Professional Documents
Culture Documents
حدث في البالد ما لم يكن في الحسبان ،حدث ما زعزع القيم واألخالق ،فمحور الحدث لم يكن أبدا من
عمق تداعيات سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية وإنما إنسانية .فما نعيشه كل يوم هو جزء ال يتجزأ
من حرمان في أبسط الحقوق ،غير أن ما وقع في األيام األخيرة كان هوال وبيانا على رؤوس المنافقين
من المسؤولين في البالد .فاعتداء السلطة على األساتذة المتدربين أبرز نوعا من القمع المخزني والسلطة
الوحشية على أبسط حقوق اإلنسان ،أال وهو اإلحتجاج على وضع غير مرض .لكن هيهات هيهات،
.فاحتجاجهم لم يكن في أوربا ولكن في المغرب ،أو باألحرى دولة الدولة العميقة
شمولية األمر جعلت من األحداث تأخذ منحى الوضوح والبروز القوي ،فاختالف اآلراء وتضادها
ظهرت أخيرا في الحزب المنتخب واألعضاء الصغار .أدين و بشدة ما كان نتيجة لذاك اإلحتجاج،
فالضرب والسلخ وكأن األمن لم يكن سوى جالد يرفع سيف السفح والنحر ،جعل من األساتذة
المتظاهرين ضحايا الوحشية والبربرية المخزنية .فواقع األمن في دولة الدولة العميقة ،يختلف كليا عن
وهم األمان .استغالل الشعب المقيت في أمر األمن وتخويفهم بالمقارنة الدولية والمنظمات اإلرهابية كان
.سالحا دائما للسلطات العليا إلخماد نار الشعب وجعلهم تحت سيطرتهم
دولة وغابة ،لم يعد الفرق ظاهرا اآلن بين هذين المفهومين ،القانون الذي يسري اآلن في قضايا الحقوق،
هو بالتأكيد قانون الغاب ،حيث الذئاب تنهش لحم الضحية من الشعب ،بالرغم من أن الذئاب بريئة كل
البراءة مما يجري إنما هي الذئاب البشرية التي لطالما سعت إلى تسليط الضوء على دور السلطة الوهمي
في حماية المغرب مما ادعوا أنه اإلرهاب ،فنسوا ذاك العسكري الحامي للحدود المستحق ل"جوج
فرانك" .أما من يتكلم بلسانهم من الرويبضات والسفهاء السياسيين ،فال علم لهم بمجريات األمور وإنما
يترجون ويتمددون كالكالب حتى يتم قبولهم ضمن الئحة المنتخبين .إنما ملف األساتذة المتدربين له
نصيب قليل بالمقارنة مع الملفات المسكوت عنها ،وإن أردنا التعمق فيها فمصير كل كاتب وناشر وقارئ
معلوم ومشؤوم ،لكن بداية النهاية جعلت من أواخر السجالت مرتعا للغضب والسخط لدى جمع غفير من
أبناء الشعب .ملفنا اليوم ظل وسيظل مخفيا في قراراته إن لم يجد نفسا تلوم المسؤولين وتكشف خباياهم،
فاحتجاج األساتذة المتدربين لم يكونوا سوى أكباش فداء لعبة قذرة قد أسقطت بعض مخلفاتها على
هؤالء .بلمختار أو من يدعونه ب"الوزير الجاهل" لترفعه عن التحدث بلغته األم_وهذا حديث له جانب
ثان_ وبعدما أصدر أو باألحرى أمروه بإصدار قراري فصل التكوين عن التوظيف وتقليص المنحة
المخصصة لهم ،استمرت حكومته في التنديد ضد األساتذة لعدم وجود رخصة اإلحتجاج ،ومتى كان
للحق رخصة لتفعيله أو حتى المطالبة بمفتاح بوابة الحقوق ،أيظل حقا إن كنا مجبرين على طلبه
برخصة؟ ! أنحن في بلد أم في سرداب البهائم والحمير؟ ! وحاشا هلل للحمير أن تنعت بأسوء الخلق،
أمبررك الوحيد يا رئيس الحكومة لترخيص الضرب المبرح كان عدم امتالكهم للرخصة؟ ! ،أديننا أمر
بذلك؟ ! أإنسانيتنا أمرت بذلك؟ ! أم أن من مبادئك استغالل اإلسالم لمصلحتك؟
األمر الذي يشغل تفكير المجمع الكبير هو سبب احتجاج األساتذة المتدربين ،ولترسيخ المبدأ العام
لإلحتجاج ،أال وهو التهرب الحكومي والتملص من حل الدفع الشهري لألساتذة ،يجب تثبيت األصل من
الفعل .فكما يعلم المسؤولون في سلك التعليم ،عند التقدم لمباراة ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية
والتكوين ،فالشخص الممت َحن يمر بفترة تكوين تعادل 12شهرا ،وفي هاته المدة ،يخصص الممت َحن أو
األستاذ نصف وقته في المدارس وذلك بعد اختياره لسلك التدريس ،سواء اإلبتدائي أو اإلعدادي أو
.الثانوي ،فيشغل المدارس بقيمة التدريس ويصبح مؤهال لذلك ،فتسمى فترة تدريبية
في الفترة التدريبية ،يعتبر األستاذ موظفا من الدرجة األولى بالسلم العاشر أما الحد األدنى لألجر فكان
بمقدار 2450درهم ،ما ذُكر اآلن هو ما جاء من مقتضيات الجريدة الرسمية لسنة 2012والتي بدورها
تنص وبوضوح عن قوانين تسير نظام موظفي اإلدارات العمومية ،فتصريح رئيس الحكومة بنعتهم
بالطالب ما هو إال تعبير ال يتجاوز حد السفاهة والجهالة وال يرتقي مبلغ الفهم السليم رغم تاريخه السابق
في التعليم ،تلك النصوص وتحديدا المادة 23في الصفحة 498تقر بضرورة تقديم األجرة )ال وجود
لمفرد منحة( للمترشحين المقبولين في سلك تأهيل أطر هيئة التدريس وذلك وفقا للرقم االستداللي 275
)خطأ فادح في نص المادة حيث ال وجود لرسم استداللي وإنما الرقم( ،فالرقم 275يدل وبقوة على
المكانة المرسومة في البيان ،إذ يتقاطع مع المرتبة األولى من السلم العاشر ،ولوج السلم يضحض نظرية
الطالب ولكن الموظف الحكومي وهو ما جاء توضيحه في البداية .وما عهدناه من الدستور والجريدة
الرسمية ،فالمسؤول عن دفع األجرة الشهرية ،وزارة المالية .أما ما يأتي من أمر النجاح والرسوب فهو
األعجب واألغرب ،إذ تنص المادة 36إلى إمكانية "السماح ألساتذة التعليم المدرسي المتدربين الذين
قضوا فترة التكوين ولم يتمكنوا من استيفاء جميع مصوغات التأهيل باستدراك الوحدات أو المواد التي
تعذر عليهم اإلستفادة من التأهيل فيها في السنة الموالية" ،رغم أن التطبيق خالف وناقض القانون ،إذ من
طرحت فكرة تقليص نفقات الموظفين العموميين ،وال يتم ذلك إال عن أجل تقليص الديون على الدولةُ ،
طريق تقليص عدد الموظفين .لرسم جذري للخطة ،قامت حكومة بنكيران بعدم إشعار الممت َحنين
وتعاملت معهم كطلبة وبذلك لم تقدم إليهم أرقام تأجيرهم ،زيادة على هذا ،قامت وزارة المالية بوقف
النفقة وجعلت مراكز التكوين تلعب دور الكفيل المالي ،كل هذا واألساتذة في دار غفلون ،وفي حالة عدم
.اكتمال الوحدات بأكملها ،يعتبر األستاذ راسبا غير مؤهل للوظيفة ،عكس ما جاء في الدستور
المضحك في ما يجري ،هو المرسوم الموافق عليه من طرف الوزارة سنة ،2013والذي ينص على أن
النجاح في مركز التكوين الممت َحن يساوي النجاح في مباراة التوظيف ،وانطالقا من هذا المنطق،
فامتحان ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين األول ،لم يكن مباراة الوظيفة وإنما لولوج مركز
شهر ضمن التكوين لم يكن الممت َحن سوى طالب والنجاح الثاني ما سيقرر ،هذا 2التكوين ،إذن فمدة 1
.المرسوم ال يزال مشرعا ،يناقض الدستور وهو ما يثبت ازدواجية القانون
المثير في لب الموضوع ،هو قرار المرسومين ،ففي 23يوليوز ،2015تمت المصادقة على
المرسومين باسم المجلس الحكومي ،ففي المرسومين 2.15.588 ،2.15.589
ينص أولهما على واقعة ازدواجية ثالثية ،إذ بالرغم من النجاح الكلي في مركز التكوين ،تظل أمام
الممت َحن مباراة أخرى للتوظيف وكأن المرسوم لسنة 2013مخالَف في أمره أيضا ،والمرسوم الثاني
يحذف قيمة األجرة إلى المنحة ويخفض من قيمتها من 2450درهم إلى 1200درهم .لكن المثير في
األمر لم يكن في هذا وإنما المصادقة الرسمية ،فباعتبار األشخاص العابرين إلى مراكز التكوين لسنة
2015فتاريخ مرورهم بامتحان الولوج هو بالتحديد يومي 12و 13من شهر شتنبر ،لكن المرسومين
لم يتم نشرهم في الجريدة الرسمية حتى يوم 8من شهر أكتوبر ،منطقيا فالقانون السابق الزال مفعال
على الممت َحنين ،لكن الحكومة شملتهم ضمن الئحة القانون الجديد،أما ما ندد به الطرف المعارض من أن
األساتذة المتدربين أتتهم مذكرة تعلن عن أمر المنحة والتوظيف ،لكن ما جهلوه هو أن المذكرة لم يكن لها
مستند قانوني وال وجود للمرسومين في الذكر ،بكل بساطة ألن المرسومين لم يعلنا بعد وهذا ما يجعل
.منه سبب اإلحتجاج
ي ،المطالب بحقه في حرية هي مؤشرات تضاف إلى سلسلة الجرائم المرتكبة في حق الشعب األب ّ
التعبير ،هذا الملف المفجر لغضب الشعب كانت بداياته قبل ثالثة أشهر لكن لم يجد حال إال بعد النهضة
المتمثلة في شخص األساتذة ومن معهم من المتضامنين والمتضامنات ،فبعد احتجاج طلبة الطب ضد
إجبارية العمل بعد التخرج في المناطق النائية ،صادقت الحكومة على إزالة إجبارية العمل للمتدربين من
ع ْي الصحة والتعليم.
األساتذة ،وكأن الدولة تريد إنهاء وجودها بتشريدها لعمادي األمم ،أال وهما قطا َ
ومن يدعم قرارات الحكومة في حق هؤالء ،فإني في تساؤل مستمر عن اإلحتماالت المتعددة لمصيرهم
إن لم يحتجوا ،فجلّهم عرضة للبطالة والباقي للتهميش لعدم وجود ضمانات للعمل فأغلبهم إذن في غيابات
الموت البطيء .والعجيب من كل ما يسري في البالد من سموم أياد المسؤولين ،فالتراجع عن المرسومين
المشؤومين مستحيل الحدوث ولو كان على حساب دماء الشعب .وما يؤكد هذا ،هو تصريح مصطفى
الخلفي ،الذي يأتي بإلزامية التمسك بالمنشورين وأشار بقوله أن المرسومين هما ضمن مخطط "اإلصالح
المهم" وكان مبرره ،التمكن من توسيع دائرة المستفيدين من التكوين .لكن الناطق باسم الحكومة لم
يستحضر سلبيات القرار والتي استهلت في الظهور في المراتب األولى .لكن ما جاء على لسان آخرين
وعرى ما كان مستورا ،الحكومة بكل بساطة تتملص من واجباتها تجاه التعليم العمومي بهذين َّ كان جليا
المرسومين وتريد من الخوصصة أن تغزوه غزوا شموليا ،فقطاع الصحة قد أخذ هذا المنحى فنرى
رجال األعمال يستثمرون في المستشفيات وكأن أجساد الناس أصبحت ملكهم ،يعالجونها باأللوفات وإن
شعروا بالخسارة ،سحبوا أمالكهم وتركوا للشعب "الحصير" ،فمرسومي التعليم ما هما إال وجهان آخران
من المخالفات القانونية للدستور وقانون الوظيفة العمومية ،أما تقليص المنحة الشهرية ،فلجعل األستاذ
المتدرب الحلقة األضعف في الصفقات المعمول بها ،أما اللؤم في كل هذا فكان توقيت تطبيق ّ
المرسومين ،إذ تزامن مباشرة وبشكل ملحوظ مع نجاح األساتذة في المباراة ،أبعد كل هاته الحقائق ،ال
تبررون بعدم وجود رخصة اإلحتجاج؟ !زلتم ّ
أما عن مسيرة الكرامة السلمية ،فقد جاء توقيفها من أوامر عليا لتفريق شتات غضبهم وخطتهم ،فأمروا
العسكر والدفاع المدني بمنع الناس من السفر إن كانت وجهتهم الرباط وذلك تحسبا لوقف هذه "المهزلة"
كما ظنوا .لكن رغم مضايقات الحكومة وتراهات المسؤولين لم تكن سوى سببا في إشعال نار الحمية
.والوطنية الحقة ،ال وطنية الخطابات واأللحان
وطنية أخرجت من رحمها أزيد من ألفي أستاذ متدرب وسلميتها فرضت فرضا تاما على الطرف اآلخر
إلبقاء عصاهم ضمن سراويلهم وإغالق أفواههم ألن العلم غلب الجهالة ،السلم انتصر على الهمجية
.والحق قال كلمته
أما ما يأتي من مفهوم الدولة العميقة ،فلم يكن أبدا من خير وال سالم ،إنما هي األسرار والقرارات
المرسومة في ساحة اللعبة السياسية .المشهد السياسي الملعوب به في إرساء الحجر الثقيل للدولة العميقة،
جعلت من الحكومة صورة تُنتقد من الشعبِ ،ب ْركة السياسة الراكدة في البالد كانت ولقرون مديدة من
غم ُر هاته البركة بملفات طويلة المدى وعمقها بدماء ضحاياها جعلت مفهوم الدولة الدولة العميقةْ ،
العميقة ساكنة لدى العديد من الدمى السياسية ،لم يظل على انكشافها غير استرجاع سنوات الرصاص
التي سيطرت على المغرب في السنوات السابقة ،كما نعلم أشد العلم أن االغتيالت السياسية كانت وسيلة
مبررة للدولة إلزالة العراقيل في إكمال مسيرتها نحو ترسيخ وضمان موضعها ضمن الدولة الموازية.
فأوال وأخيرا تمكن الشطط السياسي والجهالة اإلعالمية من إتالف عقول الماليين في الحفالت وقضايا
تجعل من الشعب مضغة سهلة في فم المستفيدين ،أما ما ُر ّ ِوج له من أن المغرب العميق يهزم الدولة
...العميقة ،فأصلح القول هو المغرب العميق ضمن خارطة الدولة العميقة