‬‬
‫‪300 ,231‬‬ ‫‪,208 ,207 ,206 ,205 ,204 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬صوران‪168...........................................‬‬ ‫‪,230 ,222 ,220 ,215 ,214 ,213 ,212‬‬
‫‪"P‬صوفيا‪49...............................................‬‬ ‫‪,268 ,245 ,242 ,237 ,235 ,234 ,233‬‬
‫‪"P‬صيدا‪228 ,185 ,180 ,101......................‬‬ ‫‪,289 ,288 ,287 ,286 ,277 ,276 ,270‬‬
‫‪"P‬طبرية‪,205 ,203 ,202 ,201 ,199 ,114....‬‬ ‫‪,321 ,313 ,311 ,307 ,300 ,296 ,290‬‬
‫‪357 ,352‬‬ ‫‪,346 ,336 ,334 ,329 ,328 ,325 ,322‬‬
‫‪"P‬طرابلس‪,120 ,109 ,101 ,99 ,98 ,97 ,21..‬‬ ‫‪,360 ,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352‬‬
‫‪,148 ,147 ,146 ,141 ,138 ,136 ,132‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,382 ,375 ,374‬‬
‫‪,183 ,182 ,180 ,179 ,175 ,173 ,149‬‬ ‫‪"P‬دمياط‪115..............................................‬‬
‫‪,221 ,217 ,202 ,200 ,196 ,189 ,186‬‬ ‫‪"P‬دورازو‪171...........................................‬‬
‫‪,277 ,264 ,238 ,237 ,236 ,230 ,222‬‬ ‫‪"P‬دوريليوم‪140 ,68 ,67..............................‬‬
‫‪,328 ,314 ,311 ,288 ,286 ,279 ,278‬‬ ‫‪"P‬ديار‪,212 ,202 ,172 ,160 ,83 ,72 ,14.....‬‬
‫‪352 ,351 ,346 ,345 ,330 ,329‬‬ ‫‪359 ,329 ,328 ,316 ,315 ,227 ,223‬‬
‫‪"P‬طرسوس‪,122 ,108 ,93 ,73 ,71 ,69 ,68...‬‬ ‫‪"P‬دير‪97...................................................‬‬
‫‪333 ,169 ,152 ,139‬‬ ‫‪"P‬رعبان‪217 ,128.....................................‬‬
‫‪"P‬طرطوس‪182 ,173 ,149 ,148 ,147.........‬‬ ‫‪"P‬رفينة‪168..............................................‬‬
‫‪"P‬طليطلة‪15 ,14........................................‬‬ ‫‪"P‬روسيا‪134 ,18 ,16.................................‬‬
‫‪"P‬طنزة‪359...............................................‬‬ ‫‪"P‬روما‪,130 ,120 ,107 ,35 ,33 ,30 ,27......‬‬
‫‪"P‬عانة‪359...............................................‬‬ ‫‪370 ,224 ,220 ,131‬‬
‫‪"P‬عرقة‪182 ,120 ,99 ,98 ,97....................‬‬ ‫‪"P‬زبطرة‪13...............................................‬‬
‫‪"P‬عزاز‪236 ,223......................................‬‬ ‫‪"P‬ساحة‪221..............................................‬‬
‫‪"P‬عسقلن‪,120 ,118 ,114 ,113 ,112 ,105...‬‬ ‫‪"P‬سبتة‪17 ,16...........................................‬‬
‫‪,182 ,181 ,150 ,149 ,146 ,126 ,124‬‬ ‫‪"P‬سبير‪49.................................................‬‬
‫‪230 ,224 ,219 ,216 ,204 ,203‬‬ ‫‪"P‬سرمين‪168............................................‬‬
‫‪"P‬عكا‪,124 ,120 ,118 ,115 ,114 ,101 ,21..‬‬ ‫‪"P‬سروج‪,191 ,190 ,183 ,139 ,119 ,70......‬‬
‫‪,204 ,186 ,185 ,182 ,173 ,150 ,135‬‬ ‫‪386 ,369 ,253 ,198‬‬
‫‪352 ,300 ,264‬‬ ‫‪"P‬سََل ْميَة‪340 ,338 ,202..............................‬‬
‫‪"P‬عمورية‪13.............................................‬‬ ‫‪"P‬سليمبريا‪55.............................................‬‬
‫‪"P‬عينتاب‪324............................................‬‬ ‫‪"P‬سمرقند‪9................................................‬‬
‫‪"P‬غرناطة‪16 ,15.......................................‬‬ ‫‪"P‬سملين‪107 ,48.......................................‬‬
‫‪"P‬فارس‪,79 ,76 ,72 ,70 ,23 ,21 ,20 ,18‬‬ ‫‪"P‬سميساط‪253 ,183 ,119 ,71 ,70...............‬‬
‫‪,134 ,133 ,130 ,124 ,123 ,122 ,84 ,83‬‬ ‫‪"P‬سنجار‪293 ,292 ,272 ,205 ,202 ,85.......‬‬
‫‪,195 ,190 ,174 ,172 ,167 ,159 ,157‬‬ ‫‪"P‬سوريا‪,147 ,119 ,99 ,97 ,96 ,17 ,11 ,5...‬‬
‫‪,247 ,246 ,235 ,226 ,212 ,205 ,203‬‬ ‫‪382 ,296 ,278 ,183 ,182 ,163‬‬
‫‪,306 ,303 ,301 ,293 ,289 ,274 ,254‬‬ ‫‪"P‬سيناء‪216 ,102......................................‬‬
‫‪,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬ ‫‪"P‬سيواس‪141............................................‬‬
‫‪385 ,371 ,336 ,325‬‬ ‫‪"P‬شبختان‪362............................................‬‬
‫‪"P‬فامية‪133 ,132.......................................‬‬ ‫‪"P‬شهرزور‪357..........................................‬‬
‫‪"P‬فرنسا‪225 ,150 ,104 ,25 ,16 ,14............‬‬ ‫‪"P‬شيزر‪,197 ,194 ,183 ,181 ,168 ,97‬‬
‫‪"P‬فلسطين‪,24 ,23 ,21 ,18 ,17 ,16 ,11 ,5‬‬ ‫‪,335 ,334 ,325 ,278 ,236 ,229 ,221‬‬
‫‪,43 ,41 ,40 ,39 ,38 ,37 ,36 ,34 ,30 ,29‬‬ ‫‪,346 ,345 ,344 ,343 ,342 ,341 ,340‬‬
‫‪,103 ,101 ,100 ,97 ,96 ,90 ,71 ,45 ,44‬‬ ‫‪379 ,352‬‬
‫‪,118 ,117 ,115 ,114 ,112 ,109 ,106‬‬ ‫‪"P‬صحراء‪216 ,182...................................‬‬
‫‪,145 ,131 ,130 ,127 ,124 ,120 ,119‬‬ ‫‪"P‬صفين‪375.............................................‬‬
‫‪,216 ,202 ,187 ,186 ,183 ,182 ,181‬‬

‫‪427‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬معرّة‪168...............................................‬‬ ‫‪,374 ,356 ,311 ,287 ,285 ,232 ,224‬‬


‫‪"P‬مكة‪232 ,89..........................................‬‬ ‫‪389 ,382‬‬
‫‪"P‬ملطية‪,144 ,134 ,133 ,73 ,62 ,61 ,22.....‬‬ ‫‪"P‬فيينا‪16..................................................‬‬
‫‪297 ,154‬‬ ‫‪"P‬قبرص‪173 ,81 ,13.................................‬‬
‫‪"P‬مليلة‪17 ,16...........................................‬‬ ‫‪"P‬قرطبة‪15...............................................‬‬
‫‪"P‬موبسواسطيه‪69.......................................‬‬ ‫‪"P‬قرماندو‪53.............................................‬‬
‫‪"P‬ميافارقين‪358 ,227 ,223 ,14...................‬‬ ‫‪"P‬قسطموني‪141.........................................‬‬
‫‪"P‬ميلنو‪140.............................................‬‬ ‫‪"P‬قشتالة‪121 ,14 ,12..................................‬‬
‫‪"P‬نابلس‪366 ,150 ,114 ,112......................‬‬ ‫‪"P‬قليقية‪,139 ,137 ,128 ,71 ,68 ,23 ,22......‬‬
‫‪"P‬نجران‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,334 ,333 ,182 ,171 ,169 ,152 ,150‬‬
‫‪"P‬نصيبين‪353 ,352 ,302 ,296 ,286 ,269....‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,343 ,342 ,335‬‬
‫‪"P‬نصيبيين‪384 ,303...................................‬‬ ‫‪"P‬قنسرين‪155............................................‬‬
‫‪"P‬نكسار‪151 ,141 ,134.............................‬‬ ‫‪"P‬قورس‪217.............................................‬‬
‫‪"P‬نهر‪330 ,195 ,132 ,78 ,74....................‬‬ ‫‪"P‬قونية‪121 ,66 ,65...................................‬‬
‫‪"P‬نورمانديا‪59............................................‬‬ ‫‪"P‬قويق‪155...............................................‬‬
‫‪"P‬نيثنيا‪22.................................................‬‬ ‫‪"P‬قيسارية‪228 ,150 ,138 ,120 ,118 ,101....‬‬
‫‪"P‬نيش‪55 ,48............................................‬‬ ‫‪"P‬قيصرية‪68 ,11.......................................‬‬
‫‪"P‬نيفرز‪142..............................................‬‬ ‫‪"P‬كريت‪13................................................‬‬
‫‪"P‬نيقية ‪,81 ,68 ,67 ,66 ,65 ,64 ,62 ,61 ,51‬‬ ‫‪"P‬كشمير‪389 ,5.........................................‬‬
‫‪140 ,126 ,121 ,96‬‬ ‫‪"P‬كليرمون‪104 ,40 ,38..............................‬‬
‫‪"P‬نيم‪42 ,41..............................................‬‬ ‫‪"P‬كنجة‪310...............................................‬‬
‫‪"P‬هاليس‪142.............................................‬‬ ‫‪"P‬كندا‪254................................................‬‬
‫‪"P‬هرقلة‪143 ,121 ,68................................‬‬ ‫‪"P‬كوسوفو‪5...............................................‬‬
‫‪"P‬هكار‪159...............................................‬‬ ‫‪"P‬كيسوم‪128.............................................‬‬
‫‪"P‬همذان‪,323 ,313 ,215 ,212 ,196 ,193....‬‬ ‫‪"P‬لبنان‪,101 ,99 ,97 ,96 ,73 ,17 ,11 ,5......‬‬
‫‪326‬‬ ‫‪,183 ,182 ,173 ,146 ,131 ,120 ,114‬‬
‫‪"P‬هولندا‪254.............................................‬‬ ‫‪311 ,219 ,216 ,200‬‬
‫‪"P‬وادي‪216 ,201......................................‬‬ ‫‪"P‬لبيا‪12...................................................‬‬
‫‪"P‬واسط‪301 ,253......................................‬‬ ‫‪"P‬لسيديا‪64................................................‬‬
‫‪"P‬ورمز‪50................................................‬‬ ‫‪"P‬لطمين‪168.............................................‬‬
‫‪"P‬يافا ‪,136 ,132 ,126 ,120 ,115 ,114 ,104‬‬ ‫‪"P‬لوبوي‪53 ,40.........................................‬‬
‫‪312 ,182 ,181 ,150 ,149‬‬ ‫‪"P‬لوثرتجيا‪52............................................‬‬
‫‪"P‬يوغوسلفيا‪16.........................................‬‬ ‫‪"P‬ليبيا‪17..................................................‬‬
‫‪َ"Q‬أ ْلهَاكُمُ‪112.............................................‬‬ ‫‪"P‬ليون‪297 ,14 ,12...................................‬‬
‫‪"Q‬إِنّ‪332.................................................‬‬ ‫‪"P‬ماردين‪,205 ,202 ,193 ,189 ,168 ,160...‬‬
‫‪"Q‬إِنْ‪258.................................................‬‬ ‫‪,229 ,227 ,223 ,220 ,218 ,215 ,212‬‬
‫‪ِ"Q‬إنّا‪386..................................................‬‬ ‫‪316 ,315 ,296 ,295 ,239 ,231‬‬
‫‪ِ"Q‬إّنمَا‪365................................................‬‬ ‫‪"P‬مراغة‪196 ,194 ,193.............................‬‬
‫‪"Q‬فَاقْصُصِ‪3.............................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيفان‪142..........................................‬‬
‫‪"Q‬فََلمْ‪368.................................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيليا‪88 ,45........................................‬‬
‫‪َ "Q‬ف ِم ْنهُمْ‪379..............................................‬‬ ‫‪"P‬مرعش‪133 ,73 ,68................................‬‬
‫‪"Q‬كُلّ‪210.................................................‬‬ ‫‪"P‬مسيا‪64.................................................‬‬
‫‪َ"Q‬ل َقدْ‪384 ,379.........................................‬‬ ‫‪"P‬مصر‪,23 ,21 ,18 ,17 ,13 ,11 ,10 ,9 ,5...‬‬
‫‪ِ"Q‬ل َيمِيزَ‪187..............................................‬‬ ‫‪,97 ,94 ,81 ,66 ,49 ,45 ,31 ,25 ,24‬‬
‫‪"Q‬مَنْ‪184.................................................‬‬ ‫‪,126 ,125 ,115 ,112 ,105 ,101 ,100‬‬
‫‪"Q‬هَلْ‪249................................................‬‬ ‫‪,208 ,187 ,179 ,162 ,158 ,156 ,146‬‬
‫‪َ "Q‬وَأمّا‪241...............................................‬‬ ‫‪380 ,239 ,230 ,226 ,216‬‬
‫صمُوا‪188.......................................‬‬ ‫عتَ ِ‬
‫‪"Q‬وَا ْ‬ ‫‪"P‬معرة‪,228 ,195 ,168 ,110 ,107 ,96 ,95..‬‬
‫‪"Q‬وَالُّ‪372...............................................‬‬ ‫‪340 ,324 ,261‬‬

‫‪428‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,238 ,237 ,236 ,229 ,228 ,227 ,225‬‬ ‫‪َ "Q‬وتِ ْلكَ‪371 ,319......................................‬‬
‫‪,315 ,311 ,302 ,299 ,298 ,296 ,285‬‬ ‫‪َ "Q‬ورَ ْهبَا ِنيّةً‪28...........................................‬‬
‫‪,340 ,337 ,333 ,332 ,331 ,330 ,324‬‬ ‫عسَى‪309............................................‬‬ ‫‪"Q‬وَ َ‬
‫‪,363 ,359 ,358 ,356 ,346 ,345 ,344‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ‪383 ,381 ,172 ,87 ,66 ,17..............‬‬
‫‪379‬‬ ‫‪َ "Q‬وَلكُمْ‪244...............................................‬‬
‫‪"S‬قلعة ‪,271 ,263 ,243 ,229 ,179 ,178 ,87.‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَنْ‪17..................................................‬‬
‫‪,349 ,331 ,329 ,316 ,309 ,285 ,272‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ ْولَ‪381 ,17........................................‬‬
‫‪387 ,377 ,375 ,360 ,359 ,358‬‬ ‫‪َ "Q‬و ْليَخْشَ‪248 ,241...................................‬‬
‫البليخ‪165..................................................‬‬ ‫صرَنّ‪383 ,258................................‬‬ ‫‪َ "Q‬وَليَنْ ُ‬
‫تبوك‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَا‪176 ,89 ,10....................................‬‬
‫مؤتة‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَنْ‪258...............................................‬‬
‫‪"S‬حصن ‪,165 ,164 ,160 ,148 ,139 ,90 ,83‬‬
‫‪,223 ,216 ,189 ,181 ,175 ,174 ,168‬‬

‫‪429‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهرس الماكن‬

‫‪430‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,207 ,200 ,199 ,196 ,195 ,194 ,190‬‬ ‫‪"A‬بركياروق ‪,123 ,122 ,85 ,84 ,79 ,76 ,21.‬‬
‫‪220‬‬ ‫‪,163 ,162 ,160 ,159 ,154 ,130 ,124‬‬
‫‪"A‬تتش‪,125 ,124 ,123 ,100 ,76 ,21 ,20....‬‬ ‫‪,249 ,247 ,246 ,176 ,175 ,174 ,172‬‬
‫‪,247 ,246 ,245 ,242 ,184 ,174 ,162‬‬ ‫‪317 ,251‬‬
‫‪292 ,288 ,287 ,283 ,277 ,275 ,250‬‬ ‫‪"A‬برنارد‪230 ,228 ,221 ,151....................‬‬
‫‪"A‬ثوروس‪70 ,22.......................................‬‬ ‫‪"A‬بزواش‪329............................................‬‬
‫‪"A‬ثيودسيوس‪44.........................................‬‬ ‫‪"A‬بطرس‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,41 ,40...‬‬
‫‪"A‬ثيوفيل‪13...............................................‬‬ ‫‪140 ,92 ,88 ,79 ,73 ,64‬‬
‫‪"A‬جالدمار‪135...........................................‬‬ ‫‪"A‬بطغتكين‪206..........................................‬‬
‫‪"A‬جاولي‪,239 ,184 ,178 ,177 ,176 ,163. . .‬‬ ‫‪"A‬بلدوين‪,84 ,72 ,71 ,70 ,69 ,68 ,54 ,52.. .‬‬
‫‪,282 ,281 ,276 ,268 ,255 ,252 ,251‬‬ ‫‪,132 ,131 ,120 ,119 ,108 ,96 ,93 ,92‬‬
‫‪284‬‬ ‫‪,145 ,140 ,139 ,138 ,137 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬جبريل‪134 ,133 ,22..............................‬‬ ‫‪,164 ,154 ,153 ,151 ,150 ,149 ,146‬‬
‫‪"A‬جرموند‪220...........................................‬‬ ‫‪,177 ,173 ,172 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪"A‬جريجوري‪35 ,30 ,27.............................‬‬ ‫‪,189 ,183 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬
‫‪"A‬جستنيان‪57............................................‬‬ ‫‪,201 ,200 ,199 ,198 ,196 ,195 ,190‬‬
‫‪"A‬جعفر‪23................................................‬‬ ‫‪,219 ,217 ,216 ,215 ,204 ,203 ,202‬‬
‫‪"A‬جكرمش ‪,167 ,166 ,165 ,164 ,163 ,151.‬‬ ‫‪,227 ,225 ,224 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬
‫‪,251 ,187 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,237 ,236 ,234 ,231 ,230 ,229 ,228‬‬
‫‪385 ,264 ,259‬‬ ‫‪,302 ,299 ,298 ,297 ,279 ,239 ,238‬‬
‫‪"A‬جمال‪355 ,354 ,269..............................‬‬ ‫‪361 ,312 ,311‬‬
‫‪"A‬جوتشوك‪49...........................................‬‬ ‫‪"A‬بلك‪,231 ,230 ,228 ,227 ,226 ,160‬‬
‫‪"A‬جودفري‪,59 ,58 ,57 ,56 ,55 ,54 ,53 ,52.‬‬ ‫‪379 ,377 ,295 ,234‬‬
‫‪,110 ,108 ,99 ,98 ,97 ,77 ,69 ,68 ,67‬‬ ‫‪"A‬بهاء‪282 ,276 ,259 ,239.......................‬‬
‫‪,118 ,116 ,115 ,114 ,113 ,112 ,111‬‬ ‫‪"A‬بهرام‪354 ,185......................................‬‬
‫‪137 ,136 ,135 ,132 ,121 ,120 ,119‬‬ ‫‪"A‬بوتوميتس‪63..........................................‬‬
‫‪"A‬جورج‪7................................................‬‬ ‫‪"A‬بوري‪,300 ,290 ,289 ,288 ,286 ,186....‬‬
‫‪"A‬جوسلين ‪,183 ,178 ,177 ,168 ,165 ,164.‬‬ ‫‪326 ,311‬‬
‫‪,219 ,201 ,199 ,198 ,196 ,194 ,189‬‬ ‫‪"A‬بوزان‪247 ,123.....................................‬‬
‫‪,236 ,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,222‬‬ ‫‪"A‬بوميتس‪62.............................................‬‬
‫‪,311 ,302 ,300 ,279 ,276 ,238 ,237‬‬ ‫‪"A‬بونز‪,222 ,221 ,217 ,203 ,202 ,200......‬‬
‫‪,362 ,361 ,351 ,343 ,337 ,334 ,331‬‬ ‫‪,329 ,311 ,279 ,238 ,237 ,236 ,230‬‬
‫‪,373 ,370 ,369 ,367 ,366 ,365 ,364‬‬ ‫‪330‬‬
‫‪375‬‬ ‫‪"A‬بوهيموند ‪,67 ,65 ,59 ,58 ,57 ,54 ,53 ,33‬‬
‫‪"A‬جيلسيوس‪220.......................................‬‬ ‫‪,85 ,84 ,83 ,81 ,80 ,79 ,77 ,75 ,69 ,68‬‬
‫‪"A‬جيمي‪28...............................................‬‬ ‫‪,108 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,88 ,86‬‬
‫‪"A‬جيوبرت‪140..........................................‬‬ ‫‪,133 ,132 ,131 ,121 ,120 ,119 ,114‬‬
‫‪"A‬جيوش‪253 ,223 ,222 ,213 ,212............‬‬ ‫‪,151 ,142 ,141 ,139 ,138 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬حسام‪,296 ,295 ,233 ,231 ,229 ,227.....‬‬ ‫‪,168 ,166 ,165 ,164 ,154 ,153 ,152‬‬
‫‪,358 ,353 ,352 ,328 ,325 ,316 ,315‬‬ ‫‪,199 ,177 ,174 ,172 ,171 ,170 ,169‬‬
‫‪375 ,374 ,371 ,359‬‬ ‫‪,279 ,239 ,238 ,222 ,221 ,220 ,200‬‬
‫‪"A‬حسان‪377 ,300.....................................‬‬ ‫‪299 ,297‬‬
‫‪"A‬حسين ‪,133 ,132 ,97 ,89 ,87 ,85 ,79 ,78‬‬ ‫‪"A‬تاتيكيوس‪81 ,78 ,67...............................‬‬
‫‪259 ,208 ,163 ,148 ,147‬‬ ‫‪"A‬تاج‪374................................................‬‬
‫‪"A‬حمزة‪198..............................................‬‬ ‫‪"A‬تانكرد‪,92 ,80 ,69 ,68 ,67 ,65 ,58 ,54....‬‬
‫‪"A‬حنا‪94 ,91 ,14......................................‬‬ ‫‪,137 ,136 ,135 ,114 ,112 ,108 ,93‬‬
‫‪"A‬خاتون‪286............................................‬‬ ‫‪,164 ,151 ,150 ,147 ,140 ,139 ,138‬‬
‫‪"A‬خالد‪232 ,11.........................................‬‬ ‫‪,177 ,174 ,171 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪,189 ,184 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬

‫‪431‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬سلجوق‪18.............................................‬‬ ‫‪"A‬داود‪,306 ,305 ,304 ,303 ,296 ,105......‬‬


‫‪"A‬سلجوقشاه‪,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,321 ,318 ,317 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬
‫‪325 ,321 ,318 ,313 ,309‬‬ ‫‪,348 ,336 ,327 ,326 ,325 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬سلطان‪,229 ,221 ,215 ,197 ,194 ,181...‬‬ ‫‪359 ,358 ,353‬‬
‫‪340 ,278 ,236‬‬ ‫‪"A‬دايمبرت ‪,135 ,132 ,131 ,130 ,121 ,120.‬‬
‫‪"A‬سليم‪16.................................................‬‬ ‫‪150 ,140 ,137 ,136‬‬
‫‪"A‬سليمان ‪,227 ,76 ,75 ,61 ,22 ,21 ,20 ,16.‬‬ ‫‪"A‬دبيس‪,294 ,293 ,268 ,253 ,231 ,223.....‬‬
‫‪285 ,276 ,242‬‬ ‫‪326 ,308 ,302 ,301 ,300‬‬
‫‪"A‬سنجر‪,302 ,301 ,300 ,293 ,218 ,172....‬‬ ‫‪"A‬دقاق ‪,90 ,89 ,87 ,85 ,83 ,79 ,78 ,77 ,21‬‬
‫‪,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,148 ,147 ,136 ,129 ,125 ,124 ,100‬‬
‫‪325 ,321 ,314 ,313‬‬ ‫‪,242 ,207 ,184 ,174 ,173 ,162 ,149‬‬
‫‪"A‬سنقرجة‪151...........................................‬‬ ‫‪307 ,288 ,287 ,277‬‬
‫‪"A‬سوار‪,335 ,334 ,324 ,314 ,313 ,270.....‬‬ ‫‪"A‬ذو‪3.....................................................‬‬
‫‪344 ,340 ,339 ,337 ,336‬‬ ‫‪"A‬رسل‪57 ,55..........................................‬‬
‫‪"A‬سوتكين‪353...........................................‬‬ ‫‪"A‬رضوان ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21.‬‬
‫‪"A‬سونج‪321 ,300 ,289.............................‬‬ ‫‪,141 ,134 ,133 ,129 ,126 ,125 ,124‬‬
‫‪"A‬سيف‪364 ,321 ,259 ,132......................‬‬ ‫‪,174 ,170 ,169 ,168 ,162 ,149 ,148‬‬
‫‪"A‬شرحبيل‪11............................................‬‬ ‫‪,194 ,191 ,190 ,185 ,184 ,181 ,178‬‬
‫‪"A‬شرف‪240 ,239 ,149.............................‬‬ ‫‪,213 ,210 ,208 ,207 ,206 ,196 ,195‬‬
‫‪"A‬شمس‪323 ,322 ,321 ,311 ,227 ,168.....‬‬ ‫‪,286 ,275 ,242 ,235 ,231 ,218 ,214‬‬
‫‪"A‬شهاب‪,353 ,347 ,346 ,330 ,328 ,322....‬‬ ‫‪298‬‬
‫‪354‬‬ ‫‪"A‬ركن‪,352 ,342 ,338 ,316 ,315 ,296......‬‬
‫‪"A‬صلح ‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,7.‬‬ ‫‪362 ,358 ,353‬‬
‫‪,287 ,285 ,282 ,276 ,259 ,239 ,232‬‬ ‫‪"A‬روبرت‪,98 ,97 ,78 ,75 ,67 ,59 ,53 ,33..‬‬
‫‪389 ,366 ,355 ,349 ,346 ,309‬‬ ‫‪114 ,108‬‬
‫‪"A‬صمام‪325 ,290 ,289 ,288.....................‬‬ ‫‪"A‬روجر‪,217 ,216 ,213 ,203 ,202 ,200....‬‬
‫‪"A‬صمصام‪277..........................................‬‬ ‫‪228 ,221 ,220‬‬
‫‪"A‬طارق‪232 ,161 ,12...............................‬‬ ‫‪"A‬رومانوس‪344 ,37 ,19............................‬‬
‫‪"A‬طالوت‪3................................................‬‬ ‫‪"A‬ريتشارد‪177..........................................‬‬
‫‪"A‬طشت‪271.............................................‬‬ ‫‪"A‬ريمون‪,89 ,78 ,67 ,65 ,59 ,58 ,53 ,41...‬‬
‫‪"A‬طغتكين‪,191 ,189 ,186 ,185 ,174 ,149..‬‬ ‫‪,108 ,99 ,98 ,97 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92‬‬
‫‪,205 ,202 ,201 ,200 ,197 ,196 ,195‬‬ ‫‪,120 ,119 ,115 ,114 ,113 ,110 ,109‬‬
‫‪,215 ,214 ,213 ,212 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,134 ,131 ,129 ,121‬‬
‫‪,233 ,230 ,224 ,223 ,222 ,220 ,216‬‬ ‫‪,173 ,149 ,148 ,147 ,146 ,142 ,140‬‬
‫‪,300 ,288 ,287 ,286 ,277 ,237 ,234‬‬ ‫‪,332 ,331 ,330 ,329 ,180 ,179 ,175‬‬
‫‪325 ,322 ,307‬‬ ‫‪334‬‬
‫‪"A‬طغرل‪,304 ,303 ,218 ,157 ,19 ,18‬‬ ‫‪"A‬ريموند‪,336 ,335 ,334 ,331 ,324 ,276...‬‬
‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,357 ,343 ,337‬‬
‫‪321 ,320 ,319 ,318 ,317 ,314‬‬ ‫‪"A‬رينو‪312...............................................‬‬
‫‪"A‬عائشة‪250 ,24.......................................‬‬ ‫‪"A‬زاخارس‪22...........................................‬‬
‫‪"A‬عبد‪250 ,241 ,187 ,159 ,100................‬‬ ‫‪"A‬زمرد‪354 ,346.....................................‬‬
‫‪"A‬عديّ‪159..............................................‬‬ ‫‪"A‬زنكي‪176.............................................‬‬
‫‪"A‬عز‪,292 ,276 ,262 ,239 ,237 ,236‬‬ ‫‪"A‬زين‪374 ,270.......................................‬‬
‫‪377 ,375‬‬ ‫‪"A‬ستيفن‪93 ,85 ,84 ,78 ,67 ,59 ,53...........‬‬
‫‪"A‬عقبة‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬سعد‪232 ,146.......................................‬‬
‫‪"A‬علي‪250...............................................‬‬ ‫‪"A‬سقمان‪,166 ,165 ,164 ,160 ,139 ,21 ,7..‬‬
‫‪"A‬عماد ‪,210 ,205 ,203 ,187 ,161 ,157 ,8.‬‬ ‫‪,193 ,189 ,186 ,177 ,175 ,172 ,168‬‬
‫‪,248 ,247 ,242 ,241 ,240 ,234 ,213‬‬ ‫‪379 ,295 ,231 ,215 ,196‬‬
‫‪,255 ,254 ,253 ,252 ,251 ,250 ,249‬‬ ‫‪"A‬سكمان‪100............................................‬‬

‫‪432‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬قميرك‪205 ,202....................................‬‬ ‫‪,263 ,262 ,261 ,260 ,259 ,257 ,256‬‬


‫‪"A‬كربوغا‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,78. .‬‬ ‫‪,270 ,269 ,268 ,267 ,266 ,265 ,264‬‬
‫‪,163 ,159 ,156 ,151 ,122 ,98 ,97 ,91‬‬ ‫‪,277 ,276 ,275 ,274 ,273 ,272 ,271‬‬
‫‪385 ,259 ,251 ,250 ,187‬‬ ‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,280 ,279 ,278‬‬
‫‪"A‬كعب‪291..............................................‬‬ ‫‪,291 ,290 ,289 ,288 ,287 ,286 ,285‬‬
‫‪"A‬كمال‪348 ,347 ,338 ,270......................‬‬ ‫‪,298 ,297 ,296 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬
‫‪"A‬كمشتكين‪148 ,144.................................‬‬ ‫‪,305 ,304 ,303 ,302 ,301 ,300 ,299‬‬
‫‪"A‬كندغدي‪254..........................................‬‬ ‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,307 ,306‬‬
‫‪"A‬كوغ‪217 ,190 ,128...............................‬‬ ‫‪,321 ,320 ,319 ,318 ,316 ,315 ,314‬‬
‫‪"A‬كولومان‪54 ,51 ,50 ,48..........................‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,324 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬كونستانس‪331 ,324 ,297........................‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪"A‬لروجر‪214............................................‬‬ ‫‪,342 ,341 ,340 ,339 ,338 ,337 ,336‬‬
‫‪"A‬لوقا‪38..................................................‬‬ ‫‪,350 ,349 ,348 ,347 ,346 ,345 ,344‬‬
‫‪"A‬لويس‪299.............................................‬‬ ‫‪,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352 ,351‬‬
‫‪"A‬ليون‪334 ,333 ,297...............................‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,358‬‬
‫‪"A‬مارتن‪29...............................................‬‬ ‫‪,371 ,370 ,369 ,368 ,367 ,366 ,365‬‬
‫‪"A‬مانويل‪370 ,361....................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,377 ,376 ,375 ,374 ,373‬‬
‫‪"A‬مباركشاه‪214.........................................‬‬ ‫‪389 ,387 ,386 ,385 ,384 ,383 ,382‬‬
‫‪"A‬متّى‪202...............................................‬‬ ‫‪"A‬عمر‪382 ,265 ,241 ,161 ,122 ,24 ,11...‬‬
‫‪"A‬مجاهد‪349.............................................‬‬ ‫‪"A‬عمرو‪12...............................................‬‬
‫‪"A‬مجير‪355..............................................‬‬ ‫‪"A‬عموري‪361..........................................‬‬
‫‪"A‬محمد‪,175 ,174 ,172 ,163 ,161 ,124.....‬‬ ‫‪"A‬عيسى‪284.............................................‬‬
‫‪,211 ,193 ,192 ,188 ,179 ,177 ,176‬‬ ‫‪"A‬غازي‪,141 ,138 ,134 ,133 ,67 ,66 ,61..‬‬
‫‪,274 ,252 ,251 ,232 ,218 ,213 ,212‬‬ ‫‪170 ,156 ,154 ,153 ,152 ,151‬‬
‫‪355 ,339 ,327 ,317 ,291‬‬ ‫‪"A‬غيورغي‪43...........................................‬‬
‫‪"A‬محمود‪,236 ,234 ,226 ,223 ,222 ,218...‬‬ ‫‪"A‬فاطمة‪23...............................................‬‬
‫‪,274 ,255 ,254 ,253 ,240 ,239 ,238‬‬ ‫‪"A‬فخر‪99 ,97...........................................‬‬
‫‪,301 ,294 ,293 ,284 ,283 ,282 ,276‬‬ ‫‪"A‬فردريك‪144...........................................‬‬
‫‪,320 ,317 ,310 ,305 ,304 ,303 ,302‬‬ ‫‪"A‬فرعون‪216 ,134 ,3...............................‬‬
‫‪373 ,338‬‬ ‫‪"A‬فروخ‪255.............................................‬‬
‫‪"A‬مسعود‪,226 ,223 ,222 ,218 ,193 ,192...‬‬ ‫‪"A‬فولك‪,324 ,312 ,311 ,302 ,300 ,299.....‬‬
‫‪,305 ,304 ,303 ,268 ,257 ,239 ,230‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪,317 ,314 ,313 ,310 ,309 ,308 ,306‬‬ ‫‪362 ,361 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪,326 ,325 ,323 ,322 ,321 ,319 ,318‬‬ ‫‪"A‬فولكمار‪50 ,49.......................................‬‬
‫‪,347 ,344 ,339 ,338 ,336 ,328 ,327‬‬ ‫‪"A‬فيلريتوس‪75.........................................‬‬
‫‪,371 ,364 ,363 ,357 ,353 ,350 ,348‬‬ ‫‪"A‬فيليب‪366 ,53 ,38..................................‬‬
‫‪383 ,373‬‬ ‫‪"A‬قاروت‪21..............................................‬‬
‫‪"A‬مسلم‪258 ,242 ,161..............................‬‬ ‫‪"A‬قارون‪3.................................................‬‬
‫‪"A‬معاوية‪73 ,12........................................‬‬ ‫‪"A‬قتلغ‪285 ,276........................................‬‬
‫‪"A‬معين‪356 ,355 ,354 ,329 ,328 ,322......‬‬ ‫‪"A‬قتلمش‪21...............................................‬‬
‫‪"A‬ملكشاه‪,158 ,124 ,123 ,76 ,22 ,21 ,19...‬‬ ‫‪"A‬قرا‪371 ,365 ,362 ,358........................‬‬
‫‪,245 ,242 ,214 ,172 ,162 ,160 ,159‬‬ ‫‪"A‬قريش‪328 ,323 ,289.............................‬‬
‫‪,379 ,320 ,319 ,252 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"A‬قطب‪259..............................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪"A‬قطز‪241 ,232 ,161...............................‬‬
‫‪"A‬منقذ‪334...............................................‬‬ ‫‪"A‬قفجاق‪358 ,357.....................................‬‬
‫‪"A‬مودود‪,191 ,190 ,189 ,188 ,187 ,177 ,7‬‬ ‫‪"A‬قلج ‪,66 ,65 ,64 ,63 ,62 ,61 ,51 ,21 ,20.‬‬
‫‪,198 ,197 ,196 ,195 ,194 ,193 ,192‬‬ ‫‪,141 ,134 ,130 ,127 ,126 ,121 ,68 ,67‬‬
‫‪,205 ,204 ,203 ,202 ,201 ,200 ,199‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,152 ,148 ,145 ,144‬‬
‫‪,212 ,211 ,210 ,209 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪242 ,176‬‬

‫‪433‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪َ "H‬كمَا‪212 ,129........................................‬‬ ‫‪,220 ,218 ,217 ,216 ,215 ,214 ,213‬‬
‫‪"H‬لَ‪6......................................................‬‬ ‫‪,253 ,252 ,238 ,235 ,234 ,225 ,221‬‬
‫‪َ"H‬لوْ‪112..................................................‬‬ ‫‪387 ,385 ,383 ,382 ,379 ,259 ,257‬‬
‫‪"H‬هَوّنْ‪265...............................................‬‬ ‫‪"A‬موسى‪164 ,151 ,23 ,12.........................‬‬
‫‪"H‬وَاّلذِي‪89...............................................‬‬ ‫‪"A‬ميلزاند‪370 ,366 ,361 ,312 ,300............‬‬
‫‪"H‬وَالِّ‪232...............................................‬‬ ‫‪"A‬نابليون‪134............................................‬‬
‫‪َ "H‬وكَانَ‪10................................................‬‬ ‫‪"A‬ناصر‪264.............................................‬‬
‫‪"H‬يَا‪233..................................................‬‬ ‫‪"A‬نجم‪355 ,349 ,309 ,263 ,161 ,8............‬‬
‫‪"H‬يد‪141..................................................‬‬ ‫‪"A‬نزار‪208 ,24.........................................‬‬
‫شكُ‪103.............................................‬‬ ‫‪"H‬يُو ِ‬ ‫‪"A‬نصرة‪259.............................................‬‬
‫‪"K‬أجنادين‪11.............................................‬‬ ‫‪"A‬نصير‪,373 ,348 ,282 ,269 ,263 ,259....‬‬
‫‪"K‬أورش‪227.............................................‬‬ ‫‪386 ,374‬‬
‫‪"K‬البليخ‪,173 ,172 ,171 ,170 ,167 ,165.....‬‬ ‫‪"A‬نظام‪,242 ,238 ,206 ,192 ,163 ,158......‬‬
‫‪189 ,186 ,175‬‬ ‫‪385 ,379‬‬
‫‪"K‬الرملة‪174 ,149 ,146.............................‬‬ ‫‪"A‬نقفور‪74................................................‬‬
‫‪"K‬الزلقة‪25 ,14........................................‬‬ ‫‪"A‬نور‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,8.....‬‬
‫‪"K‬الصنبرة‪252..........................................‬‬ ‫‪389 ,388 ,357 ,349 ,309 ,287 ,259‬‬
‫‪"K‬العقاب‪39 ,15........................................‬‬ ‫‪"A‬نورمان‪4...............................................‬‬
‫‪"K‬القادسية‪49.............................................‬‬ ‫‪"A‬نيروز‪85 ,84.........................................‬‬
‫‪"K‬بلط‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬هبة‪259................................................‬‬
‫‪"K‬بيسان‪11...............................................‬‬ ‫‪"A‬هتلر‪134 ,107.......................................‬‬
‫‪"K‬تبوك‪11................................................‬‬ ‫‪"A‬هرقل‪11 ,10..........................................‬‬
‫‪"K‬دانيث‪213.............................................‬‬ ‫‪"A‬هنري‪324 ,108 ,53 ,37 ,33 ,27.............‬‬
‫‪"K‬دوريليوم‪126.........................................‬‬ ‫‪"A‬هوجو‪224.............................................‬‬
‫‪"K‬مؤتة‪11.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيو‪368 ,367 ,312 ,78 ,54 ,53..............‬‬
‫‪"K‬مرج‪85.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيومن‪140............................................‬‬
‫‪"K‬مرسيفان‪171..........................................‬‬ ‫‪"A‬والتر‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,47 ,41‬‬
‫‪"K‬ملذكرد‪344 ,157 ,74 ,64 ,57 ,37 ,19....‬‬ ‫‪140 ,64‬‬
‫‪"K‬منبج‪228...............................................‬‬ ‫‪"A‬وثاب‪87................................................‬‬
‫‪"K‬نيقية‪126 ,90 ,65...................................‬‬ ‫‪"A‬ولف‪143...............................................‬‬
‫‪"K‬هرقلة‪171 ,143.....................................‬‬ ‫‪"A‬وليم ‪,180 ,179 ,175 ,143 ,142 ,106 ,33‬‬
‫‪"P‬آسيا ‪,23 ,22 ,21 ,20 ,19 ,18 ,15 ,13 ,10.‬‬ ‫‪324 ,228 ,182‬‬
‫‪,61 ,59 ,58 ,57 ,51 ,50 ,43 ,41 ,31 ,25‬‬ ‫‪"A‬ونمار‪78...............................................‬‬
‫‪,86 ,81 ,74 ,73 ,72 ,71 ,70 ,66 ,65 ,64‬‬ ‫‪"A‬ياغي‪,84 ,83 ,82 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75‬‬
‫‪,126 ,121 ,109 ,108 ,100 ,99 ,93 ,90‬‬ ‫‪123 ,85‬‬
‫‪,142 ,140 ,134 ,133 ,130 ,128 ,127‬‬ ‫‪"A‬يرنقش‪376............................................‬‬
‫‪,152 ,151 ,148 ,146 ,145 ,144 ,143‬‬ ‫‪"A‬يوحنا‪,334 ,333 ,332 ,324 ,222 ,220.....‬‬
‫‪,220 ,187 ,176 ,159 ,156 ,154 ,153‬‬ ‫‪,362 ,361 ,344 ,343 ,342 ,337 ,336‬‬
‫‪380 ,338 ,337 ,335 ,310 ,242‬‬ ‫‪367‬‬
‫‪"P‬آمد‪365 ,358 ,315 ,296.........................‬‬ ‫‪"A‬يوسف‪161 ,25 ,15................................‬‬
‫‪"P‬أبونيا‪22.................................................‬‬ ‫‪156, 158..............................................H‬‬
‫‪"P‬أذربيجان‪306 ,193 ,172..........................‬‬ ‫‪َ"H‬أخْوَفُ‪306............................................‬‬
‫‪"P‬أذنة ‪,344 ,343 ,333 ,169 ,152 ,139 ,71.‬‬ ‫‪"H‬إذا‪258.................................................‬‬
‫‪345‬‬ ‫‪ِ"H‬إذَا‪258.................................................‬‬
‫‪"P‬أرتاح‪221 ,169......................................‬‬ ‫‪"H‬إن‪193.................................................‬‬
‫‪"P‬أرجوان‪12.............................................‬‬ ‫‪"H‬إِنّ‪386 ,193 ,184 ,88...........................‬‬
‫‪"P‬أرسوف‪,118 ,115 ,114 ,113 ,104 ,101...‬‬ ‫‪"H‬إني‪233................................................‬‬
‫‪150 ,138 ,120‬‬ ‫‪"H‬الْحَ ْربُ‪291............................................‬‬
‫‪"P‬أرمينيا‪22 ,14.........................................‬‬ ‫‪"H‬فَوَالِّ‪20................................................‬‬

‫‪434‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬إشبيلية‪15...............................................‬‬ ‫‪"P‬أرمينية‪306 ,172 ,18..............................‬‬


‫‪"P‬إفريقيا‪,25 ,24 ,23 ,16 ,14 ,13 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أزمير‪22................................................‬‬
‫‪380 ,100 ,31‬‬ ‫‪"P‬أسعرد‪359.............................................‬‬
‫‪"P‬إقليم‪,223 ,203 ,119 ,25 ,18 ,13 ,10‬‬ ‫‪"P‬أصبهان‪172...........................................‬‬
‫‪,295 ,281 ,278 ,268 ,262 ,239 ,229‬‬ ‫‪"P‬أصفهان‪305 ,274 ,254...........................‬‬
‫‪,328 ,325 ,322 ,316 ,315 ,314 ,297‬‬ ‫‪"P‬أفغانستان‪389 ,380 ,25 ,18 ,17 ,5...........‬‬
‫‪,362 ,359 ,358 ,353 ,352 ,351 ,338‬‬ ‫‪"P‬أفلونا‪57.................................................‬‬
‫‪382 ,371 ,365‬‬ ‫‪"P‬أكوتيين‪143............................................‬‬
‫‪"P‬إنجلترا‪,171 ,103 ,42 ,33 ,16 ,12 ,10.....‬‬ ‫‪"P‬ألبانيا‪57 ,16...........................................‬‬
‫‪324 ,254 ,225‬‬ ‫‪"P‬ألمانيا‪,48 ,47 ,37 ,33 ,31 ,27 ,12 ,10.....‬‬
‫‪"P‬إندونيسيا‪380..........................................‬‬ ‫‪171 ,143 ,140 ,108 ,103‬‬
‫‪"P‬إيران‪,193 ,172 ,160 ,21 ,18 ,16 ,5‬‬ ‫‪"P‬أماسية‪142 ,141.....................................‬‬
‫‪306 ,274‬‬ ‫‪"P‬أمريكا‪17 ,7 ,4.......................................‬‬
‫‪"P‬إيطاليا‪,37 ,35 ,33 ,32 ,31 ,29 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أنجرز‪42...............................................‬‬
‫‪,140 ,103 ,91 ,80 ,67 ,59 ,57 ,53 ,42‬‬ ‫‪"P‬أنطاكية‪,69 ,58 ,57 ,54 ,33 ,22 ,14 ,13...‬‬
‫‪222 ,221 ,200 ,174 ,170 ,150 ,141‬‬ ‫‪,80 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75 ,74 ,73 ,72 ,71‬‬
‫‪"P‬الدرياثيك‪171........................................‬‬ ‫‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,83 ,82 ,81‬‬
‫‪"P‬الردن‪203.............................................‬‬ ‫‪,105 ,102 ,98 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91‬‬
‫‪"P‬السكندرونة‪84........................................‬‬ ‫‪,120 ,119 ,114 ,110 ,109 ,108 ,107‬‬
‫‪"P‬القحوانة‪203..........................................‬‬ ‫‪,130 ,129 ,127 ,126 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪"P‬الناضول‪67 ,65 ,20 ,10.........................‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,135 ,134 ,133 ,131‬‬
‫‪"P‬الندلس‪25..............................................‬‬ ‫‪,154 ,153 ,151 ,150 ,147 ,144 ,143‬‬
‫‪"P‬السكندرية‪115........................................‬‬ ‫‪,167 ,166 ,164 ,163 ,159 ,156 ,155‬‬
‫‪"P‬البارة‪168..............................................‬‬ ‫‪,179 ,178 ,177 ,171 ,170 ,169 ,168‬‬
‫‪"P‬البرتغال‪12.............................................‬‬ ‫‪,200 ,199 ,194 ,190 ,182 ,181 ,180‬‬
‫‪"P‬البروفنسال‪58 ,53....................................‬‬ ‫‪,221 ,220 ,217 ,213 ,207 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬البسفور‪140 ,59 ,50...............................‬‬ ‫‪,230 ,229 ,228 ,227 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬البصرة‪254 ,253....................................‬‬ ‫‪,264 ,251 ,239 ,238 ,237 ,236 ,231‬‬
‫‪"P‬البلط‪344 ,337 ,331 ,223 ,222 ,221......‬‬ ‫‪,294 ,286 ,279 ,278 ,277 ,276 ,275‬‬
‫‪"P‬البلقان‪59 ,57 ,54 ,33.............................‬‬ ‫‪,311 ,303 ,302 ,299 ,298 ,297 ,295‬‬
‫‪"P‬البندقية‪230 ,181 ,115 ,45 ,33.................‬‬ ‫‪,331 ,330 ,328 ,324 ,323 ,314 ,312‬‬
‫‪"P‬البوازيج‪283 ,281 ,272...........................‬‬ ‫‪,339 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333 ,332‬‬
‫‪"P‬البوسنة‪17 ,5..........................................‬‬ ‫‪,361 ,357 ,352 ,351 ,346 ,342 ,341‬‬
‫‪"P‬البيرة ‪386 ,374 ,373 ,227 ,217 ,183 ,70‬‬ ‫‪386 ,374 ,370 ,366 ,362‬‬
‫‪"P‬الجبيل‪182 ,21.......................................‬‬ ‫‪"P‬أنقرة‪142 ,141.......................................‬‬
‫‪"P‬الجزيرة‪306 ,18 ,10...............................‬‬ ‫‪"P‬أوربا‪,27 ,26 ,19 ,16 ,15 ,12 ,10 ,7 ,4....‬‬
‫‪"P‬الجليل‪,199 ,168 ,158 ,137 ,136 ,73......‬‬ ‫‪,39 ,37 ,36 ,35 ,34 ,33 ,32 ,31 ,30 ,28‬‬
‫‪366 ,360 ,241 ,201‬‬ ‫‪,50 ,49 ,47 ,46 ,45 ,44 ,43 ,42 ,41 ,40‬‬
‫‪"P‬الحبشة‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,96 ,91 ,75 ,72 ,71 ,64 ,55 ,53 ,52 ,51‬‬
‫‪"P‬الحجاز‪216 ,23 ,5..................................‬‬ ‫‪,111 ,109 ,108 ,107 ,106 ,104 ,103‬‬
‫‪"P‬الحديثة‪359............................................‬‬ ‫‪,151 ,150 ,140 ,121 ,120 ,117 ,112‬‬
‫‪"P‬الخابور‪176............................................‬‬ ‫‪,370 ,335 ,297 ,279 ,224 ,220 ,170‬‬
‫‪"P‬الدنمارك‪42............................................‬‬ ‫‪381‬‬
‫‪"P‬الرحبة‪87...............................................‬‬ ‫‪"P‬أيلة‪216 ,11...........................................‬‬
‫‪"P‬الرقة‪375 ,322.......................................‬‬ ‫‪"P‬أيوينا‪64.................................................‬‬
‫‪"P‬الرملة‪,149 ,146 ,120 ,114 ,104 ,101.....‬‬ ‫‪"P‬إربل‪328 ,304 ,193...............................‬‬
‫‪186 ,182 ,174‬‬ ‫‪"P‬إسبانيا‪254 ,171 ,42 ,25 ,14 ,10.............‬‬
‫‪"P‬الرها‪,84 ,79 ,75 ,72 ,71 ,70 ,69 ,57 ,22‬‬ ‫‪"P‬إسكتلندا‪42.............................................‬‬
‫‪,123 ,121 ,120 ,119 ,108 ,96 ,92 ,85‬‬ ‫‪"P‬إسكندينافيا‪32..........................................‬‬

‫‪435‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬العقبة‪216 ,65........................................‬‬ ‫‪,136 ,134 ,131 ,130 ,129 ,128 ,127‬‬


‫‪"P‬الفرما‪219 ,216......................................‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,151 ,144 ,139 ,138‬‬
‫‪"P‬القاهرة‪389 ,385 ,201 ,130 ,101 ,15......‬‬ ‫‪,169 ,168 ,167 ,166 ,164 ,163 ,159‬‬
‫‪"P‬القدس‪,105 ,104 ,99 ,97 ,96 ,92 ,44‬‬ ‫‪,190 ,189 ,183 ,179 ,178 ,177 ,170‬‬
‫‪,131 ,120 ,113 ,112 ,111 ,107 ,106‬‬ ‫‪,199 ,198 ,196 ,195 ,194 ,193 ,191‬‬
‫‪,174 ,150 ,146 ,145 ,136 ,135 ,132‬‬ ‫‪,219 ,217 ,215 ,212 ,203 ,201 ,200‬‬
‫‪224 ,219 ,205 ,204 ,202 ,186 ,182‬‬ ‫‪,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,223 ,222‬‬
‫‪"P‬القسطنطينية‪,48 ,47 ,46 ,44 ,41 ,16 ,12...‬‬ ‫‪,264 ,257 ,253 ,247 ,238 ,237 ,236‬‬
‫‪,69 ,68 ,62 ,59 ,58 ,57 ,56 ,51 ,50 ,49‬‬ ‫‪,294 ,285 ,283 ,279 ,278 ,276 ,275‬‬
‫‪,139 ,127 ,94 ,92 ,86 ,81 ,80 ,73 ,71‬‬ ‫‪,314 ,311 ,302 ,300 ,299 ,298 ,295‬‬
‫‪,216 ,147 ,145 ,144 ,143 ,142 ,140‬‬ ‫‪,351 ,350 ,346 ,341 ,337 ,331 ,324‬‬
‫‪342‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,352‬‬
‫‪"P‬اللذقية ‪,139 ,131 ,122 ,121 ,97 ,78 ,74.‬‬ ‫‪,372 ,371 ,370 ,369 ,368 ,366 ,365‬‬
‫‪,179 ,171 ,170 ,169 ,152 ,151 ,147‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,384 ,377 ,375 ,373‬‬
‫‪328 ,324 ,311 ,300 ,298 ,243‬‬ ‫‪"P‬الري‪247 ,123.......................................‬‬
‫‪"P‬اللد‪182 ,120 ,114.................................‬‬ ‫‪"P‬السودان‪380 ,125 ,5...............................‬‬
‫‪"P‬اللورين‪108 ,67 ,52................................‬‬ ‫‪"P‬السيوان‪328............................................‬‬
‫‪"P‬المجدل‪355............................................‬‬ ‫‪"P‬الشام‪,18 ,14 ,13 ,12 ,11 ,10 ,9 ,8 ,6 ,5. .‬‬
‫‪"P‬المجر‪107 ,55 ,54 ,51 ,50 ,44 ,16..........‬‬ ‫‪,41 ,36 ,31 ,30 ,25 ,24 ,23 ,21 ,20 ,19‬‬
‫‪"P‬المرقب‪169............................................‬‬ ‫‪,72 ,70 ,66 ,65 ,64 ,57 ,49 ,46 ,43 ,42‬‬
‫‪"P‬المصيصة‪333 ,169 ,152 ,139 ,71..........‬‬ ‫‪,119 ,114 ,100 ,87 ,81 ,77 ,76 ,74 ,73‬‬
‫‪"P‬المغرب‪,100 ,31 ,25 ,23 ,17 ,16 ,14 ,9. .‬‬ ‫‪,127 ,126 ,125 ,124 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪380‬‬ ‫‪,145 ,144 ,142 ,140 ,131 ,130 ,128‬‬
‫‪"P‬الموصل‪,122 ,90 ,87 ,84 ,78 ,72 ,14......‬‬ ‫‪,164 ,163 ,162 ,159 ,158 ,157 ,156‬‬
‫‪,167 ,165 ,164 ,163 ,159 ,156 ,151‬‬ ‫‪,185 ,184 ,181 ,180 ,179 ,173 ,168‬‬
‫‪,187 ,177 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,208 ,206 ,200 ,197 ,194 ,192 ,187‬‬
‫‪,198 ,197 ,195 ,193 ,191 ,189 ,188‬‬ ‫‪,237 ,235 ,230 ,229 ,226 ,225 ,216‬‬
‫‪,213 ,212 ,211 ,207 ,206 ,205 ,201‬‬ ‫‪,255 ,254 ,247 ,246 ,245 ,242 ,239‬‬
‫‪,234 ,233 ,226 ,224 ,223 ,222 ,217‬‬ ‫‪,285 ,281 ,277 ,276 ,275 ,274 ,257‬‬
‫‪,242 ,240 ,239 ,238 ,237 ,236 ,235‬‬ ‫‪,308 ,306 ,305 ,294 ,288 ,287 ,286‬‬
‫‪,259 ,256 ,255 ,253 ,252 ,251 ,250‬‬ ‫‪,342 ,338 ,336 ,330 ,322 ,320 ,311‬‬
‫‪,275 ,274 ,272 ,271 ,269 ,264 ,262‬‬ ‫‪,374 ,371 ,356 ,352 ,348 ,347 ,344‬‬
‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,279 ,278 ,276‬‬ ‫‪389 ,382 ,380 ,379‬‬
‫‪,295 ,294 ,293 ,292 ,288 ,287 ,285‬‬ ‫‪"P‬الشيشان‪389 ,5.......................................‬‬
‫‪,313 ,309 ,308 ,305 ,303 ,301 ,300‬‬ ‫‪"P‬الصرب‪17.............................................‬‬
‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,322 ,320 ,315‬‬ ‫‪"P‬الصنبرة‪210 ,207 ,206 ,205 ,204 ,203...‬‬
‫‪,359 ,357 ,356 ,354 ,351 ,349 ,348‬‬ ‫‪"P‬الصومال‪5..............................................‬‬
‫‪,384 ,375 ,374 ,373 ,371 ,365 ,364‬‬ ‫‪"P‬الصين‪254 ,242 ,158 ,123 ,20 ,17.........‬‬
‫‪386 ,385‬‬ ‫‪"P‬العراق‪,25 ,23 ,21 ,18 ,17 ,14 ,12 ,7 ,5..‬‬
‫‪"P‬النرويج‪181............................................‬‬ ‫‪,124 ,123 ,122 ,119 ,76 ,73 ,66 ,57‬‬
‫‪"P‬النمسا‪44 ,16..........................................‬‬ ‫‪,164 ,163 ,161 ,160 ,159 ,157 ,156‬‬
‫‪"P‬الهند‪380 ,158 ,25 ,18 ,17.....................‬‬ ‫‪,195 ,187 ,174 ,172 ,169 ,168 ,167‬‬
‫‪"P‬اليرموك‪203 ,11.....................................‬‬ ‫‪,254 ,235 ,232 ,229 ,223 ,212 ,202‬‬
‫‪"P‬اليمن‪380 ,25 ,10 ,9...............................‬‬ ‫‪,301 ,293 ,278 ,275 ,274 ,261 ,255‬‬
‫‪"P‬اليونان‪16...............................................‬‬ ‫‪,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,303‬‬
‫‪"P‬بافاريا‪143.............................................‬‬ ‫‪,322 ,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,312‬‬
‫‪"P‬باكستان‪306 ,21 ,5.................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,371 ,366 ,336 ,326 ,323‬‬
‫‪"P‬بالس‪375...............................................‬‬ ‫‪389 ,385‬‬
‫‪"P‬العريش‪239 ,220 ,219 ,216...................‬‬

‫‪436‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬تولوز‪146 ,119 ,92 ,58 ,53 ,42 ,41........‬‬ ‫‪"P‬بانياس‪,336 ,186 ,185 ,183 ,182 ,180....‬‬
‫‪"P‬تونس‪25 ,12..........................................‬‬ ‫‪374 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪"P‬جبال‪334 ,297 ,68 ,11...........................‬‬ ‫‪"P‬بخارى‪9................................................‬‬
‫‪"P‬جبل‪328 ,202........................................‬‬ ‫‪"P‬براغ‪50.................................................‬‬
‫‪"P‬جبلة‪180 ,97..........................................‬‬ ‫‪"P‬برقة‪12.................................................‬‬
‫‪"P‬جبيل‪182 ,179 ,173...............................‬‬ ‫‪"P‬بروفانس‪41............................................‬‬
‫‪"P‬جرجان‪303............................................‬‬ ‫‪"P‬بعلبك‪384 ,355 ,354 ,336 ,311 ,264......‬‬
‫‪"P‬جزيرة‪360 ,283 ,281 ,262.....................‬‬ ‫‪"P‬بغداد‪,172 ,164 ,160 ,157 ,122 ,19 ,12..‬‬
‫‪"P‬جنوة‪138 ,115 ,45 ,42 ,31.....................‬‬ ‫‪,235 ,223 ,193 ,192 ,191 ,181 ,179‬‬
‫‪"P‬حران‪,189 ,171 ,167 ,165 ,164 ,163.....‬‬ ‫‪,294 ,293 ,281 ,274 ,268 ,254 ,253‬‬
‫‪,295 ,293 ,292 ,231 ,228 ,223 ,190‬‬ ‫‪,309 ,308 ,306 ,305 ,303 ,301 ,296‬‬
‫‪384 ,353 ,322 ,303‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,323 ,320 ,313‬‬
‫‪"P‬حلب ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21 ,14‬‬ ‫‪,364 ,363 ,349 ,348 ,347 ,344 ,338‬‬
‫‪,148 ,141 ,133 ,126 ,125 ,124 ,123‬‬ ‫‪385‬‬
‫‪,169 ,168 ,164 ,163 ,162 ,155 ,151‬‬ ‫‪"P‬بلجراد‪55...............................................‬‬
‫‪,185 ,184 ,183 ,182 ,181 ,178 ,174‬‬ ‫‪"P‬بلغاريا‪44 ,16.........................................‬‬
‫‪,206 ,195 ,194 ,192 ,191 ,190 ,186‬‬ ‫‪"P‬بلوا‪59 ,53.............................................‬‬
‫‪,218 ,217 ,215 ,214 ,212 ,210 ,207‬‬ ‫‪"P‬بواتيية‪42...............................................‬‬
‫‪,228 ,227 ,225 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬ ‫‪"P‬بواسي‪47...............................................‬‬
‫‪,236 ,235 ,234 ,233 ,231 ,230 ,229‬‬ ‫‪"P‬بوردو‪42...............................................‬‬
‫‪,245 ,244 ,243 ,242 ,240 ,239 ,237‬‬ ‫‪"P‬بورسعيد‪216..........................................‬‬
‫‪,259 ,257 ,255 ,250 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"P‬بوي‪140................................................‬‬
‫‪,276 ,275 ,274 ,272 ,270 ,268 ,264‬‬ ‫‪"P‬بيت‪,69 ,62 ,57 ,45 ,44 ,41 ,14 ,11 ,5...‬‬
‫‪,288 ,287 ,286 ,285 ,284 ,283 ,279‬‬ ‫‪,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,90 ,82 ,81 ,72‬‬
‫‪,300 ,299 ,298 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬ ‫‪,107 ,106 ,104 ,102 ,101 ,100 ,99 ,98‬‬
‫‪,325 ,323 ,316 ,314 ,313 ,303 ,301‬‬ ‫‪,114 ,113 ,112 ,111 ,110 ,109 ,108‬‬
‫‪,339 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333‬‬ ‫‪,124 ,122 ,121 ,120 ,119 ,116 ,115‬‬
‫‪,351 ,348 ,347 ,346 ,344 ,343 ,340‬‬ ‫‪,136 ,135 ,132 ,131 ,130 ,129 ,126‬‬
‫‪386 ,384 ,366 ,365 ,360 ,356 ,354‬‬ ‫‪,150 ,149 ,146 ,145 ,139 ,138 ,137‬‬
‫‪"P‬حماة‪,192 ,185 ,183 ,181 ,151 ,83 ,11. .‬‬ ‫‪,182 ,180 ,174 ,173 ,170 ,168 ,160‬‬
‫‪,292 ,290 ,289 ,288 ,277 ,243 ,202‬‬ ‫‪,202 ,201 ,200 ,199 ,196 ,190 ,189‬‬
‫‪,330 ,325 ,323 ,322 ,313 ,303 ,293‬‬ ‫‪,221 ,220 ,219 ,216 ,215 ,204 ,203‬‬
‫‪384 ,355 ,340 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪,229 ,228 ,227 ,226 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬حمص‪,97 ,87 ,85 ,79 ,78 ,73 ,14 ,11....‬‬ ‫‪,286 ,279 ,278 ,277 ,239 ,238 ,237‬‬
‫‪,174 ,173 ,151 ,149 ,148 ,147 ,132‬‬ ‫‪,331 ,330 ,329 ,312 ,311 ,299 ,297‬‬
‫‪,288 ,277 ,237 ,208 ,192 ,185 ,183‬‬ ‫‪,361 ,356 ,355 ,352 ,351 ,345 ,343‬‬
‫‪,330 ,329 ,328 ,325 ,323 ,290 ,289‬‬ ‫‪366 ,362‬‬
‫‪,347 ,346 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪"P‬بيرا‪57 ,56............................................‬‬
‫‪386 ,385 ,384 ,382 ,357 ,355‬‬ ‫‪"P‬بيروت‪,182 ,180 ,146 ,124 ,114 ,101....‬‬
‫‪"P‬حوران‪357............................................‬‬ ‫‪352 ,311 ,264 ,189 ,185‬‬
‫‪"P‬حيزان‪359.............................................‬‬ ‫‪"P‬بيزا‪,132 ,131 ,130 ,120 ,115 ,45 ,31. . .‬‬
‫‪"P‬حيفا‪185 ,182 ,136 ,135 ,126................‬‬ ‫‪140‬‬
‫‪"P‬خراسان‪313 ,310 ,303 ,293 ,172 ,18.....‬‬ ‫‪"P‬بيسان‪114..............................................‬‬
‫‪"P‬خرتبرت‪228 ,227 ,226..........................‬‬ ‫‪"P‬تبريز‪193 ,189......................................‬‬
‫‪"P‬خلط‪193 ,189......................................‬‬ ‫‪"P‬تركيا‪,193 ,183 ,164 ,160 ,119 ,11 ,5....‬‬
‫‪"P‬خوزستان‪303.........................................‬‬ ‫‪306 ,296 ,278‬‬
‫‪"P‬دارا‪315 ,302 ,296................................‬‬ ‫‪"P‬تل ‪,196 ,194 ,190 ,189 ,183 ,177 ,164.‬‬
‫‪"P‬دفول‪171...............................................‬‬ ‫‪373 ,369 ,366 ,324 ,314 ,219 ,198‬‬
‫‪"P‬دقوقا‪328...............................................‬‬ ‫‪"P‬تورز‪42................................................‬‬

‫‪437‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬صقلية‪,171 ,154 ,153 ,150 ,32 ,25 ,8....‬‬ ‫‪"P‬دمشق‪,85 ,79 ,78 ,77 ,73 ,21 ,14 ,11‬‬
‫‪312 ,220 ,216 ,200‬‬ ‫‪,147 ,136 ,125 ,124 ,123 ,100 ,89 ,87‬‬
‫‪"P‬صور ‪,181 ,168 ,150 ,124 ,101 ,94 ,21.‬‬ ‫‪,186 ,185 ,184 ,183 ,174 ,173 ,149‬‬
‫‪,230 ,224 ,219 ,216 ,214 ,200 ,182‬‬ ‫‪,200 ,197 ,196 ,195 ,192 ,189 ,187‬‬
‫‪300 ,231‬‬ ‫‪,208 ,207 ,206 ,205 ,204 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬صوران‪168...........................................‬‬ ‫‪,230 ,222 ,220 ,215 ,214 ,213 ,212‬‬
‫‪"P‬صوفيا‪49...............................................‬‬ ‫‪,268 ,245 ,242 ,237 ,235 ,234 ,233‬‬
‫‪"P‬صيدا‪228 ,185 ,180 ,101......................‬‬ ‫‪,289 ,288 ,287 ,286 ,277 ,276 ,270‬‬
‫‪"P‬طبرية‪,205 ,203 ,202 ,201 ,199 ,114....‬‬ ‫‪,321 ,313 ,311 ,307 ,300 ,296 ,290‬‬
‫‪357 ,352‬‬ ‫‪,346 ,336 ,334 ,329 ,328 ,325 ,322‬‬
‫‪"P‬طرابلس‪,120 ,109 ,101 ,99 ,98 ,97 ,21..‬‬ ‫‪,360 ,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352‬‬
‫‪,148 ,147 ,146 ,141 ,138 ,136 ,132‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,382 ,375 ,374‬‬
‫‪,183 ,182 ,180 ,179 ,175 ,173 ,149‬‬ ‫‪"P‬دمياط‪115..............................................‬‬
‫‪,221 ,217 ,202 ,200 ,196 ,189 ,186‬‬ ‫‪"P‬دورازو‪171...........................................‬‬
‫‪,277 ,264 ,238 ,237 ,236 ,230 ,222‬‬ ‫‪"P‬دوريليوم‪140 ,68 ,67..............................‬‬
‫‪,328 ,314 ,311 ,288 ,286 ,279 ,278‬‬ ‫‪"P‬ديار‪,212 ,202 ,172 ,160 ,83 ,72 ,14.....‬‬
‫‪352 ,351 ,346 ,345 ,330 ,329‬‬ ‫‪359 ,329 ,328 ,316 ,315 ,227 ,223‬‬
‫‪"P‬طرسوس‪,122 ,108 ,93 ,73 ,71 ,69 ,68...‬‬ ‫‪"P‬دير‪97...................................................‬‬
‫‪333 ,169 ,152 ,139‬‬ ‫‪"P‬رعبان‪217 ,128.....................................‬‬
‫‪"P‬طرطوس‪182 ,173 ,149 ,148 ,147.........‬‬ ‫‪"P‬رفينة‪168..............................................‬‬
‫‪"P‬طليطلة‪15 ,14........................................‬‬ ‫‪"P‬روسيا‪134 ,18 ,16.................................‬‬
‫‪"P‬طنزة‪359...............................................‬‬ ‫‪"P‬روما‪,130 ,120 ,107 ,35 ,33 ,30 ,27......‬‬
‫‪"P‬عانة‪359...............................................‬‬ ‫‪370 ,224 ,220 ,131‬‬
‫‪"P‬عرقة‪182 ,120 ,99 ,98 ,97....................‬‬ ‫‪"P‬زبطرة‪13...............................................‬‬
‫‪"P‬عزاز‪236 ,223......................................‬‬ ‫‪"P‬ساحة‪221..............................................‬‬
‫‪"P‬عسقلن‪,120 ,118 ,114 ,113 ,112 ,105...‬‬ ‫‪"P‬سبتة‪17 ,16...........................................‬‬
‫‪,182 ,181 ,150 ,149 ,146 ,126 ,124‬‬ ‫‪"P‬سبير‪49.................................................‬‬
‫‪230 ,224 ,219 ,216 ,204 ,203‬‬ ‫‪"P‬سرمين‪168............................................‬‬
‫‪"P‬عكا‪,124 ,120 ,118 ,115 ,114 ,101 ,21..‬‬ ‫‪"P‬سروج‪,191 ,190 ,183 ,139 ,119 ,70......‬‬
‫‪,204 ,186 ,185 ,182 ,173 ,150 ,135‬‬ ‫‪386 ,369 ,253 ,198‬‬
‫‪352 ,300 ,264‬‬ ‫‪"P‬سََل ْميَة‪340 ,338 ,202..............................‬‬
‫‪"P‬عمورية‪13.............................................‬‬ ‫‪"P‬سليمبريا‪55.............................................‬‬
‫‪"P‬عينتاب‪324............................................‬‬ ‫‪"P‬سمرقند‪9................................................‬‬
‫‪"P‬غرناطة‪16 ,15.......................................‬‬ ‫‪"P‬سملين‪107 ,48.......................................‬‬
‫‪"P‬فارس‪,79 ,76 ,72 ,70 ,23 ,21 ,20 ,18‬‬ ‫‪"P‬سميساط‪253 ,183 ,119 ,71 ,70...............‬‬
‫‪,134 ,133 ,130 ,124 ,123 ,122 ,84 ,83‬‬ ‫‪"P‬سنجار‪293 ,292 ,272 ,205 ,202 ,85.......‬‬
‫‪,195 ,190 ,174 ,172 ,167 ,159 ,157‬‬ ‫‪"P‬سوريا‪,147 ,119 ,99 ,97 ,96 ,17 ,11 ,5...‬‬
‫‪,247 ,246 ,235 ,226 ,212 ,205 ,203‬‬ ‫‪382 ,296 ,278 ,183 ,182 ,163‬‬
‫‪,306 ,303 ,301 ,293 ,289 ,274 ,254‬‬ ‫‪"P‬سيناء‪216 ,102......................................‬‬
‫‪,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬ ‫‪"P‬سيواس‪141............................................‬‬
‫‪385 ,371 ,336 ,325‬‬ ‫‪"P‬شبختان‪362............................................‬‬
‫‪"P‬فامية‪133 ,132.......................................‬‬ ‫‪"P‬شهرزور‪357..........................................‬‬
‫‪"P‬فرنسا‪225 ,150 ,104 ,25 ,16 ,14............‬‬ ‫‪"P‬شيزر‪,197 ,194 ,183 ,181 ,168 ,97‬‬
‫‪"P‬فلسطين‪,24 ,23 ,21 ,18 ,17 ,16 ,11 ,5‬‬ ‫‪,335 ,334 ,325 ,278 ,236 ,229 ,221‬‬
‫‪,43 ,41 ,40 ,39 ,38 ,37 ,36 ,34 ,30 ,29‬‬ ‫‪,346 ,345 ,344 ,343 ,342 ,341 ,340‬‬
‫‪,103 ,101 ,100 ,97 ,96 ,90 ,71 ,45 ,44‬‬ ‫‪379 ,352‬‬
‫‪,118 ,117 ,115 ,114 ,112 ,109 ,106‬‬ ‫‪"P‬صحراء‪216 ,182...................................‬‬
‫‪,145 ,131 ,130 ,127 ,124 ,120 ,119‬‬ ‫‪"P‬صفين‪375.............................................‬‬
‫‪,216 ,202 ,187 ,186 ,183 ,182 ,181‬‬

‫‪438‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬معرّة‪168...............................................‬‬ ‫‪,374 ,356 ,311 ,287 ,285 ,232 ,224‬‬


‫‪"P‬مكة‪232 ,89..........................................‬‬ ‫‪389 ,382‬‬
‫‪"P‬ملطية‪,144 ,134 ,133 ,73 ,62 ,61 ,22.....‬‬ ‫‪"P‬فيينا‪16..................................................‬‬
‫‪297 ,154‬‬ ‫‪"P‬قبرص‪173 ,81 ,13.................................‬‬
‫‪"P‬مليلة‪17 ,16...........................................‬‬ ‫‪"P‬قرطبة‪15...............................................‬‬
‫‪"P‬موبسواسطيه‪69.......................................‬‬ ‫‪"P‬قرماندو‪53.............................................‬‬
‫‪"P‬ميافارقين‪358 ,227 ,223 ,14...................‬‬ ‫‪"P‬قسطموني‪141.........................................‬‬
‫‪"P‬ميلنو‪140.............................................‬‬ ‫‪"P‬قشتالة‪121 ,14 ,12..................................‬‬
‫‪"P‬نابلس‪366 ,150 ,114 ,112......................‬‬ ‫‪"P‬قليقية‪,139 ,137 ,128 ,71 ,68 ,23 ,22......‬‬
‫‪"P‬نجران‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,334 ,333 ,182 ,171 ,169 ,152 ,150‬‬
‫‪"P‬نصيبين‪353 ,352 ,302 ,296 ,286 ,269....‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,343 ,342 ,335‬‬
‫‪"P‬نصيبيين‪384 ,303...................................‬‬ ‫‪"P‬قنسرين‪155............................................‬‬
‫‪"P‬نكسار‪151 ,141 ,134.............................‬‬ ‫‪"P‬قورس‪217.............................................‬‬
‫‪"P‬نهر‪330 ,195 ,132 ,78 ,74....................‬‬ ‫‪"P‬قونية‪121 ,66 ,65...................................‬‬
‫‪"P‬نورمانديا‪59............................................‬‬ ‫‪"P‬قويق‪155...............................................‬‬
‫‪"P‬نيثنيا‪22.................................................‬‬ ‫‪"P‬قيسارية‪228 ,150 ,138 ,120 ,118 ,101....‬‬
‫‪"P‬نيش‪55 ,48............................................‬‬ ‫‪"P‬قيصرية‪68 ,11.......................................‬‬
‫‪"P‬نيفرز‪142..............................................‬‬ ‫‪"P‬كريت‪13................................................‬‬
‫‪"P‬نيقية ‪,81 ,68 ,67 ,66 ,65 ,64 ,62 ,61 ,51‬‬ ‫‪"P‬كشمير‪389 ,5.........................................‬‬
‫‪140 ,126 ,121 ,96‬‬ ‫‪"P‬كليرمون‪104 ,40 ,38..............................‬‬
‫‪"P‬نيم‪42 ,41..............................................‬‬ ‫‪"P‬كنجة‪310...............................................‬‬
‫‪"P‬هاليس‪142.............................................‬‬ ‫‪"P‬كندا‪254................................................‬‬
‫‪"P‬هرقلة‪143 ,121 ,68................................‬‬ ‫‪"P‬كوسوفو‪5...............................................‬‬
‫‪"P‬هكار‪159...............................................‬‬ ‫‪"P‬كيسوم‪128.............................................‬‬
‫‪"P‬همذان‪,323 ,313 ,215 ,212 ,196 ,193....‬‬ ‫‪"P‬لبنان‪,101 ,99 ,97 ,96 ,73 ,17 ,11 ,5......‬‬
‫‪326‬‬ ‫‪,183 ,182 ,173 ,146 ,131 ,120 ,114‬‬
‫‪"P‬هولندا‪254.............................................‬‬ ‫‪311 ,219 ,216 ,200‬‬
‫‪"P‬وادي‪216 ,201......................................‬‬ ‫‪"P‬لبيا‪12...................................................‬‬
‫‪"P‬واسط‪301 ,253......................................‬‬ ‫‪"P‬لسيديا‪64................................................‬‬
‫‪"P‬ورمز‪50................................................‬‬ ‫‪"P‬لطمين‪168.............................................‬‬
‫‪"P‬يافا ‪,136 ,132 ,126 ,120 ,115 ,114 ,104‬‬ ‫‪"P‬لوبوي‪53 ,40.........................................‬‬
‫‪312 ,182 ,181 ,150 ,149‬‬ ‫‪"P‬لوثرتجيا‪52............................................‬‬
‫‪"P‬يوغوسلفيا‪16.........................................‬‬ ‫‪"P‬ليبيا‪17..................................................‬‬
‫‪َ"Q‬أ ْلهَاكُمُ‪112.............................................‬‬ ‫‪"P‬ليون‪297 ,14 ,12...................................‬‬
‫‪"Q‬إِنّ‪332.................................................‬‬ ‫‪"P‬ماردين‪,205 ,202 ,193 ,189 ,168 ,160...‬‬
‫‪"Q‬إِنْ‪258.................................................‬‬ ‫‪,229 ,227 ,223 ,220 ,218 ,215 ,212‬‬
‫‪ِ"Q‬إنّا‪386..................................................‬‬ ‫‪316 ,315 ,296 ,295 ,239 ,231‬‬
‫‪ِ"Q‬إّنمَا‪365................................................‬‬ ‫‪"P‬مراغة‪196 ,194 ,193.............................‬‬
‫‪"Q‬فَاقْصُصِ‪3.............................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيفان‪142..........................................‬‬
‫‪"Q‬فََلمْ‪368.................................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيليا‪88 ,45........................................‬‬
‫‪َ "Q‬ف ِم ْنهُمْ‪379..............................................‬‬ ‫‪"P‬مرعش‪133 ,73 ,68................................‬‬
‫‪"Q‬كُلّ‪210.................................................‬‬ ‫‪"P‬مسيا‪64.................................................‬‬
‫‪َ"Q‬ل َقدْ‪384 ,379.........................................‬‬ ‫‪"P‬مصر‪,23 ,21 ,18 ,17 ,13 ,11 ,10 ,9 ,5...‬‬
‫‪ِ"Q‬ل َيمِيزَ‪187..............................................‬‬ ‫‪,97 ,94 ,81 ,66 ,49 ,45 ,31 ,25 ,24‬‬
‫‪"Q‬مَنْ‪184.................................................‬‬ ‫‪,126 ,125 ,115 ,112 ,105 ,101 ,100‬‬
‫‪"Q‬هَلْ‪249................................................‬‬ ‫‪,208 ,187 ,179 ,162 ,158 ,156 ,146‬‬
‫‪َ "Q‬وَأمّا‪241...............................................‬‬ ‫‪380 ,239 ,230 ,226 ,216‬‬
‫صمُوا‪188.......................................‬‬ ‫عتَ ِ‬
‫‪"Q‬وَا ْ‬ ‫‪"P‬معرة‪,228 ,195 ,168 ,110 ,107 ,96 ,95..‬‬
‫‪"Q‬وَالُّ‪372...............................................‬‬ ‫‪340 ,324 ,261‬‬

‫‪439‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,238 ,237 ,236 ,229 ,228 ,227 ,225‬‬ ‫‪َ "Q‬وتِ ْلكَ‪371 ,319......................................‬‬
‫‪,315 ,311 ,302 ,299 ,298 ,296 ,285‬‬ ‫‪َ "Q‬ورَ ْهبَا ِنيّةً‪28...........................................‬‬
‫‪,340 ,337 ,333 ,332 ,331 ,330 ,324‬‬ ‫عسَى‪309............................................‬‬ ‫‪"Q‬وَ َ‬
‫‪,363 ,359 ,358 ,356 ,346 ,345 ,344‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ‪383 ,381 ,172 ,87 ,66 ,17..............‬‬
‫‪379‬‬ ‫‪َ "Q‬وَلكُمْ‪244...............................................‬‬
‫‪"S‬قلعة ‪,271 ,263 ,243 ,229 ,179 ,178 ,87.‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَنْ‪17..................................................‬‬
‫‪,349 ,331 ,329 ,316 ,309 ,285 ,272‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ ْولَ‪381 ,17........................................‬‬
‫‪387 ,377 ,375 ,360 ,359 ,358‬‬ ‫‪َ "Q‬و ْليَخْشَ‪248 ,241...................................‬‬
‫البليخ‪165..................................................‬‬ ‫صرَنّ‪383 ,258................................‬‬ ‫‪َ "Q‬وَليَنْ ُ‬
‫تبوك‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَا‪176 ,89 ,10....................................‬‬
‫مؤتة‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَنْ‪258...............................................‬‬
‫‪"S‬حصن ‪,165 ,164 ,160 ,148 ,139 ,90 ,83‬‬
‫‪,223 ,216 ,189 ,181 ,175 ,174 ,168‬‬

‫‪440‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهرس القلع والصون‬

‫‪441‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,207 ,200 ,199 ,196 ,195 ,194 ,190‬‬ ‫‪"A‬بركياروق ‪,123 ,122 ,85 ,84 ,79 ,76 ,21.‬‬
‫‪220‬‬ ‫‪,163 ,162 ,160 ,159 ,154 ,130 ,124‬‬
‫‪"A‬تتش‪,125 ,124 ,123 ,100 ,76 ,21 ,20....‬‬ ‫‪,249 ,247 ,246 ,176 ,175 ,174 ,172‬‬
‫‪,247 ,246 ,245 ,242 ,184 ,174 ,162‬‬ ‫‪317 ,251‬‬
‫‪292 ,288 ,287 ,283 ,277 ,275 ,250‬‬ ‫‪"A‬برنارد‪230 ,228 ,221 ,151....................‬‬
‫‪"A‬ثوروس‪70 ,22.......................................‬‬ ‫‪"A‬بزواش‪329............................................‬‬
‫‪"A‬ثيودسيوس‪44.........................................‬‬ ‫‪"A‬بطرس‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,41 ,40...‬‬
‫‪"A‬ثيوفيل‪13...............................................‬‬ ‫‪140 ,92 ,88 ,79 ,73 ,64‬‬
‫‪"A‬جالدمار‪135...........................................‬‬ ‫‪"A‬بطغتكين‪206..........................................‬‬
‫‪"A‬جاولي‪,239 ,184 ,178 ,177 ,176 ,163. . .‬‬ ‫‪"A‬بلدوين‪,84 ,72 ,71 ,70 ,69 ,68 ,54 ,52.. .‬‬
‫‪,282 ,281 ,276 ,268 ,255 ,252 ,251‬‬ ‫‪,132 ,131 ,120 ,119 ,108 ,96 ,93 ,92‬‬
‫‪284‬‬ ‫‪,145 ,140 ,139 ,138 ,137 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬جبريل‪134 ,133 ,22..............................‬‬ ‫‪,164 ,154 ,153 ,151 ,150 ,149 ,146‬‬
‫‪"A‬جرموند‪220...........................................‬‬ ‫‪,177 ,173 ,172 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪"A‬جريجوري‪35 ,30 ,27.............................‬‬ ‫‪,189 ,183 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬
‫‪"A‬جستنيان‪57............................................‬‬ ‫‪,201 ,200 ,199 ,198 ,196 ,195 ,190‬‬
‫‪"A‬جعفر‪23................................................‬‬ ‫‪,219 ,217 ,216 ,215 ,204 ,203 ,202‬‬
‫‪"A‬جكرمش ‪,167 ,166 ,165 ,164 ,163 ,151.‬‬ ‫‪,227 ,225 ,224 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬
‫‪,251 ,187 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,237 ,236 ,234 ,231 ,230 ,229 ,228‬‬
‫‪385 ,264 ,259‬‬ ‫‪,302 ,299 ,298 ,297 ,279 ,239 ,238‬‬
‫‪"A‬جمال‪355 ,354 ,269..............................‬‬ ‫‪361 ,312 ,311‬‬
‫‪"A‬جوتشوك‪49...........................................‬‬ ‫‪"A‬بلك‪,231 ,230 ,228 ,227 ,226 ,160‬‬
‫‪"A‬جودفري‪,59 ,58 ,57 ,56 ,55 ,54 ,53 ,52.‬‬ ‫‪379 ,377 ,295 ,234‬‬
‫‪,110 ,108 ,99 ,98 ,97 ,77 ,69 ,68 ,67‬‬ ‫‪"A‬بهاء‪282 ,276 ,259 ,239.......................‬‬
‫‪,118 ,116 ,115 ,114 ,113 ,112 ,111‬‬ ‫‪"A‬بهرام‪354 ,185......................................‬‬
‫‪137 ,136 ,135 ,132 ,121 ,120 ,119‬‬ ‫‪"A‬بوتوميتس‪63..........................................‬‬
‫‪"A‬جورج‪7................................................‬‬ ‫‪"A‬بوري‪,300 ,290 ,289 ,288 ,286 ,186....‬‬
‫‪"A‬جوسلين ‪,183 ,178 ,177 ,168 ,165 ,164.‬‬ ‫‪326 ,311‬‬
‫‪,219 ,201 ,199 ,198 ,196 ,194 ,189‬‬ ‫‪"A‬بوزان‪247 ,123.....................................‬‬
‫‪,236 ,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,222‬‬ ‫‪"A‬بوميتس‪62.............................................‬‬
‫‪,311 ,302 ,300 ,279 ,276 ,238 ,237‬‬ ‫‪"A‬بونز‪,222 ,221 ,217 ,203 ,202 ,200......‬‬
‫‪,362 ,361 ,351 ,343 ,337 ,334 ,331‬‬ ‫‪,329 ,311 ,279 ,238 ,237 ,236 ,230‬‬
‫‪,373 ,370 ,369 ,367 ,366 ,365 ,364‬‬ ‫‪330‬‬
‫‪375‬‬ ‫‪"A‬بوهيموند ‪,67 ,65 ,59 ,58 ,57 ,54 ,53 ,33‬‬
‫‪"A‬جيلسيوس‪220.......................................‬‬ ‫‪,85 ,84 ,83 ,81 ,80 ,79 ,77 ,75 ,69 ,68‬‬
‫‪"A‬جيمي‪28...............................................‬‬ ‫‪,108 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,88 ,86‬‬
‫‪"A‬جيوبرت‪140..........................................‬‬ ‫‪,133 ,132 ,131 ,121 ,120 ,119 ,114‬‬
‫‪"A‬جيوش‪253 ,223 ,222 ,213 ,212............‬‬ ‫‪,151 ,142 ,141 ,139 ,138 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬حسام‪,296 ,295 ,233 ,231 ,229 ,227.....‬‬ ‫‪,168 ,166 ,165 ,164 ,154 ,153 ,152‬‬
‫‪,358 ,353 ,352 ,328 ,325 ,316 ,315‬‬ ‫‪,199 ,177 ,174 ,172 ,171 ,170 ,169‬‬
‫‪375 ,374 ,371 ,359‬‬ ‫‪,279 ,239 ,238 ,222 ,221 ,220 ,200‬‬
‫‪"A‬حسان‪377 ,300.....................................‬‬ ‫‪299 ,297‬‬
‫‪"A‬حسين ‪,133 ,132 ,97 ,89 ,87 ,85 ,79 ,78‬‬ ‫‪"A‬تاتيكيوس‪81 ,78 ,67...............................‬‬
‫‪259 ,208 ,163 ,148 ,147‬‬ ‫‪"A‬تاج‪374................................................‬‬
‫‪"A‬حمزة‪198..............................................‬‬ ‫‪"A‬تانكرد‪,92 ,80 ,69 ,68 ,67 ,65 ,58 ,54....‬‬
‫‪"A‬حنا‪94 ,91 ,14......................................‬‬ ‫‪,137 ,136 ,135 ,114 ,112 ,108 ,93‬‬
‫‪"A‬خاتون‪286............................................‬‬ ‫‪,164 ,151 ,150 ,147 ,140 ,139 ,138‬‬
‫‪"A‬خالد‪232 ,11.........................................‬‬ ‫‪,177 ,174 ,171 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪,189 ,184 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬

‫‪442‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬سلجوق‪18.............................................‬‬ ‫‪"A‬داود‪,306 ,305 ,304 ,303 ,296 ,105......‬‬


‫‪"A‬سلجوقشاه‪,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,321 ,318 ,317 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬
‫‪325 ,321 ,318 ,313 ,309‬‬ ‫‪,348 ,336 ,327 ,326 ,325 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬سلطان‪,229 ,221 ,215 ,197 ,194 ,181...‬‬ ‫‪359 ,358 ,353‬‬
‫‪340 ,278 ,236‬‬ ‫‪"A‬دايمبرت ‪,135 ,132 ,131 ,130 ,121 ,120.‬‬
‫‪"A‬سليم‪16.................................................‬‬ ‫‪150 ,140 ,137 ,136‬‬
‫‪"A‬سليمان ‪,227 ,76 ,75 ,61 ,22 ,21 ,20 ,16.‬‬ ‫‪"A‬دبيس‪,294 ,293 ,268 ,253 ,231 ,223.....‬‬
‫‪285 ,276 ,242‬‬ ‫‪326 ,308 ,302 ,301 ,300‬‬
‫‪"A‬سنجر‪,302 ,301 ,300 ,293 ,218 ,172....‬‬ ‫‪"A‬دقاق ‪,90 ,89 ,87 ,85 ,83 ,79 ,78 ,77 ,21‬‬
‫‪,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,148 ,147 ,136 ,129 ,125 ,124 ,100‬‬
‫‪325 ,321 ,314 ,313‬‬ ‫‪,242 ,207 ,184 ,174 ,173 ,162 ,149‬‬
‫‪"A‬سنقرجة‪151...........................................‬‬ ‫‪307 ,288 ,287 ,277‬‬
‫‪"A‬سوار‪,335 ,334 ,324 ,314 ,313 ,270.....‬‬ ‫‪"A‬ذو‪3.....................................................‬‬
‫‪344 ,340 ,339 ,337 ,336‬‬ ‫‪"A‬رسل‪57 ,55..........................................‬‬
‫‪"A‬سوتكين‪353...........................................‬‬ ‫‪"A‬رضوان ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21.‬‬
‫‪"A‬سونج‪321 ,300 ,289.............................‬‬ ‫‪,141 ,134 ,133 ,129 ,126 ,125 ,124‬‬
‫‪"A‬سيف‪364 ,321 ,259 ,132......................‬‬ ‫‪,174 ,170 ,169 ,168 ,162 ,149 ,148‬‬
‫‪"A‬شرحبيل‪11............................................‬‬ ‫‪,194 ,191 ,190 ,185 ,184 ,181 ,178‬‬
‫‪"A‬شرف‪240 ,239 ,149.............................‬‬ ‫‪,213 ,210 ,208 ,207 ,206 ,196 ,195‬‬
‫‪"A‬شمس‪323 ,322 ,321 ,311 ,227 ,168.....‬‬ ‫‪,286 ,275 ,242 ,235 ,231 ,218 ,214‬‬
‫‪"A‬شهاب‪,353 ,347 ,346 ,330 ,328 ,322....‬‬ ‫‪298‬‬
‫‪354‬‬ ‫‪"A‬ركن‪,352 ,342 ,338 ,316 ,315 ,296......‬‬
‫‪"A‬صلح ‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,7.‬‬ ‫‪362 ,358 ,353‬‬
‫‪,287 ,285 ,282 ,276 ,259 ,239 ,232‬‬ ‫‪"A‬روبرت‪,98 ,97 ,78 ,75 ,67 ,59 ,53 ,33..‬‬
‫‪389 ,366 ,355 ,349 ,346 ,309‬‬ ‫‪114 ,108‬‬
‫‪"A‬صمام‪325 ,290 ,289 ,288.....................‬‬ ‫‪"A‬روجر‪,217 ,216 ,213 ,203 ,202 ,200....‬‬
‫‪"A‬صمصام‪277..........................................‬‬ ‫‪228 ,221 ,220‬‬
‫‪"A‬طارق‪232 ,161 ,12...............................‬‬ ‫‪"A‬رومانوس‪344 ,37 ,19............................‬‬
‫‪"A‬طالوت‪3................................................‬‬ ‫‪"A‬ريتشارد‪177..........................................‬‬
‫‪"A‬طشت‪271.............................................‬‬ ‫‪"A‬ريمون‪,89 ,78 ,67 ,65 ,59 ,58 ,53 ,41...‬‬
‫‪"A‬طغتكين‪,191 ,189 ,186 ,185 ,174 ,149..‬‬ ‫‪,108 ,99 ,98 ,97 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92‬‬
‫‪,205 ,202 ,201 ,200 ,197 ,196 ,195‬‬ ‫‪,120 ,119 ,115 ,114 ,113 ,110 ,109‬‬
‫‪,215 ,214 ,213 ,212 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,134 ,131 ,129 ,121‬‬
‫‪,233 ,230 ,224 ,223 ,222 ,220 ,216‬‬ ‫‪,173 ,149 ,148 ,147 ,146 ,142 ,140‬‬
‫‪,300 ,288 ,287 ,286 ,277 ,237 ,234‬‬ ‫‪,332 ,331 ,330 ,329 ,180 ,179 ,175‬‬
‫‪325 ,322 ,307‬‬ ‫‪334‬‬
‫‪"A‬طغرل‪,304 ,303 ,218 ,157 ,19 ,18‬‬ ‫‪"A‬ريموند‪,336 ,335 ,334 ,331 ,324 ,276...‬‬
‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,357 ,343 ,337‬‬
‫‪321 ,320 ,319 ,318 ,317 ,314‬‬ ‫‪"A‬رينو‪312...............................................‬‬
‫‪"A‬عائشة‪250 ,24.......................................‬‬ ‫‪"A‬زاخارس‪22...........................................‬‬
‫‪"A‬عبد‪250 ,241 ,187 ,159 ,100................‬‬ ‫‪"A‬زمرد‪354 ,346.....................................‬‬
‫‪"A‬عديّ‪159..............................................‬‬ ‫‪"A‬زنكي‪176.............................................‬‬
‫‪"A‬عز‪,292 ,276 ,262 ,239 ,237 ,236‬‬ ‫‪"A‬زين‪374 ,270.......................................‬‬
‫‪377 ,375‬‬ ‫‪"A‬ستيفن‪93 ,85 ,84 ,78 ,67 ,59 ,53...........‬‬
‫‪"A‬عقبة‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬سعد‪232 ,146.......................................‬‬
‫‪"A‬علي‪250...............................................‬‬ ‫‪"A‬سقمان‪,166 ,165 ,164 ,160 ,139 ,21 ,7..‬‬
‫‪"A‬عماد ‪,210 ,205 ,203 ,187 ,161 ,157 ,8.‬‬ ‫‪,193 ,189 ,186 ,177 ,175 ,172 ,168‬‬
‫‪,248 ,247 ,242 ,241 ,240 ,234 ,213‬‬ ‫‪379 ,295 ,231 ,215 ,196‬‬
‫‪,255 ,254 ,253 ,252 ,251 ,250 ,249‬‬ ‫‪"A‬سكمان‪100............................................‬‬

‫‪443‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬قميرك‪205 ,202....................................‬‬ ‫‪,263 ,262 ,261 ,260 ,259 ,257 ,256‬‬


‫‪"A‬كربوغا‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,78. .‬‬ ‫‪,270 ,269 ,268 ,267 ,266 ,265 ,264‬‬
‫‪,163 ,159 ,156 ,151 ,122 ,98 ,97 ,91‬‬ ‫‪,277 ,276 ,275 ,274 ,273 ,272 ,271‬‬
‫‪385 ,259 ,251 ,250 ,187‬‬ ‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,280 ,279 ,278‬‬
‫‪"A‬كعب‪291..............................................‬‬ ‫‪,291 ,290 ,289 ,288 ,287 ,286 ,285‬‬
‫‪"A‬كمال‪348 ,347 ,338 ,270......................‬‬ ‫‪,298 ,297 ,296 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬
‫‪"A‬كمشتكين‪148 ,144.................................‬‬ ‫‪,305 ,304 ,303 ,302 ,301 ,300 ,299‬‬
‫‪"A‬كندغدي‪254..........................................‬‬ ‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,307 ,306‬‬
‫‪"A‬كوغ‪217 ,190 ,128...............................‬‬ ‫‪,321 ,320 ,319 ,318 ,316 ,315 ,314‬‬
‫‪"A‬كولومان‪54 ,51 ,50 ,48..........................‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,324 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬كونستانس‪331 ,324 ,297........................‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪"A‬لروجر‪214............................................‬‬ ‫‪,342 ,341 ,340 ,339 ,338 ,337 ,336‬‬
‫‪"A‬لوقا‪38..................................................‬‬ ‫‪,350 ,349 ,348 ,347 ,346 ,345 ,344‬‬
‫‪"A‬لويس‪299.............................................‬‬ ‫‪,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352 ,351‬‬
‫‪"A‬ليون‪334 ,333 ,297...............................‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,358‬‬
‫‪"A‬مارتن‪29...............................................‬‬ ‫‪,371 ,370 ,369 ,368 ,367 ,366 ,365‬‬
‫‪"A‬مانويل‪370 ,361....................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,377 ,376 ,375 ,374 ,373‬‬
‫‪"A‬مباركشاه‪214.........................................‬‬ ‫‪389 ,387 ,386 ,385 ,384 ,383 ,382‬‬
‫‪"A‬متّى‪202...............................................‬‬ ‫‪"A‬عمر‪382 ,265 ,241 ,161 ,122 ,24 ,11...‬‬
‫‪"A‬مجاهد‪349.............................................‬‬ ‫‪"A‬عمرو‪12...............................................‬‬
‫‪"A‬مجير‪355..............................................‬‬ ‫‪"A‬عموري‪361..........................................‬‬
‫‪"A‬محمد‪,175 ,174 ,172 ,163 ,161 ,124.....‬‬ ‫‪"A‬عيسى‪284.............................................‬‬
‫‪,211 ,193 ,192 ,188 ,179 ,177 ,176‬‬ ‫‪"A‬غازي‪,141 ,138 ,134 ,133 ,67 ,66 ,61..‬‬
‫‪,274 ,252 ,251 ,232 ,218 ,213 ,212‬‬ ‫‪170 ,156 ,154 ,153 ,152 ,151‬‬
‫‪355 ,339 ,327 ,317 ,291‬‬ ‫‪"A‬غيورغي‪43...........................................‬‬
‫‪"A‬محمود‪,236 ,234 ,226 ,223 ,222 ,218...‬‬ ‫‪"A‬فاطمة‪23...............................................‬‬
‫‪,274 ,255 ,254 ,253 ,240 ,239 ,238‬‬ ‫‪"A‬فخر‪99 ,97...........................................‬‬
‫‪,301 ,294 ,293 ,284 ,283 ,282 ,276‬‬ ‫‪"A‬فردريك‪144...........................................‬‬
‫‪,320 ,317 ,310 ,305 ,304 ,303 ,302‬‬ ‫‪"A‬فرعون‪216 ,134 ,3...............................‬‬
‫‪373 ,338‬‬ ‫‪"A‬فروخ‪255.............................................‬‬
‫‪"A‬مسعود‪,226 ,223 ,222 ,218 ,193 ,192...‬‬ ‫‪"A‬فولك‪,324 ,312 ,311 ,302 ,300 ,299.....‬‬
‫‪,305 ,304 ,303 ,268 ,257 ,239 ,230‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪,317 ,314 ,313 ,310 ,309 ,308 ,306‬‬ ‫‪362 ,361 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪,326 ,325 ,323 ,322 ,321 ,319 ,318‬‬ ‫‪"A‬فولكمار‪50 ,49.......................................‬‬
‫‪,347 ,344 ,339 ,338 ,336 ,328 ,327‬‬ ‫‪"A‬فيلريتوس‪75.........................................‬‬
‫‪,371 ,364 ,363 ,357 ,353 ,350 ,348‬‬ ‫‪"A‬فيليب‪366 ,53 ,38..................................‬‬
‫‪383 ,373‬‬ ‫‪"A‬قاروت‪21..............................................‬‬
‫‪"A‬مسلم‪258 ,242 ,161..............................‬‬ ‫‪"A‬قارون‪3.................................................‬‬
‫‪"A‬معاوية‪73 ,12........................................‬‬ ‫‪"A‬قتلغ‪285 ,276........................................‬‬
‫‪"A‬معين‪356 ,355 ,354 ,329 ,328 ,322......‬‬ ‫‪"A‬قتلمش‪21...............................................‬‬
‫‪"A‬ملكشاه‪,158 ,124 ,123 ,76 ,22 ,21 ,19...‬‬ ‫‪"A‬قرا‪371 ,365 ,362 ,358........................‬‬
‫‪,245 ,242 ,214 ,172 ,162 ,160 ,159‬‬ ‫‪"A‬قريش‪328 ,323 ,289.............................‬‬
‫‪,379 ,320 ,319 ,252 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"A‬قطب‪259..............................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪"A‬قطز‪241 ,232 ,161...............................‬‬
‫‪"A‬منقذ‪334...............................................‬‬ ‫‪"A‬قفجاق‪358 ,357.....................................‬‬
‫‪"A‬مودود‪,191 ,190 ,189 ,188 ,187 ,177 ,7‬‬ ‫‪"A‬قلج ‪,66 ,65 ,64 ,63 ,62 ,61 ,51 ,21 ,20.‬‬
‫‪,198 ,197 ,196 ,195 ,194 ,193 ,192‬‬ ‫‪,141 ,134 ,130 ,127 ,126 ,121 ,68 ,67‬‬
‫‪,205 ,204 ,203 ,202 ,201 ,200 ,199‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,152 ,148 ,145 ,144‬‬
‫‪,212 ,211 ,210 ,209 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪242 ,176‬‬

‫‪444‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪َ "H‬كمَا‪212 ,129........................................‬‬ ‫‪,220 ,218 ,217 ,216 ,215 ,214 ,213‬‬
‫‪"H‬لَ‪6......................................................‬‬ ‫‪,253 ,252 ,238 ,235 ,234 ,225 ,221‬‬
‫‪َ"H‬لوْ‪112..................................................‬‬ ‫‪387 ,385 ,383 ,382 ,379 ,259 ,257‬‬
‫‪"H‬هَوّنْ‪265...............................................‬‬ ‫‪"A‬موسى‪164 ,151 ,23 ,12.........................‬‬
‫‪"H‬وَاّلذِي‪89...............................................‬‬ ‫‪"A‬ميلزاند‪370 ,366 ,361 ,312 ,300............‬‬
‫‪"H‬وَالِّ‪232...............................................‬‬ ‫‪"A‬نابليون‪134............................................‬‬
‫‪َ "H‬وكَانَ‪10................................................‬‬ ‫‪"A‬ناصر‪264.............................................‬‬
‫‪"H‬يَا‪233..................................................‬‬ ‫‪"A‬نجم‪355 ,349 ,309 ,263 ,161 ,8............‬‬
‫‪"H‬يد‪141..................................................‬‬ ‫‪"A‬نزار‪208 ,24.........................................‬‬
‫شكُ‪103.............................................‬‬ ‫‪"H‬يُو ِ‬ ‫‪"A‬نصرة‪259.............................................‬‬
‫‪"K‬أجنادين‪11.............................................‬‬ ‫‪"A‬نصير‪,373 ,348 ,282 ,269 ,263 ,259....‬‬
‫‪"K‬أورش‪227.............................................‬‬ ‫‪386 ,374‬‬
‫‪"K‬البليخ‪,173 ,172 ,171 ,170 ,167 ,165.....‬‬ ‫‪"A‬نظام‪,242 ,238 ,206 ,192 ,163 ,158......‬‬
‫‪189 ,186 ,175‬‬ ‫‪385 ,379‬‬
‫‪"K‬الرملة‪174 ,149 ,146.............................‬‬ ‫‪"A‬نقفور‪74................................................‬‬
‫‪"K‬الزلقة‪25 ,14........................................‬‬ ‫‪"A‬نور‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,8.....‬‬
‫‪"K‬الصنبرة‪252..........................................‬‬ ‫‪389 ,388 ,357 ,349 ,309 ,287 ,259‬‬
‫‪"K‬العقاب‪39 ,15........................................‬‬ ‫‪"A‬نورمان‪4...............................................‬‬
‫‪"K‬القادسية‪49.............................................‬‬ ‫‪"A‬نيروز‪85 ,84.........................................‬‬
‫‪"K‬بلط‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬هبة‪259................................................‬‬
‫‪"K‬بيسان‪11...............................................‬‬ ‫‪"A‬هتلر‪134 ,107.......................................‬‬
‫‪"K‬تبوك‪11................................................‬‬ ‫‪"A‬هرقل‪11 ,10..........................................‬‬
‫‪"K‬دانيث‪213.............................................‬‬ ‫‪"A‬هنري‪324 ,108 ,53 ,37 ,33 ,27.............‬‬
‫‪"K‬دوريليوم‪126.........................................‬‬ ‫‪"A‬هوجو‪224.............................................‬‬
‫‪"K‬مؤتة‪11.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيو‪368 ,367 ,312 ,78 ,54 ,53..............‬‬
‫‪"K‬مرج‪85.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيومن‪140............................................‬‬
‫‪"K‬مرسيفان‪171..........................................‬‬ ‫‪"A‬والتر‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,47 ,41‬‬
‫‪"K‬ملذكرد‪344 ,157 ,74 ,64 ,57 ,37 ,19....‬‬ ‫‪140 ,64‬‬
‫‪"K‬منبج‪228...............................................‬‬ ‫‪"A‬وثاب‪87................................................‬‬
‫‪"K‬نيقية‪126 ,90 ,65...................................‬‬ ‫‪"A‬ولف‪143...............................................‬‬
‫‪"K‬هرقلة‪171 ,143.....................................‬‬ ‫‪"A‬وليم ‪,180 ,179 ,175 ,143 ,142 ,106 ,33‬‬
‫‪"P‬آسيا ‪,23 ,22 ,21 ,20 ,19 ,18 ,15 ,13 ,10.‬‬ ‫‪324 ,228 ,182‬‬
‫‪,61 ,59 ,58 ,57 ,51 ,50 ,43 ,41 ,31 ,25‬‬ ‫‪"A‬ونمار‪78...............................................‬‬
‫‪,86 ,81 ,74 ,73 ,72 ,71 ,70 ,66 ,65 ,64‬‬ ‫‪"A‬ياغي‪,84 ,83 ,82 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75‬‬
‫‪,126 ,121 ,109 ,108 ,100 ,99 ,93 ,90‬‬ ‫‪123 ,85‬‬
‫‪,142 ,140 ,134 ,133 ,130 ,128 ,127‬‬ ‫‪"A‬يرنقش‪376............................................‬‬
‫‪,152 ,151 ,148 ,146 ,145 ,144 ,143‬‬ ‫‪"A‬يوحنا‪,334 ,333 ,332 ,324 ,222 ,220.....‬‬
‫‪,220 ,187 ,176 ,159 ,156 ,154 ,153‬‬ ‫‪,362 ,361 ,344 ,343 ,342 ,337 ,336‬‬
‫‪380 ,338 ,337 ,335 ,310 ,242‬‬ ‫‪367‬‬
‫‪"P‬آمد‪365 ,358 ,315 ,296.........................‬‬ ‫‪"A‬يوسف‪161 ,25 ,15................................‬‬
‫‪"P‬أبونيا‪22.................................................‬‬ ‫‪156, 158..............................................H‬‬
‫‪"P‬أذربيجان‪306 ,193 ,172..........................‬‬ ‫‪َ"H‬أخْوَفُ‪306............................................‬‬
‫‪"P‬أذنة ‪,344 ,343 ,333 ,169 ,152 ,139 ,71.‬‬ ‫‪"H‬إذا‪258.................................................‬‬
‫‪345‬‬ ‫‪ِ"H‬إذَا‪258.................................................‬‬
‫‪"P‬أرتاح‪221 ,169......................................‬‬ ‫‪"H‬إن‪193.................................................‬‬
‫‪"P‬أرجوان‪12.............................................‬‬ ‫‪"H‬إِنّ‪386 ,193 ,184 ,88...........................‬‬
‫‪"P‬أرسوف‪,118 ,115 ,114 ,113 ,104 ,101...‬‬ ‫‪"H‬إني‪233................................................‬‬
‫‪150 ,138 ,120‬‬ ‫‪"H‬الْحَ ْربُ‪291............................................‬‬
‫‪"P‬أرمينيا‪22 ,14.........................................‬‬ ‫‪"H‬فَوَالِّ‪20................................................‬‬

‫‪445‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬إشبيلية‪15...............................................‬‬ ‫‪"P‬أرمينية‪306 ,172 ,18..............................‬‬


‫‪"P‬إفريقيا‪,25 ,24 ,23 ,16 ,14 ,13 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أزمير‪22................................................‬‬
‫‪380 ,100 ,31‬‬ ‫‪"P‬أسعرد‪359.............................................‬‬
‫‪"P‬إقليم‪,223 ,203 ,119 ,25 ,18 ,13 ,10‬‬ ‫‪"P‬أصبهان‪172...........................................‬‬
‫‪,295 ,281 ,278 ,268 ,262 ,239 ,229‬‬ ‫‪"P‬أصفهان‪305 ,274 ,254...........................‬‬
‫‪,328 ,325 ,322 ,316 ,315 ,314 ,297‬‬ ‫‪"P‬أفغانستان‪389 ,380 ,25 ,18 ,17 ,5...........‬‬
‫‪,362 ,359 ,358 ,353 ,352 ,351 ,338‬‬ ‫‪"P‬أفلونا‪57.................................................‬‬
‫‪382 ,371 ,365‬‬ ‫‪"P‬أكوتيين‪143............................................‬‬
‫‪"P‬إنجلترا‪,171 ,103 ,42 ,33 ,16 ,12 ,10.....‬‬ ‫‪"P‬ألبانيا‪57 ,16...........................................‬‬
‫‪324 ,254 ,225‬‬ ‫‪"P‬ألمانيا‪,48 ,47 ,37 ,33 ,31 ,27 ,12 ,10.....‬‬
‫‪"P‬إندونيسيا‪380..........................................‬‬ ‫‪171 ,143 ,140 ,108 ,103‬‬
‫‪"P‬إيران‪,193 ,172 ,160 ,21 ,18 ,16 ,5‬‬ ‫‪"P‬أماسية‪142 ,141.....................................‬‬
‫‪306 ,274‬‬ ‫‪"P‬أمريكا‪17 ,7 ,4.......................................‬‬
‫‪"P‬إيطاليا‪,37 ,35 ,33 ,32 ,31 ,29 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أنجرز‪42...............................................‬‬
‫‪,140 ,103 ,91 ,80 ,67 ,59 ,57 ,53 ,42‬‬ ‫‪"P‬أنطاكية‪,69 ,58 ,57 ,54 ,33 ,22 ,14 ,13...‬‬
‫‪222 ,221 ,200 ,174 ,170 ,150 ,141‬‬ ‫‪,80 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75 ,74 ,73 ,72 ,71‬‬
‫‪"P‬الدرياثيك‪171........................................‬‬ ‫‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,83 ,82 ,81‬‬
‫‪"P‬الردن‪203.............................................‬‬ ‫‪,105 ,102 ,98 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91‬‬
‫‪"P‬السكندرونة‪84........................................‬‬ ‫‪,120 ,119 ,114 ,110 ,109 ,108 ,107‬‬
‫‪"P‬القحوانة‪203..........................................‬‬ ‫‪,130 ,129 ,127 ,126 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪"P‬الناضول‪67 ,65 ,20 ,10.........................‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,135 ,134 ,133 ,131‬‬
‫‪"P‬الندلس‪25..............................................‬‬ ‫‪,154 ,153 ,151 ,150 ,147 ,144 ,143‬‬
‫‪"P‬السكندرية‪115........................................‬‬ ‫‪,167 ,166 ,164 ,163 ,159 ,156 ,155‬‬
‫‪"P‬البارة‪168..............................................‬‬ ‫‪,179 ,178 ,177 ,171 ,170 ,169 ,168‬‬
‫‪"P‬البرتغال‪12.............................................‬‬ ‫‪,200 ,199 ,194 ,190 ,182 ,181 ,180‬‬
‫‪"P‬البروفنسال‪58 ,53....................................‬‬ ‫‪,221 ,220 ,217 ,213 ,207 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬البسفور‪140 ,59 ,50...............................‬‬ ‫‪,230 ,229 ,228 ,227 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬البصرة‪254 ,253....................................‬‬ ‫‪,264 ,251 ,239 ,238 ,237 ,236 ,231‬‬
‫‪"P‬البلط‪344 ,337 ,331 ,223 ,222 ,221......‬‬ ‫‪,294 ,286 ,279 ,278 ,277 ,276 ,275‬‬
‫‪"P‬البلقان‪59 ,57 ,54 ,33.............................‬‬ ‫‪,311 ,303 ,302 ,299 ,298 ,297 ,295‬‬
‫‪"P‬البندقية‪230 ,181 ,115 ,45 ,33.................‬‬ ‫‪,331 ,330 ,328 ,324 ,323 ,314 ,312‬‬
‫‪"P‬البوازيج‪283 ,281 ,272...........................‬‬ ‫‪,339 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333 ,332‬‬
‫‪"P‬البوسنة‪17 ,5..........................................‬‬ ‫‪,361 ,357 ,352 ,351 ,346 ,342 ,341‬‬
‫‪"P‬البيرة ‪386 ,374 ,373 ,227 ,217 ,183 ,70‬‬ ‫‪386 ,374 ,370 ,366 ,362‬‬
‫‪"P‬الجبيل‪182 ,21.......................................‬‬ ‫‪"P‬أنقرة‪142 ,141.......................................‬‬
‫‪"P‬الجزيرة‪306 ,18 ,10...............................‬‬ ‫‪"P‬أوربا‪,27 ,26 ,19 ,16 ,15 ,12 ,10 ,7 ,4....‬‬
‫‪"P‬الجليل‪,199 ,168 ,158 ,137 ,136 ,73......‬‬ ‫‪,39 ,37 ,36 ,35 ,34 ,33 ,32 ,31 ,30 ,28‬‬
‫‪366 ,360 ,241 ,201‬‬ ‫‪,50 ,49 ,47 ,46 ,45 ,44 ,43 ,42 ,41 ,40‬‬
‫‪"P‬الحبشة‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,96 ,91 ,75 ,72 ,71 ,64 ,55 ,53 ,52 ,51‬‬
‫‪"P‬الحجاز‪216 ,23 ,5..................................‬‬ ‫‪,111 ,109 ,108 ,107 ,106 ,104 ,103‬‬
‫‪"P‬الحديثة‪359............................................‬‬ ‫‪,151 ,150 ,140 ,121 ,120 ,117 ,112‬‬
‫‪"P‬الخابور‪176............................................‬‬ ‫‪,370 ,335 ,297 ,279 ,224 ,220 ,170‬‬
‫‪"P‬الدنمارك‪42............................................‬‬ ‫‪381‬‬
‫‪"P‬الرحبة‪87...............................................‬‬ ‫‪"P‬أيلة‪216 ,11...........................................‬‬
‫‪"P‬الرقة‪375 ,322.......................................‬‬ ‫‪"P‬أيوينا‪64.................................................‬‬
‫‪"P‬الرملة‪,149 ,146 ,120 ,114 ,104 ,101.....‬‬ ‫‪"P‬إربل‪328 ,304 ,193...............................‬‬
‫‪186 ,182 ,174‬‬ ‫‪"P‬إسبانيا‪254 ,171 ,42 ,25 ,14 ,10.............‬‬
‫‪"P‬الرها‪,84 ,79 ,75 ,72 ,71 ,70 ,69 ,57 ,22‬‬ ‫‪"P‬إسكتلندا‪42.............................................‬‬
‫‪,123 ,121 ,120 ,119 ,108 ,96 ,92 ,85‬‬ ‫‪"P‬إسكندينافيا‪32..........................................‬‬

‫‪446‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬العقبة‪216 ,65........................................‬‬ ‫‪,136 ,134 ,131 ,130 ,129 ,128 ,127‬‬


‫‪"P‬الفرما‪219 ,216......................................‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,151 ,144 ,139 ,138‬‬
‫‪"P‬القاهرة‪389 ,385 ,201 ,130 ,101 ,15......‬‬ ‫‪,169 ,168 ,167 ,166 ,164 ,163 ,159‬‬
‫‪"P‬القدس‪,105 ,104 ,99 ,97 ,96 ,92 ,44‬‬ ‫‪,190 ,189 ,183 ,179 ,178 ,177 ,170‬‬
‫‪,131 ,120 ,113 ,112 ,111 ,107 ,106‬‬ ‫‪,199 ,198 ,196 ,195 ,194 ,193 ,191‬‬
‫‪,174 ,150 ,146 ,145 ,136 ,135 ,132‬‬ ‫‪,219 ,217 ,215 ,212 ,203 ,201 ,200‬‬
‫‪224 ,219 ,205 ,204 ,202 ,186 ,182‬‬ ‫‪,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,223 ,222‬‬
‫‪"P‬القسطنطينية‪,48 ,47 ,46 ,44 ,41 ,16 ,12...‬‬ ‫‪,264 ,257 ,253 ,247 ,238 ,237 ,236‬‬
‫‪,69 ,68 ,62 ,59 ,58 ,57 ,56 ,51 ,50 ,49‬‬ ‫‪,294 ,285 ,283 ,279 ,278 ,276 ,275‬‬
‫‪,139 ,127 ,94 ,92 ,86 ,81 ,80 ,73 ,71‬‬ ‫‪,314 ,311 ,302 ,300 ,299 ,298 ,295‬‬
‫‪,216 ,147 ,145 ,144 ,143 ,142 ,140‬‬ ‫‪,351 ,350 ,346 ,341 ,337 ,331 ,324‬‬
‫‪342‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,352‬‬
‫‪"P‬اللذقية ‪,139 ,131 ,122 ,121 ,97 ,78 ,74.‬‬ ‫‪,372 ,371 ,370 ,369 ,368 ,366 ,365‬‬
‫‪,179 ,171 ,170 ,169 ,152 ,151 ,147‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,384 ,377 ,375 ,373‬‬
‫‪328 ,324 ,311 ,300 ,298 ,243‬‬ ‫‪"P‬الري‪247 ,123.......................................‬‬
‫‪"P‬اللد‪182 ,120 ,114.................................‬‬ ‫‪"P‬السودان‪380 ,125 ,5...............................‬‬
‫‪"P‬اللورين‪108 ,67 ,52................................‬‬ ‫‪"P‬السيوان‪328............................................‬‬
‫‪"P‬المجدل‪355............................................‬‬ ‫‪"P‬الشام‪,18 ,14 ,13 ,12 ,11 ,10 ,9 ,8 ,6 ,5. .‬‬
‫‪"P‬المجر‪107 ,55 ,54 ,51 ,50 ,44 ,16..........‬‬ ‫‪,41 ,36 ,31 ,30 ,25 ,24 ,23 ,21 ,20 ,19‬‬
‫‪"P‬المرقب‪169............................................‬‬ ‫‪,72 ,70 ,66 ,65 ,64 ,57 ,49 ,46 ,43 ,42‬‬
‫‪"P‬المصيصة‪333 ,169 ,152 ,139 ,71..........‬‬ ‫‪,119 ,114 ,100 ,87 ,81 ,77 ,76 ,74 ,73‬‬
‫‪"P‬المغرب‪,100 ,31 ,25 ,23 ,17 ,16 ,14 ,9. .‬‬ ‫‪,127 ,126 ,125 ,124 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪380‬‬ ‫‪,145 ,144 ,142 ,140 ,131 ,130 ,128‬‬
‫‪"P‬الموصل‪,122 ,90 ,87 ,84 ,78 ,72 ,14......‬‬ ‫‪,164 ,163 ,162 ,159 ,158 ,157 ,156‬‬
‫‪,167 ,165 ,164 ,163 ,159 ,156 ,151‬‬ ‫‪,185 ,184 ,181 ,180 ,179 ,173 ,168‬‬
‫‪,187 ,177 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,208 ,206 ,200 ,197 ,194 ,192 ,187‬‬
‫‪,198 ,197 ,195 ,193 ,191 ,189 ,188‬‬ ‫‪,237 ,235 ,230 ,229 ,226 ,225 ,216‬‬
‫‪,213 ,212 ,211 ,207 ,206 ,205 ,201‬‬ ‫‪,255 ,254 ,247 ,246 ,245 ,242 ,239‬‬
‫‪,234 ,233 ,226 ,224 ,223 ,222 ,217‬‬ ‫‪,285 ,281 ,277 ,276 ,275 ,274 ,257‬‬
‫‪,242 ,240 ,239 ,238 ,237 ,236 ,235‬‬ ‫‪,308 ,306 ,305 ,294 ,288 ,287 ,286‬‬
‫‪,259 ,256 ,255 ,253 ,252 ,251 ,250‬‬ ‫‪,342 ,338 ,336 ,330 ,322 ,320 ,311‬‬
‫‪,275 ,274 ,272 ,271 ,269 ,264 ,262‬‬ ‫‪,374 ,371 ,356 ,352 ,348 ,347 ,344‬‬
‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,279 ,278 ,276‬‬ ‫‪389 ,382 ,380 ,379‬‬
‫‪,295 ,294 ,293 ,292 ,288 ,287 ,285‬‬ ‫‪"P‬الشيشان‪389 ,5.......................................‬‬
‫‪,313 ,309 ,308 ,305 ,303 ,301 ,300‬‬ ‫‪"P‬الصرب‪17.............................................‬‬
‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,322 ,320 ,315‬‬ ‫‪"P‬الصنبرة‪210 ,207 ,206 ,205 ,204 ,203...‬‬
‫‪,359 ,357 ,356 ,354 ,351 ,349 ,348‬‬ ‫‪"P‬الصومال‪5..............................................‬‬
‫‪,384 ,375 ,374 ,373 ,371 ,365 ,364‬‬ ‫‪"P‬الصين‪254 ,242 ,158 ,123 ,20 ,17.........‬‬
‫‪386 ,385‬‬ ‫‪"P‬العراق‪,25 ,23 ,21 ,18 ,17 ,14 ,12 ,7 ,5..‬‬
‫‪"P‬النرويج‪181............................................‬‬ ‫‪,124 ,123 ,122 ,119 ,76 ,73 ,66 ,57‬‬
‫‪"P‬النمسا‪44 ,16..........................................‬‬ ‫‪,164 ,163 ,161 ,160 ,159 ,157 ,156‬‬
‫‪"P‬الهند‪380 ,158 ,25 ,18 ,17.....................‬‬ ‫‪,195 ,187 ,174 ,172 ,169 ,168 ,167‬‬
‫‪"P‬اليرموك‪203 ,11.....................................‬‬ ‫‪,254 ,235 ,232 ,229 ,223 ,212 ,202‬‬
‫‪"P‬اليمن‪380 ,25 ,10 ,9...............................‬‬ ‫‪,301 ,293 ,278 ,275 ,274 ,261 ,255‬‬
‫‪"P‬اليونان‪16...............................................‬‬ ‫‪,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,303‬‬
‫‪"P‬بافاريا‪143.............................................‬‬ ‫‪,322 ,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,312‬‬
‫‪"P‬باكستان‪306 ,21 ,5.................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,371 ,366 ,336 ,326 ,323‬‬
‫‪"P‬بالس‪375...............................................‬‬ ‫‪389 ,385‬‬
‫‪"P‬العريش‪239 ,220 ,219 ,216...................‬‬

‫‪447‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬تولوز‪146 ,119 ,92 ,58 ,53 ,42 ,41........‬‬ ‫‪"P‬بانياس‪,336 ,186 ,185 ,183 ,182 ,180....‬‬
‫‪"P‬تونس‪25 ,12..........................................‬‬ ‫‪374 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪"P‬جبال‪334 ,297 ,68 ,11...........................‬‬ ‫‪"P‬بخارى‪9................................................‬‬
‫‪"P‬جبل‪328 ,202........................................‬‬ ‫‪"P‬براغ‪50.................................................‬‬
‫‪"P‬جبلة‪180 ,97..........................................‬‬ ‫‪"P‬برقة‪12.................................................‬‬
‫‪"P‬جبيل‪182 ,179 ,173...............................‬‬ ‫‪"P‬بروفانس‪41............................................‬‬
‫‪"P‬جرجان‪303............................................‬‬ ‫‪"P‬بعلبك‪384 ,355 ,354 ,336 ,311 ,264......‬‬
‫‪"P‬جزيرة‪360 ,283 ,281 ,262.....................‬‬ ‫‪"P‬بغداد‪,172 ,164 ,160 ,157 ,122 ,19 ,12..‬‬
‫‪"P‬جنوة‪138 ,115 ,45 ,42 ,31.....................‬‬ ‫‪,235 ,223 ,193 ,192 ,191 ,181 ,179‬‬
‫‪"P‬حران‪,189 ,171 ,167 ,165 ,164 ,163.....‬‬ ‫‪,294 ,293 ,281 ,274 ,268 ,254 ,253‬‬
‫‪,295 ,293 ,292 ,231 ,228 ,223 ,190‬‬ ‫‪,309 ,308 ,306 ,305 ,303 ,301 ,296‬‬
‫‪384 ,353 ,322 ,303‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,323 ,320 ,313‬‬
‫‪"P‬حلب ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21 ,14‬‬ ‫‪,364 ,363 ,349 ,348 ,347 ,344 ,338‬‬
‫‪,148 ,141 ,133 ,126 ,125 ,124 ,123‬‬ ‫‪385‬‬
‫‪,169 ,168 ,164 ,163 ,162 ,155 ,151‬‬ ‫‪"P‬بلجراد‪55...............................................‬‬
‫‪,185 ,184 ,183 ,182 ,181 ,178 ,174‬‬ ‫‪"P‬بلغاريا‪44 ,16.........................................‬‬
‫‪,206 ,195 ,194 ,192 ,191 ,190 ,186‬‬ ‫‪"P‬بلوا‪59 ,53.............................................‬‬
‫‪,218 ,217 ,215 ,214 ,212 ,210 ,207‬‬ ‫‪"P‬بواتيية‪42...............................................‬‬
‫‪,228 ,227 ,225 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬ ‫‪"P‬بواسي‪47...............................................‬‬
‫‪,236 ,235 ,234 ,233 ,231 ,230 ,229‬‬ ‫‪"P‬بوردو‪42...............................................‬‬
‫‪,245 ,244 ,243 ,242 ,240 ,239 ,237‬‬ ‫‪"P‬بورسعيد‪216..........................................‬‬
‫‪,259 ,257 ,255 ,250 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"P‬بوي‪140................................................‬‬
‫‪,276 ,275 ,274 ,272 ,270 ,268 ,264‬‬ ‫‪"P‬بيت‪,69 ,62 ,57 ,45 ,44 ,41 ,14 ,11 ,5...‬‬
‫‪,288 ,287 ,286 ,285 ,284 ,283 ,279‬‬ ‫‪,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,90 ,82 ,81 ,72‬‬
‫‪,300 ,299 ,298 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬ ‫‪,107 ,106 ,104 ,102 ,101 ,100 ,99 ,98‬‬
‫‪,325 ,323 ,316 ,314 ,313 ,303 ,301‬‬ ‫‪,114 ,113 ,112 ,111 ,110 ,109 ,108‬‬
‫‪,339 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333‬‬ ‫‪,124 ,122 ,121 ,120 ,119 ,116 ,115‬‬
‫‪,351 ,348 ,347 ,346 ,344 ,343 ,340‬‬ ‫‪,136 ,135 ,132 ,131 ,130 ,129 ,126‬‬
‫‪386 ,384 ,366 ,365 ,360 ,356 ,354‬‬ ‫‪,150 ,149 ,146 ,145 ,139 ,138 ,137‬‬
‫‪"P‬حماة‪,192 ,185 ,183 ,181 ,151 ,83 ,11. .‬‬ ‫‪,182 ,180 ,174 ,173 ,170 ,168 ,160‬‬
‫‪,292 ,290 ,289 ,288 ,277 ,243 ,202‬‬ ‫‪,202 ,201 ,200 ,199 ,196 ,190 ,189‬‬
‫‪,330 ,325 ,323 ,322 ,313 ,303 ,293‬‬ ‫‪,221 ,220 ,219 ,216 ,215 ,204 ,203‬‬
‫‪384 ,355 ,340 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪,229 ,228 ,227 ,226 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬حمص‪,97 ,87 ,85 ,79 ,78 ,73 ,14 ,11....‬‬ ‫‪,286 ,279 ,278 ,277 ,239 ,238 ,237‬‬
‫‪,174 ,173 ,151 ,149 ,148 ,147 ,132‬‬ ‫‪,331 ,330 ,329 ,312 ,311 ,299 ,297‬‬
‫‪,288 ,277 ,237 ,208 ,192 ,185 ,183‬‬ ‫‪,361 ,356 ,355 ,352 ,351 ,345 ,343‬‬
‫‪,330 ,329 ,328 ,325 ,323 ,290 ,289‬‬ ‫‪366 ,362‬‬
‫‪,347 ,346 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪"P‬بيرا‪57 ,56............................................‬‬
‫‪386 ,385 ,384 ,382 ,357 ,355‬‬ ‫‪"P‬بيروت‪,182 ,180 ,146 ,124 ,114 ,101....‬‬
‫‪"P‬حوران‪357............................................‬‬ ‫‪352 ,311 ,264 ,189 ,185‬‬
‫‪"P‬حيزان‪359.............................................‬‬ ‫‪"P‬بيزا‪,132 ,131 ,130 ,120 ,115 ,45 ,31. . .‬‬
‫‪"P‬حيفا‪185 ,182 ,136 ,135 ,126................‬‬ ‫‪140‬‬
‫‪"P‬خراسان‪313 ,310 ,303 ,293 ,172 ,18.....‬‬ ‫‪"P‬بيسان‪114..............................................‬‬
‫‪"P‬خرتبرت‪228 ,227 ,226..........................‬‬ ‫‪"P‬تبريز‪193 ,189......................................‬‬
‫‪"P‬خلط‪193 ,189......................................‬‬ ‫‪"P‬تركيا‪,193 ,183 ,164 ,160 ,119 ,11 ,5....‬‬
‫‪"P‬خوزستان‪303.........................................‬‬ ‫‪306 ,296 ,278‬‬
‫‪"P‬دارا‪315 ,302 ,296................................‬‬ ‫‪"P‬تل ‪,196 ,194 ,190 ,189 ,183 ,177 ,164.‬‬
‫‪"P‬دفول‪171...............................................‬‬ ‫‪373 ,369 ,366 ,324 ,314 ,219 ,198‬‬
‫‪"P‬دقوقا‪328...............................................‬‬ ‫‪"P‬تورز‪42................................................‬‬

‫‪448‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬صقلية‪,171 ,154 ,153 ,150 ,32 ,25 ,8....‬‬ ‫‪"P‬دمشق‪,85 ,79 ,78 ,77 ,73 ,21 ,14 ,11‬‬
‫‪312 ,220 ,216 ,200‬‬ ‫‪,147 ,136 ,125 ,124 ,123 ,100 ,89 ,87‬‬
‫‪"P‬صور ‪,181 ,168 ,150 ,124 ,101 ,94 ,21.‬‬ ‫‪,186 ,185 ,184 ,183 ,174 ,173 ,149‬‬
‫‪,230 ,224 ,219 ,216 ,214 ,200 ,182‬‬ ‫‪,200 ,197 ,196 ,195 ,192 ,189 ,187‬‬
‫‪300 ,231‬‬ ‫‪,208 ,207 ,206 ,205 ,204 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬صوران‪168...........................................‬‬ ‫‪,230 ,222 ,220 ,215 ,214 ,213 ,212‬‬
‫‪"P‬صوفيا‪49...............................................‬‬ ‫‪,268 ,245 ,242 ,237 ,235 ,234 ,233‬‬
‫‪"P‬صيدا‪228 ,185 ,180 ,101......................‬‬ ‫‪,289 ,288 ,287 ,286 ,277 ,276 ,270‬‬
‫‪"P‬طبرية‪,205 ,203 ,202 ,201 ,199 ,114....‬‬ ‫‪,321 ,313 ,311 ,307 ,300 ,296 ,290‬‬
‫‪357 ,352‬‬ ‫‪,346 ,336 ,334 ,329 ,328 ,325 ,322‬‬
‫‪"P‬طرابلس‪,120 ,109 ,101 ,99 ,98 ,97 ,21..‬‬ ‫‪,360 ,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352‬‬
‫‪,148 ,147 ,146 ,141 ,138 ,136 ,132‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,382 ,375 ,374‬‬
‫‪,183 ,182 ,180 ,179 ,175 ,173 ,149‬‬ ‫‪"P‬دمياط‪115..............................................‬‬
‫‪,221 ,217 ,202 ,200 ,196 ,189 ,186‬‬ ‫‪"P‬دورازو‪171...........................................‬‬
‫‪,277 ,264 ,238 ,237 ,236 ,230 ,222‬‬ ‫‪"P‬دوريليوم‪140 ,68 ,67..............................‬‬
‫‪,328 ,314 ,311 ,288 ,286 ,279 ,278‬‬ ‫‪"P‬ديار‪,212 ,202 ,172 ,160 ,83 ,72 ,14.....‬‬
‫‪352 ,351 ,346 ,345 ,330 ,329‬‬ ‫‪359 ,329 ,328 ,316 ,315 ,227 ,223‬‬
‫‪"P‬طرسوس‪,122 ,108 ,93 ,73 ,71 ,69 ,68...‬‬ ‫‪"P‬دير‪97...................................................‬‬
‫‪333 ,169 ,152 ,139‬‬ ‫‪"P‬رعبان‪217 ,128.....................................‬‬
‫‪"P‬طرطوس‪182 ,173 ,149 ,148 ,147.........‬‬ ‫‪"P‬رفينة‪168..............................................‬‬
‫‪"P‬طليطلة‪15 ,14........................................‬‬ ‫‪"P‬روسيا‪134 ,18 ,16.................................‬‬
‫‪"P‬طنزة‪359...............................................‬‬ ‫‪"P‬روما‪,130 ,120 ,107 ,35 ,33 ,30 ,27......‬‬
‫‪"P‬عانة‪359...............................................‬‬ ‫‪370 ,224 ,220 ,131‬‬
‫‪"P‬عرقة‪182 ,120 ,99 ,98 ,97....................‬‬ ‫‪"P‬زبطرة‪13...............................................‬‬
‫‪"P‬عزاز‪236 ,223......................................‬‬ ‫‪"P‬ساحة‪221..............................................‬‬
‫‪"P‬عسقلن‪,120 ,118 ,114 ,113 ,112 ,105...‬‬ ‫‪"P‬سبتة‪17 ,16...........................................‬‬
‫‪,182 ,181 ,150 ,149 ,146 ,126 ,124‬‬ ‫‪"P‬سبير‪49.................................................‬‬
‫‪230 ,224 ,219 ,216 ,204 ,203‬‬ ‫‪"P‬سرمين‪168............................................‬‬
‫‪"P‬عكا‪,124 ,120 ,118 ,115 ,114 ,101 ,21..‬‬ ‫‪"P‬سروج‪,191 ,190 ,183 ,139 ,119 ,70......‬‬
‫‪,204 ,186 ,185 ,182 ,173 ,150 ,135‬‬ ‫‪386 ,369 ,253 ,198‬‬
‫‪352 ,300 ,264‬‬ ‫‪"P‬سََل ْميَة‪340 ,338 ,202..............................‬‬
‫‪"P‬عمورية‪13.............................................‬‬ ‫‪"P‬سليمبريا‪55.............................................‬‬
‫‪"P‬عينتاب‪324............................................‬‬ ‫‪"P‬سمرقند‪9................................................‬‬
‫‪"P‬غرناطة‪16 ,15.......................................‬‬ ‫‪"P‬سملين‪107 ,48.......................................‬‬
‫‪"P‬فارس‪,79 ,76 ,72 ,70 ,23 ,21 ,20 ,18‬‬ ‫‪"P‬سميساط‪253 ,183 ,119 ,71 ,70...............‬‬
‫‪,134 ,133 ,130 ,124 ,123 ,122 ,84 ,83‬‬ ‫‪"P‬سنجار‪293 ,292 ,272 ,205 ,202 ,85.......‬‬
‫‪,195 ,190 ,174 ,172 ,167 ,159 ,157‬‬ ‫‪"P‬سوريا‪,147 ,119 ,99 ,97 ,96 ,17 ,11 ,5...‬‬
‫‪,247 ,246 ,235 ,226 ,212 ,205 ,203‬‬ ‫‪382 ,296 ,278 ,183 ,182 ,163‬‬
‫‪,306 ,303 ,301 ,293 ,289 ,274 ,254‬‬ ‫‪"P‬سيناء‪216 ,102......................................‬‬
‫‪,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬ ‫‪"P‬سيواس‪141............................................‬‬
‫‪385 ,371 ,336 ,325‬‬ ‫‪"P‬شبختان‪362............................................‬‬
‫‪"P‬فامية‪133 ,132.......................................‬‬ ‫‪"P‬شهرزور‪357..........................................‬‬
‫‪"P‬فرنسا‪225 ,150 ,104 ,25 ,16 ,14............‬‬ ‫‪"P‬شيزر‪,197 ,194 ,183 ,181 ,168 ,97‬‬
‫‪"P‬فلسطين‪,24 ,23 ,21 ,18 ,17 ,16 ,11 ,5‬‬ ‫‪,335 ,334 ,325 ,278 ,236 ,229 ,221‬‬
‫‪,43 ,41 ,40 ,39 ,38 ,37 ,36 ,34 ,30 ,29‬‬ ‫‪,346 ,345 ,344 ,343 ,342 ,341 ,340‬‬
‫‪,103 ,101 ,100 ,97 ,96 ,90 ,71 ,45 ,44‬‬ ‫‪379 ,352‬‬
‫‪,118 ,117 ,115 ,114 ,112 ,109 ,106‬‬ ‫‪"P‬صحراء‪216 ,182...................................‬‬
‫‪,145 ,131 ,130 ,127 ,124 ,120 ,119‬‬ ‫‪"P‬صفين‪375.............................................‬‬
‫‪,216 ,202 ,187 ,186 ,183 ,182 ,181‬‬

‫‪449‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬معرّة‪168...............................................‬‬ ‫‪,374 ,356 ,311 ,287 ,285 ,232 ,224‬‬


‫‪"P‬مكة‪232 ,89..........................................‬‬ ‫‪389 ,382‬‬
‫‪"P‬ملطية‪,144 ,134 ,133 ,73 ,62 ,61 ,22.....‬‬ ‫‪"P‬فيينا‪16..................................................‬‬
‫‪297 ,154‬‬ ‫‪"P‬قبرص‪173 ,81 ,13.................................‬‬
‫‪"P‬مليلة‪17 ,16...........................................‬‬ ‫‪"P‬قرطبة‪15...............................................‬‬
‫‪"P‬موبسواسطيه‪69.......................................‬‬ ‫‪"P‬قرماندو‪53.............................................‬‬
‫‪"P‬ميافارقين‪358 ,227 ,223 ,14...................‬‬ ‫‪"P‬قسطموني‪141.........................................‬‬
‫‪"P‬ميلنو‪140.............................................‬‬ ‫‪"P‬قشتالة‪121 ,14 ,12..................................‬‬
‫‪"P‬نابلس‪366 ,150 ,114 ,112......................‬‬ ‫‪"P‬قليقية‪,139 ,137 ,128 ,71 ,68 ,23 ,22......‬‬
‫‪"P‬نجران‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,334 ,333 ,182 ,171 ,169 ,152 ,150‬‬
‫‪"P‬نصيبين‪353 ,352 ,302 ,296 ,286 ,269....‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,343 ,342 ,335‬‬
‫‪"P‬نصيبيين‪384 ,303...................................‬‬ ‫‪"P‬قنسرين‪155............................................‬‬
‫‪"P‬نكسار‪151 ,141 ,134.............................‬‬ ‫‪"P‬قورس‪217.............................................‬‬
‫‪"P‬نهر‪330 ,195 ,132 ,78 ,74....................‬‬ ‫‪"P‬قونية‪121 ,66 ,65...................................‬‬
‫‪"P‬نورمانديا‪59............................................‬‬ ‫‪"P‬قويق‪155...............................................‬‬
‫‪"P‬نيثنيا‪22.................................................‬‬ ‫‪"P‬قيسارية‪228 ,150 ,138 ,120 ,118 ,101....‬‬
‫‪"P‬نيش‪55 ,48............................................‬‬ ‫‪"P‬قيصرية‪68 ,11.......................................‬‬
‫‪"P‬نيفرز‪142..............................................‬‬ ‫‪"P‬كريت‪13................................................‬‬
‫‪"P‬نيقية ‪,81 ,68 ,67 ,66 ,65 ,64 ,62 ,61 ,51‬‬ ‫‪"P‬كشمير‪389 ,5.........................................‬‬
‫‪140 ,126 ,121 ,96‬‬ ‫‪"P‬كليرمون‪104 ,40 ,38..............................‬‬
‫‪"P‬نيم‪42 ,41..............................................‬‬ ‫‪"P‬كنجة‪310...............................................‬‬
‫‪"P‬هاليس‪142.............................................‬‬ ‫‪"P‬كندا‪254................................................‬‬
‫‪"P‬هرقلة‪143 ,121 ,68................................‬‬ ‫‪"P‬كوسوفو‪5...............................................‬‬
‫‪"P‬هكار‪159...............................................‬‬ ‫‪"P‬كيسوم‪128.............................................‬‬
‫‪"P‬همذان‪,323 ,313 ,215 ,212 ,196 ,193....‬‬ ‫‪"P‬لبنان‪,101 ,99 ,97 ,96 ,73 ,17 ,11 ,5......‬‬
‫‪326‬‬ ‫‪,183 ,182 ,173 ,146 ,131 ,120 ,114‬‬
‫‪"P‬هولندا‪254.............................................‬‬ ‫‪311 ,219 ,216 ,200‬‬
‫‪"P‬وادي‪216 ,201......................................‬‬ ‫‪"P‬لبيا‪12...................................................‬‬
‫‪"P‬واسط‪301 ,253......................................‬‬ ‫‪"P‬لسيديا‪64................................................‬‬
‫‪"P‬ورمز‪50................................................‬‬ ‫‪"P‬لطمين‪168.............................................‬‬
‫‪"P‬يافا ‪,136 ,132 ,126 ,120 ,115 ,114 ,104‬‬ ‫‪"P‬لوبوي‪53 ,40.........................................‬‬
‫‪312 ,182 ,181 ,150 ,149‬‬ ‫‪"P‬لوثرتجيا‪52............................................‬‬
‫‪"P‬يوغوسلفيا‪16.........................................‬‬ ‫‪"P‬ليبيا‪17..................................................‬‬
‫‪َ"Q‬أ ْلهَاكُمُ‪112.............................................‬‬ ‫‪"P‬ليون‪297 ,14 ,12...................................‬‬
‫‪"Q‬إِنّ‪332.................................................‬‬ ‫‪"P‬ماردين‪,205 ,202 ,193 ,189 ,168 ,160...‬‬
‫‪"Q‬إِنْ‪258.................................................‬‬ ‫‪,229 ,227 ,223 ,220 ,218 ,215 ,212‬‬
‫‪ِ"Q‬إنّا‪386..................................................‬‬ ‫‪316 ,315 ,296 ,295 ,239 ,231‬‬
‫‪ِ"Q‬إّنمَا‪365................................................‬‬ ‫‪"P‬مراغة‪196 ,194 ,193.............................‬‬
‫‪"Q‬فَاقْصُصِ‪3.............................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيفان‪142..........................................‬‬
‫‪"Q‬فََلمْ‪368.................................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيليا‪88 ,45........................................‬‬
‫‪َ "Q‬ف ِم ْنهُمْ‪379..............................................‬‬ ‫‪"P‬مرعش‪133 ,73 ,68................................‬‬
‫‪"Q‬كُلّ‪210.................................................‬‬ ‫‪"P‬مسيا‪64.................................................‬‬
‫‪َ"Q‬ل َقدْ‪384 ,379.........................................‬‬ ‫‪"P‬مصر‪,23 ,21 ,18 ,17 ,13 ,11 ,10 ,9 ,5...‬‬
‫‪ِ"Q‬ل َيمِيزَ‪187..............................................‬‬ ‫‪,97 ,94 ,81 ,66 ,49 ,45 ,31 ,25 ,24‬‬
‫‪"Q‬مَنْ‪184.................................................‬‬ ‫‪,126 ,125 ,115 ,112 ,105 ,101 ,100‬‬
‫‪"Q‬هَلْ‪249................................................‬‬ ‫‪,208 ,187 ,179 ,162 ,158 ,156 ,146‬‬
‫‪َ "Q‬وَأمّا‪241...............................................‬‬ ‫‪380 ,239 ,230 ,226 ,216‬‬
‫صمُوا‪188.......................................‬‬ ‫عتَ ِ‬
‫‪"Q‬وَا ْ‬ ‫‪"P‬معرة‪,228 ,195 ,168 ,110 ,107 ,96 ,95..‬‬
‫‪"Q‬وَالُّ‪372...............................................‬‬ ‫‪340 ,324 ,261‬‬

‫‪450‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,238 ,237 ,236 ,229 ,228 ,227 ,225‬‬ ‫‪َ "Q‬وتِ ْلكَ‪371 ,319......................................‬‬
‫‪,315 ,311 ,302 ,299 ,298 ,296 ,285‬‬ ‫‪َ "Q‬ورَ ْهبَا ِنيّةً‪28...........................................‬‬
‫‪,340 ,337 ,333 ,332 ,331 ,330 ,324‬‬ ‫عسَى‪309............................................‬‬ ‫‪"Q‬وَ َ‬
‫‪,363 ,359 ,358 ,356 ,346 ,345 ,344‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ‪383 ,381 ,172 ,87 ,66 ,17..............‬‬
‫‪379‬‬ ‫‪َ "Q‬وَلكُمْ‪244...............................................‬‬
‫‪"S‬قلعة ‪,271 ,263 ,243 ,229 ,179 ,178 ,87.‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَنْ‪17..................................................‬‬
‫‪,349 ,331 ,329 ,316 ,309 ,285 ,272‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ ْولَ‪381 ,17........................................‬‬
‫‪387 ,377 ,375 ,360 ,359 ,358‬‬ ‫‪َ "Q‬و ْليَخْشَ‪248 ,241...................................‬‬
‫البليخ‪165..................................................‬‬ ‫صرَنّ‪383 ,258................................‬‬ ‫‪َ "Q‬وَليَنْ ُ‬
‫تبوك‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَا‪176 ,89 ,10....................................‬‬
‫مؤتة‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَنْ‪258...............................................‬‬
‫‪"S‬حصن ‪,165 ,164 ,160 ,148 ,139 ,90 ,83‬‬
‫‪,223 ,216 ,189 ,181 ,175 ,174 ,168‬‬

‫‪451‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫فهرس العارك الربية‬

‫‪452‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,207 ,200 ,199 ,196 ,195 ,194 ,190‬‬ ‫‪"A‬بركياروق ‪,123 ,122 ,85 ,84 ,79 ,76 ,21.‬‬
‫‪220‬‬ ‫‪,163 ,162 ,160 ,159 ,154 ,130 ,124‬‬
‫‪"A‬تتش‪,125 ,124 ,123 ,100 ,76 ,21 ,20....‬‬ ‫‪,249 ,247 ,246 ,176 ,175 ,174 ,172‬‬
‫‪,247 ,246 ,245 ,242 ,184 ,174 ,162‬‬ ‫‪317 ,251‬‬
‫‪292 ,288 ,287 ,283 ,277 ,275 ,250‬‬ ‫‪"A‬برنارد‪230 ,228 ,221 ,151....................‬‬
‫‪"A‬ثوروس‪70 ,22.......................................‬‬ ‫‪"A‬بزواش‪329............................................‬‬
‫‪"A‬ثيودسيوس‪44.........................................‬‬ ‫‪"A‬بطرس‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,41 ,40...‬‬
‫‪"A‬ثيوفيل‪13...............................................‬‬ ‫‪140 ,92 ,88 ,79 ,73 ,64‬‬
‫‪"A‬جالدمار‪135...........................................‬‬ ‫‪"A‬بطغتكين‪206..........................................‬‬
‫‪"A‬جاولي‪,239 ,184 ,178 ,177 ,176 ,163. . .‬‬ ‫‪"A‬بلدوين‪,84 ,72 ,71 ,70 ,69 ,68 ,54 ,52.. .‬‬
‫‪,282 ,281 ,276 ,268 ,255 ,252 ,251‬‬ ‫‪,132 ,131 ,120 ,119 ,108 ,96 ,93 ,92‬‬
‫‪284‬‬ ‫‪,145 ,140 ,139 ,138 ,137 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬جبريل‪134 ,133 ,22..............................‬‬ ‫‪,164 ,154 ,153 ,151 ,150 ,149 ,146‬‬
‫‪"A‬جرموند‪220...........................................‬‬ ‫‪,177 ,173 ,172 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪"A‬جريجوري‪35 ,30 ,27.............................‬‬ ‫‪,189 ,183 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬
‫‪"A‬جستنيان‪57............................................‬‬ ‫‪,201 ,200 ,199 ,198 ,196 ,195 ,190‬‬
‫‪"A‬جعفر‪23................................................‬‬ ‫‪,219 ,217 ,216 ,215 ,204 ,203 ,202‬‬
‫‪"A‬جكرمش ‪,167 ,166 ,165 ,164 ,163 ,151.‬‬ ‫‪,227 ,225 ,224 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬
‫‪,251 ,187 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,237 ,236 ,234 ,231 ,230 ,229 ,228‬‬
‫‪385 ,264 ,259‬‬ ‫‪,302 ,299 ,298 ,297 ,279 ,239 ,238‬‬
‫‪"A‬جمال‪355 ,354 ,269..............................‬‬ ‫‪361 ,312 ,311‬‬
‫‪"A‬جوتشوك‪49...........................................‬‬ ‫‪"A‬بلك‪,231 ,230 ,228 ,227 ,226 ,160‬‬
‫‪"A‬جودفري‪,59 ,58 ,57 ,56 ,55 ,54 ,53 ,52.‬‬ ‫‪379 ,377 ,295 ,234‬‬
‫‪,110 ,108 ,99 ,98 ,97 ,77 ,69 ,68 ,67‬‬ ‫‪"A‬بهاء‪282 ,276 ,259 ,239.......................‬‬
‫‪,118 ,116 ,115 ,114 ,113 ,112 ,111‬‬ ‫‪"A‬بهرام‪354 ,185......................................‬‬
‫‪137 ,136 ,135 ,132 ,121 ,120 ,119‬‬ ‫‪"A‬بوتوميتس‪63..........................................‬‬
‫‪"A‬جورج‪7................................................‬‬ ‫‪"A‬بوري‪,300 ,290 ,289 ,288 ,286 ,186....‬‬
‫‪"A‬جوسلين ‪,183 ,178 ,177 ,168 ,165 ,164.‬‬ ‫‪326 ,311‬‬
‫‪,219 ,201 ,199 ,198 ,196 ,194 ,189‬‬ ‫‪"A‬بوزان‪247 ,123.....................................‬‬
‫‪,236 ,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,222‬‬ ‫‪"A‬بوميتس‪62.............................................‬‬
‫‪,311 ,302 ,300 ,279 ,276 ,238 ,237‬‬ ‫‪"A‬بونز‪,222 ,221 ,217 ,203 ,202 ,200......‬‬
‫‪,362 ,361 ,351 ,343 ,337 ,334 ,331‬‬ ‫‪,329 ,311 ,279 ,238 ,237 ,236 ,230‬‬
‫‪,373 ,370 ,369 ,367 ,366 ,365 ,364‬‬ ‫‪330‬‬
‫‪375‬‬ ‫‪"A‬بوهيموند ‪,67 ,65 ,59 ,58 ,57 ,54 ,53 ,33‬‬
‫‪"A‬جيلسيوس‪220.......................................‬‬ ‫‪,85 ,84 ,83 ,81 ,80 ,79 ,77 ,75 ,69 ,68‬‬
‫‪"A‬جيمي‪28...............................................‬‬ ‫‪,108 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,88 ,86‬‬
‫‪"A‬جيوبرت‪140..........................................‬‬ ‫‪,133 ,132 ,131 ,121 ,120 ,119 ,114‬‬
‫‪"A‬جيوش‪253 ,223 ,222 ,213 ,212............‬‬ ‫‪,151 ,142 ,141 ,139 ,138 ,136 ,134‬‬
‫‪"A‬حسام‪,296 ,295 ,233 ,231 ,229 ,227.....‬‬ ‫‪,168 ,166 ,165 ,164 ,154 ,153 ,152‬‬
‫‪,358 ,353 ,352 ,328 ,325 ,316 ,315‬‬ ‫‪,199 ,177 ,174 ,172 ,171 ,170 ,169‬‬
‫‪375 ,374 ,371 ,359‬‬ ‫‪,279 ,239 ,238 ,222 ,221 ,220 ,200‬‬
‫‪"A‬حسان‪377 ,300.....................................‬‬ ‫‪299 ,297‬‬
‫‪"A‬حسين ‪,133 ,132 ,97 ,89 ,87 ,85 ,79 ,78‬‬ ‫‪"A‬تاتيكيوس‪81 ,78 ,67...............................‬‬
‫‪259 ,208 ,163 ,148 ,147‬‬ ‫‪"A‬تاج‪374................................................‬‬
‫‪"A‬حمزة‪198..............................................‬‬ ‫‪"A‬تانكرد‪,92 ,80 ,69 ,68 ,67 ,65 ,58 ,54....‬‬
‫‪"A‬حنا‪94 ,91 ,14......................................‬‬ ‫‪,137 ,136 ,135 ,114 ,112 ,108 ,93‬‬
‫‪"A‬خاتون‪286............................................‬‬ ‫‪,164 ,151 ,150 ,147 ,140 ,139 ,138‬‬
‫‪"A‬خالد‪232 ,11.........................................‬‬ ‫‪,177 ,174 ,171 ,170 ,168 ,166 ,165‬‬
‫‪,189 ,184 ,182 ,181 ,180 ,179 ,178‬‬

‫‪453‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬سلجوق‪18.............................................‬‬ ‫‪"A‬داود‪,306 ,305 ,304 ,303 ,296 ,105......‬‬


‫‪"A‬سلجوقشاه‪,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,321 ,318 ,317 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬
‫‪325 ,321 ,318 ,313 ,309‬‬ ‫‪,348 ,336 ,327 ,326 ,325 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬سلطان‪,229 ,221 ,215 ,197 ,194 ,181...‬‬ ‫‪359 ,358 ,353‬‬
‫‪340 ,278 ,236‬‬ ‫‪"A‬دايمبرت ‪,135 ,132 ,131 ,130 ,121 ,120.‬‬
‫‪"A‬سليم‪16.................................................‬‬ ‫‪150 ,140 ,137 ,136‬‬
‫‪"A‬سليمان ‪,227 ,76 ,75 ,61 ,22 ,21 ,20 ,16.‬‬ ‫‪"A‬دبيس‪,294 ,293 ,268 ,253 ,231 ,223.....‬‬
‫‪285 ,276 ,242‬‬ ‫‪326 ,308 ,302 ,301 ,300‬‬
‫‪"A‬سنجر‪,302 ,301 ,300 ,293 ,218 ,172....‬‬ ‫‪"A‬دقاق ‪,90 ,89 ,87 ,85 ,83 ,79 ,78 ,77 ,21‬‬
‫‪,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,304 ,303‬‬ ‫‪,148 ,147 ,136 ,129 ,125 ,124 ,100‬‬
‫‪325 ,321 ,314 ,313‬‬ ‫‪,242 ,207 ,184 ,174 ,173 ,162 ,149‬‬
‫‪"A‬سنقرجة‪151...........................................‬‬ ‫‪307 ,288 ,287 ,277‬‬
‫‪"A‬سوار‪,335 ,334 ,324 ,314 ,313 ,270.....‬‬ ‫‪"A‬ذو‪3.....................................................‬‬
‫‪344 ,340 ,339 ,337 ,336‬‬ ‫‪"A‬رسل‪57 ,55..........................................‬‬
‫‪"A‬سوتكين‪353...........................................‬‬ ‫‪"A‬رضوان ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21.‬‬
‫‪"A‬سونج‪321 ,300 ,289.............................‬‬ ‫‪,141 ,134 ,133 ,129 ,126 ,125 ,124‬‬
‫‪"A‬سيف‪364 ,321 ,259 ,132......................‬‬ ‫‪,174 ,170 ,169 ,168 ,162 ,149 ,148‬‬
‫‪"A‬شرحبيل‪11............................................‬‬ ‫‪,194 ,191 ,190 ,185 ,184 ,181 ,178‬‬
‫‪"A‬شرف‪240 ,239 ,149.............................‬‬ ‫‪,213 ,210 ,208 ,207 ,206 ,196 ,195‬‬
‫‪"A‬شمس‪323 ,322 ,321 ,311 ,227 ,168.....‬‬ ‫‪,286 ,275 ,242 ,235 ,231 ,218 ,214‬‬
‫‪"A‬شهاب‪,353 ,347 ,346 ,330 ,328 ,322....‬‬ ‫‪298‬‬
‫‪354‬‬ ‫‪"A‬ركن‪,352 ,342 ,338 ,316 ,315 ,296......‬‬
‫‪"A‬صلح ‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,7.‬‬ ‫‪362 ,358 ,353‬‬
‫‪,287 ,285 ,282 ,276 ,259 ,239 ,232‬‬ ‫‪"A‬روبرت‪,98 ,97 ,78 ,75 ,67 ,59 ,53 ,33..‬‬
‫‪389 ,366 ,355 ,349 ,346 ,309‬‬ ‫‪114 ,108‬‬
‫‪"A‬صمام‪325 ,290 ,289 ,288.....................‬‬ ‫‪"A‬روجر‪,217 ,216 ,213 ,203 ,202 ,200....‬‬
‫‪"A‬صمصام‪277..........................................‬‬ ‫‪228 ,221 ,220‬‬
‫‪"A‬طارق‪232 ,161 ,12...............................‬‬ ‫‪"A‬رومانوس‪344 ,37 ,19............................‬‬
‫‪"A‬طالوت‪3................................................‬‬ ‫‪"A‬ريتشارد‪177..........................................‬‬
‫‪"A‬طشت‪271.............................................‬‬ ‫‪"A‬ريمون‪,89 ,78 ,67 ,65 ,59 ,58 ,53 ,41...‬‬
‫‪"A‬طغتكين‪,191 ,189 ,186 ,185 ,174 ,149..‬‬ ‫‪,108 ,99 ,98 ,97 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92‬‬
‫‪,205 ,202 ,201 ,200 ,197 ,196 ,195‬‬ ‫‪,120 ,119 ,115 ,114 ,113 ,110 ,109‬‬
‫‪,215 ,214 ,213 ,212 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,134 ,131 ,129 ,121‬‬
‫‪,233 ,230 ,224 ,223 ,222 ,220 ,216‬‬ ‫‪,173 ,149 ,148 ,147 ,146 ,142 ,140‬‬
‫‪,300 ,288 ,287 ,286 ,277 ,237 ,234‬‬ ‫‪,332 ,331 ,330 ,329 ,180 ,179 ,175‬‬
‫‪325 ,322 ,307‬‬ ‫‪334‬‬
‫‪"A‬طغرل‪,304 ,303 ,218 ,157 ,19 ,18‬‬ ‫‪"A‬ريموند‪,336 ,335 ,334 ,331 ,324 ,276...‬‬
‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,357 ,343 ,337‬‬
‫‪321 ,320 ,319 ,318 ,317 ,314‬‬ ‫‪"A‬رينو‪312...............................................‬‬
‫‪"A‬عائشة‪250 ,24.......................................‬‬ ‫‪"A‬زاخارس‪22...........................................‬‬
‫‪"A‬عبد‪250 ,241 ,187 ,159 ,100................‬‬ ‫‪"A‬زمرد‪354 ,346.....................................‬‬
‫‪"A‬عديّ‪159..............................................‬‬ ‫‪"A‬زنكي‪176.............................................‬‬
‫‪"A‬عز‪,292 ,276 ,262 ,239 ,237 ,236‬‬ ‫‪"A‬زين‪374 ,270.......................................‬‬
‫‪377 ,375‬‬ ‫‪"A‬ستيفن‪93 ,85 ,84 ,78 ,67 ,59 ,53...........‬‬
‫‪"A‬عقبة‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬سعد‪232 ,146.......................................‬‬
‫‪"A‬علي‪250...............................................‬‬ ‫‪"A‬سقمان‪,166 ,165 ,164 ,160 ,139 ,21 ,7..‬‬
‫‪"A‬عماد ‪,210 ,205 ,203 ,187 ,161 ,157 ,8.‬‬ ‫‪,193 ,189 ,186 ,177 ,175 ,172 ,168‬‬
‫‪,248 ,247 ,242 ,241 ,240 ,234 ,213‬‬ ‫‪379 ,295 ,231 ,215 ,196‬‬
‫‪,255 ,254 ,253 ,252 ,251 ,250 ,249‬‬ ‫‪"A‬سكمان‪100............................................‬‬

‫‪454‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"A‬قميرك‪205 ,202....................................‬‬ ‫‪,263 ,262 ,261 ,260 ,259 ,257 ,256‬‬


‫‪"A‬كربوغا‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,78. .‬‬ ‫‪,270 ,269 ,268 ,267 ,266 ,265 ,264‬‬
‫‪,163 ,159 ,156 ,151 ,122 ,98 ,97 ,91‬‬ ‫‪,277 ,276 ,275 ,274 ,273 ,272 ,271‬‬
‫‪385 ,259 ,251 ,250 ,187‬‬ ‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,280 ,279 ,278‬‬
‫‪"A‬كعب‪291..............................................‬‬ ‫‪,291 ,290 ,289 ,288 ,287 ,286 ,285‬‬
‫‪"A‬كمال‪348 ,347 ,338 ,270......................‬‬ ‫‪,298 ,297 ,296 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬
‫‪"A‬كمشتكين‪148 ,144.................................‬‬ ‫‪,305 ,304 ,303 ,302 ,301 ,300 ,299‬‬
‫‪"A‬كندغدي‪254..........................................‬‬ ‫‪,313 ,311 ,310 ,309 ,308 ,307 ,306‬‬
‫‪"A‬كوغ‪217 ,190 ,128...............................‬‬ ‫‪,321 ,320 ,319 ,318 ,316 ,315 ,314‬‬
‫‪"A‬كولومان‪54 ,51 ,50 ,48..........................‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,324 ,323 ,322‬‬
‫‪"A‬كونستانس‪331 ,324 ,297........................‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪"A‬لروجر‪214............................................‬‬ ‫‪,342 ,341 ,340 ,339 ,338 ,337 ,336‬‬
‫‪"A‬لوقا‪38..................................................‬‬ ‫‪,350 ,349 ,348 ,347 ,346 ,345 ,344‬‬
‫‪"A‬لويس‪299.............................................‬‬ ‫‪,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352 ,351‬‬
‫‪"A‬ليون‪334 ,333 ,297...............................‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,358‬‬
‫‪"A‬مارتن‪29...............................................‬‬ ‫‪,371 ,370 ,369 ,368 ,367 ,366 ,365‬‬
‫‪"A‬مانويل‪370 ,361....................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,377 ,376 ,375 ,374 ,373‬‬
‫‪"A‬مباركشاه‪214.........................................‬‬ ‫‪389 ,387 ,386 ,385 ,384 ,383 ,382‬‬
‫‪"A‬متّى‪202...............................................‬‬ ‫‪"A‬عمر‪382 ,265 ,241 ,161 ,122 ,24 ,11...‬‬
‫‪"A‬مجاهد‪349.............................................‬‬ ‫‪"A‬عمرو‪12...............................................‬‬
‫‪"A‬مجير‪355..............................................‬‬ ‫‪"A‬عموري‪361..........................................‬‬
‫‪"A‬محمد‪,175 ,174 ,172 ,163 ,161 ,124.....‬‬ ‫‪"A‬عيسى‪284.............................................‬‬
‫‪,211 ,193 ,192 ,188 ,179 ,177 ,176‬‬ ‫‪"A‬غازي‪,141 ,138 ,134 ,133 ,67 ,66 ,61..‬‬
‫‪,274 ,252 ,251 ,232 ,218 ,213 ,212‬‬ ‫‪170 ,156 ,154 ,153 ,152 ,151‬‬
‫‪355 ,339 ,327 ,317 ,291‬‬ ‫‪"A‬غيورغي‪43...........................................‬‬
‫‪"A‬محمود‪,236 ,234 ,226 ,223 ,222 ,218...‬‬ ‫‪"A‬فاطمة‪23...............................................‬‬
‫‪,274 ,255 ,254 ,253 ,240 ,239 ,238‬‬ ‫‪"A‬فخر‪99 ,97...........................................‬‬
‫‪,301 ,294 ,293 ,284 ,283 ,282 ,276‬‬ ‫‪"A‬فردريك‪144...........................................‬‬
‫‪,320 ,317 ,310 ,305 ,304 ,303 ,302‬‬ ‫‪"A‬فرعون‪216 ,134 ,3...............................‬‬
‫‪373 ,338‬‬ ‫‪"A‬فروخ‪255.............................................‬‬
‫‪"A‬مسعود‪,226 ,223 ,222 ,218 ,193 ,192...‬‬ ‫‪"A‬فولك‪,324 ,312 ,311 ,302 ,300 ,299.....‬‬
‫‪,305 ,304 ,303 ,268 ,257 ,239 ,230‬‬ ‫‪,335 ,334 ,333 ,332 ,331 ,330 ,329‬‬
‫‪,317 ,314 ,313 ,310 ,309 ,308 ,306‬‬ ‫‪362 ,361 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪,326 ,325 ,323 ,322 ,321 ,319 ,318‬‬ ‫‪"A‬فولكمار‪50 ,49.......................................‬‬
‫‪,347 ,344 ,339 ,338 ,336 ,328 ,327‬‬ ‫‪"A‬فيلريتوس‪75.........................................‬‬
‫‪,371 ,364 ,363 ,357 ,353 ,350 ,348‬‬ ‫‪"A‬فيليب‪366 ,53 ,38..................................‬‬
‫‪383 ,373‬‬ ‫‪"A‬قاروت‪21..............................................‬‬
‫‪"A‬مسلم‪258 ,242 ,161..............................‬‬ ‫‪"A‬قارون‪3.................................................‬‬
‫‪"A‬معاوية‪73 ,12........................................‬‬ ‫‪"A‬قتلغ‪285 ,276........................................‬‬
‫‪"A‬معين‪356 ,355 ,354 ,329 ,328 ,322......‬‬ ‫‪"A‬قتلمش‪21...............................................‬‬
‫‪"A‬ملكشاه‪,158 ,124 ,123 ,76 ,22 ,21 ,19...‬‬ ‫‪"A‬قرا‪371 ,365 ,362 ,358........................‬‬
‫‪,245 ,242 ,214 ,172 ,162 ,160 ,159‬‬ ‫‪"A‬قريش‪328 ,323 ,289.............................‬‬
‫‪,379 ,320 ,319 ,252 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"A‬قطب‪259..............................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪"A‬قطز‪241 ,232 ,161...............................‬‬
‫‪"A‬منقذ‪334...............................................‬‬ ‫‪"A‬قفجاق‪358 ,357.....................................‬‬
‫‪"A‬مودود‪,191 ,190 ,189 ,188 ,187 ,177 ,7‬‬ ‫‪"A‬قلج ‪,66 ,65 ,64 ,63 ,62 ,61 ,51 ,21 ,20.‬‬
‫‪,198 ,197 ,196 ,195 ,194 ,193 ,192‬‬ ‫‪,141 ,134 ,130 ,127 ,126 ,121 ,68 ,67‬‬
‫‪,205 ,204 ,203 ,202 ,201 ,200 ,199‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,152 ,148 ,145 ,144‬‬
‫‪,212 ,211 ,210 ,209 ,208 ,207 ,206‬‬ ‫‪242 ,176‬‬

‫‪455‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪َ "H‬كمَا‪212 ,129........................................‬‬ ‫‪,220 ,218 ,217 ,216 ,215 ,214 ,213‬‬
‫‪"H‬لَ‪6......................................................‬‬ ‫‪,253 ,252 ,238 ,235 ,234 ,225 ,221‬‬
‫‪َ"H‬لوْ‪112..................................................‬‬ ‫‪387 ,385 ,383 ,382 ,379 ,259 ,257‬‬
‫‪"H‬هَوّنْ‪265...............................................‬‬ ‫‪"A‬موسى‪164 ,151 ,23 ,12.........................‬‬
‫‪"H‬وَاّلذِي‪89...............................................‬‬ ‫‪"A‬ميلزاند‪370 ,366 ,361 ,312 ,300............‬‬
‫‪"H‬وَالِّ‪232...............................................‬‬ ‫‪"A‬نابليون‪134............................................‬‬
‫‪َ "H‬وكَانَ‪10................................................‬‬ ‫‪"A‬ناصر‪264.............................................‬‬
‫‪"H‬يَا‪233..................................................‬‬ ‫‪"A‬نجم‪355 ,349 ,309 ,263 ,161 ,8............‬‬
‫‪"H‬يد‪141..................................................‬‬ ‫‪"A‬نزار‪208 ,24.........................................‬‬
‫شكُ‪103.............................................‬‬ ‫‪"H‬يُو ِ‬ ‫‪"A‬نصرة‪259.............................................‬‬
‫‪"K‬أجنادين‪11.............................................‬‬ ‫‪"A‬نصير‪,373 ,348 ,282 ,269 ,263 ,259....‬‬
‫‪"K‬أورش‪227.............................................‬‬ ‫‪386 ,374‬‬
‫‪"K‬البليخ‪,173 ,172 ,171 ,170 ,167 ,165.....‬‬ ‫‪"A‬نظام‪,242 ,238 ,206 ,192 ,163 ,158......‬‬
‫‪189 ,186 ,175‬‬ ‫‪385 ,379‬‬
‫‪"K‬الرملة‪174 ,149 ,146.............................‬‬ ‫‪"A‬نقفور‪74................................................‬‬
‫‪"K‬الزلقة‪25 ,14........................................‬‬ ‫‪"A‬نور‪,226 ,211 ,187 ,161 ,157 ,25 ,8.....‬‬
‫‪"K‬الصنبرة‪252..........................................‬‬ ‫‪389 ,388 ,357 ,349 ,309 ,287 ,259‬‬
‫‪"K‬العقاب‪39 ,15........................................‬‬ ‫‪"A‬نورمان‪4...............................................‬‬
‫‪"K‬القادسية‪49.............................................‬‬ ‫‪"A‬نيروز‪85 ,84.........................................‬‬
‫‪"K‬بلط‪12.................................................‬‬ ‫‪"A‬هبة‪259................................................‬‬
‫‪"K‬بيسان‪11...............................................‬‬ ‫‪"A‬هتلر‪134 ,107.......................................‬‬
‫‪"K‬تبوك‪11................................................‬‬ ‫‪"A‬هرقل‪11 ,10..........................................‬‬
‫‪"K‬دانيث‪213.............................................‬‬ ‫‪"A‬هنري‪324 ,108 ,53 ,37 ,33 ,27.............‬‬
‫‪"K‬دوريليوم‪126.........................................‬‬ ‫‪"A‬هوجو‪224.............................................‬‬
‫‪"K‬مؤتة‪11.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيو‪368 ,367 ,312 ,78 ,54 ,53..............‬‬
‫‪"K‬مرج‪85.................................................‬‬ ‫‪"A‬هيومن‪140............................................‬‬
‫‪"K‬مرسيفان‪171..........................................‬‬ ‫‪"A‬والتر‪,62 ,54 ,51 ,50 ,49 ,48 ,47 ,41‬‬
‫‪"K‬ملذكرد‪344 ,157 ,74 ,64 ,57 ,37 ,19....‬‬ ‫‪140 ,64‬‬
‫‪"K‬منبج‪228...............................................‬‬ ‫‪"A‬وثاب‪87................................................‬‬
‫‪"K‬نيقية‪126 ,90 ,65...................................‬‬ ‫‪"A‬ولف‪143...............................................‬‬
‫‪"K‬هرقلة‪171 ,143.....................................‬‬ ‫‪"A‬وليم ‪,180 ,179 ,175 ,143 ,142 ,106 ,33‬‬
‫‪"P‬آسيا ‪,23 ,22 ,21 ,20 ,19 ,18 ,15 ,13 ,10.‬‬ ‫‪324 ,228 ,182‬‬
‫‪,61 ,59 ,58 ,57 ,51 ,50 ,43 ,41 ,31 ,25‬‬ ‫‪"A‬ونمار‪78...............................................‬‬
‫‪,86 ,81 ,74 ,73 ,72 ,71 ,70 ,66 ,65 ,64‬‬ ‫‪"A‬ياغي‪,84 ,83 ,82 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75‬‬
‫‪,126 ,121 ,109 ,108 ,100 ,99 ,93 ,90‬‬ ‫‪123 ,85‬‬
‫‪,142 ,140 ,134 ,133 ,130 ,128 ,127‬‬ ‫‪"A‬يرنقش‪376............................................‬‬
‫‪,152 ,151 ,148 ,146 ,145 ,144 ,143‬‬ ‫‪"A‬يوحنا‪,334 ,333 ,332 ,324 ,222 ,220.....‬‬
‫‪,220 ,187 ,176 ,159 ,156 ,154 ,153‬‬ ‫‪,362 ,361 ,344 ,343 ,342 ,337 ,336‬‬
‫‪380 ,338 ,337 ,335 ,310 ,242‬‬ ‫‪367‬‬
‫‪"P‬آمد‪365 ,358 ,315 ,296.........................‬‬ ‫‪"A‬يوسف‪161 ,25 ,15................................‬‬
‫‪"P‬أبونيا‪22.................................................‬‬ ‫‪156, 158..............................................H‬‬
‫‪"P‬أذربيجان‪306 ,193 ,172..........................‬‬ ‫‪َ"H‬أخْوَفُ‪306............................................‬‬
‫‪"P‬أذنة ‪,344 ,343 ,333 ,169 ,152 ,139 ,71.‬‬ ‫‪"H‬إذا‪258.................................................‬‬
‫‪345‬‬ ‫‪ِ"H‬إذَا‪258.................................................‬‬
‫‪"P‬أرتاح‪221 ,169......................................‬‬ ‫‪"H‬إن‪193.................................................‬‬
‫‪"P‬أرجوان‪12.............................................‬‬ ‫‪"H‬إِنّ‪386 ,193 ,184 ,88...........................‬‬
‫‪"P‬أرسوف‪,118 ,115 ,114 ,113 ,104 ,101...‬‬ ‫‪"H‬إني‪233................................................‬‬
‫‪150 ,138 ,120‬‬ ‫‪"H‬الْحَ ْربُ‪291............................................‬‬
‫‪"P‬أرمينيا‪22 ,14.........................................‬‬ ‫‪"H‬فَوَالِّ‪20................................................‬‬

‫‪456‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬إشبيلية‪15...............................................‬‬ ‫‪"P‬أرمينية‪306 ,172 ,18..............................‬‬


‫‪"P‬إفريقيا‪,25 ,24 ,23 ,16 ,14 ,13 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أزمير‪22................................................‬‬
‫‪380 ,100 ,31‬‬ ‫‪"P‬أسعرد‪359.............................................‬‬
‫‪"P‬إقليم‪,223 ,203 ,119 ,25 ,18 ,13 ,10‬‬ ‫‪"P‬أصبهان‪172...........................................‬‬
‫‪,295 ,281 ,278 ,268 ,262 ,239 ,229‬‬ ‫‪"P‬أصفهان‪305 ,274 ,254...........................‬‬
‫‪,328 ,325 ,322 ,316 ,315 ,314 ,297‬‬ ‫‪"P‬أفغانستان‪389 ,380 ,25 ,18 ,17 ,5...........‬‬
‫‪,362 ,359 ,358 ,353 ,352 ,351 ,338‬‬ ‫‪"P‬أفلونا‪57.................................................‬‬
‫‪382 ,371 ,365‬‬ ‫‪"P‬أكوتيين‪143............................................‬‬
‫‪"P‬إنجلترا‪,171 ,103 ,42 ,33 ,16 ,12 ,10.....‬‬ ‫‪"P‬ألبانيا‪57 ,16...........................................‬‬
‫‪324 ,254 ,225‬‬ ‫‪"P‬ألمانيا‪,48 ,47 ,37 ,33 ,31 ,27 ,12 ,10.....‬‬
‫‪"P‬إندونيسيا‪380..........................................‬‬ ‫‪171 ,143 ,140 ,108 ,103‬‬
‫‪"P‬إيران‪,193 ,172 ,160 ,21 ,18 ,16 ,5‬‬ ‫‪"P‬أماسية‪142 ,141.....................................‬‬
‫‪306 ,274‬‬ ‫‪"P‬أمريكا‪17 ,7 ,4.......................................‬‬
‫‪"P‬إيطاليا‪,37 ,35 ,33 ,32 ,31 ,29 ,12 ,10....‬‬ ‫‪"P‬أنجرز‪42...............................................‬‬
‫‪,140 ,103 ,91 ,80 ,67 ,59 ,57 ,53 ,42‬‬ ‫‪"P‬أنطاكية‪,69 ,58 ,57 ,54 ,33 ,22 ,14 ,13...‬‬
‫‪222 ,221 ,200 ,174 ,170 ,150 ,141‬‬ ‫‪,80 ,79 ,78 ,77 ,76 ,75 ,74 ,73 ,72 ,71‬‬
‫‪"P‬الدرياثيك‪171........................................‬‬ ‫‪,90 ,89 ,88 ,87 ,86 ,85 ,84 ,83 ,82 ,81‬‬
‫‪"P‬الردن‪203.............................................‬‬ ‫‪,105 ,102 ,98 ,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91‬‬
‫‪"P‬السكندرونة‪84........................................‬‬ ‫‪,120 ,119 ,114 ,110 ,109 ,108 ,107‬‬
‫‪"P‬القحوانة‪203..........................................‬‬ ‫‪,130 ,129 ,127 ,126 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪"P‬الناضول‪67 ,65 ,20 ,10.........................‬‬ ‫‪,139 ,138 ,136 ,135 ,134 ,133 ,131‬‬
‫‪"P‬الندلس‪25..............................................‬‬ ‫‪,154 ,153 ,151 ,150 ,147 ,144 ,143‬‬
‫‪"P‬السكندرية‪115........................................‬‬ ‫‪,167 ,166 ,164 ,163 ,159 ,156 ,155‬‬
‫‪"P‬البارة‪168..............................................‬‬ ‫‪,179 ,178 ,177 ,171 ,170 ,169 ,168‬‬
‫‪"P‬البرتغال‪12.............................................‬‬ ‫‪,200 ,199 ,194 ,190 ,182 ,181 ,180‬‬
‫‪"P‬البروفنسال‪58 ,53....................................‬‬ ‫‪,221 ,220 ,217 ,213 ,207 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬البسفور‪140 ,59 ,50...............................‬‬ ‫‪,230 ,229 ,228 ,227 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬البصرة‪254 ,253....................................‬‬ ‫‪,264 ,251 ,239 ,238 ,237 ,236 ,231‬‬
‫‪"P‬البلط‪344 ,337 ,331 ,223 ,222 ,221......‬‬ ‫‪,294 ,286 ,279 ,278 ,277 ,276 ,275‬‬
‫‪"P‬البلقان‪59 ,57 ,54 ,33.............................‬‬ ‫‪,311 ,303 ,302 ,299 ,298 ,297 ,295‬‬
‫‪"P‬البندقية‪230 ,181 ,115 ,45 ,33.................‬‬ ‫‪,331 ,330 ,328 ,324 ,323 ,314 ,312‬‬
‫‪"P‬البوازيج‪283 ,281 ,272...........................‬‬ ‫‪,339 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333 ,332‬‬
‫‪"P‬البوسنة‪17 ,5..........................................‬‬ ‫‪,361 ,357 ,352 ,351 ,346 ,342 ,341‬‬
‫‪"P‬البيرة ‪386 ,374 ,373 ,227 ,217 ,183 ,70‬‬ ‫‪386 ,374 ,370 ,366 ,362‬‬
‫‪"P‬الجبيل‪182 ,21.......................................‬‬ ‫‪"P‬أنقرة‪142 ,141.......................................‬‬
‫‪"P‬الجزيرة‪306 ,18 ,10...............................‬‬ ‫‪"P‬أوربا‪,27 ,26 ,19 ,16 ,15 ,12 ,10 ,7 ,4....‬‬
‫‪"P‬الجليل‪,199 ,168 ,158 ,137 ,136 ,73......‬‬ ‫‪,39 ,37 ,36 ,35 ,34 ,33 ,32 ,31 ,30 ,28‬‬
‫‪366 ,360 ,241 ,201‬‬ ‫‪,50 ,49 ,47 ,46 ,45 ,44 ,43 ,42 ,41 ,40‬‬
‫‪"P‬الحبشة‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,96 ,91 ,75 ,72 ,71 ,64 ,55 ,53 ,52 ,51‬‬
‫‪"P‬الحجاز‪216 ,23 ,5..................................‬‬ ‫‪,111 ,109 ,108 ,107 ,106 ,104 ,103‬‬
‫‪"P‬الحديثة‪359............................................‬‬ ‫‪,151 ,150 ,140 ,121 ,120 ,117 ,112‬‬
‫‪"P‬الخابور‪176............................................‬‬ ‫‪,370 ,335 ,297 ,279 ,224 ,220 ,170‬‬
‫‪"P‬الدنمارك‪42............................................‬‬ ‫‪381‬‬
‫‪"P‬الرحبة‪87...............................................‬‬ ‫‪"P‬أيلة‪216 ,11...........................................‬‬
‫‪"P‬الرقة‪375 ,322.......................................‬‬ ‫‪"P‬أيوينا‪64.................................................‬‬
‫‪"P‬الرملة‪,149 ,146 ,120 ,114 ,104 ,101.....‬‬ ‫‪"P‬إربل‪328 ,304 ,193...............................‬‬
‫‪186 ,182 ,174‬‬ ‫‪"P‬إسبانيا‪254 ,171 ,42 ,25 ,14 ,10.............‬‬
‫‪"P‬الرها‪,84 ,79 ,75 ,72 ,71 ,70 ,69 ,57 ,22‬‬ ‫‪"P‬إسكتلندا‪42.............................................‬‬
‫‪,123 ,121 ,120 ,119 ,108 ,96 ,92 ,85‬‬ ‫‪"P‬إسكندينافيا‪32..........................................‬‬

‫‪457‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬العقبة‪216 ,65........................................‬‬ ‫‪,136 ,134 ,131 ,130 ,129 ,128 ,127‬‬


‫‪"P‬الفرما‪219 ,216......................................‬‬ ‫‪,156 ,154 ,153 ,151 ,144 ,139 ,138‬‬
‫‪"P‬القاهرة‪389 ,385 ,201 ,130 ,101 ,15......‬‬ ‫‪,169 ,168 ,167 ,166 ,164 ,163 ,159‬‬
‫‪"P‬القدس‪,105 ,104 ,99 ,97 ,96 ,92 ,44‬‬ ‫‪,190 ,189 ,183 ,179 ,178 ,177 ,170‬‬
‫‪,131 ,120 ,113 ,112 ,111 ,107 ,106‬‬ ‫‪,199 ,198 ,196 ,195 ,194 ,193 ,191‬‬
‫‪,174 ,150 ,146 ,145 ,136 ,135 ,132‬‬ ‫‪,219 ,217 ,215 ,212 ,203 ,201 ,200‬‬
‫‪224 ,219 ,205 ,204 ,202 ,186 ,182‬‬ ‫‪,231 ,229 ,228 ,227 ,226 ,223 ,222‬‬
‫‪"P‬القسطنطينية‪,48 ,47 ,46 ,44 ,41 ,16 ,12...‬‬ ‫‪,264 ,257 ,253 ,247 ,238 ,237 ,236‬‬
‫‪,69 ,68 ,62 ,59 ,58 ,57 ,56 ,51 ,50 ,49‬‬ ‫‪,294 ,285 ,283 ,279 ,278 ,276 ,275‬‬
‫‪,139 ,127 ,94 ,92 ,86 ,81 ,80 ,73 ,71‬‬ ‫‪,314 ,311 ,302 ,300 ,299 ,298 ,295‬‬
‫‪,216 ,147 ,145 ,144 ,143 ,142 ,140‬‬ ‫‪,351 ,350 ,346 ,341 ,337 ,331 ,324‬‬
‫‪342‬‬ ‫‪,364 ,363 ,362 ,361 ,360 ,359 ,352‬‬
‫‪"P‬اللذقية ‪,139 ,131 ,122 ,121 ,97 ,78 ,74.‬‬ ‫‪,372 ,371 ,370 ,369 ,368 ,366 ,365‬‬
‫‪,179 ,171 ,170 ,169 ,152 ,151 ,147‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,384 ,377 ,375 ,373‬‬
‫‪328 ,324 ,311 ,300 ,298 ,243‬‬ ‫‪"P‬الري‪247 ,123.......................................‬‬
‫‪"P‬اللد‪182 ,120 ,114.................................‬‬ ‫‪"P‬السودان‪380 ,125 ,5...............................‬‬
‫‪"P‬اللورين‪108 ,67 ,52................................‬‬ ‫‪"P‬السيوان‪328............................................‬‬
‫‪"P‬المجدل‪355............................................‬‬ ‫‪"P‬الشام‪,18 ,14 ,13 ,12 ,11 ,10 ,9 ,8 ,6 ,5. .‬‬
‫‪"P‬المجر‪107 ,55 ,54 ,51 ,50 ,44 ,16..........‬‬ ‫‪,41 ,36 ,31 ,30 ,25 ,24 ,23 ,21 ,20 ,19‬‬
‫‪"P‬المرقب‪169............................................‬‬ ‫‪,72 ,70 ,66 ,65 ,64 ,57 ,49 ,46 ,43 ,42‬‬
‫‪"P‬المصيصة‪333 ,169 ,152 ,139 ,71..........‬‬ ‫‪,119 ,114 ,100 ,87 ,81 ,77 ,76 ,74 ,73‬‬
‫‪"P‬المغرب‪,100 ,31 ,25 ,23 ,17 ,16 ,14 ,9. .‬‬ ‫‪,127 ,126 ,125 ,124 ,123 ,122 ,121‬‬
‫‪380‬‬ ‫‪,145 ,144 ,142 ,140 ,131 ,130 ,128‬‬
‫‪"P‬الموصل‪,122 ,90 ,87 ,84 ,78 ,72 ,14......‬‬ ‫‪,164 ,163 ,162 ,159 ,158 ,157 ,156‬‬
‫‪,167 ,165 ,164 ,163 ,159 ,156 ,151‬‬ ‫‪,185 ,184 ,181 ,180 ,179 ,173 ,168‬‬
‫‪,187 ,177 ,176 ,175 ,172 ,170 ,168‬‬ ‫‪,208 ,206 ,200 ,197 ,194 ,192 ,187‬‬
‫‪,198 ,197 ,195 ,193 ,191 ,189 ,188‬‬ ‫‪,237 ,235 ,230 ,229 ,226 ,225 ,216‬‬
‫‪,213 ,212 ,211 ,207 ,206 ,205 ,201‬‬ ‫‪,255 ,254 ,247 ,246 ,245 ,242 ,239‬‬
‫‪,234 ,233 ,226 ,224 ,223 ,222 ,217‬‬ ‫‪,285 ,281 ,277 ,276 ,275 ,274 ,257‬‬
‫‪,242 ,240 ,239 ,238 ,237 ,236 ,235‬‬ ‫‪,308 ,306 ,305 ,294 ,288 ,287 ,286‬‬
‫‪,259 ,256 ,255 ,253 ,252 ,251 ,250‬‬ ‫‪,342 ,338 ,336 ,330 ,322 ,320 ,311‬‬
‫‪,275 ,274 ,272 ,271 ,269 ,264 ,262‬‬ ‫‪,374 ,371 ,356 ,352 ,348 ,347 ,344‬‬
‫‪,284 ,283 ,282 ,281 ,279 ,278 ,276‬‬ ‫‪389 ,382 ,380 ,379‬‬
‫‪,295 ,294 ,293 ,292 ,288 ,287 ,285‬‬ ‫‪"P‬الشيشان‪389 ,5.......................................‬‬
‫‪,313 ,309 ,308 ,305 ,303 ,301 ,300‬‬ ‫‪"P‬الصرب‪17.............................................‬‬
‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,322 ,320 ,315‬‬ ‫‪"P‬الصنبرة‪210 ,207 ,206 ,205 ,204 ,203...‬‬
‫‪,359 ,357 ,356 ,354 ,351 ,349 ,348‬‬ ‫‪"P‬الصومال‪5..............................................‬‬
‫‪,384 ,375 ,374 ,373 ,371 ,365 ,364‬‬ ‫‪"P‬الصين‪254 ,242 ,158 ,123 ,20 ,17.........‬‬
‫‪386 ,385‬‬ ‫‪"P‬العراق‪,25 ,23 ,21 ,18 ,17 ,14 ,12 ,7 ,5..‬‬
‫‪"P‬النرويج‪181............................................‬‬ ‫‪,124 ,123 ,122 ,119 ,76 ,73 ,66 ,57‬‬
‫‪"P‬النمسا‪44 ,16..........................................‬‬ ‫‪,164 ,163 ,161 ,160 ,159 ,157 ,156‬‬
‫‪"P‬الهند‪380 ,158 ,25 ,18 ,17.....................‬‬ ‫‪,195 ,187 ,174 ,172 ,169 ,168 ,167‬‬
‫‪"P‬اليرموك‪203 ,11.....................................‬‬ ‫‪,254 ,235 ,232 ,229 ,223 ,212 ,202‬‬
‫‪"P‬اليمن‪380 ,25 ,10 ,9...............................‬‬ ‫‪,301 ,293 ,278 ,275 ,274 ,261 ,255‬‬
‫‪"P‬اليونان‪16...............................................‬‬ ‫‪,311 ,310 ,309 ,308 ,306 ,305 ,303‬‬
‫‪"P‬بافاريا‪143.............................................‬‬ ‫‪,322 ,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,312‬‬
‫‪"P‬باكستان‪306 ,21 ,5.................................‬‬ ‫‪,380 ,379 ,371 ,366 ,336 ,326 ,323‬‬
‫‪"P‬بالس‪375...............................................‬‬ ‫‪389 ,385‬‬
‫‪"P‬العريش‪239 ,220 ,219 ,216...................‬‬

‫‪458‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬تولوز‪146 ,119 ,92 ,58 ,53 ,42 ,41........‬‬ ‫‪"P‬بانياس‪,336 ,186 ,185 ,183 ,182 ,180....‬‬
‫‪"P‬تونس‪25 ,12..........................................‬‬ ‫‪374 ,357 ,356 ,355‬‬
‫‪"P‬جبال‪334 ,297 ,68 ,11...........................‬‬ ‫‪"P‬بخارى‪9................................................‬‬
‫‪"P‬جبل‪328 ,202........................................‬‬ ‫‪"P‬براغ‪50.................................................‬‬
‫‪"P‬جبلة‪180 ,97..........................................‬‬ ‫‪"P‬برقة‪12.................................................‬‬
‫‪"P‬جبيل‪182 ,179 ,173...............................‬‬ ‫‪"P‬بروفانس‪41............................................‬‬
‫‪"P‬جرجان‪303............................................‬‬ ‫‪"P‬بعلبك‪384 ,355 ,354 ,336 ,311 ,264......‬‬
‫‪"P‬جزيرة‪360 ,283 ,281 ,262.....................‬‬ ‫‪"P‬بغداد‪,172 ,164 ,160 ,157 ,122 ,19 ,12..‬‬
‫‪"P‬جنوة‪138 ,115 ,45 ,42 ,31.....................‬‬ ‫‪,235 ,223 ,193 ,192 ,191 ,181 ,179‬‬
‫‪"P‬حران‪,189 ,171 ,167 ,165 ,164 ,163.....‬‬ ‫‪,294 ,293 ,281 ,274 ,268 ,254 ,253‬‬
‫‪,295 ,293 ,292 ,231 ,228 ,223 ,190‬‬ ‫‪,309 ,308 ,306 ,305 ,303 ,301 ,296‬‬
‫‪384 ,353 ,322 ,303‬‬ ‫‪,328 ,327 ,326 ,325 ,323 ,320 ,313‬‬
‫‪"P‬حلب ‪,95 ,87 ,85 ,83 ,82 ,78 ,77 ,21 ,14‬‬ ‫‪,364 ,363 ,349 ,348 ,347 ,344 ,338‬‬
‫‪,148 ,141 ,133 ,126 ,125 ,124 ,123‬‬ ‫‪385‬‬
‫‪,169 ,168 ,164 ,163 ,162 ,155 ,151‬‬ ‫‪"P‬بلجراد‪55...............................................‬‬
‫‪,185 ,184 ,183 ,182 ,181 ,178 ,174‬‬ ‫‪"P‬بلغاريا‪44 ,16.........................................‬‬
‫‪,206 ,195 ,194 ,192 ,191 ,190 ,186‬‬ ‫‪"P‬بلوا‪59 ,53.............................................‬‬
‫‪,218 ,217 ,215 ,214 ,212 ,210 ,207‬‬ ‫‪"P‬بواتيية‪42...............................................‬‬
‫‪,228 ,227 ,225 ,223 ,222 ,221 ,220‬‬ ‫‪"P‬بواسي‪47...............................................‬‬
‫‪,236 ,235 ,234 ,233 ,231 ,230 ,229‬‬ ‫‪"P‬بوردو‪42...............................................‬‬
‫‪,245 ,244 ,243 ,242 ,240 ,239 ,237‬‬ ‫‪"P‬بورسعيد‪216..........................................‬‬
‫‪,259 ,257 ,255 ,250 ,249 ,247 ,246‬‬ ‫‪"P‬بوي‪140................................................‬‬
‫‪,276 ,275 ,274 ,272 ,270 ,268 ,264‬‬ ‫‪"P‬بيت‪,69 ,62 ,57 ,45 ,44 ,41 ,14 ,11 ,5...‬‬
‫‪,288 ,287 ,286 ,285 ,284 ,283 ,279‬‬ ‫‪,96 ,95 ,94 ,93 ,92 ,91 ,90 ,82 ,81 ,72‬‬
‫‪,300 ,299 ,298 ,295 ,294 ,293 ,292‬‬ ‫‪,107 ,106 ,104 ,102 ,101 ,100 ,99 ,98‬‬
‫‪,325 ,323 ,316 ,314 ,313 ,303 ,301‬‬ ‫‪,114 ,113 ,112 ,111 ,110 ,109 ,108‬‬
‫‪,339 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334 ,333‬‬ ‫‪,124 ,122 ,121 ,120 ,119 ,116 ,115‬‬
‫‪,351 ,348 ,347 ,346 ,344 ,343 ,340‬‬ ‫‪,136 ,135 ,132 ,131 ,130 ,129 ,126‬‬
‫‪386 ,384 ,366 ,365 ,360 ,356 ,354‬‬ ‫‪,150 ,149 ,146 ,145 ,139 ,138 ,137‬‬
‫‪"P‬حماة‪,192 ,185 ,183 ,181 ,151 ,83 ,11. .‬‬ ‫‪,182 ,180 ,174 ,173 ,170 ,168 ,160‬‬
‫‪,292 ,290 ,289 ,288 ,277 ,243 ,202‬‬ ‫‪,202 ,201 ,200 ,199 ,196 ,190 ,189‬‬
‫‪,330 ,325 ,323 ,322 ,313 ,303 ,293‬‬ ‫‪,221 ,220 ,219 ,216 ,215 ,204 ,203‬‬
‫‪384 ,355 ,340 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪,229 ,228 ,227 ,226 ,225 ,224 ,222‬‬
‫‪"P‬حمص‪,97 ,87 ,85 ,79 ,78 ,73 ,14 ,11....‬‬ ‫‪,286 ,279 ,278 ,277 ,239 ,238 ,237‬‬
‫‪,174 ,173 ,151 ,149 ,148 ,147 ,132‬‬ ‫‪,331 ,330 ,329 ,312 ,311 ,299 ,297‬‬
‫‪,288 ,277 ,237 ,208 ,192 ,185 ,183‬‬ ‫‪,361 ,356 ,355 ,352 ,351 ,345 ,343‬‬
‫‪,330 ,329 ,328 ,325 ,323 ,290 ,289‬‬ ‫‪366 ,362‬‬
‫‪,347 ,346 ,338 ,337 ,336 ,335 ,334‬‬ ‫‪"P‬بيرا‪57 ,56............................................‬‬
‫‪386 ,385 ,384 ,382 ,357 ,355‬‬ ‫‪"P‬بيروت‪,182 ,180 ,146 ,124 ,114 ,101....‬‬
‫‪"P‬حوران‪357............................................‬‬ ‫‪352 ,311 ,264 ,189 ,185‬‬
‫‪"P‬حيزان‪359.............................................‬‬ ‫‪"P‬بيزا‪,132 ,131 ,130 ,120 ,115 ,45 ,31. . .‬‬
‫‪"P‬حيفا‪185 ,182 ,136 ,135 ,126................‬‬ ‫‪140‬‬
‫‪"P‬خراسان‪313 ,310 ,303 ,293 ,172 ,18.....‬‬ ‫‪"P‬بيسان‪114..............................................‬‬
‫‪"P‬خرتبرت‪228 ,227 ,226..........................‬‬ ‫‪"P‬تبريز‪193 ,189......................................‬‬
‫‪"P‬خلط‪193 ,189......................................‬‬ ‫‪"P‬تركيا‪,193 ,183 ,164 ,160 ,119 ,11 ,5....‬‬
‫‪"P‬خوزستان‪303.........................................‬‬ ‫‪306 ,296 ,278‬‬
‫‪"P‬دارا‪315 ,302 ,296................................‬‬ ‫‪"P‬تل ‪,196 ,194 ,190 ,189 ,183 ,177 ,164.‬‬
‫‪"P‬دفول‪171...............................................‬‬ ‫‪373 ,369 ,366 ,324 ,314 ,219 ,198‬‬
‫‪"P‬دقوقا‪328...............................................‬‬ ‫‪"P‬تورز‪42................................................‬‬

‫‪459‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬صقلية‪,171 ,154 ,153 ,150 ,32 ,25 ,8....‬‬ ‫‪"P‬دمشق‪,85 ,79 ,78 ,77 ,73 ,21 ,14 ,11‬‬
‫‪312 ,220 ,216 ,200‬‬ ‫‪,147 ,136 ,125 ,124 ,123 ,100 ,89 ,87‬‬
‫‪"P‬صور ‪,181 ,168 ,150 ,124 ,101 ,94 ,21.‬‬ ‫‪,186 ,185 ,184 ,183 ,174 ,173 ,149‬‬
‫‪,230 ,224 ,219 ,216 ,214 ,200 ,182‬‬ ‫‪,200 ,197 ,196 ,195 ,192 ,189 ,187‬‬
‫‪300 ,231‬‬ ‫‪,208 ,207 ,206 ,205 ,204 ,202 ,201‬‬
‫‪"P‬صوران‪168...........................................‬‬ ‫‪,230 ,222 ,220 ,215 ,214 ,213 ,212‬‬
‫‪"P‬صوفيا‪49...............................................‬‬ ‫‪,268 ,245 ,242 ,237 ,235 ,234 ,233‬‬
‫‪"P‬صيدا‪228 ,185 ,180 ,101......................‬‬ ‫‪,289 ,288 ,287 ,286 ,277 ,276 ,270‬‬
‫‪"P‬طبرية‪,205 ,203 ,202 ,201 ,199 ,114....‬‬ ‫‪,321 ,313 ,311 ,307 ,300 ,296 ,290‬‬
‫‪357 ,352‬‬ ‫‪,346 ,336 ,334 ,329 ,328 ,325 ,322‬‬
‫‪"P‬طرابلس‪,120 ,109 ,101 ,99 ,98 ,97 ,21..‬‬ ‫‪,360 ,357 ,356 ,355 ,354 ,353 ,352‬‬
‫‪,148 ,147 ,146 ,141 ,138 ,136 ,132‬‬ ‫‪387 ,386 ,385 ,382 ,375 ,374‬‬
‫‪,183 ,182 ,180 ,179 ,175 ,173 ,149‬‬ ‫‪"P‬دمياط‪115..............................................‬‬
‫‪,221 ,217 ,202 ,200 ,196 ,189 ,186‬‬ ‫‪"P‬دورازو‪171...........................................‬‬
‫‪,277 ,264 ,238 ,237 ,236 ,230 ,222‬‬ ‫‪"P‬دوريليوم‪140 ,68 ,67..............................‬‬
‫‪,328 ,314 ,311 ,288 ,286 ,279 ,278‬‬ ‫‪"P‬ديار‪,212 ,202 ,172 ,160 ,83 ,72 ,14.....‬‬
‫‪352 ,351 ,346 ,345 ,330 ,329‬‬ ‫‪359 ,329 ,328 ,316 ,315 ,227 ,223‬‬
‫‪"P‬طرسوس‪,122 ,108 ,93 ,73 ,71 ,69 ,68...‬‬ ‫‪"P‬دير‪97...................................................‬‬
‫‪333 ,169 ,152 ,139‬‬ ‫‪"P‬رعبان‪217 ,128.....................................‬‬
‫‪"P‬طرطوس‪182 ,173 ,149 ,148 ,147.........‬‬ ‫‪"P‬رفينة‪168..............................................‬‬
‫‪"P‬طليطلة‪15 ,14........................................‬‬ ‫‪"P‬روسيا‪134 ,18 ,16.................................‬‬
‫‪"P‬طنزة‪359...............................................‬‬ ‫‪"P‬روما‪,130 ,120 ,107 ,35 ,33 ,30 ,27......‬‬
‫‪"P‬عانة‪359...............................................‬‬ ‫‪370 ,224 ,220 ,131‬‬
‫‪"P‬عرقة‪182 ,120 ,99 ,98 ,97....................‬‬ ‫‪"P‬زبطرة‪13...............................................‬‬
‫‪"P‬عزاز‪236 ,223......................................‬‬ ‫‪"P‬ساحة‪221..............................................‬‬
‫‪"P‬عسقلن‪,120 ,118 ,114 ,113 ,112 ,105...‬‬ ‫‪"P‬سبتة‪17 ,16...........................................‬‬
‫‪,182 ,181 ,150 ,149 ,146 ,126 ,124‬‬ ‫‪"P‬سبير‪49.................................................‬‬
‫‪230 ,224 ,219 ,216 ,204 ,203‬‬ ‫‪"P‬سرمين‪168............................................‬‬
‫‪"P‬عكا‪,124 ,120 ,118 ,115 ,114 ,101 ,21..‬‬ ‫‪"P‬سروج‪,191 ,190 ,183 ,139 ,119 ,70......‬‬
‫‪,204 ,186 ,185 ,182 ,173 ,150 ,135‬‬ ‫‪386 ,369 ,253 ,198‬‬
‫‪352 ,300 ,264‬‬ ‫‪"P‬سََل ْميَة‪340 ,338 ,202..............................‬‬
‫‪"P‬عمورية‪13.............................................‬‬ ‫‪"P‬سليمبريا‪55.............................................‬‬
‫‪"P‬عينتاب‪324............................................‬‬ ‫‪"P‬سمرقند‪9................................................‬‬
‫‪"P‬غرناطة‪16 ,15.......................................‬‬ ‫‪"P‬سملين‪107 ,48.......................................‬‬
‫‪"P‬فارس‪,79 ,76 ,72 ,70 ,23 ,21 ,20 ,18‬‬ ‫‪"P‬سميساط‪253 ,183 ,119 ,71 ,70...............‬‬
‫‪,134 ,133 ,130 ,124 ,123 ,122 ,84 ,83‬‬ ‫‪"P‬سنجار‪293 ,292 ,272 ,205 ,202 ,85.......‬‬
‫‪,195 ,190 ,174 ,172 ,167 ,159 ,157‬‬ ‫‪"P‬سوريا‪,147 ,119 ,99 ,97 ,96 ,17 ,11 ,5...‬‬
‫‪,247 ,246 ,235 ,226 ,212 ,205 ,203‬‬ ‫‪382 ,296 ,278 ,183 ,182 ,163‬‬
‫‪,306 ,303 ,301 ,293 ,289 ,274 ,254‬‬ ‫‪"P‬سيناء‪216 ,102......................................‬‬
‫‪,321 ,320 ,315 ,314 ,313 ,310 ,308‬‬ ‫‪"P‬سيواس‪141............................................‬‬
‫‪385 ,371 ,336 ,325‬‬ ‫‪"P‬شبختان‪362............................................‬‬
‫‪"P‬فامية‪133 ,132.......................................‬‬ ‫‪"P‬شهرزور‪357..........................................‬‬
‫‪"P‬فرنسا‪225 ,150 ,104 ,25 ,16 ,14............‬‬ ‫‪"P‬شيزر‪,197 ,194 ,183 ,181 ,168 ,97‬‬
‫‪"P‬فلسطين‪,24 ,23 ,21 ,18 ,17 ,16 ,11 ,5‬‬ ‫‪,335 ,334 ,325 ,278 ,236 ,229 ,221‬‬
‫‪,43 ,41 ,40 ,39 ,38 ,37 ,36 ,34 ,30 ,29‬‬ ‫‪,346 ,345 ,344 ,343 ,342 ,341 ,340‬‬
‫‪,103 ,101 ,100 ,97 ,96 ,90 ,71 ,45 ,44‬‬ ‫‪379 ,352‬‬
‫‪,118 ,117 ,115 ,114 ,112 ,109 ,106‬‬ ‫‪"P‬صحراء‪216 ,182...................................‬‬
‫‪,145 ,131 ,130 ,127 ,124 ,120 ,119‬‬ ‫‪"P‬صفين‪375.............................................‬‬
‫‪,216 ,202 ,187 ,186 ,183 ,182 ,181‬‬

‫‪460‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪"P‬معرّة‪168...............................................‬‬ ‫‪,374 ,356 ,311 ,287 ,285 ,232 ,224‬‬


‫‪"P‬مكة‪232 ,89..........................................‬‬ ‫‪389 ,382‬‬
‫‪"P‬ملطية‪,144 ,134 ,133 ,73 ,62 ,61 ,22.....‬‬ ‫‪"P‬فيينا‪16..................................................‬‬
‫‪297 ,154‬‬ ‫‪"P‬قبرص‪173 ,81 ,13.................................‬‬
‫‪"P‬مليلة‪17 ,16...........................................‬‬ ‫‪"P‬قرطبة‪15...............................................‬‬
‫‪"P‬موبسواسطيه‪69.......................................‬‬ ‫‪"P‬قرماندو‪53.............................................‬‬
‫‪"P‬ميافارقين‪358 ,227 ,223 ,14...................‬‬ ‫‪"P‬قسطموني‪141.........................................‬‬
‫‪"P‬ميلنو‪140.............................................‬‬ ‫‪"P‬قشتالة‪121 ,14 ,12..................................‬‬
‫‪"P‬نابلس‪366 ,150 ,114 ,112......................‬‬ ‫‪"P‬قليقية‪,139 ,137 ,128 ,71 ,68 ,23 ,22......‬‬
‫‪"P‬نجران‪11 ,10.........................................‬‬ ‫‪,334 ,333 ,182 ,171 ,169 ,152 ,150‬‬
‫‪"P‬نصيبين‪353 ,352 ,302 ,296 ,286 ,269....‬‬ ‫‪370 ,366 ,361 ,343 ,342 ,335‬‬
‫‪"P‬نصيبيين‪384 ,303...................................‬‬ ‫‪"P‬قنسرين‪155............................................‬‬
‫‪"P‬نكسار‪151 ,141 ,134.............................‬‬ ‫‪"P‬قورس‪217.............................................‬‬
‫‪"P‬نهر‪330 ,195 ,132 ,78 ,74....................‬‬ ‫‪"P‬قونية‪121 ,66 ,65...................................‬‬
‫‪"P‬نورمانديا‪59............................................‬‬ ‫‪"P‬قويق‪155...............................................‬‬
‫‪"P‬نيثنيا‪22.................................................‬‬ ‫‪"P‬قيسارية‪228 ,150 ,138 ,120 ,118 ,101....‬‬
‫‪"P‬نيش‪55 ,48............................................‬‬ ‫‪"P‬قيصرية‪68 ,11.......................................‬‬
‫‪"P‬نيفرز‪142..............................................‬‬ ‫‪"P‬كريت‪13................................................‬‬
‫‪"P‬نيقية ‪,81 ,68 ,67 ,66 ,65 ,64 ,62 ,61 ,51‬‬ ‫‪"P‬كشمير‪389 ,5.........................................‬‬
‫‪140 ,126 ,121 ,96‬‬ ‫‪"P‬كليرمون‪104 ,40 ,38..............................‬‬
‫‪"P‬نيم‪42 ,41..............................................‬‬ ‫‪"P‬كنجة‪310...............................................‬‬
‫‪"P‬هاليس‪142.............................................‬‬ ‫‪"P‬كندا‪254................................................‬‬
‫‪"P‬هرقلة‪143 ,121 ,68................................‬‬ ‫‪"P‬كوسوفو‪5...............................................‬‬
‫‪"P‬هكار‪159...............................................‬‬ ‫‪"P‬كيسوم‪128.............................................‬‬
‫‪"P‬همذان‪,323 ,313 ,215 ,212 ,196 ,193....‬‬ ‫‪"P‬لبنان‪,101 ,99 ,97 ,96 ,73 ,17 ,11 ,5......‬‬
‫‪326‬‬ ‫‪,183 ,182 ,173 ,146 ,131 ,120 ,114‬‬
‫‪"P‬هولندا‪254.............................................‬‬ ‫‪311 ,219 ,216 ,200‬‬
‫‪"P‬وادي‪216 ,201......................................‬‬ ‫‪"P‬لبيا‪12...................................................‬‬
‫‪"P‬واسط‪301 ,253......................................‬‬ ‫‪"P‬لسيديا‪64................................................‬‬
‫‪"P‬ورمز‪50................................................‬‬ ‫‪"P‬لطمين‪168.............................................‬‬
‫‪"P‬يافا ‪,136 ,132 ,126 ,120 ,115 ,114 ,104‬‬ ‫‪"P‬لوبوي‪53 ,40.........................................‬‬
‫‪312 ,182 ,181 ,150 ,149‬‬ ‫‪"P‬لوثرتجيا‪52............................................‬‬
‫‪"P‬يوغوسلفيا‪16.........................................‬‬ ‫‪"P‬ليبيا‪17..................................................‬‬
‫‪َ"Q‬أ ْلهَاكُمُ‪112.............................................‬‬ ‫‪"P‬ليون‪297 ,14 ,12...................................‬‬
‫‪"Q‬إِنّ‪332.................................................‬‬ ‫‪"P‬ماردين‪,205 ,202 ,193 ,189 ,168 ,160...‬‬
‫‪"Q‬إِنْ‪258.................................................‬‬ ‫‪,229 ,227 ,223 ,220 ,218 ,215 ,212‬‬
‫‪ِ"Q‬إنّا‪386..................................................‬‬ ‫‪316 ,315 ,296 ,295 ,239 ,231‬‬
‫‪ِ"Q‬إّنمَا‪365................................................‬‬ ‫‪"P‬مراغة‪196 ,194 ,193.............................‬‬
‫‪"Q‬فَاقْصُصِ‪3.............................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيفان‪142..........................................‬‬
‫‪"Q‬فََلمْ‪368.................................................‬‬ ‫‪"P‬مرسيليا‪88 ,45........................................‬‬
‫‪َ "Q‬ف ِم ْنهُمْ‪379..............................................‬‬ ‫‪"P‬مرعش‪133 ,73 ,68................................‬‬
‫‪"Q‬كُلّ‪210.................................................‬‬ ‫‪"P‬مسيا‪64.................................................‬‬
‫‪َ"Q‬ل َقدْ‪384 ,379.........................................‬‬ ‫‪"P‬مصر‪,23 ,21 ,18 ,17 ,13 ,11 ,10 ,9 ,5...‬‬
‫‪ِ"Q‬ل َيمِيزَ‪187..............................................‬‬ ‫‪,97 ,94 ,81 ,66 ,49 ,45 ,31 ,25 ,24‬‬
‫‪"Q‬مَنْ‪184.................................................‬‬ ‫‪,126 ,125 ,115 ,112 ,105 ,101 ,100‬‬
‫‪"Q‬هَلْ‪249................................................‬‬ ‫‪,208 ,187 ,179 ,162 ,158 ,156 ,146‬‬
‫‪َ "Q‬وَأمّا‪241...............................................‬‬ ‫‪380 ,239 ,230 ,226 ,216‬‬
‫صمُوا‪188.......................................‬‬ ‫عتَ ِ‬
‫‪"Q‬وَا ْ‬ ‫‪"P‬معرة‪,228 ,195 ,168 ,110 ,107 ,96 ,95..‬‬
‫‪"Q‬وَالُّ‪372...............................................‬‬ ‫‪340 ,324 ,261‬‬

‫‪461‬‬
‫قصة الروب الصليبية د‪ .‬راغب السرجان الشرف على موقع قصة السلم ‪www.islamstory.com‬‬

‫‪,238 ,237 ,236 ,229 ,228 ,227 ,225‬‬ ‫‪َ "Q‬وتِ ْلكَ‪371 ,319......................................‬‬
‫‪,315 ,311 ,302 ,299 ,298 ,296 ,285‬‬ ‫‪َ "Q‬ورَ ْهبَا ِنيّةً‪28...........................................‬‬
‫‪,340 ,337 ,333 ,332 ,331 ,330 ,324‬‬ ‫عسَى‪309............................................‬‬ ‫‪"Q‬وَ َ‬
‫‪,363 ,359 ,358 ,356 ,346 ,345 ,344‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ‪383 ,381 ,172 ,87 ,66 ,17..............‬‬
‫‪379‬‬ ‫‪َ "Q‬وَلكُمْ‪244...............................................‬‬
‫‪"S‬قلعة ‪,271 ,263 ,243 ,229 ,179 ,178 ,87.‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَنْ‪17..................................................‬‬
‫‪,349 ,331 ,329 ,316 ,309 ,285 ,272‬‬ ‫‪َ "Q‬ولَ ْولَ‪381 ,17........................................‬‬
‫‪387 ,377 ,375 ,360 ,359 ,358‬‬ ‫‪َ "Q‬و ْليَخْشَ‪248 ,241...................................‬‬
‫البليخ‪165..................................................‬‬ ‫صرَنّ‪383 ,258................................‬‬ ‫‪َ "Q‬وَليَنْ ُ‬
‫تبوك‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَا‪176 ,89 ,10....................................‬‬
‫مؤتة‪11.....................................................‬‬ ‫‪َ "Q‬ومَنْ‪258...............................................‬‬
‫‪"S‬حصن ‪,165 ,164 ,160 ,148 ,139 ,90 ,83‬‬
‫‪,223 ,216 ,189 ,181 ,175 ,174 ,168‬‬

‫مع تيات موقع قصة السلم‬


‫‪www.islamstory.com‬‬
‫إشراف الدكتور راغب السرجان‬

‫‪462‬‬

You might also like