You are on page 1of 4

‫الدولة العميقة‬

‫من تأليف ‪ :‬عمر الفقير‬

‫حدث في البالد ما لم يكن في الحسبان‪ ،‬حدث ما زعزع القيم واألخالق‪ ،‬فمحور الحدث لم يكن أبدا من‬
‫عمق تداعيات سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية وإنما إنسانية‪ .‬فما نعيشه كل يوم هو جزء ال يتجزأ‬
‫من حرمان في أبسط الحقوق‪ ،‬غير أن ما وقع في األيام األخيرة كان هوال وبيانا على رؤوس المنافقين‬
‫من المسؤولين في البالد‪ .‬فاعتداء السلطة على األساتذة المتدربين أبرز نوعا من القمع المخزني والسلطة‬
‫الوحشية على أبسط حقوق اإلنسان‪ ،‬أال وهو اإلحتجاج على وضع غير مرض‪ .‬لكن هيهات هيهات‪،‬‬
‫‪.‬فاحتجاجهم لم يكن في أوربا ولكن في المغرب‪ ،‬أو باألحرى دولة الدولة العميقة‬
‫شمولية األمر جعلت من األحداث تأخذ منحى الوضوح والبروز القوي‪ ،‬فاختالف اآلراء وتضادها‬
‫ظهرت أخيرا في الحزب المنتخب واألعضاء الصغار‪ .‬أدين و بشدة ما كان نتيجة لذاك اإلحتجاج‪،‬‬
‫فالضرب والسلخ وكأن األمن لم يكن سوى جالد يرفع سيف السفح والنحر‪ ،‬جعل من األساتذة‬
‫المتظاهرين ضحايا الوحشية والبربرية المخزنية‪ .‬فواقع األمن في دولة الدولة العميقة‪ ،‬يختلف كليا عن‬
‫وهم األمان‪ .‬استغالل الشعب المقيت في أمر األمن وتخويفهم بالمقارنة الدولية والمنظمات اإلرهابية كان‬
‫‪.‬سالحا دائما للسلطات العليا إلخماد نار الشعب وجعلهم تحت سيطرتهم‬
‫دولة وغابة‪ ،‬لم يعد الفرق ظاهرا اآلن بين هذين المفهومين‪ ،‬القانون الذي يسري اآلن في قضايا الحقوق‪،‬‬
‫هو بالتأكيد قانون الغاب‪ ،‬حيث الذئاب تنهش لحم الضحية من الشعب‪ ،‬بالرغم من أن الذئاب بريئة كل‬
‫البراءة مما يجري إنما هي الذئاب البشرية التي لطالما سعت إلى تسليط الضوء على دور السلطة الوهمي‬
‫في حماية المغرب مما ادعوا أنه اإلرهاب‪ ،‬فنسوا ذاك العسكري الحامي للحدود المستحق ل"جوج‬
‫فرانك"‪ .‬أما من يتكلم بلسانهم من الرويبضات والسفهاء السياسيين‪ ،‬فال علم لهم بمجريات األمور وإنما‬
‫يترجون ويتمددون كالكالب حتى يتم قبولهم ضمن الئحة المنتخبين‪ .‬إنما ملف األساتذة المتدربين له‬
‫نصيب قليل بالمقارنة مع الملفات المسكوت عنها‪ ،‬وإن أردنا التعمق فيها فمصير كل كاتب وناشر وقارئ‬
‫معلوم ومشؤوم‪ ،‬لكن بداية النهاية جعلت من أواخر السجالت مرتعا للغضب والسخط لدى جمع غفير من‬
‫أبناء الشعب‪ .‬ملفنا اليوم ظل وسيظل مخفيا في قراراته إن لم يجد نفسا تلوم المسؤولين وتكشف خباياهم‪،‬‬
‫فاحتجاج األساتذة المتدربين لم يكونوا سوى أكباش فداء لعبة قذرة قد أسقطت بعض مخلفاتها على‬
‫هؤالء‪ .‬بلمختار أو من يدعونه ب"الوزير الجاهل" لترفعه عن التحدث بلغته األم_وهذا حديث له جانب‬
‫ثان_ وبعدما أصدر أو باألحرى أمروه بإصدار قراري فصل التكوين عن التوظيف وتقليص المنحة‬
‫المخصصة لهم‪ ،‬استمرت حكومته في التنديد ضد األساتذة لعدم وجود رخصة اإلحتجاج‪ ،‬ومتى كان‬
‫للحق رخصة لتفعيله أو حتى المطالبة بمفتاح بوابة الحقوق‪ ،‬أيظل حقا إن كنا مجبرين على طلبه‬
‫برخصة؟ ! أنحن في بلد أم في سرداب البهائم والحمير؟ ! وحاشا هلل للحمير أن تنعت بأسوء الخلق‪،‬‬
‫أمبررك الوحيد يا رئيس الحكومة لترخيص الضرب المبرح كان عدم امتالكهم للرخصة؟ ! ‪ ،‬أديننا أمر‬
‫بذلك؟ ! أإنسانيتنا أمرت بذلك؟ ! أم أن من مبادئك استغالل اإلسالم لمصلحتك؟‬
‫األمر الذي يشغل تفكير المجمع الكبير هو سبب احتجاج األساتذة المتدربين‪ ،‬ولترسيخ المبدأ العام‬
‫لإلحتجاج‪ ،‬أال وهو التهرب الحكومي والتملص من حل الدفع الشهري لألساتذة‪ ،‬يجب تثبيت األصل من‬
‫الفعل‪ .‬فكما يعلم المسؤولون في سلك التعليم‪ ،‬عند التقدم لمباراة ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية‬
‫والتكوين‪ ،‬فالشخص الممت َحن يمر بفترة تكوين تعادل ‪ 12‬شهرا‪ ،‬وفي هاته المدة‪ ،‬يخصص الممت َحن أو‬
‫األستاذ نصف وقته في المدارس وذلك بعد اختياره لسلك التدريس‪ ،‬سواء اإلبتدائي أو اإلعدادي أو‬
‫‪.‬الثانوي‪ ،‬فيشغل المدارس بقيمة التدريس ويصبح مؤهال لذلك‪ ،‬فتسمى فترة تدريبية‬
‫في الفترة التدريبية‪ ،‬يعتبر األستاذ موظفا من الدرجة األولى بالسلم العاشر أما الحد األدنى لألجر فكان‬
‫بمقدار ‪ 2450‬درهم‪ ،‬ما ذُكر اآلن هو ما جاء من مقتضيات الجريدة الرسمية لسنة ‪ 2012‬والتي بدورها‬
‫تنص وبوضوح عن قوانين تسير نظام موظفي اإلدارات العمومية‪ ،‬فتصريح رئيس الحكومة بنعتهم‬
‫بالطالب ما هو إال تعبير ال يتجاوز حد السفاهة والجهالة وال يرتقي مبلغ الفهم السليم رغم تاريخه السابق‬
‫في التعليم‪ ،‬تلك النصوص وتحديدا المادة ‪ 23‬في الصفحة ‪ 498‬تقر بضرورة تقديم األجرة )ال وجود‬
‫لمفرد منحة( للمترشحين المقبولين في سلك تأهيل أطر هيئة التدريس وذلك وفقا للرقم االستداللي ‪275‬‬
‫)خطأ فادح في نص المادة حيث ال وجود لرسم استداللي وإنما الرقم(‪ ،‬فالرقم ‪ 275‬يدل وبقوة على‬
‫المكانة المرسومة في البيان‪ ،‬إذ يتقاطع مع المرتبة األولى من السلم العاشر‪ ،‬ولوج السلم يضحض نظرية‬
‫الطالب ولكن الموظف الحكومي وهو ما جاء توضيحه في البداية‪ .‬وما عهدناه من الدستور والجريدة‬
‫الرسمية‪ ،‬فالمسؤول عن دفع األجرة الشهرية‪ ،‬وزارة المالية‪ .‬أما ما يأتي من أمر النجاح والرسوب فهو‬
‫األعجب واألغرب‪ ،‬إذ تنص المادة ‪ 36‬إلى إمكانية "السماح ألساتذة التعليم المدرسي المتدربين الذين‬
‫قضوا فترة التكوين ولم يتمكنوا من استيفاء جميع مصوغات التأهيل باستدراك الوحدات أو المواد التي‬
‫تعذر عليهم اإلستفادة من التأهيل فيها في السنة الموالية"‪ ،‬رغم أن التطبيق خالف وناقض القانون‪ ،‬إذ من‬
‫طرحت فكرة تقليص نفقات الموظفين العموميين‪ ،‬وال يتم ذلك إال عن‬ ‫أجل تقليص الديون على الدولة‪ُ ،‬‬
‫طريق تقليص عدد الموظفين‪ .‬لرسم جذري للخطة‪ ،‬قامت حكومة بنكيران بعدم إشعار الممت َحنين‬
‫وتعاملت معهم كطلبة وبذلك لم تقدم إليهم أرقام تأجيرهم‪ ،‬زيادة على هذا‪ ،‬قامت وزارة المالية بوقف‬
‫النفقة وجعلت مراكز التكوين تلعب دور الكفيل المالي‪ ،‬كل هذا واألساتذة في دار غفلون‪ ،‬وفي حالة عدم‬
‫‪.‬اكتمال الوحدات بأكملها‪ ،‬يعتبر األستاذ راسبا غير مؤهل للوظيفة‪ ،‬عكس ما جاء في الدستور‬
‫المضحك في ما يجري‪ ،‬هو المرسوم الموافق عليه من طرف الوزارة سنة ‪ ،2013‬والذي ينص على أن‬
‫النجاح في مركز التكوين الممت َحن يساوي النجاح في مباراة التوظيف‪ ،‬وانطالقا من هذا المنطق‪،‬‬
‫فامتحان ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين األول‪ ،‬لم يكن مباراة الوظيفة وإنما لولوج مركز‬
‫شهر ضمن التكوين لم يكن الممت َحن سوى طالب والنجاح الثاني ما سيقرر‪ ،‬هذا ‪2‬التكوين‪ ،‬إذن فمدة ‪1‬‬
‫‪.‬المرسوم ال يزال مشرعا‪ ،‬يناقض الدستور وهو ما يثبت ازدواجية القانون‬
‫المثير في لب الموضوع‪ ،‬هو قرار المرسومين‪ ،‬ففي ‪ 23‬يوليوز ‪ ،2015‬تمت المصادقة على‬
‫المرسومين باسم المجلس الحكومي‪ ،‬ففي المرسومين ‪2.15.588 ،2.15.589‬‬
‫ينص أولهما على واقعة ازدواجية ثالثية‪ ،‬إذ بالرغم من النجاح الكلي في مركز التكوين‪ ،‬تظل أمام‬
‫الممت َحن مباراة أخرى للتوظيف وكأن المرسوم لسنة ‪ 2013‬مخالَف في أمره أيضا‪ ،‬والمرسوم الثاني‬
‫يحذف قيمة األجرة إلى المنحة ويخفض من قيمتها من ‪ 2450‬درهم إلى ‪ 1200‬درهم‪ .‬لكن المثير في‬
‫األمر لم يكن في هذا وإنما المصادقة الرسمية‪ ،‬فباعتبار األشخاص العابرين إلى مراكز التكوين لسنة‬
‫‪ 2015‬فتاريخ مرورهم بامتحان الولوج هو بالتحديد يومي ‪ 12‬و ‪ 13‬من شهر شتنبر‪ ،‬لكن المرسومين‬
‫لم يتم نشرهم في الجريدة الرسمية حتى يوم ‪ 8‬من شهر أكتوبر‪ ،‬منطقيا فالقانون السابق الزال مفعال‬
‫على الممت َحنين‪ ،‬لكن الحكومة شملتهم ضمن الئحة القانون الجديد‪،‬أما ما ندد به الطرف المعارض من أن‬
‫األساتذة المتدربين أتتهم مذكرة تعلن عن أمر المنحة والتوظيف‪ ،‬لكن ما جهلوه هو أن المذكرة لم يكن لها‬
‫مستند قانوني وال وجود للمرسومين في الذكر‪ ،‬بكل بساطة ألن المرسومين لم يعلنا بعد وهذا ما يجعل‬
‫‪.‬منه سبب اإلحتجاج‬
‫ي‪ ،‬المطالب بحقه في حرية‬ ‫هي مؤشرات تضاف إلى سلسلة الجرائم المرتكبة في حق الشعب األب ّ‬
‫التعبير‪ ،‬هذا الملف المفجر لغضب الشعب كانت بداياته قبل ثالثة أشهر لكن لم يجد حال إال بعد النهضة‬
‫المتمثلة في شخص األساتذة ومن معهم من المتضامنين والمتضامنات‪ ،‬فبعد احتجاج طلبة الطب ضد‬
‫إجبارية العمل بعد التخرج في المناطق النائية‪ ،‬صادقت الحكومة على إزالة إجبارية العمل للمتدربين من‬
‫ع ْي الصحة والتعليم‪.‬‬
‫األساتذة‪ ،‬وكأن الدولة تريد إنهاء وجودها بتشريدها لعمادي األمم‪ ،‬أال وهما قطا َ‬
‫ومن يدعم قرارات الحكومة في حق هؤالء‪ ،‬فإني في تساؤل مستمر عن اإلحتماالت المتعددة لمصيرهم‬
‫إن لم يحتجوا‪ ،‬فجلّهم عرضة للبطالة والباقي للتهميش لعدم وجود ضمانات للعمل فأغلبهم إذن في غيابات‬
‫الموت البطيء‪ .‬والعجيب من كل ما يسري في البالد من سموم أياد المسؤولين‪ ،‬فالتراجع عن المرسومين‬
‫المشؤومين مستحيل الحدوث ولو كان على حساب دماء الشعب‪ .‬وما يؤكد هذا‪ ،‬هو تصريح مصطفى‬
‫الخلفي‪ ،‬الذي يأتي بإلزامية التمسك بالمنشورين وأشار بقوله أن المرسومين هما ضمن مخطط "اإلصالح‬
‫المهم" وكان مبرره‪ ،‬التمكن من توسيع دائرة المستفيدين من التكوين‪ .‬لكن الناطق باسم الحكومة لم‬
‫يستحضر سلبيات القرار والتي استهلت في الظهور في المراتب األولى‪ .‬لكن ما جاء على لسان آخرين‬
‫وعرى ما كان مستورا‪ ،‬الحكومة بكل بساطة تتملص من واجباتها تجاه التعليم العمومي بهذين‬ ‫َّ‬ ‫كان جليا‬
‫المرسومين وتريد من الخوصصة أن تغزوه غزوا شموليا‪ ،‬فقطاع الصحة قد أخذ هذا المنحى فنرى‬
‫رجال األعمال يستثمرون في المستشفيات وكأن أجساد الناس أصبحت ملكهم‪ ،‬يعالجونها باأللوفات وإن‬
‫شعروا بالخسارة‪ ،‬سحبوا أمالكهم وتركوا للشعب "الحصير"‪ ،‬فمرسومي التعليم ما هما إال وجهان آخران‬
‫من المخالفات القانونية للدستور وقانون الوظيفة العمومية‪ ،‬أما تقليص المنحة الشهرية‪ ،‬فلجعل األستاذ‬
‫المتدرب الحلقة األضعف في الصفقات المعمول بها‪ ،‬أما اللؤم في كل هذا فكان توقيت تطبيق‬ ‫ّ‬
‫المرسومين‪ ،‬إذ تزامن مباشرة وبشكل ملحوظ مع نجاح األساتذة في المباراة‪ ،‬أبعد كل هاته الحقائق‪ ،‬ال‬
‫تبررون بعدم وجود رخصة اإلحتجاج؟‬ ‫!زلتم ّ‬
‫أما عن مسيرة الكرامة السلمية‪ ،‬فقد جاء توقيفها من أوامر عليا لتفريق شتات غضبهم وخطتهم‪ ،‬فأمروا‬
‫العسكر والدفاع المدني بمنع الناس من السفر إن كانت وجهتهم الرباط وذلك تحسبا لوقف هذه "المهزلة"‬
‫كما ظنوا‪ .‬لكن رغم مضايقات الحكومة وتراهات المسؤولين لم تكن سوى سببا في إشعال نار الحمية‬
‫‪.‬والوطنية الحقة‪ ،‬ال وطنية الخطابات واأللحان‬
‫وطنية أخرجت من رحمها أزيد من ألفي أستاذ متدرب وسلميتها فرضت فرضا تاما على الطرف اآلخر‬
‫إلبقاء عصاهم ضمن سراويلهم وإغالق أفواههم ألن العلم غلب الجهالة‪ ،‬السلم انتصر على الهمجية‬
‫‪.‬والحق قال كلمته‬
‫أما ما يأتي من مفهوم الدولة العميقة‪ ،‬فلم يكن أبدا من خير وال سالم‪ ،‬إنما هي األسرار والقرارات‬
‫المرسومة في ساحة اللعبة السياسية‪ .‬المشهد السياسي الملعوب به في إرساء الحجر الثقيل للدولة العميقة‪،‬‬
‫جعلت من الحكومة صورة تُنتقد من الشعب‪ِ ،‬ب ْركة السياسة الراكدة في البالد كانت ولقرون مديدة من‬
‫غم ُر هاته البركة بملفات طويلة المدى وعمقها بدماء ضحاياها جعلت مفهوم الدولة‬ ‫الدولة العميقة‪ْ ،‬‬
‫العميقة ساكنة لدى العديد من الدمى السياسية‪ ،‬لم يظل على انكشافها غير استرجاع سنوات الرصاص‬
‫التي سيطرت على المغرب في السنوات السابقة‪ ،‬كما نعلم أشد العلم أن االغتيالت السياسية كانت وسيلة‬
‫مبررة للدولة إلزالة العراقيل في إكمال مسيرتها نحو ترسيخ وضمان موضعها ضمن الدولة الموازية‪.‬‬
‫فأوال وأخيرا تمكن الشطط السياسي والجهالة اإلعالمية من إتالف عقول الماليين في الحفالت وقضايا‬
‫تجعل من الشعب مضغة سهلة في فم المستفيدين‪ ،‬أما ما ُر ّ ِوج له من أن المغرب العميق يهزم الدولة‬
‫‪...‬العميقة‪ ،‬فأصلح القول هو المغرب العميق ضمن خارطة الدولة العميقة‬

You might also like