You are on page 1of 14

‫‪‬‬

‫‪1‬ـ تعريف الحسد‬


‫هو تمني زوال النعمة عن الغير‬
‫‪2‬ـ النصوص في ذم الحسد‬
‫‪ . ‬قال ال تعالى عن اليهود ‪‬أم يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله‬
‫‪‬‬
‫‪ . ‬وقال تعالى عن المنافقين ‪‬إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة‬
‫يفرحوا بها ‪‬‬
‫‪ . ‬وقال تعالى ‪‬ومن شر حاسد إذا حسد ‪‬‬
‫‪ . ‬روى البخاري عن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪} ‬ل تحاسد إل في‬
‫اثنتين‪ :‬رجل آتاه ال القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فهو يقول‪ :‬لو‬
‫أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل‪ ،‬ورجل آتاه ال مالل فهو ينفقه‬
‫في حقه فيقول‪ :‬لو أوتيت مثل ما أوتي عملت فيه مثل ما يعمل{‬
‫‪ . ‬وروى البخاري عن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال }إياكم والظن فإن الظن‬
‫أكذب الحديث‪ ،‬ول تحسسوا ول تجسسوا ول تحاسدوا ول تباغضوا‪ ،‬ول‬
‫تدابروا وكونوا عباد ال إخوانا{‬
‫‪ . ‬وفي سنن أبي داود من حديث أنس ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال }إن الحسد يأكل‬
‫الحسنات كما تأكل النار الحطب{‬
‫‪ . ‬وقال ‪} ‬ل تحاسدوا ول تقاطعوا ول تباغضوا ول تدابروا وكونوا عباد ال‬
‫إخوانال{‬
‫‪ . ‬وقال أنس‪ :‬كنا يومال جلوسال عند رسول ال ‪ ‬فقال }يطلع عليكم الن من‬
‫هذا الفج رجل من أهل الجنة{ قال‪ :‬فطلع رجل من النصار ينفض لحيته‬

‫‪1‬‬
‫من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم‪ ،‬فلما كان الغد قال ‪‬‬
‫مثل ذلك؛ فطلع ذلك الرجل‪ ،‬وقاله في اليوم الثالث فطلع ذلك الرجل‪،‬‬
‫فلما قام النبي ‪ ‬تبعه عبد ال بن عمرو بن العاص فقال له }إني لحيت‬
‫أبي فأقسمت أن ل أدخل عليه ثلثال فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى‬
‫تمضي الثلثا فعلت{ فقال }نعم{ فبات عنده ثلثا ليال فلم يره يقوم من‬
‫الليل شيئال غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر ال تعالى‪ ،‬ولم يقم لصلة‬
‫الفجر‪ ،‬قال‪ :‬غير أني ما سمعته يقول إل خيرال فلما مضت الثلثا وكدت‬
‫أن أحتقر عمله قلت‪ :‬يا عبد ال لم يكن بيني وبين والدي غضب ول‬
‫هجرة‪ ،‬ولكني سمعت رسول ال ‪ ‬يقول كذا وكذا فأردت أن أعرف‬
‫عملك فلم أرك تعمل عملل كثيرال فما الذي بلغ بك ذلك؟ فقال‪ :‬ما هو‬
‫إل ما رأيت‪ ،‬فلما وليت دعاني فقال‪ :‬ما هو إل ما رأيت غير أني ل أجد‬
‫على أحد من المسلمين في نفسي غشال ول حسدال على خير أعطاه ال‬
‫إياه‪ ،‬قال عبد ال‪ :‬فقلت له هي التي بلغت بك وهي التي ل نطيق‬
‫‪ . ‬وقال ‪} ‬ثلثا ل ينجو منهن أحد‪ :‬الظن والطيرة والحسد‪ ،‬وسأحدثكم‬
‫بالمخرج من ذلك‪ :‬إذا ظننت فل تحقق؛ وإذا تطيرت فامض‪ ،‬وإذا‬
‫حسدت فل تبغ{‬
‫وقال ‪} ‬استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة‬ ‫‪. ‬‬
‫محسود{‬
‫‪3‬ـ من أقوال الحكماء‬
‫‪ .1‬روي أن موسى ‪ ‬لما تعجل إلى ربه تعالى رأى في ظل العرش رجلل فغبطه‬
‫بمكانه فقال‪ :‬إن هذا لكريم على ربه‪ ،‬فسأل ربه تعالى أن يخبره باسمه‬
‫فلم يخبره وقال أحدثك من عمله بثلثا‪ :‬كان ل يحسد الناس على ما‬
‫‪1‬‬
‫آتاهم ال من فضله‪ ،‬وكان ل يعق والديه‪ ،‬ول يمشي بالنميمة‪.‬‬

‫‪ 1‬إحياء علوم الدين ‪2/376‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .2‬قال القرطبي‪ :‬الحاسد عدو نعمة ال‪ .‬قال بعض الحكماء‪ :‬بارز الحاسد ربه‬
‫من خمسة أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره‪ ،‬وثانيها‪ :‬أنه‬
‫ساخط لقسمة ربه‪ ،‬كأنه يقول‪ :‬لَِم قسمت هذه القسمة؟ وثالثها‪ :‬أنه ضادّ‬
‫فعل ال‪ ،‬أي إن فضل ال يؤتيه من يشاء وهو يبخل بفضل ال‪ ،‬ورابعها‪:‬‬
‫أنه خذل أولياء ال أو يريد خذلنهم وزوال النعمة عنهم‪ ،‬وخامسها‪ :‬أنه‬
‫أعان عدوه إبليس‪ .‬وقيل‪ :‬الحاسد ل ينال في المجالس إل ندامة‪ ،‬ول ينال‬
‫عند الملئكة إل لعنة وبغضاء‪ ،‬ول ينال في الخلوة إل جزعال وهملا‪ ،‬ول‬
‫‪2‬‬
‫ينال في الخرة إل حزنال واحتراقلا‪ ،‬ول ينال من ال إل ُبعدال ومقتلا‪.‬‬
‫‪ .3‬قال عمر ‪ :‬يكفيك من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك‬
‫ظالما أشبه بمظلوم من حاسد‪ ،‬نفس دائم‪ ،‬وحزن‬
‫ل‬ ‫‪ .4‬وقال الحسن‪ :‬ما رأيت‬
‫لزم‪ ،‬وعبرة ل تنفد‬
‫‪ .5‬وقال عبد ال ابن مسعود‪ :‬ل تعادوا نعم ال! قيل له‪ :‬ومن يعادي نعم ال؟‬
‫قال‪ :‬الذين يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله‪ ،‬يقول ال تعالى‬
‫في بعض الكتب‪ :‬الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي‬
‫‪ .6‬قال الصأمعي‪ :‬رأيت أعرابيال بلغ عمره مائة وعشرين سنة‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما‬
‫أطول عمرك‪ ،‬فقال‪ :‬تركت الحسد فبقيت‬
‫‪ .7‬قالوا‪ :‬ل يخلو السعيد من ودود يمدح وحسود يقدح‬
‫‪ .8‬قال ابن مسعود ‪ :‬أل ل تعادوا نَِعمَ ال‪ .‬قالوا‪ :‬ومن يعادي نعم ال؟ قال‪:‬‬
‫الذين يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله‬
‫‪ .9‬وقال ابن سيرين رحمه ال‪ :‬ما حسدت أحدال على شيء من أمر الدنيا لنه‬
‫إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حفيرة في الجنة؟‬
‫وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى‬
‫النار؟‬

‫‪ 2‬الجامع لحكام القرآن‪20/260/‬‬

‫‪3‬‬
‫وقال معاوية‪ :‬كل الناس أقدر على رضاه إل حاسد نعمة فإنه ل‬ ‫‪.10‬‬
‫يرضيه إل زوالها‪ .‬قال الغزالي‪ :‬ولذلك قيل‪ :‬كل العداوات قد ترجى إماتتها‬
‫‪3‬‬
‫‪ ...‬إل عداوة من عاداك من حسد‬
‫روى ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال‪ :‬مكتوب في الكتاب‬ ‫‪.11‬‬
‫الول أن الحاسد ل يضر بحسده إل نفسه ليس ضارال من حسد‪ ،‬وإن‬
‫الحاسد ينقصه حسده‪ ،‬وإن المحسود إذا صأبر أنجاه تصبره؛ لن ال يقول‬
‫‪4‬‬
‫‪‬واصأبر فإن ال ل يضيع أجر المحسنين ‪‬‬
‫حكي أن عون بن عبد ال دخل على الفضل بن المهلب وكان‬ ‫‪.12‬‬
‫يومئذ على واسط فقال‪ :‬إني أريد أن أعظك بشيء فقال‪ :‬وما هو؟ قال‪:‬‬
‫إياك والكبر فإنه أول ذنب عصي ال به‪ ،‬ثم قرأ ‪‬وإذ قلنا للملئكة‬
‫اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس ‪ ‬وإياك والحرص فإنه أخرج آدم من‬
‫الجنة أمكنه ال سبحانه من جنة عرضها السموات والرض يأكل منها إل‬
‫شجرة واحدة نهاه عنها فأكل منها فأخرجه ال تعالى منها‪ ،‬ثم قرأ ‪‬اهبطوا‬
‫منها ‪ ‬إلى آخر الية وإياك والحسد فإنما قتل ابن آدم أخاه حين حسده‬
‫ثم قرأ ‪‬واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ‪ ‬اليات وإذا ذكر أصأحاب رسول‬
‫‪5‬‬
‫ال ‪ ‬فأمسك‪ ،‬وإذا ذكر القدر فاسكت‪ ،‬وإذا ذكرت النجوم فاسكت‬
‫ل‪ ،‬ول‬‫وقال بعضهم‪ :‬الحاسد ل ينال من المجالس إل مذمة وذ ل‬ ‫‪.13‬‬
‫ينال من الملئكة إل لعنة وبغضلا‪ ،‬ول ينال من الخلق إل جزعال وغملا‪ ،‬ول‬
‫ل‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ول ينال عند الموقف إل فضيحة ونكا ل‬
‫ينال عند النزع إل شدة وهو ل‬
‫قال بكر بن عبد ال‪ :‬كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم بحذاء‬ ‫‪.14‬‬
‫الملك فيقول‪ :‬أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكه إساءته‪،‬‬
‫فحسده رجل على ذلك المقام والكلم فسعى به إلى الملك فقال‪ :‬إن هذا‬
‫الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول زعم أن الملك أبخر‪ ،‬فقال له الملك‪:‬‬

‫‪ 3‬إحياء علوم الدين ‪2/377‬‬


‫‪ 4‬تفسير ابن أبي حاتم ‪8/279‬‬
‫‪ 5‬إحياء علوم الدين ‪2/377‬‬

‫‪4‬‬
‫وكيف يصح ذلك عندي؟ قال‪ :‬تدعوه إليك فإنه إذا دنا منك وضع يده‬
‫على أنفه لئل يشم رائحة البخر‪ ،‬فقال له‪ :‬انصرف حتى أنظر‪ ،‬فخرج من‬
‫عند الملك فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعامال فيه ثوم فخرج الرجل من‬
‫عنده وقام بحذاء الملك على عادت فقال‪ :‬أحسن إلى المحسن بإحسانه‬
‫فإن المسيء سيكفيكه إساءته‪ ،‬فقال له الملك‪ :‬أدن مني فدنا منه فوضع‬
‫يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم‪ ،‬فقال الملك في‬
‫نفسه‪ :‬ما أرى فل إل قد صأدق؟ قال‪ :‬وكان الملك ل يكتب بخطه إل‬
‫بجائزة أو صألة فكتب له كتابال بخطه إلى عامل من عماله‪ :‬إذا أتاك حامل‬
‫كتابي فاذبحه واسلخه واحش جلده تبنال وابعث به إليّ!َ فأخذ الكتاب‬
‫وخرج فلقيه الرجل الذي سعى به فقال‪ :‬ما هذا الكتاب؟ قال خط الملك‬
‫لي بصلة‪ ،‬فقال‪ :‬هبه لي!َ فقال‪ :‬هو لك‪ ،‬فأخذه ومضى به إلى العامل‪ :‬فقال‬
‫العامل‪ :‬في كتابك أن أذبحك وأسلخك‪ ،‬قال‪ :‬إن الكتاب ليس هو لي؛‬
‫فانظر في أمري حتى تراجع الملك؛ فقال‪ :‬ليس لكتاب الملك مراجعة‪،‬‬
‫فذبحه وسلخه وحشا جلده تبنال وبعث به ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته‬
‫وقال مثل قوله؛ فعجب الملك وقال‪ :‬ما فعل الكتاب؟ فقال‪ :‬لقيني فلن‬
‫فاستوهبه مني فوهبته له‪ ،‬قال له الملك‪ :‬إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما قلت ذلك؟ قال‪ :‬فلم وضعت يدك على فيك؟ قال‪ :‬لنه أطعمني‬
‫طعامال فيه ثوم فكرهت أن تشمه‪ ،‬قال‪ :‬صأدقت ارجع إلى مكانك فقد كفى‬
‫‪6‬‬
‫المسيء إساءته‬
‫قال أبو العتاهية‪:‬‬ ‫‪.15‬‬
‫فكيف ولو أنصف ـتهم ظلموني‬ ‫فيا رب إن الناس ل ينصـفونني‬
‫وإن شئت أبغي ش ـيئهم منعوني‬ ‫وإن كان لي شيء تصدوا لخذه‬
‫وإن أنا لم أبذل لهم شـ ـتموني‬ ‫وإن نالهم بذلي فل شكر عندهم‬
‫وإن صأحبتني نعمة حسـ ـدوني‬ ‫وإن طرقتني نكب ـة فكهوا بها‬

‫‪ 6‬إحياء علوم الدين ‪2/377‬‬

‫‪5‬‬
‫‪7‬‬
‫وأحجب عنهم ناظري وجفوني‬ ‫سأمنع قلبي أن يحـ ـن إليهمو‬
‫قال أبو السود‪:‬‬ ‫‪.16‬‬
‫فالقوم أعداء له وخصوم‬ ‫حسدوا الفتى أن لم ينالوا سعيه‬
‫حسدال وبغضال إنه لمشوم‬ ‫كضرائر الحسناء قلن لوجهها‬
‫‪12‬ـ وقال بشار بن برد‪:‬‬
‫قبلي من الناس أهل الفضل قد‬ ‫إن يحسدوني فإنــي غير لئمهم‬
‫حُسدوا‬
‫ومات أكثرنا غيظال بما يجـ ـ ــد‬ ‫فدام لي ولهم مــا بي وما بهـم‬

‫‪4‬ـ مآلت الحسد وأهله‬

‫قال العلمة الشيخ عطية رحمه ال تعالى‪ :‬وقد ّنبه القرآن على أعظم النعم‬
‫سد عليها المسلمون عامة والرسول ‪ ‬خاصأة‪ ،‬وهي نعمة السلم ونعمة‬
‫التي ُح ِ‬
‫الوحي وتحصيل الغنائم ‪‬ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد‬
‫إيمانكم كفارال حسدال من عند أنفسهم ‪ 8 ‬أم يحسدون الناس على ما آتاهم‬
‫ال من فضله ‪ 9‬ومما جاء فيه الحسد عن نعمة متوقعة قوله تعالى ‪‬سيقول‬
‫المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلم‬
‫ال قل لن تتبعونا كذلكم قال ال من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا‬
‫‪10‬‬
‫ل يفقهون إل قليل ‪‬‬
‫قال الشيخ المين رحمه ال تعالى‪ :‬إن أول معصية وقعت هي الحسد‪ ،‬وجرّ‬
‫شؤمها إلى غيرها‪ ،‬وذلك لما حسد إبليس أبانا آدم على ما آتاه ال من‬
‫الكرامات من خلقه بيديه وأمر الملئكة بالسجود له‪ ،‬فحمله الحسد على‬

‫‪ 7‬الجامع لحكام القرآن ‪5/251‬‬


‫‪ 8‬سورة البقرة‪109/‬‬
‫‪ 9‬سورة النساء‪54/‬‬
‫‪ 10‬سورة الفتح‪15/‬‬

‫‪6‬‬
‫التكبر ومنعه التكبر من امتثال المر بالسجود‪ ،‬فكانت النتيجة طرده‪ . 11‬وقيل‪:‬‬
‫الحسد أول ذنب عصي ال به في السماء حين حسد إبليس آدم فامتنع من‬
‫السجود له‪ ،‬قال اللوسي رحمه ال‪ :‬واختلف في سبب العداوة فقيل مجرد‬
‫الحسد وهو لعنه ال تعالى ولعن أتباعه أول من حسد‪ ،‬وقيل‪ :‬كونه شيخال‬
‫جاهلل وكون آدم ‪ ‬شابال عالملا‪ ،‬والشيخ الجاهل يكون أبدال عدوال للشاب‬
‫العالم بل الجاهل مطلقال عدو للعالم كذلك كما قيل‪ :‬والجاهلون لهل العلم‬
‫أعداء‪...‬وقيل‪ :‬تنافي الصألين فإن اللعين خلق من نار وآدم ‪ ‬خلق من طين‬
‫‪12‬‬
‫وحواء خلقت منه ‪ ،‬وقد ذكر جميع ذلك المام الرازي‬

‫‪5‬ـ السباب الحاملة على الحسد‬


‫قال الشيخ عطية رحمه ال تعالى‪ :‬وبتأمل القصة يظهر أن الحامل على الحسد‬
‫أمران‪ :‬الول ازدراء المحسود‪ ،‬والثاني إعجاب الحاسد بنفسه كما قال إبليس‬
‫‪13‬‬
‫معللل لمتناعه من السجود ‪‬أنا خير منه ‪‬‬
‫قال الغزالي رحمه ال‪ :‬وللحسد أسباب‪:‬‬
‫السبب الول‪ :‬العداوة والبغضاء‪ ،‬وهذا أشد أسباب الحسد‪ ،‬فإن من آذاه‬
‫شخص بسبب من السباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه‬
‫وغضب عليه ورسخ في نفسه الحقد‪ .‬والحقد يقتضي التشفي والنتقام‪ ،‬فإن‬
‫عجز المبغض عن أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان‪ ،‬وربما يحيل‬
‫ذلك على كرامة نفسه عند ال تعالى فمهما أصأابت عدوه بلية فرح بها‬
‫وظنها مكافأة له من جهة ال على بغضه وأنها لجله‪ ،‬ومهما أصأابته نعمة‬
‫ساءه ذلك لنه ضد مراده‪ ،‬وربما يخطر له أنه ل منزلة له عند ال؛ حيث لم‬
‫ينتقم له من عدوه الذي آذاه بل أنعم عليه‪ .‬وبالجملة فالحسد يلزم البغض‬
‫والعداوة ول يفارقهما‪ ،‬وإنما غاية التقى أن ل يبغي وأن يكره ذلك من نفسه‪،‬‬
‫‪ 11‬أضواء البيان‪9/645/‬‬
‫‪ 12‬روح المعاني ‪12/284‬‬
‫‪ 13‬أضواء البيان‪9/645/‬‬

‫‪7‬‬
‫فأما أن يبغض إنسانال ثم يستوي عند مسرته ومساءته‪ ،‬فهذا غير ممكن‪ ،‬وهذا‬
‫مما وصأف ال تعالى الكفار به أعني الحسد بالعداوة إذ قال ال تعالى ‪‬وإذا‬
‫لقوكم قالوا آمنا وإذا خلو عضوا عليكم النامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم‬
‫إن ال عليم بذات الصدور ‪ ‬إن تمسسكم حسنة تسؤهم ‪ ‬وكذلك قال‬
‫‪‬ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صأدورهم أكبر ‪‬‬
‫والحسد بسبب البغض ربما يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في‬
‫إزالة النعمة بالحيل والسعاية وهتك الستر وما يجري مجراه‪.‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬التعزز؛ وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره‪ .‬فإذا أصأاب‬
‫بعض أمثاله ولية أو علمال أو مالل خاف أن يتكبر عليه وهو ل يطيق تكبره‬
‫ول تسمح نفسه باحتمال صألفه وتفاخره عليه‪ ،‬وليس من غرضه أن يتكبر بل‬
‫ل‪ ،‬ولكن ل يرضى بالترفع‬
‫غرضه أن يدفع كبره‪ ،‬فإنه قد رضي بمساواته مث ل‬
‫عليه‪.‬‬
‫السبب الثالث‪ :‬الكبر؛ وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره‬
‫ويستخدمه ويتوقع منه النقياد له والمتابعة في أغراضه‪ ،‬فإذا نال نعمة خاف‬
‫أن ل يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته‪ ،‬أو ربما يتشوف إلى مساواته أو إلى‬
‫أن يرتفع عليه فيعود متكبرال بعد أن كان متكبرال عليه‪ .‬ومن التكبر والتعزز كان‬
‫حسد أكثر الكفار لرسول ال ‪ ‬إذ قالوا‪ :‬كيف يتقدم علينا غلم يتيم وكيف‬
‫نطأطئ رؤوسنا؟ فقالوا ‪‬لول نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ‪ ‬أي‬
‫كان ل يثقل علينا أن نتواضع له ونتبعه إذا كان عظيمال وقال تعالى يصف‬
‫قول قريش ‪‬أهؤلء من ال عليهم من بيننا ‪ ‬كالستحقار لهم والنفة منهم‪.‬‬
‫السبب الرابع‪ :‬التعجب‪ ،‬كما أخبر ال تعالى عن المم السالفة إذ قالوا ‪‬ما‬
‫أنتم إل بشر مثلنا ‪ ‬وقالوا ‪‬أنؤمن لبشرين مثلنا ‪ ‬وقالوا ‪‬ولئن أطعتم بشرال‬
‫مثلكم إنكم إذال لخاسرون ‪ ‬فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب‬
‫من ال تعالى بشر مثلهم فحسدوهم‪ ،‬وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعال أن يفضل‬
‫عليهم من هو مثلهم في الخلقة‪ ،‬ل عن قصد تكبر وطلب رياسة وتقدم عداوة‬

‫‪8‬‬
‫أو سبب آخر من سائر السباب‪ ،‬وقالوا متعجبين ‪‬أبعث ال بشرال رسولل ‪‬‬
‫وقالوا ‪‬لول أنزل علينا الملئكة ‪ ‬وقال تعالى ‪‬أو عجبتم أن جاءكم ذكر من‬
‫ربكم على رجل منكم ‪ ‬الية‪.‬‬
‫السبب الخامس‪ :‬الخوف من فوت المقاصأد‪ ،‬وذلك يختص بمتزاحمين على‬
‫مقصود واحد‪ ،‬فإن كان واحد يحسد صأاحبه في كل نعمة تكون عونال له في‬
‫النفراد بمقصوده‪ ،‬ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصأد‬
‫الزوجية‪ ،‬وتحاسد الخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب البوين للتوصأل‬
‫به إلى مقاصأد الكرامة والمال‪ ،‬وكذلك تحاسد التلميذين لستاذ واحد على‬
‫نيل المرتبة من قلب الستاذ‪ ،‬وتحاسد ندماء الملك وخواصأه في نيل المنزلة‬
‫من قلبه للتوصأل به إلى المال والجاه‪ ،‬وكذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين‬
‫على أهل بلدة واحدة إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم‪ ،‬وكذلك‬
‫تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من المتفقهة محصورين‪ ،‬إذ يطلب كل‬
‫واحد منزلة في قلوبهم للتوصأل بهم إلى أغراض له‪.‬‬
‫السبب السادس‪ :‬حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصأل إلى مقصود‪.‬‬
‫وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب‬
‫عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر وفريد العصر‬
‫في فنه وأنه ل نظير له‪ ،‬فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك‬
‫وأحب موته أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة من شجاعة أو علم أو‬
‫عبادة أو صأناعة أو جمال أو ثروة أو غير ذلك مما يتفرد هو به ويفرح‬
‫بسبب تفرده‪ ،‬وليس السبب في هذا عداوة ول تعزز ول تكثر على المحسود‬
‫ول خوف من فوات مقصود سوى محض الرياسة بدعوى النفراد‪ .‬وهذا وراء‬
‫ما بين آحاد العلماء من طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس للتوصأل إلى‬
‫مقاصأد سوى الرياسة‪ .‬وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة رسول ال ‪ ‬ول‬
‫يؤمنون به خيفة من أن تبطل رياستهم واستتباعهم مهما نسخ علمهم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫السبب السابع‪ :‬خبث النفس وشحها بالخير لعباد ال تعالى‪ ،‬فإنك تجد من ل‬
‫يشتغل برياسة وتكبر ول طلب مال إذا وصأف عنده حسن حال عبد من عباد‬
‫ال تعالى فيما أنعم ال به عليه يشق ذلك عليه‪ ،‬وإذا وصأف له اضطراب أمور‬
‫الناس وإدبارهم وفوات مقاصأدهم وتنغص عيشهم فرح به‪ ،‬فهو أبدال يحب‬
‫الدبار لغيره ويبخل بنعمة ال على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه‬
‫وخزانته‪ .‬ويقال البخيل من يبخل بمال نفسه والشحيح هو الذي يبخل بمال‬
‫غيره‪ ،‬فهذا يبخل بنعمة ال تعالى على عباده الذين ليس بينه وبينهم عداوة ول‬
‫رابطة‪ ،‬هذا ليس له سبب ظاهر إل خبث في النفس ورذالة في الطبع عليه‬
‫وقعت الجبلة‪ ،‬ومعالجته شديدة لن الحسد الثابت بسائر السباب أسبابه‬
‫عارضة يتصور زوالها فيطمع في إزالتها‪ ،‬وهذا خبث في الجبلة ل عن سبب‬
‫عارض فتعسر إزالته إذ يستحيل في العادة إزالته‪ .‬فهذه هي أسباب الحسد وقد‬
‫يجتمع بعض هذه السباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم فيه‬
‫الحسد بذلك‪ ،‬ويقوى قوة ل يقدر معها على الخفاء والمجاملة‪ ،‬بل ينتهك‬
‫حجاب المجاملة وتظهر العداوة بالمكاشفة‪ .‬وأكثر المحاسدات تجتمع فيها‬
‫‪14‬‬
‫جملة من هذه السباب‪ ،‬وقلما يتجرد سبب واحد منها‬
‫‪6‬ـ علج الحسد‬
‫قال الغزالي رحمه ال تعالى‪ :‬علم أن الحسد من المراض العظيمة للقلوب‪ ،‬ول‬
‫تداوى أمراض القلوب إل بالعلم والعمل‪ .‬والعلم النافع لمرض الحسد هو أن‬
‫تعرف تحقيقال أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين‪ ،‬وأنه ل ضرر فيه على‬
‫المحسود في الدنيا والدين بل ينتفع به فيهما‪ .‬ومهما عرفت هذا عن بصيرة ولم‬
‫تكن عدو نفسك وصأديق عدوك فارقت الحسد ل محالة‪ .‬أما كونه ضررال عليك‬
‫في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء ال تعالى‪ ،‬وكرهت نعمته التي قسمها‬
‫بين عباده‪ ،‬وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته‪ ،‬فاستنكرت ذلك‬
‫واستبشعته‪ .‬وهذه جناية على حدقة التوحيد وقذى في عين اليمان‪ ،‬وناهيك بهما‬
‫‪ 14‬إحياء علوم الدين ‪2/384‬‬

‫‪10‬‬
‫جناية على الدين‪ .‬وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلل من المؤمنين وتركت‬
‫نصيحته‪ ،‬وفارقت أولياء ال وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى‪ ،‬وشاركت إبليس‬
‫وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البليا وزوال النعم‪ .‬وهذه خبائث في القلب‬
‫تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب‪ ،‬وتمحوها كما يمحو الليل النهار‪.‬‬
‫وأما كونه ضررال عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك في الدنيا أو تتعذب به‪،‬‬
‫ول تزال في كمد وغم إذ أعداؤك ل يخليهم ال تعالى عن نعم يفيضها عليهم‪،‬‬
‫فل تزال تتعذب بكل نعمة تراها وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم‪ ،‬فتبقى مغمومال‬
‫محرومال متشعب القلب ضيق الصدر قد نزل بك ما يشتهيه العداء لك وتشتهيه‬
‫لعدائك‪ ،‬فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقدلا‪،‬‬
‫ومع هذا فل تزول النعمة عن المحسود بحسدك‪ .‬ولو لم تكن تؤمن بالبعث‬
‫والحساب لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلل أن تحذر من الحسد لما فيه من‬
‫ألم القلب ومساءته مع عدم النفع‪ ،‬فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب‬
‫الشديد في الخرة؟ فما أعجب من العاقل كيف يتعرض لسخط ال تعالى من‬
‫غير نفع يناله بل مع ضرر يحتمله وألم يقاسيه فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى‬
‫ول فائدة؟ وأما أنه ل ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لن النعمة ل‬
‫تزول عنه بحسدك‪ ،‬بل ما قدره ال تعالى من إقبال ونعمة فل بد أن يدوم إلى‬
‫أجل غير معلوم قدره ال سبحانه‪ .‬فل حيلة في دفعه‪ ،‬بل كل شيء عنده بمقدار‪،‬‬
‫ولكل أجل كتاب‪ .‬ولذلك شكا نبي من النبياء من امرأة ظالمة مستولية على‬
‫الخلق فأوحى ال إليه‪ :‬فر من قدامها حتى تنقضي أيامها أي ما قدرناه في الزل‬
‫ل سبيل إلى تغيير فاصأبر حتى تنقضي المدة التي سبق القضاء بدوام إقبالها فيها‪.‬‬
‫ومهما لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود ضرر في الدنيا ول يكون‬
‫عليه إثم في الخرة‪ ،‬ولعلك تقول ليت النعمة كانت تزول عن المحسود‬
‫بحسدي‪ .‬وهذا غاية الجهل فإنه بلء تشتهيه أولل لنفسك‪ ،‬فإنك أيضال ل تخلو‬
‫عن عدو يحسدك‪ ،‬فلو كانت النعمة تزول بالحسد لم يبق ل تعالى عليك نعمة‬
‫ول على أحد من الخلق ول نعمة اليمان أيضلا‪ ،‬لن الكفار يحسدون المؤمنين‬

‫‪11‬‬
‫على اليمان‪ .‬قال ال تعالى ‪‬ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد‬
‫إيمانكم كفارال حسدال من عند أنفسهم ‪ ‬إذ ما يريد الحسود ل يكون‪ .‬نعم هو‬
‫يضل بإرادته الضلل لغيره فإن أراد الكفر كفر‪ .‬فمن اشتهى أن تزول النعمة عن‬
‫المحسود بالحسد فكأنما يريد أن يسلب نعمة اليمان بحسد الكفار وكذا سائر‬
‫النعم‪ .‬وإن اشتهيت أن تزول النعمة عن الخلق بحسدك ول تزول عنك بحسد‬
‫غيرك فهذا غاية الجهل والغباوة‪ ،‬فإن كل واحد من حمقى الحساد أيضال يشتهي‬
‫أن يخص بهذه الخاصأية ولست بأولى من غيرك‪ ،‬فنعمة ال تعالى عليك في إن‬
‫لم تزل النعمة بالحسد مما يجب عليك شكرها وأنت بجهلك تكرهها‪.‬‬
‫وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح‪ .‬أما منفعته في الدين‪ :‬فهو أنه‬
‫مظلوم من جهتك ل سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح‬
‫فيه وهتك ستره وذكره مساويه‪ ،‬فهذه هدايا تهديها إليه؛ أعني أنك بذلك تهدي‬
‫إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسال محرومال عن النعمة كما حرمت في‬
‫الدنيا عن النعمة‪ ،‬فكأنك أردت زوال النعمة عنه فلم تزل‪ .‬نعم كان عليه نعمة إذ‬
‫وفقك للحسنات فنقلتها إليه فأضفت إليه نعمة إلى نعمة وأضفت إلى نفسك‬
‫‪15‬‬
‫شقاوة إلى شقاوة‪.‬‬
‫ومن دواء الحسد العلم ثم العمل‪ ،‬والمراد بالعلم أن يعلم يقينال أن النعمة التي‬
‫يراها على المحسود إنما هي عطاء من ال بقدر سابق وقضاء لزم‪ ،‬وأن حسده‬
‫يغير من ذلك شيئلا‪ ،‬ويعلم أن ضرر الحسد يعود على الحاسد وحده في‬
‫إياه ل ّ‬
‫دينه لعدم رضائه بقدر ال وقسمته لعباده‪ ،‬لنه في حسده كالمعترض على قوله‬
‫وفي دنياه لنه يورثا‬ ‫تعالى ‪‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ‪‬‬
‫‪16‬‬

‫السقام والحزان والكآبة ونفرة الناس منه ومقتهم إياه‪ ،‬ومن وراء ذلك العقاب في‬
‫الخرة‪ .‬أما العمل فهو مجاهدة نفسه ضد نوازع الحسد‪ ،‬فإذا رأى ذا نعمة فازدرته‬
‫عينه فليحاول أن يقدّره ويخدمه‪ ،‬وإن راودته نفسه بالعجاب بنفسه ردها إلى‬
‫سولت له نفسه تمني زوال النعمة عن غيره‬
‫التواضع وإظهار العجز والفتقار‪ ،‬وإن ّ‬
‫‪ 15‬إحياء علوم الدين ‪2/388‬‬
‫‪ 16‬سورة الزخرف‪32/‬‬

‫‪12‬‬
‫صأرف ذلك إلى تمني مثلها لنفسه‪ ،‬وفضل ال عظيم‪ ،‬وإن دعاه الحسد إلى‬
‫الساءة إلى المحسود سعى إلى الحسان إليه‪ ،‬وهكذا فيسلم من الحسد ويسلم‬
‫‪17‬‬
‫غيره من شره‪.‬‬

‫إل عـ ــداوة من ع ــاداك فــي الدي ــن‬ ‫كل العداوة قد ترجى إماتتها‬
‫ط ــويت أتـ ــاح ل ـ ــا لس ـ ــان حســــــود‬ ‫وإذا أراد الل ــه نش ــر فضيـ ــلة‬

‫رغــدال بل ق ــتر صأف ــوال ب ــل رن ـ ـ ـ ـق‬ ‫يا طالب العيش في أمن وفي دعة‬
‫فالغِل في القلب مثل الغُل في العنق‬ ‫خلّص فؤادك من غ ـل ومن حسد‬
‫قال رحمه ال‪ :‬توجد العين كما يوجد الحسد وفي الصحيح )العين حق(‪ 18‬وفي‬
‫السنن }لو أن شيئال يسبق القدر لسبقته العين{ ويقال في الحسد حاسد وفي‬
‫العين عائن‪ ،‬ويشتركان في الثر ويختلفان في الوسيلة والمنطلق‪ ،‬فالحاسد قد‬
‫تحرق القلب‬
‫يحسد ما لم يره‪ ،‬ويحسد في المر المتوقع قبل وقوعه‪ ،‬ومصدره ّ‬
‫واستكثار النعمة على المحسود‪ .‬أما العائن فل يعين إل ما يراه موجودال بالفعل‪،‬‬
‫ومصدره انقداح نظرة العين‪ ،‬وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله‪.‬‬
‫في بيان ما تعالج به العين روى البخاري عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬أمرني‬
‫النبي ‪ ‬أن نسترقي من العين( وعقد مالك في الموطأ بابال بعنوان )الوضوء من‬
‫العين( وساق حديث سهل بن حنيف ‪ ‬أنه اغتسل بالحرار فنزع جبة كانت عليه‪،‬‬
‫وعامر بن ربيعة ينظر‪ ،‬وكان سهل رجلال أبيض حسن الجلد‪ ،‬فقال له عامر بن‬
‫ربيعة‪ :‬ما رأيت كاليوم ول جلد عذراء‪ ،‬فوعك سهل مكانه واشتد وعكه‪ ،‬فأتي‬
‫رسول ال ‪ ‬فأخبر أن سهلل وعك‪ ،‬فأتاه رسول ال ‪ ‬فأخبره سهل بالذي كان‬

‫‪ 17‬أضواء البيان‪9/654/‬‬
‫‪ 18‬ر واه الشيخان من حديث أبي هريرة ‪‬‬

‫‪13‬‬
‫من أمر عامر فقال رسول ال ‪ :‬علم يقتل أحدكم أخاه‪ ،‬أل بركت؟ إن العين‬
‫حق‪ .‬توضأ له‪ ،‬فتوضأ له عامر‪ ،‬فراح سهل مع رسول ال ‪ ‬ليس به بأس‪ .‬وفي‬
‫رواية الموطأ أيضَا‪ :‬فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل‬
‫إزاره في قدح ثم صأبّ عليه فراح سهل مع الناس‪ ،‬ليس به باس‪ .‬وفي بعض‬
‫كبرت؟ أي يقول‪ :‬ال أكبر ثلثلا‪ ،‬فإن ذلك يرد عين‬ ‫الروايات لغير مالك‪ :‬هل ّ‬
‫العائن‪ .‬كما جاء في السنة أن الدعاء يرد البلء‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like