Professional Documents
Culture Documents
1
من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم ،فلما كان الغد قال
مثل ذلك؛ فطلع ذلك الرجل ،وقاله في اليوم الثالث فطلع ذلك الرجل،
فلما قام النبي تبعه عبد ال بن عمرو بن العاص فقال له }إني لحيت
أبي فأقسمت أن ل أدخل عليه ثلثال فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى
تمضي الثلثا فعلت{ فقال }نعم{ فبات عنده ثلثا ليال فلم يره يقوم من
الليل شيئال غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر ال تعالى ،ولم يقم لصلة
الفجر ،قال :غير أني ما سمعته يقول إل خيرال فلما مضت الثلثا وكدت
أن أحتقر عمله قلت :يا عبد ال لم يكن بيني وبين والدي غضب ول
هجرة ،ولكني سمعت رسول ال يقول كذا وكذا فأردت أن أعرف
عملك فلم أرك تعمل عملل كثيرال فما الذي بلغ بك ذلك؟ فقال :ما هو
إل ما رأيت ،فلما وليت دعاني فقال :ما هو إل ما رأيت غير أني ل أجد
على أحد من المسلمين في نفسي غشال ول حسدال على خير أعطاه ال
إياه ،قال عبد ال :فقلت له هي التي بلغت بك وهي التي ل نطيق
. وقال } ثلثا ل ينجو منهن أحد :الظن والطيرة والحسد ،وسأحدثكم
بالمخرج من ذلك :إذا ظننت فل تحقق؛ وإذا تطيرت فامض ،وإذا
حسدت فل تبغ{
وقال } استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة .
محسود{
3ـ من أقوال الحكماء
.1روي أن موسى لما تعجل إلى ربه تعالى رأى في ظل العرش رجلل فغبطه
بمكانه فقال :إن هذا لكريم على ربه ،فسأل ربه تعالى أن يخبره باسمه
فلم يخبره وقال أحدثك من عمله بثلثا :كان ل يحسد الناس على ما
1
آتاهم ال من فضله ،وكان ل يعق والديه ،ول يمشي بالنميمة.
2
.2قال القرطبي :الحاسد عدو نعمة ال .قال بعض الحكماء :بارز الحاسد ربه
من خمسة أوجه :أحدها :أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره ،وثانيها :أنه
ساخط لقسمة ربه ،كأنه يقول :لَِم قسمت هذه القسمة؟ وثالثها :أنه ضادّ
فعل ال ،أي إن فضل ال يؤتيه من يشاء وهو يبخل بفضل ال ،ورابعها:
أنه خذل أولياء ال أو يريد خذلنهم وزوال النعمة عنهم ،وخامسها :أنه
أعان عدوه إبليس .وقيل :الحاسد ل ينال في المجالس إل ندامة ،ول ينال
عند الملئكة إل لعنة وبغضاء ،ول ينال في الخلوة إل جزعال وهملا ،ول
2
ينال في الخرة إل حزنال واحتراقلا ،ول ينال من ال إل ُبعدال ومقتلا.
.3قال عمر :يكفيك من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك
ظالما أشبه بمظلوم من حاسد ،نفس دائم ،وحزن
ل .4وقال الحسن :ما رأيت
لزم ،وعبرة ل تنفد
.5وقال عبد ال ابن مسعود :ل تعادوا نعم ال! قيل له :ومن يعادي نعم ال؟
قال :الذين يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله ،يقول ال تعالى
في بعض الكتب :الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي
.6قال الصأمعي :رأيت أعرابيال بلغ عمره مائة وعشرين سنة ،فقلت له :ما
أطول عمرك ،فقال :تركت الحسد فبقيت
.7قالوا :ل يخلو السعيد من ودود يمدح وحسود يقدح
.8قال ابن مسعود :أل ل تعادوا نَِعمَ ال .قالوا :ومن يعادي نعم ال؟ قال:
الذين يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله
.9وقال ابن سيرين رحمه ال :ما حسدت أحدال على شيء من أمر الدنيا لنه
إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حفيرة في الجنة؟
وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى
النار؟
3
وقال معاوية :كل الناس أقدر على رضاه إل حاسد نعمة فإنه ل .10
يرضيه إل زوالها .قال الغزالي :ولذلك قيل :كل العداوات قد ترجى إماتتها
3
...إل عداوة من عاداك من حسد
روى ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال :مكتوب في الكتاب .11
الول أن الحاسد ل يضر بحسده إل نفسه ليس ضارال من حسد ،وإن
الحاسد ينقصه حسده ،وإن المحسود إذا صأبر أنجاه تصبره؛ لن ال يقول
4
واصأبر فإن ال ل يضيع أجر المحسنين
حكي أن عون بن عبد ال دخل على الفضل بن المهلب وكان .12
يومئذ على واسط فقال :إني أريد أن أعظك بشيء فقال :وما هو؟ قال:
إياك والكبر فإنه أول ذنب عصي ال به ،ثم قرأ وإذ قلنا للملئكة
اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس وإياك والحرص فإنه أخرج آدم من
الجنة أمكنه ال سبحانه من جنة عرضها السموات والرض يأكل منها إل
شجرة واحدة نهاه عنها فأكل منها فأخرجه ال تعالى منها ،ثم قرأ اهبطوا
منها إلى آخر الية وإياك والحسد فإنما قتل ابن آدم أخاه حين حسده
ثم قرأ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق اليات وإذا ذكر أصأحاب رسول
5
ال فأمسك ،وإذا ذكر القدر فاسكت ،وإذا ذكرت النجوم فاسكت
ل ،ولوقال بعضهم :الحاسد ل ينال من المجالس إل مذمة وذ ل .13
ينال من الملئكة إل لعنة وبغضلا ،ول ينال من الخلق إل جزعال وغملا ،ول
ل.
ل ،ول ينال عند الموقف إل فضيحة ونكا ل
ينال عند النزع إل شدة وهو ل
قال بكر بن عبد ال :كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم بحذاء .14
الملك فيقول :أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكه إساءته،
فحسده رجل على ذلك المقام والكلم فسعى به إلى الملك فقال :إن هذا
الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول زعم أن الملك أبخر ،فقال له الملك:
4
وكيف يصح ذلك عندي؟ قال :تدعوه إليك فإنه إذا دنا منك وضع يده
على أنفه لئل يشم رائحة البخر ،فقال له :انصرف حتى أنظر ،فخرج من
عند الملك فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعامال فيه ثوم فخرج الرجل من
عنده وقام بحذاء الملك على عادت فقال :أحسن إلى المحسن بإحسانه
فإن المسيء سيكفيكه إساءته ،فقال له الملك :أدن مني فدنا منه فوضع
يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم ،فقال الملك في
نفسه :ما أرى فل إل قد صأدق؟ قال :وكان الملك ل يكتب بخطه إل
بجائزة أو صألة فكتب له كتابال بخطه إلى عامل من عماله :إذا أتاك حامل
كتابي فاذبحه واسلخه واحش جلده تبنال وابعث به إليّ!َ فأخذ الكتاب
وخرج فلقيه الرجل الذي سعى به فقال :ما هذا الكتاب؟ قال خط الملك
لي بصلة ،فقال :هبه لي!َ فقال :هو لك ،فأخذه ومضى به إلى العامل :فقال
العامل :في كتابك أن أذبحك وأسلخك ،قال :إن الكتاب ليس هو لي؛
فانظر في أمري حتى تراجع الملك؛ فقال :ليس لكتاب الملك مراجعة،
فذبحه وسلخه وحشا جلده تبنال وبعث به ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته
وقال مثل قوله؛ فعجب الملك وقال :ما فعل الكتاب؟ فقال :لقيني فلن
فاستوهبه مني فوهبته له ،قال له الملك :إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر،
قال :ما قلت ذلك؟ قال :فلم وضعت يدك على فيك؟ قال :لنه أطعمني
طعامال فيه ثوم فكرهت أن تشمه ،قال :صأدقت ارجع إلى مكانك فقد كفى
6
المسيء إساءته
قال أبو العتاهية: .15
فكيف ولو أنصف ـتهم ظلموني فيا رب إن الناس ل ينصـفونني
وإن شئت أبغي ش ـيئهم منعوني وإن كان لي شيء تصدوا لخذه
وإن أنا لم أبذل لهم شـ ـتموني وإن نالهم بذلي فل شكر عندهم
وإن صأحبتني نعمة حسـ ـدوني وإن طرقتني نكب ـة فكهوا بها
5
7
وأحجب عنهم ناظري وجفوني سأمنع قلبي أن يحـ ـن إليهمو
قال أبو السود: .16
فالقوم أعداء له وخصوم حسدوا الفتى أن لم ينالوا سعيه
حسدال وبغضال إنه لمشوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها
12ـ وقال بشار بن برد:
قبلي من الناس أهل الفضل قد إن يحسدوني فإنــي غير لئمهم
حُسدوا
ومات أكثرنا غيظال بما يجـ ـ ــد فدام لي ولهم مــا بي وما بهـم
قال العلمة الشيخ عطية رحمه ال تعالى :وقد ّنبه القرآن على أعظم النعم
سد عليها المسلمون عامة والرسول خاصأة ،وهي نعمة السلم ونعمة
التي ُح ِ
الوحي وتحصيل الغنائم ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد
إيمانكم كفارال حسدال من عند أنفسهم 8 أم يحسدون الناس على ما آتاهم
ال من فضله 9ومما جاء فيه الحسد عن نعمة متوقعة قوله تعالى سيقول
المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلم
ال قل لن تتبعونا كذلكم قال ال من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا
10
ل يفقهون إل قليل
قال الشيخ المين رحمه ال تعالى :إن أول معصية وقعت هي الحسد ،وجرّ
شؤمها إلى غيرها ،وذلك لما حسد إبليس أبانا آدم على ما آتاه ال من
الكرامات من خلقه بيديه وأمر الملئكة بالسجود له ،فحمله الحسد على
6
التكبر ومنعه التكبر من امتثال المر بالسجود ،فكانت النتيجة طرده . 11وقيل:
الحسد أول ذنب عصي ال به في السماء حين حسد إبليس آدم فامتنع من
السجود له ،قال اللوسي رحمه ال :واختلف في سبب العداوة فقيل مجرد
الحسد وهو لعنه ال تعالى ولعن أتباعه أول من حسد ،وقيل :كونه شيخال
جاهلل وكون آدم شابال عالملا ،والشيخ الجاهل يكون أبدال عدوال للشاب
العالم بل الجاهل مطلقال عدو للعالم كذلك كما قيل :والجاهلون لهل العلم
أعداء...وقيل :تنافي الصألين فإن اللعين خلق من نار وآدم خلق من طين
12
وحواء خلقت منه ،وقد ذكر جميع ذلك المام الرازي
7
فأما أن يبغض إنسانال ثم يستوي عند مسرته ومساءته ،فهذا غير ممكن ،وهذا
مما وصأف ال تعالى الكفار به أعني الحسد بالعداوة إذ قال ال تعالى وإذا
لقوكم قالوا آمنا وإذا خلو عضوا عليكم النامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم
إن ال عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم وكذلك قال
ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صأدورهم أكبر
والحسد بسبب البغض ربما يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في
إزالة النعمة بالحيل والسعاية وهتك الستر وما يجري مجراه.
السبب الثاني :التعزز؛ وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره .فإذا أصأاب
بعض أمثاله ولية أو علمال أو مالل خاف أن يتكبر عليه وهو ل يطيق تكبره
ول تسمح نفسه باحتمال صألفه وتفاخره عليه ،وليس من غرضه أن يتكبر بل
ل ،ولكن ل يرضى بالترفع
غرضه أن يدفع كبره ،فإنه قد رضي بمساواته مث ل
عليه.
السبب الثالث :الكبر؛ وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره
ويستخدمه ويتوقع منه النقياد له والمتابعة في أغراضه ،فإذا نال نعمة خاف
أن ل يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته ،أو ربما يتشوف إلى مساواته أو إلى
أن يرتفع عليه فيعود متكبرال بعد أن كان متكبرال عليه .ومن التكبر والتعزز كان
حسد أكثر الكفار لرسول ال إذ قالوا :كيف يتقدم علينا غلم يتيم وكيف
نطأطئ رؤوسنا؟ فقالوا لول نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أي
كان ل يثقل علينا أن نتواضع له ونتبعه إذا كان عظيمال وقال تعالى يصف
قول قريش أهؤلء من ال عليهم من بيننا كالستحقار لهم والنفة منهم.
السبب الرابع :التعجب ،كما أخبر ال تعالى عن المم السالفة إذ قالوا ما
أنتم إل بشر مثلنا وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقالوا ولئن أطعتم بشرال
مثلكم إنكم إذال لخاسرون فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب
من ال تعالى بشر مثلهم فحسدوهم ،وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعال أن يفضل
عليهم من هو مثلهم في الخلقة ،ل عن قصد تكبر وطلب رياسة وتقدم عداوة
8
أو سبب آخر من سائر السباب ،وقالوا متعجبين أبعث ال بشرال رسولل
وقالوا لول أنزل علينا الملئكة وقال تعالى أو عجبتم أن جاءكم ذكر من
ربكم على رجل منكم الية.
السبب الخامس :الخوف من فوت المقاصأد ،وذلك يختص بمتزاحمين على
مقصود واحد ،فإن كان واحد يحسد صأاحبه في كل نعمة تكون عونال له في
النفراد بمقصوده ،ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصأد
الزوجية ،وتحاسد الخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب البوين للتوصأل
به إلى مقاصأد الكرامة والمال ،وكذلك تحاسد التلميذين لستاذ واحد على
نيل المرتبة من قلب الستاذ ،وتحاسد ندماء الملك وخواصأه في نيل المنزلة
من قلبه للتوصأل به إلى المال والجاه ،وكذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين
على أهل بلدة واحدة إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم ،وكذلك
تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من المتفقهة محصورين ،إذ يطلب كل
واحد منزلة في قلوبهم للتوصأل بهم إلى أغراض له.
السبب السادس :حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصأل إلى مقصود.
وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب
عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر وفريد العصر
في فنه وأنه ل نظير له ،فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك
وأحب موته أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة من شجاعة أو علم أو
عبادة أو صأناعة أو جمال أو ثروة أو غير ذلك مما يتفرد هو به ويفرح
بسبب تفرده ،وليس السبب في هذا عداوة ول تعزز ول تكثر على المحسود
ول خوف من فوات مقصود سوى محض الرياسة بدعوى النفراد .وهذا وراء
ما بين آحاد العلماء من طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس للتوصأل إلى
مقاصأد سوى الرياسة .وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة رسول ال ول
يؤمنون به خيفة من أن تبطل رياستهم واستتباعهم مهما نسخ علمهم.
9
السبب السابع :خبث النفس وشحها بالخير لعباد ال تعالى ،فإنك تجد من ل
يشتغل برياسة وتكبر ول طلب مال إذا وصأف عنده حسن حال عبد من عباد
ال تعالى فيما أنعم ال به عليه يشق ذلك عليه ،وإذا وصأف له اضطراب أمور
الناس وإدبارهم وفوات مقاصأدهم وتنغص عيشهم فرح به ،فهو أبدال يحب
الدبار لغيره ويبخل بنعمة ال على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه
وخزانته .ويقال البخيل من يبخل بمال نفسه والشحيح هو الذي يبخل بمال
غيره ،فهذا يبخل بنعمة ال تعالى على عباده الذين ليس بينه وبينهم عداوة ول
رابطة ،هذا ليس له سبب ظاهر إل خبث في النفس ورذالة في الطبع عليه
وقعت الجبلة ،ومعالجته شديدة لن الحسد الثابت بسائر السباب أسبابه
عارضة يتصور زوالها فيطمع في إزالتها ،وهذا خبث في الجبلة ل عن سبب
عارض فتعسر إزالته إذ يستحيل في العادة إزالته .فهذه هي أسباب الحسد وقد
يجتمع بعض هذه السباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم فيه
الحسد بذلك ،ويقوى قوة ل يقدر معها على الخفاء والمجاملة ،بل ينتهك
حجاب المجاملة وتظهر العداوة بالمكاشفة .وأكثر المحاسدات تجتمع فيها
14
جملة من هذه السباب ،وقلما يتجرد سبب واحد منها
6ـ علج الحسد
قال الغزالي رحمه ال تعالى :علم أن الحسد من المراض العظيمة للقلوب ،ول
تداوى أمراض القلوب إل بالعلم والعمل .والعلم النافع لمرض الحسد هو أن
تعرف تحقيقال أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين ،وأنه ل ضرر فيه على
المحسود في الدنيا والدين بل ينتفع به فيهما .ومهما عرفت هذا عن بصيرة ولم
تكن عدو نفسك وصأديق عدوك فارقت الحسد ل محالة .أما كونه ضررال عليك
في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء ال تعالى ،وكرهت نعمته التي قسمها
بين عباده ،وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته ،فاستنكرت ذلك
واستبشعته .وهذه جناية على حدقة التوحيد وقذى في عين اليمان ،وناهيك بهما
14إحياء علوم الدين 2/384
10
جناية على الدين .وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلل من المؤمنين وتركت
نصيحته ،وفارقت أولياء ال وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى ،وشاركت إبليس
وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البليا وزوال النعم .وهذه خبائث في القلب
تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب ،وتمحوها كما يمحو الليل النهار.
وأما كونه ضررال عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك في الدنيا أو تتعذب به،
ول تزال في كمد وغم إذ أعداؤك ل يخليهم ال تعالى عن نعم يفيضها عليهم،
فل تزال تتعذب بكل نعمة تراها وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم ،فتبقى مغمومال
محرومال متشعب القلب ضيق الصدر قد نزل بك ما يشتهيه العداء لك وتشتهيه
لعدائك ،فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقدلا،
ومع هذا فل تزول النعمة عن المحسود بحسدك .ولو لم تكن تؤمن بالبعث
والحساب لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلل أن تحذر من الحسد لما فيه من
ألم القلب ومساءته مع عدم النفع ،فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب
الشديد في الخرة؟ فما أعجب من العاقل كيف يتعرض لسخط ال تعالى من
غير نفع يناله بل مع ضرر يحتمله وألم يقاسيه فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى
ول فائدة؟ وأما أنه ل ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لن النعمة ل
تزول عنه بحسدك ،بل ما قدره ال تعالى من إقبال ونعمة فل بد أن يدوم إلى
أجل غير معلوم قدره ال سبحانه .فل حيلة في دفعه ،بل كل شيء عنده بمقدار،
ولكل أجل كتاب .ولذلك شكا نبي من النبياء من امرأة ظالمة مستولية على
الخلق فأوحى ال إليه :فر من قدامها حتى تنقضي أيامها أي ما قدرناه في الزل
ل سبيل إلى تغيير فاصأبر حتى تنقضي المدة التي سبق القضاء بدوام إقبالها فيها.
ومهما لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود ضرر في الدنيا ول يكون
عليه إثم في الخرة ،ولعلك تقول ليت النعمة كانت تزول عن المحسود
بحسدي .وهذا غاية الجهل فإنه بلء تشتهيه أولل لنفسك ،فإنك أيضال ل تخلو
عن عدو يحسدك ،فلو كانت النعمة تزول بالحسد لم يبق ل تعالى عليك نعمة
ول على أحد من الخلق ول نعمة اليمان أيضلا ،لن الكفار يحسدون المؤمنين
11
على اليمان .قال ال تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد
إيمانكم كفارال حسدال من عند أنفسهم إذ ما يريد الحسود ل يكون .نعم هو
يضل بإرادته الضلل لغيره فإن أراد الكفر كفر .فمن اشتهى أن تزول النعمة عن
المحسود بالحسد فكأنما يريد أن يسلب نعمة اليمان بحسد الكفار وكذا سائر
النعم .وإن اشتهيت أن تزول النعمة عن الخلق بحسدك ول تزول عنك بحسد
غيرك فهذا غاية الجهل والغباوة ،فإن كل واحد من حمقى الحساد أيضال يشتهي
أن يخص بهذه الخاصأية ولست بأولى من غيرك ،فنعمة ال تعالى عليك في إن
لم تزل النعمة بالحسد مما يجب عليك شكرها وأنت بجهلك تكرهها.
وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح .أما منفعته في الدين :فهو أنه
مظلوم من جهتك ل سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح
فيه وهتك ستره وذكره مساويه ،فهذه هدايا تهديها إليه؛ أعني أنك بذلك تهدي
إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسال محرومال عن النعمة كما حرمت في
الدنيا عن النعمة ،فكأنك أردت زوال النعمة عنه فلم تزل .نعم كان عليه نعمة إذ
وفقك للحسنات فنقلتها إليه فأضفت إليه نعمة إلى نعمة وأضفت إلى نفسك
15
شقاوة إلى شقاوة.
ومن دواء الحسد العلم ثم العمل ،والمراد بالعلم أن يعلم يقينال أن النعمة التي
يراها على المحسود إنما هي عطاء من ال بقدر سابق وقضاء لزم ،وأن حسده
يغير من ذلك شيئلا ،ويعلم أن ضرر الحسد يعود على الحاسد وحده في
إياه ل ّ
دينه لعدم رضائه بقدر ال وقسمته لعباده ،لنه في حسده كالمعترض على قوله
وفي دنياه لنه يورثا تعالى نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا
16
السقام والحزان والكآبة ونفرة الناس منه ومقتهم إياه ،ومن وراء ذلك العقاب في
الخرة .أما العمل فهو مجاهدة نفسه ضد نوازع الحسد ،فإذا رأى ذا نعمة فازدرته
عينه فليحاول أن يقدّره ويخدمه ،وإن راودته نفسه بالعجاب بنفسه ردها إلى
سولت له نفسه تمني زوال النعمة عن غيره
التواضع وإظهار العجز والفتقار ،وإن ّ
15إحياء علوم الدين 2/388
16سورة الزخرف32/
12
صأرف ذلك إلى تمني مثلها لنفسه ،وفضل ال عظيم ،وإن دعاه الحسد إلى
الساءة إلى المحسود سعى إلى الحسان إليه ،وهكذا فيسلم من الحسد ويسلم
17
غيره من شره.
إل عـ ــداوة من ع ــاداك فــي الدي ــن كل العداوة قد ترجى إماتتها
ط ــويت أتـ ــاح ل ـ ــا لس ـ ــان حســــــود وإذا أراد الل ــه نش ــر فضيـ ــلة
رغــدال بل ق ــتر صأف ــوال ب ــل رن ـ ـ ـ ـق يا طالب العيش في أمن وفي دعة
فالغِل في القلب مثل الغُل في العنق خلّص فؤادك من غ ـل ومن حسد
قال رحمه ال :توجد العين كما يوجد الحسد وفي الصحيح )العين حق( 18وفي
السنن }لو أن شيئال يسبق القدر لسبقته العين{ ويقال في الحسد حاسد وفي
العين عائن ،ويشتركان في الثر ويختلفان في الوسيلة والمنطلق ،فالحاسد قد
تحرق القلب
يحسد ما لم يره ،ويحسد في المر المتوقع قبل وقوعه ،ومصدره ّ
واستكثار النعمة على المحسود .أما العائن فل يعين إل ما يراه موجودال بالفعل،
ومصدره انقداح نظرة العين ،وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله.
في بيان ما تعالج به العين روى البخاري عن عائشة رضي ال عنها قالت :أمرني
النبي أن نسترقي من العين( وعقد مالك في الموطأ بابال بعنوان )الوضوء من
العين( وساق حديث سهل بن حنيف أنه اغتسل بالحرار فنزع جبة كانت عليه،
وعامر بن ربيعة ينظر ،وكان سهل رجلال أبيض حسن الجلد ،فقال له عامر بن
ربيعة :ما رأيت كاليوم ول جلد عذراء ،فوعك سهل مكانه واشتد وعكه ،فأتي
رسول ال فأخبر أن سهلل وعك ،فأتاه رسول ال فأخبره سهل بالذي كان
17أضواء البيان9/654/
18ر واه الشيخان من حديث أبي هريرة
13
من أمر عامر فقال رسول ال :علم يقتل أحدكم أخاه ،أل بركت؟ إن العين
حق .توضأ له ،فتوضأ له عامر ،فراح سهل مع رسول ال ليس به بأس .وفي
رواية الموطأ أيضَا :فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل
إزاره في قدح ثم صأبّ عليه فراح سهل مع الناس ،ليس به باس .وفي بعض
كبرت؟ أي يقول :ال أكبر ثلثلا ،فإن ذلك يرد عين الروايات لغير مالك :هل ّ
العائن .كما جاء في السنة أن الدعاء يرد البلء.
14