Professional Documents
Culture Documents
المقدمة
1
جميع األمم تنشد اإلصالح ،ولكن يختلف زعماء األمم في طرق
اإلصالح ،وما لإلصالح من أهمية لألمم فيحقق لها الرفعة والمهابة
وتكون في مأمن من ان تتداعى على أركانها وتسقط.
انه اإلصالح الذي يرشد إليه الدين الحق ،يسير بالناس على
{و َما َج َع َلالطريقة الوسطى ،فال يأمر بما فيه حرج قال تعالىَ :
ِّين ِم ْن َح َرجٍ}[ .الحج ]78 :وال يجاري اهواء الناس علَ ْي ُك ْم فِي ال ِد ِ
َ
ت {ولَ ِو ات َّ َب َع ْال َح ُّق أَ ْه َوا َء ُه ْم لَفَ َ
س َد ِ ابتغاء مرضاتهم قال تعالىَ :
ض َو َم ْن فِي ِه َّن}[ .المؤمنون.]71 : س َم َاواتُ َو ْاأل َ ْر ُ
ال َّ
والغرض من هذا الحديث إلقاء نظرة عامة على نواحي اإلصالح
التي جاء بها الدين اإلسالمي.
2
بعث هللا محمدًا – صلوات هللا عليه – والعالم في جهالة غامرة،
وأهواء جائرة ،وأعمال خاسرة ،وما زالت هدايته تتكامل حتى
أخذت باإلصالح من جميع أطرافه ،فوضعت مكان الجهالة عل ًما،
ومكان األهواء هم ًما سامية ،ومكان الخسر صال ًحا وفال ًحا.
وزودها باألخالق الزاهرة ،وشرع أصلح النفوس بالعقائد السليمةَّ ،
من العبادات ما يؤ ِ ِّكد الصلة بين العبد ور ِبِّه ،ثم نظر إلى َّ
أن
اإلنسان لم يُخلق ليعيش في عزلة عن الناس ،وإنَّما ُخ ِلق ليكون
واحدًا من جماعة ،تتعاون على القيام بمرافق حياتها ،واألخذ
فقرر النفقات
بوسائل سعادتها ،فعُني بحقوق ذوي القربىَّ ،
والبر بهم من
ِ ِّ وحرض على إسعادهم،َّ والمواريث في نظم محكمة،
طرق المروءة وكرم األخالق.
وجاء الدين اإلسالمي منظما ً للعالقات االجتماعية والروابط
اإلنسانية والمعامالت المالية وجعل لها نظما ً عادلة وجعل للجنايات
عقوبات زاجرة ،فقام الدين اإلسالمي بهذه النظم والعقوبات لتنظيم
النفوس والعقول واالعراض واألموال وجعلها في مأمن.
وتناول اإلسالم ايضا ً إصالح الغذاء ،فأذن في الطيبات من الرزق
وحرم األشياء القذرة التي تلحق باألبدان الضرر وبالعقول الخلل
فترونه قد حرم اكل الميتة وتناول السموم والمسكرات.
وسمح الدين اإلسالمي بالزينة ووضعها بمكانتها الالئقة ،فأذن فيها،
وأنكر على من يتعمد اجتنابها بدعوى الورع والتقوى ،ولكنه نهى
عن اإلسراف فيها ،وأنذر من سوء عاقبة المسرفين.
3
ويشمل اإلسالم بنظرته اإلصالحية ناحية السياسة الخارجية ،واتجه
فيها بين رفق وحزم ،فأذن في الحرب متى كان الشر في السلم،
وأذن في السلم متى كان الشر في الحرب ،وجعل للحرب آدابا ً
تخفف من ويالتها ،وتجعلها كالدواء الذي يحصل به الشفاء ،وأذن
في عقد المعاهدات على وفق المصلحة العامة ،وحث على الوفاء
بالعهد وأرشد الدين إلى التسامح في معاملة المخالفين ،غير
المحاربين ،تسام ًحا يُرضي اإلنسانية دون أن يبخس حقًّا ،أو ينصر
ع ِن الَّذِينَ لَ ْم يُقَاتِلُو ُك ْم فِي ال ِد ِ
ِّين َولَ ْم َّللاُ َ{ال يَ ْن َها ُك ُم َّ
باطال ،قال تعالىَ : ً
بَّللا يُ ِح ُّ ار ُك ْم أَ ْن تَبَ ُّرو ُه ْم َوت ُ ْق ِس ُ
طوا ِإلَ ْي ِه ْم ِإ َّن َّ َ يُ ْخ ِر ُجو ُك ْم ِم ْن ِديَ ِ
ْال ُم ْق ِس ِطينَ } [الممتحنة.]8 :
أصلح الدين الشؤون الفردية واالجتماعية بما أشرنا إليه من النظم
واآلداب ،وال بد لهذه النظم واآلداب من سلطان يشرف عليها،
وير ُّد إليها من يحاول الخروج عنها ،وذلك ما يس ُّمونه السلطة
الحق إلى إقامة هذه السلطة، ُّ القضائية أو التنفيذية ،فدعا الدين
ورسم لها سيرة حازمة عادلة ،ومما أخذه عليها ،أن تقيم سياستها
على قاعدة الشورى ،ومثل قاعدة :التسوية بين أفراد األمة
{وشَا ِو ْر ُه ْم ِفي ْاأل َ ْم ِر} [آل عمران]159 : وجماعاتها ،قال تعالىَ :
ورى بَ ْينَ ُه ْم} [الشورى .]38 :قال- ش َ{وأَ ْم ُر ُه ْم ُ
وقال وأثنى تعالىَ :
أن فاطمة بنت محمد عليه الصالة والسالم(( : -وايم هللا! لو َّ
سرقت ،لقطع محمد يدها)) .وكما جعل هذه السلطة راعية لألمة،
الحق في أن ينصحوا للحائد في قضائه َّ جعل لعلماء األمة وحكمائها
عونَ {و ْلتَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ ُ َّمةٌ يَ ْد ُ
أو تنفيذه عن طريق الرشاد .قال تعالىَ :
ع ِن ْال ُم ْن َك ِر َوأُولَئِ َك ُه ُم وف َويَ ْن َه ْونَ َ ِإلَى ْال َخي ِْر َويَأ ْ ُم ُرونَ بِ ْال َم ْع ُر ِ
ْال ُم ْف ِل ُحونَ } [آل عمران.]104 :
4
ومن أثر إصالح الدين للقضاء :ما يحدثنا به التاريخ عن أمثال
قاضي قرطبة منذر بن سعيد؛ إذ كانوا يحكمون على الخليفة في
قضايا يرفعها عليهم ناظر يتيم ،أو تاجر قليل البضاعة خامل
الذكر ،وقد أتت رعاية العلماء األمناء للسلطة القضائية أو التنفيذية
فيما سلف بخير كثير.
يرعى الدين مصالح األفراد والجماعات ،وينهى عن األعمال
والمعامالت الضارة ،وإن رضي بها من يلحقه ضررها ،ومن هنا
وحرم الزنا ونحوه في ك ِِّل حال.
َّ شرع الحجر على السفهاء،
ومن حرص الدين على اإلصالح ،وأخذه في الدعوة إليه بالحيطة:
أنه ينهى عما فيه مفسدة ،ثم يعود إلى الوسائل التي تفضي إليه ال
تقرر في قواعد الشريعة قاعدة :س ِ ِّد ذرائع
محالة ،فيمنعها ،ومن هنا َّ
الفساد.
وقد سلك الدين في الدعوة إلى اإلصالح أساليب حكيمة؛ ليجعلها
قريبة من النفوس ،فال تلبث أن تتلقاها بالقول.
ومما تراه في أساليبه :أن يرشد إلى ناحية اإلصالح بكلمة عامة
تجري مجرى الحكمة السائرة ،ويذكر بعد ذلك ما يرى الحاجة
داعية إلى بيانه وتفصيله ،فانظروا إليه كيف قال في إصالح صلة
علَ ْي ِه َّن بِ ْال َم ْع ُر ِ
وف} [البقرة .]228 :ثم {ولَ ُه َّن ِمثْ ُل الَّذِي َ
الزوجيةَ :
د َّل القرآن المجيد ،وسيرة النبي صلى هللا عليه وسلم على كثير مما
لهن أو عليهم من الحقوق بتفصيل. َّ
أن اإلصالح الديني مراعى فيه حفظ المصالح ودرء ويدلُّكم على َّ
المفاسد في الواقع :رجوع أحكامه بعد االستقراء إلى أربعة فصول:
الضرر يُزال ،والمشقَّة تجلب التيسير ،واألعمال بمقاصدها،
والعادة مح َّكمة.
5
الخاتمة
تناول الدين بنصوصه وأصوله نواحي اإلصالح جميعها أينما
أن اتباع الناس لهدايته أقرب ،وسيرهم شك في َّ
كانت ،وليس من ٍِّ
على ما يرسمه من الخطط أيسر ،فإذا نحن دعونا إلى اإلصالح
بحكمته وذكرناهم بموعظتهِ ،أمنَّا ما يز ُّل فيه الدعاة من عثرات،
و ُكفينا ما يواجهون به من إعراض وعصيان .ذلك دين هللا ال يدعو
إال إلى الخير ،وال ينهى إال عن سوء.
الرأي:
كان المقال ملما ً بكل ما يحتاجه االنسان في أمور الحياة االجتماعية
والتي تعتبر رئيسية وهامة في اصالح المجتمع واالرتقاء به وما
تقوم عليه نهضة المجتمعات ،حيث تطرق الكاتب الى جميع نواحي
الدين اإلسالمي وأثرها في اصالح المجتمع.
6