Professional Documents
Culture Documents
قام بتنسيق الرسِّالة ونشرها :مسِّلَممانن ببنن معببدد المقادددر أبنببو مزيبدد
غممفمر اللَلبهن لمهن ،ولدموالمديبده ،ولدمم م
شايدخده ،ولمجدمبيدع النمبسلَددمبيمنَ.
الحمد ل تعالى على ما أنعم ،وله الشكر على ما وفق له وألهم ،نحمده سبحانه على ما تفضل به
صللى الللـهه صعلصييهه صوصسللصم ـ
وتكرم ،هو ربي ل إله إل هو ،وهو الله الواحد المعظم ،أرسل نبيه محمددا ـ ص
فهدى ال به من هذه المة من أراد به خي دار من جميع المم ،وحرم الهداية أهل الغي والحسد وحيل
بينهم وبين هذا الفضل والكرم.
وبعد:
فهذه رسالة كتبهتها في الحسد وآثاره وأض ارره وما وقع بسببه من المصائب والشرور والفتن ،وسردت
بعض الدلة التي نقلتها عن مؤلفات أهل العلم ،كـ)الداب الكبرى( لبن مفلح ،و)تفسير الرازي الكبير
ومختصره( للقمي و)الترغيب والترهيب( للمنذري ونحوها ،رجاء أن يستفيد منه من قرأه بإنصاف
وتمعن ،حتى يخف أثر هذا الداء العضال الذي فشا وتمكن حتى في طلبة العلم وحملته ،فإن الحسود
ل يسود ول يناله من حسده إل الهم والغم والنكد والكبد ،فمن عرف أن ال تعالى هو المنعم على عباده
بما فيه خيرهم وصلحهم ،أو فيه اختبارهم وابتلؤهم ،فل يجوز له أن يحسدهم على ما أعطاهم ال
تعالى إوانما عليه أن يغبطهم إذا أدوا حقوق ال تعالى وعملوا بما يرضيه ،ويحرص على أن يحصل
على مثل ما حصلوا عليه ،فأما السعي في إزالة النعمة وتنغيصها على أهلها فهو من الكبائر ،وال
المتفضل على عباده ،وله الحمد والشكر وصلى ال على محمد وآله وصحبه وسلم.
الحسد لغةة :قال في لسان العرب :الحسد معروف ،حسده صييحهسهده وصييحهسهده حسددا وحلسده إذا تمنى أن
تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو ،وقال :الحسد أن يرى الرجل لخيه نعمة فيتمنى أن تزول
عنه وتكون له دونه.
) (
ط :أن يتمنى أن يكون له مثلها و ل يتمنى زوالها عنه . 1
والمغسب ط
صير للحاسد مثلها .أو تمني عدم حصول النعمةواصطلحا :هو تمني زوال نعمة المحسود إوان لم ي ه
ص ة
للغير.
حقيِقة الحسد :
وحقيقة الحسد أنه ناتج عن الحقد الذي هو من نتائج الغضب.
سمد ﴾ )الفلق (5 :فالحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن مد وقال تعالى ﴿ :موممسن م
شرر محاسد إممذا مح م
أخيه المحسود ،ول بد أنه سوف يبذل جهده في إزالتها إن قدر ،فهو ذو شر وضرر بمحاولته وسعيه
في إيصال الضرر ،ومنع الخير.
وقد حكى ال تعالى أمثلة من الحسد كقصة ابني آدم فإن أحدهما قتل أخاه حسددا لما تقبل قربانه،
ب إمملىَ
ف موأمطخوهط أممح د
سطفأوقعه الحسد في قتل أخيه بغير حق ،و كقصة إخوة يوسف في قولهم ﴿ :لمطيِو ط
أممبيِمنا مملنا ﴾ )يوسف (8 :ثم عملوا على التفريق بينه وبين أبيه بما فعلوا.
سسؤطهسم ﴾ )آل عمران (120 :وذلك مما
سمنرة تم ط
سطكسم مح م
سسوكقصة المنافقين في قوله تعالى ﴿ :إمسن تمسم م
يحملهم على إعمال الحيل في إبعاد المؤمنين عن الخيرات.
ض ﴾ ) النساء ( 32 :فهذا التمني ضمل ال لطه مبمه مبسع م
ضطكسم معملىَ مبسع د وقد قال تعالى ﴿ :مومل تمتممملنسوا مما فم ل
المنهي عنه قد يكون الدافع له الحسد من المفضول للفاضل ،مع أن الفضل بيد ال ،يؤتيه من يشاء،
وال ذو الفضل العظيم ،فعلى المفضول أن يطلب الفضل من ال تعالى ،ول ينافس أخاه ويضايقه
فيما أعطاه ال وتفضل به عليه.
صللى الللـهه صعلصييهه صوصسللصم ـ قال » :دب إليكم داء المم قبلكم؛
وعن الزبير رضي ال عنه أن رسول ال ـ ص
الحسد والبغضاء ،والبغضاء هي الحالقة ،ل أقول تحلق الشعر ،ولكن تحلق الدين « رواه البزار
والبيهقي بإسناد جيد.
صللى الللـهه صعلصييهه صوصسللصم ـ » :يا بني ،إن قدرت على أن تصبح وتمسي
وعن أنس قال :قال لي النبي ـ ص
وليس في قلبك غش لحد فافعل « رواه الترمذي وحسنه
وعن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما قال » :قيل :يا رسول ال ،أي الناس أفضل؟ قال :كل
مخموم القلب ،صدوق اللسان ،قيل :فما المخموم؟ قال :هو التقي النقي ل إثم فيه ول بغي ،ول غل
ول « رواه ابن ماجه بإسناد صحيح .
صللى الللـهه صعلصييهه صوصسللصم ـ قال » :إن لنعم ال أعداء ،الذين يحسدون الناس على ما آتاهم ال
وروي أنه ـ ص
من فضله .وفي حديث مرفوع » :ستة يدخلون النار قبل الحساب « ...،ذكر منهم » :العلماء
بالحسد « .
وقال ابن الزبير ما حسدت أحددا على شيء من أمر الدنيا ،إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على
الدنيا وهي حقيرة في الجنة ؟! إوان كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى
النار؟!
وروي عن الصمعي أنه قال :الحسد داء منصف ،يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود.
يعني :أن الحاسد إذا رأى أخاه في نعمة وصحة ورفاهية حسده وقام بقلبه حقد وبغض له ،فهو كلما
رآه في هذه النعمة اغتاظ لذلك ،فيبقى دائدما مهموم القلب حزيدنا ،يتمنى ما ل يقدر عليه من إزالة تلك
النعم ،فهو يتقلب على فراشه من الغيظ ،مع أن المحسود ل يشعر بألم ،بل هو قرير العين مسرور لم
يصل إليه في الغالب شيء من الضرر الذي في قلب الحاسد ،إوان وصل إليه فإنه ل يتأثر به إل
قليل ،وال أعلم.
العيِن هي :النظر إلى الشيء على وجه العجاب والضرار به ،إوانما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة
،وهي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر سمها إذا عضت واحتدت ،فإنها تتكيف بكيفية الغضب
والخبث ،فتحدث فيها تلك الكيفية السم ،فتؤثر في الملسوع ،وربما قويت تلك الكيفية واتقدت في نوع
منها ،حتى تؤثر بمجرد نظرة ،فتطمس البصر ،وتسقط الحصبل ،فإذا كان هذا في الحيات ،فما الظن
جبِرين
من ُبن ُ ج
ح س عبِد ُاللرـَّ ج
ه ُبن ُعبِد ُالرر ح 6 سدد ُ«
ح س
» ُال س
في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة ،إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية ،وتوجهت إلى المحسود ،فكم من
قتيل! وكم من معافى عاد مضني البدن على فراشه! يتحير فيه الطباء الذين ل يعرفون إل أمراض
الطبائع ،فإن هذا المرض من علم الرواح ،فل نسبة لعالم الجسام إلى عالم الرواح ،بل هو أعظم
وأوسع وعجائبه أبهر ،وآياته أعجب ،فإن هذا الهيكل النساني إذا فارقته الروح أصبح كالخشبة ،أو
القطعة من اللحم ،فالعين هي هذه الروح التي هي من أمر ال تعالى ،ول يدرك كيفية اتصالها
بالمعين ،وتأثيرها فيه إل رب العالمين.
وأما الحسد :فهو خلق ذميم ،ومعناه تمني زوال النعمة عن المحسود ،والسعي في إض ارره حسب
المكان وهو الخلق الذي ذم ال به اليهود بقوله تعالى ﴿ :مولد مكمثيِرر ممسن أمسهمل اسلمكمتامب لمسو ميِطرددومنطكسم ممسن
سةدا ممسن معسنمد أمسنفطمسمهسم ﴾ ) البقرة (109 :أي أنهم يسعون في التشكيك إوايقاع م ل م
مبسعد مإيِممانطكسم طكفا ةار مح م
الريب ،إوالقاء الشبهات حتى يحصلوا على ما يريدونه من صد المسلمين عن السلم ،ول شك أن
الحسد داء دفين في النفس ،وتأثيره على الحاسد أبلغ من تأثيره على المحسود ،حيث إن الحاسد دائدما
معذب القلب ،كلما رأى المحسود وما هو فيه من النعمة والرفاهية تألم لها ،فلذلك يقال :
اصبر على كييد الحسود فـإن صبـرك قاتله * * النار تأكل نفسه ــا إن لم تجد مـا تأكله
وقال بعض السلف :الحسد داء منصف ،يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود.
وافتراء عليه ،ويؤلب عليه من له سلطة أو ولية ،حتى تزول تلك النعمة التي يتمتع بها أخوه ،وليس
هناك دافع له على إزالتها سوى الحقد والبغض ،فل يقر ق ارره حتى يتلف المال ،أو يفتقر الرجل ،أو
يمرض ،أو هيحرم من حرفته أو عمله.
أما العائن فهو :إنسان قد تكيفت نفسه بالخبث والشر ،فأصبحت تمتد إلى ما يلفت النظر ،و ترسل
إليها ما يحطمها ويغيرها ،فيسقط الطائر من الهواء ،ويعطب الوحش البري ،بمجرد كلمته ونظرته
السامة ،فقد ذكر ابن القيم رحمه ال أن منهم من تمر به الناقة أو البقرة السمينة فيعينها ،ثم يقول
لخادمه :خذ المكتل والدرهم ،وآتنا بشيء من لحمها ،فما تبرح حتى تقع فتنحر.
وقال الكلبي كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلثة ،ل يأكل ثم يرفع جانب خبائه فتمر به البل
فيقول :لم أر كاليوم إبل ول غندما أحسن من هذه .فما تذهب إل قليل حتى يسقط منها طائفة.
وقد حكى بعض الخوان أن منهم من يريد السفر على الطائرة أو الحافلة فيعينها ،فتتوقف حتى يتفرغ
فيأتي ويتكلم بما يبطل ما بها فتصلح مع بذل العمال ما يستطيعون في إصلحها ،والحكايات عن
أهل العين كثيرة مشهورة.
ومع ذلك قد أنكرها بعض المشايخ الكبار بسبب أنهم ل يعلمون لها سبدبا مباشدرا ،وذلك لجهلهم بتأثير
الرواح وما تختلف به عن الجساد ،كما أشار إلى ذلك ابن القيم رحمه ال تعالى في )البدائع(
وغيره.
الثالثة :الرغبة في زوال النعمة عن المحسود سواء انتقلت إليه أو إلى غيره:
جبِرين
من ُبن ُ ج
ح س عبِد ُاللرـَّ ج
ه ُبن ُعبِد ُالرر ح 8 سدد ُ«
ح س
» ُال س
أن يجد من نفسه الرغبة في زوال النعمة عن المحسود ،سواء انتقلت إليه أو إلى غيره ،ولكنه ل يعمل
شيدئا في إزالتها إل أنه في جهاد مع نفسه ،وكفها عما يؤذي أخاه ،خودفا من ال تعالى ،وكراهة لظلم
عباد ال ،فهذا قد كفي شر غائلة الحسد ،ودفع عن نفسه العقوبة الخروية ،ولكن ينبغي له أن يعالج
نفسه عن هذا الوباء الذي هو بغض النعمة ،ومحبة زوالها عن أخيه المسلم.
ضا لذلك الشخص ،لسبب شرعي ،كأن يكون ظالدما الرابعة :أن يتمنى زوال النعمة عن غيره بغ د
يستعين على ظلمه بذلك المنصب ،أو ذلك الجاه والمال ،فيتمنى زوالها ليريح الناس من شره،
وكالفاسق الذي يستعين بالمال أو المنصب على فسقه وفجوره ،فتمني زوال ذلك والسعي فيه ل إثم
فيه ،بل قد يكون مثادبا إذا عمل على إراحة المسلمين من الشر والعسف ،والظلم والتجبر الذي يتسلط
به ذلك الظالم بسبب منصبه أو جاهه.
الخامسة :أن يتمنى لنفسه مثلها ،ول يحب زوالها عن أخيه ،ول يسعى في ذلك ،سواء كانت تلك
النعمة من مباح متاع الدنيا كالمال والجاه ،أو من النعم الدينية كالعلم الشرعي ،والعبادة الدينية ،وقد
صللى الللـهه صعلصييهه صوصسللصم ـ » :ل حسد إل في اثنتين :رجل أتاه ال مال فسلطه
ثبت في الصحيح قوله ـ ص
على هلكته في الحق ،ورجل آتاه ال الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها« وهذا ل يسمى حسدا إل من
حيث الظاهر ،إوال فهو غبطة ومنافسة ،ومحبة للحصول على الخير الدنيوي ،والجر الخروي ،فهو
يحب أن يكون مثل أخيه ،ويغبطه بذلك ،وله مثل أجره على حسن نيته وقصده.
ثانيِها :التعزز فإلن واحددا من أمثاله إذا نال منصدبا عالديا ،يترفع به عليه ،وهو ل يمكنه تحمل ذلك،
أراد زوال ذلك المنصب عنه ،وليس غرضه التكبر ،بل يريد أن يدفع كبره ،فإنه قد رضي بمساواته.
ثالثها :أن يكون من طبعه أن يستخدم غيره فيريد زوال النعمة من ذلك الغير ،ليقدر على ذلك
الغرض ،ليكون تابدعا له ،ومنه قوله تعالى عن المشركين ﴿ :مومقالطوا لمسومل طنرزمل مهمذا اسلقطسرآطن معملىَ مرطجدل
مممن اسلقمسرميِتمسيِمن معمظيِدم ﴾ )الزخرف (31:يعني أنهم يتكبرون عن أن يكونوا تابعين ،بدل ما كانوا
متبوعين ،وقال تعالى ﴿ :أممهطؤملمء مملن ال لطه معلمسيِمهسم ممسن مبسيِمنمنا ﴾ )النعام (53:كأنهم احتقروا المسلمين
الذين كانوا أتبادعا فاستقلوا عنهم.
ورابعها :التعجب من أن يفضلهم رجل من أمثالهم كما في قوله تعالى ﴿ :أممومعمجسبتطسم أمسن مجامءطكسم مذسكرر
ممسن مرربطكسم معملىَ مرطجدل ممسنطكم ﴾ )العراف (63:فكأنهم عجبوا من رجل مماثل لهم ،ينزل عليه الوحي
دونهم ،فلذلك حسدوه.
وخامسها :الخوف من فوات المقاصد وذلك يتحقق من المتزاحمين على مقصود واحد كتحاسد
الضرائر على مقاصد الزوجية ،وتحاسد الخوة في التزاحم على نيل المنزلة عند البوين ،وتحاسد
الوعاظ المتزاحمين على أهل بلدة؛ وفي ذلك قال الشاعر:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه * * * فالقوم أعداء له وخصـوم
كغرائر الحسناء قلن لوجههـا * * * حسـددا وبغديـا إنه لدميـم
وسادسها :حب الرئاسة كمن يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون ،فإنه لو سمع بنظير له
في أقصى العالم ساءه ذلك ،وأحب موته ،فإن الكمال محبوب لذاته وهذا المحبوب مكروه ،ومن أنواع
الكمال التفرد به ،لكن هذا ممتنع إل ل تعالى ،ومن طمع في المحال خاب وخسر.
وسابعها :شح النفس بالخير على عباد ال فإنك تجد من ل يشتغل برئاسة ول تكبر ،ول طلب مال
إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد ال شق عليه ذلك ،إواذا وصف اضطراب الناس إوادبارهم
فرح به ،فهو أبددا يحب الدبار لغيره ،ويبخل بنعمة ال على عباده ،كأنهم يأخذون ذلك من ملكه
وخزائنه ،وهذا ليس له سبب ظاهر سوى خبث النفس ،كما قيل :البخيل من بخل بمال غيره.
سمد ﴾)الفلق(5: مد لقد أمر ال تعالى بالستعاذة من شر الحاسد ،في قوله ﴿ :موممسن م
شرر محاسد إممذا مح م
وهذا دليل على أن له شر وفيه ضرر ،ول يتحصن منه إل بالستعاذة بال تعالى ،حيث إن الحسد من
أعظم المراض الفتاكة بالمجتمع ،فهو يجبر صاحبه على أصعب المور ،ويبعده عن التقوى،
فيضيق صدر الحسود ،ويتفطر قلبه إذا رأى نعمة ال على أخيه المسلم
ولقد كثر الحسد بين القران والخوان والجيران ،وكان من آثار ذلك التقاطع والتهاجر ،والبغضاء
والعداوة ،فأصبح كل من الخوين أو المتجاورين يتتبع العثرات ،ويفشي أسرار أخيه ،ويحرص على
الضرار به ،والوشاية به عند من يضره أو يكيد له ،ول شك أن ذلك من أعظم المفاسد في
المجتمعات السلمية ،فإن الواجب على المسلمين أن يتحابوا ويتقاربوا ويتعاونوا على الخير والبر
والتقوى ،وأن يكونوا يددا واحدة على أعدائهم من الكفار والمنافقين ،فمتى أوقع الشيطان بينهم العداوة
والبغضاء ،وتمكنت من قلوبهم الحقاد والضغائن ،حصل التفرق والتقاطع ،وصار كل فرد يلتمس من
أخيه عثرة أو زلة فيفشيها ،ويعيبه بها ،ويكتم ما فيه من الخير ،ويسيء سمعته ،ويجعل من الحبة
قبة ،ويقوم الثاني بمثل ذلك ،وكل منهما يوهم أن الصواب معه ،وأن صاحبه بعيد عن الصواب.
ثم إن كل منهما يحرص على الضرار بالخر ويعمل على حرمانه من الخير ،فيصرف عنه المنفعة
العاجلة ،ويحول بينه وبين المصالح المطلوبة من فائدة مالية ،أو حرفة أو أرباح أو معاملت مفيدة،
ونحو ذلك ،ول شك أن هذا يضر المجتمعات ويقضي على المصالح ،ويتمكن العداء من المنافع
ومن استغلل الفوائد ،وبتمكنهم يضعف المسلمون المخلصون ،ول ينالون مطلوبهم من ولية أو
رئاسة ،أو شرف أو منفعة ،وسبب ذلك هذه المنافسات التي تمكنت من النفوس ،حتى حرموا إخوانهم
وأنفسهم من الخير ،وسلطوا عليهم أعداءهم.
أفل يرعوي المؤمن ،ويعرف مصلحته ويحب الخير لخوانه ،ويوصل إليهم ما يستطيع ،حتى يعم
المن ويصلح أمر الدين والدنيا والخرة ،وال المستعان ،وعليه التكلن ،ول حول ول قوة إل بال
وصلى ال على محمد وآله وصحبه وسلم.
وتفصيل :وهو العلم بأن الحسد قذى في عين اليمان ،حيث كره حكم ال وقسمته في عباده ،فهو
غش للخوان ،وعذاب أليم ،وحزن مقيم ،ومورث للوسواس ،ومكدر للحواس ،ول ضرر على المحسود
في دنياه ،لن النعمة ل تزول عنه بحسدك ،ول في دينه ،بل ينتفع به ،لنه مظلوم من جهتك ،فيثيبه
ال على ذلك ،وقد ينتفع في دنياه أيضا من جهة أنك عدوه ،ول يزال يزيد غمومك وأحزانك ،إلى أن
يفضي بك إلى الدنف والتلف ،قال الشاعر:
اصبر على مضض الحسود * * * فإن صبــرك قاتـله
النار تأكل نفسه ـ ــا * * * إن لـم تجـد ما تأكله
صا من ال تعالى بمزيد الفضائل ،قال الشاعر:
وقد يستدل بحسد الحاسد على كونه مخصو د
ل مات أعداؤك بل خلـدوا * * * حتى يروا منك الذي يكمد
ل زلت محسوددا على نعمة * * * فإنما الكامل من يحســد
والحاسد مذموم بين الخلئق ،ملعون عند الخالق ،مشكور عند إبليس وأصدقائه ،مدحور عند الخالق
وأوليائه ،فهل هو إل كمن رمى حج دار إلى عدو ليصيب به مقتله ،فرجع حجره إليه فقلع حدقته اليمنى،
فغضب فرماه ثانديا فرجع ففقأ عينه الخرى ،فازداد غيظه فرماه ثالدثا فرجع إلى نفسه فشدخ رأسه،
ب اسلمخمرمة أم م
شد موأمسبمقىَ ﴾ )طه . (127: ، وعدوه سالم ،وأعداؤه حواليه يفرحون ويضحكون ﴿ :مولممعمذا ط
وأما العمل :فهو أن يأتي بالفعال المضادة لمقتضيات الحسد فإن بعثه الحسد على القدح فيه كلف
لسانه المدح له ،إوان حمله على التكبر عليه كلف نفسه التواضع له ،إوان حمله على قطع أسباب
الخير سعى في إيصال الخير إليه ،حتى يصير المحسود محبودبا محببا له ،على حد قوله تعالى﴿ :
سطن فممإمذا ا لمذيِ مبسيِمنمك مومبسيِمنطه معمداموةر مكأملنطه مومليي محمميِرم ﴾ )فصلت (34:فذلك التكلف م م
اسدفمسع مبا لتي همي أمسح م
يصير في النهاية طبدعا .
وقد ذكر ابن القيم أن شر الحاسد يندفع عن المحسود بعشرة أسباب:
أحدها :التعووذ بال من شره ،والتحصن به واللجوء إليه.
الثاني :تقوى ال وحفظه عند أمره ونهيه ،فمن اتقى ال حفظه ولم يكله إلى غيره.
الثالث :الصبر على عدوه ،فل يقاتله ول يشتكيه ،ول يحدث نفسه بأذاه ،فما نصر على حاسده بمثل
الصبر ،والتوكل على ال ،ول يستطيل المهال له ،وتأخير النتقام منه.
جبِرين
من ُبن ُ ج
ح س عبِد ُاللرـَّ ج
ه ُبن ُعبِد ُالرر ح 12 سدد ُ«
ح س
» ُال س
الرابع :التوكل على ال ،فمن توكل على ال فهو حسبه ،فالتوكل من أقوى السباب التي يدفع بها
العبد ما ل يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم ،فمن كان ال كافيه وواقيه فل مطمع فيه لعدوه ول
يضره.
الخامس :فراغ القلب من الشتغال به ،والفكر فيه ،فيمحوه من باله ،ول يلتفت إليه ،ول يخافه ،ول
يشغل قلبه بالفكر فيه ،فمتى صان روحه عن الفكر فيه ،والتعلق به ،فإن خطر بباله بادله إلى محو
ضا .
ذلك الخاطر ،والشتغال بما هو أنفع له ،بقي الحاسد يأكل بعضه بع د
السادس :القبال على ال ،والخلص له ،وجعل محبته ورضاه والنابة إليه في محل خواطر نفسه
وأمانيها ،بحيث تبقى خواطره وهواجسه كلها في محاب ال ،والتقرب إليه ،فيشغل بذلك عن الحاسد
وحسده ،ويكون قلبه معمودار بذكر ربه والثناء عليه ،غير متشاغل بغيره.
السابع :تحرريه التوبة من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه ،فما سلط على العبد أحد إل بذنبه ،فعليه
المبادرة إلى التوبة والستغفار ،فما نزل بالعبد بلء إل بذنب ،ول رفع إل بتوبة.
الثامن :الصدقة والحسان مهما أمكن فإن لذلك تأثي دار عجيدبا في دفع البلء ،وشر الحاسد ،فل يكاد
الذى والحسد يتسلط على متصدق ،فإن أصابه شيء كان معامل باللطف والمعونة والتأييد.
التاسع :إطفاء نار الحاسد والباغي والظالم بالحسان إليه ،فكلما ازداد أذاه وشره وبغيه ،ازددت إليه
سريِمئمة ﴾ )المؤمنون(96: م م
إحسادنا وله نصيحة ،وعليه شفقة لقوله تعالى ﴿ :اسدفمسع مبا لتي همي أمسح م
سطن ال ل
العاشر :تجريد التوحيد ل تعالى ،والترحل بالفكر في السباب إلى المسبب العزيز الحكيم ،والعلم
بأنها بيد ال تعالى ،فهو الذي يصرفها عنه و حده إلى آخر كلمه ،وقد لخصت هذا من كلمه على
آخر سورة الفلق في )بدائع الفوائد( فليراجع.
وال تعالى أعلم وأحكم وصلى ال تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .