Professional Documents
Culture Documents
1
الميتا-أخالق
حول الميتا-أخالق أو ما وراء األخالق ،الوجوب والكينونة وحجة السؤال المفتوح ،وإبستمولجيا األخالق ،وحول
الحرية والمسؤولية؛ نص رمتجم للـد .جيف ساير-ماكورد والمنشور عىل (موسوعة ستانفورد للفلسفة) .ننوه بأن
ا ر ر
والت قد تختلف قليًل عن النسخة الدارجة للمقالة،
ه للنسخة المؤرشفة يف الموسوعة عىل هذا الرابط ،ي التجمة ي
ّ
نخص ً
وختاما، األختة بعض التحديث أو التعديل من فينة ألخرى منذ تتمة هذه رالتجمة. ر حيث أنه قد يطرأ عىل
بالشكر محرري موسوعة ستانفورد ،وعىل رأسهم د .إدوارد زالتا ،عىل تعاونهم ،واعتمادهم رللتجمة ر
والنش عىل مجلة
حكمة.
1Sayre-McCord, Geoff, "Metaethics", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2014 Edition),
Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2014/entries/metaethics/>.
امليتا-أخالق أو "ماوراء األخالق" Metaethicsهي حماولة فهم االفرتاضات املسبقة وااللتزامات امليتافيزيقية
واإلبستمولوجية والسيمانطيقية والسيكولوجية اليت حيملها كل من التفكري والكالم واملمارسة األخالقية ،كما
تتضمن امليتا-أخالق يف حدودها جمموعة واسعة من األسئلة واإلشكاالت ،مثل السؤال هل األخالق مسألة
أذواق أكثر من كوهنا مسألة حقيقة؟ أو هل املعايري األخالقية نسبية حسب الثقافة؟ أو هل هناك حقائق
أخالقية أصال؟ وإن كانت هناك حقائق أخالقية ،فما مصدرها؟ و كيف تضع معيارا مناسبا لسلوكنا؟ و كيف
ترتبط احلقائق األخالقية ابحلقائق األخرى (كاليت عن السيكولوجيا أو السعادة أو األعراف اإلنسانية مثال)...؟
وإن كانت احلقائق األخالقية موجودة فكيف نعرفها؟ هذه األسئلة تقودان بطبيعة احلال إىل إشكاالت متعلّقة
مسوغات التزاماتنا األخالقية .تبحث امليتا- االدعاءات األخالقية وأخرى متعلّقة ابحلقيقة األخالقية و ّمبعىن ّ
ومسوغات الفعل والدافع اإلنساين ،إذ تسأل كيف تعطينا املعايري األخالقيةأخالق كذلك يف العالقة بني القيم ّ
مسوغات للفعل أو االمتناع حسب ما أتمر أو تنهى ،وتعاجل أيضا كثريا من القضااي املتعلقة بطبيعة احلرية ّ
i
وأمهيتها (أو عدم أمهيتها) للمسؤولية األخالقية.
.1مالحظات عامة
.2معضلة "يوثيفرو"
.5إبستمولوجيا األخالق
ِّّ
واملسوغات .6األخالقيّات والدوافع
.7احلريّة واملسؤولية
املصادر ●
مالحظات ●
.1مالحظات عامة
إن جمموعة القضااي واإلشكاالت واألسئلة اليت تقع ضمن جمال امليتا-أخالق جتريديّة دائما ،فهي تعكس حماولة
امليتا-أخالق أخذ خطوة إىل الوراء من النقاشات الواقعية احملددة داخل األخالق لتسأل عن اآلراء واالفرتاضات
وااللتزامات اليت يشرتك فيها من يدخلون هذه النقاشات .بشكل عام ،إ ّن القضااي امليتا-أخالقية اليت تظهر
معني من القضااي األخالقية احملددة اليت
كنتيجة لعملية اخلطو إىل الوراء هذه ميكن معاجلتها دون ّاّتاذ موقف ّ
بدأت منها العملية .لقد بدا للكثريين يف احلقيقة أ ّن امليتا-أخالق تق ّدم خلفية حمايدة جيب وضع الرؤى
األخالقية املختلفة أمامها إن كانت لتُقيم بشكل صحيح .بعض املشتغلني ابمليتا-أخالق ذهبوا لدرجة القول
مؤدايت عملية ،iiوبشأن أي رؤية من الرؤى تتضمن افرتاضات أخالقية حمددة ومل يكن هلا أي ّ
إ ّن كتاابهتم مل ّ
اليت ما زال يُعرتف هبا كرؤية لوضع األخالق وطبيعتها ،فإ ّن قدرهتا على أن تكون حمايدة عمليًّا هي موضع
فإهنا
ومؤدايهتا العملية ّ
شك أ ّن امليتا-أخالق مهما كانت افرتاضاهتا األخالقية التحديدية ّ شك .ولكن ال ّ
تشتمل على النظر يف االفرتاضات املسبقة وااللتزامات اليت عند من يدخل يف التفكري والكالم واملمارسة
األخالقية ،فهي جتريديّة بعيدا عن أي أحكام أخالقية حمددة.
النظر يف هذه االفرتاضات وااللتزامات يكشف بسرعة إىل أي مدى ميكن جلوانب األخالق املختلفة أن تُعتَب
العقلي قد خشي كثريون أنه ال ميكن الدفاع عن االفرتاضات وااللتزاماتّ إشكاليّة عقليًّا وعمليًّا ،فعلى املستوى
اليت حتملها األخالق .جيادل البعض أب ّن األخالق خرافة ،وجيادل غريُهم أب ّن املبادئ املختلفة اليت يتم تقدميها
اخلاصة
كمعايري ذات سلطة شرعيّة للجميع هي يف الواقع جمرد تعبريات عن عواطف ،أو إسقاطات للمواقف ّ
مبن يدعون إىل تلك املبادئ ،وجيادل غريهم كذلك أب ّن األخالق ليست ما تزعمه وليس فيها ما يلزمها لتكون
هلا شرعيّة .أما على املستوى العملي فقد أشار كثريون إىل أنه من الصعب جعل الناس حيكمون على أنفسهم
وعلى غريهم إبنصاف ،و قد خشي غريهم أننا بينما لدينا مصلحة يف إقناع اآلخرين اباللتزام ابألخالق فإننا
أن ُف ُسنا اندرا ما يكون لدينا أي سبب لالتزام هبا ،فيما اعتقد آخرون أ ّن اإلنسان ال ميتلك احلرية ابلصورة اليت
تفرتضها األخالق.
ابلطبع إ ّن هذه التحفُّظات واحلجج جتد دائما ما يقابلها على الطرف اآلخر ،إذ هناك من يرى أ ّن األخالق
لنتبىن
-إن فُهمت بشكل صحيح -ليست خرافة ،و أ ّن مزاعمها ميكن الدفاع عنها ،وأ ّن لدينا سببا كافيا ّ
ونلّب مطالبها ،وأ ّن الناس أو على األقل بعضهم يف ظروف معيّنة ميتلكون احلريّة ابلصورة اليت تتطلّبها
األخالق ّ
األخالق.
أي من الطرفني أن تُدحض بسرعة أو بسهولة ،وكلها تعتمد ّأوال على حتديد ال ميكن ألي من احلجج على ّ
االفرتاضات وااللتزامات املخت لف عليها والدفاع عنها ،واثنيا على إثبات إمكانية أو عدم إمكانية الدفاع عنها.
لكن هناك الكثري
هم من حياة معظم الناس ،و ّ فهمنا جلزء م ّ
إن األمر الذي على احملك هنا هو -على األقلُ -
كذلك مما سيكون على احملك بقدر ما يتضح وجود شك يف االفرتاضات وااللتزامات اليت أيخذها الناس
فهمنا لذلك اجلزء من حياتنا فحسب ،بل ميكن إلحساسنا أبمهيته كمسلّمات ،وعندئذ لن يتعرض للتهديد ُ
أن يتالشى كذلك.
ابلرغم من طبيعة امليتا-أخالق التجريدية واجلدلية بشكل كبري ،فإ ّن مسائل اهتمامها الرئيسيّة تنشأ بشكل
طبيعي -ولرمبا بشكل حمتوم -عند نظر املرء بعني النقد يف قناعاته األخالقية ،فليس من املفاجأة أ ّن ّادعاء
تطور بسرعةبوليمارخوس - Polemarchusيف مجهورية أفالطون -عن كون عدالة املرء ُحت ّسن حياته قد ّ
إىل نقاش ميتا-أخالقي متاما عن مصدر العدالة وطبيعتها .يدافع تراسيماخوس Trasymachusعن فكرة
وإهنا قد صممها األغنياءأ ّن العدالة هي ما يصب يف مصلحة األقوى ،قائال إ ّن األخالق من صنع اإلنسان ّ
واألقوايء للتحكم ابلناس واستغالهلم ،فهو جيادل ّأهنا خرافة لضعفاء العقول ُوضعت ملصلحة القلّة ،و ّأهنا تفرض
سوغ تركه .يتابع غلوكون Glauconالنقاش يف الكتاب الثاين ببديل أقل عبئا على الناس لدى غالبهم ما ي ّ
تشاؤما ،فبينما يرى هو اآلخر أ ّن األخالق صنيعة بشرية ،يرى أهنا حل مفيد للمشاكل اجل ّدية اليت سنواججها
بغياب األخالق ،وجيادل أ ّن الناس بطبيعة احلال جيدون أنفسهم غري قادرين على أن يضمنوا نفاذ إرادهتم وهم
يتأثّرون إبرادة اآلخرين يف الوقت ذاته ،فهو يرى أ ّن مبادئ العدالة يضعها اجلميع بشكل معقول كطريقة جيّدة
لضمان السالم واالستقرار يف اجملتمع .سقراط Socratesيف املقابل يرفض الفكرة القائلة أب ّن العدالة اخرتاع
بشري ،وجيادل بدال من ذلك أب ّن العدالة توفّر معايري اثبتة ميكن من خالهلا احلكم على املمارسات واألعراف
ّ
مؤدايهتا لقيمة العدالة ،ولكن ابإلضافة إىل ذلك ،إ ّن قبول
والعادات اإلنسانية .قد يكون هلذه الرؤى املختلفة ّ
رؤية معيّنة لطبيعة العدالة سيتوافق مع جمموعة من الرؤى التحديديّة عن جوهر العدالة وعن قيمتها.
.2معضلة "يوثيفرو"
أي معيار يضعه ابلنسبة لكثريين يتناسب موقف سقراط مع مزاعم األخالق ،وهو يتناسب كذلك مع فكرة أ ّن ّ
اإلنسان فهو خاضع للنقد األخالقي .وابلطبع فإ ّن موقف سقراط يفتح الباب جملموعة من اإلشكاالت املتعلّقة
بطبيعة تلك املعايري املتعالية ،فما مصدرها؟ ومن أين تستم ّد شرعيّتها؟
اعتقد كثريون أ ّن اإلجاابت الصحيحة على هذه األسئلة تكمن يف االحتكام إىل اإلله ،فاملبادئ األخالقية
لكن هذا ينقل
بتصورهم هي تعبري عن إرادة اإلله ،أي هي أوامره لنا ،وهي تستم ّد شرعيتها من مصدرها .و ّ ّ
اإلشكاالت خطوة إىل الوراء فقط ،فإ ّن أي مشكلة جيدها املرء يف قبول فكرة املعايري املتعالية سيعود ليجدها
يف تقبّل فكرة كائن متعال يصدر أوامر ،وكما أ ّكد أفالطون Platoيف حواره "يوثيفرو" ،Euthyphro
فإ ّن املرء سيجد أنّه من الصعب إثبات شرعية أوامر اإلله.
يبني
إحدى اإلجاابت املعقولة قد تكون أ ّن معرفة اإلله الكاملة ابلصواب واخلطأ أو كماله األخالقي هو نفسه ّ
مستقل
ّ لكن هذه اإلجابة تفرتض أن معايري األخالق موجودة بشكل ملاذا تكون أوامره شرعيّة كمعايري لنا ،و ّ
عن إرادة اإلله (إما كأشياء يعرفها أو كمعايري يُعتَب هو وفقها كامال أخالقيًّا) ،ويف هذه احلالة فإ ّن احلديث
يبني مصدر هذه املعايري املستقلة أو طبيعتها.عن األخالق على أهنا أوامر لإلله لن ّ
ميكن للمرء بدال من ذلك ان يتجنّب االحتكام إىل معرفة اإلله أو خرييّته ،وي ّدعي أن ليس هناك معيار مستقل
لكن ذلك يرتك اجملال إلشكالية متعلقة بشرعيّة املبادئ األخالقية ،فإذا رفضنا الفكرة
إلرادة اإلله وطبيعته ،و ّ
خري بشكل كامل ،فإنّه
القائلة أب ّن أوامر اإلله تعكس معرفته ابلصواب واخلطأ ،ورفضنا كذلك فكرة أ ّن اإلله ّ
iii
أي شرعية خاصة.
يبدو ملن املعقول أن نتسائل ملاذا تكون ألوامره ُّ
ميكن هنا اإلشارة إىل قوة اإلله وقدرته على العقاب أو إىل دوره يف اخللق ،ولكن ال يبدو أ ّن ًّأاي من هذين
يؤسسللقوة الالزمة لفرض أوامره ال ّ
عام فإ ّن امتالك أحد ّ ليؤسس شرعيّة صحيحة ،وبشكل ّ االعتبارين يكفي ّ
جمرد خلق شيء ال يثبت لشرعيّة هذه األوامر وال ينتج عنه أ ّن لديه احلق يف معاقبة من خيالفوهنا ،وابملثل فإ ّن ّ
خلالقه صالحية التحكم املطلق به .ابلطبع تبقى هناك مساحة للقول إ ّن يف أوامر اإلله شيئا خمتلفا جيعل أوامره
تصور يبني هذا الشيء املختلف ،ويف هذا السياق فإنّه جيب أن شرعيّة بشكل فريد ،وهذا القول حيتاج إىل ُّ
تصورا يبني كيف تكون ألوامر اإلله شرعيّةٌ خبالف األوامر اليت قد يصدرها غريه .ابإلضافة إىل ذلك، يكون ُّ
سيحل اإلشكالية امليتا-أخالقية اليت يطرحها حوار يوثيفرو ،فإ ّن اإلجابة جيب أن ّ إن كان االحتكام إىل اإلله
ال تستند هي نفسها إىل املعايري املتعالية أو تفرتضها مسبٌقا.
بيد أ ّن الرؤى العرفية conventionalistكرؤية غلوكون تواجه صعوابت حقيقية يف التوافق مع الفكرة
الشائعة القائلة إ ّن املبادئ األساسية لألخالق هي مبادئ كونيّة ،فاألعراف يف هناية األمر هي صنائع مشروطة
ّتتلف من مكان إىل مكان ،وهي تدخل وّترج من حيّز الوجود ،وكذلك يبدو أ ّن األعراف عرضةٌ لالعتباطبية
ًّ
مستقال عن مبا ميكن أن يُضعف ّادعاءها للشرعية ما مل يُنظر إليها (ضمنيًّا على االقل) على أهنا حت ّقق معيارا
مسوغا لتلبيتها ّإال عندما يكون هذا العرف نفسه عادال أو األعراف .يبدو أ ّن مطالب عُرف ما ال تعطي ّ
معقوال أو خريا بشكل ما ،وهذا يشري إىل أ ّن القواعد واملعايري األخالقية احملددة مهما كانت انجتة عن العُرف
فإ ّن ّادعاءها للشرعيّة يعتمد على معايري ال تنتج عن العُرف.
ابلتأكيد ليست هذه االعتبارات حامسة ،وأولئك الذين يرون األخالق كنوع من العُرف لديهم طرق معقولة
ملعاجلة التح ّفظات املذكورة ،وبذلك تبقى لتلك الرؤية جاذبيّتها .مع ذلك إ ّن الكثريين –حىت ممّن يرون االحتكام
تصور الصحيح عن األخالق ال ميكن أن يكون مسألة إىل العُرف ضرورًّاي لفهم األخالق -يعنقدون أ ّن ال ُّ
iv
أمور
تَبر مطالب األعراف أو بعضها هي ُ لكن ذلك ال يعين أهنم يرون أ ّن املعايري اليت ّ
أعراف ابل ُكلّيّة ،و ّ
يَبر مطالبه ،هو مسامهته يف السعادة العامة، خريا ،وبذلك ّمبهمة ،فبعضهم مثال يقول أب ّن ما جيعل عرفا ما ّ
بينما يرى غريهم أ ّن مقياس تقييم األعراف هو يف قدرهتا على تعزيز مصاحل ُك ّل شخص على حدة ،ويرى
آخرون أ ّن قيمة األعراف هي يف قدرهتا على ضمان قبول من ينظرون إليها إبنصاف .يف كل هذه التص ُّورات
يصور القيمة بشكلتكون القيمة مستقلّة عن العرف ،ولكنّها مع ذلك ليست مبهمة ميتافيزيقيّا ،ف ُكلٌّ منها ّ
تصورات سيكون من وطبيعي متاما من العامل .كذلك ابلرغم من أنّه بناء على هذه ال ُّ ّ أساسي كجزء مألوفّ
االدعاءات جدليّة ،فإنّه مع ذلك لن تكون هناك الصعب أتسيس ّادعاءات معيّنة عن القيمة وستكون هذه ّ
إشكاليّةٌ يف ما حناول اكتشافه أو يف ما سنعتَبه دليال ذا صلة.
ابلرغم من ميزات الطبيعانية ،فإنّه يصعب عليها متثيل ما يعتَبه الناس طبيعة األخالق احلقيقية ،فعند القول إ ّن
شر أو من الفضيلة ،يبدو أننا نقول شيئا أكثر من (أو خمتلفا عن) ما كنا لنقوله إذا أردانشيئا ما هو خريٌ أو ٌّ
أي قدر من وصف الشيء من حيث امتالكه خصائص طبيعية معيّنة ،وابالتفاق مع ذلك فإنّه ال يبدو أ ّن ّ
أخالقي مسبق.
ّ البحث التجريّب ميكنه أن حيسم سؤاال أخالقيًّا وحده دون افرتاض
قارب جورج إدوارد مور ( G.E Mooreيف بداايت القرن العشرين) املسائل نفسها من انحية أخرى ،فقال
تصور طبيعاينّ عن األخالق أن يُنصف حقيقة ما نف ّكر فيه أو ن ّدعيه عندما نطلق أحكاما
ألي ُّ أبنّه ال ميكن ّ
vi
تصورات لطبيعة األخالق لفتا
أخالقيّة .كان يف ابل مور جمموعةٌ من الرؤى الطبيعانية اليت كانت أكثر ال ُّ
لالنتباه يف ذلك الوقت ،وبينما اختلفت هذه الرؤى فيما بينها على مكمن اخلري والصواب والفضيلة والعدل،
فإهنا مجيعها التزمت برؤية األخالق كظاهرة طبيعية ُكلّيًّا ورأت أ ّن األحكام األخالقية مسألة حتديد صفات
ّ
طبيعيّة معيّنة ألفعال أو تقاليد أو شخصيات .وفقا هلذه الرؤى ،فإ ّن اخلصائص األخالقية تتح ّدد خبصائص
طبيعية (مثل ما فيه ل ّذة ،أو ما يرضي الرغبة ،أو ما يتوافق مع قواعد اجتماعية معمول هبا).
تعرف اخلري ّإما ابلل ّذة أو بتحقيق الرغبة ،فإنّه قال إ ّن تلك الرؤى
إذ نظر مور بشكل خاص إىل الرؤى اليت ّ
اخلرية .وليدعم ّادعاءه فقد طرح مور اختبارا بسيطا،
ّتلط بني خاصية اخلري وخاصيّة أخرى قد متتلكها األشياء ّ
شخص يفهم املصطلحات ذات ٌ يعرف اخلري ابلل ّذة مثال ،وف ّكر ،إن كان هناك
تصورا ّ
أي تص ُّور تريدهُّ ،
خذ ّ
عما إذا كان هذا الشيء خريا؟ الصلة ويعرف أن شيئا معيّنا فيه ل ّذة ،فهل ميكن له بشكل معقول أن يسأل ّ
التشوش يف الفهم .على
أي نوع من النقص أو ّ يبدو أنّه يستطيع ذلك ،و يبدو كذلك أنّه بسؤاله هذا ال يُظه ُر ّ
ح ّد تعبري مور ،السؤال سؤ ٌال مفتوح حبق ،ولكن بذلك فإ ّن علينا التسليم أب ّن اعتبار شيء ما لذيذا ال يطابق
وإال فإ ّن التساؤل بشأن شيء لذيذ أهو خريٌ أم ال سيكون تساؤال ال معىن له ،متاما كالتساؤل اعتباره خرياّ ،
عما إذا كان لذيذا .ولكن إن كان اعتبار شيء ما خريا خمتلفا عن اعتباره لذيذا ،فإنّه جيببشأن شيء لذيذ ّ
هلذه التوصيفات أن تنسب خصائص خمتلفة عن بعضها.
لقد أشار مور بسرعة إىل أ ّن التسليم بكون السؤال مفتوحا ابملعىن الذي تفرتضه ُحجتُه ال يتعارض مع احتمال
اكتتشافنا أ ّن كل ما فيه ل ّذةٌ هو يف احلقيقة خريٌ كذلك .لقد كانت نقطة مور أ ّن السؤال ليس حمسوما (ليس
جمرد مسألة اعتباره لذيذا) .وأل ّن
مغلقا) من حيث املفهوم (بينما سيكون حمسوما لو أ ّن اعتبار شيء خريا كان ّ
تظل مفتوحة لكل الطروحات الطبيعانية املمكنة ،فقد جادل مور أبنّه ال ميكن الدفاع بشكل األسئلة املماثلة ّ
أي من تلك الطروحات كحقيقة نظريّة ،و ّأهنا كلها فشلت يف التمثيل الدقيق ملا نف ّكر فيه عندما
معقول عن ّ
نف ّكر يف كون شيء خريا.
لقد كان حلُجة مور أثر كبري ،إذ جعلت أغلب الناس يف ذلك الوقت يقطعون هبا ،وكنتيجة لذلك فقد أُعيد
تصورات
إحياءُ الالطبيعانية بعدد من الذين اشتغلوا يف امليتا-أخالق حماولني صياغة ومنهجة (والدفاع عن) ُّ
األخالق اليت قاومت إغراء تعريف اخلصائص األخالقية ابخلصائص الطبيعية .viiجاء كثري من االهتمام ممّن
يسمون ابلبدهيّني ،intuitionistsللدفاع عن الفكرة القائلة أب ّن املعرفة األخالقية مع ّأهنا ال ترتكز
أصبحوا ّ
على احلواس وعلى املعطيات التجريبية اليت جنمعها ،فهي ابلرغم من ذلك تقف راسخة مثل معرفتنا ابلرايضيات
مهما يف العلم .كثري من الكتاابت يف امليتا-أخالق تؤدي دورا ًّ
أو ابملفاهيم األساسية (كالسببية والضرورة) اليت ّ
سلكت طريق إجياد "رفقاء مماثلني يف الذنب" ،فحاولت أن تُظهر أ ّن اعتبار اخلصائص األخالقية الطبيعية
أي جمالومؤدايت ذلك ملا نفرتضه عن طبيعة الدليل األخالقي –إن ُوجد -ال جتعل األخالق أسوأ حاال من ّ ّ
معريف آخر.
ّ
عما نف ّكر فيه إىل طبيعة اخلصائص األخالقية اليت ننسبها إذ بيد أ ّن انتقال مور بتلك البساطة من ّادعاءات ّ
االدعاء األخالقي هو تعبري عن اعتقاد عن الواقعنف ّكر يف ذلك ،ق ّدم نقطة مقاومة مهمة ،فكما رأى مور فإ ّن ّ
(قد يكون صحيحا أو خاطئا) من نوع فريد ،وهو ابلتحديد تعبري عن االعتقاد أب ّن سلوكا ما أو تقليدا أو مسة
شخصيّة حتمل خاصية كوهنا صوااب أو خريا أو فضيلة .يكمن التحدي (كما افرتض مور) يف أن جند ما هي
اخلاصية اليت نراها يف شيء عندما نعتَبه صوااب أو خريا أو فضيلة ،ورأى مور أ ّن املكان املناسب للبحث هو
يف مضمون اعتقاداتنا.
ابلنسبة لكثريين ،بينما يثبت سؤال مور املفتوح open question argumentابلفعل أ ّن التفكري
األخالقي فري ٌد وأنّه ال يُفرتض التعامل معه كجزء أو قسم من التفكري يف غري املسائل األخالقية ،فإ ّن مور كان
خمطئا يف اعتباره أ ّن الفرق املهم هو يف طبيعة اخلصائص اليت نعتَب األشياء حتملها .ابلنسبة لبعض هؤالء
الناقدين ،يكمن خطأ مور يف ظنّه أننا ننسب خصائص أصال عندما نرى شيئا صوااب أو خريا أو فضيال،
viii
وابلنسبة لغريهم فإ ّن خطأه يكمن يف ظنّه أ ّن كيفية رؤيتنا خلاصية تكشف طبيعتها احلقيقية.
حجة السؤال املفتوح ،بفالسفة يقولون إنّنا يف النفكري األخالقي رمبا ظهر أول خط من النقد بُعيد تقدمي مور ّ
ix
االدعاءات األخالقية تنسب خصائص أقروا أب ّن مور أخطأ يف اعتبار ّ أي خصائص أصال .بينما ّ ال ننسب ّ
طبيعية لألشياء ،يقول أتباع املدرسة الالمعرفية non-cognitivismإ ّن خطأ مور كان يف ظنّه أ ّن
أي نوع من اخلصائص لألشياء ،وبذلك فقد كان خمطئا أيضا يف اعتقاده أ ّن االدعاءات األخالقية تنسب ّ ّ
تعَب عن اعتقادات حقيقية .السؤال املفتوح مفتوح دائما (خَباي) و ّأهنا ّ
ًّ لالدعاءات األخالقية مضموان تقريرًّاي
ّ
على ح ّد قوهلم ،ال ألنّنا ننسب خاصيّة الطبيعية لألشياء عند وضع ّادعاء أخالقي ،بل ألنّنا ال ننسب أي
عَب عن اعتقاد ،و إّّنا نقوم بشيء خمتلف أي شيء حيتمل الصواب واخلطأ ،وال ن ّ خاصية أصال ،فنحن ال نقول ّ
تعَب األحكام األخالقيةالتصوراتّ ،
نعَب عن عاطفة ،أو ُّنلي أبمر .حبسب هذه ّ متاما؛ إنّنا نتّخذ موقفا ،أو ّ
عقلي الذي جيعلها حتتمل الصواب واخلطأ. عن موقف ما غري االعتقاد ،و تفتقد إىل املضمون ال ّ
االدعاءات األخالقية و.2 وجه الالمعرفيون أنظارهم منذ البداية إىل .1املواقف غري املعرفية اليت يُعَبُ عنها يف ّ
ّ
فإهنم يش ّددون على أ ّن العبارات ما يقوم به الناس يف وضعهم ّادعاءات أخالقية .عند الرتكيز على األوىلّ ،
األخالقية ال أتخذ معناها من ارتباطها ابعتقادات ملا عليه العامل ،بل من ارتباطها مبواقف غري معرفية ،كردود
تصور ل"معىن" العبارات الفعل ممّا عليه العامل أو كرغبات ملا ميكن أن يكون عليه العامل مثال .يف تقدمي ُّ
األخالقية ،يكمن اهتمامهم يف االرتباط املتعارف عليه هلذه العبارات مبواقف معيّنة( .ميكن للناس ابلتأكيد أن
لكن فهم العبارة هو مسألةُ استصالح للعبارة يستخدموا عبارة أخالقية دون أن يتخذوا املوقف املرتبط هبا ،و ّ
لغواي للتعبري عن املوقف)ّ .أما عند الرتكيز على الثانية ،فإ ّن الالمعرفيّني يشددون على دور اللغة أبهنا مناسبة ًّ
ّ
وينصب اهتمامهم يف كون الناس إذ ي ّدعون أن شيئا ما خطأٌ أخالقيًّا، ّ األخالقية كأداة للتأثري على اآلخرين،
يعَبون ابستمرار عن معارضتهم له وحسب ،بل يطلبون من غريهم ّأال يفعلوه كذلك ،أو حياولون إقناعهم ال ّ
ابالمتناع عنه ،أو حياولون بطريقة ما توجيه أفعاهلم .تسري الفكراتن بطبيعة احلال جنبا إىل جنب ،فإن كانت
األوىل صائبة فإ ّن ذلك سيساعد على تفسري سبب قدرة الناس على استخدام اللغة األخالقية وقيامهم بذلك
ابلطريقة اليت تتحدث عنها الفكرة الثانية .ولكن ميكن فصل الفكرتني ،ويرى الكثريون أ ّن الفكرة التعبرييّة (تبعا
لب املسألة ،بينما يرون أ ّن الرتكيز على تعززها األوىل هي يف ّ للمذهب التعبريي )expressivismاليت ّ
التوجيهي أو اإلمالئي (إمالء األوامر) للّغة األخالقية هو أمر اثنوي يف أحسن األحوال.
ّ االستخدام
بغض النظر عن التفاصيل ،يتفق الالمعرفيون على الفكرة القائلة أبنّه ميكن للمرء أن يسلّم بل ّذة شيء ما ،أو
بكونه موضوع رغبة ،أو أبنّه يتوافق مع قاعدة معمول هبا ،وال يتخذ املرء مع ذلك موقفا جتاهه ،أو ال تكون
مفتوح
أي اهتمام يف إمالء أمر متعلّق به .برأيهم ،إ ّن السؤال املفتوح ٌلديه عاطفة معيّنة جتاهه ،أو ال يكون لديه ّ
جمرد االعتقاد ابتّصافه خبصائص
أخالقي كلها تتضمن شيئا أكثر من ّ ّ كم
يعَب عنها ُح ٌ
حتديدا أل ّن املواقف اليت ّ
الالمعريف مع التسليم مبا ّادعاه هيوم من فجوة بني
ّ معيّنة (أكانت طبيعية أم ال) .ويف الوقت ذاته ،يتفق الطرح
منطقي يف عدم اّتاذه موقفا
ٌّ ض
تعار ٌ
الكينونة والوجوب ،فمهما كان ما يراه املرء كحقائق كينونة ،ال يوجد ُ
متّصال هبا ،أو عدم التعبري عن عاطفة جتاهها ،أو عدم إمالء امر متعلّق هبا ،فليست هناك عالقةُ ضرورة أو
تالزم بني اعتقاداتنا واملواقف األخرى اليت قد نش ّكلها.
ابلتأكيد إن الالمعرفيني حباجة ألن يبيّنوا مل يبدو من املعقول إىل درجة كبرية أن نرى األحكام األخالقية
وهم حباجة كذلك ألن كتعبريات عن االعتقادات وكمسألة نسب خصائص لألفعال والتقاليد والشحصياتُ ،
يبيّنوا مل يبدو التفكري األخالقي خاضعا لقواعد املنطق بشكل مناسب ،يف حني أ ّن املواقف املختلفة اليت هلا
صورات الالمعرفية تبدو خارج هذا النطاق .يف مواجهة التحدي ،وحتت راية "شبه الواقعية" ئيسي يف الت ُّ
دور ر ّ
،quasi-realismجعلت بعض الصور اجلديدة من التعبريية مشروعها الرئيس هو أن يبيّنوا على أُ ُسس
المعرفية كيف و مل تبدو على اللغة األخالقية مسات املعرفية والواقعية ) .(cognitivist and realistتبدأ
هذه الرؤى بتخيُّل العامل خاليا من اخلصائص األخالقية ومن أانس يعتقدون ابخلصائص األخالقية (ولكن
بيعي ومتناسب ممارسةٌ من التفكري والكالم ني كيف ميكن أن تنشأ بشكل ط ّ عندهم اعتقادات أخرى) ،مثّ تُب ّ ُ
عن اخلصائص األخالقية واالعتقادات األخالقية واحلقائق األخالقية العقلية والواقعية .الفكرة الرئيسة هي أنّنا
ميكن أن نرى تفكريان وكالمنا األخالقيّني يف األساس مسألة تعبري عن مواقفنا والتزاماتنا العاطفية مبا ميكن له
أن يُنتج كالما وتفكريا معقولني يف تلك اخلصائص واالعتقادات واحلقائق العقلية والواقعية .هناك خطواتن
حتميان هذه الفكرة ،أُوالمها االعتقاد أب ّن الكالم عن اخلصائص واالعتقادات واحلقائق العقلية والواقعية أييت
أي التزام إضايف يف قوله "للكذب حبق أ ّن "الكذب خطأ" ،فإنّه لن يكون هناك ّ بسهولة ،فحني يعتقد املرء ّ
صحيح أ ّن الكذب خطأ" أو "إ ّن كون الكذب خطأ ٌ خاصيّةُ كونه خطأ" أو "أعتقد أ ّن الكذب خطأ" أو "
جمرد طرق خمتلفة لقول الشيء ذاته ،وإن كان قول "الكذب خطأ" مسألة تعبري هو حقيقةٌ" .كل هذه يف الواقع ّ
عن موقف أو التزام فكذلك هذه الطرق البديلة لقول الشيء ذاته .أما اخلطوة الثانية اليت حتمي شبه الواقعية
تقييمي ميكن احلكم عليه يف ضوء ّ فهي أ ّن السؤال عن معقوليّة اخلطاب املعريف والواقعي هو يف نفسه سؤال
مواقف املرء والتزاماته .حبسب هذه الرؤية ،ال يوجد معيار مستقل ل"مطابقة العامل" ميكن اختياره دون ان
x
يكون املرء ابختياره له يُع َّبُ عن مواقفه والتزاماته.
ف
يواجه املعرفيون والالمعرفيون حت ّداي مشرتكأ ،أأل وهو توصيف طبيعة التفكري والكالم األخالقيّني مبا يُنص ُ
طبيعتهما املميزة دون أن ينسى إدراك الصور املهمة التصاهلما مع التفكري والكالم غري األخالقيّني .يسهل
األخالقي وبني غري األخالقي ،ولكنها تواجه
ّ نسبيًّا على املعرفيّة أن تستوعب االتصالية بني التفكري والكالم
خاصة عند اجلمع بينها (املعرفية) وبني
حت ّداي حقيقيًّا يف متثيل الطبيعة املميزة للتفكري والكالم األخالقيّنيّ ،
الطبيعانيةّ ،أما الالمعرفية فال جتد صعوبة يف استيعاب الطبيعة املميزة للتفكري والكالم األخالقيّني ،ولكنها جتد
صعوبة يف استيعاب االتصالية.
إ ّن األمر الذي كان دوما جاذاب يف الطبيعانية مور هو قدرهتا على اجلمع بني االتصالية واالفرتاق يف صورة
متماسكة منطقيًّا .هناك متّسع على األقل لتبيني اتصالية التفكري األخالقي مع غريه من التفكري من خالل
ال كذلك التأكيد على أنّه كله مسألة نسب خصائص لألشياء (وإن كانت خصائص خمتلفة النوع) ،وهناك جم ٌ
لتحديد كون الطبيعة املميزة للتفكري األخالقي هي يف الشرعيّة امل ّدعاة للخصائص اليت يتم نسبها .ابلتأكيد إ ّن
تصور ،ومور نفسه يف احلقيقة ال يق ّدم الكثري من حيث تبيني تصور ليس هو تقدمي ُّ ترك اجملال الستيعاب ُّ
أي حال ،إ ّن األمر الذي كان دوما مشكلة الشرعية املعيارية (كما متكن تسميتها) للخصائص األخالقية .على ّ
يف طرح مور هو أ ّن الصورة املتّسقة اليت تنشأ منه تفرتض مسبقأ ( )iوجود خصائص مشكوك فيها ميتافيزيقيًّا
أي شيء عنها تقع خارج العالقة السببية ،وبذلك فإنّه ( )iiسيكون من الغامض متاما كيف ميكن أن نعرف ّ
اتمة (أي عن هذه اخلصائص إن كانت موجودة) .حياول مور والبدهيّون الذين جاؤوا بعده معاجلة هذه بثقة ّ
التح ّفظات بطرق خمتلفةّ ،أما أتباع نظرية الغلط error theoryيف املقابل فريون أ ّن الصورة املتّسقة اليت
تصور الصحيح ملا يتضمنّه التفكري والكالم األخالقيّني ،ولكنّهم جيادلون
األقل -ال ُّ
رمسها مور هي -تقريبا على ّ
حبق ،ويقولون أب ّن لدينا
ف معقوليّتها ّ املؤدايت امليتافيزيقية واإلبستمولوجية اإلشكاليّة لتلك الصورة تُضع ُ
أب ّن ّ
xii
األخالقي.
ّ أسبااب مقنعة لرفض االفرتاضات املسبقة للتفكري
ابلتصورات اليت
ّ األخالقي هو نظري موقف امللحد فيما يتعلّق
ّ إ ّن موقف أتباع نظرية الغلط فيما يتعلّق ابلتفكري
تتضمن سوء فهم أو افرتاضاوحكمه ،فالنقطة يف كلتا احلالتني هي أ ّن األفكار يف املوضوع ّ عن إرادة اإلله ُ
مسبقا ابطال ،و ّأهنا لذلك ال ميكن أن تكون صائبة .جدير ابلذكر أ ّن موقف من يتبع نظرية الغلط يتطلّب
األخالقي فعال االفرتاضات اليت يشري إليها أتباع نظرية
ّ إثبات ّادعائني واجها ُمعاكسةّ ،أوهلما أ ّن للتفكري
الغلط ،واثنيهما أ ّن هذه االفرتاضات هي كما يقول أتباع نظرية الغلط ،ال ميكن الدفاع عنها عقالنيًّا .ولكن
األخالقي فإ ّن عليه البيّنة ليثبت أ ّن افرتاضات
ّ أي أحد أيمل أن يدافع عن التفكري يف الوقت ذاته فإن كان ّ
ومؤدايته ميكن يف هناية األمر الدفاع عنها.
األخالقي ّ
ّ التفكري
.5إبستمولوجيا األخالق
سوغ جمموعة أحكام أخالقية معيّنة بدل يبني كيف ميكن أن ن ّأي شخص يبتغي دفاعا مثل ذلك أن ّ حيتاج ّ
غريها .فيما يتعلّق ابألخالق ،ما الذي يُعتَبُ أساسا كافيا لألخذ برأي دون اآلخر؟ وما نوع الدليل الذي ميكن
أي دليل حيتكم إىل اعتبارات غري قيميّة فقط أن يوجد؟ إن كان هيوم ومور حم ّقني ،فإنّه ال ميكن أن يكفي ُّ
( ّإال إن افرتضنا بشكل مسبق مبدأ استدالل يربط املق ّدمات غري األخالقيّة ابلنتائج األخالقية) .ولكن إن كان
علينا أن نستند إىل مق ّدمات أو مبادئ قيميّة للوصول إىل استنتاجات أخالقيّة حم ّددة من مق ّدمات غري أخالقيّة
(مثل مق ّدمات غري أخالقيّة حيال أثر فعل على الل ّذة أو على حتقيق املصاحل اإلنسانية) ،فإ ّن السؤال يظهر،
نسوغ املق ّدمات واملبادئ االخالقية؟"
"كيف ميكن لنا أن ّ
اقرتحت إحدى اإلجاابت أنّه على مستوى مناسب من التجريد هناك مق ّدمات ومبادئ يوافق اجلميع عليها
لكن ّادعاءات
سيءٌ" أو "جيب أن يُعامل اجلميع بتساو" ،و ّخاطئ" أو "األمل ّ
ٌ يف الواقع ،رّمبا يكون منها" :القتل
كهذه ابلطبع ال تق ّدم الكثري ،فهناك أسئلةٌ تطرأ مباشرة ،فمىت يكون القتل جرمية؟ وكيف جتب مقارنة اآلالم
كادعاءات يتفق عليها
االدعاءات األخالقية اليت تُقد ُم ّ
املختلفة؟ و ما الذي يُعتَبُ معاملة للناس ابلتساوي؟ إ ّن ّ
ألي منها أن يكون حم ّددا مبا يكفي الستقراران على رأي دون اآلخر بكونه
اجلميع أو الغالبية العظمى ،ال ميكن ّ
مسوغا أكثر.
يف ضوء ذلك ميكن للمرء أن يق ّدم مبدأ أكثر حتديدا ،ال كمبدأ يتّفق عليه اجلميع بل كمبدأ يلتزم به اجلميع
غين املضمون ليكونيف احلقيقة (وإن كانوا قد ال يدركون ذلك) .تفتح هذه الطريقة إمكانيّة اإلشارة إىل مبدأ ّ
مسوغا ابلفعل
لكن ذلك يتطلّب إثبات كون ذلك املبدأ ّ املسوغ لألحكام األخالقية االخرى ،و ّ هو األساس ّ
االدعاء
يَبر ّض ان يدعمها .كذلك جيب على من ينتهج هذا الطريق أن ّ لألحكام األخالقية احمل ّددة اليت يُفرت ُ
الشك أب ّن ّادعاء وجود مبادئ يلتزم هبا اجلميع
القائل أب ّن الناس يف احلقيقة ملتزمون ابملبدأ أصال ،وهذا يثري ّ
إّّنا ينقل اإلشكال األصل وال يواجهه فعليًّا.
أي حال ،حىت وإن كانت هناك مبادئ حم ّددة إىل درجة مناسبة يلتزم هبا الناس ،وكان ميكن إثبات ذلك، على ّ
سوغ أحكاما أخالقيّة أكثر حتديدا ،فإنّه
وحىت إن كان ميكن إثبات أ ّن تلك املبادئ (إن كانت صحيحة) ت ّ
ميكن للمرء بشكل معقول أن يتساءل عن حالة البناء الناتج؛ مل ال نراها قلعة يف السماء ،بناء بال أساس
صحته أو صوابيّته.
كاف؟ يف هناية األمر إ ّن كوننا نقبل مببدأ ما أو نلتزم بقبوله يبدو بعيدا عن إثبات ّ
يبدو أ ّن أحكامنا االخالقيّة (سواء عن حاالت معيّنة أم عن مبادئ عامة) منفصلةٌ بطريقة ُمشكلة عن مصادران
نشم القيمة أو الصواب
املعتادة لألدلّة فيما يتعلّق بطبيعة العامل .ال نستطيع أن نرى أو نلمس أو نذوق أو ّ
نشم بعض األشياء اليت حتمل قيمة أو هي صائبةُ
نتذوق أو ّ (األخالقي) أو الفضيلة ،وإن كنّا نرى أو نلمس أو ّ
ّ
أو ُجت ّس ُد فضيلة .كيف نعرف إذا عن القيمة والصواب والفضيلة ذواهتم؟ ما هو األساس الذي عليه نعتقد أ ّن
أحكامنا األخالقيّة املتع ّددة ترتبط بطريقة مناسبة مع ما حت ُك ُم عليه؟
ابلتأكيد ليست األحكام األخالقيّة األحكام الوحيدة اليت تواجه حت ّداي كهذا ،فكذلك تواجه كثريٌ من األحكام
الرايضية والصوريّة والدينيّة حت ّداي مماثال ،فكلّها كما يبدو تتعلّق مبوضوعات غامضة أبشكال ع ّدة ،وغري حمسوسة
بشكل مباشر ،وذلك يش ّكل وجود بعض الرفقاء يف الذنب ،ولكنّه كذلك يعطي أمال يف أنّه إن كانت هناك
تبني كيف أنّنا ميكن (أو ال ميكن) أن نعرف عن األعداد أو االحتماالت أو الضرورة أو اإلله، ات معقولةٌ ّتصور ٌ
ُّ
فإهنا ستفيد يف استبصار األدلّة اليت ميكننا أن نصل إليها (إن ُوجد) فيما يتعلّق ابألخالق.ّ
جيدر التأكيد على أ ّن النظرايت الوصفيّة positive theoriesإلبستمولوجيا األخالق مرتبطة ال حمالة
التصورات .حسب بعض ُّ األخالقي وابالفرتاضات وااللتزامات امليتافيزيقية لتلك
ّ بتصورات طبيعة احلكم
ّ
الطروحات ،ليس هناك شيءٌ لنعرفه وليست هناك حاجةٌ لنظرية إبستمولوجية أصال ،وحسب أخرى فإن كان
فهم لالحكام االخالقية بشكل صحيح ،فإنّه سيظه ُر أ ّن تسويغها هو كمثل تسويغ األحكام األخرى هناك ٌ
اليت لدينا (أو أنمل أن تكون لدينا) إبستمولوجيا معقولة هلا ،فتكون إبستمولوجيا األخالق يف اتّصالية مع
النظرايت اإلبستمولوجيّة للمجاالت االخرى .وابلنسبة لطروحات أخرى ،تتطلّب األحكام االخالقيّة نظرية
التوصل إىل معرفة أخالقية .ومهما يكن ما خنتاره من هذه الطروحات، إبستمولوجيّة فريدة تفهم قدرتنا على ّ
مؤداها أن ال يوجد شيءٌ لنعرفه ال
حقيقي ،ويف احلالة األوىل اليت ّ
ّ ت لُوح الشكوكيّة اإلبستمولوجية كاحتمال
يطور نظرية
حتمي .وحىت إن استطاع املرء أن ّ ّ تلوح الشكوكيّة skepticismفحسب ،بل تنتج بشكل
وصفيّة إلبستمولوجيا األخالق تكون حبسبها املعرفة األخالقية ممكنة ،فإنّه سيبقى صعبا التح ّدي إلثبات أنّه
مت التوصل إىل معرفة.
يف الوقت ذاته يبدو أ ّن جزءا كبريا من األخالق مسألة معرفة كيفية ،أي كيف نستجيب حلاجة اآلخرين ،أو
أساسي مسألة معرفة أ ّن
ّ نتصرف قي احلاالت املختلفة ،وليس بشكل كيف نستجيب للتهديدات ،أو كيف ّ
شك إ ّن الرتكيز على "معرفة كيف" بدال من "معرفة أ ّن" ال يعاجل الشكوكيّة جتاه
شيئا ما هو الواقع .بال ّ
لكن االهتمام بسؤال إىل
االدعاءات اليت ميكن ان نق ّدمها عن معرفة الكيفيات أيّها يكون ُمعتَبا أخالقيًّا ،و ّ
ّ
أمر
أي درجة يُعتَبُ الناس أخالقيّني (أو الأخالقيّني) حبسب سلوكهم ال حبسب ما ي ّدعون أو يعتقدون هو ٌ ّ
أي تص ُّور معقول للمعرفة األخالقيّة.
مهم لفهم طبيعة األخالق وما جيب أن يغطّيه ُّ
ٌّ
واملسوغات
ّ .6األخالقيّات والدوافع
أخالقي
ّ يتّفق اجلميع على أ ّن من السمات اليت متيز األخالق صلتها القريبة ابألفعال .مثال عند إطالق حكم
للتصرف بطريقة معيّنة أو التّباع حال
يبدو أنّنا نق ّدم ّادعاء لو كان صحيحا فإنّه يعطي ألحد ما سببا كافيا ّ
فاالدعاء أب ّن شيئا
االدعاءات املتعلّقة ابللون مثالّ ،
االدعاءات األخالقية و ّمهما بني ّ
معني ،وهذا يش ّكل فرقا ًّّ
معني ّإال
لتصرف بطريقة معيّنة أو اتّباع حال ّ
ما أمحر وإن كان صحيحا ال يرتبط إبعطاء أحد سببا يوجب ا ّ
يروج له
مسوغٌ لكي ّاألقل ّ
معني خريا أخالقيًّا فيبدو أ ّن اجلميع لديه على ّ
بشكل مشروط ،بينما إن كان شيءٌ ّ ٌ
يظل
سوغ أو جتاهله ،ول ّكنه ُّأو يتبعه أو حيميه أو حيرتمه ،إن كان يدرك أنّه خري على األقل (قد ميكن رفض امل ّ
مسوغا) .وقد اعتقد كثريون أ ّن ُحكم املرء على شيء أبنّه خري (أكان حمقًّا أم مل يكن) يعين وجود دافع عنده
ّ
يظل دافعا).
للدعوة إليه أو اتّباعه أو محايته او احرتامه (ميكن رفض الدافع كذلك أو جتاهله ولكنّه ّ
ومسوغات الفعل ،وكذلك بني األحكام االخالقيّةيبدو إذا أ ّن هناك ترابطات ضروريّة بني اخلصائص االخالقيّة ّ
مسوغات الفعل ،حبيث أنّه
والدوافع .رأى البعض كذلك أ ّن هناك ارتباطا ضرورًّاي بني األحكام األخالقيّة و ّ
يسوغ
اب أخالقيًّا (أكان حمقًّا أم مل يكن) فذلك يش ّكل له سببا ّ
شخص أب ّن شيئا ما خريٌ أو صو ٌ
ٌ حني حيكم
تصرفه بطريقة معيّنة أو اتّباعه حاال معيّنا .ورأى آخرون أ ّن هناك ارتباطا ضرورًّاي كذلك بني وجود مسوغ ألحد
ّ
معني لدى ذلك الشخص أو قابليّته لوجود ذلك ليتصرف بطريقة ما أو يتبع حاال ما وبني وجود دافع ّ ما ّ
xiii
مسوغٌ يُوجب فعل شيء ّإال ما ميكن أنالدافع .هذا االقرتاح األخري القائل ابنّه ال ميكن أن يكون هناك ّ
الضروري لكون
ّ مؤدايته كذلك ملا ميكن أن يُعتَب خريا ،إذا كان من
قول له ّ
دافع لفعله ،هو ٌيكون لدى املرء ٌ
xiv
لتصرف بطريقة معيّنة حياله.
مسوغٌ يوجب على املرء ا ّ
شيء خريا أن يُوجد ّ
ُكلٌّ االرتباطات الضروريّة امل ّدعاة جدليّةٌ ،ومع ذلك ُكلها مت اعتبارها يف صلب ما مييز األخالق .يف الوقت
األقل يتعارض
تصورات خمتلقة عن األخالق ،وبعضها على ّ ذاته ،تتالءم االرتباطات امل ّدعاة بدرجات خمتلفة مع ُّ
قي
تصورات عن األخالق ،ولذا فإ ّن الصور من الالمعرفيّة اليت ترى احلُكم األخال ّ
بشكل صريح مع بعض ال ُّ
الداخلي (إن ُوجد) بني إطالق ُحكم
ّ تبني االرتباط
سهل عليها أن ّ
مسألة تعبري عن موقف دافع لدى املرء ي ُ
أخالقي بصدق ووجود دافع متناسب معه لدى املرء ،بينما أ ّن بعض الطروحات الطبيعانيّة املعرفيّةّ
علم اتم،
تعرف اخلرييّة ابلقدرة على ضمان القبول ممّن لديه ٌ
) ،(naturalist cognitivistكتلك اليت ّ
كم بصدق على شيء أبنّه سيضمن القبول دون أن يكون لذلك الشخص يلزم يف ضوءها أنّه ميكن لشخص احلُ ُ
xv
أي دافع من تلك احلقيقة.
ُّ
يسوغ
تصوره هوّ - تصورا عن األخالق –بعكس ُّ األساسي هو أن أيخذ من سقراط ُّّ لقد كان هدف غلوكون
ف ّادعاء األخالق حل ّقها يف
تصوٌر كهذا ليظهر فإ ّن ذلك سيُضع ُ
مزاعم األخالق .لقد افرتض أنّه إن مل يكن ُّ
إلزامنا حىت إن بقيت لدينا أسبابنا اخلاصة لالستمرار يف اخلرافة وللعمل على امتثال اآلخرين لقواعدها .ذهب
تصور لطبيعة األخالق (ابلتحديد طبيعة العدالة)،
جزء كبري من كتاب اجلمهورية يف حماولة سقراط ّأوال وضع ُّ
أمر ذا قيمة بغض النظر عن النتائج .يف إثبات قيمة كون املرء واثنيا للمجادلة أب ّن كون املرء أخالقيًّا هو ٌ
األخالقي ،وكون صاحب الفضيلة يستفيد
ّ أخالقيًّا ،كان اهتمام سقراط هو يف إثبات كونه ذا قيمة للشخص
من فضيلته وأ ّن الفضيلة ال تقتصر على اآلخرين .إنّه حياول ابلتأكيد أن يثبت أ ّن األخالقيّة ذات قيمة للشخص
األخالقي ،وأنّه مهما كانت نتائج الظلم ومهما عظمت املصلحة فيه ،فلن تكون هلا قيمةٌ كافيةٌ لتفوق املخاسر
ّ
يف البعد عن الفضيلة.
تصور سقراط للدعائم امليتافيزيقيّة واإلبستمولوجية لرؤيته (احتكامه إىل املثل األفالطونية الثابتة غري املادية إ ّن ّ
تصوره لطبيعة العدالة
لكن ُّ
جلي ابلالطبيعانيّة وبشيء كالبدهيّة .و ّ
العقلي هلذه املثل) يُلزُمه بشكل ّّ وإىل إدراكنا
ت قيمتها ،-كلّه حيتكم إىل اعتبارات متاحة للطبيعاينّ كما هي متاحةٌ ولسماهتا احمل ّددة -الذي يعتَبُ هو ّأهنا تُثب ُ
ّلالطبيعاينّ.
.7احلرية واملسؤولية
مبا ال مفاجأة فيه ،إ ّن جمموعة اإلجاابت اليت متّ طرحها هلذه األسئلة تغطّي طيفا واسعا جدًّا .يرى البعض أ ّن
احلريّة بتلك الصورة ،أو يقولون بدال احلرية بصورة معيّنة وجيادلون أبنّنا نفتقر إىل ّ
املسؤولية األخالقيّة تتطلّب ّ
من ذلك إنّنا ّنتلكها أحياان على األقل .ويرى آخرون أ ّن احلرية ال عالقة هلا ابملسؤولية ،وأ ّن يكفي العتبار
احلرة إبرادة غري حمتمة،
يعرفون اإلرادة ّ
الناس مسؤولني أخالقيًّا أن تكون إرادهتم غري حمتمة .وهناك آخرون ال ّ
بل إبرادة حمتمة حي ّددها العقل ،ويقول أخرون غريهم إ ّن الفهم الصحيح للمسؤولية األخالقية سيُظه ُر أ ّن األسئلة
امليتافيزيقيّة بشأن طبيعة اإلرادة ال عالقة هلا ابملسؤولية األخالقية.
يخ من احملاوالت لتعريف وصياغة (والدفاع عن) املبادئ األخالقية العامة اليت إ ّن اتريخ النظرية األخالقية اتر ٌ
تبني مىت ومل تُعتَبُ األنواع املختلفة من الفعل والتقاليد والشخصيّات صائبة أو خاطئة (أخالقيًّا) ،أو عادلة أوّ
عاما ومبادئيًّا عن األخالق ليتم
تصورا ًّ
ظاملة ،أو فضيلة أو رذيلة .لقد كان االفرتاض ابستمرار هو أ ّن هناك ُّ
أي جمموعة من املبادئ اليت جنحنا يف صياغتها تقدميه ،وقد بقي هذا الفرتاض ابلرغم من أنّه ال يرى كثريون أ ّن ّ
يفسر هذا االفرتاض؟ مل ال نقول –كما يقول االنصرافيّون -particularistsإنّه من مناسبةٌ متاما .ما الذي ّ
املمكن ّأال تكون هناك أصال جمموعة مبادئ عامة مناسبة كفاية لتضع متييزات أخالقيّة؟ أو مل ال نعتَب –كما
ت أ ّن األخالق عبارةٌ عن "كيمريا"؟ املتكرر يف حتديد مبادئ مناسبة متاما يُثب ُ
يعتَب الشكوكيّون -أ ّن فشلنا ّ
أسطوري أتيت أجزاؤه من ع ّدة حيواانت).
ّ (الكيمريا حيوان
إ ّن مواجهة هذه األسئلة يعيد املرء فورا ومباشرة إىل التساؤل عن طبيعة األخالق وعن الدور الذي يُفرتض أن
عل من املعقول فكرة أ ّن املبادئ العامة أساسيّةُ
أي شيء عن طبيعة أو دور األخالق جي ُ تؤديه يف حياة اإلنسانُّ . ّ
لألخالق؟ مل ال نفرتض أنّه ميكن حلالة معيّنة من الوحشيّة أن تكون خاطئة ولغريها أن ال تكون خاطئة ،دون
طبيعي جدًّا أن نفرتض أ ّن هناكّ ليسوغ التعامل معهما على ّأهنما خمتلفتني؟ مل هوأساس ّ أن يكون هناك ٌ
ويسوغ
ابلتأكيد اختالفا آخر –كاختالف يف نتائجهما أو اختالف يف ما ّأدى إىل فعل الوحشيّة -يدعم ّ
االعتقاد أب ّن إحدامها خاطئة دون األخرى؟ مل ال نفرتض أ ّن إحدى احلالتني صدف ّأهنا خاطئةٌ وصدف أ ّن
األخرى ليست كذلك؟ أليس من املمكن أنّه يصدف أ ّن اخلصائص األخالقية مصنفة بطريقة عشوائية ،حيث
معني له صفة أخالقيّة معيّنة بينما أ ّن فعال آخر ال خيتلف عنه يسوغ كون فعل ّ إنّه يف هناية األمر ليس هناك ما ّ
ّإال ابلصفة األخالقية ،له صفة أخالقيّة خمتلفة؟ هذه االحتماالت املقرتحة ليست احتماالت حقيقيّة أبدا كما
أساسي ،مبا جيعلها تتعارض مع ّادعاء األخالق
ّ أعتقد ،ف ُكلٌّ منها يلزم منه أ ّن مطالب األخالق اعتباطيّةٌ بشكل
أظن أن إجابة جيّدة ستُبع ُد عن للشرعيّة .ولكن ما الذي مينع أن تكون األخالق بشكل أساسي اعتباطية؟ ّ
مستقل متاما عن خماوفنا وممارساتنا.
ّ الفكرة القائلة إ ّن اخلصائص األخالقيّة هي ببساطة موجودةٌ يف العامل ،بشكل
مبجرد أن يُق ّدم املرء –إن استطاع -جمموعة متّسقة ومتينة ولكنّنا حنتاج إجابة جيّدة ،وال تُعطى إجابةٌ جيّدةُ ّ
من املبادئ جنحت يف منهجة األحكام األخالقيّة احمل ّددة لألفعال والتقاليد والشخصيّات ،فال يكمن التحدي
ببساطة يف إثبات وجود ّنوذج تتبعه األحكام األخالقيّة ،وإّّنا يكمن التح ّدي يف إثبات كون هذا النموذج،
سوغ أمهّيتها.
يبني وي ّ
أي املبادئ اليت تتوافق معها األحكام األخالقيّةّ ،
المصادر
• Ayer, A. J., 1946. “A Critique of Ethics,” in Language, Truth and Logic, London:
Gollanz, pp. 102–114.
• Brink, David, 1989. Moral Realism and the Foundations of Ethics, Cambridge:
Cambridge University Press.
• Firth, R., 1952. “Ethical Absolutism and the Ideal Observer,” Philosophy and
Phenomenological Research, 12: 317–345.
• Foot, Philippa, 1958, “Moral Beliefs,” Proceedings of the Aristotelian Society, 59:
83–104.
• Gibbard, Allan, 1990. Wise Choices, Apt Feelings, Cambridge: Harvard University
Press.
• Hare, R. M., 1952. The Language of Morals, Oxford: Oxford University Press.
• –––, 1977. The Nature of Morality, New York: Oxford University Press.
• Hume, David, 1739. The Treatise Concerning Human Nature, Edited by L.A. Selby-
Bigge. Oxford: Oxford University Press. (Edited by L.A. Selby-Bigge, 1888.)
• Joyce, Richard, 2001. The Myth of Morality, Cambridge: Cambridge University Press.
• Mackie, J. L., 1977. Ethics: Inventing Right and Wrong, London: Penguin Books.
• McKeever, Sean, and Michael Ridge, 2006. Principled Ethics, Oxford: Oxford
University Press.
• Perry, R. B., 1926. General Theory of Value, New York: Longmans, Green and Co.
• Platts, Mark, 1979. “Moral Reality,” in Ways of Meaning, London: Routledge and
Kegan Paul.
• Prichard, H. A., 1912. “Does Moral Philosophy Rest on a Mistake”, in Mind, 21: 21–
37.
• Ross, W. D., 1930. The Right and the Good, Oxford: Oxford University Press.
• –––, 1991. “Being a Realist About Relativism (in Ethics),” Philosophical Studies, 61:
155–176.
• Scanlon, Thomas, 1998. What We Owe to Each Other, Cambridge, MA: Harvard
University Press.
• Stevenson, Charles, 1937. “The Emotive Meaning of Ethical Terms,” Mind, 46: 14–
31.
• –––, 1944. Ethics and Language, New Haven: Yale University Press.
• –––, 1963. Facts and Values, New Haven: Yale University Press.
مالحظات
أن األسئلة المتعلّقة بالحريّة والمسؤولية عادة ً ما تُعتَبَ ُر موضوعات لسيكولوجيا االخالق أكثر من
iمع أنّه جدير بالذكر ّ
كونها موضوعات للميتا-أخالقّ ،إال أنّه بقدر ما تلتفت هذه األسئلة إلى ما تفترضه المسؤولية وإلى مدى توافق هذه
مثال) مع الحتميّة ّ ،determinism
فإن المرء يبقى في نطاق الميتا-أخالق بالتأكيد. االفتراضات ( ً
iiانظر ً
مثال كتاب آير ،Language, Truth, and Logic ،A.J. Ayerوكتاب ستيفنسون C.L Stevenson
The Emotive Meaning of Ethical Terms
ي معيار للخير بل ببساطة وفقًاخيرا وفقًا أل ّ iiiكذلك هناك ما جادل به ليبنتز " :Leibnizفي القول ّ
إن األشياء ليست ً
إلرادة اإلله ،يبدو لي ّ
أن المرء يهدم بذلك ك ّل حبّ اإلله وك ّل جالله دون أن يدرك ذلك؛ فلماذا نمجّده لما يفعل إن كان
وحكمته إن كان لديه سلطة طاغية فقط ،و كانت اإلرادة يستحق التمجيد بنفس القدر لو فعل العكس؟ أين هي عدالته ِ
االعتباطيّة تح ّل مح ّل المعقوليّة ،وكانت العدالة كما يتفق مع تعريف الطواغيت ،تك ُمنُ في ما يرضي األقوى؟ كما أنّه
المسوغ يجب أن يسبق عمليّة اإلرادة. ّ غا لتلك اإلرادة ،وبالطبع ّ
إن هذا مسو ً
ّ أن ُك َّل عمليّة إرادةٍ تفترض
يبدو ّ
Discourse on Metaphysics II, trans. by George R. Montgomery (Open Court, 1902).
عرفيّة عن االخالق :هوبز ،Hobbesفي ،The Leviathanو هيوم Humeفي A Treatise ت ُ تصورا ٍ
ُّ ivم ّمن قدّموا
،of Human Natureوكذلك مؤ ّخ ًرا ً David Gauthie
مثال ،في .Morals by Agreementوقد قدّم غلوكون
Glauconصياغةً مب ّكرة ً في الكتاب الثاني Book IIمن جمهورية أفالطون Republic
vانظر كتابه .A Treatise of Human Nature, Book III, Part I, Section I, p. 469
viiانظر ً -
مثال.Ross (1930) and Huemer (2005) -
viiiيميّز الخط األول من النقد بمن يدافعون عن صورةٍ ما من الالمعرفية ( non-cognitivismمثل ستفينسون
،Stevensonوآير ،Ayerوهير ،Hareوبالكبيرن ،Blackburnوغيبارد ،)Gibbardبينما يتبنّى الثاني عادةً
معرفيّون cognitivistsمائلين ّ
لالطبيعانية .naturalism
Ogden and Richards, The Meaning of )‘Meaning’ (1923 انظر: ix
xباالستناد إلى فريجه ،Fregeأشار كيج )1964( Geachإلى الفكرة متحدّيًا الالمعرفيّين ليبيّنوا صحة استدالالت من
مثل" :إذا كان الكذب على أخي يؤلمه ،فالكذب على أخي خطأ"" ،والكذب على أخي يؤلمه"" ،إذًا فالكذب خطأ".
يبدو االستدالل صحي ًحا تما ًما ،ولكنّه ال يكون صحي ًحا ّإال إن كانت عبارة "(هو) خطأ" ،تحمل في المقدّمة األولى نفس
التصورات الالمعرفيّة يبدو أنّها ال تحمل نفس المعنى في الحالتين ،إ ّما
ُّ المعنى الذي تحمله في النتيجة ،ولكن بحسب
أمر) فهوألنّها في الحالتين ال معنى لها ،أو ألنّها إن كان لها معنى (كطريق ٍة للتعبير عن موقف أو عاطفة أو إمالء ٍ
ي موقفٍ محدّد بشأن الكذب يختلف في المقدّمة عنه في النتيجة ،وذلك ألنّني في قبول المقدّمة لست بالضرورة أتّخذ أ ّ
أن قبول النتيجة هو بالتحديد اتّخاذٌ لموقفٍ محدّد تجاه الكذب على أخي .إذا كانت المقدّمتين تَلزَ ُم منهما
على أخي ،بينما ّ
النتيجة كما تشير صحّة الحجّة الظاهرة ،فكيف يمكن هذا إن لم تكن المقدمتين ( كما يقول المعرفيّون) تشتلزمانها بفضل
األقوال الالتي تعبّران عنها؟
ت ضروريّ ٍة كهذه يُعتَبَ ُر صورة ً من صور ما أصبح يس ّمى بالداخليّانيّة .internalism إن االدّعاء بوجود ارتباطا ٍ َّ xiii
من الصعب تحديد سبب كون الناس يصفون االرتباطات الضروريّة ذات الصلة بأنّها "داخليّة" .قد يكون ذلك ّ
ألن
أن مفهوم كون ض أن تُف ّ
َسرها فكرة ُ ّ مسو ً
غا -يُفت ََر ُ خيرا وبين كونه ّ ضرورة وجود الرابط –كالرابط ً
مثال بين كون الشيء ً
كثيرا
أن ً بدال من ذلك أن يكون السبب هو ّ غا .أو يمكن ًمسو ً
يرا يشتمل في داخله على لزوم أن يكون هذا الشيء َّ شيءٍ خ ً
ّ
ي أو من يضع حك ًما أخالقيًّا ،أو أنها ّ َ
من االرتباطات ال ُمفت ََرضة يُعت َقدُ أنها ارتباطاتُ بين أشياء داخليّ ٍة في الفاعل األخالق ّ
خيرا) وأشياءٍ داخليّة فيه (ربّما كحالته من حيث ً على األق ّل تربط بين أشياء قد تكون خارجةً عن الفاعل (ككون شيءٍ
تختص باألخالق، ّ إن مجموعة االرتباطات ُمفت ََرضة الضروريّة التي قد تم طرحها على أنّها ي حالّ ، الدافع) .على أ ّ
بدال من مناقشة "الداخليّانيّة األخالقيّة" كما طرح على حدة ً
ٍ ّ
ل ِ ُ
ك في النظر للمرء األفضل من ه ّ ن أ درجة إلى متعدّدة ٌ ً
كثيرا
لو أنّها اس ٌم لرؤي ٍة واحدة.
xivانظر ،W. D. Falk (1947) :و ) ،Bernard Williams (1981و ).Michael Smith (1994
التصورات
ُّ ي والدافعيّة عندما ينتقد كبير على االرتباط بين الحكم األخالق ّ ٍ xvيعتمد هيوم ) Hume (1739بشك ٍل
ي لألخالق ،ولكنّه من المهم العقالنيّة rationalistعن األخالق ،التي ال يمكن لها –حسب قوله -أن تفسّر األثر العمل ّ
ليتصرف وفقه.
ّ بدافع
ٍ ق دون أن يشعر ذكر كَونِه رأى ّ
أن المرء يمكن له أن يدّعي ُحك ًما أخالقيًّا بصد ٍ
أن وضع العهود أو عدم وضعها ،والوفاء بها أو عدم xviانظر كالم هوبز Hobbesعن المغفّل الذي "قال في نفسه ّ
ف بها أحيانًاأن هناك عهودًا ،وأنّها يُخلَ ُالوفاء بها ،ليس ضد المنطق حين يصبّ في مصلحة المرء .هو ال ينكر بذلك ّ
أن الظلم –بعيدًا عن خشية فظها بالعدالة ،ولكنّه ّ
يشك ّ وصف نَبذِها بالظلم ويمكن وصف ِح ِ ُ ويوفى بها أحيانًا ،وأنّه يمكن
صة عندماً إنسان بمصلحته ،خا ّ ٍ هللا (فالمغفّل ذاته ال يؤمن باهلل) -قد يوافق ذلك المنطقَ أحيانًا ،المنطق الذي يُملي على كل
يصبّ الظلم في مصلحته هذه ،بحيث تضعه في حال ٍة ال تدعو لتجاهل الذ ّم والشتم فحسب ،بل لتجاهل سلطة اآلخرين
كذلك".
[(1839), Part I, chapter ]XV.
ً ّ
ماكرا عاقال قد يرى في بعض األحيان أن فعال من اإلثم أو الكفر سيزيد في ً ّ
ضا مالحظة هيوم Humeبأن " ً انظر أي ً
ّ ً ً ً
ي قد تكون قاعدة عا ّمة جيّدة أن الصدق . كبيرا في للوصائل واالتحاد المجتمع ّ
ً ً ّ
ثروته بشك ٍل كبير دون أن يشكل خرقا
أن من يمتثل للقاعدة العا ّمة ويستغ ّل كذلك استثناءاتها فهو عرضةٌ لكثير من االستثناءات ،وقد يُرى ّ أفضل السبل ،ولكنّها ُ
الحكمة". من عالي ٍة بدرج ٍة يتصرف
ّ
][(1751) Section IX, Part II.